د/أسير الزمان
12-19-15, 01:08 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
إن التي سمت روحها ، وعلت همتها ، تبادر إلى الإستجابة لأوامر الله ،
وتنتهي عن نواهية قائلة : سمعنا وأطعنا... أما من استحوذت عليها الشياطين ، فانكفأت في هوّة المعاصي ، وأحاطت بها الظلمات ، فإنها تأبى الإمتثال لله ، والإنقياد لحكمه قائلة : سمعنا وعصينا... ولا تكتفي بذلك ، بل تورد الحجة تلو الحجة ؛ لتبرر معاصيها وخطاياها ، ولتضل غيرها من ضعيفات النفوس بتلك الحجج الشيطانية الخبيثة ، ولتسكت أصوات الآمرين لها بالمعروف والناهين لها عن المنكر... يقول الله تعالى : ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير * ثاني عطفه لتضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيمة عذاب الحريق * ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ) سورة الحج : 8 ـ 10 ومن كلام سيدة النساء ( رضى الله عنها ) ( خير للمرأة أن لا ترى الرجل ولا الرجل يراها ) . إن التبرج من كبائر المعاصي ، والتي تجادل عنه تكون أئمة ، فتكسب إلى جانب معصيتها الأصلية معصية أخرى هي الجدل الباطل في الله.
وقد رأيت أن أسوق غالبية ما تقبح به المتبرجات ، وهي حجج تختلف من متبرجة لأخرى ، عسى أن يكون في ردّي عليها شعاع من النور لتلك السادرة في الغيّ ، الغارقة في الظلمات ، كما أرجو أن يكون في ردّي عليها قبس من المعرفة لتلك التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، عندما تصطدم بإحدى هذه الحجج ؛ لكي تتمكن من الرّد عليها وابطالها.
الحجة الأولى :
من تدعي أن طهارة القلب ، وسلامة النية يغنيان عن الحجاب :
إن التي تخرج عن تعاليم الإسلام ، ثم تدّعي أن طهارة القلب وسلامة النية كافيان لرضاء الله عنها بغير حجاب ولا صوم ولا صلاة ، أو غير ذلك من الأمور الشرعية التي لا يصح الإسلام إلا بتطبيقها ؛ تعتبر جاهلة ، فكأنّ الله تعالى يوزع رحمته على الناس بمشيئتهم لا بمشيئته ، أو أن الله العدل الذي حرّم الظلم على نفسه ، وجعله محرّماً بين الناس ، قد تخلى عن صفاته ( حاش لله ) فأعطى المقصر والمسيء كالمحسن العامل !... معاذ الله ، ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا الذين يقولون إن الدار الآخرة خالصة لنا من دون الناس يوم القيامة !
إن الحق جل شأنه قد بين في سورة الفاتحة التي تقرأ وتكرر كل يوم في كل صلاة بأنه : ( ملك يوم الدين ) بعد قوله ( الرحمن الرحيم ).
إشارة إلى يوم الجزاء والحساب ، الذي يتهرّب منه المقصّرون بزعمهم أن الله غفور رحيم. حقاً إنه غفور رحيم ، ولكن للتائبين لا للمذنبين المعاندين ، وإلا فما فائدة الجزاء والحساب ؟ ولماذا خلقت الجنة والنار ؟! يقول الله عزوجل : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ) سورة الزلزلة : 7 ـ 8 ويقول جل شأنه :
( قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة والذين هم بأيتنا يؤمنون ) سورة الأعراف : 156.
ويقول تعالى : ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) سورة الأعراف : 56 .
فالرحمة إنما تنال بالعمل الصالح والتقوى والإحسان ، وليس القلب قبراً يدفن فيه الإيمان ، ولا يظهر على صاحبه آثاره.
يقول محمد زكريا الكاندهلوى :
« يقول بعضهم : إن إصلاح القلب ، وتزكية الروح ، وتصفية الباطن هو الأصل في الدين ، فإذا صفا القلب وطهر الباطن لا حاجة إلى إعفاء اللّحية ( مثلاً ) والتقيد بزي من الأزياء. وقولهم هذا فاسد يناقض بعضه بعضاً ؛ لأن القلب إذا صلح والباطن إذا طهر والروح إذا تزكى ، لا محالة يكون السلوك وفق ما امر الله تعالى بشأنه ، ولا محالة أن تخضع جوارحه للإستسلام ، وتنقاد أعضاؤه لإمتثال أوامر الله والإجتناب عن نواهيه ، ولا يجتمع صفاء الباطن وطهارة القلب مع الإصرار على المعصية صغيرة كانت أو كبيرة.
