حاجة من الحاجات المُبهرة جدًا بالنسبة لي في الفضاء وعلومه هي فكرة الضوء وعلاقته بالوقت. في الطبيعي الرؤية بتحصل لما يسقط شعاع الضوء على شبكية العين، وهنا المخ بيترجم الضوء ده لصورة نقدر نفهمها. الفكرة بقى إن عشان الفضاء شاسع جدًا، إحنا لما بنبص في السماء بنشوف ضوء جايلنا من مسافات بعيدة جدًا وبياخد وقت طويل نسبيًا عشان يوصلنا. يعني مثلًا ضوء الشمس بياخد حوالي ٨ دقائق و٢٠ ثانية عشان يوصل كوكب الأرض، وبالتالي في كل لحظة انت بتبص فيها للشمس انت في الواقع بتشوف حالة الشمس من ٨ دقائق و٢٠ ثانية، حرفيًا بتشوف الماضي.
طب ده معناه ايه؟
ده معناه إن في كل لحظة في أي مكان في الكون الضوء بيحمل معلومات من الماضي. وده بالمناسبة المبدأ اللي مبني عليه فكرة الـFiber optics، الكابلات اللي في المحيط اللي مشغلة الانترنت، جوة كل كابل مجموعة مرايات بتفضل تعكس الضوء عشان توصله من نقطة لنقطة، وتوصل معاه المعلومات اللي عايزين نبعتها.
هل ده معناه إن احنا في كل لحظة نقدر نشوف الماضي؟
بالظبط. يعني مثلًا في شهر أكتوبر اللي فات العلماء أعلنوا إنهم رصدوا بث مباشر لثقب أسود بيبتلع نجم على بعد ٢١٥ مليون سنة ضوئية من كوكبنا. في اللحظة دي إحنا كنا بنشوف حدث حصل من ٢١٥ مليون سنة.
طب ايه اللي يحصل لو بدل ما أنا واقف على كوكب الأرض وبابص للفضاء عكسنا الموضوع ووقفنا في الفضاء نبص على كوكب الأرض؟
هنشوف ماضي كوكبنا. لو حد واقف على كوكب تاني بعيد عننا ٨٠ سنة ضوئية وبدأ يرصد كوكب الأرض هيتفرج على بث مباشر للحرب العالمية الثانية، وكل ما تبعد في المسافة هتبعد أكثر في الماضي. تقدر تشوف حروب القرون الوسطى في أوروبا، تقدر تشوف نشأة الدولة الأموية، تقدر تتفرج على العشاء الأخير أو تشوف زوجة فرعون وهي بتلتقط سيدنا موسى من النهر، تقدر تشوف الأهرامات اتبنت ازاي، وتتفرج على إنقراض الديناصورات.
كل لحظة في عمر البشر، وعمر كوكبنا، ليها احداثيات معينة لو وقفت فيها هتتفرج على اللحظة دي بشكل مباشر. الفضاء مش بس مكان شديد الاتساع بتسبح فيه مجرات ونجوم وكواكب، لكنه كمان دفتر ضخم متسجل فيه كل حاجة عملتها، وكل حاجة عملها أجدادك وأجدادهم لحد بدء الخلق. كل شيء متسجل ومحفوظ وهتشوفه في يوم من الأيام.
"وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ" — سورة يٓس، آية ١٢.