عرض مشاركة واحدة
قديم 12-16-22, 08:49 AM   #1
EVE

الصورة الرمزية EVE

آخر زيارة »  يوم أمس (09:27 PM)
المكان »  عام 2009
الهوايه »  هواياتي كثيرة

 الأوسمة و جوائز

افتراضي لالَه ( مشارِكة )



في زنزانة ضيقة مساحتها منزل فخم تسكن طفلة ينادى عليها باسم : لاله
أنا ( لاله ) المولودة في العام الذي مات فيه أبي ، قد بلغتُ بصعوبة عامي السابع و العشرين و أنا واقفة على قدمي ،
كدت أفقد قدمي مرتين في آخر عشر سنوات ،
في هذه الزنزانة الفاخرة أسكن مع جدتي و عمتي و أبناء عمي الذي لم أرَه قط ( ماجد و خالد ) و خادمتنا الغريبة الأطوار ( لاري )
و سائق جدتي الخاص ( ميرام ) الذي يرى كل شيء و لا ينبس ببنت شفة ، رغم أنه لا يفتقد لأي من الحواس الإنسانية ، لكنه ببساطة ( خائف من شيء ما )
تقول عمتي ( رمال ) أن عمي هاجر إلى بلاد الضباب قبل ولادة (خالد ) و موت أم ماجد – لم تذكر سبب موتها – و أنا أخاف من التساؤل ،
و أتذكر أن آخر سؤال طرحته : أين أمي و أبي ؟! فحلت لعنة الجدّة على البيت كله !
كل صباح يصطحبنا ( لاري ) و ( ميرام ) لتوصيلنا إلى مدارسنا و كل ما أتذكره أني مذ وعيت على هذه الحياة و أنا أذهب إلى المدرسة !
و كأني منذ أول يوم من ولادتي و أنا أداوم على ذلك ، تعلقتُ بنساء كثيرات مررن في حياتي ، لكن لم تتمسك بي إحداهن !
إلا ( لاري ) الوحيدة التي لم تترك يدي التي تمسكها بقسوة لتزجني كل يوم - منذ لا أذكر- نحو باب ما ، و تتلقفني امرأة ما ..!
حتى خالد ابن عمي المهاجر ، كان يمسك به ( ميرام ) و يدفع به إلى ذات الباب في طفولتنا ، حتى بلغنا عامنا السادس فصارت ( لاري ) تزجّني بحزم نحو باب مدرسة البنات ،
و أظن ( ميرام ) يفعل ذات الشيء مع خالد عند مدرسة الأولاد .
لا أعرف عن ماجد إلا أنه يزورنا كل يوم جمعة ، و يبقى في غرفته في الطابق الثاني وحيداً و يغادرنا في مساء ذات اليوم ،
و لم أعلم حتى الآن أين كان يقضي باقي أيام الأسبوع لأنه اختفى فجأة حين بلغنا أنا و خالد سن الثالثة عشرة ، و سألت خالد خِلسة : أين ماجد ؟ فأجاب : سافر إلى أبي !!!
في تلك الليلة التي بلغت بها مبلغ النساء ، بدأت مأساة عمتي و بكت حتى ظننتُ أن ما حدث لي هو عار لا ترتكبه كل البنات ،
لم تكن لي أي علاقات أو محادثات مع بنات المدارس التي داومت فيها ، اعتدت الصمت بل أحببته و تحصّنت به .
اعتدت أن أفكر في كل شيء و أنظر بعمق في الأشياء و المواقف التي تحدث لي أو أمامي
دون أن أبدي رد فعل و أستسلم لكل ما يحدث معي أو لي بفتور و برود يصل إلى حد الظن بأني مثل ( ميرام ) لا أرى و لا أسمع و لا أتكلم .
صدر قرار نافذ من الجدة أن أكتفي من الدراسة و أبقى في المنزل انتظاراً لحدث ما ، ليس بالضرورة ( سعيد ) !
و استمر خالد في المداومة على الدراسة و بدأت عملية التفريق بيننا حتى في ساعات تناول الوجبات ، أصبح خالد يتناول وجباته وحيداً في غرفته لأنه ( أصبح رجلاً )
خضعنا منذ طفولتنا لنظام صارم يتعلق بالمواقيت لكل ممارساتنا اليومية ، و رقابة الجدة التي تجلس في غرفة المعيشة المزودة بكاميرات مراقبة
ترصد تحركات ساكني المنزل جميعهم حتى في غرفهم الخاصة ، حتى الجدة ( خائفة من شيء ما ) !!!

