الموضوع: هذا الحبيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-04-21, 08:05 AM   #202
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (01:52 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب « 189 »
السيرة النبوية العطرة (( حادثة الإفك ))
______
كانت عائشة – رضي الله عنها - مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني المُصْطَلق كما ذكرنا ، وفي طريق العودة ، وبعد أن اقترب الجيش من المدينة، وقف الجيش في أحد الأماكن ليستريح ، وكان ذلك في الليل ، وذهبت السيدة عائشة – رضي الله عنها - لتقضي حاجتها فابتعدت عن الجيش ، وعندما عادت وجدت أنها قد فقدت عقدا ثمينا لها كانت قد أعطته لها أمها عند زواجها ، فعز عليها العقد ، وعادت مرة أخرى إلى المكان الذي كانت فيه لتبحث عن العقد ،

وتأخرت بعض الوقت ، وبدأ الجيش يتحرك ،وجاء الذين يحملون هودجها ، فحملوا الهودج ، ووضعوه على البعير وهم يعتقدون أن السيدة عائشة بداخل الهودج ، حيث كانت في ذلك الوقت خفيفة الوزن . [[ والهودج هو غرفة صغيرة من الخشب توضع فوق الجمل وتركب فيه المرأة حتى لا يراها أحد ]] . و ارتحل القوم بسرعة ، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – كان قد تعجّل بهم ليشغلهم عن فتنة المنافق ابن أبي سلول .

عادت السيدة عائشة إلى منزلها في المعسكر فوجدت الجيش قد تحرك ، فخافت أن تسير خلف الجيش فتفقد طريقها ، وكان الوقت ليلاً ، فجلست مكانها وقالت في نفسها : إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما يكتشف عدم وجودها ، فسيعود مرة أخرى .ثم غلبها النعاس فنامت في مكانها .

في ذلك الوقت كان أحد الصحابة واسمه (( صفوان بن المعطل )) يسير خلف الجيش متأخرا عنه – وهذه من عادة الجيش حتى إذا وقع أي شيء من متاع الجيش أخذه معه ، وهو من خيرة الصحابة ، وكان صفوان لا يسير بالليل ، وإنما يسير في الصباح حتى يظهر له ما وقع من الجيش ، فرأى سواد إنسان من بعيد ، فاقترب فإذا بها عائشة مستغرقة في النوم ، فاسترجع بصوت مرتفع [[ قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ]]

حتى يوقظها ، فاستيقظت من نومها وغطت وجهها بجلبابها ، وأناخ صفوان راحلته، وركبت السيدة عائشة وانطلقا . [[ الجمل يمشي خلف صفوان و عليه السيدة عائشة، وصفوان يسير أمام الجمل، حتى وصلا إلى الجيش وقت وصوله إلى المدينة ، تقول عائشة: والله ما كلمني كلمة واحدة ]] .

وشاهد المسلمون السيدة عائشة على راحلتها يقودها صفوان ، هنا كان رأس النفاق {{ عبد الله بن أبي بن سلول}} يمتلئ قلبه غيظا من النبي - صلى الله عليه وسلم – فاستغلّ الفرصة مباشرة ، وقال للمنافقين حوله ليلفت أنظارهم و يبثّوا الموقف لأهل المدينة : انظروا زوجة نبيّكم يقودها صفوان ليلة كاملة ؟!!

[[وهذا من خبث المنافق ، مثل بعض الناس هالأيام، فلانة ما بدي أحكي عليها ولا اشي !! بس بقول الله يعافينا. . . يعني كل الصفات السيئة فيها !! ]] .وأخذ المنافقون يرددون كلامه في المدينة بالتلميح دون التصريح حتى لا يؤخذ عليهم أي شيء، فقد فضحهم القرآن قبل ليلة ، ولا ينقصهم مشاكل أخرى ، فتلقّفه الآخرون وقالوا ما قالوا .

أما النبي - صلى الله عليه وسلم – فقد سأل عائشة عن سبب تأخرها وأخبرته بما حدث ، فقبل الأمر ، وانتهى الموضوع . لكنه لم ينته عند أصحاب القلوب الحاقدة ، والألسنة الكاذبة .

دخلت عائشة بيتها وكانت مريضة بسبب عناء السفر والنوم في العراء ، فظلت مريضة شهرا كاملا لا تخرج من بيتها ، والناس في المدينة يتحدثون عنها وعن صفوان بن المعطل وهي لا تعلم شيئاً ، ولكن الذي لاحظته أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل عليها لا يتلطف لها كما اعتاد أن يفعل كلما كانت مريضة ،فقد كان يدلّعها في مرضها و يظهر لها العطف و الحنان ، أما الآن فيقول لمن حولها : كَيْفَ تِيكُمْ ؟؟

[[ اسم إشارة مؤنث في اللغة : أي كيف حال هذه المرأة ؟ شو أخبارها ؟ ]] ، فتقول عائشة : أنكرت هذه الكلمة، وقلت في نفسي لعله همه أمر المنافقين و ابن سلول !! وكان هذا الموقف من أشد الابتلاءات التي مر بها - صلى الله عليه وسلم - لأنه يُطعن في عِرضه وشرفه .

اقتربت السيدة عائشة من الشفاء فخرجت مرة مع قرابتها {{ أم مسطح }} ، فعثرت أم مسطح بثوبها فقالت : تعس مسطح !!

