عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-21, 09:14 PM   #25
نجمة

الصورة الرمزية نجمة

آخر زيارة »  05-11-24 (03:50 PM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



صافحتهُ بيدٍ باردة ظاهريا بينما داخلي يرتجف ألماً وبؤساً ،ضغط على يديّ بقوة ، وكلمات المجاملة التقليدية التي ألقاها على مسامعي بعد السلام احسستها كالحمم البركانية تحرقني ،
عيناه تقتنصان كل حركة لي ، يعرف أن وراء ملامحي اللامبالية قلباً جريحاً وهو سيفعل كل ما يستطيع ليجعل هذا الجرح مفتوحاً لوقتٍ طويل ، كعادته في كل مرة نتقابل فيها ....
جلست في ركن قصيّ من المقهى الشعبي ورطبت حلقي ببضع رشفات من العصير ، فاليوم لا يزال في أوله ، ويبدوا أنه سيكون من أتعسها ذلاً ومهانة .

لم أكن اتوقع في يومٍ ما أن أكون بمثل هكذا مواقف ، لكن الظروف أقوى من الإرادة تقهر كل أمل وتفاؤل فينا مع تلاحق خيباتها !
تذكرت جملة قالها لي يوما جعلت حلاوة المشروب في فمي كالعلقم بمرارته
" أنا عمك والعم والد ، وفي أي وقت تحتاجني سأكون بجانبك "
حقا كدت انسى تلك الكلمات
أنا حتى لا اذكر نبرات صوته آنذاك ، لأتبين على الأقل صدقها من عدمه ، كل الذكريات معه إختلفت وتشوهت فلم أعد أعرف من الظالم و المظلوم فينا !

أنا ام هو !!

- متى ستسدد بقية الدين يا أبن أخي ؟

توقفت كل الأصوات الجانبية حتى تلك التي إحتلت أفكاري ، هاقد بدأ أسطوانته المكررة في كل مرة ، لكن يبدو هذه المرة ستكون مختلفة ، فصوته العال يدل على أنه سينفذ تهديده وسيظهر ما بيننا للناس
" بفضيحة "
كيف الهرب والى أين ؟ وأنا محاصر بهذه الأعراف البالية التي لا تنجيك من القريب المؤذي تحت مسميات كثيرة ،
، إحراج جارح أتحمل مرارته هنا على مرأى ومسمع من رجال الحي الذين سيتناولونه فاكهة لحديثهم لأيام وشهور
و يبدو أن هذا ما يطمح إليه الآن " الفضيحة " ، رغم أنه يعرف جواب سؤاله فقد سألني هذا السؤال في اتصال هاتفي عند الصباح !!

- عمي حماك الله لقد أخبرتك أني سأعطيك دفعة نهاية هذا الشهر أم أنك نسيت ،

حاولت الرد عليه بصوت هادئ قدر الإمكان فصبري منه قد بدأ ينفذ
علي إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعتي قبل أن يكمل بقية كلامه ، رغم أني أعرف في قرارة نفسي أنهم سيصدقونه ويكذبوني فعمي رجل كبير بالسن وقور الهيئة ، صنع لنفسه سمعة بماله وسطوته بالحارة
، فلولا أني رأيت وجهه الآخر لكنت صدقته وكذّبتُ نفسي
اكملت :
- كما أن المتبقي مبلغ بسيط لم يعد هناك غير ربع الدين والحم ...

لم أكمل كلمتي الأ وقد طارت الطاولة بما فيها على رأسي ، تسارعت اللحظات كالحلم فلم أشعر الأ بحرقة تسلع جانب وجهي وقد اصابته قطعة زجاج طائرة
أصوات كثيرة تداخلت هنا وهناك
- هوّن عليك يا حاج
- اولاد آخر زمن لا يحترمون الكبير
- ناكر للمعروف ، هكذا يجازي عمه الذي لولاه لكان إلى جانب يُتمه مشردا !!!

