الموضوع: رحله مع كتاب
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-17-23, 07:28 AM   #226
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (08:28 AM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



وداعا_ياغولساري للروائي القيرغيزي الكبير جنكيز أيتماتوف

أُلقي في هذه المراجعة نظرةً سريعةً على الوداع الأكثر ملحميّة في الأدب الروسي، "وداعاً ياغولساري" هذه الرواية التي أثبتت لي أن "جنكيز أيتماتوف" كان يتصيّدنا بهذه الدراما التي لايتيسّر على القارئ إنكار روعتها وتأثيرها عليه خاصةً عقب طيّ صفحتها الأخيرة.

تبدأ الرواية من حيث يتوجّب عليها أن تنتهي؛ عندما تتبدّد قوة الحصان "غولساري" وينهار في طريقٍ صاعدة، فيتغيّر لونه حدّ الامتقاع، هنا يتيقّن صاحبه وصديقه العطوف "تاناباي" بأنّ وقت الفراق قد حان؛ فيسترجع "تاناباي باكسوف" ذكرياته مع الحصان، وحياتهما الموّارة بالكفاح والتعب والإخلاص في العمل. هذا الماضي الذي تصرّم وبدأ "تاناباي" بالحنين إليه.

قد تبدو الرواية كلاسيكية من حيث فكرتها العامة: علاقة الإنسان الوطيدة بالحيوان، تشابه الأمزجة بين البطلين، الحنين إلى أمجاد الماضي.. إلخ. لكنها في زمن نشرها كانت ثوريةً وجريئةً في طرحها من نواحٍ عدّة أبرزها:

- الانتقاد المبطّن للسلطة والحزب، يتجلى ذلك بمحاكمة "تاناباي" بتهمة إهمال الحملان التي نفقت، بينما كان داعي نفوقها قلة إمداد الطعام والملح للحظائر.

- إخصاء الحصان لتغييب كل ما يتملّكه من غرائز ليبقى نشاطه منصبّاً على الركض والفوز بالسباقات. ولا يُفسّر هذا إلا بأنّه غمزٌ من قناة الحزب الحاكم؛ هذا الحزب الذي يمتصّ خير شعبه دون أن ينخره الإحساس بالإثم، يؤكدّ هذا إصرار الكاتب على أنّ يزاوج بين البطل والحصان طيلة الرواية.

- رفض "تاناباي" الانخراط في صفوف الحزب مرّةً أخرى، بحجّة هرمه. والواقع أنّ رفضه جاء نتيجة معرفته بماهيّة الحزب وحقيقته وأنّه لاجدوى من العمل الحزبي بعد اليوم.

تدور أحداث الرواية في السهوب القيرغيزية، ويمكن القول أن "أيتماتوف" خلّد وطنه بأعماله الأدبية وحبّبها إلينا من خلال لغته الشاعرية في وصف البيئة. كما أنّه تمكّن من صناعة الذوق الأدبي بما يرتبط بالخيول عموماً، ابتداءً من تربيتها، وطرق ترويضها والتعاطي معها، ولا أرى في الأدب العالمي -على الأقل الذي اطلعتُ عليه- ما ينافس هذه الرواية في العمق والجدّية قدراً يجاريها في رصد الخيل وطباعها وصلتها الصادقة مع الإنسان.

يعزّ على أيتماتوف أن يُصدِرَ عملاً له لا يخالطه علاقةٌ/أو صداقةٌ بين الإنسان والحيوان؛ ففي روايته النطع نجد حضوراً واضحاً للذئاب، وفي السفينة البيضاء دورٌ بطوليٌ للغزالة الأم، وكذا في هذه الرواية مع الخيول.

لانجد في هذه الرواية (ولا في كلاسيكيات الأدب الروسي عموماً) مشاهدَ غرائبية أو سوريالية، هي روايةٌ بمشاهدَ تقليدية، واضحة، وإنسانية جداً، تصدح بالحب الصادق و تجعل من الحياة -رغم مأساويتها- حُلماً ومسرّةً وهناء.




 

رد مع اقتباس