[[ كعادة بعض النساء يا بتدعي على حالها يا على أولادها يا على حظها مع زوجها !! ]] فقالت لها عائشة : بئس ما قلتِ يا خالة !!!! أتسبّين رجلاً شهد بدراً ؟؟!! قالت لها أم مسطح : يا هُنتاه!!

[[ يعني يا مسكينة يلي ما معك خبر شي ]] أولم تسمعي ما يقوله الناس عنك ؟؟ !! فأخبرتها أم مسطح بكل ما يقوله الناس عنها ، وبكل ما خاضوا فيه طوال شهر كامل – كما أخبرها ابنها مسطح - فصُعقت السيدة عائشة من هذا الكلام ، وعادت إلى بيتها مسرعة.

تقول السيدة عائشة : فانفجرت بالبكاء ، وما توقفت دموعي أياما ، و لم أذق الطعام ، وازددت مرضا على مرضي ، فاستأذنت النبي في الذهاب إلى بيت أهلي فوافق . وعندما وصلت سألت أمي : يا أماه ، ما يتحدث الناس ؟؟ فقالت : "يا بنية هوني عليك ، فوالله لقلما كانت امرأة جميلة مثلك عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرن عليها " . عندها تأكدت السيدة عائشة من المعلومة، فزاد مرضها وأغشي عليها .

و كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في كرب شديد ، سأل أصحابه ، فقال له زيد : يا رسول الله ، أهلك ، أهلك، ما علمنا عنهم إلا خيرا . وقال له علي : يا رسول الله لم يضيق الله عليك ، والنساء سِواها كثير ، ثم أشار إليه باستجواب خادمتها {{ بريرة }} التي قالت : لا والذي بعثك بالحق والله ، إن عائشة أطيب من الذهب . وأما عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – فقال : ألم تخبرنا يا نبي الله أن عائشة هي زوجك في الدنيا و الآخرة ؟ قال له النبي : بلى . قال : إذن يا رسول الله ، إن الله لا يختار لك زانية ، وهي بريئة مما يُقال عنها .

والنبي - صلى الله عليه وسلم واثق – من براءتها ، ولكنه رسول الله ، و قدوة لأمة كاملة إلى قيام الساعة ، لذلك كان يريد حجة ليواجه المنافقين ، والمصيبة تدور في بيته منذ أكثر من أربعين ليلة .

ثم جاء النبي - صلى الله عليه وسلم – إلى عائشة في بيت والديها ، وجلس إلى عائشة، [[ وكانت هذه هي أول مرة يجلس إليها منذ بدأ الناس حديث الإفك ]] فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا عائشة ، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيظهر الله براءتك ،وإن كنت ألممتِ بذنب ، فاستغفري الله وتوبي إليه .

تقول عائشة : كنت أبكي بلا توقف ، وطلبت من أبي و أمي أن يُجيبا نبي الله ، فلم يتكلما بكلمة واحدة !! فكأنهما يصدّقان ما يُقال عني !! فقلت : والله ما أجد لكم مثلاً إلا قول أبي يوسف [[ تقول عائشة غاب عني اسم يعقوب من الصدمة ]] ، قَالَ {{ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }} تقول ثم أجهشت بالبكاء . وما هو إلا وقت و إذا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يجهد جهداً شديدا ، وغشيه ما غشيه من نزول الوحي ، وأخذ جبينه يتصبب عرقاً .

فلما سُرّي عنه [[ أي ذهب الوحي ]] ابتسم في وجهي وضحك ، فكان أول كلمة قالها – عليه الصلاة و السلام - : أبشري يا عائشة فقد برَّأكِ الله . فسجدت شكرا لله ، وهنا كان سنة سجود الشكر لله تعالى ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرّه .

تقول عائشة – رضي الله عنها - : فوالله ما كنت أظن أن ينزل في شأني قرآنا يُتلى إلى قيام الساعة ، لأنا أحقر في نفسي أن ينزل الله بي قرآنا ؛ ولكني كنت أظن أن يرى رسول الله رؤيا صادقة تبرئني . ثم تلا قوله تعالى :

{{ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ *لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ }}

نزلت آيات من سورة النور تناولت هذه القضية الهامة، وهي قضية اتهام الناس في شرفهم بالباطل ، ووضعت لذلك عقابا دنيويا رادعا وهو الجلد ثمانين جلدة، وطُبق هذا العقاب بالفعل في ثلاثة من الذين ثبت بالفعل تناولهم هذا الأمر بكلمات صريحة واضحة لا تأويل فيها وهم : مسطح بن أثاثة ، حسان بن ثابت ، حمنة بنت جحش أخت زينب زوجة النبي .

أما {{عبد الله بن أبي بن سلول}} فلم يطبق عليه الحد لأنه - كما ذكرنا – خبيث شرّير، فلم يتكلم في هذا الأمر بكلمات صريحة ، ولكن توعده الله تعالى هو وأصحابه من المنافقين بالعذاب الشديد يوم القيامة، فقال تعالى :
(( وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ )) . فإياكم وأعراض الناس ، و إياكم و قذف المحصنات ؛ فكلّنا عنده بنات وأخوات وعمات وخالات ، فاحرص على عِرض غيرك كما تحرص على عِرضك ،

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم