منتديات مسك الغلا | al2la.com

منتديات مسك الغلا | al2la.com (/vb/)
-   صور من حياة الأنبياء والصحابه والتابعين (https://www.al2la.com/vb/f89.html)
-   -   سلسلة كن صحابياً ... (https://www.al2la.com/vb/t124990.html)

عطاء دائم 01-04-23 07:42 AM

سلسلة_كن_صحابياً

4️⃣1️⃣

ذم الله لبني إسرائيل ومن وافقهم بسبب تركهم العمل بالعلم
ؤ
قال الله عز وجل في حق بني إسرائيل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران:70 - 71]، فقد كانوا قواميس متحركة، وكانوا يعرفون كل شيء، لكن لا يعملون بما علموا، فماذا كانت النتيجة؟

ضلال وكفر ولعنة، ثم جهنم والعياذ بالله.
واسمع إلى قصة حيي بن أخطب مع أخيه، فقد كان حيي بن أخطب من أكابر اليهود أيام رسول الله ﷺ ، فعندما ظهر الرسول ﷺ ذهب هو وأخوه إلى النبي ﷺ ليعرفوا هل هو الرسول الموصوف لديهم أم لا؟
فسأله أخوه عن رسول الله ﷺ فقال: أهو هو؟

قال: نعم! قال: وما تفعل معه؟
واسمع إلى قول حيي بن أخطب وهو يعرف أنه رسول الله ﷺ قال: عداوته ما بقيت.

أي: أحاربه إلى أن أموت، علم بلا عمل، عجز وحماقة وغباء.
حتى إن تاريخ اليهود يشهد بهذه الصفة الذميمة: علم بلا عمل،
روى البخاري ومسلم وغيرهما واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، أن الرسول ﷺ قال: (قيل لبني إسرائيل: ادخلوا الباب سجداً وقولوا: حطة نغفر لكم خطاياكم، فبدلوا، فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم، وقالوا: حبة في شعرة)، يعني: بدلاً من أن يقولوا: حطة، قالوا: حبة في شعرة، وفي رواية: (قالوا: حنطة)،

سبحان الله! لا يريدون التطبيق مع أنهم يعرفون، والآيات كلها واضحة بأنهم كانوا علماء،
ومن ذلك قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء:197]،

علماء، لكن أين العمل؟
لا عمل!! وكقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ} [البقرة:67]،

وانظروا كيف ردوا على نبيهم؟!
سوء أدب ومجادلة وعناد وحماقة وعدم رغبة في التطبيق أصلاً، فيسمعون ولكن ليس للطاعة، بل للعصيان والتمرد على أوامر الله تعالى.

ويقول الله تبارك وتعالى في ذلك أيضاً: {مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [النساء:46]، وكل ما سبق ذكره في حق بني إسرائيل يلخصه الله عز وجل في وصفهم الذي وصفهم به في سورة الجمعة، فقال سبحانه وتعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة:5]، فالله عز وجل قد أمهلهم في المرة الأولى والثانية، ثم طلب منهم في المرة الثالثة أن يقوموا بمهمة حمل التوراة، ولكنهم عصوا وتمردوا، وقبل ذلك اختارهم الله وأرسل لهم الرسل، الواحد تلو الآخر فرفضوا،

وأراهم الآيات الواضحة الواحدة تلو الأخرى، ولكن بلا فائدة، بل أصروا على عدم القبول لمهمة الإنسان، وقاموا بمهمة أخرى تماماً، فقبلوا مهمة الحمار، والحمار يحمل الأشياء بغض النظر عن قيمتها ومحتواها، فيحمل الكتب كما يحمل الحشيش، لا فرق عنده في ذلك، لكنه لا يستفيد بشيء مما يحمل، وهذه ليست غلطة من الحمار، فهو خلق لهذا وهو يقوم بما خلق له،

والعيب كل العيب في الذي خلقه الله سبحانه وتعالى لوظيفة معينة وهو يعمل في عمل آخر تماماً، ويترك وظيفته الرئيسية، وذلك كبني إسرائيل عندما أعطاهم الله التوراة لأجل أن يدعوا إليه ويعلموا الناس أمر دينهم، ويسمعوا ما فيها من أوامر ونواه، لكنهم قاموا بوظيفة الحمار، ألا وهي: حمل التوراة دون أن يعملوا بمحتواها: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5].

وأيضاً المسلم الذي سيحتفظ بكتاب ربنا سبحانه وتعالى، وبسنة الرسول ﷺ في البيت أو في السيارة أو في غيرهما من الأماكن ولا يعمل بهما؛ هو واقع عليه نفس الوصف: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5].

وكذلك الذي يقرأ آيات الربا ثم يتعامل بالربا، والذي يقرأ آيات الرفق واللين والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ثم يتعامل بالعنف، والذي يقرأ آيات حفظ اللسان وكأنه لا يقرأ ولا يسمع، والذي يقرأ آيات بر الوالدين وصلة الرحم ولا يلقي لها بالاً، والذي يقرأ آيات الإنفاق والجهاد ثم يبخل بالمال والنفس: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5].

فعجيب جداً أن يكون الإنسان ظاهره الإسلام واسمه مسلماً، ووالداه مسلمين،

... يتبـــــــــ؏....

عطاء دائم 01-04-23 07:43 AM

سلسلة_كن_صحابياً

4️⃣2️⃣

بعض مواقف الصحابة العملية

نتكلم عن بعض مواقف الصحابة العملية، وكيف كان رد فعل الصحابة عند نزول الآيات وسماع الأوامر من رب العالمين سبحانه وتعالى، ومن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فتعالوا لنتعلم مبدأ التلقي والسماع للأوامر للتطبيق، وتعالوا لنرى معنى كلمة: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285].

موقفهم في إنفاق المال
موقفهم من قضية إنفاق المال في سبيل الله، هذا المال الذي غرس حبه في قلب الإنسان: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} [الفجر:20]، ويقول سبحانه وتعالى في حق المال: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:8]، أي: أن الإنسان يجب المال حباً شديداً جداً، والله سبحانه هو الذي خلقه على هذه الصورة، لكن مع هذا طلب منه أن يدفع هذا المال في سبيل الله عز وجل، ولو كان حب المال يسيراً على النفوس لم يكن ذلك اختباراً، لكن الله سبحانه زرع في النفس حب المال، حتى لو طلبه منك ودفعته تكون بذلك مؤمناً بالله عز وجل، واسمع إلى هذا الموقف العظيم لأحد الصحابة، وكيف كان بذلهم للمال في سبيل الله عز وجل؟

فيقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: (لما نزل قول الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} [البقرة:245]، سمع أبو الدحداح الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه هذه الآية -وكأنها وقعت في قلبه لا في أذنه-،

فأسرع إلى الرسول ﷺ وقال له: يا رسول الله! وإن الله عز وجل ليريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح!)، وانظر إلى إجابة الرسول ﷺ ، فلا توجد تفصيلات ولا محاورات ولا جدالات ولا ندوات، ولم يعد يسأل أبو الدحداح بعدها، فهو قد عرف أن الله يريد من عباده قرضاً أو صدقة أو زكاة، ولماذا الله سبحانه وتعالى استخدم لفظ القرض؟ هذا لم يشغل أبا الدحداح رضي الله عنه وأرضاه، وإنما كان الشاغل له العمل: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285]، فهو قد شغل بالطاعة رضي الله عنه.

قال أبو الدحداح -في نفس المجلس وهو ما زال قاعداً مع الرسول ﷺ : (أرني يدك يا رسول الله! قال - عبد الله بن مسعود راوي الحديث-: فناوله يده، قال أبو الدحداح: فإني أقرضت ربي حائطي)، فقد كانت لديه حديقة كبيرة، فتصدق بها كلها، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: وحائطه فيه ستمائة نخلة.
ففي لحظة واحدة سمع آية واحدة من آيات الله عز وجل فدفع ستمائة نخلة، (وأم الدحداح فيه وعيالها)، أي: ما زالت أم الدحداح ساكنة داخل الحائط، وكذلك أبناء أبي الدحداح جالسين داخل الحائط، (فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم الدحداح!

قالت: لبيك! قال: اخرجي من الحائط؛ فإني أقرضته ربي عز وجل)، وتأمل إلى أي درجة كان عندهم العمل، فلا تسويف، ولا تأجيل، ولا تأويل، وإنما منهج السماع للطاعة، ونتمنى أن نتعلم هذا المنهج من أبي الدحداح ومن غيره من صحابة رسول الله ﷺ : السماع للطاعة: {قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285].

وتأمل وانظر على النقيض من ذلك رد فعل اليهود لنفس الآية: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} [البقرة:245]، قالوا: ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير.

أعوذ بالله! معنى قولهم: نحن لسنا محتاجين إلى الله سبحانه وتعالى، فنحن أغنياء وهو فقير إلينا ما دام أنه يطلب منا قرضاً؛

فانظر إلى فقه بني إسرائيل وما فيه من الضلال والكفر والضياع، ثم يكملون ويقولون: وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، يطلب منا أن نرجع إليه ونتوب ونحن لا نأبه لذلك، وإنا عنه لأغنياء وما هو عنا بغني، ولو كان عنا غنياً ما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم -يعني: النبي ﷺ ينهاكم عن الربا ويعطيناه.

أي: أن الله سبحانه وتعالى يطلب منكم القرض، وسيرجعه لكم أضعافاً كثيرة، فهذا هو الربا، فانظر إلى أين وصل الفهم لدى اليهود؟! فهؤلاء هم اليهود، ولذلك عندما ترى شارون أو غيره وترى عمله لا تستغرب، فقد كان أجدادهم يفعلون هذا الفعل في وجود النبي ﷺ ، فما بالك بالأحفاد وفي غير وجود الرسول ﷺ .

إذاً: هذه قضية من قضايا الحياة التي نعيش فيها كلنا، إنها قضية الإنفاق ودفع المال في سبيل الله عز وجل، وانظر إلى هذا الصحابي كيف تعامل مع الآية الخاصة بالإنفاق.

... يتبـــــــــ؏.....

عطاء دائم 01-05-23 07:51 AM

سلسلة_كن_صحابياً

4️⃣3️⃣

بعض مواقف الصحابة العملية
موقفهم في الجهاد

في قضية الجهاد في سبيل الله هناك موقف نعرفه كلنا، إنه موقف لـ حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه وأرضاه، غسيل الملائكة، أي: الرجل الذي غسلته الملائكة، فقد سمع حنظلة النداء يوم أحد وهو عريس، وكان قد تزوج في الليلة الماضية، وكان جنباً، فسمع داعي الجهاد يطلب الناس للخروج إلى الجهاد في سبيل الله في أُحد، فلم يصبر حنظلة حتى يغتسل، بل خرج مسرعاً إلى الجيش، وانظر إلى هذه الاستجابة الفورية، فهو ليس بمكره، بل مشتاق ومتلهف إلى تنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285]، فذهب إلى أُحد واستشهد وهو جنب، فغسلته الملائكة، فأصبح حنظلة غسيل الملائكة.

ليس هناك معنى لكلمة (الظروف) عند الصحابة، بل كان عندهم معنى لقول الله تعالى، أو لقول الرسول ﷺ ، فيا تُرى هل خسر حنظلة؟

لا، فـ حنظلة لو كان في بيته كان سيموت في نفس الساعة التي مات فيها، لكن بدلاً من أن يموت على فراشه يموت في ميدان الجهاد شهيداً، وبدلاً من الموت معتذراً متخلفاً يموت مجاهداً مقبلاً غير مدبر، والموت لا يؤجل: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34].

إذاً: فـ حنظلة وإن لم يكن يعرف ميعاد الموت إلا أنه قد اختار طريقة الموت.
فهذا هو الذكاء، وهذه هي الفطنة، وهذا هو المطلوب من المؤمن العملي، فلو أنك تعيش لربنا فستموت له سبحانه وتعالى، ولو أنك تعيش حياة الجهاد ستموت مجاهداً، ولو أنك تعيش حياتك في سبيل الله، ولم يكن في يدك أن تختار وقت موتك، إلا أنه في يدك أن تختار طريقة موتك،

وتذكر: (يبعث المرء على ما مات عليه)، فمن مات على صلاة يبعث على صلاة، ومن مات على تلبية وهو في الحج يبعث ملبياً، ومن مات على جهاد يبعث على هيئته وقت الجهاد، اللون لون الدم والريح ريح المسك، ونحن الذين نختار الطريق.

... يتبـــــــــ؏....

عطاء دائم 01-05-23 07:52 AM

سلسلة_كن_صحابياً

4️⃣4️⃣

بعض مواقف الصحابة العملية
موقفهم في الإنفاق على ذوي القربى مع إساءتهم

تعالوا لنرى رد فعل الصحابة مع بعض آيات القرآن الكريم التي تخاطب قلوبهم، هذا القلب الذي أحواله غريبة وعجيبة جداً، ففي بعض الأحيان قد يكون الإنسان متوجعاً من آخر ولا يقدر أن ينسى ذلك، لكن الصحابة قد ملكوا قلوبهم وأصبحت في أيديهم، فيقدرون على تنظيفه متى شاءوا، ويقدرون على الأخذ منه والوضع فيه متى شاءوا.

ولنسمع إلى هذه القصة اللطيفة، وهي قصة مشهورة والجميع يعلمها، لكن فيها دروساً عميقة جداً: لقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ينفق على ابن خالته مسطح بن أثاثة رضي الله عنه وأرضاه، فإذا بـ مسطح يتكلم في عرض أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، لم يتكلم في مسألة يسيرة، ولم يقل عن عائشة: إنها بخيلة أو مخطئة، أو لم يكن الحق معها في رأي أو غيره، لا، بل يطعن في عرض وشرف السيدة عائشة رضي الله عنه، وكان ذلك كرد فعل طبيعي للأب المجروح الذي طعن في شرفه وشرف ابنته الطاهرة الصديقة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه وأرضاها،

فقال: والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد اليوم، وفي رواية: والله لا أنفعه بنافعة أبداً، فالمهم أنه قرر أن يقطع النفقة عليه.

وتأمل هنا فـ أبو بكر لم يمنع حقاً من حقوق مسطح، وإنما كان يتفضل عليه فقط، فيتصدق عليه، والصدقة كما نعلم ليست كالزكاة، وإنما هي اختيارية، يعني: تفعلها أو لا تفعلها لا شيء عليك، لكن مع كل هذا الأمر ينزل قول الله عز وجل: {وَلا يَأْتَلِ} [النور:22]، يعني: ولا يحلف؛ لأن أبا بكر حلف أنه لن ينفق على مسطح بعد ذلك شيئاً،

ثم قال تعالى: {أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور:22]، وهذه المنقبة كانت من أعظم مناقب الصديق، فالله سبحانه وتعالى يصفه بأنه من أولي الفضل والسعة، ثم قال: {أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} [النور:22]، وهذا الأمر من ربنا سبحانه وتعالى على سبيل الاختيار: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22]، ففي هذه الآيات ربنا سبحانه وتعالى لا يذكر أن مسطحاً له حقاً عند أبي بكر، وإنما يطلب من أبي بكر بمنتهى الرفق أن يعفو وأن يصفح، ثم يتودد إليه سبحانه وتعالى فيقول: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور:22]؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فإذا أنت غفرت للناس فالله سبحانه وتعالى سيغفر لك: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22].

قال أبو بكر في رد فعل عجيب واستجابة سريعة جداً دون تردد: بلى والله! إني لأحب أن يغفر الله تعالى لي.

سمع قول الله تعالى فانطلق لتنفيذه فوراً، وذلك دون أي تفكير في القضاء على ما في قلبه من حزن أو حقد أو ضيق على مسطح بن أثاثة أو غير ذلك، ولم يقل: أعطني وقتاً لأنسى ما حصل، لا، بل قال في لحظة واحدة: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي.

فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه من ماله، بل وأقسم ألا يقطعها بعد ذلك؛ لأنه عرف ماذا يريد منه المولى تعالى، وليس من الممكن أن الله تبارك وتعالى يطلب منه شيئاً ثم يرفض، فإنه الصديق رضي الله عنه.

إذاً: فـ الصديق لم يكن ملزماً بالإنفاق على مسطح، وموقفه في المنع مفهوم، ولا يلومه عليه أحد، لكن النداء واضح، إن كنت تحب مغفرة الله عز وجل فاغفر للعباد، فوصلت الرسالة إلى قلب الصديق ولم يتأخر عن الالتزام بها.

وهنا نتساءل فنقول: كم من شخص غاضب من جاره أو من صاحبه؟ حتى ربما من أبيه وأمه! فيقاطعهم بسبب ذلك اليوم والاثنين والثلاثة، والشهر والشهرين، ولا يريد أن ينسى سبب ذلك، ونسي قول الله تعالى: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22]، وهذا خلاف المنافقين تماماً، فلو خاصم الإنسان على كل شيء دون صفح أو مسامحة لدخل تحت وصف المنافقين؛ فالمنافقون لا ينقادون لأحكام الدين إلا عند تحقق فوائد دنيوية ملموسة، وإن لم تكن هناك فائدة مباشرة فلا طاعة لكلام الله عز وجل.

واسمع إلى قول الله عز وجل فيهم: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا} [النور:47]، فهذا كلام باللسان، {ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [النور:47]، فهم قالوا كلمة الإيمان وقالوا: أطعنا، لكن بلا عمل.
ثم قال تعالى: (وَإِذَا دُعُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِیَحۡكُمَ بَیۡنَهُمۡ إِذَا فَرِیقࣱ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ)
[سورة النور 48]

... يتبـــــــــ؏...

عطاء دائم 01-06-23 07:44 AM

سلسلة_كن_صحابياً

4️⃣5️⃣

أمثلة للصحابة في استجابتهم لأوامر الله

لنسمع إلى بعض الأمثلة في استجابة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لقضايا الدين وأحكامه.

استجابتهم عند تحويل القبلة

المثال الأول:
تحويل القبلة، فعندما أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وهذا الموضوع ليس سهلاً، فقد بقي المسلمون في المدينة المنورة متجهين إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً، وفجأة تغيرت القبلة إلى البيت الحرام، فقال اليهود والمنافقون للمسلمين: كأنكم لا تعرفون قبلتكم أين هي؟ فمرة تصلون إلى بيت المقدس، وأخرى ناحية البيت الحرام، فلم يفهموا الغرض والعبرة من التغيير، فقد كان الأمر اختباراً، والمسألة مسألة فتنة، والله سبحانه وتعالى قد قال: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة:143]،

وهذا الكلام ليس فقط في أمر القبلة، وإنما في كل أمر من أوامر الدين، فالمؤمنون قالوا بمنتهى البساطة: سمعنا وأطعنا، سواء قيل لهم: صلوا ناحية بيت المقدس، أو قيل لهم: صلوا ناحية الكعبة، فالقضية واضحة جداً عندهم، وربنا قد قال شيئاً فالمؤمن يسمع ويطيع، حتى الذين كانوا في صلاة حين وصلهم الخبر لم ينتظروا الانتهاء من صلاتهم حتى يجلسوا مع الرسول ﷺ ويقولون: لماذا هذا التغيير، أو غير ذلك من الأسئلة والمبررات؟ لا، لم يكن هذا الكلام شاغلاً لهم، بل بمجرد أن يتأكدوا أن الله سبحانه وتعالى قال كذا، أو رسوله ﷺ قال كذا، لا بد من القيام به، ففي نفس الصلاة غيروا اتجاههم، فصلوا ركعتين باتجاه بيت المقدس، وركعتين باتجاه الكعبة، فهذا هو معنى قول: سمعنا وأطعنا، وهذا هو الفهم الحقيقي لمعنى العبادة لله عز وجل.

أما رد فعل المنافقين واليهود: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة:142]، وتأمل الرد الإلهي على هؤلاء، فلم يقل لهم: لأجل كذا وكذا، مع أن هناك حِكَمٌ ظهرت لنا من ذلك، وحِكَمٌ لم نعرفها، لكن الله قال لهم: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:142]، فالذي يريده الله سبحانه وتعالى اعملوا به، فله سبحانه المشرق والمغرب.

... يتبـــــــــ؏..

عطاء دائم 01-06-23 07:45 AM

سلسلة_كن_صحابياً

4️⃣6️⃣

أمثلة للصحابة في استجابتهم لأوامر الله

قصة رؤيا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقيامه لليل مدة عمره

المثال الثاني:
قصة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما،
ففي البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان الرجل في حياة النبي ﷺ إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله ﷺ ، فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله ﷺ ، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم -يعني: أناس من المشركين والمنافقين- فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار! أعوذ بالله من النار! فلقينا ملك آخر، فقال لي: لن تراع -أي: لن تخاف، أراد أن يطمئنه- فاستيقظ عبد الله بن عمر، فأراد أن يذهب إلى الرسول ﷺ ، ولكنه استحى لصغر سنه، فذهب إلى أخته السيدة حفصة بنت عمر رضي الله عنها وأرضاها، وحكى لها الرؤيا وقال لها: قوليها لرسول الله ﷺ ، فقصت السيدة حفصة رؤيا عبد الله على النبي ﷺ ، فقال رسول الله ﷺ كلمات قليلة جداً، كان لها أثر عظيم في حياة عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)،

فـ (لو) ليست للشرط، وإنما للتمني كما يقول ابن حجر في الفتح، يعني: أن الرسول ﷺ لم يُعلِّق خيرية عبد الله بن عمر على قيام الليل، بل قال: (نعم الرجل عبد الله)، فهو يثني ويمدح عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ثم قال: (لو كان يصلي من الليل)، أي: لو أكمل حسنه بقيام الليل، والتقدير: لو كان يصلي من الليل لارتفعت قيمته.

وفيه إشارة واضحة بأن قيام الليل يقي من عذاب النار الذي رآه عبد الله بن عمر في المنام.

يقول نافع مولى عبد الله بن عمر: فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً.
يعني: ظل بقية عمره يقيم ليله بالعبادة بسبب حديث واحد سمعه من النبي ﷺ ، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام مدح عبد الله بن عمر، لكن لم يتكل عبد الله بن عمر على هذا المدح،

ولم يعتمد على هذا الثناء من رسول الله ﷺ ، لكنه استمر على القيام إلى أن توفي، وكان موته سنة (73) من الهجرة، وله من العمر (86) سنة، فبقي رضي الله عنه مواظباً على قيام الليل طويلاً، وكان لا ينام من الليل إلا قليلاً.
إنه منهج واضح جداً لفهم الإسلام، إنه منهج السماع للطاعة، سمعت حديثاً اشتغل به، سمعت آية اشتغل بها، وهكذا بما عندك من العلم.

.. يتبـــــــــ؏.....

عطاء دائم 01-07-23 07:38 AM

سلسلة_كن_صحابياً

4⃣7⃣

أمثلة للصحابة في استجابتهم لأوامر الله


قصة المسيء صلاته ومدى استجابته لتعليم النبي ﷺ
المثال الثالث: المسيء في صلاته، ففي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: (دخل رسول الله ﷺ المسجد، فدخل رجل فصلى، فسلم على النبي ﷺ فرد عليه السلام وقال: ارجع فصل؛ فإنك لم تصل)، فالرجل قد صلى، والرسول ﷺ يقول له: (ارجع فصل؛ فإنك لم تصل)، والرجل لم يقل للنبي ﷺ : أنا الآن قد صليت أمامك، واسأل فلاناً وعلاناً، لا، فهو لا يحتاج إلى كل هذا الكلام، فرجع في منتهى الأدب وصلى مرة أخرى،

ثم جاء فسلم على النبي ﷺ فقال له: (ارجع فصل؛ فإنك لم تصل)، فرجع مرة ثانية بدون أي نقاش، وأعاده النبي ﷺ ثلاث مرات، وفي المرة الرابعة والرجل خائف بسبب ما يقال له، فأراد أن يعرف الخلل، فقال: (والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره)، أي: لو كنت أعرف غير هذا لصليت، (ما أحسن غيره فعلمني)، يعني: مشكلته ليست في الطاعة، إنما مشكلته أنه لا يعرف ويريد أن يعرف، وحين يعرف سيعمل بشكل جيد، ويريد أن يعرف لأجل أن يطيع ربه عز وجل.

فقال له ﷺ : (إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، وافعل ذلك في صلاتك كلها)، فكانت مشكلة هذا الرجل: عدم الاطمئنان في الصلاة.

والشاهد أن الرجل ذهب في المرة الأولى والثانية والثالثة ليعيد الصلاة وهو في منتهى الصبر، فهو يسمع ليطيع، وما دام أن الرسول ﷺ قال ذلك، فلا بد من التنفيذ، ثم بعد ذلك كله يسأل بأدب جم: (والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره)، فلم ييأس ويضق من المسجد.

وقد يحذر الناس من الجانب السلبي الذي كان عند المسيء في صلاته، وهو عدم الاطمئنان في الصلاة، لكن تجدهم لا يهتمون بالجانب الإيجابي وهو الحرص على التعلم والعمل، والصبر على ذلك مرة ومرتين وثلاثاً، ولو قلت لشخص آخر: أنت لا تطمئن في ركوعك ولا في سجودك، ولا بد من أن تعيد الصلاة، سيقول لك: الله غفور رحيم، وإن شاء الله في الصلاة القادمة أهتم، ويمكن أن يتشاجر معك ويترك المسجد.

إذاً: هذا هو فهم الصحابة لقضية السمع للطاعة، {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285].

... يتبـــــــــ؏....[/color]

عطاء دائم 01-07-23 07:40 AM

سلسلة_كن_صحابياً

4⃣8⃣

أمثلة للصحابة في استجابتهم لأوامر الله

قصة الثلاثة المخلفين في غزوة تبوك واستجابة الصحابة لأمر النبي ﷺ بمقاطعتهم

تعالوا لنختم هذه المحاضرة بقصة يعرفها الكثير منكم، لكن سنعلق على جانب صغير معين فيها، وتفاصيلها سنقوله في درس: الصحابة والتوبة، وقد قلنا تفاصيلها قبل هذا في دروس السيرة النبوية.

إنها قصة استجابة المسلمين لمقاطعة الثلاثة المخلفين في غزوة تبوك، وهي مثل رائع للجانب العملي عند الصحابة الكرام، فقد كان هذا التخلف نزغة من نزغات الشيطان، فقد تخلف كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع رضي الله عنهم أجمعين، ونزل الوحي بعقابهم عن طريق المقاطعة، فكان عقاباً صعباً جداً، ولم يحصل في حياة الصحابة إلا في هذه المرة فقط.

يقول كعب بن مالك رضي الله عنه وأرضاه: ونهى رسول الله ﷺ المسلمين عن كلامنا.

فلا أحد يكلم هؤلاء الثلاثة، وهنا حدثت استجابة سريعة وكاملة وعجيبة جداً من أهل المدينة جميعاً، فلا جدال ولا نقاش ولا مبررات ولا تعليلات لا استثناءات ولا وساطة، بل ولا أحد قال للنبي ﷺ : هذا رجل من السابقين، هذا من المكافحين، من أهل العقبة، لم يقل أحد أي شيء من هذا الكلام، بل قالوا: سمعنا وأطعنا.
ولم يأت أيضاً أحد من عائلته أو أرسل له كرتاً وأعطاه إياه، ولا كان شيء من ذلك، فقطعت مصالح كثيرة، وكل واحد من هؤلاء له علاقات كثيرة، يتاجر مع هذا ويشتغل مع هذا، ومتزوج من بيت فلان، وقريب من هذا،

لكن ليس ذلك مشكلة، فلتهدم كل المصالح ولا تهدم الطاعة، والمهم الطاعة لله عز وجل، والطاعة لرسوله الكريم ﷺ ، فلم ينفع رحم، ولم تنفع صداقة، فنفذت المقاطعة بشكلها الواسع والعجيب في المدينة المنورة، وكل أهل المدينة قاطعوا الثلاثة، يقول كعب بن مالك رضي الله عنه وأرضاه: فاجتنبنا الناس.

أي: تجنبوا حتى طريقهم، ثم قال: وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض، فما هي بالتي أعرف.

أي: هل هذه هي المدينة المنورة أم أنها ليست هي؟
وكأن الأرض التي ولد فيها وعاش فيها سنين وسنين لم يأت إليها قبل الآن،
والشيء الغريب جداً أن كل الناس في المدينة قد سمعوا وأطاعوا، وهذا هو جيل الصحابة الكرام: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، فليس لهم أي اختيار أبداً، لكن هل ظل ذلك يوماً أو يومين؟

لا، بل بقي كثيراً جداً، يقول كعب بن مالك: فلبثنا على ذلك خمسين ليلة.
فترة طويلة جداً، وبالذات داخل مجتمع صغير مثل المدينة، وهو مجتمع اجتماعي، وليس كمجتمعاتنا في هذا الزمان، ففي أيامنا قد تجد أن بعض الجيران لا يعرف جاره، لكن في جيل الصحابة كان الجميع كأسرة واحدة، فالمقاطعة في هذه البيئة كانت صعبة جداً، فتفاقم الأمر مع كعب بن مالك رضي الله عنه الله عنه وأرضاه، يقول: حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي، وأحب الناس إلي، فسلمت عليه.

أي: أنه ذهب إلى أقرب شخص وأحب شخص إليه بعد النبي ﷺ ، وهو مطمئن إلى أنه لن يقاطعه، قال: فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام! ورد السلام فرض، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام ألغى هذا الأمر في هذه الحالة الاستثنائية فقط، فمنع الناس من الكلام حتى السلام، يقول: فقلت: يا أبا قتادة! أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟! وأبو قتادة لا يرد.
يعني: هل تظنني قد غلطت لأجل أنني منافق، في داخلي كراهية لله وللرسول، أم أن هذه غلطة عابرة وأنا أحب الله ورسوله؟

فهو يسأله سؤالاً واضحاً جداً، فيريد منه رأيه: نعم أم لا.
يقول كعب: فسكت.
أي: المرة الثانية، ثم قال: فعدت له فنشدته.
أي: في المرة الثالثة، ثم قال أبو قتادة: الله ورسوله أعلم.

أي: لا أدري، وهي كلمة رهيبة جداً، أي: أنه لا يعلم إيمان كعب، فهو يشك في إيمانه وليس واثقاً منه، وكان هذا أشد على كعب من السكوت، فتمنى أنه لم يتكلم وبقي ساكتاً، لكن أراد أبو قتادة أن يبعد كعباً عنه تماماً؛ وذلك حتى لا يصر على كلامه، فأقفل عليه الباب وقال له: الله ورسوله أعلم.

وفي هذا استجابة شديدة لأوامر الله تعالى، وأوامر الرسول ﷺ ، استجابة إلى درجة عظيمة وعالية، مع أنه أحب الناس في المدينة إلى كعب بن مالك بعد رسول الله ﷺ ، يقول كعب: ففاضت عيناي.

أي: أنه لم يقدر على التحمل، فقام والألم والحزن والاكتئاب يعتصر قلبه، وقد استمر هذا الوضع خمسين ليلة، ولاحظ كل هذه الاستجابة، وكل هذه الطاعة، وكل هذه المقاطعة إلا أنهم بعد خمسين ليلة من المقاطعة صدر الأمر الإلهي بالعفو عن الثلاثة الذين خلفوا،
وهنا رفع الحظر عنهم،
وسمح لأهل المدينة بالحديث معهم.

... يتبـــــــــ؏...

عطاء دائم 01-08-23 07:50 AM

سلسلة_كن_صحابياً

4⃣9⃣
الصحابة والدنيا

الدنيا حلوة خضرة، وقد استخلفنا الله سبحانه فيها للابتلاء والامتحان، فالكيس من عمرها بما يقربه إلى مولاه، والعاجز من عمرها واغتر بشهواتها وملذاتها، وقد فقه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ذلك المعنى، فجعلوها مزرعة للآخرة، وقدّموا فيها صالح الأعمال ليوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

نظرة الصحابة إلى الدنيا

فيا ترى ما هو مفهوم الصحابة للدنيا؟
وما هي نظرة الصحابة إلى الدنيا؟

في الحقيقة إن نظرة الصحابة إلى الدنيا كانت نظرة عجيبة جداً، فقد كانت نظرة متوازنة بشكل ملفت للنظر، فهم من جانب لا يُعطون لها قيمة تُذكر في حياتهم، فيتنازلون عنها بسهولة وببساطة شديدة، وكأنها لا تساوي درهماً، ومع ذلك هم من جانب آخر يعملون فيها بجد واجتهاد، فيزرعون ويتاجرون ويتكسّبون المال، ويعمّرون الأرض، فكان منهم الأغنياء الذين لا تُحصى أموالهم، والمُلّاك الذين تجاوزت أراضيهم مئات الأفدنة، فالدنيا في أعين الصحابة لم تكن غاية ولم تكن هدفاً، بل كانت وسيلة إلى إرضاء الله عز وجل،

ومعبراً إلى الآخرة، ومن ثم كانت وسيلة إلى تنفيذ كل ما أمر الله عز وجل به، فالله عز وجل أمر بإعمار الدنيا، فليكن الإعمار، والله عز وجل أمر بكفالة الأسرة والزوجة والأولاد والآباء والأمهات، فليكن العمل في الدنيا لتحصيل المال لكفاية هؤلاء، والله عز وجل حض على الجهاد بالمال، فلا بد من وجود المال حتى يجاهد به، والله عز وجل حض على الوقوف في وجه الكافرين، فلا بد من العمل في الدنيا لإعداد العدة لمواجهة الكافرين.

إذاً: فأنا أشتغل في الدنيا لإرضاء الله عز وجل، فأكسب المال لإرضاء الله، وأتزوج لإرضاء الله، وأخلّف لإرضاء الله، وأعمل كل شيء في الدنيا لإرضاء الله، ومن الممكن أن أكون من أغنى الناس في الدنيا، وفي نفس الوقت أرضي الله عز وجل بهذا المال، وفي نفس الوقت أيضاً لا يوجد عندي مانع أن أترك الدنيا بكاملها وأصبح أفقر واحد فيها إرضاء لله سبحانه وتعالى.

إذاً: فهذه علاقة تفاعلية رائعة فقهها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ومعادلة صعبة جداً حققوها بسهولة ويسر، عندما ساروا على منهج الله عز وجل.
إن الدنيا في حقيقتها لا تساوي عند الله شيئاً، ومن ثم فهي لا تساوي عند المؤمنين بالله شيئاً، فلا يجوز التصارع من أجلها، ولا يجوز التشاحن والبغضاء من أجل جزء منها ولو كان عظيماً في أعين الناس، وفي ذات الوقت لا يجوز اعتزالها وتركها وإهمالها، ولا يجوز التأخر فيها، ولا يجوز تركها غنيمة في أيدي أعداء الدين.
إذاً: لنتأمل كيف فقه الصحابة هذا الفقه المستنير لحقيقة الدنيا؟ وكيف حققوا هذه المعادلة الصعبة، بل المستحيلة في أعين الكثيرين؟

إن هناك من الناس من يقول لك: إما دنيا وإما آخرة، ولا ينفع أن تعمل للدنيا والآخرة في نفس الوقت!

وعليه فكيف تكون من طلاب الآخرة، وأنت تعمل في الدنيا وتكافح وتتزوج وتكسب وتفرح وتضحك!؟

إن الصحابة الكرام وصل إليهم هذا الفقه العميق والدقيق عن طريق معلمهم ﷺ ، ومعلم البشرية أجمعين ﷺ ، فوصل إليهم عن طريق كلماته وأفعاله ﷺ ، وعن طريق ما نقله عن رب العزة سبحانه وتعالى من آيات ومعجزات القرآن الكريم، فقد كانت حياته ﷺ تطبيقاً حياً دقيقاً لكل كلمة قالها ﷺ .

... يتبـــــــــ؏.....

عطاء دائم 01-08-23 07:51 AM

سلسلة_كن_صحابياً

5⃣0⃣
الصحابة والدنيا

حقيقة الدنيا،
ما هو حجم الدنيا الحقيقي؟

روى مسلم عن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : (والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه - وأشار يحيى بن سعيد إلى السبابة - في اليم، فلينظر بم ترجع)، وانظر إلى ما ترجع به الإصبع.

فهذا هو حجم الدنيا بالنسبة للآخرة، فالدنيا بأموالها وأملاكها وأرضها ومتعتها وزهرتها ما هي إلا قطرات في الآخرة، والدنيا بكل ما فيها من جنيهات ودولارات وريالات، وكل ما يتعلق به القلب لا تساوي إلا قطرات قليلة بالنسبة لليم إذا قورنت بالآخرة، هذا هو حجم الدنيا، فهل نحن نفهم الدنيا بالحجم هذا، أو أنا أعطيناها حجماً أكبر من هذا الحجم الطبيعي.

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : (مالي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة)، أي: أنه جلس في فترة القيلولة تحت ظل شجرة، ثم قال: (في يوم صائف، ثم راح وتركها)، فحياتك على الأرض كفترة القيلولة التي أخذتها تحت ظل شجرة في صحراء واسعة جداً مررت بجانبها في يوم من أيام حياتك، واليوم قد مضى وانتهى من زمان، فقارن عمرك في الأرض بالفترة التي سوف تعيشها في القبر بعد ذلك، وقارن كل هذا بالخلود في الآخرة، فهناك أناس في قبورهم منذ ألف سنة أو ألفين أو خمسة آلاف، وأنت مهما عشت فكم سوف تعيش؟


ما بين ستين سنة إلى مائة سنة، وبعد هذا العمر ما الذي سيحصل؟
تذهب وتترك هذه الدنيا، وعند البعث يوم القيامة كيف سيكون الوضع؟
لا يوجد موت آخر، وإنما خلود ولا موت، وعيشة إلى ما لا نهاية، إما جنة وإما نار، وأي شيء فيه ما لا نهاية فكم سيساوي؟

يقول علماء الرياضيات: يساوي صفراً، أي: أنه عندما تقول: حياتك على وجه الأرض كما لو كان أحد يأخذ قيلولة فقط تحت ظل شجرة في يوم من الأيام، فهذه مبالغة؛ لأن هذا كثير جداً، فأنت أقل من هذا، فهذه الفترة تساوي صفراً؛ لأنها تقاس إلى ما لا نهاية يوم القيامة.

وروى مسلم عن جابر رضي الله عنهما: (أن رسول الله ﷺ مر بالسوق، والناس كنفتيه أو كنفيه)، روايتان في ذلك، يعني: أن الناس يحيطون به، من هؤلاء الناس؟ إنهم الصحابة، هذا الجيل الذين نريد أن نقلدهم، فأراد الرسول ﷺ أن يعلمهم درساً عملياً: (فمر ﷺ بجدي أسك ميت)، أي: أن أذنيه صغيرتين، والجدي ذو الأذنين الصغيرتين يكون جَدياً معيباً، والناس لا تشتريه حتى وإن كان حياً فكيف إذا كان ميتاً؟ (فتناوله ﷺ فأخذ بأذنه)، أي: أنه مسك بالأذن ليعرّف الصحابة بأن هذا الجدي فيه عيب، ثم قال ﷺ : (أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟)، أي: من يشتري هذا الجدي الذي به عيب وهو ميت أيضاً بدرهم؟

اسأل نفسك نفس السؤال لتعرف ماذا كان رد الصحابة: أتريد أن تشتري جدياً ميتاً في الشارع سواء كان معيباً أو غير معيب بجنيه أو بنصف جنيه؟ (فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟

ثم قال ﷺ : أتحبون أنه لكم؟ -أي: بدون أي مقابل من المال- قالوا: والله لو كان حياً لكان عيباً فيه أنه أسك فكيف وهو ميت؟)، فهم ظنوا أن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يعرف بالعيب، فأرادوا أن يوضحوا له الرؤية فقالوا له: إنه لو كان حياً فلن نأخذه، فما بالك وهو ميت؟ والرسول ﷺ يعرف أن الجدي أسك وفي نفس الوقت ميت، فقال ﷺ : (والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم)، أي: أن الدنيا كلها أهون على الله من هذا الجدي المعيب الميت، فلماذا نحن نتصارع من أجل هذه الدنيا؟

ولماذا نخسر بعضنا من أجلها؟
ولماذا نظلم بعضنا من أجلها؟ ولماذا نجد أناساً يكافح مدة عمره فيظلم ويغش ويعصي من أجل أن يكسب كرسياً أو شقة أو وزارة أو ملكاً في هذه الدنيا؟
مع أن الدنيا كلها أرخص من جدي أسك ميت لا يساوي درهماً ولا أقل من درهم.
أترون كيف كان المثل الذي ضربه الرسول ﷺ للدنيا؟ فلماذا كل هذا الصراع على الدنيا؟

لأن الناس لم تفهم قيمة الدنيا، فهي مشغولة بالمظهر عن المخبر، ولا تعرف حقيقتها، ولم تعمل المقارنة بين الدنيا والآخرة، وذلك هو الجهل والحمق والغفلة، والمهم أن الناس ضائعة؛ لأنها لا تستطيع أن تفهم القيمة الحقيقية للدنيا، ولو فهمت فعلاً لم يكن هذا هو حالها أبداً.

روى الترمذي عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء)، أي: أن الدنيا لا تعدل بعوضة كاملة، بل لا تعدل ولا تساوي جناح بعوضة، لكن نحن نرى الكفار يشربون ماء في طست من ذهب.
أليس هذا حالنا؟!

... يتبـــــــــ؏....

عطاء دائم 01-09-23 07:49 AM

سلسلة_كن_صحابياً

5⃣1⃣

قصة قدوم أبي عبيدة بن الجراح من البحرين بالجزية

تأملوا إلى هذه القصة اللطيفة التي رواها الإمام البخاري ومسلم عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه يقول: (بعث رسول الله ﷺ أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى البحرين)، أي: ذهب إلى البحرين ليأتي بالجزية، والبحرين شرق الجزيرة، وليس المقصود بالبحرين مملكة البحرين حالياً.

وكان يعيش هناك مجوس يدفعون الجزية لرسول الله ﷺ ، فذهب أبو عبيدة بن الجراح إلى هناك وأتى بالجزية إلى رسول الله ﷺ ، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافت صلاة الصبح مع النبي ﷺ ، والمدينة المنورة لها ضواح كثيرة، وكل ضاحية فيها مسجد يصلي الناس فيه؛ لأن بيوتهم كانت بعيدة عن مسجد رسول الله ﷺ الذي في وسط المدينة المنورة، فلم يكونوا يصلون الصبح والعشاء مع رسول الله ﷺ ، بل كانوا يصلونها في مساجدهم، ويأتون فقط في الأمور الجامعة، أي: أنه من الممكن أن يأتوا في صلاة الجمعة أو في صلاة العيد أو عندما يكون هناك استنفار لأمر ما، فهم في هذه المرة سمعوا بقدوم أبي عبيدة فوافوا رسول الله ﷺ في مسجده في صلاة الصبح، فلما صلى بهم الفجر انصرف فتعرضوا له، أي: أنهم اعترضوا له في الطريق والرسول ﷺ خارج من صلاة الصبح،
وهو يرى أن هؤلاء الناس ليس من عادتهم أن يصلوا الصبح معه في مسجده، فلما رآهم النبي ﷺ وعرف سبب مجيئهم تبسم رسول الله ﷺ في وجوههم وقال: (أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء؟

قالوا: أجل يا رسول الله! قال: فأبشروا وأملوا ما يسركم) أي: أنه سوف يعطيهم ما يشاءون، لكن في نفس الوقت سيعطيهم درساً تربوياً في غاية الأهمية، فهو ﷺ يستغل الفرصة لذلك، ففي البداية ابتسم لهم وقال لهم: أبشروا وأملوا، ومن ثم أعطاهم الدرس فقال ﷺ : (فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسط عليكم الدنيا)، أي: أن الذي يخاف عليهم منه هو الدنيا، ولو بقوا فقراء فإنه لا يخاف عليهم، لكنه يخاف عليهم من المال، ويخاف عليهم من الدنيا، تجد الفقراء مستريحين، لكن الأغنياء غير مستريحين،
فتراهم يتساءلون: بكم الدولار في هذا اليوم؟

لماذا الناس تطمع فيِّ؟
فلان هذا يريد أن يكون أفضل مني، فلان أمواله كثرت على أموالي، فكيف أن أنافسه؟
كيف أضربه في السوق؟
كيف أدفعه من أمامي؟
كيف أتملك وأسيطر؟

فالغني لا يستطيع النوم ولا الراحة؛ لأنه في قلق وحيرة وهم، والفقير ينام في الشارع وهو في منتهى الأمان، بينما الملك أو السلطان يحيط به الحراس الكثيرون من الجنود والكتائب ومع ذلك ينام وهو خائف، فهو يتلفت يميناً وشمالاً، يا ترى هل أحد سوف يعمل لي أي شيء؟ هل هناك من يدبر لي أي شيء؟ تجده في خوف وجزع وهم.

فهذه هي الدنيا، وانظر إلى الفقير كيف هو فيها، وانظر إلى الغني كيف هو فيها أيضاً.

إذاً: ما هي السعادة؟
وكيف يمكن أن يكون الشخص سعيداً وهو حيران كل هذه الحيرة، وقلق كل هذا القلق؟

(فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم)، ما الذي سوف يحصل إن بسطت علينا الدنيا؟
تأمل هذا الكلام الحكيم، يقول: (فتنافسوها كما تنافسوها فتُهلككم كما أهلكتهم)،

فنجد هنا أن الرسول ﷺ يخاف علينا من الدنيا، ولم يكن هذا التحذير مرة أو مرتين في حياة الرسول ﷺ ، بل كان كثيراً جداً؛ فقد كان كلما جلس مع الصحابة خوفهم من أمر الدنيا.

... يتبـــــــــ؏...

عطاء دائم 01-09-23 07:50 AM

سلسلة_كن_صحابياً

5️⃣2️⃣

تحذير النبي ﷺ لأصحابه من الدنيا

روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (جلس رسول الله ﷺ على المنبر وجلسنا حوله، فقال: إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يُفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها)، فلم يكن يخاف عليهم من فارس أو الروم، ولم يكن يخاف عليهم من المشركين أو اليهود؛ لأن هذه الأشياء يستطيعون أن يتصرفوا معها، وإنما الخوف عليهم هو من الدنيا.

فانظر إلى نفسك في حياتك، فمن المؤكد أنها قد مرت بك ظروف أو مرت بك أمثلة في الدنيا، فرأيت شخصاً كان مريضاً وكان طائعاً لربنا سبحانه وتعالى، وعندما أغناه سبحانه وتعالى ما الذي وقع؟ كثير منهم ابتعدوا عن طريق الله عز وجل، ونحن نرى هذا كثيراً جداً، وربما يكون قد حصل معنا شخصياً، نسأل الله السلامة.

وروى مسلم أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : (إن الدنيا حلوة خضرة)، أي: أن الدنيا حلوة، وشكلها أخضر كالنبات الجميل الزاهي، لكن هل هناك نبات مهما كان جماله يبقى على الدوام؟ مستحيل، فكل نبات مصيره إلى الفناء ومصيره إلى أن ييبس؛ وهكذا الدنيا حلوة خضرة وسوف تنتهي، ثم يقول: (وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون)،

وانظر إلى هذا الفهم العميق، فالله عز وجل قد استخلفنا في هذه الدنيا وهو مراقب لنا في كل خطوة، وما الدنيا إلا اختبار وابتلاء وامتحان، وهذا هو الذي يجب ألا يغيب عن أذهاننا أبداً، فنحن في اختبار دائم، ونحن في اختبار مستمر، والدنيا عبارة عن استخلاف للابتلاء والاختبار، فكل حركة لك في الدنيا ينظر إليها الله، فهل أنت مشيت يميناً أم شمالاً،

فلو قال لك: امش يميناً فمشيت فلك حسنة، ولو مشيت شمالاً عليك سيئة، وعُدَّ على هذا جميع خطوات حياتك، فالدنيا اختبار، ولهذا سيأتي في نفس الحديث القليل في كلماته والعميق جداً في معانيه، يقول: (فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) قد يُفتن الإنسان أولاً بالمال أو بالمنصب أو بالسلطة أو بالصحة أو بالقوة أو بأي فتنة أخرى، ثم تأتي جميع الفتن عندما يقع في فتنة من هذه الفتن، نسأل الله السلامة.

إذاً: مع أن الحديث قليل جداً في كلماته لكنه عميق جداً في المعنى الذي يوضحه، فالدنيا شكلها جميل ومبهر لكنها إلى زوال، والله سبحانه وتعالى جعلها هكذا جميلة في مظهرها الخارجي؛ لتكون اختباراً حقيقياً للناس، فاحذر يا مؤمن أن تنشغل بجمال الدنيا عن امتحانها، الغاية أنك تدخل الامتحان، وليست الغاية أن تنبهر بالجمال الموجود في الدنيا، والمثال يوضح ذلك: فلو أن طالباً دخل قاعة الامتحان، ثم وزعت بعد ذلك ورق الامتحان، فجلس مبهوراً بحلاوة شكل الورقة وطريقة طباعتها، ونوع المادة التي صنعت منها الورقة، ولون الطباعة والتخطيط الذي في الورقة، وبقي على هذه الحال ساعة وساعتين وثلاثاً حتى انتهى الوقت، ثم قال له شخص: انتهى الوقت ولا يوجد وقت إضافي، عند ذلك لا يستأخر ساعة ولا يستقدم، فما هو رأيكم في هذا الطالب؟

أنا لا أريد منكم استغرابكم من هذا الطالب؛ لأن كثيراً منا مثل هذا الطالب، وكثيراً منا من ينبهر بشكل الورقة وينسى الامتحان، وكثيراً منا من ينبهر بشكل الدنيا وينسى الامتحان، ثم يأتي في وقت ينتهي فيه الامتحان ولا يوجد هناك رجوع ولا يوجد وقت إضافي، وكذلك عندما تنتهي الدنيا تنتهي، سواء كانت هذه النهاية بنهايتك شخصياً أو بنهاية الأرض كلها، ولا يوجد أحد في هذه الأرض سيخلّف: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30].

وقال تعالى: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34] لا يمكن ذلك، فهذه الحقائق لا بد أن نعيها جيداً، والرسول ﷺ قد اجتهد مرة ومرتين وثلاثاً وعشراً وعشرين على أن يعلمها الصحابة ويعلمنا بعد هذا، فانتبه يا مسلم! أن تنسى هذه الحقائق.
وتأملوا إلى الرسول ﷺ وهو يمشي خارج المدينة مع أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه، فأخذا يمشيان حتى وصلوا إلى جبل أحد خارج المدينة،

روى البخاري ومسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (كنت أمشي مع النبي ﷺ في حرة المدينة، فاستقبلنا أحد، فقال: يا أبا ذر! قلت: لبيك يا رسول الله، قال: يا أبا ذر أي جبل هذا؟

قلت: أحد، فقال: ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهباً تمضي عليّ ثلاثة أيام وعندي منه دينار، إلا شيئاً أرصده لدين)، يعني: امتلاك جبل من الذهب ليس من أسباب السعادة والسرور، لكن أنا أحتاجه فقط في حالتين: الحالة الأولى: (إلا شيئاً أرصده لدين)،

والحالة الثانية: (إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه)، أي: أنه يوزع هذا الجبل.

... يتبـــــــــ؏....

عطاء دائم 01-10-23 08:02 AM

سلسلة_كن_صحابياً

5⃣3⃣

حال النبي ﷺ مع الدنيا
لم يكن الرسول ﷺ يحذر الناس من الدنيا ثم يتنعم هو بها، أبداً، فانظروا إلى الصحابة كيف كانت تصف حياة الرسول ﷺ ؟

روى مسلم والترمذي وأحمد وابن ماجه واللفظ لـ ابن ماجه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (رأيت رسول الله ﷺ يلتوي من الجوع ما يجد من الدقل -والدقل: رديء التمر- ما يملأ به بطنه)، فكيف من الممكن بعد هذا أن تَكْبُر الدنيا في عيني عمر بن الخطاب وفي عيون الصحابة، لكن تعال وقل ألف كلمة وألف خطاب وألف مقال عن الزهد من غير تطبيق، ليس من الممكن أن يكون لها أي قيمة، فالذي جعل لكلام الرسول ﷺ قيمة كبيرة جداً أن حياته كانت مثالاً عملياً لكل كلمة يقولها ﷺ .

وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (نام رسول الله ﷺ على حصير، فقام وقد أثّر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء، فقال: ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها)، أرأيتم ما الذي حصل بعد هذا؟ لقد تغيرت الدنيا على الرسول ﷺ ، ذاك الذي كان مُطارداً ومُشرّداً ولم يجد أحداً ينصره، لقد أصبح رئيس دولة، وأصبح مُمَكَّنٌ في الأرض، وأصبح عنده بيت مال، وتأتي له الغنائم والجزية من أماكن كثيرة جداً، فكل الدنيا قد تغيرت من حوله، لكن عليه الصلاة والسلام لم يتغير إلى أن مات، وتأمل عند موته ما الذي حصل؟

فقد روت السيدة عائشة ذلك فتقول: (توفي رسول الله ﷺ وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد)، يعني: أي خلق من إنسان أو حيوان، فهو يشمل جميع الخلق، (وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي)، أي: كل الذي كان عندي هو شطر شعير في رف لي، وأين ذلك؟ في بيت زعيم الأمة وقائد الدولة،

ولا تستغربوا من ذلك فالرسول ﷺ يعرف قيمة الدنيا، والذي يستغرب منه حقاً هو الذي يؤمن بالآخرة وحجمها ولم يعمل لها، وهو الذي يعمل أربعاً وعشرين ساعة في اليوم والليلة في الدنيا وهو يعلم أنها زائلة، وما أنفق في سبيل الله ساعة وهو يعلم أن الآخرة باقية!!

