عرض مشاركة واحدة
قديم 06-25-21, 08:43 AM   #1
أعيشك

الصورة الرمزية أعيشك
غيّمُ السّلام.

آخر زيارة »  اليوم (04:51 AM)
المكان »  عاصِمة النساء.

 الأوسمة و جوائز

افتراضي لِغيمٍ الوْجوم.



مَن يبَالِي بالمُقدمات!.

.

عُمومًا ..

.

يُرجَي مِنك نَزع قِناعك إذَا كنْت تَرتَدِيه وَمِعطَفك المُبللَ بنِفاقِ البشر، وَاستمر لعَلَّ الباقِي يَزرعُ فِيك بذرةَ أملٍ.

.



الذّاكرةُ، لعنَة الإِنسانِ المُشتَهاة وَلعْبتُه الخطِرَة، إذْ بمقْدارِ ما تُتيحُ لهُ سَفرًا دائِمًا نحْو الحُرِية، فَإِنها قدْ تغْدو قفَصهُ، وفِي هَذا السَّفرِ الدائمِ يُعيدُ تشْكيلَ عالَمِه، صَبابتُه وأَوهامَه، هِي تلكَ الفاتنَة التي ما تَلبثُ تُغويك أو تصْدمُك بدَمامةِ سَريرتهَا.

" وإذَا ما قلتُ لك أَن الأمَل حلِيفك، وَفِي اخْتلافِك تَعسُّف وفِي هَذا يكمُن محْياك ".

لَا أدرِي كم مَرَّ عَلي وأَنا في هذا الدَّيجورِ المُلتَف حَول كُل شَيءٍ، مئاتُ السنِين، آلافٌ، لرُبما عَشَرات الآلَافِ، إِنه كَما القبْر الذِي لَا مناصَ مِنه، وَلاسيما به غيْر الدُّهنةِ الدَّفِينة في النوَاحِي، أتقلبُ بصُعوبة ٍفي الوأْدِ الشحِيح فسقفه يكَاد ينضَوِي بأعْضائِي، أشْعرُ بالإخْتنَاقِ وقليلٍ منَ الغثيانِ، بسَبب نفاقِ هذِه الأَرجلِ التِي تمْشِي بيْن الشَّوارِع، الشمسُ بادَت منْذ ذلك اليومِ الذِي دُفِنتُ فيهِ، لَم تطفَأ عينَاي بَيد أَنَّ التفوُّه بِشُعورٍ ما لهُو الأبْهمُ.

يَا أُمي إنَّ الشوْقَ لَطالَ وَغِيابكِ أكثَرُ، وَفِي نظَركِ مَا أنا وَبَتذَكركِ أزْدادُ وأنفَطر، مرتْ حَوالَي تسعة عَشر عامًا مُنذُ إِدبَارِ وَالدِتي إدْبارًا لَا رِجعةَ وَرَاءَهُ، الأَمرُ ليسَ مُتعَلقًا بالمُدةِ فَحسْب بَل بِالصَّبوِ المُتكدِّسِ، فَلا أَنا نَسِيتُ ذِكرانَا المَليحَةِ مَعًا، وَلَا هِي تبَددتْ، كانَ المَرض حَليفَها وَقلبهُا الرَّهيفُ لَم يكدْ يصْطبرُ، كنتُ حينئذٍ فِي المرْحَلةِ الإبتدائِية، لَا أخَالُ كيفَ أصِفُ نَفسِي التِي كُنت عليهَا وَلكِننِي حَقًّا لمْ أكُن أعْلَم مَا الشجَاعة، وَكَيْفَ ذلِكَ ووالدَتي ليست مَعَي؟.



لَطالمَا زُرتُها فِي المُستشْفَى، بعْد كُلِّ حِصَّةٍ أهْرعُ علَى قَدمايَ بغْيةَ لِقائهِا، وَكنْت بِمعيةِ أبي نَتحلَّى بِكامِلِ الأمَلِ أنَّها سَتصِحُّ وأنَّهُا سَتعودُ إِِلينَا، كَانت دوْمًا مَا تُبلغُني أنَّها بِخيرٍ، حَتى مُلاحظَاتِ الطَّبيبِ مَنعتني مِنْ سمَاعِها، لِذلكَ فقَد صَدقْتهُا بِرؤيةِ ابْتسَامتِها البَهيةِ تِلكَ، نسِيتُ كل تعبِ الدِّراسةِ وَما فِيهَا وَلَكِنْ بِمرُورِ الوَقتِ لَم تُبْرَح مكَانها بَعد، وََبدأ جِسمُها المترَجرِج يهزلُ يومًا بعدَ آخرٍ، ترِحتُ لِحالهِا ترحًا جَمًا وَاسْتدمعتُ سِرٍّا متَجاهرةٍ بالسَّعادة أمَامها، لَا أخْفيكُم النِّعمة التِي كُنت أَملكهَا آنذاكَ، أَما الآنَ فقَد رحَلت وَفِي الأرْضِ انغَمسَت، وَالوَله قَد شقَّ قلبِي كَالشوكِ قدْ انغَرس.

