الموضوع: رحله مع كتاب
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-21-23, 07:08 AM   #234
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  يوم أمس (07:58 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



مراجعة كتاب أوراق شخصية في بريطانيا والوطن للأديبة الدكتورة نجاح العطار

تعرّفت بالكاتبة الكبيرة الدكتورة نجاح العطار لأوّل مرّة من خلال مجلة المعرفة حيث كانت تحرص على كتابة افتتاحيّة كل عدد عندما كانت وزيرةً للثقافة، وحرصتُ آنذاك على تتبّع مقالاتها في غير مجلة؛ سحرتني الكاتبة بلغتها شديدة التماسك ومفرداتها الجزلة الجدّ فصيحة، وكثيراً ماكانت تعتمد على تعريبات مجمع اللغة في الوقت الذي كان يستسهل فيه أعتى الكتّاب ذكر المفردات الإنجليزية بتعريبها الحرفي.

المتابع لأعمال الدكتورة نجاح العطار سيلفت نظره هذا الكتاب لميزةٍ نجدها فيه لانجدها في بقيّة أعمالها، وأفنّد هذه الناحية وغيرها من ملامح الكتاب في النقاط السريعة الآتية:

لا أذكر أن تناولت الدكتورة نجاح العطار حياتها الشخصية في أيٍّ من أعمالها المنشورة (كتاب، مقال..إلخ) كانت تتطرّق دوماً لقضايا النقد الأدبي -اختصاصها الذي درسته في إدنبره- وفي الدرجة الثانية تتناول قضايا تتعلق بهموم الكتّاب والقرّاء والناشرين، وطالما عرّجت لمواضيع سياسية تخدم موضوع المقال نفسه، وأشدّ ما يعجبني ربطها الحكيم بتأثير السياسة في الثقافة وملامح الغزو الثقافي وحصن الأمم تجاه هذا الغزو الملثّم.

تكشف الكاتبة في كتابها "أوراق شخصية في بريطانيا والوطن" أوراق الماضي، ذكرياتها ابتداءً من سفرها رفقة زوجها الدكتور ماجد العظمة إلى اسكوتلندا لمتابعة الدراسة، هو في مجال الطب، وهي في النقد الأدبي بعد عامٍ تفرّغت فيه لتعلم اللغة الإنجليزية التي ماكانت تفقه منها حرفاً، ثم ومع المثابرة والجدّة صارت تتحدّثها بطلاقةٍ بيّنة.

تروي الكاتبة كثيراً من الطُرف والمِلح التي حصلت معها خلال الفترة (عام 1957)، ومن خلال هذه المفارقات تكشف لنا شيئاً من طبائع الإنجليز وعقليّتهم وتعاملهم مع الغرباء، وخاصةً في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. بالإضافة إلى سياسة الحكومة آنذاك، وطرائق التدريس الجامعي، والوضع الإقتصادي إبّان الحرب، والعلاقات الإجتماعية والأسرية وخاصةً أوضاع العائلات الإنجليزية التي خسرت أبناءً لها في تلك الحرب.

لفت نظري من خلال حديث الكاتبة تدهور العلاقات الأسرية عند الانجليز، وحرصهم في الوقت ذاته على العادات الإنجليزية المتوارثة، والاستخفاف بدور الأسرة مقابل الحرص الشديد على الحرية الشخصية والتخلي عن المسؤولية وتحقيق الوفرة المالية بغض النظر عن أسلوب تحقيق ذلك.

من أهم فصول الكتاب حديث الدكتورة نجاح العطار عن تجربتها في مقارعة اللوبي الصهيوني المستفحل في مفاصل الدولة والجامعة في بريطانيا خاصةً والغرب عموماً من خلال تلبيتها لدعواتٍ حكومية وجامعية كانت توجّه للطلاب، ودور العرب الهزيل هناك، وذكرت أسماء بعض الكتّاب والشعراء العرب (الذين صاروا مشاهير فيما بعد) الذين انجرّوا وراء مديح الاستعمار البريطاني لبلدانهم لكسب رضا المملكة التي يعيشون فيها، أو الاستغراق في السهر والملذات ورمي القضية العربية والفلسطينية برمّتها وراء ظهورهم..

في ثلث الكتاب الأخير تحكي الكاتبة ظروف عودتها إلى دمشق وتوظّفها في سلك التعليم الثانوي، ثم انتقالها إلى قسم التعريب والترجمة في وزارة الثقافة وتدرّجها في المناصب وصولاً إلى منصب وزيرة الثقافة. (تشغل الكاتبة حالياً منصب نائب رئيس الجمهورية العربية السورية).

يتّضح أمام القارئ وبجلاء حجم وفاء الكاتبة لزوجها الراحل الدكتور ماجد العظمة ودوره البارز في دعمها خلال الدراسة والعمل وتنشئة الأولاد (وائل وأروى) الذي كان لهما الفضل الأبرز في نشر هذه الأوراق الشخصية من ملف ذكريات والدتهم، وقد ذكرت الكاتبة ذلك في افتتاحيّة الكتاب.

أخيراً.. أودّ تسجيل نقطتين هامتين كم أودّ لو ينظر إليهما شبابنا وشيّابنا بعين الاعتبار:

الأولى: الهمّة العالية التي تتمتّع بها الدكتورة نجاح العطار، إذ أنها -وهي على أبواب التسعين من العمر- لاتتوقف عن العطاء والكتابة والبحث والمناقشة، في الوقت الذي يُفاجئنا فيه غالبية الشباب حديثي التخرّج من الجامعة انقطاعهم عن التحصيل بحجّة انتهاء هذه الحقبة من عمرهم، ويفوتهم أنّ العلم والتحصيل مسارٌ بعيدٌ لايحجزه عمرٌ ولاتوقفه عجلة الزمن.

الثانية: الذاكرة البديعة التي تتمتّع بها الكاتبة، إذ أنها ومع كل موقف تبثّه كتابها تتذكر مواقف أكثر وأعمق؛ تذكر لنا بعضها، وتؤجل أخرى ربّما لجزءٍ ثانٍ من الكتاب صار وجوده ضرورةً مُلحّة.

صدر الكتاب عن الهيئة العامة السورية للكتاب عام 2022، ويقع في 235 صفحة من القطع الكبير، وهو كتابٌ مهمٌ يكشف لنا وجهاً جميلاً آخر للكاتبة الكبيرة التي لاتكفّ عن إدهاشنا وشحذ هممنا بالعطاء المستمر.



 

رد مع اقتباس