فمن قال إني أصلحت قلبي ، وطهرت روحي ، وصفّيت باطني ، ومع ذلك يجتنب عما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو كاذب في قوله ، تسلّط عليه الشيطان في شؤونه.
وهل يعتقد هؤلاء أن الإثم شيء باطني فيرجعون الصلاح أو الفساد إلى القلب فقط ؟! لقد بيّن رب العزة أن هناك آثاماً ظاهرة ، وأثاماً باطنة ، ويتبين ذلك من قوله تعالى : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون ) الأنعام : 120.
وإن الإنسان الذي يدّعي أن إيمانه القلبي يكفي لرضاء الله عنه بلا تنفيذ لأوامره ؛ هو كإبليس اللعين ، لأن إبليس كان مؤمناً بوجود الله ، متيقناً أنه هو الذي خلقه ، يقول تعالى : ( وقلد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) الأعراف : 11 ، 12.
وقد استقر في قلب إبليس أنه لا إله إلا الله ، وآمن بيوم البعث والنشور ( يوم القيامة ) ولذلك دعا ربه أن لا يحاسبه وقت بداية عصيانه ، بل يؤخره إلى يوم البعث كما أخبر الله تعالى عنه :
( قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبّر فيها فأخرج إنّك من الصاغرين * قال أنظرني إلى يوم يبعثون * قال إنّك من المنظرين ) سورة الاعراف 13 ـ 15 .
ولكن ما السبب أن الله تعالى كتب عليه اللعنة ، وحرّم عليه الجنة ، ودمغه بالكفر ؟ يبين الله تعالى السبب بقوله جلّ شأنه :
( قال يإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين * قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فأخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدّين ) سورة ص : 75 ـ 78.
السبب أنه أبى الإنقياد والإمتثال لأمر الله ! فكل من أبى الإنقياد والإمتثال لأمر الله فهو كإبليس ، وإن صدّق بوجود الله والبعث والنشور ، ومن لم يمارس الإيمان عملاً وتطبيقاً واستجابة لأمر الله فهو من أصحاب إبليس ! فكيف أيتها المتبرجة ! تدّعين أن إيمانك يكفي لرضاء الله بينما ترفضين الإنقياد لله الذي أمرك بعدم التبرج ؟ فقال جل شأنه :
( وقرن في بيوتكن ولا تبرّجن تبرّج الجاهليّة الأولى ) سورة الأحزاب : 33.
الحجة الثانية :
من تدعي أن الصوم والصلاة يغنيان عن الحجاب :
قد تدعي المتبرجة أنها تصوم ، وتصلي ، وتتصدق على الفقراء ، وذات خلق حسن ، وأن الحجاب مظهر من المظاهر الجوفاء ليست له أهمية ولا ضرورة.
كيف بالله تعتقد ذلك بينما يعتبر الحجاب ونبذ التبرج فريضة من أهم ما فرضه الله تعالى على المرأة ؟ إذ قرن النهي عن التبرج بالأمر بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله ، وذلك في قوله تعالى :
( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهليّة الأولى وأقمن الصلواة وأتين الزكوة وأطعن الله ورسوله ) سورة الأحزاب : 33.
وكيف بالله يمكن تمييز المسلمة المؤمنة عن غيرها من الفاسقات والمتبرجات والكافرات إلا بالحجاب الإسلامي ؟ بل إن الإلتزام بأداء الصلاة ، والصيام ، وغير ذلك مما أمر به الشرع من عبادات ، وأركان يجب أن يلزمنا بفريضة الحجاب ، فالله تعالى يقول :
( إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ) العنكبوت : 45.
إن الصلاة تهذب الخلق ، وتستر العورة ، وتنهى صاحبها عن كل منكر وزور ، فيستحي أن يراه الله في موضع نهاه عنه ، تنهاه عن الفحشاء والمنكر ، وأي فحشاء ومنكر أكبر من خروج المرأة كاسية عارية مميلة مائلة ضالة مضلّة ؟ ولو كان الحجاب مظهراً أجوف ؛ لما توعّد الله المتبرجات بالحرمان من الجنة ، وعدم شم ريحها.
