عرض مشاركة واحدة
قديم 05-09-23, 07:22 PM   #1
الفاضل

الصورة الرمزية الفاضل

آخر زيارة »  04-27-24 (03:58 PM)
المكان »  بين دفات الكتب
الهوايه »  القراءة المتعلقة وكتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي إشعاع الوجود( إبداعي)



انتفض في رعشة خاطفة وهو يرى كائنًا شفافا يشبهه تماما، يخرج من جسده، ويطير نحوها، ظل يراقبه في انبهار وهو يندفع كما وميض الضوء، حتى اختفى تماما في عينيها وهي تنظر إليه من بعيد.
بدأ الفعل ، وانتهى في لحظات خاطفة، أصابه الذهول مما حدث.
حاول أن يستعيد الموقف من جديد، ربما يجد له تفسيرا" رآها قادمة من بعيد كما تعود رؤيتها ببريق طيفها الساحر، تبعثر وهج نظراته، واجتمع من جديد حول وجهها، وقف مترددا وهو يشعر بهواء الجو يرتعش بالبهجة من حوله. كان موشكا على العدول عن مواجهتها، لكنه وهو يتماسك من الأعماق، أحس بما يشبه الانشطار في كيانه.."
لم يصل إلى أي تفسير للحالة، وكانت قد حملته بين جفونها، وبدأت بالابتعاد.
أصابتها حالته نفسها وهي تشعر بشيء ثقيل جميل يتحرك داخل عينيها، لم تجد تفسيرا للحالة في البداية، استطاعت أخيرا أن تشعر به يسكن في بريق عينيها ، مما جعلها تمتلئ بالسعادة، أحست به ينتفض صائحا:
" سأعتلي عرش البهجة من أجلها".
سألته وهو مسترخ في ماء عينيها :
-هل تقصدني؟!
قال وعيناه مغمضتان في انتعاش:
-دون سائر الكائنات.
أحست بهواء الجو من حولها يمتلئ بأنغام ساحرة مسافرة بنبض قلبها نحو عالم جميل، سألتها إحدى زميلاتها في العمل وهي تتأمل بريق نظراتها في اندهاش:
-ما هذا اللمعان في عينيك!
قالت وشفتاها ترتعشان ببسمة ناضجة:
- أبدًا.. لا شيء.
تركت زميلتها بحيرتها دون أن تعرف السر.
سألتها زميلة أخرى السؤال نفسه وهي تدقق في سطوع نظراتها.
قالت بسمتها الناضجة نفسها في انتشاء.
-ربما من أثر شعاع جميل من ضوء الشمس.
في مساء ذلك اليوم أغمضت عينيها، ونامت عميقا دون أن تسمح له بالخروج.
في الصباح خرج من عينيها وهي تستكمل نهوضها من نومها، كان ممتلئا بأطياف سائلة وقدرات هائلة، فتحت نافذة غرفتها وهي تتنسم أنفاس الصباح ، وتسافر بنظراتها في سطوع وجه الشمس، يطاردها حلم جميل رأته ليلة أمس، لا تتذكره، ولا تدري لماذا تهرب منها تفاصيل الأحلام بعد نهوضها من النوم.
تتمنى أن تستعيدها، ويكون لها القدرة على تفسيرها.
تتذكر جانبا ضئيلا من مضمون الحلم، كان حول رجل يراقبها في صمت من بعيد، يغوص في عينيها إلى منتهى الأعماق، يشاركها النوم داخل العينين ، ولا يستطيع مقاومة السحر الهادر في ملامح وجهها.
تستحضر صورته في ذهنها، له جسد قوي، ملامح وجه مشتعلة، ونظرات مشعة بالأمل والأحلام الملونة.
عندما يراها يحاول الابتعاد عنها وملامح وجهه تنطق بالابتهاج لرؤيتها.
" هل يوجد مثل هذا النوع من الرجال في هذا الزمن المليء بصراعات البقاء والفناء؟!"
بدأت تشعر بلسعات حرارة الشمس على جانب وجهها.
تزحلقت ذراعاها في استرخاء إلى جانبيها، تحركت خطواتها بطيئا إلى الداخل، فقد حان موعد تهيئتها للخروج.
استيقظت أمها من نومها، وقفت تراقبها من بعيد.
سألتها وهي تقترب:
-ماذا ترين عند النافذة؟
أطلقت زفيرا طويلا في وجه أمها كان محبوسا في جوفها وهي تتأمل وجهها في انتعاش:
-أرى العالم جميلا اليوم.
أصابها الذهول وهي تتأمل آثار البريق الساحر في نظراتها.
" أرى عينيك متلونتين بألوان غريبة !".
اهتز صدرها مع ضحكتها المستقطعة وهي لا تصدق ما قالته لها،.
طارت إلى مرآتها، وقفت أمامها تتأمل ملامح وجهها، رأت وميضا
لامعا من طيف شفاف يتوهج في نظرات عينيها، كانت تحاول استحضار صورته في تلك اللحظات.
اختلطت رؤيتها له بأحلامها الجامحة نحو أشياء جميلة تتمنى تحقيقها في عالم الرؤية وعوالم الخفاء.
بدأ يتذكر هو أيضا موعد خروجه، اصطدم جسده بجسد أبيه وهو ينطلق للاغتسال.
صاح الرجل في وجهه:
-هل عميت.. كدت توقعني وأنت تندفع؟
بدلا من أن يقول له: " أريد اللحاق بموعد العمل".
قال في عجلة وابتهاج، وأنفاسه تتبعثر في المكان:
- أريد أن أراها.
رفع أبوه حاجبيه فوق عينيه وهو يسأله:
- من هي؟
أحس بالارتباك وهو يقول:
- كنت نائما في عينيها ليلة أمس.
ازداد إحساس أبيه بالاندهاش وهو يسأله:
- عن أي شيء تتكلم يا ولد؟!
أصابه الخرس وهو يحني رأسه في خجل أمام أبيه دون أن يطلق.
ابتسم الرجل هازئا وهو يتأمله بنظرات خبيرة، ثم فوجئ به يصيح فيه بملامح وجه معتصرة:
- كيف تقع في الحب وقد تعديت الثلاثين؟!
وصمت قليلا وهو يتفحص ملامحه الشابة ونتفات الشعر البيضاء التي بدأت تنبت في جانب رأسه، ثم قال في نضوج ثقيل:
- في هذه المرحلة من عمرك تتفرغ للنضال من أجل مركز مرموق في المجتمع.
ظل يتأمل وجه أبيه العريض وهو يبتعد عنه ببطء إلى الداخل، وبقعة صلعاء مستديرة تلمع في مؤخرة رأسه.
اختلطت المرئيات والغيبيات من حوله وهو يراها تظهر بجانبه فجأة بكامل كيانها المشحون بالنبض والأنفاس.
يحيط بهما جمع من الناس، بوجوه باسمة، تصاحبهما بسواعد مشمرة، نافرة والأرض من حولهما تكتسي بأشجار مثمرة ، وعمائر كثيرة ذات نقوش جذابة خالية، وقنوات مياه لها لون فضي مشحون بالبريق ورياح الجو كما أشعة الشمس تشارك معهما بأنغام الفرح والأناشيد.
تشتعل أحاسيسه فجأة وهو يرى نفس الكائن الذي يشبهه تماما قد عاد إلى داخل جسده نابضا بالاشتعال، كما أضواء الكون، يخترق حواجز الانطلاق في داخله.


 


رد مع اقتباس