هذا الذي بالفعل يستغرب منه، ولا يستغرب من واحد يعرف أن الدنيا كلها قطرات، ولهذا لم يأخذ منها شيئاً وتركها، فهو سائر عمره يركز على أمر الآخرة.
ومع كل هذا الوصف لحياة رسول الله ﷺ ، إلا أنه عليه الصلاة والسلام كان يعيش حياة متوازنة، فكان يعمل ويتكسب المال، وكان إذا أفاء الله عليهم بفيء كان له خمسه، والفيء: هي الغنيمة التي تأتي من غير قتال، وكان يتزوج النساء، وكان يُنجب الأطفال، وكان إذا حضر الطعام وفيه شاة أكل من كتفها، وكان إذا أُهديت له بردة من الصوف لبسها ﷺ ، ولم يكن يعتزل الناس أو يعتزل الحياة أو يعتزل الدنيا مع كل هذا الكلام عن الدنيا، وكان يجعل أصحابه على الولايات، وكان يعطيهم من الأموال، وكان يأمرهم بالعمل، وينهى ﷺ عن الكسل والخمول والدعة فقد كان يعمل في الدنيا أي عمل مهما كان بسيطاً،

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال النبي ﷺ : (لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو إلى الجبل فيحتطب فيبيع فيأكل ويتصدق خير له من أن يسأل الناس)،

وفي راوية: (خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه) فانظر إلى هذا التوجيه النبوي، فلو عملت حمّالاً أو بيّاعاً للحطب فليس عيباً ولا حراماً، فهذا خير من أن تمد يديك إلى الناس، وتأمل إلى الجمال في التعليم النبوي: (فيحتطب فيبيع فيأكل ويتصدق)، فليس فقط يأكل، لكنه يأكل ويتصدق، فيُصبح له فضل على غيره، فبدلاً من أن تمد يديك إلى الناس اعمل وتصدق على الناس، ولا تقعد في البيت عاطلاً؛

فالرسول ﷺ كان يشجع الناس على العمل، ومع كل هذا التخويف من أمر الدنيا إلا أنه يأمرك ألا تقعد في البيت من غير شغل.

فهذا هو التوازن الذي كان يقصده الرسول ﷺ في حياته، وبهذه النظرة المتوازنة انطلق الصحابة في أرض الله عز وجل يعملون ويتكسبون، وينفقون على أنفسهم وأهليهم، ويتاجرون، ويزرعون، ويجاهدون في سبيل الله، ويُصيبون الغنائم، ويتولون المناصب والقيادات، ويخالطون الناس وغير ذلك، ومع ذلك لم تمثل لهم الدنيا شيئاً في أعينهم، فما أسهل بذلهم لها في سبيل الله، وما أيسر تنازلهم عنها لإخوانهم، حتى لمن لا يعرفون.

... يتبـــــــــ؏...

عطاء دائم 01-10-23 08:03 AM

سلسلة_كن_صحابياً

5⃣4⃣

نماذج من تعامل الصحابة مع الدنيا وقصة عزل سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه.

تعالوا لنعيش مع الصحابة في تعاملهم مع الدنيا، ونتعلم من الصحابة كيف كانوا يتعاملون مع الدنيا، وسنتحدث عن قصة سبق وأن تحدثنا عنها بالتفصيل في فتوح الشام، وأعطينا لها درساً كاملاً، إنها قصة خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه عندما عزله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أول توليه للخلافة، عزله وهو في قمة انتصاره الساحق على جيوش الإمبراطورية الرومانية الرهيبة،

وكان ذلك بعد موقعة اليرموك التي انتصر فيها المسلمون بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه، فقد كان عدد الروم مائتي ألف رومي، وعدد المسلمين تسعة وثلاثين ألفاً.
ولننظر إلى عظمة جميع المشاركين في هذا الحدث، وهو حدث عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه، ورضي الله عن صحابة رسول الله ﷺ أجمعين.

موقف سيدنا عمر بعد عزله لسيدنا خالد رضي الله عنهما

تعالوا لننظر إلى عظمة عمر بن الخطاب الذي عزل خالد بن الوليد، قال عمر بن الخطاب: إني لم أعزل خالداً عن سخطة ولا عن خيانة، ولكن الناس فُتنوا به، فخشيت أن يوكلوا إليه ويُفتنوا به، فتأمل إلى فهم وتفكير عمر بن الخطاب، فقد كانت فتوح الشام وسيلة لدخول الناس الجنة، لكن إن كانت هذه الوسيلة ستبعدنا عن الجنة فليس من الضروري فتحها؛ لأن القضية في حياة المسلمين ليست معركة أو موقفاً أو جيشاً، لا، وإنما القضية قضية دنيا وآخرة، فالناس قد فُتنت بـ خالد رضي الله عنه، واعتقدت أن النصر من عنده وليس من عند الله عز وجل، فكلما كان خالد بن الوليد موجوداً ينتصرون، وإذا كان خالد بن الوليد في مكان آخر يُغلبون.

إذاً: فالنصر جاء من عند خالد !
وهذا الفهم في منتهى الخطورة على عقيدة الناس، ولأن سيدنا عمر بن الخطاب حريص على حياة الناس في الجنة وليس على حياتهم في الشام عزل خالد بن الوليد وهو في أشد الاحتياج إليه، فجيوش المسلمين موزعة بين فارس والروم، ونصر خالد نصر لـ عمر بن الخطاب، وكل الأراضي التي أدخلها خالد بن الوليد في ملك المسلمين، هي في ملك عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، فليست المشكلة أن الأراضي تزيد، ولا الانتصارات تتوالى، وإنما القضية قضية دنيا وآخرة، فيا ترى هل هؤلاء الناس الذين سيكسبون المعركة من أهل الجنة أم من أهل النار؟

هذه هي القضية التي شغلت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وليس عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي يعزل خالداً من أجل مشاكل شخصية أو خلافات قديمة، كما يقول بعض المستشرقين، أو بعض الناس التي فُتنت بمناهج المستشرقين، وليس عمر الذي يضحي بجيشه من أجل أشياء كانت بينه وبين خالد رضي الله عنه وأرضاه، ويُعلم أيضاً من سيرة عمر بن الخطاب أن الدنيا قد غيّرت في حياة كثير من الناس، لكنها لم تغير شيئاً في عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.

إذاً: فالقضية أن حسابات الدنيا في ذهن عمر لا تساوي شيئاً إلى جوار حسابات الآخرة، فنأخذ الجيوش ونفتح البلاد، ونأخذ الغنائم والسبايا، ونعيش في الدنيا، لكن ليس على حساب الآخرة أبداً، فأوقف عمر الفتوح في فارس سنة سبع عشرة للهجرة؛ لسبب عجيب، وأنا أعتقد أنه لم يتكرر في الأرض ولا مرة إلا في تلك المرة فقط، ألا وهو كثرة الغنائم، فقد فُتن الناس بالدنيا وتغيروا، فأوقف الفتوحات والانتصارات وحافظ على المسلمين من الدنيا؛ لأنه لم ينس كلمة الحبيب صلى الله عليه وسلم: (فاتقوا الدنيا)، فهو على حذر تام طيلة حياته من الدنيا، ولهذا عزل خالد بن الوليد لكي لا يُفتن الناس بالدنيا.

فانظروا إلى هذا الفهم العميق الذي كان عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وانظروا إلى هذه التضحية العظيمة، فقد ضحى بعزل أكبر قائد من قواته وفي أحرج اللحظات، فهذا هو القائد الناجح، وهذا هو القائد المسلم الذي ينفع أن يكون قائداً في المسلمين.

... يتبـــــــــ؏..

عطاء دائم 01-11-23 08:13 AM

سلسلة_كن_صحابياً

5⃣5⃣

نماذج من تعامل الصحابة مع الدنيا وقصة عزل سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه.

موقف سيدنا أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه من عزل سيدنا خالد رضي الله عنه

ننتقل إلى موقف أبي عبيدة بن الجراح الذي عُين قائداً بدلاً من خالد بن الوليد رضي الله عنه، ولنرى موقف الزعيم الجديد للشام، فقد أصبح رئيساً لقطاع كبير من الدولة الإسلامية، فهو أمير الشام وما أدراك ما الشام؟ إنها من أغنى الولايات الإسلامية في ذلك الوقت بعد أن فُتحت، فعندما جاءه خطاب التعيين، ما الذي عمله مع هذا الخطاب المهم جداً؟

هذا الخطاب الذي معظم سكان الأرض يتمنى سطراً واحداً منه، فإن الإنسان ليتمنى أن يكون أميراً على شركة صغيرة أو على قطاع أو مصلحة، لكن ماذا كان حال أمير الشام؟ لقد كانت المفاجأة من أبي عبيدة بن الجراح أنه أخفى خطاب العزل لـ خالد بن الوليد، فهو لا يريد أن يكون زعيماً، ولم يُعلم خالد بن الوليد بذلك، ثم أتاه خطاباً آخر من عمر بن الخطاب.

لأن عمر بن الخطاب كان يعلم أن أبا عبيدة سيأخذ الخطاب ويخبئه ويرفض الإمارة، لكنه رضي الله عنه خبأ الخطاب الثاني حتى انتهت المعركة بقيادة خالد، ووصل الخبر إلى خالد بن الوليد من طريق آخر، أي: أن هناك شخصاً آخر أخبر خالداً بعزل عمر بن الخطاب له، وهو لم يكن يعرف بعد أن أبا عبيدة تم تعيينه أميراً على الجيش، فذهب مسرعاً إلى أبي عبيدة ليلومه على ذلك، فقال أبو عبيدة لـ خالد بن الوليد: وما سلطان الدنيا أريد، وما للدنيا أعمل، وما ترى سيصير إلى زوال وانقطاع.

أي: ما ترى يا خالد من الملك والإمارة والسلطة سوف يذهب، وإنما نحن إخوان وقوام بأمر الله تعالى، سواء الحاكم والمحكوم، أو القائد والجندي، وما يضر الرجل أن يلي عليه أخوه في دينه لا دنياه، بل يعلم الوالي أنه يكاد أن يكون أدناهما إلى الفتنة.

أي: فتنة الإمارة وفتنة الدنيا.
ثم قال: وأوقعهما في الخطيئة، لما يعرض له من الهلكة، إلا من عصم الله عز وجل، وقليل ما هم.

أي: أن القليل جداً من الأمراء الذين لا يقعون في الدنيا، فلماذا أطلب الإمارة إذا كانت خطرة على ديني، وسوف تصعّب عليّ امتحان الدنيا؟ مسكين فعلاً هذا الذي لا يفهم حقيقة الدنيا.

ثم قام أبو عبيدة وخطب في جيش المسلمين يعظّم من أمر خالد فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (خالد سيف من سيوف الله، نعم فتى العشيرة)، فلا يظن ظان أن خالداً عُزل لنقص في دينه أو ضعف في رأيه، أبداً، فالرسول ﷺ بنفسه مدحه وسماه: سيف الله.

انظروا إلى عظمة أبي عبيدة بن الجراح عندما يقول هذا الكلام في هذا الموضع، يعظّم من القائد الذي عُزل وهو قد جُعل في مكانه، وليس أن يذكر سيئاته السابقة وأنه كان يعمل كذا وكذا، بل يعظم من أمر خالد وغير مسرور لتولي الإمارة، لماذا كل هذا؟

لأنه يعرف قيمة الدنيا، ولو أنه لم يعرفها لكان فرحاً جداً بأنه قد أصبح أميراً على الشام.

... يتبـــــــــ؏....

عطاء دائم 01-11-23 08:14 AM

سلسلة_كن_صحابياً

5⃣6⃣

نماذج من تعامل الصحابة مع الدنيا وقصة عزل سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه.

عظمة خالد بن الوليد رضي الله عنه وموقفه من عزل عمر له
برزت عظمة خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، هذا الرجل الذي كان في أعظم درجات الملك، وفي أعلى درجات التفوق والانتصار، فقد كان جيش المسلمين في الشام قبل أن يأتي خالد بن الوليد في أزمة خطيرة، ولم يستطع أن يحقق إلا نصراً يسيراً جداً، وظل شهوراً لا يستطيع أن ينتصر، بينما سيدنا خالد كان في العراق له انتصاراته الأولى والثانية والثالثة، ففكر سيدنا أبو بكر بنقل خالد من العراق لينقذ جيوش الشام، وعندما أتى خالد من العراق إلى الشام، وهو في طريقه إلى جيش الشام حقق خمسة انتصارات في الشام، وهذا قبل أن يقابل جيش الشام، وبعد أن قابل جيش الشام كانت موقعة اليرموك الخالدة، أي: أن سيدنا خالداً كان يعمل عملاً لا يستطيع أحد تصوره حتى الناس الذين يعيشون معه، سواء من الصحابة أو غيرهم،

وهنا سيدنا أبو بكر يقول: أعجزت النساء أن يلدن مثل خالد؟
فانظروا إلى خالد وهو في قمة هذا الانتصار يعزل،
فماذا كان ردة فعله؟

إن خالداً في كل هذا الطريق وفي كل هذه الانتصارات لم يقل كلمة (أنا) مرة واحدة، بل كان دائماً ينسب الأمر إلى الله عز وجل، وتأمل إلى هذا الموقف في موقعة اليرموك لأحد الجنود المسلمين، إذ يقول بعد أن نظر إلى أعداد الروم الهائلة: ما أكثر الروم وأقل المسلمين، فسمعه خالد بن الوليد فقال له في ثقة شديدة، ثقة الرجل الواثق من ربه سبحانه وتعالى: اصمت أيها الرجل، بل ما أقل الروم وما أكثر المسلمين، إنما تكثر الجنود بنصر الله عز وجل، وتقل الجنود بالخذلان لا بعدد الرجال، ووالله لوددت أن الأشقر -أي: فرسه- براء من توجعه وأنهم أُضعفوا في العدد.