إن الحجاب هو الذي يميز بين العفيفة الطائعة ، والمتبرجة الفاسقة ، ولو كان مظهراً أجوف ؛ لما استحق كل هذا العقاب لتاركته ، بل والأحاديث والآيات القرآنية الحافلة بذكره ، بل ولما ترتب على تركه فسق الشباب وتركهم للجهاد ، وكيف يلتفت الشاب المسلم إلى واجبه المقدس وهو تائه الفكر ، منشغل الضمير ، مشتت الوجدان أقصى ما يطمح إليه نظرة من هذه ، ولمسة من تلك ؟!
وإن حال التي تستجيب لبعض أوامر الله ، وتترك بعضها هي حال من ذمهم الله تعالى بقوله :
( افتؤمنون ببعض الكتب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحيوة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشدّ العذاب وما الله بغافل عما تعملون ) سورة البقرة : 85.
ولتتذكر هذه قول الله تعالى :
( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضللاً مبيناً ) سورة الأحزاب : 36.
الحجة الثالثة :
من تدعي أن حبها لله ورسوله كفيلان برضاء الله عنها بدون عمل :
إن رضاء الله تعالى على المرء يكمن في إتباع أوامره ، واجتناب نواهيه ، وما هذه الحال التي وصلنا إليها بسبب أولئك الذين لا يعرفون من القرآن سوى رسمه ، ومن الإسلام سوى اسمه ، ويزعمون حب الله ورسوله فيقول قائلهم : « إن الله حبيبي ولن يعذبني بعمل أو بدون عمل ».
ومثل من يقول ذلك كمثل اليهود والنصارى الذين قال فيهم الله عزّوجل :
( وقالت اليهود والنصرى نحن أبناء الله وأحبّاؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير ) سورة المائدة : 18.
ويقول تعالى :
( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم * قل أطيعوا الله والرسول فإن تولّوا فإنّ الله لا يحبّ الكفرين ) آل عمران : 31 ، 32.
ولله در القائل :
تعصي إلالـه وأنت تزعم حبه * هذا لعمـري فـي القيـاس بديع
لو كان حبك صـادقاً لأطعمته * إن المحب لمـن يحـب مطيـع
إن التي سمت روحها ، وعلت همتها ، تبادر إلى الإستجابة لأوامر الله ،
وتنتهي عن نواهية قائلة : سمعنا وأطعنا... أما من استحوذت عليها الشياطين ، فانكفأت في هوّة المعاصي ، وأحاطت بها الظلمات ، فإنها تأبى الإمتثال لله ، والإنقياد لحكمه قائلة : سمعنا وعصينا... ولا تكتفي بذلك ، بل تورد الحجة تلو الحجة ؛ لتبرر معاصيها وخطاياها ، ولتضل غيرها من ضعيفات النفوس بتلك الحجج الشيطانية الخبيثة ، ولتسكت أصوات الآمرين لها بالمعروف والناهين لها عن المنكر... يقول الله تعالى : ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير * ثاني عطفه لتضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيمة عذاب الحريق * ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ) سورة الحج : 8 ـ 10 ومن كلام سيدة النساء ( رضى الله عنها ) ( خير للمرأة أن لا ترى الرجل ولا الرجل يراها ) . إن التبرج من كبائر المعاصي ، والتي تجادل عنه تكون أئمة ، فتكسب إلى جانب معصيتها الأصلية معصية أخرى هي الجدل الباطل في الله.
وقد رأيت أن أسوق غالبية ما تقبح به المتبرجات ، وهي حجج تختلف من متبرجة لأخرى ، عسى أن يكون في ردّي عليها شعاع من النور لتلك السادرة في الغيّ ، الغارقة في الظلمات ، كما أرجو أن يكون في ردّي عليها قبس من المعرفة لتلك التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، عندما تصطدم بإحدى هذه الحجج ؛ لكي تتمكن من الرّد عليها وابطالها.
