الموضوع: رحله مع كتاب
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-20-23, 07:22 AM   #253
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (12:14 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



مراجعة كتاب "أدباء في حياتي" للكاتبة الكبيرة "ضياء قصبجي" بقلم: حسين قاطرجي.
في هذا الكتاب رحلة تقدير. لقد كانت الأديبة "ضياء قصبجي" طيلة حياتها محظوظةً بما يكفي لمقابلة العديد من الكتّاب الذين تركوا أثراً عميقاً في نفسها وساهمت كلماتهم وقصصهم ووجهات نظرهم الفريدة في فهمها للعالم وأشعلت حبها للأدب.
في هذا الكتاب تذكر الروائية الأدباء الذين مروا في حياتها، وعبّرت عن تقديرها الصادق للتأثير العميق الذي تركوه في حياتها، والبصمة التي لاتُمحى في رحلتها الأدبية، والتعبير عن تجاربها بشكل جميل، لقد ألهمتها هذه القامات طريقاً لاكتشاف صوتها الأدبي والبحث عن العزاء في الكلمة المكتوبة أثناء رحلتها في عالم الأدب الواسع.
في أدب "ضياء قصبجي" عوالم ساحرة مليئة بالحب والمأساة والجمال، لقد أيقظت قدرتها على مزج الواقع مع الخيال خيال القرّاء على قلّتهم (أقول على قلتهم لأنّ أعمالها لم تعد متوفرة في المكتبات ولم تُطبع طبعاتٍ جديدة فبقيت الكاتبة إرثاً وتاريخاً لايعرفه القرّاء الشباب إلا ماندر منهم).
علمت "قصبجي" أن رواية القصص يمكن أن تتجاوز حدود الواقع، أو تخوض فيه وتعرّيه، ولم تكن تسعى إلى حلّ ألغاز الحياة العميقة والطبيعة المعقدة للعلاقات الإنسانية. لكنّها تعيننا على استيعاب تعقيدات المشاعر وهشاشة التجربة الإنسانية وأهمية التعامي عن الشكوك والصّعاب التي تُفرط فيها الحياة.
تطرح الكاتبة -بطريقةٍ غير مباشرة- أهمية المجتمع وقوة التعاون في مجال الإبداع، ولا أنكر أنّني أحار بين رأيين؛ ويستميلني ،غالباً، الرأي الآخر الذي يستأثر بالخلوة ويمدحها، والبعد عن المجتمع والناس بما في ذلك المجتمع الأدبي.
أصدّق أنّ الادباء الذين مروا في حياتها أثروها بطرقٍ لا تستطيع الكلمات وحدها التعبير عنها؛ من قصصهم الجذّابة إلى رؤاهم العميقة. لقد تبادلت معهم الإمكانيات اللامحدودة للغة والقوة التحويلية للأدب، ومن خلال أعمالهم تعلّمت وعلّمت احتضان الإرادة، والتساؤل حول العالم من حولها وتقدير الجمال في كلٍّ من الأمور العادية وغير العادية.
في كتابها "أدباء في حياتي" تضع الكاتبة خمسةً وعشرين مقالاً، في كلّ مقالٍ تحكي ذكرياتها وتجاربها مع أحد الأدباء، وتُعَنوِنُ كلّ مقالٍ باسم أحد أبرز الأعمال الأدبية للكاتب الذي تتناوله في موضوع مقالها. ذكرت الأديبة لقاءاتها ومراسلاتها وانطباعاتها مع:
- عبد السلام العجيلي، أحد أديبين أجرت الكاتبة معهما لقاءً صحفياً، أمّا الثاني فهو الكبير نجيب محفوظ.
- فاضل السباعي، الذي تعترف بأنّ دعمه وتشجيعه الدائم شكّل إقلاعها الأوّل من مطار الأدب.
- وليد إخلاصي، الذي حار الوشاة في الإيقاع بينهما دون أن يفلحوا.
- فاتح مدرّس، الذي أهداها لوحةً لتكون غلاف عملها المقبل، وبقي يعاتبها على قلة زياراتها له ومع كل زيارةٍ تجيئه بها كانت لاتجده، حتى قال لها أخيراً: "كلكم هكذا! تأخذون ما تريدون ثم لاتعودون".
- عبد الله يوركي حلاق، أول من نشر لها قصةً، كان ذلك في ستينيات القرن الماضي وفي مجلته الضاد، ثمّ أكثر عليها المعاتبة بعد أن وجدها تدعم شعر التفعيلة وهو المتعصّب الغيور للشعر العامودي.
- محمد قرانيا، الناقد الذي يقرأ أسرار العمل الأدبي وماوراءه، وكتب عن روايتها "اختياراتي والحبّ" نقداً دقيقاً ومطوّلاً، أُعجبت الكاتبة به كلّ الإعجاب.
- إلفة الأدلبي، الكاتبة التي أحبّت دمشق حدّ الوله مع اعتزازها بأصولها الداغستانية، وهي التي ساهمت بنشر أحد اعمال الكاتبة ضياء وبقيت محبةً ومخلصة لهذه الصداقة.

كما كتبت ذكرياتها مع الأدباء: محمد عمران ،علي بدّور، محمد كمال، عصام ترشحاني، جلال قضيماتي، أحمد دوغان، د.حسن حميد، عبد الله أبو هيف، محمد غازي التدمري، ليلى مقدسي، مصطفى أحمد النجار، محمد الراشد، هيثم يحيى الخواجة، عصام قصبجي، والباحث والأديب الكبير محمود فاخوري. ومن مصر الأدباء: محمد الراوي، وحسني سيد لبيب، وعلاء الدين وحيد.

ملاحظات لابدّ منها:
- تشير الكاتبة غير مرة إلى النكران الذي يعانيه الكاتب عند أفول نجمه وبلوغه أواخر خريف العمر، كان الأدباء يحدّثونها -عندما تزورهم- عن حال الجفاف الوجداني والقطيعة التي يشعرون بها وهم منزوّون في بيوتهم لايعيدهم قريب ولايهاتفهم صديق. (أخشى أنّه ألمّ بها الشعور ذاته هذه الأيام أطال الله في عمرها).

- تلمّح الكاتبة إلى القطيعة (أو لنسمّها: حالة الفتور المقصود) الحاصلة بين أدباء حلب وأدباء دمشق. تقول الكاتبة ضياء: ( أذكر أنّني كنت أرى ألفة الأدلبي من بعيد في المؤتمر السنوي لاتحاد الكتّاب العرب، لكن كم من الأناس الذين أمتلئ إعجاباً بهم لكنّني لا أبوح لهم، ولا أكلمهم..إذا لم تُتح لي الفرصة لذلك.. ربّما لأنّني أخجل، وربّما لا أريد أن أفرض نفسي على كتّاب دمشق، ولهذا السبب أيضاً مضى ربع قرنٍ من العمر وعضوية الإتحاد، ولم نتكلم أنا والأديبة د.ناديا خوست لأنّها لم تبادر إلى التعرّف بي. هل هذا إحساسٌ بالغربة؟! لأنّني من حلب وهم من دمشق، وفي اعتقادي، أنّهم هم الذين يجب أن يُسلّموا علي؟ ربّما). ص 93

- كما يلفت النظر، ويُستغرب منها، أنّها لم تأتِ إلا على ذكر كاتبتين فقط (ألفة الإدلبي وليلى مقدسي)، رغم أنّ السّاحة الأدبية زاخرة بالكاتبات المُجايلات للأستاذة ضياء.

تنويه أخير: أرى أنّه من حق الكاتبة أن تعترض على مقدمتي التي قلتُ فيها: "لقد كانت الأديبة ضياء قصبجي طيلة حياتها محظوظةً بما يكفي لمقابلة العديد من الكتاب الذين تركوا أثراً عميقاً في نفسها وساهمت كلماتهم وقصصهم ووجهات نظرهم الفريدة في فهمها للعالم وأشعلت حبها للأدب." ذلك لأنّها تصرّح بخلاف ذلك في الكتاب إذ قالت: "كان اعتزازي بحرية آرائي كبيراً، ولا أريد أن أكون مدينةً لأحدٍ بأفكاري، فلقد كوّنت لنفسي مبادئي، ولن أنتمي لأفكار أيّ إنسان.". ص72.
لم تضع الأديبة "ضياء قصبجي" في هذا الكتاب سيرتها الأدبيّة، ولا يمكن اعتباره دراساتٍ في الأدب، أو قصصاً واقعية من حياة الأدباء الذين خالطتهم خلال مسيرتها الحافلة فحسب، بل هو مزيجٌ غنيٌّ من كل هذه المعاني..

وبينما نتمنى أن تستمر الأديبة "ضياء قصبجي" في رحلة الكتابة الخاصة بها، أشعر بدوري بالامتنان للكتّاب الذين مهدوا الطريق لي، لقد علموني تبنّي فنّ السّرد والنقد والقصّ، وتقدير الكلمة المكتوبة، والتعرّف على التأثير الهائل الذي يمكن أن يحدثه الأدب على الأفراد والمجتمعات. إنّني مع كل صفحة أقوم بها قراءةً أو كتابةً يتّسع ذوقي في الأدب، وأتذكر الكتّاب الذين مروا في حياتي، تاركين إرثًا دائمًا من التقدير والإلهام.



 

رد مع اقتباس