الموضوع: هذا الحبيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-01-21, 08:57 AM   #257
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (05:13 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب « 244 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة تبوك / ج1 " التجهيز للغزوة " ))
________
نحن الآن في بداية العام التاسع للهجرة، ويُطلق عليه أيضا {{عام الوفود }} فقد كان فيه مجيء القبائل العربية لمبايعة النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام ، [[ طبعا الوفود لم تنحصر في عام واحد ، فمنذ فتح مكة إلى حجة الوداع والوفود تأتي إلى المدينة تعلن إسلامها ]] ، ومع مجيء هذه الوفود - خاصة التي تسكن على أطراف بلاد الشام - حملت هذه القبائل للنبي – عليه الصلاة و السلام -

أخبارا تفيد بأنّ {{ الإمبراطورية الرومانية }} تحشد جيوشها من الروم و العرب و الغساسنة لغزو الجزيرة ، وهي أخبار في غاية الخطورة، وقد وصلت هذه الجيوش إلى منطقة {{ البلقاء }} وهي المنطقة الموجودة الآن في شمال غرب الأردن [[ ملاصقة للضفة الغربية الفلسطينية]] ، وكان سبب حشد هذه الجيوش هو خوف الإمبراطورية الرومانية من التصاعد السريع لقوة الدولة الإسلامية والرغبة في كسر شوكة المسلمين قبل أن يستفحل خطرها ، خاصة بعد مواجهة {{غزوة مؤتة }} التي أذلّت جيشهم و أوقعت بهم خسائر فادحة ، فأرادت أن تقضي عليها في عقر دارها .


اتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - القرار السريع والحاسم بالخروج لقتال الروم في الشام قبل أن يتحركوا هم في اتجاه المدينة ،مع أن الجيش الذي سيظل في مكانه سيتمتع بميزة هامة، وهو أن الجيش الآخر سيصل إليه مرهقا ،لأن المسافة بين المدينة وبين الشام طويلة جدا، تزيد عن {{ 100 كم }} في صحراء قاحلة، وطرق وعرة، وحرارة شديدة ، ومع ذلك اتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - القرار بالزحف في اتجاه الشام ، ومع علمه أن الجنود الرومان والغساسنة لا يتحملون التوغل في الصحراء هذه المسافة الطويلة وفي هذه الحرارة العالية .

وكان السبب في زحف النبي إليهم أيضا هو أن عددا كبيرا من القبائل بين المدينة وبين الشام قد دخلت في الإسلام ، فلو بقي النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة وترك هذه القبائل في مواجهة الجيوش الرومانية فهذا معناه التدمير الكامل لهذه القبائل ،و النبي – عليه الصلاة و السلام – مسؤول أيضا عن أمن هذه القبائل ، وليس فقط المدينة المنورة ، كذلك تحرك الجيش باتجاه الروم هو قوة و إظهار هيبة للمسلمين .

إذن أمر النبي – عليه الصلاة و السلام - الصحابة بالتجهز للقتال، وقد بلغ حبيبنا - صلى الله عليه وسلم - من العمر الآن {{ ٦٢ عاما }} وهذه الغزوة ستكون آخر غزوة له ، وكان الأمر الإلهي قد نزل بقتال الكفار الأقرب فالأقرب ،

قال تعالى : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً }} ، ومعنى {{ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ }} يعني أقرب الكفار من دياركم، والروم في الشام هم الآن أقرب الكفار إلى المسلمين بعد أن فتح الله على المسلمين مكة و الطائف و خيبر و غيرها من المناطق ، كما أرسل – عليه الصلاة و السلام - إلى القبائل العربية التي دخلت في الإسلام، وبعث إلى مكة وقبائل العرب ليستنفرهم للقتال .

ولأول مرة يعلن - صلى الله عليه وسلم – عن وجهة الجيش ، فقد كان من عادته أن يخفي وجهة الجيش حتى يفاجئ أعداءه، ولكن في هذه الغزوة لم يخفِ وجهة الجيش لعدة أسباب ؛ أهمّها :

أن المسافة بعيدة جدا والطرق وعرة والحر شديد، فينبغي أن يستعد المسلمون لذلك بتجهيز المؤن وغيرها، لدرجة أن النبي -صلى الله عليه وسلم - أمر أن يصحب كل رجل معه نعلين ، كذلك فإن الجيش به عدد كبير من الأعراب الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم، فكان لابد من الإعلان حتى لا تحدث معارضة من هذه الإعداد الكبيرة بعد الخروج ،أيضا إن إخفاء الجيش في هذه الغزوة أمر صعب جدا نظرا لضخامة الجيش وبُعد المسافة . وقد تسارع الصحابة في الصدقة لتجهيز جيش تبوك

