المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نور_الوحي المختصر في التفسير


الصفحات : 1 [2] 3 4 5 6 7 8

عطاء دائم
02-07-20, 09:18 AM
تفسير


وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39)
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)
ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى (41)
وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) النجم


وفي تلك الصحف أحكام كثيرة من أهمها ما ذكره الله بقوله: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}
أي: كل عامل له عمله الحسن والسيئ، فليس له من عمل غيره وسعيهم شيء، ولا يتحمل أحد عن أحد ذنبا


{وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} في الآخرة فيميز حسنه من سيئه.

{ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} أي: المستكمل لجميع العمل الحسن الخالص بالحسنى، والسيئ الخالص بالسوأى، والمشوب بحسبه، جزاء تقر بعدله وإحسانه الخليقة كلها، وتحمد الله عليه، حتى إن أهل النار ليدخلون النار، وإن قلوبهم مملوءة من حمد ربهم، والإقرار له بكمال الحكمة ومقت أنفسهم، وأنهم الذين أوصلوا أنفسهم وأوردوها شر الموارد، وقد استدل بقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} من يرى أن القرب لا يفيد إهداؤها للأحياء ولا للأموات قالوا لأن الله قال: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ مَا سَعَى} فوصول سعي غيره إليه مناف لذلك، وفي هذا الاستدلال نظر، فإن الآية إنما تدل على أنه ليس للإنسان إلا ما سعى بنفسه، وهذا حق لا خلاف فيه، وليس فيها ما يدل على أنه لا ينتفع بسعي غيره، إذا أهداه ذلك الغير له، كما أنه ليس للإنسان من المال إلا ما هو في ملكه وتحت يده، ولا يلزم من ذلك، أن لا يملك ما وهبه له الغير من ماله الذي يملكه.

{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} أي: إليه تنتهي الأمور، وإليه تصير الأشياء والخلائق بالبعث والنشور، وإلى الله المنتهى في كل حال، فإليه ينتهي العلم والحكم، والرحمة وسائر الكمالات.

تفسير السعدي

عطاء دائم
02-09-20, 09:51 AM
تفسير



﴿وَكَذلِكَ أَعثَرنا عَلَيهِم لِيَعلَموا أَنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السّاعَةَ لا رَيبَ فيها إِذ يَتَنازَعونَ بَينَهُم أَمرَهُم فَقالُوا ابنوا عَلَيهِم بُنيانًا رَبُّهُم أَعلَمُ بِهِم قالَ الَّذينَ غَلَبوا عَلى أَمرِهِم لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَسجِدًا﴾ [ الكهف : ٢١ ]


يخبر الله تعالى، أنه أطلع الناس على حال أهل الكهف، وذلك -والله أعلم- بعدما استيقظوا، وبعثوا أحدهم يشتري لهم طعاما، وأمروه بالاستخفاء والإخفاء، فأراد الله أمرا فيه صلاح للناس، وزيادة أجر لهم، وهو أن الناس رأوا منهم آية من آيات الله، المشاهدة بالعيان، على أن وعد الله حق لا شك فيه ولا مرية ولا بعد، بعدما كانوا يتنازعون بينهم أمرهم، فمن مثبت للوعد والجزاء، ومن ناف لذلك، فجعل قصتهم زيادة بصيرة ويقين للمؤمنين، وحجة على الجاحدين، وصار لهم أجر هذه القضية، وشهر الله أمرهم، ورفع قدرهم حتى عظمهم الذين اطلعوا عليهم.
و {فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا} الله أعلم بحالهم ومآلهم، وقال من غلب على أمرهم، وهم الذين لهم الأمر:
{لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} أي: نعبد الله تعالى فيه، ونتذكر به أحوالهم، وما جرى لهم، وهذه الحالة محظورة، نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وذم فاعليها، ولا يدل ذكرها هنا على عدم ذمها، فإن السياق في شأن تعظيم أهل الكهف والثناء عليهم، وأن هؤلاء وصلت بهم الحال إلى أن قالوا: ابنوا عليهم مسجدا، بعد خوف أهل الكهف الشديد من قومهم، وحذرهم من الاطلاع عليهم، فوصلت الحال إلى ما ترى.
وفي هذه القصة، دليل على أن من فر بدينه من الفتن، سلمه الله منها. وأن من حرص على العافية عافاه الله ومن أوى إلى الله، آواه الله، وجعله هداية لغيره، ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته، كان آخر أمره وعاقبته العز العظيم من حيث لا يحتسب {وما عند الله خير للأبرار}

تفسير السعدي

عطاء دائم
02-09-20, 09:52 AM
تفسير


{عَبَسَ وَتَوَلَّى} (1)
{أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} (2)
{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} (3)
﴿أَو يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكرى﴾ (٤) سورة عبس


وسبب نزول هذه الآيات الكريمات، أنه جاء رجل من المؤمنين أعمى يسأل النبي صلى الله عليه ويتعلم منه.
وجاءه رجل من الأغنياء، وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية الخلق، فمال صلى الله عليه وسلم [وأصغى] إلى الغني، وصد عن الأعمى الفقير، رجاء لهداية ذلك الغني، وطمعا في تزكيته، فعاتبه الله بهذا العتاب اللطيف، فقال: {عَبَسَ} [أي:] في وجهه {وَتَوَلَّى} في بدنه،


﴿أَن جاءَهُ الأَعمى﴾
لأجل مجيء الأعمى له،


ثم ذكر الفائدة في الإقبال عليه، فقال: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ} أي: الأعمى {يَزَّكَّى} أي: يتطهر عن الأخلاق الرذيلة، ويتصف بالأخلاق الجميلة؟

{أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى}
أي: يتذكر ما ينفعه، فيعمل بتلك الذكرى.
#تفسير السعدي

عطاء دائم
02-10-20, 09:14 AM
تفسير


قال تعالى:
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) طه


أي: حث أهلك على الصلاة، وأزعجهم إليها من فرض ونفل. والأمر بالشيء، أمر بجميع ما لا يتم إلا به، فيكون أمرا بتعليمهم، ما يصلح الصلاة ويفسدها ويكملها.
{وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} أي: على الصلاة بإقامتها، بحدودها وأركانها وآدابها وخشوعها، فإن ذلك مشق على النفس، ولكن ينبغي إكراهها وجهادها على ذلك، والصبر معها دائما، فإن العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به، كان لما سواها من دينه أحفظ وأقوم، وإذا ضيعها كان لما سواها أضيع، ثم ضمن تعالى لرسوله الرزق، وأن لا يشغله الاهتمام به عن إقامة دينه، فقال: {نَحْنُ نَرْزُقُكَ} أي: رزقك علينا قد تكفلنا به، كما تكفلنا بأرزاق الخلائق كلهم، فكيف بمن قام بأمرنا، واشتغل بذكرنا؟! ورزق الله عام للمتقي وغيره، فينبغي الاهتمام بما يجلب السعادة الأبدية، وهو: التقوى، ولهذا قال: {وَالْعَاقِبَةُ} في الدنيا والآخرة {لِلتَّقْوَى} التي هي فعل المأمور وترك المنهي، فمن قام بها، كان له العاقبة، كما قال تعالى {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}

تفسير السعدي

عطاء دائم
02-11-20, 08:59 AM
تفسير


قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) المؤمنون


{قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} أي: ملك كل شيء، من العالم العلوي، والعالم السفلي، ما نبصره، وما لا نبصره؟. و " الملكوت "ب صيغة مبالغة بمعنى الملك. {وَهُوَ يُجِيرُ} عباده من الشر، ويدفع عنهم المكاره، ويحفظهم مما يضرهم، {وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} أي: لا يقدر أحد أن يجير على الله. ولا يدفع الشر الذي قدره الله. بل ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه

تفسير السعدي

عطاء دائم
02-11-20, 09:45 AM
تفسير


يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) يونس


يقول تعالى ـ مرغبًا للخلق في الإقبال على هذا الكتاب الكريم، بذكر أوصافه الحسنة الضرورية للعباد فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أي: تعظكم، وتنذركم عن الأعمال الموجبة لسخط الله، المقتضية لعقابه وتحذركم عنها ببيان آثارها ومفاسدها.
{وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} وهو هذا القرآن، شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع وأمراض الشبهات، القادحة في العلم اليقيني، فإن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة.
وإذا وجدت فيه الرغبة في الخير، والرهبة من الشر، ونمتا على تكرر ما يرد إليها من معاني القرآن، أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس، وصار ما يرضي الله أحب إلى العبد من شهوة نفسه.
وكذلك ما فيه من البراهين والأدلة التي صرفها الله غاية التصريف، وبينها أحسن بيان، مما يزيل الشبه القادحة في الحق، ويصل به القلب إلى أعلى درجات اليقين.
وإذا صح القلب من مرضه، ورفل بأثواب العافية، تبعته الجوارح كلها، فإنها تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده. {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} فالهدى هو العلم بالحق والعمل به.
والرحمة هي ما يحصل من الخير والإحسان، والثواب العاجل والآجل، لمن اهتدى به، فالهدى أجل الوسائل، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب، ولكن لا يهتدي به، ولا يكون رحمة إلا في حق المؤمنين.
وإذا حصل الهدى، وحلت الرحمة الناشئة عنه، حصلت السعادة والفلاح، والربح والنجاح، والفرح والسرور.

تفسير السعدي

عطاء دائم
02-12-20, 08:12 AM
تفسير


رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)
وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ (84) الشعراء


ثم دعا عليه السلام ربه فقال: رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا أي: علما كثيرا، أعرف به الأحكام، والحلال والحرام، وأحكم به بين الأنام، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ من إخوانه الأنبياء والمرسلين.


واجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ أي: اجعل لي ثناء صدق، مستمر إلى آخر الدهر. فاستجاب الله دعاءه، فوهب له من العلم والحكم، ما كان به من أفضل المرسلين، وألحقه بإخوانه المرسلين، وجعله محبوبا مقبولا معظما مثنًى عليه، في جميع الملل، في كل الأوقات.
قال تعالى: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ .

تفسير السعدي

عطاء دائم
02-13-20, 07:45 AM
تفسير


قال تعالى:
إلاّ مَن أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) الشعراء


• قَـالَ اللهُ تَعـالىٰ :

{ یَوۡمَ لَا یَنفَعُ مَالࣱ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبࣲ سَلِیمࣲ}.

-والجامع لمعناه أنه سليم من الشرور كلها ومن أسبابها، ملآن من الخير والبر والكرم، سليم من الشبهات القادحة في العلم واليقين، ومن الشهوات الحائلة بين العبد وبين كماله، سليم من الكبر ومن الرياء والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، وسليم من الغل والحقد، ملآن بالتوحيد والإيمان والتواضع للحق وللخلق، والنصيحة للمسلمين والرغبة في عبودية الله، وفي نفع عباد الله.

تفسير السعدي رحمه الله
【 تيسير اللطيف المنان (٢١٤/١) 】

عطاء دائم
02-14-20, 08:53 AM
تفسير


فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60) الروم



{فَاصْبِرْ} على ما أمرت به وعلى دعوتهم إلى اللّه، ولو رأيت منهم إعراضا فلا يصدنك ذلك.
{إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} أي: لا شك فيه وهذا مما يعين على الصبر فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع بل سيجده كاملا هان عليه ما يلقاه من المكاره ويسر عليه كل عسير واستقل من عمله كل كثير.
{وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} أي: قد ضعف إيمانهم وقل يقينهم فخفت لذلك أحلامهم وقل صبرهم، فإياك أن يستخفك هؤلاء فإنك إن لم تجعلهم منك على بال وتحذر منهم وإلا استخفوك وحملوك على عدم الثبات على الأوامر والنواهي، والنفس تساعدهم على هذا وتطلب التشبه والموافقة وهذا مما يدل على أن كل مؤمن موقن رزين العقل يسهل عليه الصبر، وكل ضعيف اليقين ضعيف [العقل] خفيفه.
فالأول بمنزلة اللب والآخر بمنزلة القشور فاللّه المستعان.

تفسير السعدي

عطاء دائم
02-16-20, 09:42 AM
تفسير



وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) الشورى

{وَكَذَلِكَ} حين أوحينا إلى الرسل قبلك {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} وهو هذا القرآن الكريم، سماه روحا، لأن الروح يحيا به الجسد، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح، وتحيا به مصالح الدنيا والدين، لما فيه من الخير الكثير والعلم الغزير.
وهو محض منة الله على رسوله وعباده المؤمنين، من غير سبب منهم، ولهذا قال: {مَا كُنْتَ تَدْرِي} أي: قبل نزوله عليك {مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} أي: ليس عندك علم بأخبار الكتب السابقة، ولا إيمان وعمل بالشرائع الإلهية، بل كنت أميا لا تخط ولا تقرأ، فجاءك هذا الكتاب الذي {جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} يستضيئون به في ظلمات الكفر والبدع، والأهواء المردية، ويعرفون به الحقائق، ويهتدون به إلى الصراط المستقيم.
{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي: تبينه لهم وتوضحه، وتنيره وترغبهم فيه، وتنهاهم عن ضده، وترهبهم منه، ثم فسر الصراط المستقيم فقال: {صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}


تفسير السعدي

عطاء دائم
02-17-20, 07:50 AM
تفسير



الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218)
وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) الشعراء



ثم نبهه على الاستعانة باستحضار قرب الله، والنزول في منزل الإحسان فقال: ( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ)

( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) أي: يراك في هذه العبادة العظيمة، التي هي الصلاة، وقت قيامك، وتقلبك راكعا وساجدا خصها بالذكر، لفضلها وشرفها، ولأن من استحضر فيها قرب ربه، خشع وذل، وأكملها، وبتكميلها، يكمل سائر عمله، ويستعين بها على جميع أموره.

تفسير السعدي

عطاء دائم
02-18-20, 09:23 AM
تفسير


وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) العنكبوت



أي: الباري تبارك وتعالى، قد تكفل بأرزاق الخلائق كلهم، قويهم وعاجزهم، فكم {مِنْ دَابَّةٍ} في الأرض، ضعيفة القوى، ضعيفة العقل. {لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} ولا تدخره، بل لم تزل، لا شيء معها من الرزق، ولا يزال اللّه يسخر لها الرزق، في كل وقت بوقته.
{اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} فكلكم عيال اللّه، القائم برزقكم، كما قام بخلقكم وتدبيركم، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فلا يخفى عليه خافية، ولا تهلك دابة من عدم الرزق بسبب أنها خافية عليه.
كما قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}

تفسير السعدي

عطاء دائم
02-19-20, 09:46 AM
تفسير



﴿وَلا تَلبِسُوا الحَقَّ بِالباطِلِ وَتَكتُمُوا الحَقَّ وَأَنتُم تَعلَمونَ﴾ [البقرة :٤٢]

ثم قال: {وَلَا تَلْبِسُوا} أي: تخلطوا {الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} فنهاهم عن شيئين، عن خلط الحق بالباطل، وكتمان الحق؛ لأن المقصود من أهل الكتب والعلم، تمييز الحق، وإظهار الحق، ليهتدي بذلك المهتدون، ويرجع الضالون، وتقوم الحجة على المعاندين؛ لأن الله فصل آياته وأوضح بيناته، ليميز الحق من الباطل، ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين، فمن عمل بهذا من أهل العلم، فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم. ومن لبس الحق بالباطل، فلم يميز هذا من هذا، مع علمه بذلك، وكتم الحق الذي يعلمه، وأمر بإظهاره، فهو من دعاة جهنم، لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم، فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين.

تفسير السعدي

عطاء دائم
02-21-20, 09:27 AM
تفسير



يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ (13) سبأ


{مِنْ مَحَارِيبَ} وهو كل بناء يعقد، وتحكم به الأبنية، فهذا فيه ذكر الأبنية الفخمة، {وَتَمَاثِيلَ} أي: صور الحيوانات والجمادات، من إتقان صنعتهم، وقدرتهم على ذلك وعملهم لسليمان {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} أي: كالبرك الكبار، يعملونها لسليمان للطعام، لأنه يحتاج إلى ما لا يحتاج إليه غيره، " و " يعملون له قدورا راسيات لا تزول عن أماكنها، من عظمها.
فلما ذكر منته عليهم، أمرهم بشكرها فقال: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ} وهم داود، وأولاده، وأهله، لأن المنة على الجميع، وكثير من هذه المصالح عائد لكلهم. {شُكْرًا} للّه على ما أعطاهم، ومقابلة لما أولاهم. {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} فأكثرهم، لم يشكروا اللّه تعالى على ما أولاهم من نعمه، ودفع عنهم من النقم.
والشكر: اعتراف القلب بمنة اللّه تعالى، وتلقيها افتقارا إليها، وصرفها في طاعة اللّه تعالى، وصونها عن صرفها في المعصية.

تفسير السعدي

عطاء دائم
02-22-20, 09:04 AM
تفسير


﴿وَلا تَقولَنَّ لِشَيءٍ إِنّي فاعِلٌ ذلِكَ غَدًا﴾ [الكهف :٢٣]
﴿إِلّا أَن يَشاءَ اللَّهُ وَاذكُر رَبَّكَ إِذا نَسيتَ وَقُل عَسى أَن يَهدِيَنِ رَبّي لِأَقرَبَ مِن هذا رَشَدًا﴾ [الكهف : ٢٤]


هذا النهي كغيره، وإن كان لسبب خاص وموجها للرسول صل الله عليه وسلم، فإن الخطاب عام للمكلفين، فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة، {إني فاعل ذلك} من دون أن يقرنه بمشيئة الله، وذلك لما فيه من المحذور، وهو: الكلام على الغيب المستقبل، الذي لا يدري، هل يفعله أم لا؟ وهل تكون أم لا؟ وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا، وذلك محذور محظور، لأن المشيئة كلها لله {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} ولما في ذكر مشيئة الله، من تيسير الأمر وتسهيله، وحصول البركة فيه، والاستعانة من العبد لربه، ولما كان العبد بشرا، لا بد أن يسهو فيترك ذكر المشيئة، أمره الله أن يستثني بعد ذلك، إذا ذكر، ليحصل المطلوب، وينفع المحذور، ويؤخذ من عموم قوله: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} الأمر بذكر الله عند النسيان، فإنه يزيله، ويذكر العبد ما سها عنه، وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله، أن يذكر ربه، ولا يكونن من الغافلين، ولما كان العبد مفتقرا إلى الله في توفيقه للإصابة، وعدم الخطأ في أقواله وأفعاله، أمره الله أن يقول: {عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} فأمره أن يدعو الله ويرجوه، ويثق به أن يهديه لأقرب الطرق الموصلة إلى الرشد. وحري بعبد، تكون هذه حاله، ثم يبذل جهده، ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرشد، أن يوفق لذلك، وأن تأتيه المعونة من ربه، وأن يسدده في جميع أموره.

تفسير السعدي

عطاء دائم
02-23-20, 07:46 AM
تفسير


فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60) الروم



{فَاصْبِرْ} على ما أمرت به وعلى دعوتهم إلى اللّه، ولو رأيت منهم إعراضا فلا يصدنك ذلك.
{إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} أي: لا شك فيه وهذا مما يعين على الصبر فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع بل سيجده كاملا هان عليه ما يلقاه من المكاره ويسر عليه كل عسير واستقل من عمله كل كثير.
{وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} أي: قد ضعف إيمانهم وقل يقينهم فخفت لذلك أحلامهم وقل صبرهم، فإياك أن يستخفك هؤلاء فإنك إن لم تجعلهم منك على بال وتحذر منهم وإلا استخفوك وحملوك على عدم الثبات على الأوامر والنواهي، والنفس تساعدهم على هذا وتطلب التشبه والموافقة وهذا مما يدل على أن كل مؤمن موقن رزين العقل يسهل عليه الصبر، وكل ضعيف اليقين ضعيف [العقل] خفيفه.
فالأول بمنزلة اللب والآخر بمنزلة القشور فاللّه المستعان.

تفسير السعدي

عطاء دائم
02-24-20, 08:52 AM
تفسير


وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر


ثم قال عن أهل الجنة: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ} بتوحيده والعمل بطاعته، سوق إكرام وإعزاز، يحشرون وفدا على النجائب. {إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} فرحين مستبشرين، كل زمرة مع الزمرة، التي تناسب عملها وتشاكله. {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} أي: وصلوا لتلك الرحاب الرحيبة والمنازل الأنيقة، وهبَّ عليهم ريحها ونسيمها، وآن خلودها ونعيمها. {وَفُتِحَتْ} لهم {أَبْوَابُهَا} فتح إكرام، لكرام الخلق، ليكرموا فيها. {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} تهنئة لهم وترحيبا: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} أي: سلام من كل آفة وشر حال.عليكم {طِبْتُمْ} أي: طابت قلوبكم بمعرفة اللّه ومحبته وخشيته، وألسنتكم بذكره، وجوارحكم بطاعته. {فـ} بسبب طيبكم {ادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} لأنها الدار الطيبة، ولا يليق بها إلا الطيبون.
وقال في النار {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} وفي الجنة {وَفُتِحَتْ} بالواو، إشارة إلى أن أهل النار، بمجرد وصولهم إليها، فتحت لهم أبوابها من غير إنظار ولا إمهال، وليكون فتحها في وجوههم، وعلى وصولهم، أعظم لحرها، وأشد لعذابها.
وأما الجنة، فإنها الدار العالية الغالية، التي لا يوصل إليها ولا ينالها كل أحد، إلا من أتى بالوسائل الموصلة إليها، ومع ذلك، فيحتاجون لدخولها لشفاعة أكرم الشفعاء عليه، فلم تفتح لهم بمجرد ما وصلوا إليها، بل يستشفعون إلى اللّه بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، حتى يشفع، فيشفعه اللّه تعالى.
وفي الآيات دليل على أن النار والجنة لهما أبواب تفتح وتغلق، وأن لكل منهما خزنة، وهما الداران الخالصتان، اللتان لا يدخل فيهما إلا من استحقهما، بخلاف سائر الأمكنة والدور.

{وَقَالُوا} عند دخولهم فيها واستقرارهم، حامدين ربهم على ما أولاهم ومنَّ عليهم وهداهم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} أي: وعدنا الجنة على ألسنة رسله، إن آمنا وصلحنا، فوفَّى لنا بما وعدنا، وأنجز لنا ما منَّانا. {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} أي: أرض الجنة {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} أي: ننزل منها أي مكان شئنا، ونتناول منها أي نعيم أردنا، ليس ممنوعا عنا شيء نريده. {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} الذين اجتهدوا بطاعة ربهم، في زمن قليل منقطع، فنالوا بذلك خيرا عظيما باقيا مستمرا.
وهذه الدار التي تستحق المدح على الحقيقة، التي يكرم اللّه فيها خواص خلقه،.ورضيها الجواد الكريم لهم نزلا، وبنى أعلاها وأحسنها، وغرسها بيده، وحشاها من رحمته وكرامته ما ببعضه يفرح الحزين، ويزول الكدر، ويتم الصفاء.


تفسير السعدي

عطاء دائم
02-25-20, 09:08 AM
تفسير

﴿حَتّى إِذا جاءَ أَمرُنا وَفارَ التَّنّورُ قُلنَا احمِل فيها مِن كُلٍّ زَوجَينِ اثنَينِ وَأَهلَكَ إِلّا مَن سَبَقَ عَلَيهِ القَولُ وَمَن آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلّا قَليلٌ﴾
[هود : 40]


{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا} أي قدرنا بوقت نزول العذاب بهم {وَفَارَ التَّنُّورُ} أي: أنزل الله السماء بالماء بالمنهمر، وفجر الأرض كلها عيونا حتى التنانير التي هي محل النار في العادة، وأبعد ما يكون عن الماء، تفجرت فالتقى الماء على أمر، قد قدر.
{قُلْنَا} لنوح: {احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} أي: من كل صنف من أصناف المخلوقات، ذكر وأنثى، لتبقى مادة سائر الأجناس وأما بقية الأصناف الزائدة عن الزوجين، فلأن السفينة لا تطيق حملها {وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} ممن كان كافرا، كابنه الذي غرق.
{وَمَنْ آمَنَ} {و} الحال أنه {مَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}

تفسير السعدي

عطاء دائم
02-26-20, 07:36 AM
تفسير

﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا في كِتابِ اللَّهِ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ فَلا تَظلِموا فيهِنَّ أَنفُسَكُم وَقاتِلُوا المُشرِكينَ كافَّةً كَما يُقاتِلونَكُم كافَّةً وَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقينَ﴾ { التوبة : ٣٦ }


يقول تعالى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ} أي: في قضائه وقدره. {اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} وهي هذه الشهور المعروفة {فِي كِتَابِ اللهِ} أي في حكمه القدري، {يَوْمَ خَلَقَ السموات وَالْأَرْضَ} وأجرى ليلها ونهارها، وقدر أوقاتها فقسمها على هذه الشهور الاثني عشر [شهرًا].
{مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} وهي: رجب الفرد، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وسميت حرما لزيادة حرمتها، وتحريم القتال فيها.
{فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثنى عشر شهرا، وأن اللّه تعالى بين أنه جعلها مقادير للعباد، وأن تعمر بطاعته، ويشكر اللّه تعالى على مِنَّتِهِ بها، وتقييضها لمصالح العباد، فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها.
ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحرم، وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها، خصوصا مع النهي عن الظلم كل وقت، لزيادة تحريمها، وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها.
ومن ذلك النهي عن القتال فيها، على قول من قال: إن القتال في الأشهر الحرام لم ينسخ تحريمه عملا بالنصوص العامة في تحريم القتال فيها.
ومنهم من قال: إن تحريم القتال فيها منسوخ، أخذا بعموم نحو قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} أي: قاتلوا جميع أنواع المشركين والكافرين برب العالمين.
ولا تخصوا أحدًا منهم بالقتال دون أحد، بل اجعلوهم كلهم لكم أعداء كما كانوا هم معكم كذلك، قد اتخذوا أهل الإيمان أعداء لهم، لا يألونهم من الشر شيئًا.
ويحتمل أن {كَافَّةً} حال من الواو فيكون معنى هذا: وقاتلوا جميعكم المشركين، فيكون فيها وجوب النفير على جميع المؤمنين.
وقد نسخت على هذا الاحتمال بقوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} الآية. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} بعونه ونصره وتأييده، فلتحرصوا على استعمال تقوى اللّه في سركم وعلنكم والقيام بطاعته، خصوصا عند قتال الكفار، فإنه في هذه الحال، ربما ترك المؤمن العمل بالتقوى في معاملة الكفار الأعداء المحاربين.


تفسير السعدي

عطاء دائم
02-27-20, 09:27 AM
تفسير



قال تعالى:

وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)البقرة


ومع تلك الآيات الواضحة فإن من الناس من يتخذ من دون الله آلهة يجعلونهم نظراء لله تعالى، يحبونهم كما يحبون الله، والذين آمنوا أشد حبًّا لله من هؤلاء لمعبوداتهم؛ لأنهم لا يشركون مع الله أحدًا، ويحبونه في السراء والضراء، وأما أولئك فإنهم يحبون آلهتهم في حال السراء، أما في الضراء فلا يدعون إلا الله. ولو يرى الظالمون بشركهم وارتكاب السيئات حالَهم في الآخرة حين يشاهدون العذاب؛ لعلموا أن المتفرد بالقوة جميعًا هو الله، وأنه شديد العذاب لمن عصاه، لو يرون ذلك لما أشركوا معه أحدًا.

المختصر في التفسير

عطاء دائم
02-28-20, 09:08 AM
تفسير

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)
الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ (2)
يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) سورة الهمزة


{وَيْلٌ} أي: وعيد، ووبال، وشدة عذاب {لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} الذي يهمز الناس بفعله، ويلمزهم بقوله، فالهماز: الذي يعيب الناس، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل، واللماز: الذي يعيبهم بقوله.

ومن صفة هذا الهماز اللماز، أنه لا هم له سوى جمع المال وتعديده والغبطة به، وليس له رغبة في إنفاقه في طرق الخيرات وصلة الأرحام، ونحو ذلك،


{يَحْسَبُ} بجهله {أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} في الدنيا، فلذلك كان كده وسعيه كله في تنمية ماله، الذي يظن أنه ينمي عمره، ولم يدر أن البخل يقصف الأعمار، ويخرب الديار، وأن البر يزيد في العمر.

تفسير السعدي

samaher yehya
02-28-20, 09:12 AM
جزاك الله خيرا خيووو :MonTaseR_11:

عطاء دائم
02-29-20, 07:22 AM
تفسير



وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25)
قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) الكهف


لما نهاه الله عن استفتاء أهل الكتاب، في شأن أهل الكهف، لعدم علمهم بذلك، وكان الله عالم الغيب والشهادة، العالم بكل شيء، أخبره بمدة لبثهم، وأن علم ذلك عنده وحده، فإنه من غيب السماوات والأرض، وغيبها مختص به، فما أخبر به عنها على ألسنة رسله، فهو الحق اليقين، الذي لا يشك فيه، وما لا يطلع رسله عليه، فإن أحدا من الخلق، لا يعلمه.


وقوله: {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} تعجب من كمال سمعه وبصره، وإحاطتهما بالمسموعات والمبصرات، بعد ما أخبر بإحاطة علمه بالمعلومات. ثم أخبر عن انفراده بالولاية العامة والخاصة، فهو الولي الذي يتولى تدبير جميع الكون، الولي لعباده المؤمنين، يخرجهم من الظلمات إلى النور وييسرهم لليسرى، ويجنبهم العسرى، ولهذا قال: {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} أي: هو الذي تولى أصحاب الكهف، بلطفه وكرمه، ولم يكلهم إلى أحد من الخلق.
{وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} وهذا يشمل الحكم الكوني القدري، والحكم الشرعي الديني، فإنه الحاكم في خلقه، قضاء وقدرا، وخلقا وتدبيرا، والحاكم فيهم، بأمره ونهيه، وثوابه وعقابه.
ولما أخبر أنه تعالى، له غيب السماوات والأرض، فليس لمخلوق إليها طريق، إلا عن الطريق التي يخبر بها عباده، وكان هذا القرآن، قد اشتمل على كثير من الغيوب

تفسير السعدي

عطاء دائم
02-29-20, 07:23 AM
جزاك الله خيرا خيووو :montaser_11:

واياكِ يا رب خير الجزاء غاليتي

عطاء دائم
03-01-20, 09:46 AM
تفسير



الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) العنكبوت



يخبر تعالى عن [تمام] حكمته وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال " إنه مؤمن " وادعى لنفسه الإيمان، أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه، فإنهم لو كان الأمر كذلك، لم يتميز الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، ولكن سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة، أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصارفة عن ما أمر اللّه به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته.
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات، دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه.
والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا اللّه، فمستقل ومستكثر، فنسأل اللّه تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يثبت قلوبنا على دينه، فالابتلاء والامتحان للنفوس بمنزلة الكير، يخرج خبثها وطيبها.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-02-20, 07:34 AM
قال تعالى:
وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) المدثر


{وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} أي: لا تمنن على الناس بما أسديت إليهم من النعم الدينية والدنيوية، فتتكثر بتلك المنة، وترى لك [الفضل] عليهم بإحسانك المنة، بل أحسن إلى الناس مهما أمكنك، وانس [عندهم] إحسانك، ولا تطلب أجره إلا من الله تعالى واجعل من أحسنت إليه وغيره على حد سواء.
وقد قيل: إن معنى هذا، لا تعط أحدا شيئا، وأنت تريد أن يكافئك عليه بأكثر منه، فيكون هذا خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-03-20, 07:09 AM
تفسير


هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) آل عمران



{هم درجات عند الله} أي: كل هؤلاء متفاوتون في درجاتهم ومنازلهم بحسب تفاوتهم في أعمالهم. فالمتبعون لرضوان الله يسعون في نيل الدرجات العاليات، والمنازل والغرفات، فيعطيهم الله من فضله وجوده على قدر أعمالهم، والمتبعون لمساخط الله يسعون في النزول في الدركات إلى أسفل سافلين، كل على حسب عمله، والله تعالى بصير بأعمالهم، لا يخفى عليه منها شيء، بل قد علمها، وأثبتها في اللوح المحفوظ، ووكل ملائكته الأمناء الكرام، أن يكتبوها ويحفظوها، ويضبطونها.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-04-20, 07:18 AM
تفسير

﴿وَالَّذينَ يُمَسِّكونَ بِالكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنّا لا نُضيعُ أَجرَ المُصلِحينَ﴾ ( الأعراف : ١٧٠ )

وأما من نظر إلى عاجل طفيف منقطع، يفوت نعيما عظيما باقيا فأنى له العقل والرأي؟ وإنما العقلاء حقيقة من وصفهم اللّه بقوله وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ أي: يتمسكون به علما وعملا فيعلمون ما فيه من الأحكام والأخبار، التي علمها أشرف العلوم. ويعلمون بما فيها من الأوامر التي هي قرة العيون وسرور القلوب، وأفراح الأرواح، وصلاح الدنيا والآخرة. ومن أعظم ما يجب التمسك به من المأمورات، إقامة الصلاة، ظاهرا وباطنا، ولهذا خصها الله بالذكر لفضلها، وشرفها، وكونها ميزان الإيمان، وإقامتها داعية لإقامة غيرها من العبادات. ولما كان عملهم كله إصلاحا، قال تعالى: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ في أقوالهم وأعمالهم ونياتهم، مصلحين لأنفسهم ولغيرهم. وهذه الآية وما أشبهها دلت على أن اللّه بعث رسله عليهم الصلاة والسلام بالصلاح لا بالفساد، وبالمنافع لا بالمضار، وأنهم بعثوا بصلاح الدارين، فكل من كان أصلح، كان أقرب إلى اتباعهم.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-05-20, 06:53 AM
قال الله تعالى:

"الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ"

[آل عمران : 172]

لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من "أحد" إلى المدينة، وسمع أن أبا سفيان ومن معه من المشركين قد هموا بالرجوع إلى المدينة، ندب أصحابه إلى الخروج، فخرجوا -على ما بهم من الجراح- استجابة لله ولرسوله، وطاعة لله ولرسوله، فوصلوا إلى "حمراء الأسد" وجاءهم من جاءهم

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-06-20, 08:57 AM
تفسير



يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (17) لقمان


{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ} حثه عليها، وخصها لأنها أكبر العبادات البدنية، {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} وذلك يستلزم العلم بالمعروف ليأمر به، والعلم بالمنكر لينهى عنه.
والأمر بما لا يتم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر إلا به، من الرفق، والصبر، وقد صرح به في قوله: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} ومن كونه فاعلا لما يأمر به، كافًّا لما ينهى عنه، فتضمن هذا، تكميل نفسه بفعل الخير وترك الشر، وتكميل غيره بذلك، بأمره ونهيه.
ولما علم أنه لا بد أن يبتلى إذا أمر ونهى وأن في الأمر والنهي مشقة على النفوس، أمره بالصبر على ذلك فقال: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ} الذي وعظ به لقمان ابنه {مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} أي: من الأمور التي يعزم عليها، ويهتم بها، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-07-20, 07:38 AM
تفسير


وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) الكهف



التلاوة: هي الاتباع، أي: اتبع ما أوحى الله إليك بمعرفة معانيه وفهمها، وتصديق أخباره، وامتثال أوامره ونواهيه، فإنه الكتاب الجليل، الذي لا مبدل لكلماته، أي: لا تغير ولا تبدل لصدقها وعدلها، وبلوغها من الحسن فوق كل غاية {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا} فلتمامها، استحال عليها التغيير والتبديل، فلو كانت ناقصة، لعرض لها ذلك أو شيء منه، وفي هذا تعظيم للقرآن، في ضمنه الترغيب على الإقبال عليه.
{وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} أي: لن تجد من دون ربك، ملجأ تلجأ إليه، ولا معاذا تعوذ به، فإذا تعين أنه وحده الملجأ في كل الأمور، تعين أن يكون هو المألوه المرغوب إليه، في السراء والضراء، المفتقر إليه في جميع الأحوال، المسئول في جميع المطالب.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-08-20, 09:11 AM
تفسير



مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنّاً وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) البقرة

هذا بيان للمضاعفة التي ذكرها الله في قوله مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وهنا قال: ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) أي: في طاعته ومرضاته، وأولاها إنفاقها في الجهاد في سبيله ( كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) وهذا إحضار لصورة المضاعفة بهذا المثل، الذي كان العبد يشاهده ببصره فيشاهد هذه المضاعفة ببصيرته، فيقوى شاهد الإيمان مع شاهد العيان، فتنقاد النفس مذعنة للإنفاق سامحة بها مؤملة لهذه المضاعفة الجزيلة والمنة الجليلة، ( والله يضاعف ) هذه المضاعفة ( لمن يشاء ) أي: بحسب حال المنفق وإخلاصه وصدقه وبحسب حال النفقة وحلها ونفعها ووقوعها موقعها، ويحتمل أن يكون ( والله يضاعف ) أكثر من هذه المضاعفة ( لمن يشاء ) فيعطيهم أجرهم بغير حساب ( والله واسع ) الفضل، واسع العطاء، لا ينقصه نائل ولا يحفيه سائل، فلا يتوهم المنفق أن تلك المضاعفة فيها نوع مبالغة، لأن الله تعالى لا يتعاظمه شيء ولا ينقصه العطاء على كثرته، ومع هذا فهو ( عليم ) بمن يستحق هذه المضاعفة ومن لا يستحقها، فيضع المضاعفة في موضعها لكمال علمه وحكمته.


أي: الذين ينفقون أموالهم في طاعة الله وسبيله، ولا يتبعونها بما ينقصها ويفسدها من المن بها على المنفق عليه بالقلب أو باللسان، بأن يعدد عليه إحسانه ويطلب منه مقابلته، ولا أذية له قولية أو فعلية، فهؤلاء لهم أجرهم اللائق بهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فحصل لهم الخير واندفع عنهم الشر لأنهم عملوا عملا خالصا لله سالما من المفسدات.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-09-20, 06:59 AM
تفسير


﴿يولِجُ اللَّيلَ فِي النَّهارِ وَيولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيلِ وَهُوَ عَليمٌ بِذاتِ الصُّدورِ﴾ [الحديد : ٦ ]


{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} أي: يدخل الليل على النهار، فيغشيهم الليل بظلامه، فيسكنون ويهدأون، ثم يدخل النهار على الليل، فيزول ما على الأرض من الظلام، ويضيء الكون، فيتحرك العباد، ويقومون إلى مصالحهم ومعايشهم، ولا يزال الله يكور الليل على النهار، والنهار على الليل، ويداول بينهما، في الزيادة والنقص، والطول والقصر، حتى تقوم بذلك الفصول، وتستقيم الأزمنة، ويحصل من المصالح ما يحصل بذلك، فتبارك الله رب العالمين، وتعالى الكريم الجواد، الذي أنعم على عباده بالنعم الظاهرة والباطنة، {وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي: بما يكون في صدور العالمين، فيوفق من يعلم أنه أهل لذلك، ويخذل من يعلم أنه لا يصلح لهدايته

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-10-20, 09:24 AM
تفسير

إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)
وَأَخْرَجَتْ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)
وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا (3) الزلزلة



يخبر تعالى عما يكون يوم القيامة، وأن الأرض تتزلزل وترجف وترتج، حتى يسقط ما عليها من بناء وعلم .
فتندك جبالها، وتسوى تلالها، وتكون قاعًا صفصفًا لا عوج فيه ولا أمتى

{وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} أي: ما في بطنها، من الأموات والكنوز

{وَقَالَ الْإِنْسَانُ} إذا رأى ما عراها من الأمر العظيم مستعظمًا لذلك: {مَا لَهَا} ؟ أي: أي شيء عرض لها؟.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-11-20, 09:11 AM
تفسير


وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133) الأنعام



{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} بالإهلاك {وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} فإذا عرفتم بأنكم لا بد أن تنتقلوا من هذه الدار، كما انتقل غيركم، وترحلون منها وتخلونها لمن بعدكم، كما رحل عنها من قبلكم وخلوها لكم، فلم اتخذتموها قرارا؟ وتوطنتم بها ونسيتم، أنها دار ممر لا دار مقر. وأن أمامكم دارًا، هي الدار التي جمعت كل نعيم وسلمت من كل آفة ونقص؟ وهي الدار التي يسعى إليها الأولون والآخرون، ويرتحل نحوها السابقون واللاحقون، التي إذا وصلوها، فثَمَّ الخلود الدائم، والإقامة اللازمة، والغاية التي لا غاية وراءها، والمطلوب الذي ينتهي إليه كل مطلوب، والمرغوب الذي يضمحل دونه كل مرغوب، هنالك والله، ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، ويتنافس فيه المتنافسون، من لذة الأرواح، وكثرة الأفراح، ونعيم الأبدان والقلوب، والقرب من علام الغيوب، فلله همة تعلقت بتلك الكرامات، وإرادة سمت إلى أعلى الدرجات" وما أبخس حظ من رضي بالدون، وأدنى همة من اختار صفقة المغبون" ولا يستبعد المعرض الغافل، سرعة الوصول إلى هذه الدار

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-12-20, 07:33 AM
تفسير


الم (1)
ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة


الحروف المقطعة في أوائل السور، الأسلم فيها، السكوت عن التعرض لمعناها [من غير مستند شرعي]، مع الجزم بأن الله تعالى لم ينزلها عبثا بل لحكمة لا نعلمها.


وقوله {ذَلِكَ الْكِتَابُ} أي هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة، المشتمل على ما لم تشتمل عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم، والحق المبين. فـ {لَا رَيْبَ فِيهِ} ولا شك بوجه من الوجوه، ونفي الريب عنه، يستلزم ضده، إذ ضد الريب والشك اليقين، فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب. وهذه قاعدة مفيدة، أن النفي المقصود به المدح، لا بد أن يكون متضمنا لضدة، وهو الكمال، لأن النفي عدم، والعدم المحض، لا مدح فيه. فلما اشتمل على اليقين وكانت الهداية لا تحصل إلا باليقين قال: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} والهدى: ما تحصل به الهداية من الضلالة والشبه، وما به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة. وقال {هُدًى} وحذف المعمول، فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية، ولا للشيء الفلاني، لإرادة العموم، وأنه هدى لجميع مصالح الدارين، فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية، ومبين للحق من الباطل، والصحيح من الضعيف، ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم، في دنياهم وأخراهم. وقال في موضع آخر: {هُدًى لِلنَّاسِ} فعمم. وفي هذا الموضع وغيره {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} لأنه في نفسه هدى لجميع الخلق.فالأشقياء لم يرفعوا به رأسا. ولم يقبلوا هدى الله، فقامت عليهم به الحجة، ولم ينتفعوا به لشقائهم، وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر، لحصول الهداية، وهو التقوى التي حقيقتها: اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه، بامتثال أوامره، واجتناب النواهي، فاهتدوا به، وانتفعوا غاية الانتفاع. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية، والآيات الكونية. ولأن الهداية نوعان: هداية البيان، وهداية التوفيق. فالمتقون حصلت لهم الهدايتان، وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق. وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها، ليست هداية حقيقية [تامة]

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-13-20, 08:59 AM
تفسير


﴿الَّذينَ يُؤمِنونَ بِالغَيبِ وَيُقيمونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ﴾ [البقرة : ٣]


ثم وصف المتقين بالعقائد والأعمال الباطنة، والأعمال الظاهرة، لتضمن التقوى لذلك فقال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} حقيقة الإيمان: هو التصديق التام بما أخبرت به الرسل، المتضمن لانقياد الجوارح، وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس، فإنه لا يتميز بها المسلم من الكافر. إنما الشأن في الإيمان بالغيب، الذي لم نره ولم نشاهده، وإنما نؤمن به، لخبر الله وخبر رسوله. فهذا الإيمان الذي يميز به المسلم من الكافر، لأنه تصديق مجرد لله ورسله. فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به، أو أخبر به رسوله، سواء شاهده، أو لم يشاهده وسواء فهمه وعقله، أو لم يهتد إليه عقله وفهمه. بخلاف الزنادقة والمكذبين بالأمور الغيبية، لأن عقولهم القاصرة المقصرة لم تهتد إليها فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ففسدت عقولهم، ومرجت أحلامهم. وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله. ويدخل في الإيمان بالغيب، [الإيمان بـ] بجميع ما أخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلة، وأحوال الآخرة، وحقائق أوصاف الله وكيفيتها، [وما أخبرت به الرسل من ذلك] فيؤمنون بصفات الله ووجودها، ويتيقنونها، وإن لم يفهموا كيفيتها. ثم قال: {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} لم يقل: يفعلون الصلاة، أو يأتون بالصلاة، لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة. فإقامة الصلاة، إقامتها ظاهرا، بإتمام أركانها، وواجباتها، وشروطها. وإقامتها باطنا بإقامة روحها، وهو حضور القلب فيها، وتدبر ما يقوله ويفعله منها، فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} وهي التي يترتب عليها الثواب. فلا ثواب للإنسان من صلاته، إلا ما عقل منها، ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها. ثم قال: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} يدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة، والنفقة على الزوجات والأقارب، والمماليك ونحو ذلك. والنفقات المستحبة بجميع طرق الخير. ولم يذكر المنفق عليهم، لكثرة أسبابه وتنوع أهله، ولأن النفقة من حيث هي، قربة إلى الله، وأتى بـ " من " الدالة على التبعيض، لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءا يسيرا من أموالهم، غير ضار لهم ولا مثقل، بل ينتفعون هم بإنفاقه، وينتفع به إخوانهم. وفي قوله: {رَزَقْنَاهُمْ} إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم، ليست حاصلة بقوتكم وملككم، وإنما هي رزق الله الذي خولكم، وأنعم به عليكم، فكما أنعم عليكم وفضلكم على كثير من عباده، فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم، وواسوا إخوانكم المعدمين. وكثيرا ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن، لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود، والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده، فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود، وسعيه في نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه، فلا إخلاص ولا إحسان.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-15-20, 09:46 AM
تفسير



وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(5) البقرة



ثم قال: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} وهو القرآن والسنة، قال تعالى: {وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} فالمتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول، ولا يفرقون بين بعض ما أنزل إليه، فيؤمنون ببعضه، ولا يؤمنون ببعضه، إما بجحده أو تأويله، على غير مراد الله ورسوله، كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة، الذين يؤولون النصوص الدالة على خلاف قولهم، بما حاصله عدم التصديق بمعناها، وإن صدقوا بلفظها، فلم يؤمنوا بها إيمانا حقيقيا. وقوله: {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} يشمل الإيمان بالكتب السابقة، ويتضمن الإيمان بالكتب الإيمان بالرسل وبما اشتملت عليه، خصوصا التوراة والإنجيل والزبور، وهذه خاصية المؤمنين يؤمنون بجميع الكتب السماوية وبجميع الرسل فلا يفرقون بين أحد منهم. ثم قال: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} و " الآخرة " اسم لما يكون بعد الموت، وخصه [بالذكر] بعد العموم، لأن الإيمان باليوم الآخر، أحد أركان الإيمان؛ ولأنه أعظم باعث على الرغبة والرهبة والعمل، و " اليقين " هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك، الموجب للعمل.


{أُولَئِكَ} أي: الموصوفون بتلك الصفات الحميدة {عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} أي: على هدى عظيم، لأن التنكير للتعظيم، وأي هداية أعظم من تلك الصفات المذكورة المتضمنة للعقيدة الصحيحة والأعمال المستقيمة، وهل الهداية [الحقيقية] إلا هدايتهم، وما سواها [مما خالفها]، فهو ضلالة. وأتى بـ " على " في هذا الموضع، الدالة على الاستعلاء، وفي الضلالة يأتي بـ " في " كما في قوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} لأن صاحب الهدى مستعل بالهدى، مرتفع به، وصاحب الضلال منغمس فيه محتقر. ثم قال: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} والفلاح [هو] الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، حصر الفلاح فيهم؛ لأنه لا سبيل إلى الفلاح إلا بسلوك سبيلهم، وما عدا تلك السبيل، فهي سبل الشقاء والهلاك والخسار التي تفضي بسالكها إلى الهلاك.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-16-20, 11:13 AM
تفسير


﴿إِنَّ الَّذينَ كَفَروا سَواءٌ عَلَيهِم أَأَنذَرتَهُم أَم لَم تُنذِرهُم لا يُؤمِنونَ﴾
﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلوبِهِم وَعَلى سَمعِهِم وَعَلى أَبصارِهِم غِشاوَةٌ وَلَهُم عَذابٌ عَظيمٌ﴾ [ ٦ : ٧ ] البقرة



فلهذا لما ذكر صفات المؤمنين حقا، ذكر صفات الكفار المظهرين لكفرهم، المعاندين للرسول يخبر تعالى أن الذين كفروا، أي: اتصفوا بالكفر، وانصبغوا به، وصار وصفا لهم لازما، لا يردعهم عنه رادع، ولا ينجع فيهم وعظ، إنهم مستمرون على كفرهم، فسواء عليهم أأنذرتهم، أم لم تنذرهم لا يؤمنون، وحقيقة الكفر: هو الجحود لما جاء به الرسول، أو جحد بعضه، فهؤلاء الكفار لا تفيدهم الدعوة إلا إقامة الحجة، وكأن في هذا قطعا لطمع الرسول صلى الله عليه وسلم في إيمانهم، وأنك لا تأس عليهم، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات.


ثم ذكر الموانع المانعة لهم من الإيمان فقال: {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} أي: طبع عليها بطابع لا يدخلها الإيمان، ولا ينفذ فيها، فلا يعون ما ينفعهم، ولا يسمعون ما يفيدهم. {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} أي: غشاء وغطاء وأكنة تمنعها عن النظر الذي ينفعهم، وهذه طرق العلم والخير، قد سدت عليهم، فلا مطمع فيهم، ولا خير يرجى عندهم، وإنما منعوا ذلك، وسدت عنهم أبواب الإيمان بسبب كفرهم وجحودهم ومعاندتهم بعد ما تبين لهم الحق، كما قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} وهذا عقاب عاجل. ثم ذكر العقاب الآجل، فقال: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وهو عذاب النار، وسخط الجبار المستمر الدائم.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-17-20, 07:22 AM
تفسير



وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ(8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) البقرة


واعلم أن النفاق هو: إظهار الخير وإبطان الشر، ويدخل في هذا التعريف النفاق الاعتقادي، والنفاق العملي، كالذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " آية المنافق ثلات: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان " وفي رواية: " وإذا خاصم فجر " وأما النفاق الاعتقادي المخرج عن دائرة الإسلام، فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة وغيرها، ولم يكن النفاق موجودا قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم [من مكة] إلى المدينة، وبعد أن هاجر، فلما كانت وقعة " بدر " وأظهر الله المؤمنين وأعزهم، ذل من في المدينة ممن لم يسلم، فأظهر بعضهم الإسلام خوفا ومخادعة، ولتحقن دماؤهم، وتسلم أموالهم، فكانوا بين أظهر المسلمين في الظاهر أنهم منهم، وفي الحقيقة ليسوا منهم. فمن لطف الله بالمؤمنين، أن جلا أحوالهم ووصفهم بأوصاف يتميزون بها، لئلا يغتر بهم المؤمنون، ولينقمعوا أيضا عن كثير من فجورهم [قال تعالى]: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ} فوصفهم الله بأصل النفاق فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} فإن هم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فأكذبهم الله بقوله: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} لأن الإيمان الحقيقي، ما تواطأ عليه القلب واللسان


وإنما هذا مخادعة لله ولعباده المؤمنين. والمخادعة: أن يظهر المخادع لمن يخادعه شيئا، ويبطن خلافه لكي يتمكن من مقصوده ممن يخادع، فهؤلاء المنافقون، سلكوا مع الله وعباده هذا المسلك، فعاد خداعهم على أنفسهم، فإن هذا من العجائب؛ لأن المخادع، إما أن ينتج خداعه ويحصل له ما يريد أو يسلم، لا له ولا عليه، وهؤلاء عاد خداعهم عليهم، وكأنهم يعملون ما يعملون من المكر لإهلاك أنفسهم وإضرارها وكيدها؛ لأن الله تعالى لا يتضرر بخداعهم [شيئا] وعباده المؤمنون، لا يضرهم كيدهم شيئا، فلا يضر المؤمنين أن أظهر المنافقون الإيمان، فسلمت بذلك أموالهم وحقنت دماؤهم، وصار كيدهم في نحورهم، وحصل لهم بذلك الخزي والفضيحة في الدنيا، والحزن المستمر بسبب ما يحصل للمؤمنين من القوة والنصرة. ثم في الآخرة لهم العذاب الأليم الموجع المفجع، بسبب كذبهم وكفرهم وفجورهم، والحال أنهم من جهلهم وحماقتهم لا يشعرون بذلك.


وقوله: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} والمراد بالمرض هنا: مرض الشك والشبهات والنفاق، لأن القلب يعرض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله: مرض الشبهات الباطلة، ومرض الشهوات المردية، فالكفر والنفاق والشكوك والبدع، كلها من مرض الشبهات، والزنا، ومحبة [الفواحش و]المعاصي وفعلها، من مرض الشهوات، كما قال تعالى: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} وهي شهوة الزنا، والمعافى من عوفي من هذين المرضين، فحصل له اليقين والإيمان، والصبر عن كل معصية، فرفل في أثواب العافية. وفي قوله عن المنافقين: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا} بيان لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين، وأنه بسبب ذنوبهم السابقة، يبتليهم بالمعاصي اللاحقة الموجبة لعقوباتها كما قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} وقال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ} وقال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} فعقوبة المعصية، المعصية بعدها، كما أن من ثواب الحسنة، الحسنة بعدها، قال تعالى: {وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-18-20, 09:29 AM
تفسير


قال تعالى:
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ(11) أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ ( 12 ) البقرة


أي: إذا نهي هؤلاء المنافقون عن الإفساد في الأرض، وهو العمل بالكفر والمعاصي، ومنه إظهار سرائر المؤمنين لعدوهم وموالاتهم للكافرين {قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} فجمعوا بين العمل بالفساد في الأرض، وإظهارهم أنه ليس بإفساد بل هو إصلاح، قلبا للحقائق، وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا، وهذا أعظم جناية ممن يعمل بالمعصية، مع اعتقاد أنها معصية فهذا أقرب للسلامة، وأرجى لرجوعه.


ولما كان في قولهم: {إنَّمَا نَحنُ مُصلِحونَ} حصر للإصلاح في جانبهم - وفي ضمنه أن المؤمنين ليسوا من أهل الإصلاح - قلب الله عليهم دعواهم بقوله: {ألا إنهم هم المفسدون} فإنه لا أعظم فسادا ممن كفر بآيات الله، وصد عن سبيل الله، وخادع الله وأولياءه، ووالى المحاربين لله ورسوله، وزعم مع ذلك أن هذا إصلاح، فهل بعد هذا الفساد فساد؟" ولكن لا يعلمون علما ينفعهم، وإن كانوا قد علموا بذلك علما تقوم به عليهم حجة الله، وإنما كان العمل بالمعاصي في الأرض إفسادا، لأنه يتضمن فساد ما على وجه الأرض من الحبوب والثمار والأشجار، والنبات، بما يحصل فيها من الآفات بسبب المعاصي، ولأن الإصلاح في الأرض أن تعمر بطاعة الله والإيمان به، لهذا خلق الله الخلق، وأسكنهم في الأرض، وأدر لهم الأرزاق، ليستعينوا بها على طاعته [وعبادته]، فإذا عمل فيها بضده، كان سعيا فيها بالفساد فيها، وإخرابا لها عما خلقت له

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-19-20, 09:24 AM
تفسير


وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ(13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ(14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ(15) البقرة


أي: إذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن الناس، أي: كإيمان الصحابة رضي الله عنهم، وهو الإيمان بالقلب واللسان، قالوا بزعمهم الباطل: أنؤمن كما آمن السفهاء؟ يعنون - قبحهم الله - الصحابة رضي الله عنهم، بزعمهم أن سفههم أوجب لهم الإيمان، وترك الأوطان، ومعاداة الكفار، والعقل عندهم يقتضي ضد ذلك، فنسبوهم إلى السفه؛ وفي ضمنه أنهم هم العقلاء أرباب الحجى والنهى. فرد الله ذلك عليهم، وأخبر أنهم هم السفهاء على الحقيقة، لأن حقيقة السفه جهل الإنسان بمصالح نفسه، وسعيه فيما يضرها، وهذه الصفة منطبقة عليهم وصادقة عليهم، كما أن العقل والحجا، معرفة الإنسان بمصالح نفسه، والسعي فيما ينفعه، و[في] دفع ما يضره، وهذه الصفة منطبقة على [الصحابة و]المؤمنين وصادقة عليهم، فالعبرة بالأوصاف والبرهان، لا بالدعاوى المجردة، والأقوال الفارغة.


هذا من قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، و[ذلك] أنهم إذا اجتمعوا بالمؤمنين، أظهروا أنهم على طريقتهم وأنهم معهم، فإذا خلوا إلى شياطينهم - أي: رؤسائهم وكبرائهم في الشر - قالوا: إنا معكم في الحقيقة، وإنما نحن مستهزءون بالمؤمنين بإظهارنا لهم، أنا على طريقتهم، فهذه حالهم الباطنة والظاهرة، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.


قال تعالى: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} وهذا جزاء لهم، على استهزائهم بعباده، فمن استهزائه بهم أن زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء والحالة الخبيثة، حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين، لما لم يسلط الله المؤمنين عليهم، ومن استهزائه بهم يوم القيامة، أنه يعطيهم مع المؤمنين نورا ظاهرا، فإذا مشي المؤمنون بنورهم، طفئ نور المنافقين، وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين، فما أعظم اليأس بعد الطمع، {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ} الآية. قوله: {وَيَمُدُّهُمْ} أي: يزيدهم {فِي طُغْيَانِهِمْ} أي: فجورهم وكفرهم، {يَعْمَهُونَ} أي: حائرون مترددون، وهذا من استهزائه تعالى بهم.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-20-20, 10:36 AM
تفسير



أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ (17)
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) البقرة


أولئك، أي: المنافقون الموصوفون بتلك الصفات {الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى} أي: رغبوا في الضلالة، رغبة المشتري بالسلعة، التي من رغبته فيها يبذل فيها الأثمان النفيسة. وهذا من أحسن الأمثلة، فإنه جعل الضلالة، التي هي غاية الشر، كالسلعة، وجعل الهدى الذي هو غاية الصلاح بمنزلة الثمن، فبذلوا الهدى رغبة عنه بالضلالة رغبة فيها، فهذه تجارتهم، فبئس التجارة، وبئس الصفقة صفقتهم وإذا كان من بذل دينارا في مقابلة درهم خاسرا، فكيف من بذل جوهرة وأخذ عنها درهما؟" فكيف من بذل الهدى في مقابلة الضلالة، واختار الشقاء على السعادة، ورغب في سافل الأمور عن عاليها ؟" فما ربحت تجارته، بل خسر فيها أعظم خسارة. {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} وقوله: {وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} تحقيق لضلالهم، وأنهم لم يحصل لهم من الهداية شيء، فهذه أوصافهم القبيحة.

أي: مثلهم المطابق لما كانوا عليه كمثل الذي استوقد نارا، أي: كان في ظلمة عظيمة، وحاجة إلى النار شديدة فاستوقدها من غيره، ولم تكن عنده معدة، بل هي خارجة عنه، فلما أضاءت النار ما حوله، ونظر المحل الذي هو فيه، وما فيه من المخاوف وأمنها، وانتفع بتلك النار، وقرت بها عينه، وظن أنه قادر عليها، فبينما هو كذلك، إذ ذهب الله بنوره، فذهب عنه النور، وذهب معه السرور، وبقي في الظلمة العظيمة والنار المحرقة، فذهب ما فيها من الإشراق، وبقي ما فيها من الإحراق، فبقي في ظلمات متعددة: ظلمة الليل، وظلمة السحاب، وظلمة المطر، والظلمة الحاصلة بعد النور، فكيف يكون حال هذا الموصوف؟ فكذلك هؤلاء المنافقون، استوقدوا نار الإيمان من المؤمنين، ولم تكن صفة لهم، فانتفعوا بها وحقنت بذلك دماؤهم، وسلمت أموالهم، وحصل لهم نوع من الأمن في الدنيا، فبينما هم على ذلك إذ هجم عليهم الموت، فسلبهم الانتفاع بذلك النور، وحصل لهم كل هم وغم وعذاب، وحصل لهم ظلمة القبر، وظلمة الكفر، وظلمة النفاق، وظلم المعاصي على اختلاف أنواعها، وبعد ذلك ظلمة النار [وبئس القرار].

ثم قال تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} يعني: أو مثلهم كصيب، أي: كصاحب صيب من السماء، وهو المطر الذي يصوب، أي: ينزل بكثرة، {فِيهِ ظُلُمَاتٌ} ظلمة الليل، وظلمة السحاب، وظلمات المطر، {وَرَعْدٌ} وهو الصوت الذي يسمع من السحاب، {وَبَرْقٌ} وهو الضوء [اللامع] المشاهد مع السحاب.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-21-20, 07:43 AM
تفسير

﴿وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ وَلا تَعدُ عَيناكَ عَنهُم تُريدُ زينَةَ الحَياةِ الدُّنيا وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمرُهُ فُرُطًا﴾
[ الكهف : ٢٨]


يأمر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وغيره أسوته، في الأوامر والنواهي -أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين {الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} أي: أول النهار وآخره يريدون بذلك وجه الله، فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها، ففيها الأمر بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد، ما لا يحصى.
{وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} أي: لا تجاوزهم بصرك، وترفع عنهم نظرك.
{تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فإن هذا ضار غير نافع، وقاطع عن المصالح الدينية، فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة، فإن زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر العقل، فيغفل القلب عن ذكر الله، ويقبل على اللذات والشهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره، فيخسر الخسارة الأبدية، والندامة السرمدية، ولهذا قال: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} غفل عن الله، فعاقبه بأن أغفله عن ذكره.
{وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} أي: صار تبعا لهواه، حيث ما اشتهت نفسه فعله، وسعى في إدراكه، ولو كان فيه هلاكه وخسرانه، فهو قد اتخذ إلهه هواه، كما قال تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم} الآية. {وَكَانَ أَمْرُهُ} أي: مصالح دينه ودنياه {فُرُطًا} أي: ضائعة معطلة. فهذا قد نهى الله عن طاعته، لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به، ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به، ودلت الآية، على أن الذي ينبغي أن يطاع، ويكون إماما للناس، من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه، فلهج بذكر الله، واتبع مراضي ربه، فقدمها على هواه، فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما من الله به عليه، فحقيق بذلك، أن يتبع ويجعل إماما، والصبر المذكور في هذه الآية، هو الصبر على طاعة الله، الذي هو أعلى أنواع الصبر، وبتمامه تتم باقي الأقسام. وفي الآية، استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار، لأن الله مدحهم بفعله، وكل فعل مدح الله فاعله، دل ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه فإنه يأمر به، ويرغب فيه.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-22-20, 09:39 AM
تفسير



فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) الأنعام




{فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} أي: استحجرت فلا تلين للحق. {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فظنوا أن ما هم عليه دين الحق، فتمتعوا في باطلهم برهة من الزمان، ولعب بعقولهم الشيطان.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-23-20, 09:48 AM
تفسير



أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ(19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) البقرة



ثم قال تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} يعني: أو مثلهم كصيب، أي: كصاحب صيب من السماء، وهو المطر الذي يصوب، أي: ينزل بكثرة، {فِيهِ ظُلُمَاتٌ} ظلمة الليل، وظلمة السحاب، وظلمات المطر، {وَرَعْدٌ} وهو الصوت الذي يسمع من السحاب، {وَبَرْقٌ} وهو الضوء [اللامع] المشاهد مع السحاب.


🔸{كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ} البرق في تلك الظلمات {مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} أي: وقفوا. فهكذا حال المنافقين، إذا سمعوا القرآن وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده، جعلوا أصابعهم في آذانهم، وأعرضوا عن أمره ونهيه ووعده ووعيده، فيروعهم وعيده وتزعجهم وعوده، فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم، ويكرهونها كراهة صاحب الصيب الذي يسمع الرعد، ويجعل أصابعه في أذنيه خشية الموت، فهذا تمكن له السلامة. وأما المنافقون فأنى لهم السلامة، وهو تعالى محيط بهم، قدرة وعلما فلا يفوتونه ولا يعجزونه، بل يحفظ عليهم أعمالهم، ويجازيهم عليها أتم الجزاء. ولما كانوا مبتلين بالصمم، والبكم، والعمى المعنوي، ومسدودة عليهم طرق الإيمان، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} أي: الحسية، ففيه تحذير لهم وتخويف بالعقوبة الدنيوية، ليحذروا، فيرتدعوا عن بعض شرهم ونفاقهم، {إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فلا يعجزه شيء، ومن قدرته أنه إذا شاء شيئا فعله من غير ممانع ولا معارض. وفي هذه الآية وما أشبهها، رد على القدرية القائلين بأن أفعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى، لأن أفعالهم من جملة الأشياء الداخلة في قوله: {إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}


تفسير السعدي

عطاء دائم
03-24-20, 09:04 AM
تفسير


يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) البقرة



هذا أمر عام لكل الناس، بأمر عام، وهو العبادة الجامعة، لامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، وتصديق خبره، فأمرهم تعالى بما خلقهم له، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}


ثم استدل على وجوب عبادته وحده، بأنه ربكم الذي رباكم بأصناف النعم، فخلقكم بعد العدم، وخلق الذين من قبلكم، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة، فجعل لكم الأرض فراشا تستقرون عليها، وتنتفعون بالأبنية، والزراعة، والحراثة، والسلوك من محل إلى محل، وغير ذلك من أنواع الانتفاع بها، وجعل السماء بناء لمسكنكم، وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم، كالشمس، والقمر، والنجوم. {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} والسماء: [هو] كل ما علا فوقك فهو سماء، ولهذا قال المفسرون: المراد بالسماء هاهنا: السحاب، فأنزل منه تعالى ماء، {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ} كالحبوب، والثمار، من نخيل، وفواكه، [وزروع] وغيرها {رِزْقًا لَكُمْ} به ترتزقون، وتقوتون وتعيشون وتفكهون. {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} أي: نظراء وأشباها من المخلوقين، فتعبدونهم كما تعبدون الله، وتحبونهم كما تحبون الله، وهم مثلكم، مخلوقون، مرزوقون مدبرون، لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، ولا ينفعونكم ولا يضرون، {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أن الله ليس له شريك، ولا نظير، لا في الخلق، والرزق، والتدبير، ولا في العبادة فكيف تعبدون معه آلهة أخرى مع علمكم بذلك؟ هذا من أعجب العجب، وأسفه السفه. وهذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده، والنهي عن عبادة ما سواه، وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته، وبطلان عبادة من سواه، وهو [ذكر] توحيد الربوبية، المتضمن لانفراده بالخلق والرزق والتدبير، فإذا كان كل أحد مقرا بأنه ليس له شريك في ذلك، فكذلك فليكن إقراره بأن [الله] لا شريك له في العبادة، وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري، وبطلان الشرك. وقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} يحتمل أن المعنى: أنكم إذا عبدتم الله وحده، اتقيتم بذلك سخطه وعذابه، لأنكم أتيتم بالسبب الدافع لذلك، ويحتمل أن يكون المعنى: أنكم إذا عبدتم الله، صرتم من المتقين الموصوفين بالتقوى، وكلا المعنيين صحيح، وهما متلازمان، فمن أتى بالعبادة كاملة، كان من المتقين، ومن كان من المتقين، حصلت له النجاة من عذاب الله وسخطه.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-25-20, 09:26 AM
تفسير


وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (23)
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) البقرة


وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحة ما جاء به، فقال: {وإن كنتم} معشر المعاندين للرسول، الرادين دعوته، الزاعمين كذبه في شك واشتباه، مما نزلنا على عبدنا، هل هو حق أو غيره ؟ فهاهنا أمر نصف، فيه الفيصلة بينكم وبينه، وهو أنه بشر مثلكم، ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم، لا يكتب ولا يقرأ، فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله، وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه، فإن كان الأمر كما تقولون، فأتوا بسورة من مثله، واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم، فإن هذا أمر يسير عليكم، خصوصا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة، والعداوة العظيمة للرسول، فإن جئتم بسورة من مثله، فهو كما زعمتم، وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز، ولن تأتوا بسورة من مثله، ولكن هذا التقييم على وجه الإنصاف والتنزل معكم، فهذا آية كبرى، ودليل واضح [جلي] على صدقه وصدق ما جاء به، فيتعين عليكم اتباعه، واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة [والشدة]، أن كانت وقودها الناس والحجارة، ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد بالحطب، وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله. فاحذروا الكفر برسوله، بعد ما تبين لكم أنه رسول الله. وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات التحدي، وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قال تعالى {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} وكيف يقدر المخلوق من تراب، أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب؟ أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه، أن يأتي بكلام ككلام الكامل، الذي له الكمال المطلق، والغنى الواسع من كل الوجوه؟ هذا ليس في الإمكان، ولا في قدرة الإنسان، وكل من له أدنى ذوق ومعرفة [بأنواع] الكلام، إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء، ظهر له الفرق العظيم. وفي قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} إلى آخره، دليل على أن الذي يرجى له الهداية من الضلالة: [هو] الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلال، فهذا إذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق إن كان صادقا في طلب الحق. وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه، فهذا لا يمكن رجوعه، لأنه ترك الحق بعد ما تبين له، لم يتركه عن جهل، فلا حيلة فيه. وكذلك الشاك غير الصادق في طلب الحق، بل هو معرض غير مجتهد في طلبه، فهذا في الغالب أنه لا يوفق. وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم، دليل على أن أعظم أوصافه صلى الله عليه وسلم، قيامه بالعبودية، التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين والآخرين. كما وصفه بالعبودية في مقام الإسراء، فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} وفي مقام الإنزال، فقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} وفي قوله: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} ونحوها من الآيات، دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، أن الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة، وفيها أيضا، أن الموحدين وإن ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار، لأنه قال: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} فلو كان [عصاة الموحدين] يخلدون فيها، لم تكن معدة للكافرين وحدهم، خلافا للخوارج والمعتزلة. وفيها دلالة على أن العذاب مستحق بأسبابه، وهو الكفر، وأنواع المعاصي على اختلافها

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-26-20, 09:28 AM
﴿وَبَشِّرِ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ كُلَّما رُزِقوا مِنها مِن ثَمَرَةٍ رِزقًا قالوا هذَا الَّذي رُزِقنا مِن قَبلُ وَأُتوا بِهِ مُتَشابِهًا وَلَهُم فيها أَزواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُم فيها خالِدونَ﴾ [ البقرة : ٢٥ ]


لما ذكر جزاء الكافرين، ذكر جزاء المؤمنين، أهل الأعمال الصالحات، على طريقته تعالى في القرآن يجمع بين الترغيب والترهيب، ليكون العبد راغبا راهبا، خائفا راجيا فقال: {وَبَشِّرِ} أي: [يا أيها الرسول ومن قام مقامه] {الَّذِينَ آمَنُوا} بقلوبهم {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بجوارحهم، فصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة. ووصفت أعمال الخير بالصالحات، لأن بها تصلح أحوال العبد، وأمور دينه ودنياه، وحياته الدنيوية والأخروية، ويزول بها عنه فساد الأحوال، فيكون بذلك من الصالحين، الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته. فبشرهم {أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} أي: بساتين جامعة من الأشجار العجيبة، والثمار الأنيقة، والظل المديد، [والأغصان والأفنان وبذلك] صارت جنة يجتن بها داخلها، وينعم فيها ساكنها. {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أي: أنهار الماء، واللبن، والعسل، والخمر، يفجرونها كيف شاءوا، ويصرفونها أين أرادوا، وتشرب منها تلك الأشجار فتنبت أصناف الثمار. {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} أي: هذا من جنسه، وعلى وصفه، كلها متشابهة في الحسن واللذة، ليس فيها ثمرة خاصة، وليس لهم وقت خال من اللذة، فهم دائما متلذذون بأكلها. وقوله: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} قيل: متشابها في الاسم، مختلف الطعوم وقيل: متشابها في اللون، مختلفا في الاسم، وقيل: يشبه بعضه بعضا، في الحسن، واللذة، والفكاهة، ولعل هذا الصحيح ثم لما ذكر مسكنهم، وأقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم، ذكر أزواجهم، فوصفهن بأكمل وصف وأوجزه، وأوضحه فقال: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} فلم يقل " مطهرة من العيب الفلاني " ليشمل جميع أنواع التطهير، فهن مطهرات الأخلاق، مطهرات الخلق، مطهرات اللسان، مطهرات الأبصار، فأخلاقهن، أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن، وحسن التبعل، والأدب القولي والفعلي، ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني، والبول والغائط، والمخاط والبصاق، والرائحة الكريهة، ومطهرات الخلق أيضا، بكمال الجمال، فليس فيهن عيب، ولا دمامة خلق، بل هن خيرات حسان، مطهرات اللسان والطرف، قاصرات طرفهن على أزواجهن، وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح. ففي هذه الآية الكريمة، ذكر المبشِّر والمبشَّر، والمبشَّرُ به، والسبب الموصل لهذه البشارة، فالمبشِّر: هو الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من أمته، والمبشَّر: هم المؤمنون العاملون الصالحات، والمبشَّر به: هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات، والسبب الموصل لذلك، هو الإيمان والعمل الصالح، فلا سبيل إلى الوصول إلى هذه البشارة، إلا بهما، وهذا أعظم بشارة حاصلة، على يد أفضل الخلق، بأفضل الأسباب. وفيه استحباب بشارة المؤمنين، وتنشيطهم على الأعمال بذكر جزائها [وثمراتها]، فإنها بذلك تخف وتسهل، وأعظم بشرى حاصلة للإنسان، توفيقه للإيمان والعمل الصالح، فذلك أول البشارة وأصلها، ومن بعده البشرى عند الموت، ومن بعده الوصول إلى هذا النعيم المقيم، نسأل الله أن يجعلنا منهم


تفسير السعدي

عطاء دائم
03-27-20, 08:44 AM
تفسير


﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَستَحيي أَن يَضرِبَ مَثَلًا ما بَعوضَةً فَما فَوقَها فَأَمَّا الَّذينَ آمَنوا فَيَعلَمونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَبِّهِم وَأَمَّا الَّذينَ كَفَروا فَيَقولونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثيرًا وَيَهدي بِهِ كَثيرًا وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الفاسِقينَ﴾ [البقرة : ٢٦]


يقول تعالى {إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا} أي: أيَّ مثل كان {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} لاشتمال الأمثال على الحكمة، وإيضاح الحق، والله لا يستحيي من الحق، وكأن في هذا، جوابا لمن أنكر ضرب الأمثال في الأشياء الحقيرة، واعترض على الله في ذلك. فليس في ذلك محل اعتراض. بل هو من تعليم الله لعباده ورحمته بهم. فيجب أن تتلقى بالقبول والشكر. ولهذا قال: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} فيتفهمونها، ويتفكرون فيها. فإن علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل، ازداد بذلك علمهم وإيمانهم، وإلا علموا أنها حق، وما اشتملت عليه حق، وإن خفي عليهم وجه الحق فيها لعلمهم بأن الله لم يضربها عبثا، بل لحكمة بالغة، ونعمة سابغة. {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا} فيعترضون ويتحيرون، فيزدادون كفرا إلى كفرهم، كما ازداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم، ولهذا قال: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} فهذه حال المؤمنين والكافرين عند نزول الآيات القرآنية. قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} فلا أعظم نعمة على العباد من نزول الآيات القرآنية، ومع هذا تكون لقوم محنة وحيرة [وضلالة] وزيادة شر إلى شرهم، ولقوم منحة [ورحمة] وزيادة خير إلى خيرهم، فسبحان من فاوت بين عباده، وانفرد بالهداية والإضلال. ثم ذكر حكمته في إضلال من يضلهم وأن ذلك عدل منه تعالى فقال: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} أي: الخارجين عن طاعة الله؛ المعاندين لرسل الله؛ الذين صار الفسق وصفهم؛ فلا يبغون به بدلا، فاقتضت حكمته تعالى إضلالهم لعدم صلاحيتهم للهدى، كما اقتضت حكمته وفضله هداية من اتصف بالإيمان وتحلى بالأعمال الصالحة. والفسق نوعان: نوع مخرج من الدين، وهو الفسق المقتضي للخروج من الإيمان؛ كالمذكور في هذه الآية ونحوها، ونوع غير مخرج من الإيمان كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الآية]

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-28-20, 07:28 AM
تفسير



وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) الكهف


أي: قل للناس يا محمد: هو الحق من ربكم أي: قد تبين الهدى من الضلال، والرشد من الغي، وصفات أهل السعادة، وصفات أهل الشقاوة، وذلك بما بينه الله على لسان رسوله، فإذا بان واتضح، ولم يبق فيه شبهة.
{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} أي: لم يبق إلا سلوك أحد الطريقين، بحسب توفيق العبد، وعدم توفيقه، وقد أعطاه الله مشيئة بها يقدر على الإيمان والكفر، والخير والشر، فمن آمن فقد وفق للصواب، ومن كفر فقد قامت عليه الحجة، وليس بمكره على الإيمان، كما قال تعالى {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} وليس في قوله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} الإذن في كلا الأمرين، وإنما ذلك تهديد ووعيد لمن اختار الكفر بعد البيان التام، كما ليس فيها ترك قتال الكافرين. ثم ذكر تعالى مآل الفريقين فقال: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ} بالكفر والفسوق والعصيان {نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} أي: سورها المحيط بها، فليس لهم منفذ ولا طريق ولا مخلص منها، تصلاهم النار الحامية.
{وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا} أي: يطلبوا الشراب، ليطفئ ما نزل بهم من العطش الشديد.
{يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} أي: كالرصاص المذاب، أو كعكر الزيت، من شدة حرارته.
{يَشْوِي الْوُجُوهَ} أي: فكيف بالأمعاء والبطون، كما قال تعالى {يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد}
{بِئْسَ الشَّرَابُ} الذي يراد ليطفئ العطش، ويدفع بعض العذاب، فيكون زيادة في عذابهم، وشدة عقابهم.
{وَسَاءَتْ} النار {مُرْتَفَقًا} وهذا ذم لحالة النار، أنها ساءت المحل، الذي يرتفق به، فإنها ليست فيها ارتفاق، وإنما فيها العذاب العظيم الشاق، الذي لا يفتر عنهم ساعة، وهم فيه مبلسون قد أيسوا من كل خير، ونسيهم الرحيم في العذاب، كما نسوه.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-29-20, 07:12 AM
تفسير


الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ(27)
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(29) البقرة

ثم وصف الفاسقين فقال: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه والذي بينهم وبين عباده الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات، فلا يبالون بتلك المواثيق؛ بل ينقضونها ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه؛ وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق. {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة، فإن الله أمرنا أن نصل ما بيننا وبينه بالإيمان به والقيام بعبوديته، وما بيننا وبين رسوله بالإيمان به ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه، وما بيننا وبين الوالدين والأقارب والأصحاب؛ وسائر الخلق بالقيام بتلك الحقوق التي أمر الله أن نصلها. فأما المؤمنون فوصلوا ما أمر الله به أن يوصل من هذه الحقوق، وقاموا بها أتم القيام، وأما الفاسقون، فقطعوها، ونبذوها وراء ظهورهم؛ معتاضين عنها بالفسق والقطيعة؛ والعمل بالمعاصي؛ وهو: الإفساد في الأرض. فـ {فَأُولَئِكَ} أي: من هذه صفته {هُمُ الْخَاسِرُونَ} في الدنيا والآخرة، فحصر الخسارة فيهم؛ لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم؛ ليس لهم نوع من الربح؛ لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان؛ فمن لا إيمان له لا عمل له؛ وهذا الخسار هو خسار الكفر، وأما الخسار الذي قد يكون كفرا؛ وقد يكون معصية؛ وقد يكون تفريطا في ترك مستحب، المذكور في قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} فهذا عام لكل مخلوق؛ إلا من اتصف بالإيمان والعمل الصالح؛ والتواصي بالحق؛ والتواصي بالصبر؛ وحقيقة فوات الخير؛ الذي [كان] العبد بصدد تحصيله وهو تحت إمكانه.

هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والإنكار، أي: كيف يحصل منكم الكفر بالله؛ الذي خلقكم من العدم؛ وأنعم عليكم بأصناف النعم؛ ثم يميتكم عند استكمال آجالكم؛ ويجازيكم في القبور؛ ثم يحييكم بعد البعث والنشور؛ ثم إليه ترجعون؛ فيجازيكم الجزاء الأوفى، فإذا كنتم في تصرفه؛ وتدبيره؛ وبره؛ وتحت أوامره الدينية؛ ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي؛ أفيليق بكم أن تكفروا به؛ وهل هذا إلا جهل عظيم وسفه وحماقة ؟ بل الذي يليق بكم أن تؤمنوا به وتتقوه وتشكروه وتخافوا عذابه؛ وترجوا ثوابه.

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} أي: خلق لكم، برا بكم ورحمة، جميع ما على الأرض، للانتفاع والاستمتاع والاعتبار. وفي هذه الآية العظيمة دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة، لأنها سيقت في معرض الامتنان، يخرج بذلك الخبائث، فإن [تحريمها أيضا] يؤخذ من فحوى الآية، ومعرفة المقصود منها، وأنه خلقها لنفعنا، فما فيه ضرر، فهو خارج من ذلك، ومن تمام نعمته، منعنا من الخبائث، تنزيها لنا. وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} {اسْتَوَى} ترد في القرآن على ثلاثة معاني: فتارة لا تعدى بالحرف، فيكون معناها، الكمال والتمام، كما في قوله عن موسى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} وتارة تكون بمعنى " علا " و " ارتفع " وذلك إذا عديت بـ " على " كما في قوله تعالى: {ثم استوى على العرش} {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} وتارة تكون بمعنى " قصد " كما إذا عديت بـ " إلى " كما في هذه الآية، أي: لما خلق تعالى الأرض، قصد إلى خلق السماوات {فسواهن سبع سماوات} فخلقها وأحكمها، وأتقنها، {وهو بكل شيء عليم} فـ {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها} و {يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} يعلم السر وأخفى. وكثيرا ما يقرن بين خلقه للخلق وإثبات علمه كما في هذه الآية، وكما في قوله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} لأن خلقه للمخلوقات، أدل دليل على علمه، وحكمته، وقدرته.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-30-20, 08:59 AM
تفسير


﴿وَإِذ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَليفَةً قالوا أَتَجعَلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها وَيَسفِكُ الدِّماءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنّي أَعلَمُ ما لا تَعلَمونَ﴾ [البقرة : ٣٠]


هذا شروع في ذكر فضل آدم عليه السلام أبي البشر أن الله حين أراد خلقه أخبر الملائكة بذلك، وأن الله مستخلفه في الأرض. فقالت الملائكة عليهم السلام: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} بالمعاصي {وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [و]هذا تخصيص بعد تعميم، لبيان [شدة] مفسدة القتل، وهذا بحسب ظنهم أن الخليفة المجعول في الأرض سيحدث منه ذلك، فنزهوا الباري عن ذلك، وعظموه، وأخبروا أنهم قائمون بعبادة الله على وجه خال من المفسدة فقالوا: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} أي: ننزهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك، {وَنُقَدِّسُ لَكَ} يحتمل أن معناها: ونقدسك، فتكون اللام مفيدة للتخصيص والإخلاص، ويحتمل أن يكون: ونقدس لك أنفسنا، أي: نطهرها بالأخلاق الجميلة، كمحبة الله وخشيته وتعظيمه، ونطهرها من الأخلاق الرذيلة. قال الله تعالى للملائكة: {إِنِّي أَعْلَمُ} من هذا الخليفة {مَا لَا تَعْلَمُونَ}؛ لأن كلامكم بحسب ما ظننتم، وأنا عالم بالظواهر والسرائر، وأعلم أن الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة، أضعاف أضعاف ما في ضمن ذلك من الشر فلو لم يكن في ذلك، إلا أن الله تعالى أراد أن يجتبي منهم الأنبياء والصديقين، والشهداء والصالحين، ولتظهر آياته للخلق، ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة، كالجهاد وغيره، وليظهر ما كمن في غرائز بني آدم من الخير والشر بالامتحان، وليتبين عدوه من وليه، وحزبه من حربه، وليظهر ما كمن في نفس إبليس من الشر الذي انطوى عليه، واتصف به، فهذه حكم عظيمة، يكفي بعضها في ذلك.

تفسير السعدي

عطاء دائم
03-31-20, 08:42 AM
تفسير

قال تعالى

وعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) البقرة


ثم لما كان قول الملائكة عليهم السلام، فيه إشارة إلى فضلهم على الخليفة الذي يجعله الله في الأرض، أراد الله تعالى، أن يبين لهم من فضل آدم، ما يعرفون به فضله، وكمال حكمة الله وعلمه فـ {عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} أي: أسماء الأشياء، وما هو مسمى بها، فعلمه الاسم والمسمى، أي: الألفاظ والمعاني، حتى المكبر من الأسماء كالقصعة، والمصغر كالقصيعة. {ثُمَّ عَرَضَهُمْ} أي: عرض المسميات {عَلَى الْمَلَائِكَةِ} امتحانا لهم، هل يعرفونها أم لا؟. {فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في قولكم وظنكم، أنكم أفضل من هذا الخليفة.


{قَالُوا سُبْحَانَكَ} أي: ننزهك من الاعتراض منا عليك، ومخالفة أمرك. {لَا عِلْمَ لَنَا} بوجه من الوجوه {إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} إياه، فضلا منك وجودا، {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} العليم الذي أحاط علما بكل شيء، فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السماوات والأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر. الحكيم: من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق، ولا يشذ عنها مأمور، فما خلق شيئا إلا لحكمة: ولا أمر بشيء إلا لحكمة، والحكمة: وضع الشيء في موضعه اللائق به، فأقروا، واعترفوا بعلم الله وحكمته، وقصورهم عن معرفة أدنى شيء، واعترافهم بفضل الله عليهم؛ وتعليمه إياهم ما لا يعلمون.

تفسير السعدي

عطاء دائم
04-01-20, 09:02 AM
تفسير


قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ(33)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (34) البقرة



فحينئذ قال الله: {يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} أي: أسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة؛ فعجزوا عنها، {فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} تبين للملائكة فضل آدم عليهم؛ وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة، {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وهو ما غاب عنا؛ فلم نشاهده، فإذا كان عالما بالغيب؛ فالشهادة من باب أولى، {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} أي: تظهرون {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}


ثم أمرهم تعالى بالسجود لآدم؛ إكراما له وتعظيما؛ وعبودية لله تعالى، فامتثلوا أمر الله؛ وبادروا كلهم بالسجود، {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى} امتنع عن السجود؛ واستكبر عن أمر الله وعلى آدم، قال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} وهذا الإباء منه والاستكبار؛ نتيجة الكفر الذي هو منطو عليه؛ فتبينت حينئذ عداوته لله ولآدم وكفره واستكباره. وفي هذه الآيات من العبر والآيات؛ إثبات الكلام لله تعالى؛ وأنه لم يزل متكلما؛ يقول ما شاء؛ ويتكلم بما شاء؛ وأنه عليم حكيم، وفيه أن العبد إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات فالوجب عليه؛ التسليم؛ واتهام عقله؛ والإقرار لله بالحكمة، وفيه اعتناء الله بشأن الملائكة؛ وإحسانه بهم؛ بتعليمهم ما جهلوا؛ وتنبيههم على ما لم يعلموه. وفيه فضيلة العلم من وجوه: منها: أن الله تعرف لملائكته؛ بعلمه وحكمته، ومنها: أن الله عرفهم فضل آدم بالعلم؛ وأنه أفضل صفة تكون في العبد، ومنها: أن الله أمرهم بالسجود لآدم؛ إكراما له؛ لما بان فضل علمه، ومنها: أن الامتحان للغير؛ إذا عجزوا عما امتحنوا به؛ ثم عرفه صاحب الفضيلة؛ فهو أكمل مما عرفه ابتداء، ومنها: الاعتبار بحال أبوي الإنس والجن؛ وبيان فضل آدم؛ وأفضال الله عليه؛ وعداوة إبليس له؛ إلى غير ذلك من العبر.


تفسير السعدي

عطاء دائم
04-02-20, 07:03 AM
تفسير


وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) البقرة


لما خلق الله آدم وفضله؛ أتم نعمته عليه؛ بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها؛ ويستأنس بها؛ وأمرهما بسكنى الجنة؛ والأكل منها رغدا؛ أي: واسعا هنيئا، {حَيْثُ شِئْتُمَا} أي: من أصناف الثمار والفواكه؛ وقال الله له: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} نوع من أنواع شجر الجنة؛ الله أعلم بها، وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء [أو لحكمة غير معلومة لنا] {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} دل على أن النهي للتحريم؛ لأنه رتب عليه الظلم.


فلم يزل عدوهما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه؛ حتى أزلهما، أي: حملهما على الزلل بتزيينه. {وَقَاسَمَهُمَا} بالله {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} فاغترا به وأطاعاه؛ فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والرغد؛ وأهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة. {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} أي: آدم وذريته؛ أعداء لإبليس وذريته، ومن المعلوم أن العدو؛ يجد ويجتهد في ضرر عدوه وإيصال الشر إليه بكل طريق؛ وحرمانه الخير بكل طريق، ففي ضمن هذا، تحذير بني آدم من الشيطان كما قال تعالى {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} ثم ذكر منتهى الإهباط إلى الأرض، فقال: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} أي: مسكن وقرار، {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} انقضاء آجالكم، ثم تنتقلون منها للدار التي خلقتم لها، وخلقت لكم، ففيها أن مدة هذه الحياة، مؤقتة عارضة، ليست مسكنا حقيقيا، وإنما هي معبر يتزود منها لتلك الدار، ولا تعمر للاستقرار.



{فَتَلَقَّى آدَمُ} أي: تلقف وتلقن، وألهمه الله {مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} وهي قوله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} الآية، فاعترف بذنبه وسأل الله مغفرته {فَتَابَ} الله {عَلَيْهِ} ورحمه {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ} لمن تاب إليه وأناب. وتوبته نوعان: توفيقه أولا، ثم قبوله للتوبة إذا اجتمعت شروطها ثانيا. {الرَّحِيمِ} بعباده، ومن رحمته بهم، أن وفقهم للتوبة، وعفا عنهم وصفح.

تفسير السعدي

عطاء دائم
04-03-20, 07:11 AM
تفسير


﴿قُلنَا اهبِطوا مِنها جَميعًا فَإِمّا يَأتِيَنَّكُم مِنّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ﴾ [ 38] ﴿وَالَّذينَ كَفَروا وَكَذَّبوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصحابُ النّارِ هُم فيها خالِدونَ﴾ [39]



قلنا لهم: انزلوا جميعًا من الجنة إلى الأرض، فإن جاءتكم هداية على أيدي رسلي، فمن اتبعها وآمن برسلي فلا خوف عليهم في الآخرة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا.


كرر الإهباط، ليرتب عليه ما ذكر وهو قوله: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى} أي: أيَّ وقت وزمان جاءكم مني -يا معشر الثقلين- هدى، أي: رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني، ويدنيكم مني؛ ويدنيكم من رضائي، {فمن تبع هداي} منكم، بأن آمن برسلي وكتبي، واهتدى بهم، وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب، والامتثال للأمر والاجتناب للنهي، {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وفي الآية الأخرى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء: نفي الخوف والحزن والفرق بينهما، أن المكروه إن كان قد مضى، أحدث الحزن، وإن كان منتظرا، أحدث الخوف، فنفاهما عمن اتبع هداه وإذا انتفيا، حصل ضدهما، وهو الأمن التام، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه وإذا انتفيا ثبت ضدهما، وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه، حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى، وانتفى عنه كل مكروه، من الخوف، والحزن، والضلال، والشقاء، فحصل له المرغوب، واندفع عنه المرهوب، وهذا عكس من لم يتبع هداه، فكفر به، وكذب بآياته. فـ {أولئك أصحاب النار} أي: الملازمون لها، ملازمة الصاحب لصاحبه، والغريم لغريمه، {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} لا يخرجون منها، ولا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينصرون. وفي هذه الآيات وما أشبهها، انقسام الخلق من الجن والإنس، إلى أهل السعادة، وأهل الشقاوة، وفيها صفات الفريقين والأعمال الموجبة لذلك، وأن الجن كالإنس في الثواب والعقاب، كما أنهم مثلهم، في الأمر والنهي.

تفسير السعدي

عطاء دائم
04-04-20, 08:50 AM
تفسير

﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ إِنّا لا نُضيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف : ٣٠]

ثم ذكر الفريق الثاني فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي: جمعوا بين الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وعمل الصالحات من الواجبات والمستحبات {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} وإحسان العمل: أن يريد العبد العمل لوجه الله، متبعا في ذلك شرع الله. فهذا العمل لا يضيعه الله، ولا شيئا منه، بل يحفظه للعاملين، ويوفيهم من الأجر، بحسب عملهم وفضله وإحسانه

تفسير السعدي

عطاء دائم
04-05-20, 06:57 AM
تفسير



يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)
وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) البقرة


{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} المراد بإسرائيل: يعقوب عليه السلام، والخطاب مع فرق بني إسرائيل، الذين بالمدينة وما حولها، ويدخل فيهم من أتى من بعدهم، فأمرهم بأمر عام، فقال: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها، والمراد بذكرها بالقلب اعترافا، وباللسان ثناء، وبالجوارح باستعمالها فيما يحبه ويرضيه. {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} وهو ما عهده إليهم من الإيمان به، وبرسله وإقامة شرعه. {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} وهو المجازاة على ذلك. والمراد بذلك: ما ذكره الله في قوله: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ [وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي]} إلى قوله: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} ثم أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده، وهو الرهبة منه تعالى، وخشيته وحده، فإن مَنْ خشِيَه أوجبت له خشيته امتثال أمره واجتناب نهيه.


ثم أمرهم بالأمر الخاص، الذي لا يتم إيمانهم، ولا يصح إلا به فقال: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ} وهو القرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بالإيمان به، واتباعه، ويستلزم ذلك، الإيمان بمن أنزل عليه، وذكر الداعي لإيمانهم به، فقال: {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} أي: موافقا له لا مخالفا ولا مناقضا، فإذا كان موافقا لما معكم من الكتب، غير مخالف لها؛ فلا مانع لكم من الإيمان به، لأنه جاء بما جاءت به المرسلون، فأنتم أولى من آمن به وصدق به، لكونكم أهل الكتب والعلم. وأيضا فإن في قوله: {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} إشارة إلى أنكم إن لم تؤمنوا به، عاد ذلك عليكم، بتكذيب ما معكم، لأن ما جاء به هو الذي جاء به موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء، فتكذيبكم له تكذيب لما معكم. وأيضا، فإن في الكتب التي بأيدكم، صفة هذا النبي الذي جاء بهذا القرآن والبشارة به، فإن لم تؤمنوا به، كذبتم ببعض ما أنزل إليكم، ومن كذب ببعض ما أنزل إليه، فقد كذب بجميعه، كما أن من كفر برسول، فقد كذب الرسل جميعهم. فلما أمرهم بالإيمان به، نهاهم وحذرهم من ضده وهو الكفر به فقال: {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} أي: بالرسول والقرآن. وفي قوله: {أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} أبلغ من قوله: {ولا تكفروا به} لأنهم إذا كانوا أول كافر به، كان فيه مبادرتهم إلى الكفر به، عكس ما ينبغي منهم، وصار عليهم إثمهم وإثم من اقتدى بهم من بعدهم. ثم ذكر المانع لهم من الإيمان، وهو اختيار العرض الأدنى على السعادة الأبدية، فقال: {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} وهو ما يحصل لهم من المناصب والمآكل، التي يتوهمون انقطاعها، إن آمنوا بالله ورسوله، فاشتروها بآيات الله واستحبوها، وآثروها. {وَإِيَّايَ} أي: لا غيري {فَاتَّقُونِ} فإنكم إذا اتقيتم الله وحده، أوجبت لكم تقواه، تقديم الإيمان بآياته على الثمن القليل، كما أنكم إذا اخترتم الثمن القليل، فهو دليل على ترحل التقوى من قلوبكم.

تفسير السعدي

عطاء دائم
04-06-20, 07:35 AM
تفسير



﴿وَلا تَلبِسُوا الحَقَّ بِالباطِلِ وَتَكتُمُوا الحَقَّ وَأَنتُم تَعلَمونَ﴾ ﴿وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاركَعوا مَعَ الرّاكِعينَ﴾ [البقرة :٤٢ ، ٤٣]

ثم قال: {وَلَا تَلْبِسُوا} أي: تخلطوا {الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} فنهاهم عن شيئين، عن خلط الحق بالباطل، وكتمان الحق؛ لأن المقصود من أهل الكتب والعلم، تمييز الحق، وإظهار الحق، ليهتدي بذلك المهتدون، ويرجع الضالون، وتقوم الحجة على المعاندين؛ لأن الله فصل آياته وأوضح بيناته، ليميز الحق من الباطل، ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين، فمن عمل بهذا من أهل العلم، فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم. ومن لبس الحق بالباطل، فلم يميز هذا من هذا، مع علمه بذلك، وكتم الحق الذي يعلمه، وأمر بإظهاره، فهو من دعاة جهنم، لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم، فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين.

ثم قال: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} أي: ظاهرا وباطنا {وَآتُوا الزَّكَاةَ} مستحقيها، {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} أي: صلوا مع المصلين، فإنكم إذا فعلتم ذلك مع الإيمان برسل الله وآيات الله، فقد جمعتم بين الأعمال الظاهرة والباطنة، وبين الإخلاص للمعبود، والإحسان إلى عبيده، وبين العبادات القلبية البدنية والمالية. وقوله: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} أي: صلوا مع المصلين، ففيه الأمر بالجماعة للصلاة ووجوبها، وفيه أن الركوع ركن من أركان الصلاة لأنه عبّر عن الصلاة بالركوع، والتعبير عن العبادة بجزئها يدل على فرضيته فيها.


تفسير السعدي

عطاء دائم
04-07-20, 07:37 AM
تفسير



{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}

لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان,
وفيه تنشيط لهذه الأمة بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال،
والمسارعة إلى صالح الخصال،
وأنه ليس من الأمور الثقيلة التي اختصيتم بها.

(السعدي: 86.)

سمر ..
04-08-20, 02:55 AM
جزاك الله خير

عطاء دائم
04-09-20, 07:17 AM
جزاك الله خير

واياكِ يا رب خير الجزاء

عطاء دائم
04-09-20, 07:18 AM
تفسير



﴿أَيّامًا مَعدوداتٍ فَمَن كانَ مِنكُم مَريضًا أَو عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذينَ يُطيقونَهُ فِديَةٌ طَعامُ مِسكينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيرًا فَهُوَ خَيرٌ لَهُ وَأَن تَصوموا خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمونَ﴾ [البقرة : ١٨٤ ]


ولما ذكر أنه فرض عليهم الصيام، أخبر أنه أيام معدودات، أي: قليلة في غاية السهولة. ثم سهل تسهيلا آخر. فقال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وذلك للمشقة، في الغالب، رخص الله لهما، في الفطر. ولما كان لا بد من حصول مصلحة الصيام لكل مؤمن، أمرهما أن يقضياه في أيام أخر إذا زال المرض، وانقضى السفر، وحصلت الراحة. وفي قوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ} فيه دليل على أنه يقضي عدد أيام رمضان، كاملا كان، أو ناقصا، وعلى أنه يجوز أن يقضي أياما قصيرة باردة، عن أيام طويلة حارة كالعكس. وقوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} أي: يطيقون الصيام {فِدْيَةٌ} عن كل يوم يفطرونه {طَعَامُ مِسْكِينٍ} وهذا في ابتداء فرض الصيام، لما كانوا غير معتادين للصيام، وكان فرضه حتما، فيه مشقة عليهم، درجهم الرب الحكيم، بأسهل طريق، وخيَّر المطيق للصوم بين أن يصوم، وهو أفضل، أو يطعم، ولهذا قال: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ثم بعد ذلك، جعل الصيام حتما على المطيق وغير المطيق، يفطر ويقضيه في أيام أخر [وقيل: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} أي: يتكلفونه، ويشق عليهم مشقة غير محتملة، كالشيخ الكبير، فدية عن كل يوم مسكين وهذا هو الصحيح]

تفسير السعدي

عطاء دائم
04-11-20, 08:54 AM
تفسير


﴿أُولئِكَ لَهُم جَنّاتُ عَدنٍ تَجري مِن تَحتِهِمُ الأَنهارُ يُحَلَّونَ فيها مِن أَساوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلبَسونَ ثِيابًا خُضرًا مِن سُندُسٍ وَإِستَبرَقٍ مُتَّكِئينَ فيها عَلَى الأَرائِكِ نِعمَ الثَّوابُ وَحَسُنَت مُرتَفَقًا﴾
[الكهف : ٣١]


أي: أولئك الموصوفون بالإيمان والعمل الصالح، لهم الجنات العاليات التي قد كثرت أشجارها، فأجنت من فيها، وكثرت أنهارها، فصارت تجري من تحت تلك الأشجار الأنيقة، والمنازل الرفيعة، وحليتهم فيها الذهب، ولباسهم فيها الحرير الأخضر من السندس، وهو الغليظ من الديباج، والإستبرق، وهو ما رق منه. متكئين فيها على الأرائك، وهي السرر المزينة، المجملة بالثياب الفاخرة فإنها لا تسمى أريكة حتى تكون كذلك، وفي اتكائهم على الأرائك، ما يدل على كمال الراحة، وزوال النصب والتعب، وكون الخدم يسعون عليهم بما يشتهون، وتمام ذلك الخلود الدائم والإقامة الأبدية، فهذه الدار الجليلة {نِعْمَ الثَّوَابُ} للعاملين {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} يرتفقون بها، ويتمتعون بما فيها، مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، من الحبرة والسرور، والفرح الدائم، واللذات المتواترة، والنعم المتوافرة، وأي مرتفق أحسن من دار، أدنى أهلها، يسير في ملكه ونعيمه وقصوره وبساتينه ألفي سنة، ولا يرى فوق ما هو فيه من النعيم، قد أعطى جميع أمانيه ومطالبه، وزيد من المطالب، ما قصرت عنه الأماني، ومع ذلك، فنعيمهم على الدوام متزايد في أوصافه وحسنه، فنسأل الله الكريم، أن لا يحرمنا خير ما عنده من الإحسان، بشر ما عندنا من التقصير والعصيان.
ودلت الآية الكريمة وما أشبهها، على أن الحلية، عامة للذكور والإناث، كما ورد في الأحاديث الصحيحة لأنه أطلقها في قوله {يُحَلَّوْنَ} وكذلك الحرير ونحوه.

تفسير السعدي

عطاء دائم
04-16-20, 07:37 AM
قال تعالى:

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ( ١٨٧) البقرة



(وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) في إباحته تعالى جواز الأكل إلى طلوع الفجر دليل على استحباب السحور؛ لأنه من باب الرخصة والأخذ بها محبوب، ولهذا وردت السنة الثابتة بالحث عليه.

ابن كثير

عطاء دائم
04-18-20, 08:16 AM
تفسير



﴿وَاضرِب لَهُم مَثَلًا رَجُلَينِ جَعَلنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَينِ مِن أَعنابٍ وَحَفَفناهُما بِنَخلٍ وَجَعَلنا بَينَهُما زَرعًا﴾ [الكهف : ٣٢ ]
﴿كِلتَا الجَنَّتَينِ آتَت أُكُلَها وَلَم تَظلِم مِنهُ شَيئًا وَفَجَّرنا خِلالَهُما نَهَرًا﴾ [الكهف :٣٣]




ولما بيَّن سبحانه جزاء الظالمين وجزاء المؤمنين ضرب مثلاً لهما، فقال: واضرب - أيها الرسول - مثلاً لرجلين: كافر ومؤمن، جعلنا للكافر منهما حديقتين، وأحطنا الحديقتين بنخل، وأنبتنا في الفارغ من مساحتهما زروعًا.


يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: اضرب للناس مثل هذين الرجلين، الشاكر لنعمة الله، والكافر لها، وما صدر من كل منهما، من الأقوال والأفعال، وما حصل بسبب ذلك من العقاب العاجل والآجل، والثواب، ليعتبروا بحالهما، ويتعظوا بما حصل عليهما، وليس معرفة أعيان الرجلين، وفي أي: زمان أو مكان هما فيه فائدة أو نتيجة، فالنتيجة تحصل من قصتهما فقط، والتعرض لما سوى ذلك من التكلف. فأحد هذين الرجلين الكافر لنعمة الله الجليلة، جعل الله له جنتين، أي: بستانين حسنين، من أعناب.
{وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} أي: في هاتين الجنتين من كل الثمرات، وخصوصا أشرف الأشجار، العنب والنخل، فالعنب في وسطها، والنخل قد حف بذلك، ودار به، فحصل فيه من حسن المنظر وبهائه، وبروز الشجر والنخل للشمس والرياح، التي تكمل بها الثمار، وتنضج وتتجوهر، ومع ذلك جعل بين تلك الأشجار زرعا، فلم يبق عليهما إلا أن يقال: كيف ثمار هاتين الجنتين؟ وهل لهما ماء يكفيهما؟ فأخبر تعالى أن كلا من الجنتين آتت أكلها، أي: ثمرها وزرعها ضعفين، أي: متضاعفا {و} أنها {لم تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} أي: لم تنقص من أكلها أدنى شيء، ومع ذلك، فالأنهار في جوانبهما سارحة، كثيرة غزيرة.
{وَكَانَ لَهُ} أي: لذلك الرجل {ثَمَرٌ} أي: عظيم كما يفيده التنكير، أي: قد استكملت جنتاه ثمارهما، وارجحنت أشجارهما، ولم تعرض لهما آفة أو نقص، فهذا غاية منتهى زينة الدنيا في الحرث، ولهذا اغتر هذا الرجل بهما، وتبجح وافتخر، ونسي آخرته.

تفسير السعدي

عطاء دائم
04-20-20, 08:08 AM
تفسير


وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (23)
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) البقرة


وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحة ما جاء به، فقال: {وإن كنتم} معشر المعاندين للرسول، الرادين دعوته، الزاعمين كذبه في شك واشتباه، مما نزلنا على عبدنا، هل هو حق أو غيره ؟ فهاهنا أمر نصف، فيه الفيصلة بينكم وبينه، وهو أنه بشر مثلكم، ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم، لا يكتب ولا يقرأ، فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله، وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه، فإن كان الأمر كما تقولون، فأتوا بسورة من مثله، واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم، فإن هذا أمر يسير عليكم، خصوصا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة، والعداوة العظيمة للرسول، فإن جئتم بسورة من مثله، فهو كما زعمتم، وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز، ولن تأتوا بسورة من مثله، ولكن هذا التقييم على وجه الإنصاف والتنزل معكم، فهذا آية كبرى، ودليل واضح [جلي] على صدقه وصدق ما جاء به، فيتعين عليكم اتباعه، واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة [والشدة]، أن كانت وقودها الناس والحجارة، ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد بالحطب، وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله. فاحذروا الكفر برسوله، بعد ما تبين لكم أنه رسول الله. وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات التحدي، وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قال تعالى {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} وكيف يقدر المخلوق من تراب، أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب؟ أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه، أن يأتي بكلام ككلام الكامل، الذي له الكمال المطلق، والغنى الواسع من كل الوجوه؟ هذا ليس في الإمكان، ولا في قدرة الإنسان، وكل من له أدنى ذوق ومعرفة [بأنواع] الكلام، إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء، ظهر له الفرق العظيم. وفي قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} إلى آخره، دليل على أن الذي يرجى له الهداية من الضلالة: [هو] الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلال، فهذا إذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق إن كان صادقا في طلب الحق. وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه، فهذا لا يمكن رجوعه، لأنه ترك الحق بعد ما تبين له، لم يتركه عن جهل، فلا حيلة فيه. وكذلك الشاك غير الصادق في طلب الحق، بل هو معرض غير مجتهد في طلبه، فهذا في الغالب أنه لا يوفق. وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم، دليل على أن أعظم أوصافه صلى الله عليه وسلم، قيامه بالعبودية، التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين والآخرين. كما وصفه بالعبودية في مقام الإسراء، فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} وفي مقام الإنزال، فقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} وفي قوله: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} ونحوها من الآيات، دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، أن الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة، وفيها أيضا، أن الموحدين وإن ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار، لأنه قال: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} فلو كان [عصاة الموحدين] يخلدون فيها، لم تكن معدة للكافرين وحدهم، خلافا للخوارج والمعتزلة. وفيها دلالة على أن العذاب مستحق بأسبابه، وهو الكفر، وأنواع المعاصي على اختلافها

تفسير السعدي

عطاء دائم
04-20-20, 08:09 AM
تفسير


﴿وَبَشِّرِ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ كُلَّما رُزِقوا مِنها مِن ثَمَرَةٍ رِزقًا قالوا هذَا الَّذي رُزِقنا مِن قَبلُ وَأُتوا بِهِ مُتَشابِهًا وَلَهُم فيها أَزواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُم فيها خالِدونَ﴾ [ البقرة : ٢٥ ]


لما ذكر جزاء الكافرين، ذكر جزاء المؤمنين، أهل الأعمال الصالحات، على طريقته تعالى في القرآن يجمع بين الترغيب والترهيب، ليكون العبد راغبا راهبا، خائفا راجيا فقال: {وَبَشِّرِ} أي: [يا أيها الرسول ومن قام مقامه] {الَّذِينَ آمَنُوا} بقلوبهم {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بجوارحهم، فصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة. ووصفت أعمال الخير بالصالحات، لأن بها تصلح أحوال العبد، وأمور دينه ودنياه، وحياته الدنيوية والأخروية، ويزول بها عنه فساد الأحوال، فيكون بذلك من الصالحين، الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته. فبشرهم {أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} أي: بساتين جامعة من الأشجار العجيبة، والثمار الأنيقة، والظل المديد، [والأغصان والأفنان وبذلك] صارت جنة يجتن بها داخلها، وينعم فيها ساكنها. {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أي: أنهار الماء، واللبن، والعسل، والخمر، يفجرونها كيف شاءوا، ويصرفونها أين أرادوا، وتشرب منها تلك الأشجار فتنبت أصناف الثمار. {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} أي: هذا من جنسه، وعلى وصفه، كلها متشابهة في الحسن واللذة، ليس فيها ثمرة خاصة، وليس لهم وقت خال من اللذة، فهم دائما متلذذون بأكلها. وقوله: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} قيل: متشابها في الاسم، مختلف الطعوم وقيل: متشابها في اللون، مختلفا في الاسم، وقيل: يشبه بعضه بعضا، في الحسن، واللذة، والفكاهة، ولعل هذا الصحيح ثم لما ذكر مسكنهم، وأقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم، ذكر أزواجهم، فوصفهن بأكمل وصف وأوجزه، وأوضحه فقال: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} فلم يقل " مطهرة من العيب الفلاني " ليشمل جميع أنواع التطهير، فهن مطهرات الأخلاق، مطهرات الخلق، مطهرات اللسان، مطهرات الأبصار، فأخلاقهن، أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن، وحسن التبعل، والأدب القولي والفعلي، ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني، والبول والغائط، والمخاط والبصاق، والرائحة الكريهة، ومطهرات الخلق أيضا، بكمال الجمال، فليس فيهن عيب، ولا دمامة خلق، بل هن خيرات حسان، مطهرات اللسان والطرف، قاصرات طرفهن على أزواجهن، وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح. ففي هذه الآية الكريمة، ذكر المبشِّر والمبشَّر، والمبشَّرُ به، والسبب الموصل لهذه البشارة، فالمبشِّر: هو الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من أمته، والمبشَّر: هم المؤمنون العاملون الصالحات، والمبشَّر به: هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات، والسبب الموصل لذلك، هو الإيمان والعمل الصالح، فلا سبيل إلى الوصول إلى هذه البشارة، إلا بهما، وهذا أعظم بشارة حاصلة، على يد أفضل الخلق، بأفضل الأسباب. وفيه استحباب بشارة المؤمنين، وتنشيطهم على الأعمال بذكر جزائها [وثمراتها]، فإنها بذلك تخف وتسهل، وأعظم بشرى حاصلة للإنسان، توفيقه للإيمان والعمل الصالح، فذلك أول البشارة وأصلها، ومن بعده البشرى عند الموت، ومن بعده الوصول إلى هذا النعيم المقيم، نسأل الله أن يجعلنا منهم


تفسير السعدي

قيثارة
04-20-20, 05:42 PM
جزاكِ الله خيراً ع عطائكِ المستمر
وجعاها في ميزان حسناتكِ بأذن الله

عطاء دائم
04-20-20, 06:15 PM
جزاكِ الله خيراً ع عطائكِ المستمر
وجعاها في ميزان حسناتكِ بأذن الله

يا رب اجمعين اختي الغالية
ربي يحفظك
:81:

عطاء دائم
04-21-20, 07:59 AM
تفسير

{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}
﴿أُولئِكَ المُقَرَّبونَ﴾
﴿في جَنّاتِ النَّعيمِ﴾

أي: السابقون في الدنيا إلى الخيرات، هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات.
أولئك الذين هذا وصفهم، المقربون عند الله، في جنات النعيم، في أعلى عليين، في المنازل العاليات، التي لا منزلة فوقها.


تفسير السعدي

عطاء دائم
04-22-20, 08:05 AM
تفسير


﴿سابِقوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُها كَعَرضِ السَّماءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذينَ آمَنوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتيهِ مَن يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظيمِ﴾ [الحديد : ٢١]


ثم أمر بالمسابقة إلى مغفرة الله ورضوانه وجنته، وذلك يكون بالسعي بأسباب المغفرة، من التوبة النصوح، والاستغفار النافع، والبعد عن الذنوب ومظانها، والمسابقة إلى رضوان الله بالعمل الصالح، والحرص على ما يرضي الله على الدوام، من الإحسان في عبادة الخالق، والإحسان إلى الخلق بجميع وجوه النفع، ولهذا ذكر الله الأعمال الموجبة لذلك، فقال: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ} والإيمان بالله ورسله يدخل فيه أصول الدين وفروعها، {ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} أي: هذا الذي بيناه لكم، وذكرنا لكم فيه الطرق الموصلة إلى الجنة، والطرق الموصلة إلى النار، وأن فضل الله بالثواب الجزيل والأجر العظيم من أعظم منته على عباده وفضله. {وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} الذي لا يحصي ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده

تفسير السعدي

سمر ..
04-24-20, 10:29 PM
جزاك الله خير

عطاء دائم
06-10-20, 08:00 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ
مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ۖ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ}
[سورة الروم :43]

أي: أقبل بقلبك وتوجه بوجهك واسع ببدنك
لإقامة الدين القيم المستقيم، فنفذ أوامره ونواهيه
بجد واجتهاد وقم بوظائفه الظاهرة والباطنة.

وبادر زمانك وحياتك وشبابك،
{ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ }
وهو يوم القيامة الذي إذا جاء لا يمكن رده
ولا يرجأ العاملون أن يستأنفوا العمل بل فرغ من
الأعمال لم يبق إلا جزاء العمال.

{ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } أي: يتفرقون عن ذلك اليوم
ويصدرون أشتاتا متفاوتين لِيُرَوْا أعمالهم.

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
06-10-20, 08:03 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ

وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ

ذلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}

[الانفال : 50 - 51]

يقول تعالى‏:‏
ولو ترى الذين كفروا بآيات اللّه حين توفاهم الملائكة
الموكلون بقبض أرواحهم وقد اشتد بهم القلق وعظم كربهم

و‏{‏الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ‏}‏
يقولون لهم‏:‏ أخرجوا أنفسكم، ونفوسهم متمنعة
مستعصية على الخروج، لعلمها ما أمامها من العذاب الأليم‏.‏

ولهذا قال‏:‏ ‏
{‏وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيق}
أي‏:‏ العذاب الشديد المحرق

ذلك العذاب حصل لكم، غير ظلم ولا جور من ربكم
وإنما هو بما قدمت أيديكم من المعاصي
التي أثرت لكم ما أثرت

وهذه سنة اللّه في الأولين والآخرين
فإن دأب هؤلاء المكذبين
أي‏:‏ سنتهم وما أجرى اللّه عليهم
من الهلاك بذنوبهم‏ ‏

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
06-12-20, 08:56 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ

إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}

[سورة المائـدة :105]

يقول تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ }
أي: اجتهدوا في إصلاحها وكمالها
وإلزامها سلوك الصراط المستقيم

فإنكم إذا صلحتم لا يضركم من ضل عن الصراط المستقيم
ولم يهتد إلى الدين القويم، وإنما يضر نفسه.

ولا يدل هذا على أن الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، لا يضر العبدَ تركُهما وإهمالُهما
فإنه لا يتم هداه, إلا بالإتيان بما يجب عليه
من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

نعم، إذا كان عاجزا عن إنكار المنكر بيده ولسانه
وأنكره بقلبه، فإنه لا يضره ضلال غيره. وقوله:

{ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا }
أي: مآلكم يوم القيامة
واجتماعكم بين يدي الله تعالى.

{ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } من خير وشر.

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

اللواء الأبيض
06-12-20, 04:12 PM
جزاك الله خيرا

عطاء دائم
06-13-20, 09:15 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ

أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ

فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}

[سورة البقرة: 186]

هذا جواب سؤال، سأل النبي صلى الله عليه وسلم
بعض أصحابه فقالوا:
يا رسول الله, أقريب ربنا فنناجيه, أم بعيد فنناديه؟

فنزل: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } لأنه تعالى
الرقيب الشهيد, المطلع على السر وأخفى
يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور

فهو قريب أيضا من داعيه, بالإجابة، ولهذا قال:
{ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }

والدعاء نوعان:
دعاء عبادة, ودعاء مسألة.

والقرب نوعان: قرب بعلمه من كل خلقه
وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق.

فمن دعا ربه بقلب حاضر, ودعاء مشروع
ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء, كأكل الحرام ونحوه
فإن الله قد وعده بالإجابة
وخصوصا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء

وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره
ونواهيه القولية والفعلية, والإيمان به
الموجب للاستجابة، فلهذا قال:

{ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }
أي: يحصل لهم الرشد
الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة, ويزول عنهم
الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة.

ولأن الإيمان بالله والاستجابة لأمره
سبب لحصول العلم

كما قال تعالى:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
06-14-20, 08:53 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ

وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ

وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}

أي: إن يمددكم الله بنصره ومعونته
{ فلا غالب لكم }
فلو اجتمع عليكم من في أقطارها
وما عندهم من العدد والعُدد، لأن الله لا مغالب له
وقد قهر العباد وأخذ بنواصيهم، فلا تتحرك دابة إلا بإذنه
ولا تسكن إلا بإذنه.

{ وإن يخذلكم } ويكلكم إلى أنفسكم
{ فمن ذا الذي ينصركم من بعده }
فلا بد أن تنخذلوا ولو أعانكم جميع الخلق.

وفي ضمن ذلك الأمر بالاستنصار بالله والاعتماد عليه
والبراءة من الحول والقوة، ولهذا قال:

{ وعلى الله فليتوكل المؤمنون }
بتقديم المعمول يؤذن بالحصر
أي: على الله توكلوا لا على غيره
لأنه قد علم أنه هو الناصر وحده، فالاعتماد عليه
توحيد محصل للمقصود، والاعتماد على غيره شرك غير نافع لصاحبه، بل ضار.

وفي هذه الآية الأمر بالتوكل على الله وحده
وأنه بحسب إيمان العبد يكون توكله.

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
06-15-20, 09:33 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذلِكَ ۖ

فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ}

[سورة البقرة :64]

فبعد هذا التأكيد البليغ
{ تَوَلَّيْتُمْ } وأعرضتم
وكان ذلك موجبا لأن يحل بكم أعظم العقوبات
ولكن

{ لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ }

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
06-16-20, 08:41 AM
تفسير

قــال تــعــالــى

{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ}
[سورة الطور :48]

ولما بين تعالى الحجج والبراهين على بطلان أقوال المكذبين
أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يعبأ بهم شيئا
وأن يصبر لحكم ربه القدري والشرعي بلزومه والاستقامة عليه
ووعده الله بالكفاية بقوله:

{ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا }
أي: بمرأى منا وحفظ، واعتناء بأمرك

وأمره أن يستعين على الصبر بالذكر والعبادة، فقال:
{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } أي: من الليل.

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
06-17-20, 08:32 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ ۖ

وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}

[سورة القصص:70]

وأنه هو الحاكم في الدارين، في الدنيا، بالحكم القدري
الذي أثره جميع ما خلق وذرأ
والحكم الديني، الذي أثره جميع الشرائع
والأوامر والنواهي.

وفي الآخرة يحكم بحكمه القدري والجزائي
ولهذا قال: { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

فيجازي كلا منكم بعمله، من خير وشر.

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
06-19-20, 07:54 AM
تفسير

قــال تــعــالــى

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

[ سورة الأحزاب 56]

وهذا فيه تنبيه
على كمال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
ورفعة درجته، وعلو منزلته عند اللّه
وعند خلقه، ورفع ذكره.

و { إِنَّ اللَّهَ } تعالى { وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ } عليه
أي: يثني اللّه عليه بين الملائكة
وفي الملأ الأعلى، لمحبته تعالى له
وتثني عليه الملائكة المقربون
ويدعون له ويتضرعون.

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
اقتداء باللّه وملائكته
وجزاء له على بعض حقوقه عليكم
وتكميلاً لإيمانكم، وتعظيمًا له صلى اللّه عليه وسلم
ومحبة وإكرامًا، وزيادة في حسناتكم
وتكفيرًا من سيئاتكم
وأفضل هيئات الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام
ما علم به أصحابه:

"اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد
كما صليت على آل إبراهيم
إنك حميد مجيد
وبارك على محمد وعلى آل محمد
كما باركت على آل إبراهيم
إنك حميد مجيد"

وهذا الأمر بالصلاة والسلام عليه
مشروع في جميع الأوقات
وأوجبه كثير من العلماء في الصلاة

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
06-22-20, 08:16 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا}

[سورة الأحزاب :47]

وقوله: { وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا }

ذكر في هذه الجملة، المبشَّر، وهم المؤمنون
وعند ذكر الإيمان بمفرده، تدخل فيه الأعمال الصالحة.

وذكر المبشَّر به، وهو الفضل الكبير
أي: العظيم الجليل، الذي لا يقادر قدره
من النصر في الدنيا، وهداية القلوب، وغفران الذنوب
وكشف الكروب، وكثرة الأرزاق الدَّارَّة، وحصول النعم السارة
والفوز برضا ربهم وثوابه، والنجاة من سخطه وعقابه.

وهذا مما ينشط العاملين، أن يذكر لهم
من ثواب اللّه على أعمالهم ما به يستعينون
على سلوك الصراط المستقيم

وهذا من جملة حكم الشرع، كما أن من حكمه
أن يذكر في مقام الترهيب، العقوبات المترتبة
على ما يرهب منه، ليكون عونًا على الكف عما حرم اللّه.

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
06-23-20, 07:24 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا

وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا }

[سورة نوح :28]

{ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا }

خص المذكورين لتأكد حقهم وتقديم برهم

ثم عمم الدعاء

فقال: { وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا }

أي: خسارا ودمارا وهلاكا.

تم تفسير سورة نوح عليه السلام [والحمد لله]

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
06-24-20, 08:37 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ

نهى الله تعالى عن كثير من الظن السوء بالمؤمنين، فـ { إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } وذلك، كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة، وكظن السوء، الذي يقترن به كثير من الأقوال، والأفعال المحرمة، فإن بقاء ظن السوء بالقلب، لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به، حتى يقول ما لا ينبغي، ويفعل ما لا ينبغي، وفي ذلك أيضًا، إساءة الظن بالمسلم، وبغضه، وعداوته المأمور بخلاف ذلك منه.

{ وَلَا تَجَسَّسُوا } أي: لا تفتشوا عن عورات المسلمين، ولا تتبعوها، واتركوا المسلم على حاله، واستعملوا التغافل عن أحواله التي إذا فتشت، ظهر منها ما لا ينبغي.

{ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا } والغيبة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: { ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه }

ثم ذكر مثلاً منفرًا عن الغيبة، فقال: { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } شبه أكل لحمه ميتًا، المكروه للنفوس [غاية الكراهة]، باغتيابه، فكما أنكم تكرهون أكل لحمه، وخصوصًا إذا كان ميتًا، فاقد الروح، فكذلك، [فلتكرهوا] غيبته، وأكل لحمه حيًا.

{ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ } والتواب، الذي يأذن بتوبة عبده، فيوفقه لها، ثم يتوب عليه، بقبول توبته، رحيم بعباده، حيث دعاهم إلى ما ينفعهم، وقبل منهم التوبة، وفي هذه الآية، دليل على التحذير الشديد من الغيبة، وأن الغيبة من الكبائر، لأن الله شبهها بأكل لحم الميت، وذلك من الكبائر.

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
06-26-20, 09:03 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً (23)
إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ
وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً}

[الكهف: 23-24]

هذا النهي كغيره
وإن كان لسبب خاص وموجها للرسول صل الله عليه وسلم
فإن الخطاب عام للمكلفين

فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة
{ إني فاعل ذلك } من دون أن يقرنه بمشيئة الله

وذلك لما فيه من المحذور، وهو:
الكلام على الغيب المستقبل، الذي لا يدري، هل يفعله أم لا؟
وهل تكون أم لا؟

وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا، وذلك محذور محظور
لأن المشيئة كلها لله { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين }

ولما في ذكر مشيئة الله، من تيسير الأمر وتسهيله
وحصول البركة فيه، والاستعانة من العبد لربه

ولما كان العبد بشرا، لا بد أن يسهو فيترك ذكر المشيئة
أمره الله أن يستثني بعد ذلك، إذا ذكر، ليحصل المطلوب
وينفع المحذور، ويؤخذ من عموم قوله: { وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ }

الأمر بذكر الله عند النسيان، فإنه يزيله
ويذكر العبد ما سها عنه

وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله
أن يذكر ربه، ولا يكونن من الغافلين

ولما كان العبد مفتقرا إلى الله في توفيقه للإصابة
وعدم الخطأ في أقواله وأفعاله، أمره الله أن يقول:

{ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا }
فأمره أن يدعو الله ويرجوه، ويثق به أن يهديه
لأقرب الطرق الموصلة إلى الرشد. وحري بعبد
تكون هذه حاله، ثم يبذل جهده
ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرشد
أن يوفق لذلك، وأن تأتيه المعونة من ربه
وأن يسدده في جميع أموره.

[تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
06-27-20, 07:14 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}
[سورة هود :90]

{ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ْ} عما اقترفتم من الذنوب
{ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ْ} فيما يستقبل من أعماركم، بالتوبة النصوح
والإنابة إليه بطاعته، وترك مخالفته.

{ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ْ} لمن تاب وأناب
يرحمه فيغفر له، ويتقبل توبته ويحبه

ومعنى الودود، من أسمائه تعالى
أنه يحب عباده المؤمنين ويحبونه
فهو "فعول" بمعنى "فاعل" وبمعنى "مفعول"

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
06-29-20, 07:05 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ

رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ}

[سورة آل عمران : 193]

( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان )
وهو محمد صلى الله عليه وسلم
أي: يدعو الناس إليه، ويرغبهم فيه
في أصوله وفروعه.

( فآمنا ) أي: أجبناه مبادرة، وسارعنا إليه
وفي هذا إخبار منهم بمنة الله عليهم، وتبجح بنعمته
وتوسل إليه بذلك، أن يغفر ذنوبهم ويكفر سيئاتهم

لأن الحسنات يذهبن السيئات
والذي من عليهم بالإيمان، سيمن عليهم بالأمان التام.

( وتوفنا مع الأبرار )
يتضمن هذا الدعاء التوفيق لفعل الخير، وترك الشر
الذي به يكون العبد من الأبرار، والاستمرار عليه
والثبات إلى الممات.

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
06-30-20, 08:37 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ

وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ

مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا *

وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ

إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}

[سورة الطلاق 2 -3]

{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي: إذا قاربن انقضاء العدة، لأنهن لو خرجن من العدة، لم يكن الزوج مخيرًا بين الإمساك والفراق. { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أي: على وجه المعاشرة [الحسنة]، والصحبة الجميلة، لا على وجه الضرار، وإرادة الشر والحبس، فإن إمساكها على هذا الوجه، لا يجوز، { أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أي: فراقًا لا محذور فيه، من غير تشاتم ولا تخاصم، ولا قهر لها على أخذ شيء من مالها.

{ وَأَشْهِدُوا } على طلاقها ورجعتها { ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } أي: رجلين مسلمين عدلين، لأن في الإشهاد المذكور، سدًا لباب المخاصمة، وكتمان كل منهما ما يلزمه بيانه.

{ وَأَقِيمُوا } أيها الشهداء { الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } أي: ائتوا بها على وجهها، من غير زيادة ولا نقص، واقصدوا بإقامتها وجه الله وحده ولا تراعوا بها قريبًا لقرابته، ولا صاحبًا لمحبته، { ذَلِكُمْ } الذي ذكرنا لكم من الأحكام والحدود { يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } فإن من يؤمن بالله، واليوم الآخر، يوجب له ذلك أن يتعظ بمواعظ الله، وأن يقدم لآخرته من الأعمال الصالحة، ما يتمكن منها، بخلاف من ترحل الإيمان عن قلبه، فإنه لا يبالي بما أقدم عليه من الشر، ولا يعظم مواعظ الله لعدم الموجب لذلك، ولما كان الطلاق قد يوقع في الضيق والكرب والغم، أمر تعالى بتقواه، وأن من اتقاه في الطلاق وغيره فإن الله يجعل له فرجًا ومخرجًا.

فإذا أراد العبد الطلاق، ففعله على الوجه الشرعي، بأن أوقعه طلقة واحدة، في غير حيض ولا طهر قد وطئ فيه فإنه لا يضيق عليه الأمر، بل جعل الله له فرجًا وسعة يتمكن بها من مراجعة النكاح إذا ندم على الطلاق، والآية، وإن كانت في سياق الطلاق والرجعة، فإن العبرة بعموم اللفظ، فكل من اتقى الله تعالى، ولازم مرضاة الله في جميع أحواله، فإن الله يثيبه في الدنيا والآخرة.

ومن جملة ثوابه أن يجعل له فرجًا ومخرجًا من كل شدة ومشقة، وكما أن من اتقى الله جعل له فرجًا ومخرجًا، فمن لم يتق الله، وقع في الشدائد والآصار والأغلال، التي لا يقدر على التخلص منها والخروج من تبعتها، واعتبر ذلك بالطلاق، فإن العبد إذا لم يتق الله فيه، بل أوقعه على الوجه المحرم، كالثلاث ونحوها، فإنه لا بد أن يندم ندامة لا يتمكن من استدراكها والخروج منها.

{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } أي: يسوق الله الرزق للمتقي، من وجه لا يحتسبه ولا يشعر به.

{ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } أي: في أمر دينه ودنياه، بأن يعتمد على الله في جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، ويثق به في تسهيل ذلك
{ فَهُوَ حَسْبُهُ } أي: كافيه الأمر الذي توكل عليه به، وإذا كان الأمر في كفالة الغني القوي [العزيز] الرحيم، فهو أقرب إلى العبد من كل شيء، ولكن ربما أن الحكمة الإلهية اقتضت تأخيره إلى الوقت المناسب له؛ فلهذا قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ } أي: لا بد من نفوذ قضائه وقدره، ولكنه { قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } أي: وقتًا ومقدارًا، لا يتعداه ولا يقصر عنه.

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
07-02-20, 08:45 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ

وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ

إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ}

[سورة التوبة :59]

‏{‏وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ‏}‏
أي‏:‏ أعطاهم من قليل وكثير‏.‏ ‏

{‏وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ‏}‏
أي‏:‏ كافينا اللّه، فنرضى بما قسمه لنا
وليؤملوا فضله وإحسانه إليهم بأن يقولوا‏:‏

‏{‏سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ‏}‏
أي‏:‏ متضرعون في جلب منافعنا، ودفع مضارنا
لسلموا من النفاق ولهدوا إلى الإيمان والأحوال العالية
ثم بين تعالى كيفية قسمة الصدقات الواجبة

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
07-03-20, 07:18 AM
قــال تــعــالــى :

{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ
وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}
[سورة الكهف : 46]

أن المال والبنين، زينة الحياة الدنيا
أي: ليس وراء ذلك شيء
وأن الذي يبقى للإنسان وينفعه ويسره
الباقيات الصالحات
وهذا يشمل جميع الطاعات الواجبة و
المستحبة من حقوق الله، وحقوق عباده، من صلاة
وزكاة، وصدقة، وحج، وعمرة، وتسبيح، وتحميد، وتهليل
وتكبير، وقراءة، وطلب علم نافع، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر وصلة رحم، وبر والدين، وقيام بحق الزوجات، والمماليك، والبهائم
وجميع وجوه الإحسان إلى الخلق

كل هذا من الباقيات الصالحات
فهذه خير عند الله ثوابا وخير أملا

فثوابها يبقى، ويتضاعف على الآباد
ويؤمل أجرها وبرها ونفعها عند الحاجة

فهذه التي ينبغي أن يتنافس بها المتنافسون
ويستبق إليها العاملون، ويجد في تحصيلها المجتهدون

وتأمل كيف لما ضرب الله مثل الدنيا وحالها واضمحلالها
ذكر أن الذي فيها نوعان:
نوع من زينتها، يتمتع به قليلا، ثم يزول بلا فائدة
تعود لصاحبه، بل ربما لحقته مضرته

وهو المال والبنون

ونوع يبقى وينفع صاحبه على الدوام
وهي الباقيات الصالحات.

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
07-04-20, 08:09 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا
كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }
[سورة الإسراء:24]

{ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ }

أي: تواضع لهما ذلا لهما ورحمة واحتسابا للأجر
لا لأجل الخوف منهما أو الرجاء لما لهما
ونحو ذلك من المقاصد التي لا يؤجر عليها العبد.

{ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا }

أي: ادع لهما بالرحمة أحياء وأمواتا
جزاء على تربيتهما إياك صغيرا.

وفهم من هذا أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحق
وكذلك من تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه
تربية صالحة غير الأبوين فإن له على من رباه حق التربية.

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
07-05-20, 08:23 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }
[سورة الذاريـات : 50]

فلما دعا العباد النظر
إلى لآياته الموجبة لخشيته والإنابة إليه
أمر بما هو المقصود من ذلك

وهو الفرار إليه
أي: الفرار مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا
إلى ما يحبه، ظاهرًا وباطنًا

فرار من الجهل إلى العلم
ومن الكفر إلى الإيمان
ومن المعصية إلى الطاعة
و من الغفلة إلى ذكر الله

فمن استكمل هذه الأمور
فقد استكمل الدين كله وقد زال عنه المرهوب
وحصل له، نهاية المراد والمطلوب.

وسمى الله الرجوع إليه، فرارَا
لأن في الرجوع لغيره، أنواع المخاوف والمكاره

وفي الرجوع إليه، أنواع المحاب والأمن، [والسرور]
والسعادة والفوز

فيفر العبد من قضائه وقدره، إلى قضائه وقدره
وكل من خفت منه فررت منه إلى الله تعالى
فإنه بحسب الخوف منه، يكون الفرار إليه

{ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ }
أي: منذر لكم من عذاب الله، ومخوف بين النذارة.

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
07-07-20, 06:55 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ

إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }

[سورة فاطر:6]

{الْغَرُورُ } الذي هو { الشَّيْطَانُ }
الذي هو عدوكم في الحقيقة

{ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا } أي: لتكن منكم عداوته على بال
ولا تهملوا محاربته كل وقت، فإنه يراكم وأنتم لا ترونه
وهو دائما لكم بالمرصاد.

{ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }
هذا غايته ومقصوده ممن تبعه
أن يهان غاية الإهانة بالعذاب الشديد.

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
07-08-20, 08:16 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38)

فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)}

[سورة النازعـات]

{ فَأَمَّا مَنْ طَغَى }
أي: جاوز الحد، بأن تجرأ على المعاصي الكبار
ولم يقتصر على ما حده الله.

{ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا }
على الآخرة فصار سعيه لها، ووقته مستغرقا
في حظوظها وشهواتها، ونسي الآخرة وترك العمل لها.

{ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى }
[له] أي: المقر والمسكن لمن هذه حاله

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
07-09-20, 08:15 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }

ذلك الشراب { خِتَامُهُ مِسْكٌ }
يحتمل أن المراد مختوم عن أن يداخله
شيء ينقص لذته، أو يفسد طعمه
وذلك الختام، الذي ختم به, مسك.

ويحتمل أن المراد أنه [الذي]

يكون في آخر الإناء، الذي يشربون منه الرحيق حثالة
وهي المسك الأذفر، فهذا الكدر منه
الذي جرت العادة في الدنيا أنه يراق
يكون في الجنة بهذه المثابة

{ وَفِي ذَلِكَ } النعيم المقيم
الذي لا يعلم حسنه ومقداره إلا الله

{ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }

أي: يتسابقوا في المبادرة إليه
بالأعمال الموصلة إليه
فهذا أولى ما بذلت فيه نفائس الأنفاس
وأحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال.

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
07-10-20, 08:45 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ

وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ

فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ

وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

[سورة البقرة :284]

هذا إخبار من الله أنه له ما في السماوات وما في الأرض
الجميع خلقهم ورزقهم ودبرهم لمصالحهم الدينية والدنيوية

فكانوا ملكا له وعبيدا، لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا
ولا موتا ولا حياة ولا نشورا
وهو ربهم ومالكهم الذي يتصرف فيهم بحكمته
وعدله وإحسانه، وقد أمرهم ونهاهم
وسيحاسبهم على ما أسروه وأعلنوه

{ فيغفر لمن يشاء }
وهو لمن أتى بأسباب المغفرة
ويعذب من يشاء بذنبه الذي لم يحصل له ما يكفره

{ والله على كل شيء قدير } لا يعجزه شيء
بل كل الخلق طوع قهره ومشيئته وتقديره وجزائه

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]

عطاء دائم
07-11-20, 08:26 AM
تفسير

قــال تــعــالــى :

{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ

عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ

وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ

وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}

[سورة يوسف :21]

أي: لما ذهب به السيارة إلى مصر وباعوه بها

فاشتراه عزيز مصر، فلما اشتراه، أعجب به
ووصى عليه امرأته وقال:

{ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا }
أي: إما أن ينفعنا كنفع العبيد بأنواع الخدم
وإما أن نستمتع فيه استمتاعنا بأولادنا
ولعل ذلك أنه لم يكن لهما ولد

{ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ }
أي: كما يسرنا له أن يشتريه عزيز مصر
ويكرمه هذا الإكرام، جعلنا هذا مقدمة لتمكينه
في الأرض من هذا الطريق.

{ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ }

إذا بقي لا شغل له ولا همَّ له سوى العلم
صار ذلك من أسباب تعلمه علما كثيرا، من علم الأحكام
وعلم التعبير، وغير ذلك.

{ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ }

أي: أمره تعالى نافذ، لا يبطله مبطل
ولا يغلبه مغالب

{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }

فلذلك يجري منهم ويصدر ما يصدر
في مغالبة أحكام الله القدرية، وهم أعجز وأضعف من ذلك.

📗 [تفسير السعدي رحمه الله]


SEO by vBSEO 3.6.1