عرض مشاركة واحدة
قديم 08-19-15, 10:44 PM   #2
الخيال التغلبي

الصورة الرمزية الخيال التغلبي

آخر زيارة »  10-19-17 (07:57 PM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي النقد ضرورة ولا بد منها في حياة طالب العلم والمثقف على حد سواء .



النقد هو المدرسة التي تقوم بتوجيهك ايها العالم او المتعالم ـ حتى ترى الجهة التي يرضاه العلم واهله ، ولولا النقد والتوجيه السليم لما عرف عالم ومتعلم بالحياة ، وطالما العلماء نقدوا بعضهم البعض بل هم نقدوا انفسهم قبل غيرهم ، ولا ادل على ذلك من قولهم : فإن أصبت فمن الله وان أخطأت فمن نفسي والشيطان ـ وهذا قد حصل ممن هم في منزلة الأئمة الاربعة الفقهاء وغيرهم من أهل الأدب ، وأهل التاريخ ولا أجلُّ من الامام الطبري رحمه عندما قدم اعتذاره من قبل ان يأتيه النقد حول رواية تاريخه بقوله في خطبة الكتاب :
وليعلم الناظر في كتابنا هذا ان اعتمادي في كل ما احضرت ذكره فيه مما شرطت اني راسمه فيه ، إنما هو على ما رويت من الاخبار التي انا ذاكرها فيه ، والآثار التي انا مسندها الى رواتها فيه ، دون ما أدرك بحجج العقول ، واستنبط بفكر النفوس ، إلا القليل منه ، إذ كان العلم بما كان من اخبار الماضين ، وما هو كائن من أنباء الحادثين ، غير واصل إلى من لم يشاهدهم ولم يدرك زمانهم ، إلا بإخبار المخبرين ، ونقل الناقلين ، دون الاستخراج بالعقول ، والاستنباط بفكر النفوس ، فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين ""مما يستنكره قارئه ، أو يستشنعه سامعه ، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة ، ولا معنى في الحقيقة ، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا ، وإنما أتي من قبل ناقليه إلينا ، وأنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدّي إلينا ، انتهى رحمه الله تعالى .
وهذا كله اعتراف من هذا الامام الحافظ الجهبذ ، وهو إمام المفسرين والمؤرخين وأهل الحديث والفقه واللغة وغيرذلك ، لما سوف يقع له من النقد البنّاء والاستدراك الذي سوف يأتي الى كتابه وليس اليه شخصياً لم يقل انا وانا ، وانا فوق النقد ، بل كل منا معرض للنقد متى وضع نفسه في موضع النقد .
أما الأنتقاد فشيء آخر لا صلة له بالنقد البتة .
ولو لم يحصل لنا نقد مما سبقونا بالايمان والعلم ومن كذلك الذين لحقوا بنا ـ لما وفقنا في كثير من أمورنا الحياتية والعلمية ، ولربما حديث سن أسنُ منّا بالعلم ، ولقد حصل معي موقف لن أنساه أبداً : نحن البادية دائماً ننظر للحاضرة بأنهم اقل منّا عقولاً وفهماً ، فكنت انا من هذا النوع المريض ، الذي قرأ له سطرين وظن انه عالم زمانه ، فكنت أجالس أحد الأصحاب فترة من الزمن ليست بالقصيرة ، طبعاً فترات متقطعة فالرجل المذكور ليس من الملازمين لي ، ولكن عندما نلتقي ، كنت : أتفلسف بكلمات وأتنمق بمثلها في المجلس ظاناً ان الرجل جاهل وذلك لعدم مشاركته وكان يطيل الصمت ويحسن الاستماع وذو خلق رفيع ـ فبعد فترة كنّا في رمضان وكنّا في صلاة الظهر واول يوم من رمضان ، فعند انتهاء الصلاة وكان هو الإمام لنا في تلك الصلاة ـ قام فاعتلى المنبر : فخطب تلك الخطبة الكاملة الشاملة والمفاجئة لي والتي صدمتني بل قل انتشلتني من الجهل وعلمتني قدري بالعلم والمعرفة وحقيقة مستواي العقلي والمعرفي ـ فكان هذا الرجل يجالسني ولم ينبس بكلمة شفاة او يصحح لي من أخطائي والتي أعلم أنها ليست بالقليلة ، وذلك لعلمه اني أعرابي جلف جاهل ، فهو أكيد يعقل ويفهم كلام الامام على رضي الله عنه حينما قال : ما خاطبت جاهلاً إلا وغلبني وما خاطبت عالماً إلا وغلبته .
فمن هنا يبدء الانسان علمه وثقافته ومن خلال مدرسة النقد ، وانا الحمد لله أخذت من ذلك الموقف وتلك المرحلة ، انا قيمة المرء ما يحسنه ، وهذا ايضاً ورد عن الامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه .

فأنا اشكر صاحب الموضوع على طرحه ذلك واسترساله فيه ولقد اتى عليه من كل جوانبه فيما يشفي ويكفي ، ولقد اسمع لمن القى السمع وهو شهيد .