عرض مشاركة واحدة
قديم 10-31-21, 06:37 AM   #2
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (02:46 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



إنفاذ جيش أسامة:

كانت وفاة الرسول فرصة لهؤلاء لكي يُظْهِروا ما أخفَوْه خلال الفترة الماضيَّة، ولكي يُعْلِنوا ردَّتهم عن الدين الحنيف، وكان ارتداد الجزيرة العربيَّة على درجات؛ فمِن العرب مَن منع الزكاة، ومنهم مَن ترك الإسلام كلَّه وعاد إلى ما كان يعبد من أصنام، ومنهم مَن لم يَكْتَفِ بالردَّة، بل انقلبوا على المسلمين الذين لم يرتدُّوا، فقتلوهم، وذبحوهم، وفعلوا بهم أشنع المنكرات, فكان على أبي بكر أن يُواجه هؤلاء جميعًا، وليس هذا فقط بل كان عليه أن يُؤَمِّن حدود الدولة الإسلاميَّة ضدَّ الأعداء الخارجيين وفي مقدِّمتهم دولة الروم،

وكان الرسول قد أعدَّ لذلك جيشًا بقيادة أسامة بن زيد؛ لإرساله إلى مشارف بلاد الشام؛ بهدف الثأر من الروم لقتلى معركة مؤتة، وتأديب الغساسنة, وأوصى بإنفاذه قبل وفاته ، ولكنه مات قبل أن يَبْرَح الجيش المدينة، وظلَّ أسامة بجيشه على حدود المدينة ينتظر الأوامر.

وراح الجميع يُفَكِّرون في مواجهة أعداء الأمة الإسلاميَّة الوليدة, فرأى بعض المسلمين أن تُوَجَّه كلُّ الجهود إلى محاربة المرتدِّين، وأن يُؤجّل إنفاذ جيش أسامة لمحاربة الروم إلى ما بعد القضاء على المرتدِّين، وأن يتفرَّغ أبو بكر لذلك، ولكنَّ أبا بكر وقف شامخًا راسخًا، يُؤكِّد العزم على قتالهم جميعًا في كل الجبهات قائلاً:

"والله لأقاتلَنَّ من فرَّق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حقٌّ المال، واللهِ لو منعوني عقالاً كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه".

ولقد أصرَّ أن يُتِمَّ بعث أسامة قائلاً: "والله لا أحُلُّ عقدةً عقدها رسول الله ، ولو أن الطير تَخْطَفُنَا، والسباع من حول المدينة، ولو أن الكلاب جَرَت بأرجل أُمَّهات المؤمنين لأجهزنَّ جيش أسامة".

فيعرض عليه بعض الصحابة تغيير أمير الجيش، فيأتي له عمر بن الخطاب، ويقول: "لو اتَّخذت أميرًا غير أسامة". وكان سِنُّهُ يومئذٍ 17 أو 18 عامًا، فالأمر صعب ويحتاج إلى الحكمة، فيُمسكه أبو بكر من لحيته، ويهُزُّه ويقول له: "ثكلتك أمُّك يابن الخطاب! أؤمِّر غير أمير رسول الله ؟!".

وكان لخروج الجيش إلى أطراف الشام فائدة كبيرة للمسلمين حيث فرَّت أمامه الجيوش الروميَّة في هذه المنطقة، فلم يَلْقَ قتالاً، فوجد بعض القبائل في هذه المنطقة ارتدَّتْ، فقاتلهم، وشتَّتَ شملهم، وهزمهم، وعاد بسرعة إلى أبي بكر الصِّدِّيق في المدينة، فأحدث بكل القبائل العربيَّة الموجودة في هذه المنطقة رهبة من المسلمين مما جعلهم يظنُّون أن للمسلمين قوَّة في المدينة، وأن هذا جزء صغير من الجيوش الموجودة فيها، فقرَّرَوا عدم الهجوم على المدينة وإيثار للسلامة، مع أنه لم يكن هناك جيش بالمدينة, فكان إنفاذه لجيش أسامة حكمة ألهمها الله لأبي بكر.

وبعدما علمت القبائل المرتدَّة بخروج جيش أسامة أرسلت عُيَيْنة بن حصن الفزاري، ومعه الأقرع بن حابس؛ ليُفاوضا المسلمين في المدينة في أن يَقْبَلَ أبو بكر منهم الصلاة، ويرفعَ عنهم الزكاة، في مقابل أن يرفع المرتدُّون أيديهم عن المدينة، فجاء الصحابة إلى أبي بكر يعرضون عليه قَبول طرح عُيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، بل إعطاءهما بعض المال، وذلك لتحييدهما، وتخفيف ضغط الأزمة.

لكنَّ الصِّدِّيق كان له رأي آخر، وهو أن يُقاتلهم حتى يؤدُّوا حقَّ الله فيما عندهم من أموال؛ لعلمه بأن الزكاة ركن من أركان الإسلام، لا فرق بينه وبين الصلاة والحجِّ والصوم.

فعارضه عمر بن الخطاب وبعض الصحابة ولكنَّ أبا بكر يردُّ عليهم بكلمات خالدة، قائلاً: "أُقاتلهم وحدي حتى تنفرد سالفتي".

ودخلت كلمات أبي بكر في قلوب الصحابة فلم تترك شكًّا, ولا تَحَيُّرًا إلا أزالته، فعزموا على قتال كلِّ مَن ارتدَّ عن الإسلام.

فقام الصِّدِّيق أولاً بحراسة المدينة المنوَّرة حراسة مستمرَّة، فوضع الفِرَق العسكريَّة في كل مداخل المدينة، ثم قام بمراسلة كل القبائل التي بقيت على الإسلام لتوافيه في المدينة المنوَّرة، وأقام مُعَسْكَرًا للجيوش الإسلاميَّة في شمال المدينة،

وأرسل رسائل شديدة اللهجة إلى كل قبائل المرتدِّين يدعوهم فيها إلى العودة إلى ما خرجوا منه، وإلاَّ حاربهم أشدَّ المحاربة، وهدَّدهم وتوعَّدهم؛ وذلك ليُلْقِيَ الرهبة في قلوبهم، كنوعٍ من الحرب النفسيَّة على المرتدِّين.

تابعونا لنا لقاء آخر ان شاء الله