الموضوع: هذا الحبيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-30-21, 06:45 AM   #290
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (08:31 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب« 277 / الجزء قبل الأخيرمن دروس السّيرة النبوية العطرة »
(( مرض النبي - صلى الله عليه وسلم – ج2))


ويثقل المرض ويشتد على النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى كان يوم الخميس{{ ٨ ربيع الأول }} [[ يعني قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ب ٤ أيام ]] ، ورأى الصحابة حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشق ذلك عليهم ، وأصبحوا في قلق، وخافوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - خوفاً شديداً ، وأخذ الأنصار يبكون ، فلما علم بذلك - صلى الله عليه وسلم - وكانت صلاة الظهر ، تقدم أبو بكر ليصلي بالناس ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي والفضل بن عباس خذا بي إلى المحراب .

فاتكأ على الفضل وعلى علي بن أبي طالب ، ولم تلامس قدماه الأرض فقد رفعاه [[ شبه الحمل رجلاه تجران على الأرض ]]،

وهو معصوب الرأس من شدة الحرارة ، فلما رآه أبو بكر همَّ أن يرجع من الصف ليدع الإمامة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأشار إليه أن مكانك ، وجلس على يمين أبي بكر وصلى الظهر بصلاة أبي بكر ، حتى إذا انتهت الصلاة - وكانت آخر صلاة صلاها مع أصحابه صلى الله عليه وسلم - أشار إليهم أن يحملوه إلى المنبر ، ثم جلس على أول درجة من المنبر لأن رجلاه لم تحملاه للصعود على المنبر، والتف الصحابة شوقاً حول النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وخطب فيهم ، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نفسه - صلى الله عليه وسلم -، ثمّ دعا واستغفر لشهداء أحد ،

[[ كَأنّه مُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ والأمْوَاتِ ]] ، فتَوْدِيعُه للأمواتِ هو أنَّه صلَّى عليهم واستَغْفَر لهم، وهَنَّأَهم بما هُم فيه مِن سَبْقِهم للفِتَنِ، وتوديعُه للأحياءِ هو نَصيحتُهم وتحذيرُهم مِن الاغْتِرَارِ بالدُّنيا و التنازع على أمورها ، وإشارتُه إلى أنَّه مُنتقِلٌ عنهم إلى الآخِرة، وأنَّه سابِقٌ لهم إلى الحَوْضِ؛ فهو مَوْعِدُهم حيث قال – عليه الصلاة و السلام - :

أيها الناس :[[ إنِّي بيْنَ أيْدِيكُمْ فَرَطٌ ]] ، يعنى شفيع، والشفيع دائما يتقدم على المشفوع ، ويهيئ له الشفاعة ، وهنا يريد أن يمهد للصحابة أمر موته، لأنه يعلم أنه أمر شاق عليهم . [[ وأَنَا علَيْكُم شَهِيدٌ، وإنَّ مَوْعِدَكُمُ الحَوْضُ، وإنِّي لَأَنْظُرُ إلَيْهِ مِن مَقَامِي هذا، وإنِّي لَسْتُ أخْشَى علَيْكُم أنْ تُشْرِكُوا، ولَكِنِّي أخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أنْ تَنَافَسُوهَا ]] .

ثمّ تابع حديثه – صلى الله عليه وسلم – قائلا : أيها الناس ، إن عبداً من عباد الله خيره الله بين أنْ يُؤْتِيَهُ مِن زَهْرَةِ الدُّنْيا ما شاءَ وبين ما عند الله فاختار ما عند الله ، فبكى أبو بكر وارتفع صوته بالبكاء، وقال: بأبي أنت وأمي ! فديناك بآبائنا، فديناك بأمهاتنا، فديناك بأموالنا، فديناك بأنفسنا !


