عرض مشاركة واحدة
قديم 01-08-16, 07:51 AM   #1
القارظ العنزي

الصورة الرمزية القارظ العنزي

آخر زيارة »  اليوم (12:37 PM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي علّمه حيلة ، فوقع في أسرها



قال الجاحظ في كتابه القيّم ـ الحيوان :

أبو الحسن عن أبي مريم قال : كان عندنا بالمدينة رجلٌ قد كثر عليه الدين حتّى توارى من غرمائه ، ولزم منزله ، فأتاه غريم له عليه شيء يسيرٌ ، فتلطّف حتّى وصل إليه ، فقال له : ما تجعلُ لي إن أنا دللتك على حيلة تصيرُ بها إلى الظهور والسّلامة من غرمائك ؟ قال : أقضيك حقّك ، وأزيدك ممّا عندي تقرُّ به عينك . فتوثّق منه بالأيمان ، فقال له : إذا كان غداً قبل الصّلاة مر خادمك يكنس بابك وفنائك ويرشُ ، ويبسط على دكّانك حُصراً ، ويضع لك متّكأ ، ثمّ أمهل حتى تصبح ويمرّ الناس ، ثم تجلس ، وكلُّ من يمرُّ عليك ويسلّم انبح له في وجهه ، ولا تزيدنّ على النباح أحداً كائناً من كان ، ومن كلمك من أهلك أو خدمك أو غيرهم ، أو غريم أو غيره ، حتّى تصير الى الوالي فإذا كلمك فإذا كلمك فانبح له ، وأياك أن تزيد أو غيره على النباح ، فإن الوالي غذا أيقن أن ذلك منك جدٌّ لم يشكّ أنّه قد عرض لك عارض من مسّ فيخلّي عنك ، ولا يغري عليك ، قال : ففعل ، فمرّ به بعض جيرانه فسلّم عليه ، فنبح في وجهه ، ثم مرّ آخرُ ففعل مثل ذلك ، حتى تسامع غرماؤه فأتاه بعضهم فسلم عليه فلم يزده على النباح ، ثم آخر ، فتعلقوا به فرفعوه الى الوالي ، فسأله الوالي فلم يزده على النباح ، فرفعه معهم الى القاضي ، فلم يزده على ذلك ، فأمر بحبسه أياماً وجعل عليه العيون ، وملك نفسه وجعل لا ينطق بحرف سوى النباح ، فلما رأى القاضي ذلك أمر بإخراجه ووضع عليه العيون في منزله ، وجعل لا ينطق بحرف واحد الا النباح ، فلما تقرّر ذلكعند القاضي أمر غرماؤه بالكف عنه ، وقال : هذا رجل به لمم . فمكث ما شاء الله تعالى . ثم إن غريمه الذي كان قد علّمه الحيلة ، أتاه متقاضياً لعدّته ، فلمّا كلمه جعل لا يزيده على النّباح ، فقال له : ويلك يا فلان !! وعليّ أيضاً ، وأنا الذي علّمتك الحيلة ؟! فجعل لا يزيده على النّباح ، فلمّا يئس منه انصرف يائساً مما يطالبه به . انتهى
قلت : كيف يريده هذا الغبي أن يتكلم ويعطيه حقه لوحده وهو قد جحد الآخرين ـ فكما قيل : من حفر لأخية حفرة وقع بها ـ فهو قد حفر لاخوانه تلك الحيلة التي أودة بحقه معهم ، ولله في خلقه شئون .