عرض مشاركة واحدة
قديم 08-14-22, 08:57 AM   #1
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (01:44 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي هل هوَ عُمر كلّ إنسان فينا ؟!



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وَٱلْعَصْرِ ..
لِماذا يُقسِم الله ب { العَصر } مُطلقاً .. هل هو عَصر كلِّ إنسانٍ فينا !
هل هوَ عُمر كلّ إنسان فينا ؟!
هل يُخبرك القُرآن هُنا .. أنَّ الكثير من النَّاس يولَدون و يتنفَّسون كلَّ يومٍ ؛ لكنَّكَ وحدَك مَن تَعيش عُمرك !
فالعُمر تَجربة فَرديّة ؛ لا يُمكن ان يُشاركك فيها احد ..
العمر هو انفرادُك بكتابةِ قَصيدتك الخاصّة ..
بأبنِيَتها ، وأبياتِها ، وقافِيَتها ، وإيقاعِها .. وبصوتِ الَموانيء الغنيّة فيها !
قصيدة .. أبياتها مَرصوفة بِلَبناتٍ ؛ تَحكي احتراقاً ذاتيّا ..ً أصبح فيما بَعد ؛ توهُّجاً خالِداً في دَندنة المَِلأ الأعلى !

{ والعَصر } .. إذ العَصر هوَ ما تَبقَّى لك ؛ حيثً يتحرَّك النُّقصان بِحُريّة عالِية في مَمرات عُمرك ، و يكسب كلّ يوم من بَعضِك !
{ و العَصر } .. يفقَه السَّلف المعاني المَخزونة في ثَراء الكلَمات القُرآنيّة ، ويُدركون أنَّ ( المَرءُ عُنوان أمرِه ؛ هو عُنْفُوَانُ عمره ) .

و أنَّ الزَّمن هو مَناط المُساءلة يوم القِيامة !
ينغَمِسون بوَعيٍ في الكلمات .. و يتشَرَّبونها ؛ مثل إيقاعٍ يُعيد عَزف حياتهم ..
يستَوطِنون خَيمة المَعاني في القُرآن ، و لا يَخرُجون منها الا وهم حَقائق القٌرآن !
{ والعَصر إنَّ الانسانَ لفي خُسر } .. تَهُزّهم الحَقيقة ؛ اذ قَدر الأشياء هُوَ الصَّدأ .. وان تَطفو مثل ورَقة ذابِلة على بِركة صامِتة ...
(الَا) .. وكان هذا الاستِثناء كافياً كي يخلِق فيهم عُمراً ؛ تجاوَز الزِّينة المُعلَّقة على جُدران الاختبارِ الَبشري ..

عُمراً .. تَجاوز الصّوَر التي تسرِقنا كلّ يوم ؛ ثُمَّ نكتشِف في نهاية الرِّحلة انّها بَقِيَت في الإطار ، ورَحَلنا الى الله دونها !
يُسجّل التّاريخ لهم آثارهم ، ونَبضهم ، و حكاية وَعيِهم !
يُسجّل لهم قَولهم ( إذا مَضَت الليلة من عُمري .. ولَم أكتَسِب مِنها شيئاً ؛ فإنّا للهِ وإنّا إليه راجِعون ! ) .
فقَد كانوا يفهَمون جيداً .. أن ابعَد المَسافات عنكَ ؛ هي الأمس !
يُسجل التّاريخ .. أنَّ " ابن جَرِير " مَكث أربَعين سَنة ؛ يكتُب في كلّ يوم مِنها أربَعين ورَقة !

لماذا ِّ..
لأنَّ المَقروء والمَكتوب ؛ هُما وثيقَتا الدَّهر .. والمَحكي يمضي غالباً في فَضاء الأسماع ، وما يبقى منهُ بعمرِ جيلٍ او جيلَين !
العلم إذن .. هو النّسيج اللامرئيّ : لثِياب البَقاء في ضميرِ الخُلود أبداً !
يُسجّل التّاريخ مَقولة " ابن الجَوزيّ " أقمت أعمالاً لأوقاتِ لقاء النَّاس ؛ لَئلا يَمضي الزَّمان .. فجَّعلتُ للقائِهم ؛ قَصُّ الوَرق ، وبَريِ الأقلام ، وحَزم الدَّفاتر ) !
حتّى كأن "ّ ابن الجوزيّ " مؤسس مدرسة ( فُتات السُّويعات الهاربة ) .. وهي أصل حضاريّ بلٓغه الغَرب حديثاً !