فضج الصحابة من أبي بكر[[ لأن الصحابة لم يكونوا يقاطعون النبي - صلى الله عليه وسلم - أبدا ، ولكن أبا بكر فهم مقصود النبي – عليه الصلاة و السلام - وعلم أن هذا العبد الذي خيره الله هو النبي ]] ،

فتعجب الصحابة من أبي بكر لماذا يبكي ؟ وقالوا: عجبا لهذا الشيخ ، وضج المسجد بالكلام لماذا يبكي ؟ وأبو بكر قد علا نحيبه بالبكاء ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :على رسلك يا أبا بكر[[ يعني انتظر قليلًا يا أبا بكر لا تبكِ]] ،

ثم أخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدافع عن أبي بكر، ويبيّن فضله ، فقال: أيها الناس : إن أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كُنت مُتَّخذًا خليلًا من أُمَّتي لاتَّخذتُ أبا بكر ،ولكن أُخُوَّةُ الإِسـلام ومودته ،[[ فالعلاقة بينهما هي الأخوة و المحبة في الإسلام ]] ، وما منكم من أحد كان له عندنا يد إلا كافأناه بها، إلا الصديق فإنا قد تركنا مكافأته لله - عز وجل - ألا كل خوخة في المسجد تسد إلا خوخة أبي بكر ،

[[ الخوخة أي الباب ، حيث كان لكل صحابي باب من بيته للمسجد يسمى خوخة ، وباب أبو بكر لليوم لا يغلق ، تغلق جميع أبواب المسجد النبوي إلا باب أبي بكر يبقى مفتوحا ]] .

كذلك فقد أوصى – عليه الصلاة و السلام – في أيامه الأخيرة بالصلاة و حسن الظنّ بالله ، وتسيير جيش أسامة بن زيد، وإخراج المشركين من جزيرة العرب، وإكرام الوفود ، وحذّر من بناء المساجد على القبور مثلما فعل اليهود و النصارى مع أنبيائهم ، {{ وللأسف يحدث أيضا في بلاد المسلمين }}، وقد أوصى - عليه الصلاة و السلام - بالأنصار خيرا فقال :

(( أُوصيكُمْ بِالأنْصارِ فإنَّهمْ كَرِشِي ( بطني ) و عيْبَتِي ( مستودع الثياب )

[[ المراد إنَّهم بِطانتي وخاصَّتي ومَوضِعُ سِرِّي وأمانتي ]]، وقدْ قَضَوا الذي عليْهِمْ ، و بَقِيَ الذي لَهُمْ ، فاقْبَلُوا من مُحسِنِهِمْ ، و تَجاوَزُوا عن مُسيئِهِمْ )) . وتبقى الوصية الأولى و الأخيرة ، وعماد هذا الدين قوله تعالى : {{ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}} .

ويشتد الألم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يُغشى عليه

ويفيق ، وكان إذا مرض نفث على نفسه بالمعوذات، ومسح على جسده ، فلما مرض هذا المرض، لم يستطع أن يفعل هذا ، فأخذت السيدة عائشة تنفث في يد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم تمسح بيده الشريفة على جسده، رجاء بركة يد الحبيب – عليه الصلاة و السلام - . ثم أفاق من إغمائه وقال : يا عائشة إن عندي في تلك الخانة [[ أي الرف ]] دنانير من ذهب ، ماذا صنعتم بها ؟؟

قالت : هي عندي . فقال - صلى الله عليه وسلم - : وماذا يقول محمد لربه إذا لقيه وفي حجرته سبعة دنانير ذهبية ؟! أحضريها يا عائشة ، قالت : فأحضرتها ، فوضعها في كفه ، ونظر إليها ثم قال : يا علي بن أبي طالب ، خذ هذه الدنانير فأنفقها في سبيل الله ، فلن يلقى محمد ربه وفي بيته دنانير من ذهب .

تقول السيدة عائشة : فلما خرج علي ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يُغمى عليه ويفيق ، وكلما أفاق يسأل : أرجع علي ؟؟ نقول: ليس بعد ،

[[ وهكذا ساعتين أو ثلاث حتى بقية الليل وهو يسأل كلما أفاق ]] ، فلما رجع علي قال له : أنفقتها ؟؟ قال علي : أجل يا رسول الله ، كما تحب وترضى ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : الحمد لله يلقى محمد ربه وهو بريء الذمة ، يا حبيب قلوبنا يا سيدي يا رسول الله ، بريء الذمة من مال تملكه ؟؟!! فكيف بنا نحن وقد غرقنا في متاع الدنيا ؟؟!! أسأل الله لنا ولكم العافية .

