الموضوع: هذا الحبيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-07-21, 09:11 AM   #258
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (06:17 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب « 245 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة تبوك ج/2 " موقف المنافقين " ))
________
رأينا موقف الصحابة المؤمنين الصادقين في التبرع لتجهيز الجيش، ولنأخذ الآن في المقابل حال المنافقين ؛ فقد قام {{ عبدالله بن سلول رأس المنافقين }} وجمع من هم على شاكلته في النفاق في فناء داره ، وجلس يحدثهم : [[ بلُغتنا اليوم :جلس يعطيهم تحليله السياسي لهذه المرحلة ]] فقال لهم : يغزو محمد بني الأصفر مع جهد الحال والحرّ والبلد البعيد ؟؟!!

يحسب محمد أن قتال بني الأصفر معه اللعب ؟؟ [[ مفكر قتالهم لعبة ]] والله لكأني أنظر إلى أصحابه مقرنين في الحبال ، ولا أرى محمدا ينقلب إلى المدينة أبدا ، إنا لنخشى بني الأصفر ونحن في ديارنا أنذهب إلى ديارهم ؟! {{ بنو الأصفر يقصد الروم : لأن أغلبهم لون بشرتهم وشعرهم أشقر قريب للصفار، كذلك يتعاملون بالذهب في التجارة و اللباس و صناعة الأواني بشكل كبير }}،

وكان يقول ذلك الكلام ليحبط الناس حتى يتخلفوا عن الخروج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

ولقد أورث ابن سلول هذا المعتقد في المنافقين إلى أيامنا هذه ، فالمنافقون و أصحاب القلوب المأجورة في زماننا يُصوّرون جيوش الغرب بأنها عظيمة لا تُقهر، ويبثّون الرّعب و الجُبن في نفوس الناس حتى تبقى أوطاننا و مقدّساتنا تحت سيطرة اليهود !! ونسوا بأن الله ناصرٌ عباده أصحاب القلوب المؤمنة الصادقة المتوكّلة على ربها حق التوكل ، بغض النظر عن العدد و العدّة وهذا ما رأيناه في غزوات النبي – صلى الله عليه وسلم - .

وقد سجّل القرآن الكريم في سورة (( التوبة )) كل أقوال عبد الله بن سلول مع المنافقين ، كذلك أقوال المنافقين مع بعضهم ،وكل ما قالوه من أعذار للنبي – صلى الله عليه وسلم – حتى لا يذهبوا لقتال الروم ، وكان هذا بالتفصيل الذي لا يتوقعه حتى المنافقين أنفسهم ، فقد كشفت السورة كل ألاعيبهم و كذبهم ، وفضحت أمرهم ، وبعثرت خططهم في قرآن يُتلى إلى يوم القيامة ، لذلك من أسماء سورة التوبة : [[ الكاشفة ، الفاضحة ، المبعثرة ، . . . ]] .

ومن الذين طلبوا الإذن من النبي – صلى الله عليه وسلم - وتعلّلوا بعلل واهية و ضعيفة حتى لا يخرجوا للقتال مع جيش العسرة {{ الجد بن قيس }} ، وله ابن صادق مؤمن اسمه عبد الله ، وتقول بعض كتب السيرة : إنّه جاء إلى النبي – عليه الصلاة و السلام – وهو في مسجده وقال له : أتأذن لي يا رسول الله هذه المرة أن أجلس في المدينة ولا أذهب للقتال ؟

فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبتسم : إنك موسر يا جد فتجهز ، تجهز في سبيل الله [[ أي لست فقيرا ، معك مال ، و ليس لك عذر ، تجهّز تجهّز ]] فقال الجد : يا رسول الله إني ذو ضبعة [[ الضبعة هي شدة الشهوة اتجاه النساء ]] ، وأخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبرعنهن فأُفتتن !! هل رأيتم تفاهته ؟؟ يقول ذلك للنبي في مسجده وبين أصحابه !! يقول الصحابة : فأعرض عنه – عليه الصلاة و السلام - بوجهه وهو مغضب وقال له : قد أذنت لك فلا تخرج .

فلما خرج الجد بن قيس من المسجد ، لحقه ابنه وعاتبه على ذلك بأدب قائلا : يا أبي!! لِمَ تعتذر لرسول الله وقد أكد عليك وقال لك مرتين تجهز تجهز ؟؟ فكيف تخالف رسول الله وتعتذر له بما ليس فيك ؟؟

[[ يعني الولد بيعرف إنه أبوه مش نافع ، وقاعد بيكذب على رسول الله ]] فصرخ أبوه في وجهه وقال : اسكت ، لأنت أشد عليّ من محمد ، فأنا أعلم منك بالدوائر ، ولن يصمد محمد ومن معه أمام جيش الروم ، ولن يعودوا إلى المدينة أبدا . فأنزل الله تعالى فيه قوله : {{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ }}

[[ لا تفتني يعني لا تبتليني برؤية نساء بني الأصفر ]] . إذن ، فإنّ من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة طلب السلامة من فتنة لم تقع بعد، فقد وقع في فتنة كبرى، ألا وهي ترك ما أوجبه الله تعالى عليه من الاحتساب. وقيل في رواية أخرى إن الجد بن قيس لما امتنع و اعتذر قال للنبي: أعينك بمالي، فأنزل الله تعالى : {{ قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم }} .