حينها بِتُّ فِي المرْحلة الإبتدائِية لِلائحَةِ واجِباتِي ذَلك بِأن مُبارحَةَ أُمي وَالتِي لَم تكُنْ بالهَينةِ عَلى أبيّ سُرْعانَ مَا تركَ العَمل مؤقتًا بسَبب الصَّدمةِ، وَدُموعه فِي كُلِّ لَيلةٍ، تقَلبهَ فِي الفرَاشِ، وَعيتُ بِشُعُورهَ إِنهُ تَاقْ لِلنسْيانِ، لَو كانَ هَذا يُشتَرَى حِينها لدَفعتُ نَفسِي مُقابلًا لَها، بَعد كُلِّ لَيلةٍ مُضْنِيةٍ يعَادُ نَفسُ السِّيناريُو أََدخلُ الغُرفَةَ التِّي يَمتَطيهَا أبيّ، صُور مُبعثِرة بَعضهَا، مُبللةٌ بالدُموع، وَالغرفةُ منْقلبةٌ رأسُهَا عَلى عقِبها.

أَمَّا عنّي، فَقد بَترَ بِي الدَّهرُ، تكَورتْ بِبطَّانيتي مُمسكةً صُورةَ وَالدِتي أَنظرُ إليهَا بِكَمدٍ، تَاركةً سَريري، مُتخِذةً الأرضَ مَجلسًا لي وروائح الحزن تَرقصُ نغَماتِ الحُريةِ بيْن جَوانِب المَكانِ، لمْ أُلَاحظُ دُخولَ والديّ البتَّة، بَصرَ هَالاتُ النوْمِ وَالسَّهرِ مُجتَمعاتٍ بِوجهِيّ الذِّي اتخَذ التَّجاعِيدَ لحَافًا لَي مُسَابِقًا الزمَّن، شَعري مُتشَعثٌ وَشفَتايَ الذَّابلتَينِ مُنفرجَتينِ وَكَأنهَا مَشدوهَةٌ، بَيّدَ أَن الدمُوع ثَجاجَة أشبهُ بشَلالٍ، تُخالجُني مَشاعِرُ مُحملةٌ بسِلَالٍ مِن كَلماتٍ تَأبى الخُروجَ، حينَها لَازلتُ أنْتظرُ أُمي، ارتسمتْ تِلكَ الفكرةُ دَاخلَ عقْلي مُتزَبرجةً، بِالرغْمِ مِن خُلوهَا مِن المَنطِقِ. غَادرتُ بإسْتعجالٍ لَمْ أكَد أطَوِّقُ دُموعي، أَغلقتُ بابَ الغرفة واقتنيتُ حَقيبتِي المَدْرسِيةَ، وَانطلقت غيرَ آبَهةٍ بما قَد ألقَى، لَا أرْغبُ سِوى بِالإبتعادِ عَن هَذه الأشَجانِ، وَلكِن كَيفَ؟.

أَوصَلتْني قدمايَ الإثْنتانِ لِكرسِيٍّ عَامٍّ دُنوَ إِحدَى الحدَائِقِ، وَمَا إِن مكثتُ للْجلوسِ وَإِرْخاءَ جِسْمِي علَيه، حَتى شَرعتِ السَّماءُ ترْوي أسْفلهَا وَتقْذفُ قَطراتِ مَائهَا تشْبهُ بذلكَ شُهُبا غنَّاءَ بِضِيائِها، عَجَبًا كَم مِنَ الحَظِّ السَّافلِ يَنتظرُنِي أَكثرَ مِن هَذَا؟.