شعرت وكأن ظهري كُسر ، وكل نفس آخذه يتحول في رئتاي إلى شظايا زجاجية تنزف ما تبقى لي من كرامة وعزة ذات، هذه المرة فهمت حقا معنى قهر الرجال ،
كل ما عانيته في حياتي في كفة وهذا الموقف في الكفةِ الأخرى
نهضت من مكاني وعيناي لا ترى سوى موضع قدمها،
لم يعد أي شيء مهما الآن ، إنتهى كل إحترامٍ وحبٍ كنت أحمله في قلبي لعمي .
لِمَ يفعل كل هذا ؟
إذا كان يريد دينه فقد إتفقنا على أن يكون كدفعات كل نهاية شهر وأنا ملتزم بها
فماذا يريد ؟
لم أجد إجابة شافية للسؤال الذي في بالي أبدا .
فقط ليته يعلم أن الظلم ظلمات وكل كلمة و موقف هي دين على ظهره .
فتحت باب المنزل بهدوء وكما توقعت وجدت زوجتي في الإنتظار .
- الأصوات كانت عالية جدا في الشارع ، يا الله !!
ماهذا الجرح على وجهك !
تعال تعال إجلس سأنظفه لك ..
أحضرت مافي يدها وبدأت بمسح وجهي بقطعة قماش ودواء وهي تقول :
- زوجة عمك جاءتني إيضا ، تقول أن هذا البيت لزوجها وليس ملك والدك وأننا عائلة سارقة ،والكثير من الكلام الذي لم أفهمه ، حسبي الله ونعم الوكيل .

خطر على بالي أن هذه قد تكون إجابة سؤالي ، و أنه ربما بينه وبين والدي في الماضي مشاكلٌ وأحقاد ، و لازال يحملها في قلبه إلى الآن ، ويبدو أني من سيتحمل نتائجها ، لكن بالنسبة لي لم يعد السبب مهما، حقا لم يعد مهم ابدا ...

-هذا يكفي رائحة المطهر تخنقني ، اليوم كان طويلا ومتعبا جدا سأنام قليلا لا توقظيني ...

لم يشعر كم المدة التي نامها ، كانت غفوته مليئه بالكوابيس والمواقف الكثيرة مع عمه
الصوت هذه المرة كان اعلى وكأنه حقيقي
* سالم إنهض إبن عمك إتصل لقد وقع حادث لعمك وهم في المستشفى الآن !

قفزت من مكاني بمجرد إستيعابي للكلمات ، طوال الطريق كانت اللحظات والمواقف تتصارع في رأسي
، لم أتذكر منها سوى المواقف الجميلة وكأن السيئة محيت من ذاكرتي ولم اعد اذكرها الأ كالحلم

وصلت إلى المستشفى وقابلت أبناء عمومتي ، يقولون أن الطبيب أخبرهم إنه بحاجةٍ للدم بسرعة عاجلة ، ليس في العائلة كلها من هو بنفس زمرة الدم السلبية الأ انا وعمي
وافقت بدون أدنى تفكير ، كل الفحوصات كانت مناسبة أدخلوني لغرفة جانبية خاصة ، وسرحت بأفكاري
سبحان الله قبل ساعات أسآل دمي والآن يحتاجه ،

إنتظرنا طويلا إلى أن إستقرت حالته و تم نقله لغرفة أخرى ، وحين عرف بقصة قدومي وتبرعي أصر على رؤيتي له ،
هيئته الضعيفه ملئت قلبي بالرحمة والعطف
كلمة واحدة رددها على مسامعي بكل رجاء وقلة حيلة

- سامحني ، سامحني .

-لا عليك يا عمي انا نسيت كل شيء والأهم الآن هي صحتك فقط .
خرجت من المشفى وأنا احس بالحرية
،فالدين قد سُدد أخيراً ، نشوت الفرح الكبيرة أعمتني ، لم ألاحظ أني قد تجاوزت الرصيف ، سقوط عنيف ، صفحة سماء زرقاء ف ظلام دامس ...