فلما كان السبت وهو يفيق ويغيب من شدة الحمى ، أقبلت إليه ابنته السيدة ((فاطمة - رضي الله عنها وأرضاها - )) فلما رآها - صلى الله عليه وسلم - قال : مرحباً بابنتي ، وكانت فاطمة - رضي الله عنها - أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،

فكانت إذا دخل عليها في بيتها قامت إليه وقبَّلت يده ثم قبَّلها بين عينيها ، وإذا دخلت فاطمة عليه ، وكان في أي حجرة من حجرات أزواجه قام إليها فاستقبلها من عند الباب ، وأخذها من يدها وقبَّلَ بين عينيها ، وقبلت يده وأجلسها على فراشه جنباً إلى جنب ، ولكن اليوم حاول أن يقوم إليها ليقبلها في رأسها كما كان يفعل حين رآها فلم يستطع ، فبكت السيدة فاطمة وقالت : وااا كرب أباه !!

فقال لها الأب الحنون - صلى الله عليه وسلم- : ليس على أبيك كرب بعد اليوم ، أدني مني يا بنيتي، فدنت منه ، وأجلسها - صلى الله عليه وسلم - على يمينه عند فراشه ، ثم اقترب من أذنها وتحدث إليها حديثاً لم يسمعه أحد، فبكت بكاءاً شديداً ، فلما رأى حزنها تحدث إليها مرة أخرى ، فتوقفت عن البكاء وابتسمت وضحكت . وبعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - سألتها السيدة عائشة عن ذلك فقالت : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرها أن جبريل قد قرأ عليه القرآن مرتين هذا العام، ثم قال لي :

{{ لا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري}} ، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - حزنها أسرّ لها أنها ستكون أول أهل بيته موتا بعده، وأنها سيدة نساء أهل الجنة، فضحكت .


وكان الصحابة يدخلون إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - يعودونه ، يقول أبي سعيد الخدري : (( جئنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا عليه صالب من الحمى [[ يعني حراة شديدة جدًا ]] يقول : وضعت يدي على صدره فلسعتني شدة حرارته - صلى الله عليه وسلم – ثمّ سألته : يا رسولَ اللهِ ! مَنْ أَشَدُّ الناسِ بَلاءً ؟ قال : الأنْبياءُ . قال : ثُمَّ مَنْ ؟ قال : العلماءُ . قال : ثُمَّ مَنْ ؟ قال :الصَّالِحُونَ ، وكان أحدُهُمْ يُبْتَلَى بِالقَمْلِ حتى يَقْتُلهُ ، ويُبْتَلَى أحدُهُمْ بِالفَقْرِ حتى ما يَجِدُ إلَّا العَباءَةَ يَلْبَسُها ، ولأحدُهُمْ كان أَشَدَّ فَرَحًا بِالبلاءِ من أَحَدِكُمْ بِالعَطَاءِ )) .


وفي يوم الأحد {{ ١١ ربيع الأول }} - أي قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بيوم واحد ، دخل أسامة بن زيد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد اشتد بنبيّنا الألم ؛ فطأطأ أسامة ، فقبّله ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيع الكلام ، وجعل - صلى الله عليه وسلم - يرفع يده إلى السماء ويضعها على أسامة، يقول أسامة : فعرفت أنه يدعو لي . وتصف أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتقول: (( ما رأيت رجلا أشد عليه الوجع (المرض) من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )) .
وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال:

(( دخلت على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يوعك فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكا شديدًا، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قال: فقلت: ذلك أن لك أجرين، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أجل . ثم قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ما مِن مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها )) .

سيدي يا رسول الله ، جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته ، ونسأل الله أن يجمعنا بك في الجنة ، وأن يحشرنا تحت لوائك وعلى حوضك، وأن يسقينا من يدك الكريمة شربةّ لا نظمأ بعدها ، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد صلاة ترحمنا بها والمذنبين من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم