عرض مشاركة واحدة
قديم 12-15-15, 03:02 PM   #1
القارظ العنزي

الصورة الرمزية القارظ العنزي

آخر زيارة »  04-29-24 (12:37 PM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي ((ليلى الأخيلية والحجاج))



ليلى الأخيلية والحجاج بن يوسف الثقفي .
قال الهيثم بن عدي : دخلت ليلى بنت عبد الله الأخيلية ، على الحجاج بن يوسف ، وعنده وجوه الناس وأشرافهم ، فاستأذنته في الإنشاد ، فإذن لها ، فأنشدته قصيدة مدحته بها . فلما فرغت من إنشادها ، قال الحجاج لجلسائه : أتدرون من هذه الجارية؟ . قلت : ليلى عندما قابلت الحجاج لم تكن جارية ، بل هي إمرأة قد بلغ بها السنّ .
قالوا : لا نعلم ، أصلح الله الأمير ، ولكنا لم نر امرأة أكمل منها كمالاً ، ولا أجمل منها جمالاً ، ولا أطلق منها لساناً ، ولا أبين منها بياناً ، فمن هي ؟
قال : هذه ليلى الأخيلية صاحبة توبة بن الحميّر ، الذي يقول فيها :
نأتك بليلى دارُها لا تزورها ** وشطّ نواها واستمرّ مريرُها
ثم قال لها : يا ليلى ، ما الذي رابه من سفورك حيثُ يقول :

وكنتُ اذا ما زُرتُ ليلى تبرّقعت ** فقد رابني منها الغداة سُفورها ؟

قالت : أصلح الله الأمير ، لم يرني قط إلا مُتبرقعةً ، وكان أرسل إليّ رسولاً أنه يُلمُّ بنا ، ففطن الحيُّ لرسوله ، فأعدوا له وكمنوا وفطنتُ لذلك ، فلم يلبث أن جاء ، فألقيت بُرقُعي وسفرتُ له ، فلما رأى ذلك أنكره وعرف الشّرّ ، فلم يزد أن سلّم عليّ وسأل عن حال وانصرف راجعاً .
فقال الحجاج لها : لله درُّك ، فهل كانت بينكما ريبة؟
قالت : لا ، والذي أساله أن يُصلحك ! إلى أن قال مرّةً قولاً ظننتُ أنه خضع لبعض الأمر ، فقلتُ له مُسرعة هذا الشعر . وأنشأت وهي تقول :

وذي حاجة قُلنا له : لا تبُح بها ** فليس إليها ما حييت سبيلُ
لنا صاحبٌ لا ينبغي أن نخونـه ** وأنت لأخرى صــاحبٌ وخليلُ

فلا والله ، والذي أساله صلاحك ، ما كلّمني بشيء بعدها استربته حتى فرّق الدهر بيني وبينه . انتهى

طبعاً توبة بن الحميّر ـ مات مقتولاً لثأر .
ماذا نفهم من القصة ، أولاً : أن النساء كنّ يلبسن البراقع من عهد الجاهلية ، فليلى الأخيلية من أعراب بنو عامر من نجد .
ثانياً أنّ في عقلية الناس في ذاك الزمان وشرفهم ابعد ما تكون أخلاقهم عن الريبة ، فمع أنهما متحابان ومتيمان في بعضهما البعض ، ويلتقيان دائماً في خلوة ، لم يراها مسفرة قط ، فعندما حسّت في الخطر عليه من أهلها ، فكشفت له عن وجهها ، وهي في الحيّ بين أهلها ولم تفعل ذلك بالخلوة ، فعلم أنها ما فعلت ذلك مع شدّتها فيه إلا لأمر خطير، فكان ذلك منها علامة خطر عليه ، وكان ذلك منه فهماً لها ولتلك العلامة ، فهرب مسرعاً عن ذلك الخطر .
ولو فعلت ذلك أحداهنّ اليوم لأبله من بني جلدتنا وابناء زماننا ، لقعد على مقعدته ظاناً بحبيبته الظنونا ، حتى يقبض عليه فيفضحها ويقتل .
ثالثاً : قالت كأنه خضع لشيء من القول هي لم تجزم ، ولكنها ظنت أنه يريد منها ي إمّا تسفر عن وجهها أو قبلة ، الله أعلم ، هذا ظنّها هي كما تقول ، ولكنه هو لم يفصح ، ولكنها جاوبته مسرعةً ، بانه ذاك منها ، من سابع المستحيلات ، وأنها متزوجة ولزوجها عليها حق حفظ شرفه ـ كذلك قالت لعاشقها توبة : وانت لك صاحبة أي زوجة ، يجب عليك أن تصونها وتحافظ على عهدك لها .
تقول : ولم أر منه بعد ذلك ما رابني حتى فرقنا الدهر ، يعني موته .
فلهذا لما رآها مسفرة عن وجهها وهي لم ترضى ذلك بالخلوة ، ورضيته بالحضور من الناس ، فعلم أن وراء الأكمة ما وراءها ، فهرب من الخطر . أرجو أن يستمتع أخي القارئ الكريم بهذا العشق والغرام العربي الأصيل الحقيقي ، لا عشق اليوم .