الموضوع: رحله مع كتاب
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-26-23, 07:34 AM   #259
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  يوم أمس (08:38 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



مراجعة رواية الموسيقي الأعمى للروائي الروسي فلاديمير كورولنكو

في الطبيعة سمفونيةٌ خلابةٌ من الأصوات المدهشة. فهي تتكون من أنغام الرياح المريحة، وغناء الطيور المُفرح، والتدفق الهادئ للأنهار، والصوت الرتيب لموج البحر. إنها لغة الكون التي تسرق أرواحنا من عتبات اليوم المزدحم بالهموم لتجعلنا نشعر بالسلام والهدوء.

عندما نستمع إلى أصوات الطبيعة، نجد أنفسنا في عالمٍ مختلفٍ تماماً، حيث يتلاقى الجمال والسكون والإلهام. ففي غناء الطيور نجد الأمل والفرح، وفي نسيم الرياح نجد الانتعاش والنشاط، وفي صوت المطر نجد النموّ والتجدّد؛ حيث تعلمنا الطبيعة أنّ الموسيقى ليست مجرد أصوات مرتبة ومنظمة، بل هي إيقاعٌ للحياة نفسها.

تنطلق الرواية من هذا المعنى السّامي مع فارق أنّ “كورولنكو” يستفتح روايته بمقدّمةٍ صادمة مشؤومة، فبعد أن وضعت الأمُّ طفلها وجدته جامد النظرات لا يأبه لحركة الضوء والأخيلة أمامه، وعندما أيقنت الأسرة من ضرارته وتأكّدت من استحالة أن ترى عينيه الحياة من حوله قرّر خاله “مكسيم” أن يُسخّر ماتبقى من حياته خدمةً لهذا الطفل الأعمى، فكان هذا الصغير بالنسبة إليه فرصةً له للعودة إلى الحياة بعد أن فقد شغفه بكلٍ موجودٍ نتيجةً لبتر قدمه في الحرب وأمراضه المتعاقبة.

كانت الموسيقى بالنسبة إلى الطفل “بطرس” ملاذاً ومصدراً للسعادة والسلام، كان يجلس إلى نافذة غرفته يستمع كلّ مساءٍ إلى موسيقى الناي الحزين التي يعزفها خادمهم “بيوكيم” حيث تنساب الموسيقى الهادئة من الفم الصغير للناي لترسم في مخيلة الطفل الكفيف أرواحاً تنبض بالحياة ومتراقصةً في العتمة، وملوّنةً بأنوار الأمل والجمال. لقد علّمته الموسيقى أنّ الحياة مهما كانت صعبةً فإنّ أحزانها تتلاشى في عبق الألحان.

ليس في الرواية حدثاً شيّقاً أو حبكةً محكمة، وهذا ما أحطّ من قيمة الرواية ونكّس مستواها نسبياً، لقد صنع الكاتب في روايته هذه مدينةً فاضلةً للشاب الأعمى ورسم بشكلٍ مثاليٍّ تفاصيل حياته الرضيّة، وهكذا تنتهي الرواية دون أن يجد القارئ شيئاً سوى عبارات الألفة والوفاق بين أفراد الأسرة والمجتمع.

صدرت الرواية عام 1980 وتقع في 222 صفحة من القطع المتوسط بترجمة مقبولة من سامي الدروبي،

وبالمجمل فإنّ في الرواية عزاءً لكل محرومٍ من نعمة الإبصار، أمّا المحروم من نعمة البصيرة فلا عزاء له. ولندرك دوماً أنّ الطبيعة إذا عزفت موسيقى الحياة، فإنّه من الواجب علينا أن نكون نحن أدواتها.....



 

رد مع اقتباس