الموضوع: رحله مع كتاب
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-18-23, 08:15 AM   #272
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (04:38 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



حليب أسود، أليف شافاق، مراجعة بقلم: حسين قاطرجي
تظنّ بعضُ النّسوة المتزوجات حديثاً، أنّ إحداهنّ عندما تُنجب مولودها الأوّل ستغمرها السعادة لدرجة أن تحمل صغيرها وتقفز به من فرط الفرح والسرور حتى يصطدم رأسها بالسقف. مهلاً.. الواقع غير ذلك..

تقولُ المُنجباتُ حديثاً أنهنّ وعُقيب ولادتهنّ داهَمَتهنّ كآبةٌ حادّة جعلت الحياة في أعينهنّ سوداء حالكة، وإذا لم تصدّقوا فاسألوا الجدّات وكبيرات السنّ اللواتي عايشن مثل هذه التجارب ويدركنَ ذلك، فيتحايلنَ على النّفساءِ بتخفيف وطء الكآبة عليها بأن يجلبنَ لها الصديقات العزيزات ليحففنَ بها حول السرير، يغنينَ لها ويرقصن ويزرعنَ البهجة في صدرها، بل يفعلنَ ما هو أكثر من ذلك، إنّهنّ يزيّنَّ فراشها الأبيض بالشرائط القرمزيّة والبالونات الملوّنة، ويقدمنَ لها الشوكلاتة المحشوّة بالكريمة، والحلوى والرز بحليب، ثمّ يوهمونها أنّ ما يفعلونه ما هو إلا ابتهاجٌ بالمولودِ الجديد والواقع أنهنّ ما فعلنَ ذلك إلا لدفع الكآبة التي تتربّص بها، والتي ستقلب عمّا قريبٍ حياتها رأساً على عقب.

إذاً هي كآبة ما بعد الولادة التي يجدر بنا نحن معشر الرجال أن نحمدَ الله ونشكره أن عافانا منها كما عافانا من همّ الإرضاع والحمل ومقدماته من ألامٍ وأوجاع.

وإنّي إذ عظُمَ عندي هذا الموضوع وأشفقتُ لحال تلك النّسوة رأيتُ أن أتبحّر فيه أكثر فتناولتُ بالأخذ والردّ كثيراً من المقالات العميقة والبحوث الدقيقة فوجدّتُ أنّ القضية ليست بكآبةٍ تأتي وتنقضي فحسب؛ بل هي داءٌ قد لاينجع معه شيءٌ من الحبوب المهدّئة ولا الأقراص المنوّمة، بل قد تجعل الأمّ تهمل وليدها وبيتها وتؤذي نفسها وغيرها دون وعيٍ منها، بل قد يتفّتق ذهنُ إحداهنّ على ما هو أبشع وأشنع، إذ تحكي لنا إحدى القصص أنّ واحدةٌ من هاتيكَ الأمّهات قد مادت بها الكآبة ومالت بها ميلاً عظيماً ، فبعجت بسكينٍ شِبراويةٍ ثديها الريّان، فانسكبَ اللبنُ اللذيذ على الأرض ورضيعها يبكي خَوَرَ الجوع والعطش، ولو أنطقه الله لقال:
ماذا فعلتِ بطعامي أيّتها المجنونة !! وأخرى أديبةٌ وشاعرة لايقلّ مذهبها في الجنون عن سابقتها اذ أشعلت الفرن في رأسها وهي تُنشِد قصيدتها الأخيرة واللهيب الأزرق يحرق شعرها الأشمط.. وللنّسوة في هذه الحواديتِ مشارب.
أليف شافاق عانت وإن بدرجةٍ أقل مثل هذه الكآبة فكتبت مذكراتها خلال تلك الفترة ونشرتها في كتاب حليب أسود الذي أوجزه لكم في النقاط التالية:

_ تتناول الكاتبة مرحلة صباها وتفكيرها في الزواج والقرارات المختلفة التي اتخذتها حيال هذا الموضوع، وكيف تنقّلت بين رفض الزواج وانجاب الأطفال للتفرّغ للكتابة وإنجاب الكتب، ثمّ مصادفتها لفارس أحلامها والذي لأجله ضربت عرض الحائط كل قراراتها السابقة.

_ هذه المرحلة والتي يمكن تسميتها (مرحلة ما قبل الزواج) استغرقت أكثر من ثُلثي الكتاب، أمّا كآبة ما بعد الولادة فلم تتحدّث عنها حتى صفحة(٣١٣)، أي فقط في آخر ثمانين صفحة من مذكراتها.

_ صرّحت الكاتبة بأنّها لم تعد تثق بكلّ البحوث والدراسات التي تناولت هذه الكآبة، فوضعت في آخر الكتاب اختباراً يمكن أن تُجيب عنه الأمّهات ليحددنَ من خلاله إن كنّ يعانين من هذه الكآبة ودرجتها.

_ في الكتاب حديثٌ طويلٌ عن الكاتبات وحياتهنّ الشخصيّة، وربما أتت على ذكر أكثر من خمسين كاتبة من كل قارات العالم، وذكرت لنا أحداثاً مشوّقة حول حياتهنّ الزوجيّة والإنجاب وتأثيره على إبداعهنّ الأدبي، وربّما هذا ما يجعلُ الكتابَ مفيداً للمهتمينَ بما يُصطلح تسميته (الأدب النسويّ).

_ صدرت الترجمة ، في (٤٠٠) صفحة من القطع المتوسط، والكتاب بالمجمل جيّدٌ مع كثيرٍ من التفلسف والتنظير، وهو ليس بأجمل ما كتبت شافاق.



 

رد مع اقتباس