عرض مشاركة واحدة
قديم 10-30-21, 10:11 PM   #11
نجمة

الصورة الرمزية نجمة

آخر زيارة »  01-20-24 (04:38 AM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي أرض العفاريت ...



استوى على صخرة قريبة ينتظر بحزن، يبدو أن " مزنة " لن تستطيع اللحاق به إلى هنا ، كان يتمنى أن يراها، علّ رؤيتها تخفف عنه بعضاً من حزنه .
بقي برهة من الزمن استرجع فيها بعض من هدوئه ثم انطلق عائداً من نفس الطريق، ترآءت له واجهة المنزل الحجري بتشريفاته المهيبة ، وهيأ له أن نوره انطفأ منذ أيام لفراق صاحبه*.
في اجتماع أعمامه اليوم، كان تقسيم الميراث وأمور أخرى، هي المهيمنة على الاجتماع فلم يهتم بها كثيرا، فالجميع هنا يعرفون ما لهم وما عليهم، وما هذا المجلس إلا تقليد قبلي يُراد به شيء آخر تماما.
تنحنح شيخ القرية ليخفت كل حديث جانبي إحتراما له :
- من الذي سيحل محل " ابا عواس " في حراسة القرية ؟ داعب الشيخ لحيته في هدوء ثم استطرد:
- من منكم يريد أن يتشرف بهذا الحِمل العظيم ؟.
لقد فقدت القرية خيرت رجالها قبله في حراستها وكان اختفاءهم يشكل لغزا وكارثة بالنسبة لأهلها. حتى أصبح دور المرحوم والذي أثبت أنه الأجدر على ذلك!
شل الصمت كل حركة ونَفسٍ في " الديوان " الكبير، وتوجهت كل الأعين بإتجاهه، فتذكر كلمات والدته له قبل دخوله للإجتماع :
- أنت اليوم وريث والدك في كل شيء، وأنا متأكدة أنك ستؤدي ما عليك كما كان والدك يفعل، خذ هذه القلادة ، احتفظ بها، لقد أوصاني أن أعطيك إياها إذا حصل له أي مكروه، فهي ستحميك من كل الأخطار.

تحسس القلادة الجلدية في جيبه ، نظراتهم توحي بما في صدورهم؛ لذلك سيحفظ كرامة اسم والده حتى بعد مماته مهما كلفه من ثمن، كسر الصمت صوته الواثق :
- اسمح لي شيخنا أن أكون خلفاً لوالدي .
لا يعلم كيف واتته الشجاعة لقول تلك الكلمات القوية ، الخوف من المجهول شلّ تفكيره، وتمنى أن يرفض الشيخ طلبه، لكن حين رأى نظرات الإرتياح في عيون الحاضرين، عرف أنّ أوان التراجع قد فات.
يخطو في الطريق مودعاً والدته الباكيه وأخواته، فرحة أعمامه بذهابه أحزنته، لكن لن يدع فرحتهم تكتمل وسيعود كما عاد والده ذات يومٍ بشرف البطولة وسيتزوج حبيبته مزنة دون أي معوقات .
استرسل في أحلامه ، واقفا على سور المقبرة ينظر للطريق الملتوي بين سلسلة الجبال المتشابكة، هذه أول ليلة له هنا ويتمنى ان لا تكون الأخيرة، و ألا يجد أهل القرية بقايا عظامه بعد ثلاث ليال كما يحدث لكل من حرسها .
فجأة أظلمت السماء حوله أكثر ، وبدأ صوت الريح يعلو بصفير يصمّ الآذان ، الخوف شلّ أطرافه ، تراجعو قدماه دون شعور وقامة عملاقة من الظلام تتشكل أمامه :
- إذا لقد مات حقا ؟ وأنت خَلفه ؟ ولكن ياللأسف لن يطول بقاءك هنا .
- مممن أنت !!
صوته المرعوب و المتقطع جعل زوجين من العيون الحمراءِ المشتعلة تنظر لمُقلتيه مباشرةً :
- أنا العفريت نشّال وأرض القرية هي جزء من أرضنا، لقد استطاع والدك السيطرة على عالم الجن بسبب إنقاذه لإبن الزعيم لكن الآن، العفاريت يخططون للإنقلاب على الاتفاق والعودة كما كنا في السابق .
وأكمل حديثه ساخرا :
- القلادة معك، إذا أنت ابنه ، لم أظن يوماً أن رجلاً بتلك الشجاعة قد ينجب صبي ترتعد فرائصه من رؤية أحد العفاريت! عُد من حيث أتيت يا فتى وأرسل أحد قومك، من هو أهلٌ لهذا وإلا فلا أمل لنجاتكم .
احمرّ وجهه خزياً من نفسه، فتغلب على خوفه ونهض وهو يتخيل وجوه أهل القرية الشامتة به ووالده إن عاد .
- أخبرني ما الذي يمكنني فعله، لابد وأن يكون هناك حلٌ لكل هذا ؟
- وما الذي سأستفيده من إخبارك بذلك ؟
- لا شيء ، لكن بإسم الاحترام الذي بينك وبين والدي أطلب منك ذلك .
............
" عليك الذهاب إلى أرض السَحرة وصعود أعلى قمة هناك واحضار الخنجر الأحمر ، لقد ظلّ طويلاً في أرضهم يحميهم من العفاريت، هذا الشيء الوحيد الذي سيحميكم منهم إلى الأبد "
نام بضع سويعات وانطلق في طريق لا يكاد ينتهي حتى أبصر أرض السحرة الموحشة أمامه كما وصفها العفريت ، خالية لا طير فيها ولا شجر !
كانت الطريق آمنة بشكل مريب حتى اقترب من قمة الجبل الكبيرة بعد طول عناء .
لمح من بعيد الخنجر اللامع على صخرة بارزة في أعلى القمة ، لقد تسلقه قبل شروق الشمس كما أمره العفريت ، سيأخذ الخنجر ويعود أدراجه منتصراً ، تبسم منتشياً بفرح يرتسم في خياله حتى أغفل عن موضع قدميه لتنزلق الحجارة منها بصوت زلزل الهدوء في هذا المكان الصامت .
إلتقف الخنجر بصعوبة مبهوراً بشكله الأخاذ ، هذا الخنجر المغموس بتعويذة السَحرة ضد العفاريت هي من ستغير كل حياته .
- الخنجر !! لاااا
قف مكانك أيها السارق !!
صيحة قوية أفزعته ليقفز من على الصخرة هارباً ،
نزل لأول واديٍ في طريقه وأصوات الخطوات خلفه تزيده عزيمة وإصرار .
- توقف أيها البشري ، لا يجب أن يتحرك هذا الخنجر من مكانه .
رنة الرجاء في صوت الساحر جعلت خطواته تتمهل لكنه تذكر وصية العفريت في آخر حديثه
" لا تستمع لأيٍ كان ولا تنظر خلفك أبداً "
فأسرع لحدود أرضهم قبل أن تغرب الشمس وتعود طاقة السحرة لأقصاها فيستطيعون صده .
إجتاز آخر حد في هذا المكان واتجه لقريته فرحاً ،
الآن سيعيش هو وبقية اهله في أمان طوال حياتهم ، سيكون رمزاً وبطلاً تتغنى به الأجيال المتلاحقة .
وصل إلى المقبرة في وقته المحدد وقبل نهاية اليوم الثالث ، الآن وهذا الخنجر معه لن يتجرئ أي عفريت على المساس بعذه الأرض والظهور أمامه حتى ذلك النشّال .
سيذهب إلى والدته اولاً لتطمئن عليه .
- عواس
- مزنة !!
رآءها تقف على طرف المقبرة ، بخمارها الأخضر وحلقات الفضة التي تزين جبينها دائما
- أنت بخير الحمدلله، ظننت أني لن أراك ثانية ، أين اختفيت ؟
- ما الذي تفعلينه هنا ؟
- كنت انتظرك ، من أين لك هذا الخنجر الذي تحمله ؟
- هذا هو سبب إختفائي ، لن تصدقي ما حدث معي تعالي سأروي لك القصة .
قالها ضاحكا وهو يمد يده لها ، حركتها المفاجئة وإبتعادها عن يده صدمته .
- دعني اراه اولاً .
- لكن !
- ماذا ؟ الأ تثق بي ؟
نظر إليها بشك ثم لبث أن عاتب نفسه ، هذه مزنة يا عواس لا تكن أحمقاً
- خذي
مد إليها الخنجر واخذته بين يديها تقلبه لثوانِ
- انا اسفة حقاً، سامحني ارجوك ، لقد قتلوا الجميع .
قالتها وهي تعود إلى الخلف بخطوات متعثرة
- اسامحك على ماذا ؟؟ من الذي قُتل ؟
- ساعدني ارجوك لا اريد أن اموت مثلهم .
ثم وفي غمضة عين ارتفع جسدها لينفجر إلى أشلاءٍ أمام ناظريه ، قطرات الدم تضرب صفحة وجهه المفجوع وظلال قاتمة تخرج من تحت الأرض .
- من هذا الغبي الذي يثق بعفريت ؟ايها الأحمق، لقد جنيت على نفسك و قريتك وأحضرت الخنجر لنا دون أي جهد !!
العفاريت بظلالها وأصواتها المستهزئة المقهقهة تدور حوله بما يشبه رقصة الموت !
- لقد خرجت من القرية وطوق حمايتها الذي صنعه والدك بمساعدة السحرة على رقبتك ، وبمجرد خروجك انتهت التعويذة التي كانت تحمي القرية منا ، ووجود الخنجر ماهو الإ سلاح لتحطيم أجزاء القلادة كي لا تعمل عند عودتك وإلى الأبد ، والآن اخلع القلادة واتركها ارضا والأ قطعت عنقك .

جثى على ركبتيه بجسدٍ خاوي من أي مشاعر ، نزع القلادة من على رقبته ورمى بها أرضاً فلم يعد لها أي جدوى ، انتهى كل شيء ، لمعة لحلقة من الفضة على الأرض داعبت ناظريه ، امسك بها وعادت به ذاكرته لكل ما حصل في هذه الثلاث ليال
عفاريت
ساحر
خنجر
مزنة
واخيراً هذه الحلقة اللامعة بين يديه
التي ستذكره بكل ما حصل
قهقهة مكتومة خرجت من حلقة كالأنين
اعقبتها ضحكات وضحكات
أصوات كثيرة تداخلت عليه في غيبوبته الإختياريه، لكن لم يلتفت لها
فكل شيء بالنسبة له قد تحول لطلامس لا يستوعبها عقله التائه .
- هذا عواس المجنون
- لقد قتل أهله ، إرموه بالحجارة ...