عرض مشاركة واحدة
قديم 11-06-21, 04:14 PM   #27
نجمة

الصورة الرمزية نجمة

آخر زيارة »  05-11-24 (03:50 PM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي الجوعى لا ينتصرون ...



- لم اعد استطيع اعطائك أكثر ، الدين عليكم أصبح كبيرا...

فتحت الدولاب الوحيد في المطبخ ، تناظره بحسرة وقد خلى من أي مؤونة إلّا من بعض العدس في كيس صغيرة ، وكأن البقال يعرف أني سأطلب منه دينا آخر حتى يسبقني برفضه !
هل يمكن لومه حتى ؟ لقد تحملنا لأشهر والحال هنا سيئ على الجميع ، عدا أن حالتنا تبدو أسوأ هذه المرة .
رنين الهاتف المعلق على رقبتها بخيط ايقظها من شرودها ، هذا بِكرها مُحسن ومن غيره يذكرها ، فتحت الخط بلهفة .
- يوم السعد ، اليوم الذي اسمع فيه صوتك يا حبيبي ، قل لي كيف حالك ؟ هل تأكل جيدا ! هل تنتبه لنفسك كما اوصيتك ؟
- على مهلك يا أمي انا بخير ، لا املك رصيد اتصال كثير هذه المرة ، لكننا نتقدم في الجبهة ، نحن ننتصر يا أمي ، ادعي لنا بالتوفيق ، انتبهي لصحتك و لأخوتي .
- في حفظ الرحمن ، استودعتك الله يا ولدي .
خجلت من نفسها حين اوحت لها أن تقول له عُد ،بالرغم من أن الحرب قد دخلت عامها السابع ولا يوجد أي امارة للإنتصار إلّا ان كلامه مطمئن الآن ، ربما قليلا من الصبر لن يضرّ ، وهي ستحاول تدبر أمرها إلى ذلك الحين .
مساءً اخذت الهاتف لتستبدله ببضع وريقات نقديه ، تشتري بها الخبز والماء ، هكذا توالت الأيام ، ينقص فيها كل يوم شيء من البيت ، بكى اولادها كثيرا حين باعت التلفاز لأحد الجيران ، لكنها لم تتوقع أن يرفض اعطائها النقود واعتبرها تخليص للدين الذي عندها ، استغل ظرفها لتبيت في حسرتها تلك الليلة .
في اليوم التالي وقفت طويلا امام المخبز ، لا تعرف كيف تفعلها وبأي طريقة ، بخطوات مرتجفة اقتربت وقد عزّت عليها نفسها أن تفعل ذلك ، خرج صوتها خافتا ذليلا ،ليعرف البائع ما تريده لحظتها ، استبشرت اساريرها من تحت الخمار البالي الذي يغطي وجهها حين رأته وهو يضع لها بضع حبات من الخبز في الكيس ، لكن الواقع ابا الأ ان يصفعها ليعيدها إلى مرارته .
- لا تعودي يا خالة ، نحن نعلم بظروفكم لكننا على هذا الحال سنفلس ، فمثلك كثيرون ولسنا جمعية خيرية !
انكسرت ، أخذت نفسها تجرّها بثقل وكأن على ظهرها جبل لا يتزحزح ...
مرت المزيد من الأيام الموجعة ، انين البطون اصبح صداه يملىء جدران ذلك البيت المتعفف ،
على غير هدى خرجت هذه المرة ، الضياع سبيلها الوحيد ، تخبطتها الطرقات وأكلت لحمها العيون ، هل ستفرط بآخر شيء تملكه ؟؟ شرفها !!
كيف لها أن تفكر بذلك حتى ؟!
على طريق عودتها تمزق حذائها لتلامس قدماها تراب هذه الأرض ، جاف ، ساخن ، يلسعها دون رحمة !
منذ متى كانت هذه الأرض طيبة ؟
كم اخذتي مني ؟ هاه!
إلى متى ؟
بداية بوالدي
ثم الأمان
و زوجي سندي
والآن اللقمة التي نسد بها جوعنا !
الأ يحق لي بعد كل ما فقدته أن أعيش عليك عزيزة كريمة ؟
ها أنت تمتصين دموعي ، كما كل شيء ، تأخذين دون أي عطاء!
ماذا ابقيتِ لي !
تذكرت !نعم !!بقي لها شيء واحد !
بأقصى ما تملك من سرعة اخذت وجهتها
توسلت كثيرا على الهاتف العمومي ..
وصلها صوته المتألم ، فمن ذا الذي سيتصل به غيرها ؟
- أمي ، لقد هزمنا ، جميع أصدقائي استشهدوا بصاروخ ، أمي لم يبقى لهم أي اثر سوى بقايا متفحمة ، ماذا أفعل امي ؟ أشعر أن قلبي يتمزق ألماً !!
علت شهقاتها بوجع ، هاقد ذهب كل صبرها هباءً
- عُد إلينا أرجوك ، نحن بحاجتك ، عُد يا بُني ،

عُد فالجوعى لا ينتصرون ...

تمت