الموضوع: إلى ابي ...
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-15-23, 04:01 PM   #1
نجمة

الصورة الرمزية نجمة

آخر زيارة »  05-11-24 (03:50 PM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي إلى ابي ...



لماذا لا يكفي؟
سقف يأوينا ، لقمة تشبعنا ، لماذا لا يكفي؟
لطالما تمنيت سؤالك هذا السؤال !
لكنه لم يخرج من فاهي قط .
استمع لجدالك اليومي مع أمي بعد صلاة الفجر ، بكاءها أمام إصرارك الذي لا يتزحزح ، خروجك وبيدك كومة شعارات سهرت الليل وأنت تعمل عليها ، اجري على السلالم ، ارقب خطواتك من فوق سطح بيتنا ونبضات قلبي تبطء حتى كادت أن تتوقف !
في ذلك اليوم حين عُدت ، اجلستني في احضانك ، تسمح بيدك الدافئة شعري ، كنت شاردا لبرهة قبل أن تحكي لي عن طفولتك ، فقدك لوالدتك ، توسدك التراب وتلحفك السماء ، نجوم الليل كانت مصابيح لياليك الموحشة ، كيف احتضنتك هذه الأرض وكانت لك أما وأبا ، ثم فكرت بكل التائهين مثلك ، من كانوا يشاركونك دفئها وحنانها ، ليكون حلمك بعدها حمايتها من ظلم وشر.
ستشرب من دماء الثائرين حتى يعمها العدل والسلام، وأنت أولهم.
لحظتها اجبتك بنقمة :
من أي بقاع العالم سترى صفحة النجوم تلك و وستفترش نفس التراب وتلتحف نفس الهواء ، لا فرق سوى أنك في ذلك الوقت تخيلت ما تفتقده لا أكثر .
ضحكت يومها من صميم قلبك ، كل كلماتك احفظها عن ظهر قلب الأ تلك الجملة التي قلتها بعد ضحكتك فهي تتردد في بالي كل حين !

- إذا سُرق الوطن فقد سُرق منك كل شيء.

لم أعرف معناها الأ بعد أن اتيتنا على نعش ، يزفك إلينا أصدقاءك الثائرون ، كنت اتوقع هذا اليوم ، جهزت نفسي له مذ وقت طويل ، رسمت له الآلاف التوقعات ، لكنه لا يشبه إحداها ، حتى الموت لم يكن ليمحي ذاك الألم ، تمنيت أن يصمت العالم ، أن تخرس الألسن ، أن اصيح حتى تصم الآذان، لكنها لم تخرج ، كما لم تخرج دموعي ، كأن حواسي كلها اتفقت على خنقي ، حين قبلتك آخر قبله لم اتشبث بك ، كما لم افعل في كل مرة تخرج فيها لتلاقي وطنك ، رغم أني أعرف أنك ربما لن تعود ، تحسست أثر الحبال على رقبتك تخليت أن يسيل دمك لتتشربه هذه الأرض وفاء كما تمنيت ، ساعتها كانت هي غريمي الوحيد ، كانت هي قاتلتك .


بعد سنين طويلة حرصت فيها على ان لا تمس يداي تراب قاتلتك ، فقدت أمي ، قتلها الظلام الذي ضحيت بنفسك لتمحيه ، حينها افترشت الأرض وتلحفت السماء ، تفجرت حواسي دمعاً وغضباً !
حين أخبرت زوجتي بأني سأمشي على نهجك قالت عني مخبول ثم هجرتني ، ارتحت ! هكذا لن يكون لي أطفال كارهون مثلما كنت .
أبي إنها تمطر ، فعلت ما استطيع لكن الظلام شديد ، عزائي الوحيد أني حققت حلمك في آخر لحظات حياتي !

دمك تتشربه الأرض عبر دمي ...


 


رد مع اقتباس