الحجة الأولى :
من تدعي أن طهارة القلب ، وسلامة النية يغنيان عن الحجاب :
إن التي تخرج عن تعاليم الإسلام ، ثم تدّعي أن طهارة القلب وسلامة النية كافيان لرضاء الله عنها بغير حجاب ولا صوم ولا صلاة ، أو غير ذلك من الأمور الشرعية التي لا يصح الإسلام إلا بتطبيقها ؛ تعتبر جاهلة ، فكأنّ الله تعالى يوزع رحمته على الناس بمشيئتهم لا بمشيئته ، أو أن الله العدل الذي حرّم الظلم على نفسه ، وجعله محرّماً بين الناس ، قد تخلى عن صفاته ( حاش لله ) فأعطى المقصر والمسيء كالمحسن العامل !... معاذ الله ، ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا الذين يقولون إن الدار الآخرة خالصة لنا من دون الناس يوم القيامة !
إن الحق جل شأنه قد بين في سورة الفاتحة التي تقرأ وتكرر كل يوم في كل صلاة بأنه : ( ملك يوم الدين ) بعد قوله ( الرحمن الرحيم ).
إشارة إلى يوم الجزاء والحساب ، الذي يتهرّب منه المقصّرون بزعمهم أن الله غفور رحيم. حقاً إنه غفور رحيم ، ولكن للتائبين لا للمذنبين المعاندين ، وإلا فما فائدة الجزاء والحساب ؟ ولماذا خلقت الجنة والنار ؟! يقول الله عزوجل : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ) سورة الزلزلة : 7 ـ 8 ويقول جل شأنه :
( قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة والذين هم بأيتنا يؤمنون ) سورة الأعراف : 156.
ويقول تعالى : ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) سورة الأعراف : 56 .
فالرحمة إنما تنال بالعمل الصالح والتقوى والإحسان ، وليس القلب قبراً يدفن فيه الإيمان ، ولا يظهر على صاحبه آثاره.
يقول محمد زكريا الكاندهلوى :
« يقول بعضهم : إن إصلاح القلب ، وتزكية الروح ، وتصفية الباطن هو الأصل في الدين ، فإذا صفا القلب وطهر الباطن لا حاجة إلى إعفاء اللّحية ( مثلاً ) والتقيد بزي من الأزياء. وقولهم هذا فاسد يناقض بعضه بعضاً ؛ لأن القلب إذا صلح والباطن إذا طهر والروح إذا تزكى ، لا محالة يكون السلوك وفق ما امر الله تعالى بشأنه ، ولا محالة أن تخضع جوارحه للإستسلام ، وتنقاد أعضاؤه لإمتثال أوامر الله والإجتناب عن نواهيه ، ولا يجتمع صفاء الباطن وطهارة القلب مع الإصرار على المعصية صغيرة كانت أو كبيرة.
فمن قال إني أصلحت قلبي ، وطهرت روحي ، وصفّيت باطني ، ومع ذلك يجتنب عما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو كاذب في قوله ، تسلّط عليه الشيطان في شؤونه.
وهل يعتقد هؤلاء أن الإثم شيء باطني فيرجعون الصلاح أو الفساد إلى القلب فقط ؟! لقد بيّن رب العزة أن هناك آثاماً ظاهرة ، وأثاماً باطنة ، ويتبين ذلك من قوله تعالى : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون ) الأنعام : 120.
وإن الإنسان الذي يدّعي أن إيمانه القلبي يكفي لرضاء الله عنه بلا تنفيذ لأوامره ؛ هو كإبليس اللعين ، لأن إبليس كان مؤمناً بوجود الله ، متيقناً أنه هو الذي خلقه ، يقول تعالى : ( وقلد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) الأعراف : 11 ، 12.
وقد استقر في قلب إبليس أنه لا إله إلا الله ، وآمن بيوم البعث والنشور ( يوم القيامة ) ولذلك دعا ربه أن لا يحاسبه وقت بداية عصيانه ، بل يؤخره إلى يوم البعث كما أخبر الله تعالى عنه :
( قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبّر فيها فأخرج إنّك من الصاغرين * قال أنظرني إلى يوم يبعثون * قال إنّك من المنظرين ) سورة الاعراف 13 ـ 15 .
ولكن ما السبب أن الله تعالى كتب عليه اللعنة ، وحرّم عليه الجنة ، ودمغه بالكفر ؟ يبين الله تعالى السبب بقوله جلّ شأنه :
( قال يإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين * قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فأخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدّين ) سورة ص : 75 ـ 78.
السبب أنه أبى الإنقياد والإمتثال لأمر الله ! فكل من أبى الإنقياد والإمتثال لأمر الله فهو كإبليس ، وإن صدّق بوجود الله والبعث والنشور ، ومن لم يمارس الإيمان عملاً وتطبيقاً واستجابة لأمر الله فهو من أصحاب إبليس ! فكيف أيتها المتبرجة ! تدّعين أن إيمانك يكفي لرضاء الله بينما ترفضين الإنقياد لله الذي أمرك بعدم التبرج ؟ فقال جل شأنه :
( وقرن في بيوتكن ولا تبرّجن تبرّج الجاهليّة الأولى ) سورة الأحزاب : 33.
الحجة الثانية :
من تدعي أن الصوم والصلاة يغنيان عن الحجاب :
قد تدعي المتبرجة أنها تصوم ، وتصلي ، وتتصدق على الفقراء ، وذات خلق حسن ، وأن الحجاب مظهر من المظاهر الجوفاء ليست له أهمية ولا ضرورة.
كيف بالله تعتقد ذلك بينما يعتبر الحجاب ونبذ التبرج فريضة من أهم ما فرضه الله تعالى على المرأة ؟ إذ قرن النهي عن التبرج بالأمر بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله ، وذلك في قوله تعالى :
( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهليّة الأولى وأقمن الصلواة وأتين الزكوة وأطعن الله ورسوله ) سورة الأحزاب : 33.
وكيف بالله يمكن تمييز المسلمة المؤمنة عن غيرها من الفاسقات والمتبرجات والكافرات إلا بالحجاب الإسلامي ؟ بل إن الإلتزام بأداء الصلاة ، والصيام ، وغير ذلك مما أمر به الشرع من عبادات ، وأركان يجب أن يلزمنا بفريضة الحجاب ، فالله تعالى يقول :
( إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ) العنكبوت : 45.
إن الصلاة تهذب الخلق ، وتستر العورة ، وتنهى صاحبها عن كل منكر وزور ، فيستحي أن يراه الله في موضع نهاه عنه ، تنهاه عن الفحشاء والمنكر ، وأي فحشاء ومنكر أكبر من خروج المرأة كاسية عارية مميلة مائلة ضالة مضلّة ؟ ولو كان الحجاب مظهراً أجوف ؛ لما توعّد الله المتبرجات بالحرمان من الجنة ، وعدم شم ريحها.
إن الحجاب هو الذي يميز بين العفيفة الطائعة ، والمتبرجة الفاسقة ، ولو كان مظهراً أجوف ؛ لما استحق كل هذا العقاب لتاركته ، بل والأحاديث والآيات القرآنية الحافلة بذكره ، بل ولما ترتب على تركه فسق الشباب وتركهم للجهاد ، وكيف يلتفت الشاب المسلم إلى واجبه المقدس وهو تائه الفكر ، منشغل الضمير ، مشتت الوجدان أقصى ما يطمح إليه نظرة من هذه ، ولمسة من تلك ؟!
وإن حال التي تستجيب لبعض أوامر الله ، وتترك بعضها هي حال من ذمهم الله تعالى بقوله :
( افتؤمنون ببعض الكتب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحيوة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشدّ العذاب وما الله بغافل عما تعملون ) سورة البقرة : 85.
ولتتذكر هذه قول الله تعالى :
( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضللاً مبيناً ) سورة الأحزاب : 36.
الحجة الثالثة :
من تدعي أن حبها لله ورسوله كفيلان برضاء الله عنها بدون عمل :
إن رضاء الله تعالى على المرء يكمن في إتباع أوامره ، واجتناب نواهيه ، وما هذه الحال التي وصلنا إليها بسبب أولئك الذين لا يعرفون من القرآن سوى رسمه ، ومن الإسلام سوى اسمه ، ويزعمون حب الله ورسوله فيقول قائلهم : « إن الله حبيبي ولن يعذبني بعمل أو بدون عمل ».
ومثل من يقول ذلك كمثل اليهود والنصارى الذين قال فيهم الله عزّوجل :
( وقالت اليهود والنصرى نحن أبناء الله وأحبّاؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير ) سورة المائدة : 18.
ويقول تعالى :
( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم * قل أطيعوا الله والرسول فإن تولّوا فإنّ الله لا يحبّ الكفرين ) آل عمران : 31 ، 32.
ولله در القائل :
تعصي إلالـه وأنت تزعم حبه * هذا لعمـري فـي القيـاس بديع
لو كان حبك صـادقاً لأطعمته * إن المحب لمـن يحـب مطيـع