عرض مشاركة واحدة
قديم 10-04-21, 07:12 PM   #1
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (07:22 AM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

Icon34 فليرجع كلٌّ منا بالسؤال إلى نفسه



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

"سُئِل الإمام مالك بن أنس عن عمره، فقال للسائل: أقْبِلْ على شأنك، فليس مِن المروءة إخبار الرجل عن عمره، إنْ كان كبيرًا استهرموه، وإنْ كان صغيرًا استحقروه".

وهذا ما حدَث مع القاضي
يحي بن أَكْثَمَ؛
حيث ولِي قضاء البصرة وعمره عشرون عامًا، فسأله أهلها:
كم عمرك - استصغارًا له؟ فعلِم مقصدهم،
فأجاب: أنا أكبر من عتَّاب بن أسيد حين جعلَه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قاضيًا على مكةَ يوم الفتح، وأنا أكبر مِن معاذ بن جبل حين جعَلَه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قاضيًا على اليمن، وأنا أكبرُ مِن كعْب بن سور حين جعلَه عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - قاضيًا على أهل البصرة.

ومع أنَّ الأعمار هي مِن الشؤون الخاصَّة التي لا يتوجَّب على الناس السؤال عنها، فهي ممَّا لا يَعنيهم، إلا أنَّ البعض منهم لا يتوقَّفون عن السؤال، بل يظلُّ هذا السؤال من أكثر الأسئلة طرحًا، فإذا ما ذُكر شخص ذو صِيت إلاَّ وسُئل عن عمره؟ وما أُخبر عن شَخْص أنه تزوَّج إلا وسُئل كم عمرُه، سواء كان رجلاً أو امرأةً.

وتظل الأعمار مِن الأشياء التي يحب الناس البحْث عنها، ويكرهون أن يُسألوا هم عنها، ولا ترتبط كراهية السؤال بالتقدُّم في السِّنِّ.

بعضُ الأشخاص لا يحبون - وغالبًا النساء لا يحببن - الإفصاحَ عن أعمارهنَّ؛ لأسباب متعلقة بنظرة الآخرين لهم ولهنَّ، فإن كانتْ متزوِّجة لم ترغب بأن يرى زوجها أنَّها قد كَبِرت، فتُقلص بضع سنوات من عمرها، وإنْ كانت لم تتزوَّجْ بعدُ كرهت أن تُسأل عن عمرها؛ لأنَّها تعلم ما الذي سيلي إجابتها مِن تعليقات حول حظِّها الضئيل في الحياة!

ومع هذا وذاك يظلُّ المقياس الحقيقي للأعمار ليس عددَ السنوات بقدْر ما هو عددُ ما أنجز أو قدِّم في تلك السنوات.

بعضُ الناس تتجاوز أعمالُهم وأفعالهم سنوات عمرهم بكثير، وكأنما هم في سِباق مع السنوات؛ أسلم سعدُ بن معاذ - رضي الله عنه - وعمره ثلاثون عامًا، وتوفي وعمره سِتٌّ وثلاثون، فما الذي فعله سعد بن معاذ في سنوات إسلامه الستِّ فجعل عرْشَ الرحمن يهتز لوفاته؟!

الإمام مسلم والإمام الشافعي عاش كلٌّ منهما 54 عامًا، فكم عامًا أضاف علمهما إلى الدنيا بأسْرها.

محمد ناصر الدين الألباني عاش عمرًا مديدًا، وبقيت مؤلفاته لتعيش وتُعمِّر أضعافَ ما عاشه من سنوات.

وغيرهم كُثُر تجاوزوا بأعمالهم سنواتِ أعمارهم.

بينما مات كثيرون دون أن يُضيفوا لأنفسهم أو لأعمارهم شيئًا، وكأنَّما ماتوا في المهد!

فليرجع كلٌّ منا بالسؤال إلى نفسه:

كم عمرك؟

ما الذي قدمته لنفسك في سنواتِ عمرك؟
ما العمر المحتسَب لك من السنوات التي عشتَها؟

الكثيرون سيكتشفون أنَّهم لم
يعيشوا كثيرًا...

اطال الله اعماركم في طاعته...