عرض مشاركة واحدة
قديم 11-06-15, 01:25 PM   #1
الخيال التغلبي

آخر زيارة »  10-19-17 (07:57 PM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي ((ماهيّة الأخلاق))



((ماهيّة الأخلاق)) ـ هو عنوان اقتبسته من باب (نصائح الرشاد لمصالح العباد) قسم الاخلاق ـ للعلامة والمؤرّخ ـ الجبرتي ، وزدته بمفردة ماهيّة ،فأصبح العنوان (ماهية الاخلاق) ، يقول الامام الجبرتي :

وقيل : إن الأخلاق وإن كانت غريزية فإنه يمكن تطبّعها بالرياضة والتدريب والعادة ، والفرق بين الطبعث والتطبّع ، ان الطبع جاذب مفتعل ، والتطبّع مجذوب منفعل ، تتفق نتائجهما مع التكلف ، ويفترق تأثيرهما مع الاسترسال . وقد يكون في الناس من لا يقبل طبعه العادة الحسنة ولا الأخلاق الجميلة ، ونفسه مع ذلك تتشوّق إلى المنقبة وتتأنف من المثلبة . لكن سلطان طبعه يأبى عليه ويستعصي عن تكليف ما ندب إليه ، يختار العطل منها على التحلي ويستبدل الحزن على فواتها بالتسلي ، فلا ينفعه التأنيب ولا يردعه التأديب ، وسبب ذلك ما قرره المتكلمون في الأخلاق ، من أن الطبع المطبوع املك للنفس التي هي محله لاستيطانه إيّاها وكثرة إعانته لها .
وأما الذي يجمع الفضائل والرذائل فهو الذي تكون نفسه الناطقة متوسطة الحال بين اللؤم والكرم ، وقد تكتسب الاخلاق من معاشرة الأخلّاء إما بالصلاح او بالفساد ، فرب طبع كريم أفسدته معاشرة الأشرار وطبع لئيم اصلحته مصاحبة الأخيار . وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ((المرء على دين خليله ، فلينظر احدكم من يخالل)) . وقال على ابن أبي طالب رضي الله عنه لولده الحسن : ((الاخ رقعةق من ثوبك ، فانظر بمن ترقعه)) .
وقال بعض الحكماء في وصية لولده : ((يا بنيّ احذر مُقارنة ذويّ الطباع المرذولة لئلا تسرق طباعك طباعهم وأنت لا تشعر) . وأما إذا كان الخليل كريم الأخلاق شريف الأعراق ، حسن السيرة ، طاهر السريرة ، فبه في محاسن الشيم يقتدى ، وبنجم رشده في طريق المكارم يُهتدى ، وإذا كان سيء الأعمال ، خبيث الأقول كان المغتبط به كذلك ، ومع هذا فواجب على العاقل اللبيب والفطن الاريب أن يجهد نفسه حتى يحوز الكمال بتهذيب خلائقه ويكتسي حلل الجمال بدماثة شمائله وحميد طرائقه . وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه : المرء حيثُ يجعل نفسه إن رفعها ارتقت وإن وضعها اتّضعت . وقال بعض الحكماء : النفس عروف عزوف ونفور ألوف ، متى ردعتها ارتدعت ومتى حملتها حملت ، وإن أصلحتها صلحت وإن أفسدتها فسدت . وقال الشاعر :
وما النفس إلّا حيث يجعلها الفتى ** فإن أطعمت تاقت وإلّا تسلّت
وقالوا : من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب أبيه ، والمنهج القويم الموصّل إلى الثناء الجميل أن يستعمل الإنسان فكره وتميّزه فيما ينتج عن الأخلاق المحمودة والمذمومة من ومن غيره ، فيأخذ نفسه بما استحسن منها واستملح ويصرفها عما استهجن منها واستقبح .
فقد قيل : كفاك تاديباً ترك ما كرهه الناس من غيرك .
اللهم بأسماءك الحسنى وصفاتك العُلى يسّر لنا حسن الختام واصرف عنّا سوء القضاء وانظر لنا بعين الرضاء وهذا أوان انشقاق كمائم طلع الشماريخ عن زهر مجمل التاريخ . انتهى رحمه الله .