عرض مشاركة واحدة
قديم 10-12-22, 12:09 PM   #85
تراجِيدِيا

الصورة الرمزية تراجِيدِيا
بُــــكاء قـلـب .

آخر زيارة »  12-21-23 (05:07 PM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



.

.

.




«الشُّعُور بالغُربة»




قَدَّم الأديب أبو حيان التوحيدي وصفًا مُفصَّلًا عن الإنسان الغريب مِن خلال رسالة أدبية في غاية البلاغة والتأثير، كَتَبَ فيها:

يا هذا! الغريب مَنْ غَرَبتْ شَمْسُ جَمالِه، واغتربَ عن حبيبه وعُذّاله، وأغرَبَ في أقواله وأفعاله، وغَرَّبَ في إدباره وإقباله. الغريب مَنْ إذا تنفَّسَ أحرَقَه الأسى والأسَف، وإنْ كَتَم أكْمَدَه الحُزْن واللَّهَف. الغريب مَنْ إذا ذَكَرَ الحَقَّ هُجِر، وإذا دعا إلى الحَقِّ زُجِر. الغريب مَنْ لا اسمَ له فيُذْكَر، ولا رسْم له فَيُشْهَر، ولا طَيَّ له فيُنْشَر. الغريب مَنْ إذا قالَ لم يسمعوا قوْله، وإذا رأوه لم يَدوروا حوْله. يا هذا! أيْن أنتَ عن غريبٍ لا سبيل له إلى الأوطان، ولا طاقة به على الاستيطان؟ وقد قيل: الغريب مَن جفاه الحبيب، وأنا أقول: بل الغريب مَن وَاصَلَه الحبيب، ومَن ليس له من الحَقِّ نصيب، بل الغريب مَنْ هو في غُربتِهِ غريب.

ثم استشهَدَ بهذا البيت:
وما جَزَعًا من خَشْيةِ البَيْن أَخْضَلَتْ
دموعي.. ولكنَّ الغريبَ غريبُ.

مَعنى البيت:
البَيْن: ساعة الوداع، وأخضلتْ دموعي: بمعنى صَبَّتْ حتّى بَلّلَتني. يقصد الشاعر أنّ بكاءه ليس بدافع الخوْف من وداع الأحِبّة، بل لأنّ الوداع يُذكِّره بمدى غُربته، فَفِي كُلِّ مرّةٍ يُفارق بها الأحبّة يَدفعه وداعهم إلى استشعار غربته، ويُؤكِّد له أنّ الإنسانَ غريبٌ وكأنّ الغُرْبة سُنّة الحياة، حتّى وجود الحبيب لا يُبدِّد شعوره بالغُربة، لكنه قد يُخفّف عنه وحشته ويساعده على التناسي. وهذا البيت في ظنّي وتقديري تعبيرٌ حقيقيّ لمعنى الغربة.

وقالَ بتعبيرٍ آخَر:
إنّ الغريبَ بحيث ما
حطّتْ ركائبُه ذليلُ
ويدُ الغريبِ قصيرةٌ
ولسانُه أبدًا كليلُ
والناسُ ينصرُ بعضهم
بعضًا وناصِرُه قليلُ.

ثم استغلقَ رسالته قائلًا:
اللهم الرحمة للغريب! طالَ سَفَره مِن غيْرِ قُدُوم، وطالَ بلاؤه من غير ذَنْب، واشتدَّ ضَرَره من غير تقصير. اللهم إنَّا قد أصبحنا غُرباء بين خلقك، فآنسنا في فنائك.


.

.


 

رد مع اقتباس