الموضوع: مدينتى
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-13-24, 10:00 AM   #1553
الفيلسوف

الصورة الرمزية الفيلسوف

آخر زيارة »  05-07-24 (05:23 AM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



تمرُّ أيامٌ وسنوات في انتظارِ اعتذارٍ لا يأتي. والغريب في الأمر أنّنا لا نكفَ عن انتظارِه.
النُّدوب تكاد تتماثل إلى الشفاء، والألم يصبح كضجيج في الخلفية اعتدنا وجوده لدرجة أنّنا لم نعُدْ نسمعُه. لكن تلك الرغبة العنيدة في سماع ذلك الاعتذار تبقى حاضرة، غير متأثّرة بمرور أيّ وقت. على الرّغم من رغبتنا في النّسيان، تقطنُ عميقاً في داخلنا الحاجة العميقة بالتَّرميم والشِّفاء، واستعادة الثّقة بوجود نوع ما من الحقّ والعدالة.
قد لا يأتي الاعتذار، وفي مكان ما في أعماقنا لن نكفّ عن الانتظار.
الكلمة الألمانية التي استعملها فرويد، بينسوانجر، #غولدستين و#كيير_كيغارد، والتي تَصعُبُ ترجمتُها وإيجاد كلمةٍ تحملُ #قوَّةَ معناها في باقي اللغات...
هي ليستْ فقط قلق (Anxiety)، ليست فقط معاناة (Anguish)، وليست فقط فزع (Dread)، ولكنّها تجمعُ المعاني الثلاثة.
يرى #علم_النَّفس، وبالأخصّ علم_النَّفس_الوجوديّ، أنَّ لـ die Angst ليس فقط وجهاً سلبياً ومؤلماً، بل أيضاً وظيفة ضروريّة وصحيّة في التّطور النّفسيّ والنُّضُوج.
رولو مي يرى أن الـقلق والمعاناة هم الشّعور المؤلم الذي يظهر حينَ لا يستغلّ الشخصُّ كاملَ إمكانيّاته، فيقلِّص حياته ويعيشها بأمان واقتضاب، حتى تأتي المعاناة_النّفسيّة لتقضَّ مضجعَه وتجبرَه على الحِراك من مستنقعِ الفناء وخسارة الذّات.
كييركيغارد وصف القلق بأنّه "دوخة/ دوار الحرّيّة"، وبأنّه الشُّعور الذي يشعرُ به الإنسانُ حينَ تكونُ الحرّيّة إمكانيّة واردة، وقبل أنْ تصبح واقعاً معاشاً.
غولدستين يربط أيضاً القلق والمعاناة بالحرّيّة، ويقول إنّ رغبة البشر في التخلّي عن حرّيّتهم سببُها عدم رغبتهم بالشُّعور بالقلق ومواجهة المعاناة. وهذا ما يجعلهم يتكتَّلون في جماعات تحمل فكراً قمعيّاً وفاشيّاً.
كيفما حاولنا فهمَ القلق والمعاناة النّفسيّة، سوف نرى ضرورةَ الإقرار بوجودهم كجزء طبيعيّ جاء نتيجةَ تطوُّر الوعي البشريّ. محاولاتُ تعقيم وتجميل الحياة هي لعبة قد يظنُّ الشَّخصُ أنّه يلعبها وحدَهُ حينَ يضع "حياته الجميلة والمثاليَّة" على وسائل التّواصل. لكن في الواقع الجميع يلعب معه، لتبقى المعاناة والقلق الصّوت الداخليّ الذي ينبُّه إلى وجود أمر مزيّف، ذات لا تحقّق إمكانيّاتها مسجونة في قصور المادة والاستهلاك و السطحية.


 

رد مع اقتباس