(( جيش العسرة )) ، وكانت لأغنياء الصحابة نفقات عظيمة ،كالعباس بن عبد المطلب، وطلحة بن عبيد الله، ومحمد بن مسلمة، وعاصم بن عدي وغيرهم الكثير، وتصدق {{ عبد الرحمن بن عوف}} بنصف ماله، وكانت حوالي {{ ٢٤ كيلو }} من الفضة . وهنا لي وقفة ،،للأسف الكثير من المسلمين يتصورون أن الصحابة كانوا كلهم فقراء ، و محتاجين !! حتى قالوا إن النبي - صلى الله عليه وسلم – مات وهو يعاني الفقر !! كيف ذلك و قد قال لعائشة – رضي الله عنها – في أيام وجعه الذي مات فيه :

" ما فَعلَتِ الذَّهَبُ؟ قُلتُ: ها هو ذِهْ عِندِي يا رَسولَ اللهِ. قال: ائْتِيني بها. وهي بَينَ التِّسعةِ والخَمسةِ، فجَعَلَها في كَفِّه، ثم قال: ما ظَنُّ مُحمدٍ باللهِ لو لَقيَ اللهَ وهذه عِندَه؟ أنفِقيها " . إذن كان عنده ما يكفي حاجته وحاجة أهل بيته ، ولا حاجة لأن يطلب دَينا من أحد .

وقد تصدق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - بنصف ماله كذلك، وكانت ثلاثة آلاف درهم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك ؟ فقال عمر: مثله .

ثم أتى أبو بكر، وتصدق بأربعة آلاف درهم ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما أبقيت لأهلك ؟ فقال أبو بكر: أبقيت لهم الله ورسوله . فقال عمر: لا أسابقك إلى شيء أبدا . وتصدق فقراء المسلمين بما يقدرون عليه، حتى أن بعضهم تصدق ببعض التمر . وبعثت النساء بحليهنّ ليشاركن بتجهيز هذا الجيش .

أما أكبر من أنفق في هذا اليوم فهو {{عثمان بن عفان}} ، وكان عثمان ذا مال كثير والسبب أنه ورث من أبيه المال الكثير، تذكرون جيش أبرهة أصحاب الفيل ؟ كانت أموالهم بعد أن هزمهم الله بالطير الأبابيل غنيمة لأهل مكة ، فكان أبوه ممن جمع من هذا الجيش الغنائم الكثيرة ،فلما مات ورثها عثمان رضي الله عنه.

ويُروى أنّ عثمانُ – رضي الله عنه – جاء إلى النَّبيِّ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - بألفِ دينارٍ ذهبيّة في كمِّهِ حينَ جَهَّزَ جيشَ العُسرةِ فنثرها في حجر النبي – صلى الله عليه وسلم - حتى يسد حاجة الجيش ، وحاجة من أتى راغبا في الجهاد ولا يجد ما يُحمل عليه ، فقالَ عبدُ الرَّحمنِ بن سمرة : فرأيتُ النَّبيَّ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - يقلِّبُها في حجرِهِ ويقولُ : ما ضرَّ عثمانَ ما عَمِلَ بعدَ اليومِ ، وكررها مرتين .

ومع كل هذه النفقة فلم تكفِ الأموال لتجهيز كل من أراد الخروج للجهاد في هذا الجيش ، فلم يكن عند المسلمين ما يكفيهم من الجمال و النوق و البعران ، فكان يأتي البعض إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون : يا رسول الله ، احملنا ! فيقول لهم : والذي نفسي بيده لا أجد ما أحملكم عليه ؛

فيبكون من شدة الحزن ، [[ مش ببكوا على خسارة فريقهم بكرة القدم !! ولا على مسلسل تركي مات فيه العشيق !! ولا على واحد فاز في مسابقة غناء أمام لجنة كلها فسق و عري!! كانوا يبكون لأنهم لا يجدون ما يحملهم للذهاب إلى الجهاد في سبيل الله و قتال الأعداء ، ورفع راية الإسلام ، مش رفع راية فريق أجنبي على ظهر السيارة ، و إطلاق الزامور وإزعاج الناس !! لا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم اهدِ شباب المسلمين و بناتهم إلى الخير واتّباع طريق الحق ]] .


وقد سجل القرآن الكريم لأولئك الصحابة هذا الحزن ، وذلك البكاء ، قال تعالى يصف حالهم : {{ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ }} .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم