عرض مشاركة واحدة
قديم 10-13-23, 07:50 AM   #1519
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (08:32 AM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



{وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ ۝ ٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةࣱ قَالُوۤا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاۤ إِلَیۡهِ رَ ٰ⁠جِعُونَ ۝ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَیۡهِمۡ صَلَوَ ٰ⁠تࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةࣱۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ﴾

{وبشر الصابرين}
{وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}

البشارة هي أنك أيها المصاب إذا صبرت اهتديت، فهذه الهدايات لا تحصل لكل من نزل عليهم المصاب، إنما تحصل على حسب صبر العبد، فالله تعالى جعل الصبر

طريقا للهداية، والسؤال:
لأي شيء يهتدي المصاب إذا صبر؟

١- أول أمر يهتدي إليه المصاب الصابر هو أن يعرف عز ربوبية الله وقهره وسلطانه، وهذا من الأمور التي نغفل عنها كثيرا، خصوصا حين يعطي رب العالمين عبده ويعطيه؛ فيظن أنه مدبر لنفسه، وأن الأمر له، وأنه دائما سيجد ما يريد، فيأتي المصاب يعرفه عز الربوبية وقهرها، وهذه نعمة يبشر بها الصابرون؛

يبشرون بأنهم سيهتدون فيزدادون معرفة لعز الربوبية، ومعرفة لذل العبودية وكسرها، ولذلك يقولون: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، فيعترفون بأنهم ملكه وعبيده، وأنهم راجعون إلى حكمة وتدبيره وقضائه وتقديره، لا مفر لهم منه، ولا محيد لهم عنه سبحانه وتعالى.

٢- ثم هذا العبد الصابر الذي بُشِّر بأنه من المهتدين سيهتدي إلى الإخلاص لله، فيعلم أنه لا مرجع في رفع الشدائد إلا إليه، ولا معتمد في كشفها إلا عليه: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ}، فأبشروا أيها الصابرون أنكم ستهتدون إلى الإخلاص الذي يعجز الإنسان عن شرحه، ستهتدون لمعرفة كيف تخلص قلوبكم لله وحده، ستهتدون إلى معرفة كيف تنيب هذه النفس التي كانت شاردة إلى الله وتقبل عليه، ستهتدون إلى التضرع والدعاء، ستهتدون بإذن الله إلى طريق محبة الله.

٣- ثم هذا العبد المصاب الصابر سيهتدي إلى أمر عجيب، لا يفهمه إلا من ذاقه، وهو الفرح بهذا المصاب الذي كان سببا لهذه الفوائد، وهذا كما يفرح من عظمت أمراضه بشرب الدواء الحاسم له مع مرارته الشديدة، فهو يحبه ويقبله لأن الأمل في الشفاء به يذهب الشعور بمرارته، وهكذا المصاب يفكر كيف أن مصابه سيمحص ذنوبه وخطاياه، وكيف سيرفعه عند الله فيفرح به.

٤- ثم هذا العبد المصاب الصابر سيهتدي إلى معرفة مقدار نعمة العافية، لأن النعم تعرف أقدراها بعد فقدها، ومن ثم إذا عرف مقدارها اهتدى إلى نعمة الشكر.

٥- ثم هذا الصابر سيهتدي إلى ما في طيات هذه المحنة من منح وعطايا وفوائد خفية، ومثال هذا موقف إبراهيم عليه السلام لما أخذ الجبار منه زوجه سارة، كيف كان في طي تلك البلية أن وهبه هاجر، فولدت له إسماعيل عليه السلام، ثم كان من ذرية إسماعيل خاتم النبيين عليهم جميعا الصلاة والسلام، وإن كان في الظاهر أن المسألة شر، لكن ما أعظم ما في طياتها من خير، و قد قيل:
كَمْ نِعْمَةٍ مَطْوِيَّةٍ لَكَ بَيْنَ أثْناءِ المَصائِبِ.

٦- أيضا مما يبشر به الصابر أنه سيهتدي إلى التواضع، لأن المصائب تمنع من الأشر والبطر والفخر والخيلاء والتكبر والتجبر، فَإنَّ نَمْرُودَ لَوْ كانَ فَقِيرًا سَقِيمًا فاقِدَ السَّمْعِ والبَصَرِ لَما حاجَّ إبْراهِيمَ في رَبِّهِ، لَكِنْ حَمَلَهُ بَطَرُ المُلْكِ عَلى ذَلِكَ، وقَدْ عَلَّلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى مُحاجَّتَهُ بِإتْيانِهِ المُلْكَ،

وفرعون أيضا لَوِ ابْتُلِيَ بِمِثْلِ ذَلِكَ لَما قالَ: ﴿أنا رَبُّكُمُ الأعْلى﴾، وقد قال تعالى: ﴿وما نَقَمُوا إلا أنْ أغْناهُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ﴾، وقال تعالى: ﴿إنَّ الإنْسانَ لَيَطْغى﴾ ﴿أنْ رَآهُ اسْتَغْنى﴾ .

٧- ثم هذا الصابر يهتدي إلى الرِّضا المُوجِبُ لِرِضْوانِ اللَّهِ تَعالى، فَإنَّ المَصائِبَ تَنْزِلُ بِالبَرِّ والفاجِرِ، فَمَن سَخَطَها فَلَهُ السُّخْطُ وخُسْرانُ الدُّنْيا والآخِرَةِ، ومَن رَضِيَها فَلَهُ الرِّضا، فالصابر يهتدي إلى أن يرضى؛ فيجلب عليه رضاه هذا أعظم مصلحة في حياته وفي أعماله وهي رضوان الله، و رضوان الله أكبر من جنات عدن، وأكبر من المساكن الطيبة، وأكبر من كل هذه العطايا، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ورِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أكْبَرُ﴾، فما أعظم هذا الأمر الذي بُشِّر به الصابر!

هذا كله من هداية الله للعباد، كأن هذه الأيام العثِرة والصبر فيها مدرسة تخرِّج الإنسان مهتديا للطريق، قد تحسنت نظرته للحياة، و رأى الأمور كما ينبغي.
أ_أناهيد_السميري


مجالس الصالحين📚


 

رد مع اقتباس