أَحسَستُ بوَحشَةٍ غائرةٍ غَورَ هَذا الكَونِ وغُموضِه، كُنت أرمقُ النَّظر صَوبَ كُلِّ قَطرةٍ عَلى حِدة إِلى أَن تَصِل إِلى الدَّركِ، لِتتَّخذنَ متَّكأً لَهنَّ علَى خَشبةِ كُرسِي، قُرابَةَ وَرقةِ شَجرةٍ، عَقِب سَيارةٍ تُحلقُ بِبدَرانِ البَرقِ، عَلى أقْدامِ أحَد المَارَّةِ وَهُو يجْرِي إسْتِتارًا مِن المَطرِ، لَعلَّه لَم يَحسِب حِسابًا لِهذَا المَآلِ، وَبِما أنَّني مِثلُه، تَركْتُ المِياهَ تتَخللُ بَين خصْلاتِ شعْري البُنِي، قَطراتٌ هِيَ تتَزحلَقُ بِتراقُصٍ عَلَى سَطحِ حَقيبتي الزَّرقاءَ، حَتى أَننِي جَلست أفَكرُ وَعاينتُ مَا أَنا عَليهِ، وَهنتُ لِلنومِ.

دَثَّرتُ عَلى عينايَ مَن سَنا أَمهق فَركتُهما بِسُرعةٍ مُحاولةً إسَتعادةَ بصَرِي، إسْتطعتُ أَن أُبصِر ورَفعت رَأْسِي، رَأيتُ فَضاءً رَماديًّا مائِلاً إِِلَي الأَبْيضِ المُونقِ، ألتَمسْتُه فإذَا بِه رخو كَرغوةِ صَابونةٍ، كقُطْنِ وسادة، منْظَرهَا أشبَهُ بِغَيمة لَطِيفة المنْظرِ قَابعةٍ فَوْق رَأسِي تَكتُم عنِّي ما عبر مِن قَطراتٍ، لَا أخْفيكُم كِميَّة التَّوجُّس التِي إرتادتني بَيد أَنني أعْجبتُ بها خُصُوصًا عِندمَا سَمعْتُها تَردفُ :

" مَرحبًا أَنا غيمةٌ لطيفةٌ أَعلَمُ أَنكِ لَستِ عَلى مايُرام، أُدركُ حفنةَ مَشاعرك الجَيَّاشةِ وَأَملك المكدس، أَعرفُ أَنكِ تخْشَينَ الإقْترابَ مَنْ وَالدكِ لَعلهُ صَعبٌ، وَلكِن تَأمَّلي بَاقي تِلكَ الغُيومِ فِي الأعالِي، لَن يَدومَ الوَقتُ طَويلًا حَتى تَختفِي، وَلكِن قَبل ذَلكَ سَتكونُ قَد أضافتْ شَيئًا لهَذا العَالمِ، نعَم إِنه المَطر وإن غَابت وَاندثرتْ فعلَى الأقَلِّ قد ترَكتْ وراءهَا أثَرًا جميلاً ينفَع الآخَرينَ، حتى إِذا حزنَت فإنها على يَقين أَنَّ الأمْر لنَ يدُومَ طويلاً، وَإذَا مَا قُلت لك أَن الأمَلَ حَليفك، وَفِي اخْتلافِك تفَرد وَفي هَذا التَّفردِ يكْمنُ مُحياك، حَتمًا أثِق أنكِ سَتُحَولين مِن الألَمِ أملاً."



اِرتعشَت أَوصَالي وانفرجَت شَفتايَ عَنْ بسْمةٍ خَفيفةٍ، تَحسسْتُ جبْهَتي، وشَعرتُ كَما لَو أََّننِي لِوحدِي فِي فَضاءٍ شاسعٍ كَما لَو كنْتُ آدَم الذِّي أهبطَ علَى الأرضِ ، فَتحتُ فَمي بِصُعوبةٍ تمَرنْتُ قليلاً علَى تَحريكِ فَكِّي قَبْلَ أَنْ أهمسَ بكَلماتٍ وتساؤلاتٍ عَدِيدةٍ وَلَكِن سُرعانَ مَا تبددتُ الغَيمةُ أمَام ناظِري، لمَحتُ حَولي بِتوءَدةٍ وَكلامُها لِي لَم يبرحْ عَقلِي، أَحدثَت حُروفُها تِلكَ كواسر بقَلبِي المُهمَّش، لَيسَ لِتحطمهِ أَكْثر بَل لِتعيد لَمهُ لِيَغدُو أَبهَى وَأفْضل، لَا أَخَالُ كَيفَ مَرَّ ذلِكَ اليوم بِسُرعةٍ وَأوْبتي لِلمنْزلِ وَكَأن شيئًا لَم يَكن، والقُوةُ التِّي تَخلَّلتْ بيْن عُرُوقي جَعلتْني أَمكثُ بجَانبِ وَالديّ أَكثَر مِن ذِي قَبلٍ، وَتَقَبلَ الوَاقِع بَل وَالعَملِ بِجدٍّ لأَجلِ غَدٍ أفْضل، َحقًا اعْتبرُها عودةً بل ولادةً جديدةً، أدْرَكتُ حقًا قوةَ الكَلِمات!.