الموضوع: ظل الوطن
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-12-15, 03:04 PM   #2
حرف

الصورة الرمزية حرف
للصمت حروف تصرخ

آخر زيارة »  10-20-15 (03:49 PM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



كان َ صغيرا ً ، لم يكمل السادسة من العمرحين قضت ْ والدته، حسناء ، قالوا له عنها أنها جميلة ، طويلة ، شخصيتها قوية ، كان يحب أن يسمع أي ُ شئ عنها ، صاحبنا يعي تماما ً ما معنى أن يكون المرء يتيما ً ،
يكبره حسين ، بسنتين ، كان يذكرها أحسن منه، يحدثه عنها وهو لا يعرفها كثيرا، كان مثل أخيه، فقط يهذيان بذكرها ، صار عمره سبع سنوات وبدأ كل شئ حوله يتغيير ، هناك شئ ما يحدث ، الناس تجمع ما خف حمله وتمضي ،
قال له والده، سنهاجر ، جاؤونا بسلاح وعتاد وأخذوا أرضنا ، يقتلون من وقف أمامهم دونما رحمة ، ويهددون نسائنا بالسجن والخطف، والجيوش العربية تستعد لدحرهم ، سنعود .
تلك اللحظات حفرت في صدره وقلبه ، حددت مصيره ، ولم يعي وقتها أن الغد لن يأتي بخير ،
يقول :
ظننا بأن أحدا ً لن يأت ِ لينقذنا ، وبعض الظن سوء ، وبعضه حقيقة ، ما حصل معنا الجزء الذي يصل بالحقيقة .
غادرنا لبلد عربي ، قريب ، لأننا سنعود قريبا ً أيضا ً ، معنا مفتاح دارنا ، و[ قواشين ] الأرض ، عشرات الآلاف من الأمتار تنتظر سواعدنا إن كبرنا ، كبرنا ، والأرض لازالت تنتظرنا ، وما عدنا
وصلنا بعد أيام لتلك البلد ، سكنا الخيام ، وهمت منظمات الظلم الدولية [ اليد الأخرى للقاتل ] بمد يد العون لنا ، أعطونا بطائق وكتبوا عليها لاجئين ، وقالوا لنا نحن هنا لنساعدكم ، ونقدم لكم كل ما تحتاجونه سنعوضكم عن أوطانكم بعلب سردين وأكياس طحين
وبالسجون والنعيم .ومن هنا بدأت قصة الأرقام معنا ، تعلمنا العد ، وكلما وصلنا لرقم وظننا أننا أنتهينا ، بدأنا بالعد لحالة أخرى ،وبالنهاية أدركنا أننا نحن الأرقام لا أكثر .
الأيام مرت ، يوم ٌ يكتبه آخر ، وجدران الخيام تحولت من قماش الى أحجار ، وبقي السقف قماشا ً ، تطورنا ، صار السقف صفائح حديدية ،
كان يخرج أبي صباحا ً يبحث عن عمل ، يأتينا آخر النهار ببضع قروش ، مسكين ٌ والدي ، بعد أن كان يمتطي خيله ويجول بأرضه، صار عاملا ً يبحث عن قرش ٍ يشوبه الذل ، وما ضره وما أستكان، ، فقط شعور يدمي القلب لا أكثر
وفجأة قررت الدولة المضيفة ترحيلنا لمسافة تبعد عن المكان الذي كنا فيه مسافة خمسمائة من الكيلو مترات ، هجرة داخل هجرة ، بقينا هناك شهورا ً ، ومن ثم أعادونا ، حسابات ٌ لم نعرفها ولن ، لأنها كانت تجري بالسر ، وما أكثر أسرار ولاة أمورنا .
رفض الذهاب الى المدرسة ، أخي حسين ، أراد أن يعمل ، أما أنا فوافقت ، أخذني والدي للمدرسة ، قالوا له لا يوجد أماكن شاغرة ، أجابهم : أنا أعطيه كرسي صغير ، فقط أقبلوه
كنت ُ أذهب الى المدرسة حافي القدمين ، ومعي كرسي لا يبلغ ارتفاعه ثلاثون سنتيمتر ، أضعه بأخر الصف بين مقعدين ، ولكني كنت مصرا ً على أن أتعلم ، أحببت الدراسة ، وكنت ُ سعيدا ً بأحزاني مع عائلتي ، مرت سنتان على الهجرة ،
وتزوج والدي ، لا أنكر أن مأساتي زادت ، وتعبت وأنا طفل صغير ، وكأن الأيام تجبرني على أن أكون رجل ٌ صغير