وهكذا كان - صلى الله عليه وسلم - يأذن لهؤلاء المنافقين لأنه لا يريدهم في الجيش، فهم يثبطون الجيش؛ ولكن الله تعالى عاتب الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -

لأنه أعطى الإذن لهؤلاء فقال تعالى : {{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ * لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ }} ، هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذه ؟؟ بدأ بالعفو قبل المعاتبة ، لكي لا يؤلم قلب حبيبه - صلى الله عليه وسلم .

ليس هذا فحسب ؛ بل كان المنافقون يحاولون تثبيط المسلمين عن النفقة فعندما يجدون أحد أغنياء المسلمين يتصدق بالأموال الكثيرة يقولون : ما فعل هذا إلا رياء !! وعندما يتصدق بعض الفقراء بالأموال القليلة يقولون : إن الله لغني عن هذه الصدقة!!

فنزل قول الله تعالى في سورة التوبة : {{ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }} . [[ يلمزون يعني يعيبون ]] . كذلك كان المنافقون يثبطون الناس عن الخروج والغزو ويتعللون بقوّة العدو، والحر الشديد في الصحراء ، فقال الله تعالى مخبرا عنهم : {{ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ }} .

تجهز جيش المسلمين وبلغ تعداد الجيش {{٣٠ ألف }} مقاتل ، وأطلق على هذا الجيش {{جيش العسرة}} لأن الخروج في هذا الجيش كان أمرا عسيرا وشاقا ، والجزاء دائما على قدر المشقة ، ومن أسباب الصعوبة الشديدة في الخروج إلى تبوك ، قوة العدو وشدته، وتفوقه في العدد والعدة فكان عددهم {{١٠٠ ألف }} ، كذلك بُعد المسافة ؛ فهي أكثر من {{ 1000 كم }}، كذلك قلة المؤن من الطعام والشراب ، أيضا قلة المطايا و الدواب التي سيمتطيها المقاتلون ، أضف إلى ذلك شدة الحر، فالوقت الذي خرج فيه الجيش هو فصل الصيف ووقت جني الثمار، والمدينة بلد زراعي، وأغلب أهلها يعملون بالزراعة

خرج النبي على رأس الجيش، في يوم الخميس ،غرّة رجب من السنة التاسعة للهجرة ، وكان عمره كما قلنا ٦٢عاما ، واستعمل على المدينة الصحابي {{ محمد بن مسلمة}} ، وخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - على أهله {{علي بن أبي طالب}} رضي الله عنهما و أرضاهما .

وانطلق الجيش باتّجاه الروم ، وأخذ المنافقون ينسحبون واحداً تلو الآخر فكانوا يتخلفون عن الجيش، ويعودون إلى المدينة، فكان كلما تخلف واحد قال الصحابة : يا رسول الله ، تخلف فلان [[ يعني رجع ]]

فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " دعوه ، إن يك فيه خير فسيُلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه " . وكان أن بقي بعض المنافقين في الجيش رغبة في الغنائم ، ورهبة في أن يكشف القرآن نفاقهم ، وقد وقع ما كانوا يخشونه ! فحدث أن قال بعضهم لبعض : أيظن محمّدٌ أن يفتح قصور الروم وحصونها ؟؟!! هيهات هيهات . فأطلَع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ما قالوا ، فقال : علي بهؤلاء النفر . فدعاهم ، فقال : قلتم كذا وكذا . فحلفوا ما كنا إلا نخوض ونلعب . فنزل قوله تعالى : (( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب )) .
ومن المواقف التي أظهرت هؤلاء المنافقين أيضا ، الموقف الذي كان عندما ضلت ناقة الرسول – صلى الله عليه وسلم - أثناء الطريق ، خرج بعض الصحابة في طلبها ، فقال أحد المنافقين وهو (( زيد بن اللصيت )) :

[[ واللصيت معناها عند العرب تصغير واحتقار لوصف اللص ]] ، أليس محمد يزعم أنه نبي يخبركم خبر السماء وهو لا يدري أمر ناقته ؟! فلما علم النبي ذلك عن طريق الوحي قال: " إني والله ما أعلم إلا ما علمني الله ، وقد دلني الله عليها وهي في الوادي قد حبستها الشجرة بزمامها " ،

فانطلقوا و جاءوا بها . وكان هذا المنافق في خيمة الصحابي (( عمارة بن حزم رضي الله عنه )) ، فقام عمارة بإخراجه من الخيمة عندما عرف نفاقه ؛ لأن المرء على دين خليله ، و الصّاحب ساحب ، ومن جالس جانس .
يتبع ....
اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم