مرجانة
06-14-15, 05:07 PM
أحدث قصة قصيرة بقلمي
بعنوان ::
،،،وتستمر الحياة،،،
كتبتها من شهر أو يزيد ، وتم نشرها أيضاً قبل نشرها هنا
أرجوا أن تنال على استحسانكم
=============
خرجَ من منزله بعد عزلة دامت شهراً ، خرج ونظر إلى السماء .. لم يرها منذ مدةٍ برحابتها في المدى
أخذ يجول بعينيه ، كان الضجيج يعم الشارع
وقع نظره على رجلٍ و امرأة يتوسطهما طفلٌ صغير يمسك بيدي أبويه يمشي ويقفز ويتمايل بسعادة ، ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة ، وعاد بهِ الحنين إلى طفلته التي لم تتجاوز الثالثة والنصف بعد ، تنهد ومشى بخطى متثاقلة وهو يعود بذاكرته لزوجته وطفلته اللتين فقدهما ، فقدهما إثر حادث مروري أليم ، تضرر هو .. لكن زوجته وطفلته فقدا عمرهما
أحس بقلبه يعتصر حزناً وبدمعتان ساخنتان تتسللان إلى مقلتيه ، مسح بإصبعيه على عينيه متمالكاً نفسه ، وأخذ نفساً وهو يحث الخطى مسرعاً دون وجهة معينة
إلى أن وجدَ نفسه يقترب من الحديقة العامة .. توقف ينظر إليها ، سبق أن جاء بزوجته وطفلته إلى هنا ، وكم كانت طفلته تحب الإنزلاق والتأرجح والركض حول الأشجار .
دون وعي .. وجد نفسه يتقدم إلى الداخل ، مشى بتأنٍ وهو يجول ببصره في الأرجاء ، كان يشعر بحنينٍ شديد للسير في كل بقعة زارها مع طفلته وزوجته ، كان يجد في ذكرياته عزاءً لنفسه ولوحدته
وبينما هو يسير في صمته ، وجد فتاة تجلس على العشب وحدها تحاول فتح علبة عصير ، كانت تنهمك بفتحها عبثاً
ابتسم برفقٍ وهو ينظر إليها ، فسار نحوها وجلس بقربها قائلاً
- مرحباً يا صغيرة ، هل أستطيع مساعدتك؟
حدقت الطفلة إليه بعينيها الواسعتين ، ثم مدت يدها إليه بالعلبة ، فأخذها من يدها وفتحها وأعادها لها ، فالتقطت علبة العصير منه وهي تنظر إلى وجهه .
ابتسم بحنان ورفع يده لرأسها يمسح على شعرها وهو يقول
- أين ماما؟ .. يجب أن تكوني بجانبها ولا تبتعدي عنها .
تكلمت الطفلة وهي لاتزال تنظر إليه وكأنها تتفحص تقاسيم وجهه
- بابا ؟!
توقفت يده على رأسها وسكنت تقاسيم وجهه ، أحس بقلبه ينتفض ومشاعره تندفق بسيلٍ من الحنان والعطف .. لقد حركت تلك الكلمة مشاعر كبيرة سكنت لفترة .. تاقت للإندفاع والتحرر
ابتسم من جديد وقال بلطفٍ بالغ
- ماذا قلتِ يا حلوتي؟!
ابتسمت وهتفت وهي تشير إليه بإصبعها
- أنتَ بابا !
أفرجت شفتيه عن أسنانه ، وقال هامساً وهو يمسح على شعرها
- ليتني أكون!
أقتربت في هذه اللحظة امرأة مسرعة باتجاههما وقالت وهي تنحني للطفلة وتحملها بين ذراعيها
- ابنتي! ، هل انتِ بخير؟
قالت الفتاة وهي تنظر إلى الرجل الجالس على ركبته
- انظري يا ماما .. إنه بابا
نظرت المرأة إليه بعينين مرتبكتين ، فوقف الرجل قائلاً
- أعتذر ، وجدتها جالسةً وحدها فخشيت أن يحل بها سوء
أنزلت المرأة الطفلة من ذراعيها وهي تقول لها
- هيا انطلقي والعبي ، فلم يتبقى الكثير من الوقت
ذهبت الفتاة تعدو بخفةٍ نحو المراجيح ، فالتفتت المرأة ناحية الرجل قائلة
- لا تؤاخذني ، تهتف لكل رجل تلتقيه بـبابا
- لا عليكِ ، لديك طفلة جميلة
- أشكرك
وعاد الرجل بنظره إلى الطفلة وقال
- لمَ اعتقدتني أباها؟
أنزلت أم الطفلة رأسها وقالت
- إنها تتوق لرؤية أبيها ، يخيل لها أنه بالقرب من هنا وستجده في أية لحظة
عقد حاجبيه وقال متسائلاً
- و أين هو؟
رفعت المرأة بصرها إليه بصمت ، وبعد لحظات تكلمت بنبرة حزينة
- لقد تخلّى أباها عنها منذ فترة طويلة ، قبل أن تبصر الحياة .
نظر إليها الرجل بحيرة ، فقالت موضحة
- لقد أنفصلنا أنا وهو وهي لا تزال جنيناً في رحمي ، تزوجني وبعد أن قرر العودة إلى وطنه ، تركني
- هل كان يعرف بحملك؟
- نعم ، لم يكن يريد طفلاً مني ، ولكن شاء القدر ذلك ، لعله كان يفكر بالإنفصال منذ البداية ، عندما وضعتها اتصلت به لأبلغه بأن هنالك طفلة صغيرة تنتظره ، لكنه لم يكترث وطلب مني أن أنساه وأن أقطع صلتي به ، كما أخبرني أنه نسيني وتخلى عن كل شيء يتعلق بي ، كان ذلك آخر حديث دار بيني وبينه ، بعدها لم أستطع محادثته والوصول إليه
ثم نظرت لطفلتها التي كانت تلعب مع الأطفال وتابعت
- مضت أربع سنوات ، اهتممت بطفلتي بنفسي و ساعدتني في تربيتها والدتي ، اهتممنا بها كثيراً .. تعلقت بي وبأمي ، إلى حين أن أدخلتها للروضه ، بدأت تعي جيداً ، تنظر إلى أباء الأطفال وهي تدرك أنها تفتقد مثل هذا الشخص ، جاءتني يوماً تقول لي أن أحد الأطفال يسأل عن أبيها وهي لا تعرف بما تجيبه ، قالت بأن الفتى يأتي إليه أباه لاصطحابه .. بينما هي لا تجد أباً لها كالآخرين ، كنت أقول لها أن أباها مسافر وأنه سيعود يوماً للعب معها ، فباتت تراه في كل رجل تقابله
مرت لحظة صمت ، وعاد الرجل ينظر إلى الطفلة بحزنٍ و أسى .. وهمس قائلاً
- طفلةٌ مسكينة ، من المؤسف أن يحدث لها هذا .. أن تعيش دون أب يعتني بها ، يشعرها بالأمان ويغدق عليها من عطفه ودلاله
قالت ام الطفلة باغتضاب
- لن تكون بحاجته ، لقد خذلها .. عندما تكبر وتعرف بذلك فستكرهه
- ماذا لو عاد وأخذها يوماً؟
اتسعت عيناها خوفاً ، ثم قالت مؤكدة
- ذلك لن يحدث .. لقد نسيها ونسيني ، ثم أنه لن يستطيع الوصول إلي أبداً
هز الرجل رأسه مؤيداً قولها ، ثم عاد ينظر إلى الطفلة يتذكر فيها طفلته الصغيرة ، ثم قال مبتسماً
- تذكرني بابنتي ، إلا أن ابنتي أصغر سناً من طفلتك ، إنها بعمر الثالثة و النصف
ابتسمت المرأة وقالت
- لديك طفلة أنت أيضا
قال بصوتٍ مخنوق كأنه قادم من بعيد
- كانت لدي طفلة ، لكنني فقدتها .
اتسعت عينا المرأة ، وقالت وهي تنظر لوجهه الذي بدى عليه الألم
- فقدتها ، هل .. ماتت؟!
عض على شفته السفلى يقاوم عبرته وهو يهز رأسه بالإيجاب ، ثم قال
- نعم لقد ماتت ، ماتت هي وأمها في حادث سيارةٍ أصابنا ، كنت معهما لكنني أصبت بكسرٍ ورضوض ، أما هما فقد فقدتا الحياة
قالت المرأة بحزن
- ذلك مؤسف
أسترسل الرجل في كلامه
- لم يمضي على وفاتهما سوى شهر ونصف ، لم أعتد بعد على غيابهما .. أشعر بالوحدة دائماً ، وعندما يحل الليل أشعر بالوحشة تستبد بي ، فلا يغفو لي جفن حتى تشرق الشمس ، فيثقل جفني فأنام دون أن أشعر ، واليوم حاولت التغلب على وحدتي .. فخرجت لرؤية الناس ولأستنشق هواءً طلقاً ، لعل ذلك يريح نفسي ، لكن رؤية الأطفال هيجت ألمي من جديد
ثم ابتسم والدموع قد لاحت في مآقيه وهو يقول
- لكن طفلتكِ قد أخمدت من ذلك الألم ، عندما نادتني بابا .. لقد أدخلت في نفسي السعادة ، إنها تشبه صغيرتي بعينيها الواسعتين وشعرها الأشقر
ابتسمت المرأة وعادت تنظر إلى طفلتها وقالت
- اتمنى أن تتجاوز ألمك ، وتعود لحياتك الطبيعية من جديد
في هذه الأثناء اقتربت منهما الطفلة وهي تركض ، تشبثت بساقي الرجل قائلة بسعادة
- بابا ، تعال والعب معي ، انظر كيف يشارك الأباء أطفالهم اللعب
ابتسم لها ووضع يده على رأسها ، بينما تضايقت أم الطفلة واقتربت منها ، أمسكت بيدها قائلة
- هيا يا عزيزتي يجب أن نذهب لنعود إلى النزل ، فجدتكِ تنتظرنا
تركت الطفلة يد والدتها وتشبثت في الرجل قائلة
- سيأتي معي بابا؟
أحس بقلبه يرتعش وبحنانٍ كبير اتجاه هذه الطفلة التي لا تفتأ تناديه بابا
حملتها أمها قسراً قائلة للرجل
- أعتذر ، إلى اللقاء
- لا داعي للإعتذار ، إلى اللقاء واهتمي بطفلتك
استدارت المرأة ، فالتقت عينا الطفلة في عينيه ، كان الحزن واضحاً على وجه الطفلة .
لوح الرجل بيده لها مودعاً ، فارتجفت شفتيها ، ثم صرخت باكية
- أريد أبي
حاولت الأم أن تسكتها وتهدأ من بكائها ، شعر الرجل بالحزن وهو ينظر للطفلة الباكية أمامه ، تنظر إليه لا تريد الأبتعاد عنه
شعر بقلبه يدق بعنفٍ في صدره ، ظل يحدق فيها شارداً للحظات ، ثم مشى مسرعاً نحوها قائلاً لأم الطفلة
- انتظري من فضلك
توقفت المرأة واستدارت إليه متسائلة ، مد يديه للطفلة التي سرعان ما قفزت إليه ، ضمها إليه وعانقته بقوة
فقالت المرأة
- مالذي تفعله!؟
نظر الرجل في وجه الطفلة قائلاً
- اذهبي والعبي يا حلوتي ، أريد أن أتحدث مع ماما قليلاً
وانزلها إلى الأرض وقال يحثها
- هيا .. هيا اركضي
وذهبت مسرعةً تركض نحو المراجيح ، تساءلت المرأة وقد بدت عليها الحيرة
- ماذا هناك!؟
قال الرجل وقد بدى عليه الإرتباك
- لا أعرف كيف أبدأ ، لكن .. قلبي تعلق بطفلتكِ حقاً ، أريدُ أن أكون أباً لها
اتسعت عينا المرأة ، فقالت متسائلة
- ماذا تعني ، لم أفهم؟
قال باهتمام وقد بدى ثابتاً في قوله وجاداً في كل كلمة ينطق بها
- أريد الزواج بكِ ، وأن أكون العائل لكِ ولطفلتك .. أريد أن أكون أباً لها
بدت الدهشة على وجه المرأة ، ثم قالت غير مصدقة
- هل تمزح!؟ ، هل أنتَ تعي ما تقول؟!
- لا امزح ، أنا جادٌ في طلبي
صمتت تفكر للحظات ، ثم قالت بهدوء
- تريد الزواج بي ، بدافع الشفقة على ابنتي؟
أجابها بسرعة
- بل بدافع الغريزة ، بدافع الأبوة .. أنا أب فقد طفلته يتوق لسماع كلمة بابا ، يتوق لعناق من ابنته .. طفلتكِ حركت مشاعري وجعلتني أشعر بسعادةٍ كانت قد غادرتني ، لقد أحببتها فعلاً وأريد أن أمنحها نفسي لأكون لها أباً ، هي أيضاً تريد ذلك ، أرجوكِ اقبلي
- ماذا لو نَدمت؟ ، لا أريد أن تتعلق بك الطفلة وبعدها تغادرنا وتتركها تبحث عنك وعن أبيها من جديد ، لا أريد لابنتي أن تتألم وتُخذل
قال وهو ينظر إلى عينيها بإصرار
- لن أندم ، ولن أخذلها أو أخذلكِ صدقيني ، أنا لا أرجو شيئا سوى أن أستمر في الحياة براحة من جديد ،وسأتزوج عاجلاً أو آجلا ، ولقد اخترتكِ .. أريد أن تكوني زوجتي وابنتكِ ابنتي
ترددت المرأة ، ظلت تنظر في عينيه حائرة لا تعرف ماذا تجيب ، فقال
- أرجوكِ ، امنحيني تلك الحياة التي فقدتها
قالت بعد تردد
- إذاً عليك أن تعدني ، أن لا تندم وتخذل ابنتي وتتخلى عني
ابتسم الرجل وقال
- أعدكِ .. من كل قلبي
بادلته الابتسامة قائلة
- شكراً لك
- بل شكراً لكِ أن منحتني الفرصة لأكون أباً وزوجاً مرة أخرى
ثم التفت حيث كانت تلعب الطفلة .. ونادى عليها
- هيا يا صغيرتي ، حان وقت العودة
نظرت إليه الطفلة ، وجاءت نحوه تركض بسعادة ، انحنى إليها وضمها لصدره .. ثم اعتدل وأمسكَ بيدها ، وأمسكت هي بيد أمها ، ومضوا عائدين بكل سعادة وتفاؤل وأمان .
بعنوان ::
،،،وتستمر الحياة،،،
كتبتها من شهر أو يزيد ، وتم نشرها أيضاً قبل نشرها هنا
أرجوا أن تنال على استحسانكم
=============
خرجَ من منزله بعد عزلة دامت شهراً ، خرج ونظر إلى السماء .. لم يرها منذ مدةٍ برحابتها في المدى
أخذ يجول بعينيه ، كان الضجيج يعم الشارع
وقع نظره على رجلٍ و امرأة يتوسطهما طفلٌ صغير يمسك بيدي أبويه يمشي ويقفز ويتمايل بسعادة ، ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة ، وعاد بهِ الحنين إلى طفلته التي لم تتجاوز الثالثة والنصف بعد ، تنهد ومشى بخطى متثاقلة وهو يعود بذاكرته لزوجته وطفلته اللتين فقدهما ، فقدهما إثر حادث مروري أليم ، تضرر هو .. لكن زوجته وطفلته فقدا عمرهما
أحس بقلبه يعتصر حزناً وبدمعتان ساخنتان تتسللان إلى مقلتيه ، مسح بإصبعيه على عينيه متمالكاً نفسه ، وأخذ نفساً وهو يحث الخطى مسرعاً دون وجهة معينة
إلى أن وجدَ نفسه يقترب من الحديقة العامة .. توقف ينظر إليها ، سبق أن جاء بزوجته وطفلته إلى هنا ، وكم كانت طفلته تحب الإنزلاق والتأرجح والركض حول الأشجار .
دون وعي .. وجد نفسه يتقدم إلى الداخل ، مشى بتأنٍ وهو يجول ببصره في الأرجاء ، كان يشعر بحنينٍ شديد للسير في كل بقعة زارها مع طفلته وزوجته ، كان يجد في ذكرياته عزاءً لنفسه ولوحدته
وبينما هو يسير في صمته ، وجد فتاة تجلس على العشب وحدها تحاول فتح علبة عصير ، كانت تنهمك بفتحها عبثاً
ابتسم برفقٍ وهو ينظر إليها ، فسار نحوها وجلس بقربها قائلاً
- مرحباً يا صغيرة ، هل أستطيع مساعدتك؟
حدقت الطفلة إليه بعينيها الواسعتين ، ثم مدت يدها إليه بالعلبة ، فأخذها من يدها وفتحها وأعادها لها ، فالتقطت علبة العصير منه وهي تنظر إلى وجهه .
ابتسم بحنان ورفع يده لرأسها يمسح على شعرها وهو يقول
- أين ماما؟ .. يجب أن تكوني بجانبها ولا تبتعدي عنها .
تكلمت الطفلة وهي لاتزال تنظر إليه وكأنها تتفحص تقاسيم وجهه
- بابا ؟!
توقفت يده على رأسها وسكنت تقاسيم وجهه ، أحس بقلبه ينتفض ومشاعره تندفق بسيلٍ من الحنان والعطف .. لقد حركت تلك الكلمة مشاعر كبيرة سكنت لفترة .. تاقت للإندفاع والتحرر
ابتسم من جديد وقال بلطفٍ بالغ
- ماذا قلتِ يا حلوتي؟!
ابتسمت وهتفت وهي تشير إليه بإصبعها
- أنتَ بابا !
أفرجت شفتيه عن أسنانه ، وقال هامساً وهو يمسح على شعرها
- ليتني أكون!
أقتربت في هذه اللحظة امرأة مسرعة باتجاههما وقالت وهي تنحني للطفلة وتحملها بين ذراعيها
- ابنتي! ، هل انتِ بخير؟
قالت الفتاة وهي تنظر إلى الرجل الجالس على ركبته
- انظري يا ماما .. إنه بابا
نظرت المرأة إليه بعينين مرتبكتين ، فوقف الرجل قائلاً
- أعتذر ، وجدتها جالسةً وحدها فخشيت أن يحل بها سوء
أنزلت المرأة الطفلة من ذراعيها وهي تقول لها
- هيا انطلقي والعبي ، فلم يتبقى الكثير من الوقت
ذهبت الفتاة تعدو بخفةٍ نحو المراجيح ، فالتفتت المرأة ناحية الرجل قائلة
- لا تؤاخذني ، تهتف لكل رجل تلتقيه بـبابا
- لا عليكِ ، لديك طفلة جميلة
- أشكرك
وعاد الرجل بنظره إلى الطفلة وقال
- لمَ اعتقدتني أباها؟
أنزلت أم الطفلة رأسها وقالت
- إنها تتوق لرؤية أبيها ، يخيل لها أنه بالقرب من هنا وستجده في أية لحظة
عقد حاجبيه وقال متسائلاً
- و أين هو؟
رفعت المرأة بصرها إليه بصمت ، وبعد لحظات تكلمت بنبرة حزينة
- لقد تخلّى أباها عنها منذ فترة طويلة ، قبل أن تبصر الحياة .
نظر إليها الرجل بحيرة ، فقالت موضحة
- لقد أنفصلنا أنا وهو وهي لا تزال جنيناً في رحمي ، تزوجني وبعد أن قرر العودة إلى وطنه ، تركني
- هل كان يعرف بحملك؟
- نعم ، لم يكن يريد طفلاً مني ، ولكن شاء القدر ذلك ، لعله كان يفكر بالإنفصال منذ البداية ، عندما وضعتها اتصلت به لأبلغه بأن هنالك طفلة صغيرة تنتظره ، لكنه لم يكترث وطلب مني أن أنساه وأن أقطع صلتي به ، كما أخبرني أنه نسيني وتخلى عن كل شيء يتعلق بي ، كان ذلك آخر حديث دار بيني وبينه ، بعدها لم أستطع محادثته والوصول إليه
ثم نظرت لطفلتها التي كانت تلعب مع الأطفال وتابعت
- مضت أربع سنوات ، اهتممت بطفلتي بنفسي و ساعدتني في تربيتها والدتي ، اهتممنا بها كثيراً .. تعلقت بي وبأمي ، إلى حين أن أدخلتها للروضه ، بدأت تعي جيداً ، تنظر إلى أباء الأطفال وهي تدرك أنها تفتقد مثل هذا الشخص ، جاءتني يوماً تقول لي أن أحد الأطفال يسأل عن أبيها وهي لا تعرف بما تجيبه ، قالت بأن الفتى يأتي إليه أباه لاصطحابه .. بينما هي لا تجد أباً لها كالآخرين ، كنت أقول لها أن أباها مسافر وأنه سيعود يوماً للعب معها ، فباتت تراه في كل رجل تقابله
مرت لحظة صمت ، وعاد الرجل ينظر إلى الطفلة بحزنٍ و أسى .. وهمس قائلاً
- طفلةٌ مسكينة ، من المؤسف أن يحدث لها هذا .. أن تعيش دون أب يعتني بها ، يشعرها بالأمان ويغدق عليها من عطفه ودلاله
قالت ام الطفلة باغتضاب
- لن تكون بحاجته ، لقد خذلها .. عندما تكبر وتعرف بذلك فستكرهه
- ماذا لو عاد وأخذها يوماً؟
اتسعت عيناها خوفاً ، ثم قالت مؤكدة
- ذلك لن يحدث .. لقد نسيها ونسيني ، ثم أنه لن يستطيع الوصول إلي أبداً
هز الرجل رأسه مؤيداً قولها ، ثم عاد ينظر إلى الطفلة يتذكر فيها طفلته الصغيرة ، ثم قال مبتسماً
- تذكرني بابنتي ، إلا أن ابنتي أصغر سناً من طفلتك ، إنها بعمر الثالثة و النصف
ابتسمت المرأة وقالت
- لديك طفلة أنت أيضا
قال بصوتٍ مخنوق كأنه قادم من بعيد
- كانت لدي طفلة ، لكنني فقدتها .
اتسعت عينا المرأة ، وقالت وهي تنظر لوجهه الذي بدى عليه الألم
- فقدتها ، هل .. ماتت؟!
عض على شفته السفلى يقاوم عبرته وهو يهز رأسه بالإيجاب ، ثم قال
- نعم لقد ماتت ، ماتت هي وأمها في حادث سيارةٍ أصابنا ، كنت معهما لكنني أصبت بكسرٍ ورضوض ، أما هما فقد فقدتا الحياة
قالت المرأة بحزن
- ذلك مؤسف
أسترسل الرجل في كلامه
- لم يمضي على وفاتهما سوى شهر ونصف ، لم أعتد بعد على غيابهما .. أشعر بالوحدة دائماً ، وعندما يحل الليل أشعر بالوحشة تستبد بي ، فلا يغفو لي جفن حتى تشرق الشمس ، فيثقل جفني فأنام دون أن أشعر ، واليوم حاولت التغلب على وحدتي .. فخرجت لرؤية الناس ولأستنشق هواءً طلقاً ، لعل ذلك يريح نفسي ، لكن رؤية الأطفال هيجت ألمي من جديد
ثم ابتسم والدموع قد لاحت في مآقيه وهو يقول
- لكن طفلتكِ قد أخمدت من ذلك الألم ، عندما نادتني بابا .. لقد أدخلت في نفسي السعادة ، إنها تشبه صغيرتي بعينيها الواسعتين وشعرها الأشقر
ابتسمت المرأة وعادت تنظر إلى طفلتها وقالت
- اتمنى أن تتجاوز ألمك ، وتعود لحياتك الطبيعية من جديد
في هذه الأثناء اقتربت منهما الطفلة وهي تركض ، تشبثت بساقي الرجل قائلة بسعادة
- بابا ، تعال والعب معي ، انظر كيف يشارك الأباء أطفالهم اللعب
ابتسم لها ووضع يده على رأسها ، بينما تضايقت أم الطفلة واقتربت منها ، أمسكت بيدها قائلة
- هيا يا عزيزتي يجب أن نذهب لنعود إلى النزل ، فجدتكِ تنتظرنا
تركت الطفلة يد والدتها وتشبثت في الرجل قائلة
- سيأتي معي بابا؟
أحس بقلبه يرتعش وبحنانٍ كبير اتجاه هذه الطفلة التي لا تفتأ تناديه بابا
حملتها أمها قسراً قائلة للرجل
- أعتذر ، إلى اللقاء
- لا داعي للإعتذار ، إلى اللقاء واهتمي بطفلتك
استدارت المرأة ، فالتقت عينا الطفلة في عينيه ، كان الحزن واضحاً على وجه الطفلة .
لوح الرجل بيده لها مودعاً ، فارتجفت شفتيها ، ثم صرخت باكية
- أريد أبي
حاولت الأم أن تسكتها وتهدأ من بكائها ، شعر الرجل بالحزن وهو ينظر للطفلة الباكية أمامه ، تنظر إليه لا تريد الأبتعاد عنه
شعر بقلبه يدق بعنفٍ في صدره ، ظل يحدق فيها شارداً للحظات ، ثم مشى مسرعاً نحوها قائلاً لأم الطفلة
- انتظري من فضلك
توقفت المرأة واستدارت إليه متسائلة ، مد يديه للطفلة التي سرعان ما قفزت إليه ، ضمها إليه وعانقته بقوة
فقالت المرأة
- مالذي تفعله!؟
نظر الرجل في وجه الطفلة قائلاً
- اذهبي والعبي يا حلوتي ، أريد أن أتحدث مع ماما قليلاً
وانزلها إلى الأرض وقال يحثها
- هيا .. هيا اركضي
وذهبت مسرعةً تركض نحو المراجيح ، تساءلت المرأة وقد بدت عليها الحيرة
- ماذا هناك!؟
قال الرجل وقد بدى عليه الإرتباك
- لا أعرف كيف أبدأ ، لكن .. قلبي تعلق بطفلتكِ حقاً ، أريدُ أن أكون أباً لها
اتسعت عينا المرأة ، فقالت متسائلة
- ماذا تعني ، لم أفهم؟
قال باهتمام وقد بدى ثابتاً في قوله وجاداً في كل كلمة ينطق بها
- أريد الزواج بكِ ، وأن أكون العائل لكِ ولطفلتك .. أريد أن أكون أباً لها
بدت الدهشة على وجه المرأة ، ثم قالت غير مصدقة
- هل تمزح!؟ ، هل أنتَ تعي ما تقول؟!
- لا امزح ، أنا جادٌ في طلبي
صمتت تفكر للحظات ، ثم قالت بهدوء
- تريد الزواج بي ، بدافع الشفقة على ابنتي؟
أجابها بسرعة
- بل بدافع الغريزة ، بدافع الأبوة .. أنا أب فقد طفلته يتوق لسماع كلمة بابا ، يتوق لعناق من ابنته .. طفلتكِ حركت مشاعري وجعلتني أشعر بسعادةٍ كانت قد غادرتني ، لقد أحببتها فعلاً وأريد أن أمنحها نفسي لأكون لها أباً ، هي أيضاً تريد ذلك ، أرجوكِ اقبلي
- ماذا لو نَدمت؟ ، لا أريد أن تتعلق بك الطفلة وبعدها تغادرنا وتتركها تبحث عنك وعن أبيها من جديد ، لا أريد لابنتي أن تتألم وتُخذل
قال وهو ينظر إلى عينيها بإصرار
- لن أندم ، ولن أخذلها أو أخذلكِ صدقيني ، أنا لا أرجو شيئا سوى أن أستمر في الحياة براحة من جديد ،وسأتزوج عاجلاً أو آجلا ، ولقد اخترتكِ .. أريد أن تكوني زوجتي وابنتكِ ابنتي
ترددت المرأة ، ظلت تنظر في عينيه حائرة لا تعرف ماذا تجيب ، فقال
- أرجوكِ ، امنحيني تلك الحياة التي فقدتها
قالت بعد تردد
- إذاً عليك أن تعدني ، أن لا تندم وتخذل ابنتي وتتخلى عني
ابتسم الرجل وقال
- أعدكِ .. من كل قلبي
بادلته الابتسامة قائلة
- شكراً لك
- بل شكراً لكِ أن منحتني الفرصة لأكون أباً وزوجاً مرة أخرى
ثم التفت حيث كانت تلعب الطفلة .. ونادى عليها
- هيا يا صغيرتي ، حان وقت العودة
نظرت إليه الطفلة ، وجاءت نحوه تركض بسعادة ، انحنى إليها وضمها لصدره .. ثم اعتدل وأمسكَ بيدها ، وأمسكت هي بيد أمها ، ومضوا عائدين بكل سعادة وتفاؤل وأمان .