ويُسجّل التاريخ .. شهادة " الفُضيل " اذ قال :
( أعرِف من العلماء ؛ من يَعدّ كلامه من الجُمعة إلى الجُمعة ) .
يٓعُد كلامه ! .. ترى .. هل هُناك لُغزٌ ما في حياة هؤلاء ؛ حتى أنّهم يَبدُون مبصرين .. على حين نَبدو نحن ؛ انّنا نرتدي أعيننا من الخارج فقط !
يُسجل التاريخ " لابن النَّفيس " أنّه سجّل بعض مباحث الطبّ أثناء استحمامِه ؛ ليبدو في فعله هذا ؛ مثِّل أُسطورة تكتمِل بيننا ، وتخبرُنا أنّها حقيقة !
ثق أن هؤلاء بشرٌ .. مجبُولون من نفس طينتِنا .. يسيرون بموازاتنا تماماً .. لكنّنا فجأة ؛ نَراهمّ مثل شِهاب يُضيء ضَباب عجزِنا ، و تلَكُّؤنا !
في أيديهم كلّ الأوراق الرابحة لامتلاك أثرٍلا يَفنى !
نحنُ وحَدنا بعدهم : من نُصبح رقماً مجهولا .. أو أثراً تَذرُوه الرّياح !

يُسجّل التّاريخ " لابن تيّميّة " أنّه توفي عن عمر 57 سنة .. وله نحو خمس مائة مجلد تأليفاً !
ترى .. هل كان ابن تيّميّة يُسجل بكتبه تلك خطّة لا نهائيّة للبَقاء !
يُسجّل التّاريخ " لابن حَزم " أنه ترك من المؤلفات أربع مائة مجلد ؛ تَشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة ..
وكان بذلك ؛ مثل سنديانة عَتيقة تعرف تماماً انّ لها في المَلكوت الواسع متّسعا هائلا للامتداد !
ويُسجّل التّاريخ للإمام " أبـي يوسف القاضي " أنه كان يُباحثُ -وهو في النَّزْعِ و النَّفَسِ الأخير من الحياة - بعضَ عُوَّاده في مسألـة فقهية ؛ رجاءَ النفع بها لمستفيدٍ أو متعلمٍ ، ولا يخلي اللحظة الأخيرة من لحظاتِ حياته من كَسْبها ..
فلما قيل له : أفي مثل هذه الحالة؟!

قال : ولا بأسَ بذلك ، ندرس لعلَّـه ينجو به ناجٍ !
لأنّه كان يُوقن .. أنّه عند عبورِ بوّابة الموت الغامِضة ؛ نُدرك كم كانت منحة العُمر غالية !
فنحن بعد الموت ؛ نعود الى زمنِ الصَّمت .. الى حين من الدَّهر لم يكن فيه المَرء شيئاً مذكورا !

وحدَها الكُتب ، وسطور العلم ؛ ستظلّ تتحدّث بِصَخَب عن حُضورنا !
وقد قالها " ابن الجوزيّ " وابعَث إلى صندوقِ القَبر مـا يَسرُّك يوم الوصُول إليه ) .
يُسجّل التّاريخ .. أن " ابن عَقيل " قال :
( فما أزال أُعلّق ما أستفيده من ألفاظ العلماء ،"ومن بُطون الصّحائف & ومن صَيد الخواطر التي تنثرُها المناظرات ، والمقابسات في مجالس العلماء ، ومجامع الفضلاء ؛ حتى جمعت ٨٠٠ مجلدة ) .
يا للهِ ..
إنَّ بعض الأعمار ؛ تَمنح الضّائعين دليل الحَياة !
لقد قيل : ( من أمضَى يوماً من عُمره في غيرِ حقٍّ قَضَاه ، أو فَرضٍ أدّاه ، أو مجد أثّله ، أو حَمد حصّله ، أو خير أسّسه ، أو علم أقتبسه ؛ فقد عقّ يومه ، وظَلم نفسه ) !

وتِلك حقيقة ..
اذ بعض النّاس يستيقِظون ؛ فيَجدِون أنفسهم قد ماتوا مُبكرين !
تقول الدّراسات ..
إنّ هدر رُبع ساعة عند بَليون ونصف مسلم = 22 بليون سنة تراكميّة على مستوى الأمة ! تصنَع فارِقاً بيننا و بين قيادة البشرية !
فالوقت لا ينتظِر .. ولا يُحابي الفارِغين !
ورُبّما تشبه هذه الدّراسة كلِمات " ابن القيّم " القائِلة :
( إذا أراد الله بالعيد خيرا ؛ أعانه بالوقت .. وجعل وقته مساعداً له ..
وإذا أراد به شرا ؛ جعل وقته عليه ، وناكده وقته ) .

{ والعًصر } ..
هو قَسَم جاءَ ؛ كي يَخلِق فينا خُصوبة عُمرٍ لأمّةٍ .. أرادَ الله لها أن تظلَّ فٓتِيّة !
وان يَظَل الانسان فيها ؛ مثل مدينة بأنبيائِها ، وحُرّاسها ، ونَخِيلها ؛ لا تعرِف فرَاغ النِّهايات اليابِسة !
القُرآن المًكيّ .. مَدرسةُ التَّشكيل للإنسانِ الجَديد !
د.كفاح أبو هنود


 


رد مع اقتباس