حتى الطعام فرضت علينا الجدة نظام أكل نباتي مشدد و الغذاء الحيواني المسموح لنا به هو البيض و الحليب ، وفق قائمة يومية تقررها الجدة و يجلبها ( ميرام ) و تحضّرها ( لاري ) .
لا يزور المنزل إلا رجلا أسيويا في نهاية كل شهر ، يسلم الجدة مبلغا ضخما من المال ، علمت فيما بعد عندما بلغت الثامنة عشرة أنها قيمة إيجارات المباني المتعددة الشقق التي تملكها ،
و التي تقوم عمتي في ذات اليوم بإيداعها في المصرف المالي في حساب الجدة .
لم أطلب قط شيئاً لي ، كانت العمة تقدم لي و لخالد ما تعتقد أننا بحاجته ، أظنها لم تفكر قط أننا بحاجة للكلام مثلاً ،
للعب ، للبكاء ، للصراخ ، للركض ، للسؤال عن أشياء غامضة لا حصر لها ، تفاقمت مذ لم أجد إجابة شافية لسؤالي اليتيم .
دخلَت العمة ذات يوم غرفتي و هي تحمل أدوات خياطة و قصاصات أقمشة و بدأت تعلمني مهارة الخياطة ،
أما خالد فتجلب له القصص العلمية و التي كان هو بين الحين و الحين يرسلها لي بيد عمتي ، الجدة كانت تخشى عليّ من القراءة ،
تقول أن الناس لم تفسدها إلا هذه الكتب !!
فجأة
انتبهنا في صباح أحد أيام الآحاد على صراخ عمتي : أمي أجيبيني يا أمي !!
لقد ماتت الجدة دون سابق إنذار ..... و خرجنا من الزنزانة جميعنا !
أما عن أقدامي ، فقد فقدت إحداها فعلاً بعد أن بلغت عامي السابع و العشرين في حادث عبور طريق ، تزوجني الرجل الذي دهسني
و لم أنجب منه أطفالاً لأنه عقيم ، مات بعدها ( ميرام ) منتحراً ، و بقيَت (لاري ) مع عمتي و كل منهما تخدم نفسها ،
ورثنا أموالاً طائلة كانت سبباً في عودة ماجد من سفره ، ليخبر أخيه خالد عن موت والدهما في غربته .
اقترح ماجد أن أنشئ مشغل خياطة يختص بإنتاج نوع معين من الملابس ، و حتى أقوم بذلك كان يتطلب الأمر أن تعطينا العمة أوراقي الثبوتية ،
رفضَت بشدة و لكن بعد جدال بينها و بين ماجد أفضى لأن تتجلى الحقيقة .
أني ابنة ( لاري ) و أن أبي تم قتله بالخطأ على يد عمّي بسبب هذه المأساة فهرب عمي من فوره إلى وجهة لم تُعلَم عنها إلا بعد عدة سنوات
بلغت ُالآن من العمر أربعين عاماً و قبل أن يعلم زوجي السابق بأمري طلبت منه أن ننفصل وديا و فَعل ،
أما خالد فقد قرر أن يسافر مع أخوه ماجد و يبدآ بتأسيس مشروعاً من أموال الإرث الطائلة .
خلال هذه السنوات و حتى الآن لم أفعل شيئاً يُذكر ، فقط بدأت أستعيد شريط حياتي و أضع تفسيرات لكل ما كان يشغلني و أجوبة لكل التساؤلات الخرساء !
للعلم اسمي الحقيقي هو : لمياء ! و أبي كان ممثلاً صاعداً ، جدي تاجر مصنوعات جلدية يستوردها من الهند ، البلد التي أتت منها ( لاري ) أمي !
لم أفتح باباً لفضولي لمعرفة حقيقة ما جرى ، اعتدت التسليم و القبول و عدم السؤال ،
و اعتمدت على تخمين ما حدث من خلال ربط خيوط القصة بما توفر لي من معلومات و ما عايشته منذ نعومة أظفاري !
أما كيف عرفت كل هذه المعلومات ، من الكتب التي أفسدتني – كما ظنت الجدة – و التي من خلالها صغت هذه القصة التي نسجها خيالي .
لم يوقفني عن سرد الأحداث إلا صوت كلب الجيران الذي أمقته و أفكر بتسجيل شكوى ضده بسبب إزعاجه المتواصل !!


 

التعديل الأخير تم بواسطة EVE ; 12-16-22 الساعة 08:56 AM

رد مع اقتباس