العين غائرة في دائرة جفنها مشطّر نصفين نطبقهما أحيانا كفكّين عند غمضة أو خطفة جعلتْ النفس دونها حائرة وإن فرَّعْتَهُ نصفين جعلتها براحة غامرة لذلك عادة ما تُشَمَّر لصيد جربوع مثلا أو لاكتشاف اللصوص كتلسكوب تدور في محيطها تشزر وتمد وتجزر لأي طارئ أو طارق في زماننا هذا وقد تستخدم في الحب فتقع بين هدأةِ جوٍّ صحْوٍ صافٍ ومثله على سبيل نحْوٍ وخشية أن أقع في مسبةٍ قلت نحْوًا خوفاً من وقوعي سابحا في قلَّة حيائي ليس كالحياء الملوَّن مثل الحِرباء إنما قصدتُ التأدب مع الله وهو وقوع هاوٍ في الكتابة لا أكثر كالذي يريد القفز من علو قفز السباحة أعني ومع هذه الإرادة يقع الخوف في أحد كخشية وقوعي وأكثر الواقعين في أخطائهم يقعون في مآزق الاعتراف أكثر من الخطأ نفسه فتصدهم رغبتهم عنه أي الاعتراف فيستمرؤوا مذاقه فيحلو لهم طعم العزة والأنفة والكِبْر والإصرار ومَثَلُ هذا الفخر المقيت كمثل حلاوة الآيسكريم مع العلم أن الطعم الحلو فيه يتغير في الفم بعد مرور الوقت باختلاطه مع اللعاب وهو حلو أيضا وقيل في الأمثال وصدق من قال ( أمران أحلاهما مرُّ ) ولَهَبُ الحرِّ يزيد مُرَّهُ سواء بذوقٍ أو بلعقٍ أو بِعَبٍّ ومن يجرب يجده صحيحا كواقع كثير من الناس يخطئ ولا يعترف بخطئه ولا يحاول إصلاحه ويروق لي كثيرا بعض الذين يتناوبون لخدمتي عند حاجتي ولا أدري سبب محبتهم تلك ومعروفهم تارة أعزوه لشيباتي وتارة لتقطيب جبهتي فتكشف عن ستري تجاعيدها حتى اكفهرَّتْ صبيحة يومي هذا بعيد الفجر وأخذت أبحث عمّن يطبِّب كفر سيارتي وهي من النوع الذي يظهر في شاشتها قياس رقمي للكفرات واحدا واحدا فتأخرت هذه المرة كثيرا وأجّلت حتى حانتْ طارئةً مشكلةٌ كَفَرِيَّةٌ لا كُفْرِيةٌ والتعريف اللغوي للكلمات والتفريق بينها يُبنى على النطق الصحيح وتُعْنَى البداية في زعمي منذ الولادة كتدريبه على أنواع البكاء بالضم والبكاء بالكسر وكذا بالفتح لأهميتها وإلا فأنا قد بالغت في التوصية بعدها ترجّلت وقمت أفر فرار الخائف من الأسد خشية الوقوع كما قلنا آنفا في مأزق تغييره أي الكفر وكل ما أقصد محلا للإطارات أجد ليَّ الهوز مدلّى كثعبانٍ فانٍ ما بقيتْ فيه نسمة هواء ولا أدري سر هذا البخل حتى في الهواء فنحن نشتري علبة ماء بريال أنبخل نفخ الإطار بريال ! مع أن دعاة البخل يتذمرون لدفعه في هواء وكلاهما من عطايا الله تعالى ولا أظن إبقاء هوز الهواء خارج المحل الهدف منه التسريع في الريع لأنه لا يعمل فما الفائدة المرجوة من إبقاءه خارجه ولا أعمم بتذمري لكني لحظتُ هذا في أكثر من محل وأنا أحب السير في غير زحام أمشِّط كفراتي بالشوارع الخالية من الزحام فقد قيل لا تنم بين الزخم حتى لا يشتد عليك الإصر أي الثّقل والشِّدة (رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَیۡنَاۤ ‌إِصۡرا ) ومن بين خياراتي أظنه الأسهل اثنان كأعلاه ( أحلاهما مُرُّ ) أن أقف أمام المحل حتى يصطبح بي وسيكلفني الانتظار ساعتين على الأقل أو أسير الهوينا فاخترته على أن عينيّ الحمراوتين من كثرة تبصبصي لمؤشر ضغط الهواء الأحمر في الشاشة كأنما أُشيرَ إلىَّ ببنتٍ حسناء وإمام يردعه الحرام هو هذا الشعور أخشاه أن تقف سيارتي في منتصف طريق أسير سير سُلَحْفاة وأذكر سباقها مع الأرنب المغرور فقد فازت عليه بقوة عزيمتها وإقدامها المضي بالسير حتى فازت فمضيتُ مُضِيِّها وفزت وما أجمل هذا الشعور أن تفوز كفوزها عدا أن المغرورين من الأرانب أقصد رشاق السهام اي المتأخرين عن دواماتهم لا أعرف كمية الخشية التي ستطالهم لو تأخروا ساعة ولا ألومهم فقد جربت هذا عند أذان أي فرض أهوّن الأمر لكأني أبطِّئ الوقت على هواي وراحتي ولا شك هي راحة أن تسمع الأذان وعندي خمس ساعات في بيتي تصدح به لردع وساوس شيطاني لكن مع زخم المنبهات بالكاد ألحق على الركعات الأخيرة من الفرض فعزمت فترة على الوقوف احتراما من أول تكبيرة من الأذان فأعقبها بالوضوء للانطلاق ولكن للمارد مغازٍ خبيثة يوزّع أفكاره في مشاعري ويلعب بها ويغني بأوتاري يحثني ويشجعني فأخطو تارة في مشيتي وينكبني تارة في عثرتي فيقرب كل بعيد ويبعد كل قريب أعني الإقامة فلامعنى للحياة بلا صلاة وللحديث عن الصلاة أنفاس رشيقة ومشاعر نبيلة وتعبيرات موهوبة لا يلهمها الله تعالى لأحد إلا لحظوته وممن اختصهم الله تعالى على سبيل المثال جدي وحتى أقرب لك أشباهه من العبَّاد كانت فُرَصَهُ في استيقاظي قليلة يمنحني فقط جملة واحدة يعبر بها عن دخول وقت صلاة الفجر ثم لحيظات فيلشطني بخيزرانة قاتل الله فكاهتي وبيده الأخرى كوب داخله سائل تسيل معه حبيبات ثلجية يشاع استعمالها كمشروب روحي أقصد لذيذة من لذائذ الحياة شرب الماء البارد في الأوقات الحارقة تلطيفا للأجواء وتبريدا للأجساد الساخنة المنهكة فتسيل بعد انسكابها على أنحاء جسمي كله أي قطع الثلج بزعمي يبرِّد بها لسعته أحلامي كلها وتتزحلق لأسفل لولا لحاقي بأقرب دورة مياه والأحلام تخرج إن نمتَ في براحها كخروج القريدس من جحره في البحر تلاطفه بربيانة أو قطعة شهية وتَنْسَلُّ لها أطيافُك في بطاحها وتمتشق الأحداث لك لا أعرف أي عضو فيك تدعكه حتى ترقص لها لفيفات الدماغ ليس لها رأس أو قدم أو ذيل ومع هذا تأتيك بالأخبار سريعا كما أتى بها الهدهد لسليمان ولم يأت مشمر على مر العصور ولن يأتي ما أتى به مكتشف رسم الدائرة حتى وإن كانت ظاهرة في قرص الشمس لكن لفكرتها انغمست نظرية استخدامها في كفرات كل مركوب ويزيد من إعجابي استغلال أوقات فراغ الطفل الرضيع برسمها ولكن الأول رسمها على الطريق والثاني على ورق وأزعم أنّ الإكثار من رسمها يدخل في عالم الشك حيث تدور الدوائر على صاحبها يوما فتنقلب عليه خِفْيَةً ظهر المجنَّا فأعراضنا وأموالنا وأنفسنا تدور كدوران الأيام فمنها من قال الشاعر فيه : ( قضى الله أن البغي يصرع أهله ** وأن على الباغي تدور الدوائر .... ومن يحتفِرْ بئرًا ليوقع غيره ** سيوقع في البئر الذي هو حافر ) ومنها من قال الله تعالى فيه : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ) ( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) ( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ) فمن وجد نفسه في دائرة شك فليخرج من محيطها ويستظل ظلِّها .

محمد الشعلان