الموضوع: هذا الحبيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-19-21, 08:51 AM   #216
عطاء دائم

آخر زيارة »  يوم أمس (08:23 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب « 203 »
السيرة النبوية العطرة (( عام السرايا / إسلام ثُمامة أول معتمر في الإسلام ))
______
نحن الآن في العام السادس من الهجرة ، ويسمى هذا العام {{ عام السرايا }} أرسل فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - {{ ١٦ سرية }} ، وخرج بنفسه - صلى الله عليه وسلم - قيل مرتان وقيل ثلاث ، ووقعت في بعض هذه السرايا مصادمات ، واستشهد فيها عدد من المسلمين ، وجرح أيضا عدد آخر ، وفي المقابل قّتل فيها عدد من المشركين ، و جرح آخرون .

وكان الهدف من هذه السرايا هو إظهار هيبة المسلمين ، و تخويف أعداء المسلمين الذين لم يستكينوا بعد ولم يتأدبوا ، خاصة بعض القبائل حول المدينة ، والتي شاركت جيش الاحزاب ، وهذا دليل على حكمة القائد المسلم ، النبي ، القدوة لنا في كل شيء صلى الله عليه وسلم .

من هذه السرايا سرية [[ زيد بن حارثة ]] رضي الله عنه ، فقد أرسله الرسول - صلى الله عليه وسلم – ومعه 170 مقاتلا إلى [[ العيص ]] لاعتراض عيرا لقريش في إطار الحرب الاقتصادية عليهم ،

والعيص مكان يبعد عن المدينة ٢٢٠ كم، وهو في طريق تجارة قريش إلى الشام، وهذه هي ثاني مرة يرسل فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - سرية إلى هذا المكان لاعتراض عيرا لقريش، وكانت المرة الأولى، هي سرية عمه {{حمزة بن عبد المطلب }} - رضي الله عنه - في بداية أشهر الهجرة . واستطاعت سرية زيد بن حارثة أن تستولي على القافلة بالكامل ، وأسروا أيضا بعض رجالها .

ومن هذه السرايا سرية {{ محمد بن مسلمة إلى بني القرطاء }} ، فلما أغار المسلمون عليهم هربوا ، فأخذ المسلمون إبلهم و مواشيهم ، وعفا محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - عن نسائهم ، فلم يأخذهنّ سبايا .

وفي طريق عودتهم إلى المدينة رأى محمد بن مسلمة راكبا يعدو بخيله في الطريق ، فظن أنه من الرجال الذين فروا من القوم ، فانطلق المسلمون نحوه وأخذوه أسيراً ،والصحابة لا يعرفونه ، وهذا الرجل لم يعرّفهم على نفسه ، ولم يكلمهم [[ عنده عزّة نفس ، فهو سيّد قومه ، إنّه ثمامة بن أثال ]] ، سيد بني حنيفة من أهل اليمامة - من قومه خرج مسيلمة الكذاب - ، أسره الصحابة وهم لا يعرفونه ، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم – عرفه وقال لأصحابه : أتدرون من الرجل ؟ إنّه ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة ، فأحسنوا إليه .

ربط الصحابة ثمامة في أحد سواري المسجد ، وأحسنوا معاملته ، وقدّموا إليه أحسن الطعام من بيوتهم و من حجرات زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم - ، وكان كلّما مرّ به – عليه الصلاة و السلام - قال له : ماذا عندك يا ثمامة ؟ فيقول ثمامة : عندي خيريا محمد !! إن تقتلني تقتل ذا دمٍ [[ يعني إن قتلتني أنا سيد القوم ، وسيأتي قومي لأخذ الثأر ]] ، وإن تُنعم تُنعم على شاكر [[ يعني إن تنعّمت علي وتركتني ، ستجدني شاكرا لمعروفك ]] ،

وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت [[ اطلب اللي بدك ياه ، مثل ما نقول اليوم شيك مفتوح ]] .
[[ حبيبي يا رسول الله ، تركه هكذا عن قصد في المسجد حتى يسمع بلالا وهو يؤذّن الله أكبر الله أكبر ، ويرى صلاة المسلمين ، ويسمع القرآن من النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي بهم ،ويسمع حديثه مع المسلمين ، ويرى كيف يتعامل المسلمون مع بعضهم البعض بالحب والود والرحمة، قال تعالى : " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ " ]]


واستمر ذلك مدة ثلاثة أيام ، بعدها قال لأصحابه : أطلقوا ثمامة [[ هكذا دون أن يطلب منه فداء ، وكل ذلك كان طمعا في إسلامه و إسلام قومه ]] . فلما أطلقوا ثمامة ، ذهب قريبا من المسجد ، ودخل بين النخيل والأشجار واغتسل ، ثم دخل إلى المسجد وقال : يا محمد ؛ والله ما كان على الأرض كلها وجهٌ أبغضَ إليَّ من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي . يا محمد !!

والله ما كان على الأرض كلها دين أبغض إليَّ من دينك ؛ فأصبح دينك أحب الدين كله إليَّ . يا محمد !!! أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . ففرح النبي - صلى الله عليه وسلم – بإسلامه [[ فهو سيد قومه والناس تتبع أسيادهم ]] ، وأمر أصحابه أن يعلموه أمور الدين . يقول الشافعي رحمه الله :

- أحسن إلى الأحرار تملك رقابهم ... فخير تجارات الكرام اكتسابها
- ولا تمشينّ في منكب الأرض فاخراً ... فعمّا قليل يحتويك ترابها
فلما قضى أياماً استأذن النبي أن يذهب إلى مكة لأداء عمرة . فأذن له ، ودعا له بخير .(( فلما دخل مكة ، رفع صوته بالتلبية )) ،

وبعد أن طاف كما علمه الصحابة ، قالت له قريش : يا ثمامة ، صبوت ؟؟ قال : لا ، بل أسلمت مع محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالوا : وجئت تغيظنا بتلبية محمد، قدموه فلنضرب عنقه !! فقام رجل من قريش وقال : ويحكم !!!! أنسيتم أنه سيد بني حنيفة ؟؟ منها نأخذ الحبوب و أعلاف الماشية ؟؟

فتوقفوا عن عقوبته . فقال لهم قبل أن يغادر صحن الكعبة : والله لا يأتيكم حبة حنطة

حتى يأذن فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - .
دعا ثمامة قومه إلى الإسلام لما فيه من رحمة فأسلموا ، ومنع قومه من اليمامة أن يرسلوا لقريش شيئا ، و أمرهم بمقاطعة قريش وتجارها ، حتى ضاقت أحوال مكة الاقتصادية بهذه المقاطعة ، فكتب أبو سفيان و سادة قريش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألونه بأرحامه أن يكتب إلى ثمامة وقومه أن يسمحوا بإرسال الحبوب والمواد الغذائية إلى مكة .

ومن كرم أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى ثمامة وقومه أن لا يمنعوا خيرات اليمامة عن مكة ، وأن تبقى الأمور على ما كانت عليه قبل إسلام ثمامة .
[[ أتذكرون قريشا كيف حاصرت المسلمين في شعب أبي طالب ثلاث سنوات ، حتى كان المسلمون يأكلون أوراق الشجر؟؟ أتذكرون ؟؟ انظروا الآن إلى رحمته – عليه الصلاة و السلام - بالشيوخ والنساء والأطفال في قريش !! ]] .

هكذا هو الإسلام ، دين الرحمة و الإخاء ، دين السماحة و المحبة ، يجذب القلوب و العقول . وقد اعتزّ قوم ثمامة بإسلامه و أنّه أول من رفع صوته بالتلبية في مكة ، فقال شاعرهم :

ومنا الذي لبّى بمكة معلناً ... برغم أبي سفيان في الأشهر الحرمِ

وحتى لا يظن البعض أن ما قام به النبي - صلى الله عليه وسلم – مع ثُمامة يدل على ضعف المسلمين ، لنأخذ الجانب الآخر .

جاء الإسلام ووضع الأمور في مواضعها ؛ فالرحمة موجودة ، و الشّدة موجودة ، ولكل شيء وقته ، فقد شاع الخبر بين العرب كيف أحسن النبي إلى ثمامة ، وظنوا أن المسلمين
[[ طيبين بينضحك عليهم بكلمتين وايش ما عملت معهم ، يعفو ويصفحوا ]] ، فجاء رجال إلى النبي من قبيلتي {{ عُكَل وعُرَينة }} ،

وأعلنوا إسلامهم ، وكانوا يشكون مرضا في بطونهم ، فأمر أن يلحقوا بإبل الصدقة، و أن يشربوا من لبنها ، وأن يغتسلوا من بولها ليزول المرض . فلما تعافوا ارتدوا عن الإسلام ، واعتدوا على راعي الإبل ، ومثّلوا به ، وقطعوا يده ، ورجله ، وقلعوا عينيه ، وغرزوا الشوك في لسانه ، ثم ألقوه قتيلا في العراء بين الصخور ، و سرقوا إبل الصدقة ، وهربوا . فصدق فيهم قول الشاعر :

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته .... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

وعندما وصل الخبر إلى النبي – صلى الله عليه و سلم – غضب غضبا شديدا ، وأرسل في طلبهم عشرين من الصحابة، فأدركوهم في الطريق ، و أحاطوا بهم ، وأسروهم ، وربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة .
وانظروا ماذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ب (( قُطّاع الطرق )) ليكونوا عبرة لغيرهم :

أمر أن تسمل أعينهم كما سملوا عين الراعي [ العقوبة بالمثل ] ، ثم أمر أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، [[ تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ]] ، ثم أمر أن يلقوا في الحرة ، وأخذوا يطلبون الماء من شدة العطش ، فأمر النبي أن لا يسقوا حتى يموتوا .... فماتوا عطاشا .
فنزل قوله تعالى يؤيّد فعل نبيّه :

{{ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }} .

.ولم يسمل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك عينا . فعلم العرب حول المدينة ، أن عند محمد رسول الله الكرم والرحمة ، والشدة والبطش وكل إنسان يعامل حسب فعله .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم