الموضوع: رحله مع كتاب
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-20-23, 08:12 AM   #258
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (06:43 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



مراجعة رواية عرس_الشاعر للكاتب التشيلي الكبير أنطونيو سكارميتا..

"أنطونيو سكارميتا" كاتبٌ متفرّدٌ يبهرني دائماً، وهو من كتّابٍ قلّة إن شرعتُ بقراءة عملٍ لهم لا أتركه إلا عند الغلاف الأخير. ما يميز هذا الكاتب هو قدرته على خلق شخصياتٍ حقيقيةٍ ومعقدة، تتراوح بين الأبطال والأشرار والشخصيات المجتمعية التي لايسع القارئ إلا أن يتعاطف معها ويعيش رفقتها كلّ المغامرات والصراعات التي تواجهها، هي متعةٌ تأتيك خلال الرواية، وتشويقٌ متزايدٌ يراودك لمعرفة نهاية الحدث.
تدور أحداث رواية عرس الشاعر في جزيرةٍ مُتخيّلة تُدعى "جيما"، وفي ليلةٍ مشؤومة من نهايات القرن التاسع عشر وعندما كانت القرية تتحضّر لزفاف الحسناء "مارتا ماتاراسو" على الثري "ستاموس" الذي يُدير متجراً حافلاً بالبضائع المستوردة؛ تموت العروس في ظروفٍ غامضة، فيفقد الرجل حبّ حياته فيهجر القرية إلى غير رجعة ويلفّ هجرته هذه التباسٌ مُعضِل، ولأنّ ما حصل كان عصيّاً على الفهم وبعيداً عن المنطق نسب أهالي الجزيرة كل هذه الأحداث إلى الخرافة والأسطورة أعانهم على ذلك انتشار داءٍ في كروم العنب أفقدهم ريع المحصول الأهم في الجزيرة وبشّرهم بفقرٍ قريب.

عند هذا المُفترق التاريخي من عمر الجزيرة يصل إليها مصرفيٌّ نمساويٌ يُدعى "جيرونيمو فرانك" ويُلقّب بالشاعر، يحاول الشاعر دبّ الحياة في متجر "ستاموس"، ويبثّ في القرية وشبابها روح الأمل والوفرة. لكنّ انخراط النمسا في الحرب (عام 1914) جعلها ترسل إلى الجزيرة خَفَرَاً يجنّد أبناءها، فتلوح في الأفق صراعاتٍ جديدة.

تظهر على ساحة العمل الروائي شخصيّتان فاعلتان وهما الأخوان "كوبيتا" (رينو القاسي حادّ الطباع الذي يرى في الدم حَلاً لكلّ مشكلة، واستيبان الرقيق الهادئ المحبّ للشِّعر الذي يعارض أخاه في جلافته)، يهرع "رينو" لقيادة حملةٍ عسكريةٍ للدفاع عن الجزيرة من المعتدين النمساويين فتخرج الأمور عمّا خُطّط له ويقع أهالي القرية ضحايا لطيبتهم وصفاء نيّاتهم، في حين ظنّ "استيبان"

والطيّبون أمثاله أن النّيات النقيّة تصنع فرقاً في هذا العالم الموحش. فهل يتعرّضون للخيبة وتكرار التجربة المريرة ويُدركون أنّ العالم لايعرف كيف يكافئ الخير والصدق؟ أم أنّ للخير قوةً لاتنالها الأيدي الغاشمة؟؟ هذا ماتكشفه خواتيم الرواية.

يُعدّ "أنطونيو سكارميتا" مبدعًا في صياغة الرحلة الشخصية للشخصيات، حيث يستخدم التفاصيل الدقيقة والحوارات العميقة لتجسيد تطوّر الشخصيات على مر الأحداث، ويقدم لكلّ أبطاله فرصاً عادلة للتغيير والنمو، ويضعها في مواقف صعبة تجبرها على مواجهة أفعالها واختياراتها، ويجعل القارئ شاهداً على هذه المواجهة.

صدرت الرواية عام 2020 وتقع في307 صفحة من القطع المتوسط وبترجمة رائعة من المحترف صالح علماني.

وخلاصة القول؛ لقد اكتشفتُ أن الإلهام يأتي في أشكال مختلفة، لكن ثمّة إلهامٌ يشعل فينا الشغف والإصرار ويجعلنا نتطلع إلى المستحيل. فلنبحث عن تلك القصص الملهمة والأشخاص الذين يعكسون السّحر والخيال؛ وليس أمهر من سكارميتا في إيصالنا إلى هذه البهجة.



 

رد مع اقتباس