أي: وددت أن يكون فرسي سليماً والرومان أربعمائة ألف.
فـ خالد بن الوليد عندما أتاه قرار العزل سلّم الراية بدون تردد إلى أبي عبيدة بن الجراح، وقال: ما عليّ أن أقاتل في سبيل الله قائداً أم جندياً.
أي: ما دام أن ذلك كله في سبيل الله فلا فرق بين أن أكون قائداً أم جندياً؛ لأنه في النهاية كله في سبيل الله، والغاية هي إرضاء الله عز وجل، سواء أرضاه في كرسي الحاكم، أو في كرسي المحكوم، أو في كرسي القائد، أو في كرسي الجندي،

ففي النهاية أنت ترضي الله عز وجل.
ثم قام يخطب في الجيش ويقول: بعث عليكم أمين هذه الأمة، وقد سمعت رسول الله ﷺ يقول: (أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح) ولم يقل: بماذا فُضِّل عليّ؟ ولم يقل: ما الذي فعله أبو عبيدة قبل أن آتي من العراق؟ ولم يخبر أنه قد ظُلم بهذا القرار، مع أن كل الجيش كان يحبه حباً لا يوصف،

لكن لو كان قال هذا الكلام لأحدث فتنة، لكنه لا يريد ذلك، ولماذا الفتنة؟
من أجل الدنيا، هو يعرف قيمة الدنيا، فهي لا تساوي عنده شيئاً.
فقد خاض رضي الله عنه معارك كثيرة جداً، حتى قيل: إنها قد تجاوزت المائة، وانتصر فيها جميعاً دون هزيمة واحدة، وغنم غنائم شتى، وربح أموالاً عظيمة، ولم يترك بعد موته إلا فرساً وسلاحاً وغلاماً فقط من كل هذه الدنيا، بل وأمر بإرسالها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وقال: اجعلوها عُدة في سبيل الله،
لكن من يستطيع أن يحمل سيفه بعد موته؟
من يستطيع أن يركب خيله؟
أين ذهبت أمواله وغنائمه؟

لقد أنفقها جميعها في سبيل الله، فقد كان جواداً عظيم الجود، كريماً واسع الكرم، يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ولا عجب فهو تلميذ نجيب لرسول الله ﷺ .
ما هو أكثر ما تمتع به خالد بن الوليد رضي الله عنه في حياته؟ قال خالد بن الوليد: ما من ليلة يهدى إليّ فيها عروس أنا لها محب، أو أبشر فيها بغلام أحب إليَّ من ليلة شديدة البرد كثيرة الجليد، في سرية من المهاجرين، أصبّح فيها العدو.
فهذه هي متعته في الدنيا، وليست السلطة ولا الإمارة ولا الأموال ولا النساء، بل الجهاد في سبيل الله، وليس أي جهاد، بل الجهاد الصعب الخطير في البرد والليل والجيش القليل والعدو الكثير، فهذا هو خالد بن الوليد وهذه متعته.

وقال وهو على فراش الموت: لقد طلبت القتل في مظانه، فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عملي شيء أرجى عندي بعد التوحيد من ليلة بتها وأنا متترس، والسماء تهلني -أي: تمطر علي- ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار.
ثم قال كلمته المشهورة وهو يبكي: لقد لقيت كذا وكذا زحفاً، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم، وها أنا أموت حتف أنفي كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء.

فهذه حياة عظيمة خالدة، أتظنون أن ضرب السيوف أو رمي السهام لم يكن يؤلم خالد بن الوليد؟

بل كان يؤلمه، لكنه فقه حقيقة الدنيا، وعلم أنها أيام قليلة يقضيها ثم يموت وأن الحياة الحقيقية هي الدار الآخرة.

... يتبـــــــــ؏...

عطاء دائم 01-12-23 08:04 AM

سلسلة_كن_صحابياً

5️⃣7️⃣

الصحابة والجنة

الجنة هي النعيم الذي لا ينفذ، وهي التي دندن حولها النبي ﷺ والصحابة أجمعون، فاشتاقت نفوسهم إلى هذا النعيم الدائم، وتفاعلوا معها أعظم التفاعل، فضربوا لنا أروع الأمثلة في ذلك، فقدموا أرواحهم وأموالهم رخيصة في سبيل الوصول إلى ذلك.

الجنة والخلود فهي مطلب كل مسلم

في الحقيقة هذه نقطة محورية فعلاً في بناء الفرد المسلم والمجتمع المسلم، والأمة الإسلامية بكاملها.
فيا ترى كيف فهم الصحابة حقيقة الجنة؟
وكيف كان تعاملهم مع حقيقة الجنة؟

عندما تدرس حياة الصحابة ستجد أن تفاعل الصحابة مع قضية الجنة مختلف جداً عن تفاعل معظم اللاحقين بعد ذلك، وأنا أعتقد أن هذا الاختلاف كان سبباً رئيساً من الأسباب التي أدت إلى أن جيل الصحابة وصل إلى هذه الدرجة السامية الرفيعة من الأخلاق، ومن الاعتقاد في الله عز وجل، ومن العمل في سبيل الله عز وجل، لذا كانت الجنة نقطة محورية في حياة كل الصحابة، لكن قد تجد أناساً كثيرين الآن من الذين لديهم علم كبير جداً من العلماء الأفاضل،
ومن كبار الدعاة عندما يأتي ويتكلم عن الجنة تحس أنه يتكلم على شيء نظري، ولا تشعر في كلماته بالأحاسيس التي كان يشعر بها فالصحابي، فالصحابي حتى وإن كان بسيطاً في علمه، أو قليلاً في معلوماته، لكن عندما يعرف معلومة واحدة عن الجنة فإنها تبقى معه إلى أن يموت، حتى لو كان أعرابياً بسيطاً، وحتى لو كانت لغته ضعيفة مقارنة بكبار الصحابة، لكن كانوا يتأثرون بالجنة تأثراً قوياً جداً، وأنا أشعر أن هذا فارق جوهري؛ لذلك أتمنى أن يركز كل سامع لهذه المحاضرة مع هذه المعاني، وأن يعيش فيها معايشة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.

وأنا أعتقد أنه عندما تصبح الآخرة في أعيننا كما هي في أعين الصحابة ستتغير -ولا شك- مناهجنا في الحياة، وسنفكر بطريقة أخرى، وسنرتب أولوياتنا بطريقة أخرى، وسنسعد بطريقة مختلفة، وعلى أشياء ليست كالأشياء التي نسعد لها الآن، وسنحزن أيضاً بطريقة مختلفة، وعلى أشياء ليست كالتي نحزن عليها الآن.
فيا تُرى من منا يحزن الحزن الذي يقعده في الفراش عندما تفوته تكبيرة الإحرام مثلاً كما كان يحدث مع بعض الصحابة؟ ويا تُرى كم فينا من يحزن على فوات قيام الليل؟ أو على فوات صلاة الفجر الذي هو أصلاً فرض من الفروض؟
وكم واحداً لو فاتته صلاة الفجر واستيقظ وقد طلعت الشمس يبقى حزيناً طوال اليوم؛ لأنه فاتته صلاة مفروضة كان عليه أن يصليها في وقتها؟! ويا تُرى كم فينا من يحزن على أن أحد أصحابه بعيد عن الله تعالى، وأن ربنا لم يهده بعد، وهو يحبه حباً شديداً ويراه على ضلالته، ويراه بعيداً عن الطريق، فهل سيحزن عليه حزناً حقيقياً أم أن الأمر لا يهمه؟ مثلما أن الناس يسيرون في الشارع يعبدون الله أو لا يعبدونه لا فرق عندنا! ويا تُرى من منا يحزن أن فاتته معركة في سبيل الله، أو جهاد في سبيل الله؟

الناس الذين يأتيهم إعفاء من الجيش هذه الأيام يفرحون بينما الصحابة الذين يفوتهم الجهاد في سبيل الله يحزنون على ذلك.

وكم واحد منا حزين على فلسطين وعلى العراق وعلى كشمير وعلى الشيشان وعلى الصومال وعلى السودان وعلى غيرها من البلدان؟ إننا لو فهمنا ما معنى الجنة وما معنى النار مثلما فهم ذلك الصحابة؛ فإن كل شيء في حياتنا سيتغير تغييراً شاملاً، بل وكاملاً لمنظومة الحياة بكاملها.

وتعالوا لنرى كيف كان تفكير الصحابة في الجنة؟
وكيف كانوا من أهل الجنة وهم ما زالوا على وجه الأرض؟

... يتبـــــــــ؏...

عطاء دائم 01-12-23 08:05 AM


سلسلة_كن_صحابياً

5⃣8⃣

الصحابة والجنة
اشتياق ربيعة بن كعب الأسلمي للجنة

فهذا ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه وأرضاه، له موقف يهزني فعلاً من الأعماق، حتى ولو تكررت قراءتي له فإنني سأقف مذهولاً أمام هذا العملاق ربيعة بن كعب رضي الله عنه وأرضاه، مع أن كثيراً منا ربما لا يسمع عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه وأرضاه.

ربيعة بن كعب هو: خادم رسول الله ﷺ وشاب صغير جداً، فعمره دون العشرين، وهو من أهل الصفة، وخبرته في الحياة قصيرة، ليس أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، ولا أي واحد من الكبار الذين نسمع عنهم، وإنما هو من عوام الصحابة.
وعلاوة على أنه صغير في السن، فهو من أهل الصفة، يعني: من الناس الفقراء جداً الذين ليس لهم بيوت، وإنما قد اتخذوا المسجد بيتاً، فيصرف عليهم أهل الخير في المدينة المنورة، وأيضاً ليس بمتزوج، بل إنه معدم لا يجد ما يسد رمقه في كل يوم، فلو كان أحدنا مكان ربيعة بن كعب ماذا كان سيتمنى؟

تخيل كم من الأحلام والآمال والأمنيات التي من الممكن أن تكون عند هذا الإنسان،

لكن قبل ذلك اسمع معي هذه القصة التي وردت في صحيح مسلم وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله جميعاً، يقول ربيعة بن كعب رضي الله عنه: (كنت أخدم رسول الله ﷺ ، وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع -طوال النهار هو شغال في خدمة النبي ﷺ - حتى يصلي رسول الله ﷺ العشاء الآخرة -أي: صلاة العشاء- فأجلس ببابه إذا دخل بيته)، فالرسول بعد صلاة العشاء يذهب إلى بيته؛ لأن الحركة في المدينة المنورة تنتهي بعد العشاء بالنوم،

لأجل يبتدئوا يومهم قبل الفجر بقيام الليل، ثم صلاة الفجر ويبتدئ اليوم بصورة طبيعية، ثم قال رضي الله عنه: (لعلها أن تحدث لرسول الله ﷺ حاجة)، وانظر إلى أي درجة وصل التفاني في خدمة رسول الله ﷺ .

قال ربيعة: فما أزال أسمعه يقول: سبحان الله سبحان الله سبحان الله وبحمده، وفي رواية: الحمد لله رب العالمين، يعني: طيلة جلوسه وهو في ذكر ﷺ ،
يقول ربيعة: حتى أمل؛ فأرجع، أو تغلبني عيني فأرقد، إما أن أمل من طول القيام وأذهب إلى المسجد للنوم، أو أبقى في مكاني وأنام على باب بيت رسول الله ﷺ من طول المقام.

فالرسول عليه الصلاة والسلام عندما رأى ربيعة وهو ذاهب وآت في خدمته، قال ربيعة: فقال لي يوماً -لما يرى من خفتي له وخدمتي إياه-: يا ربيعة! سلني أعطك، أي: اطلب يا ربيعة! تمن يا ربيعة!

قل ماذا تريد؟

وتخيل نفسك مكان ربيعة ورسول الله ﷺ وهو رئيس المدينة المنورة ورئيس الدولة يقول لك: اطلب يا فلان! والذي تريده أنا سأحاول أن أوفره لك، سل يا فلان أعطك.
ثم انظر إلى فقره وحاجته الشديدة؛ لا يجد ما يأكل أو يشرب أو يلبس أو يتزوج، والرسول ﷺ يقول له -وهو رئيس الدولة بالمدينة المنورة-: اطلب يا ربيعة! ولنتأمل ربيعة بن كعب رضي الله عنه وأرضاه على هذا العرض المغري من رسول الله ﷺ ،
يقول ربيعة: فقلت: أنظر في أمري يا رسول الله! ثم أعلمك ذلك، يعني: أعطني فرصة لأفكر، يقول ربيعة: ففكرت في نفسي فعرفت.

وانتبه هنا وضع في ذهنك الخلفية التي صورتها لك لحالة ربيعة بن كعب الأسلمي من ناحية الإمكانيات المادية، ومن ناحية الوضع الاجتماعي في المدينة المنورة، يقول: ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة زائلة، وتذكرون المحاضرة التي سبقت: الصحابة والدنيا، وانظر إلى هذا الشاب الصغير كيف أنه فاهم لحقيقة هذه الدنيا جيداً، يقول: فعرفت أن الدنيا منقطعة زائلة، وأن لي فيها رزقاً سيكفيني ويأتيني، أي: إن الله لن يتركني وسيكفيني ويأويني، يقول ربيعة: فقلت: أسال رسول الله ﷺ لآخرتي، إذا كانت الدنيا ستأتيني هكذا أو هكذا، والله قد كتب لي فيها شيئاً ما، فلماذا أسأله الدنيا؟

فتأمل ما مقدار ما يفكرون به، يقول: لو أن الله كتب لي رزق فسيأتيني، أو زوجة فستأتيني، أو بيتاً فسيأتيني، إذاً فلماذا لا أسأله عن الحاجات الصعبة على كل مسلم ومسلمة وكل مؤمن ومؤمنة، ألا وهي الجنة.

قال: أسأل رسول الله ﷺ لآخرتي؛ فإنه من الله عز وجل بالمنزل الذي هو به، أي: هو رسول الله الذي إذا سأل الله تعالى استجاب له، ثم قال: فجئت، فقال رسول الله ﷺ : ما فعلت يا ربيعة! أي: هل فكرت في الطلب الذي تريده؟ يقول ربيعة:
فَقُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَشْفَعَ لِي إِلَى رَبِّكَ، فَيُعْتِقَنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ : فَقَالَ : " مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا يَا رَبِيعَةُ ؟ ". قَالَ : فَقُلْتُ : لَا وَاللَّهِ الَّذِي بَعَثَكِ بِالْحَقِّ، مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ، وَلَكِنَّكَ لَمَّا قُلْتَ : سَلْنِي أُعْطِكَ. وَكُنْتَ مِنَ اللَّهِ بِالْمَنْزِلِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ، نَظَرْتُ فِي أَمْرِي، وَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ وَزَائِلَةٌ، وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقًا سَيَأْتِينِي، فَقُلْتُ : أَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِآخِرَتِي، قَالَ : فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ لِي : " إِنِّي فَاعِلٌ، فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ



يتبـــــــــ؏.....

عطاء دائم 01-13-23 07:47 AM

سلسلة_كن_صحابياً

5⃣9⃣

الصحابة والجنة
اشتياق عمير بن الحمام للجنة

وموقف آخر لصحابي آخر: عمير بن الحمام رضي الله عنه وأرضاه، وكلنا نعرف ذلك الموقف، وكلنا قد سمعنا به كثيراً، إنه موقف في منتهى الجمال والروعة:

روى مسلم وأحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه قال: يوم بدر قال رسول الله ﷺ ، وانظروا إلى الرسول ﷺ في يوم بدر وهو يشجع الصحابة على القتال في سبيل الله، قال لهم: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض)، كلمات قد سمعناها مراراً، وسمعنا أيضاً الآية الكريمة مرات عديدة: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]، لكن -سبحان الله! - عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه سمع هذه الكلمات وتدبرها جيداً، وجلس يفكر: جنة عرضها السماوات والأرض!!

إنه شيء عظيم جداً، وكأنه أول مرة يسمع هذه الآية! فقال: يا رسول الله! جنة عرضها السماوات والأرض، ما هذه العظمة!؟ رأى السماء والنجوم وتباعدها عن بعضها وعن الأرض، الجنة عرض السماوات والأرض، وكل الذي نراه من السماء هو سماء الدنيا فقط، وهناك أيضاً سبع سماوات أخرى!! فقال رسول الله ﷺ : نعم، قال عمير: بخٍ بخٍ! كلمة تقال للتعظيم، يعني: معقول أنها بهذا الحجم، فالرسول خاف ألا يصدق ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على قول بخ بخ؟ قال: لا والله يا رسول الله! أنا مصدق،

لكن رجاء أن أكون من أهلها، فقال رسول الله ﷺ لما رأى الصدق في عمير بن الحمام رضي الله عنه وأرضاه: فإنك من أهلها، وتأمل إلى عمير بن الحمام رضي الله عنه وأرضاه فقد أخذ ما أراد، فهو طوال عمره يعيش لأجل هذا الأمر، لأجل أن يدخل الجنة، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول له: فإنك من أهلها، وهل هناك أحد سيدخل الجنة في الدنيا؟! لا، لابد من الموت،

فهو عرف أن الفارق بينه وبين الجنة أن يموت، وبينما هو واقف بجانب رسول الله ﷺ يقول أنس بن مالك رضي الله عنه راوي الحديث: فأخرج عمير تمرات من قرنه، أي: من الكيس الذي يوضع على الظهر وفيه الزاد، فكان رضي الله عنه واقفاً طوال اليوم ولا يوجد لديه أكل، فأخذ من كيسه بعض التمر ليأكلها، قال: فجعل يأكل منهن أي: من التمر، ثم إن عمير بن الحمام رضي الله عنه عمل عملاً غريباً جداً، فأخذ التمرات ورمى بهن، ثم قال: (لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة)، أي: هل سأنتظر دقيقة أو دقيقتين أو ثلاث حتى آكل هذه التمرات وبعد ذلك أموت ثم أدخل الجنة؟ لا، فأنا مشتاق جداً إلى الجنة، ولا أستطيع أن أصبر دقيقة واحدة، فهل يا تُرى كان في فعل عمير بن الحمام تكلف.

لا والله أبداً، فهو الآن يعيش في الجنة فعلاً، والذي يفصل بينه وبين أن يكون في الجنة حقيقة الموت، لأن الإنسان إذا مات انتقل إلى القبر، والقبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار، ومجرد أن يموت فإن كل النعيم الذي سيراه في الجنة سيرى منه في القبر، ثم إلى النعيم الكثير والكبير والذي لا ينقطع بعد قيامه من قبره يوم يقوم الناس لرب العالمين.

يقول أنس: فرمى عمير بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل، أي: حتى استشهد، ونال الأمنية التي كان يتمناها، وانظر إلى بعض الناس ماذا يتمنون؟! أن الله يكتب لهم عمراً طويلاً، وأنهم يعيشون سنين وسنين، بينما عمير كان يتمنى فعلاً أن يموت، وصدق الله فصدقه الله عز وجل.

... يتبـــــــــ؏.....

عطاء دائم 01-13-23 07:48 AM

سلسلة_كن_صحابياً

6⃣0⃣

الصحابة والحنة
قبول الصحابة لشروط بيعتي العقبة مقابل تبشيرهم بالجنة

وتعالوا بنا أيضاً لنرى بيعة العقبة الأولى -وقد تكلمنا عليها بالتفصيل في دروس السيرة- يقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه كما جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: (كنت فيمن حضر العقبة الأولى، وكنا اثنا عشر رجلاً، فبايعنا رسول الله ﷺ على بيعة النساء)، وذلك قبل أن يفرض الجهاد، لأن بيعة النساء كانت بيعة بدون جهاد، والجهاد إنما جاء في بيعة العقبة الثانية، وتعالوا لنرى الشروط التي اشترطها رسول الله ﷺ على عبادة بن الصامت ومن معه من أصحاب بيعة العقبة الأولى،

يقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه: (بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف).

فهذه ستة شروط وأمور بايع النبي ﷺ عليها أصحابه، وهي شروط صعبة جداً، وأريد منكم أن تتخيلوا هؤلاء المبايعين الذين دخلوا في الإسلام الآن، ويملي عليهم النبي ﷺ كل هذه الشروط والقيود الشديدة، ومن أولها: عدم الإشراك بالله، وعدم السرقة إلى آخر ما أملاه عليهم عليه الصلاة والسلام، لكن ما هو الثمن إن وفَّوا بذلك؟ يقول النبي ﷺ : (فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئاً فأمركم إلى الله؛ إن شاء عذبكم، وإن شاء غفر لكم).

فهل يا ترى تخلف أحد عن البيعة بعد هذه القيود الصعبة؟
لا، فكلهم قد بايعوا، نعم الشروط كانت صعبة لكن الثمن هو الجنة، فهذا هو المفهوم عن الجنة لدى الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.

ولننظر في بيعة العقبة الثانية، فقد كانت أصعب وأصعب، فهذا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحكي قصة بيعة العقبة الثانية كما جاءت في مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، فيقول رضي الله عنه وعن أبيه: (قلنا: يا رسول الله! علام نبايعك؟

قال: تبايعوني على)،
وانتبه! فالرسول ﷺ يصعب عليهم الأمور أكثر وأكثر، أكثر من السنة الماضية، لأن هؤلاء هم الدعامة التي ستقوم عليها الحكومة الإسلامية بعد ذلك، ولا بد أن يكونوا فاهمين جيداً لتبعات الإيمان، ولا بد أن يفهموا بماذا سيضحون وماذا سيكسبون؟

فالرسول ﷺ يقول لهم الحقيقة بمنتهى الصراحة وبمنتهى الوضوح، قال: (تبايعوني على: السمع والطاعة)، تذكرون محاضرة: الصحابة والعمل، وتذكرون كلمة السمع والطاعة؟

حيث قالوا: (سمعنا وأطعنا)، وليس السمع والطاعة فقط، بل الأمر أصعب من ذلك: (السمع والطاعة في النشاط والكسل)، فالسمع والطاعة في النشاط ممكن، وخاصة عندما يكون الإنسان متحمساً جداً لعمل الخير، فقد تأتيه ساعات هو متحمس فيها للصلاة في المسجد، لكن عندما يكون كسلان أو مرهقاً من العمل أو غيره فإنه يؤدي صلاة الجماعة في المسجد جماعة، وهذا هو السمع والطاعة؛ لأنه أمرك بالصلاة في الجماعة في المسجد؛ فتصلي جماعة في المسجد.
أيضاً عندك حمية للجهاد في سبيل الله وأنت في منتهى النشاط، وفي أوقات أخرى قد يحصل لك فتور، لكن هذا الفتور ليس مبرراً لعدم الطاعة، وعليه فهذا هو المؤمن الذي يقدر على حمل مسئولية الأمة الإسلامية على كتفيه.
وهذا أول الشروط.

ثانياً: (وعلى النفقة في العسر واليسر)، في اليسر ممكنة، لا، أيضاً في العسر، فإذا كنت فقيراً أو محتاجاً، وعليك كذا وكذا من الأمور، لزمك النفقة في سبيل الله.
ثالثاً: (وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وهو أمر صعب أيضاً على النفس.
رابعاً: (وعلى أن تقولوا)، وفي رواية: (وعلى أن تقوموا في الله لا تأخذكم فيه لومة لائم)، وهذه في منتهى الصعوبة، لأن شدة المواجهة للدعاة في سبيل الله عز وجل معروفة، لكن هذا ليس مبرراً لمنع الدعوة أو لوقفها.

خامساً: (وعلى أن تنصروني إذا قدمت يثرب، فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم).

فهذه هي الشروط الخمسة، وهي شروط في منتهى الصعوبة، ويمكن أن يقال على فكر العامة أو الجهلة: هذه شروط تعجيز، وليس من الممكن لأحد يريد أن يستقطب الناس أن يأتي بهذه الشروط الصعبة، لكن هذه هي حقيقة الإسلام، فالإسلام دين يحتاج إلى تضحية، ويحتاج إلى مجهود، ويحتاج إلى أناس تدفع ولا تأخذ، لأن بعض الناس همها أن تأخذ في الأخير، أي: أنها تريد أي شيء في الدنيا لا في الجنة.
إذاً ما هو الثمن؟

وما جزاؤنا إذا عملنا كل هذه الشروط الصعبة وصرفنا كل حياتنا لله عز وجل؟
يقول ﷺ : (ولكم الجنة)، كلمة واحدة، فقط، فالشروط أكثر من أربعين كلمة، والثمن كلمة واحدة: (الجنة)، ثم اعلموا أننا سوف نكسب لو عرفنا قيمة الجنة، وعرفنا أن ما ندفعه هو القليل، أربعون كلمة أو مائة كلمة أو خمسة
فهدفهم واضح وغايتهم واحدة.

... يتبـــــــــ؏.

عطاء دائم 01-14-23 07:57 AM

سلسلة_كن_صحابياً

6⃣1⃣

خوف الصحابة من النار

إن مما يلفت النظر في الصحابة التوازن في حياتهم، فقد كانوا أيضاً يتفاعلون مع النار مثل تفاعلهم مع الجنة.

فهذا عبد الله بن رواحة الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه عند خروجه إلى سرية مؤتة بكى رضي الله عنه وأرضاه والناس يودعونه، فلما رآه الناس وهو يبكي ظنوا أنه خائف من الموت في الجهاد، فقالوا: ما يبكيك؟

قال: أما والله ما بي حب الدنيا -لا تظنوا أني أبكي لأجل الدنيا -لا صبابة بكم-ولا اشتياق لكم- ولكني سمعت رسول الله ﷺ يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار، يقول الله عز وجل: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} [مريم:71]، يعني: أن كل الناس ستمر فوق الصراط على النار، ثم يقول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وأرضاه: فلست أدري كيف لي بالصدور بعد الورود؟

يعني: أن الله سبحانه وتعالى قال: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم:71]، أي: ما يضمن لي أن أطلع منها، وأن أنجو منها والكل سيمر من فوقها.

لماذا تذكَّر هذه الآية الآن؟
لأنه ذاهب إلى الجهاد، ومن المحتمل أن يموت، وفعلاً فقد استشهد في سبيل الله في سرية مؤتة رضي الله عنه وأرضاه،

فهو رضي الله عنه كان معايشاً للجنة والنار، فقد كان مشتاقاً إلى الجنة، وخائفاً من النار كأنه من أهل المعاصي، أو أهل النفاق أو أهل الشرك، مع أنه من أعظم الصحابة رضي الله عنه وأرضاه.

ونحن لا بد لنا من الوقوف مع أنفسنا ونسألها: لماذا لا نتفاعل مع الجنة والنار كتفاعل الصحابة؟

نعم نحب الجنة ونخاف من النار، لكن هل قضية الجنة والنار تملأ علينا حياتنا كما كانت تملأ حياة الصحابة؟

هل نعايشها المعايشة التي كان يعايشها صحابة رسول الله ﷺ ؟
هل فعلاً نحن على هذه الحال التي كان عليها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم؟
لماذا لا نعيش ما عاشه الصحابة؟

جلست أفكر في هذه القضية فقلت لنفسي: لعلنا لا نعرف الجنة التي عرفها الصحابة، يعني: ربما قد تكون مسألة نقص في المعلومات عن الجنة، لذا كان من المؤكد أن الذي يعرف تفصيلات الجنة سيشتاق إليها بصورة أكبر من الذي يعرفها إجمالاً، فيعرف أن الجنة شيء جميل، أو أن النار شيء صعب وخطير وغيرها من المعلومات إجمالاً، لكن الذي يعرف التفاصيل أكيد سيحس أكثر بالمعاني العظيمة عن الجنة.

... يتبـــــــــ؏...

عطاء دائم 01-14-23 07:59 AM

سلسلة_كن_صحابياً

6⃣2⃣

حال آخر أهل الجنة دخولاً الجنة

وتعال لنسمع عن الجنة من رسول الله ﷺ ، وأنا قد احترت ماذا أقول من أحاديث الجنة؟

وعن ماذا أكلمكم؟
مئات من الأحاديث قد جاءت في وصف الجنة، ثم بعد تفكير قررت أن أذكر لكم أقل واحد في الجنة، ماذا سيكون نصيبه؟

وكل أهل الجنة بعد ذلك سيكونون أكثر منه، وتخيلوا معي ذلك.
روى الإمام مسلم رحمه الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ -يصف حال آخر أهل الجنة دخولاً الجنة-: (آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة)، أي: وهو خارج من النار يمشي قليلاً ويقع قليلاً، والنار تسفعه قليلاً، (فإذا ما جاوزها التفت إليها)،

فهو خرج من النار إلى مكان بين الجنة والنار، فلما نجا من النار نظر إلى هيئتها، قال: (تبارك الذي نجاني منك)، ثم يقول كلمة غريبة جداً: (لقد أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين)، يظن أن النجاة من النار والوقوف في هذا المكان بين الجنة والنار أعظم نعمة على كل الخلق، ولا يعرف أن في الجنة قبله أناساً يعيشون في الجنة من سنين طويلة يتنعمون في نعيم الجنة: (يقول رسول الله ﷺ : فترفع له شجرة -يرى من بعيد شجرة- فيقول: أي رب! أدنني من هذه الشجرة، لأستظل بظلها وأشرب من مائها، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم! لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها، فيقول: لا يا رب!

ويعاهده ألا يسأله غيرها)، هو الآن نجا من النار، ورأى شجرة رفعت له من بعيد، فيريد أن يجلس في ظلها، ثم يقول رسول الله ﷺ : (وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه)، فهو رأى شجرة في منتهى الجمال.

قال ﷺ : (فيدنيه منها، فيستظل بظلها ويشرب من مائها)، ويجلس على هذه الحال فترة، ثم ماذا؟ (ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى؛ فيقول: أي رب! أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظل بظلها، لا أسألك غيرها)، وكان قال قبل قليل: لن أسأل مرة أخرى، لكن ابن آدم دائماً يريد الأكثر، فيقول الله عز وجل: (يا ابن آدم! ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها؟

لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها!)، وكل لحظة تطلب جديداً، (فيعاهده ألا يسأله غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة)، أصبح الآن قريباً من الجنة، (ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين؛ فيقول: أي رب! أدنني من هذه؛ لأستظل بظلها، وأشرب من مائها لا أسألك غيرها؛ فيقول: يا ابن آدم! ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها؟

قال: بلى يا رب! هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها)، الآن أصبح قريباً من الشجرة الثالثة التي على باب الجنة، (فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة)، أي: أنه قد قرب من الجنة جداً، فسمع النعيم والسرور فيها، فيشتاق لهذا النعيم والسرور، فيطلب من ربه أن يدخله الجنة،

يقول: (أي رب! أدخلنيها؛ فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم! ما يصريني منك؟)، أي: ما الذي يقطع مسألتك عني؟ والصري هو: القطع، والمعنى: متى تكف عن السؤال؟ وكلما تأخذ شيئاً تطلب آخر! ثم يقول الله عز وجل: (أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها)، أي: ليس الدنيا فقط، بل ضعفها، الدنيا ومثلها معها! هذه الدنيا التي تكلمنا عنها في الدرس الماضي، هذه الدنيا الضخمة والواسعة بما فيها من أموال وأراض وغيرها سيأخذ هذا كله، ومثلها معها.

فالرجل الآن نجا من النار، ومن شجرة إلى شجرة، ويريد فقط أن يدخل الجنة، لكن لم يصدق ما هو فيه، فيقول: (أتستهزئ مني وأنت رب العالمين!)، فضحك ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه راوي الحديث ثم قال للناس الجالسين حوله: ألا تسألوني مم أضحك؟!

فقالوا: مم تضحك؟! قال: (هكذا ضحك رسول الله ﷺ ، فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟!

قال: من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين، فيقول الله عز وجل: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر)، سبحانه وتعالى! وهناك زيادة لهذا الرجل، ففي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: قال رسول الله صل5: (سأل موسى عليه السلام ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعدما أدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة! فيقول: أي رب! وكيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم)، أي: أنه يرى أن الجنة ملأى، ويرى أن كل مكان في الجنة مشغول، ويرى أن الناس قد دخلوا الجنة من سنين، وكل واحد قد أخذ مكانه، أما أنا فماذا سيبقى لي؟

(فَيُقَالُ لَهُ : أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا ؟ فَيَقُولُ : رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ : لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ. فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ : رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ : هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ. فَيَقُولُ : رَضِيتُ رَبِّ.

... يتبـــــــــ؏....

عطاء دائم 01-15-23 08:07 AM

سلسلة_كن_صحابياً

6⃣3⃣

وصف نعيم أعلى أهل الجنة منزلة وقدر سعة الجنة

ثم سأل موسى عليه السلام فقال: (فأعلاهم منزلة؟!)، أي: إذا كان هذا أقل واحد فكيف أعلاهم منزلة؟ (قال: أولئك الذين أردت.

غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر، قال صلى الله عليه وسلم: ومصداقه في كتاب الله عز وجل: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]).

وسأذكر لكم شيئاً غريباً جداً -وفكروا فيه- ألا وهو: لا تتعجبوا لو كان نصيب واحد منا في الجنة مقدار مجموعة شمسية مثلاً، فمجرة درب التبانة فيها أربعمائة ألف مليون مجموعة شمسية مثل مجموعتنا هذه، وتذكرون هذا الكلام وقد مر معنا في محاضرة سابقة، وإذا كان في الكون مائتا ألف مليون مجرة مثل مجرة درب التبانة، وهذا الرقم اكتشف حالياً، وكلما تصنع تلسكوبات أكبر كلما سنجد أكثر وأكثر وأكثر، يعني:

أن عدد المجموعات الشمسية في الكون التي عرفناها إلى الآن كم؟ اضرب هذا في هذا ينتج: ثمانين ألف ألف ألف ألف ألف مليون مجموعة!!! ثمانية وأمامها اثنين وعشرين صفراً، رقم في حياتنا لم نسمع من قبل ولن نسمع به، وهو بلا شك يفوق أعداد البشر كلهم، فلو أن كل أهل الأرض دخلوا الجنة سيكون رقمهم أقل من ثمانية وأمامها اثنان وعشرون صفراً.

وكل هذا زينة السماء الدنيا، وكل هذا تحت السماء الدنيا، ولم نصل بعد إلى السماء، ولا أحد يفكر أن يصل إلى السماء، بل العلماء لا يفكرون إلا في بلوغ مجرات تلو مجرات، وكل هذا تحت السماء.

لكن نحن نقول: سبع سماوات، ثم نقول بعد ذلك: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} [آل عمران:133]، جنة عرضها السماوات والأرض، يعني: أن كل الذي تكلمنا عنه جزء من جزء من جزء من جزء من الجنة، إذاً فليس غريباً لو كان للواحد منا ملك كالمجموعة الشمسية، وهذا لتعرف ما معنى: {عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} [آل عمران:133]، ولأجل أن تعرف لماذا عمير بن الحمام رضي الله عنه لم يصبر على أكل التمرات؟ فهو لم يصبر عن ملك مثل المجموعة الشمسية عشرات المرات، وهو من المجاهدين وليس آخر من يدخل الجنة، ولا من عوام أهل الجنة، وإنما من السابقين السابقين، من أهل الجهاد، من الناس الذين بذلوا أرواحهم في سبيل الله.

وأريد منكم أن تتخيلوا حجم الجنة: {جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} [آل عمران:133]، فهذا العرض بينما لم يأت حديث يصرح بطول الجنة وكم مقداره، لكن هناك أحاديث يمكن أن يفهم منها -ولو تخيلاً- طول الجنة.

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : (إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض)، وتخيل المسافة بين الأرض وبين أبعد كوكب في أبعد مجرة في الكون، لا شك أنها أقل حتماً من المسافة بين السماء والأرض، ولم نصل بعد إلى السماء، وأريدك أن تتخيل كم سنة ضوئية؟ كم ألف ألف ألف مليون سنة ضوئية؟ وتخيل أن الدرجة الواحدة في الجنة من نصيب المجاهدين كما بين السماء والأرض، وعندك مائة درجة للمجاهدين في سبيل الله وحدهم، فكم حجم الجنة كلها؟ وكم الطول؟ وكم العرض؟ فهذه هي الجنة.

روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : (إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة)، الناس الذين يبحثون عن شقة ولم يجدوها، ويبحثون عن غرفتين وصالة، وثلاث غرف وصالة، وأربع غرف وصالة، وأقصاها كيلو في كيلو، وما أحد قد دخل في بيت بهذا الحجم والسعة، لكن تخيل معي الجنة: (إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة -مقدار هذا البيت- عرضها ستون ميلاً)، يعني: حوالي مائة كيلو، من القاهرة إلى الفيوم تقريباً، فهذه شقة واحدة في الجنة، وممكن يكون عندك أكثر من واحدة، وفي كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن، فهذا بيتك في الجنة: لؤلؤة وقصر وفلة؛ فهذه هي الجنة.

وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله ﷺ : (إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها)، أي: في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد وليس أي جواد، بل المضمر، يعني: المجهز للجري السريع، فيستمر هذا الفارس على هذا الجواد في الجري مائة سنة ما يقطع ظل الشجرة، فإذا كان هذا نعيم الجنة فلماذا نتقاتل على هذه الدنيا؟ ولماذا نجعل كل همنا في الدنيا؟ وهل رأيتم المستوى الذي نتكلم عنه؟ وكم مقدار المساحات في الجنة؟ وكم مقدار النعيم فيها؟ وكم مقدار رحمة ربنا سبحانه وتعالى بعباده على أعمال بسيطة لا تساوي شيئاً أبداً في ميزان الله جل وعلا يوم القيامة؟
كل هذا ماذا يساوي؟

... يتبـــــــــ؏..

عطاء دائم 01-15-23 08:08 AM

سلسلة_كن_صحابياً

6⃣4⃣

وصف النار وبيان حال أقل أهلها عذاباً

لا بد للإنسان من التفكير في البديل عن الجنة إذا لم يدخلها، وإلى أين سيذهب؟ البديل عن الجنة النار، وليس هناك بدائل أخرى، كما قال ﷺ في أول يوم أعلن للناس فيه دعوته: (والله! لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبداً، أو النار أبداً)، واحدة من الاثنتين، إما الجنة وإما النار، فيا ترى كيف النار؟

ويا ترى ما مقدار عذاب أقل واحد في النار؟

روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن النعمان بن بشير رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله ﷺ قال: (إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة -أو قال في رواية: جمرتان- يغلي منها -أو منهما- دماغه)، أي: توضع جمرة تحت الرجل يغلي منها الدماغ، وبعض الأحاديث الأخرى قد صرحت أن هذا الرجل هو أبو طالب عم رسول الله ﷺ ، وهذا أقل واحد، فما بالك بمن في الدركة الوسطى والدركات التي بعد هذا، والدركات الدنيا، شيء مهول وعظيم جداً.

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : (ناركم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم)، أي: هذه النار التي نراها في الدنيا جزء من سبعين جزءاً، فقال الصحابة: (يا رسول الله! إن كانت لكافية)، يعني: لو كان العذاب بنار الدنيا لكان كافياً.

فقال ﷺ : (فضلت عليهن -أي: على نيران الدنيا-)، وفي رواية: (فضلت عليها -أي على نار الدنيا- بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها)،

فمن هنا نفهم حديث رسول الله ﷺ الذي رواه مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه الذي قال فيه: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة)، وفي رواية ابن ماجه: (غمسة)، يعني يؤتى بملك ظالم، أو سلطان متكبر، أو حاكم جبار، أو واحد كان عنده نعيم كبير جداً في الدنيا، لكنه من أهل النار، ثم يقال (يا ابن آدم! هل رأيت خيراً قط)، أنت أكثر شخص كنت متنعماً في الدنيا، (هل رأيت خيراً قط، هل مر بك نعيم قط، فيقول: لا والله يا رب!)، ضاعت متعة المال، ومتعة الملك، ومتعة النساء، ومتعة السلطة، وذهب كله بغمسة واحدة في النار، بغمسة واحدة في هذا الجحيم.

... يتبـــــــــ؏...

عطاء دائم 01-16-23 07:41 AM

سلسلة_كن_صحابياً

6⃣5⃣

نعيم الجنة ينسي كل بؤس مر بالمؤمن في حياته

قال ﷺ : (ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة)، أي: بفقير، معدم، معذب، مظلوم، مبتلى، مريض، محروم، مصاب في ماله وأهله وولده وعمله ووطنه، وفي كل شيء، فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: (يا ابن آدم! هل رأيت بؤساً قط، هل مرت بك شدة قط؛ فيقول: لا والله يا رب! ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط)، فنسى البؤس والشقاء كله عند أول غمسة في الجنة.
فلماذا لا نشتغل للجنة؟

ولماذا لا نخاف من النار؟
إننا عندما نعرف حجم الجنة وحجم النار، وقيمة الجنة وخطورة النار؛ سنعرف لماذا حرام بن ملحان رضي الله عنه وأرضاه -الصحابي الجليل- قال هذه الكلمة العجيبة التي وقفت أفكر فيها كثيراً، كلمة في منتهى الغرابة، ففي البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (لما طعن حرام بن ملحان رضي الله عنه وأرضاه يوم بئر معونة)، وفي رواية: (حتى أنفذه بالرمح)، يعني: أن الرمح اخترق الظهر وخرج من الصدر، قال: (الله أكبر! فزت ورب الكعبة)، فهل نفهم من هذا شيئاً؟
وأي فوز فازه هذا الصحابي الجليل؟!

لقد فقد حياته في عرف الناس، لكنه فاز بالجنة التي تحدثنا عنها آنفاً، فاز بالنجاة من النار التي تحدثنا عنها أيضاً منذ قليل، تيقن من ذلك لما نفذ الرمح في جسده، فأيقن أنه ميت، وأنه سيأخذ ما وعد به النبي ﷺ الشهيد، فالشهيد ينتقل من أرض المعركة إلى الجنة مباشرة، (يغفر للشهيد في أول دَفعة)، وفي رواية: (في أول دُفعة)، والروايتان صحيحتان.

هذا ما كان يريده حرام بن ملحان رضي الله عنه وأرضاه: (يغفر للشهيد في أول دفع)، {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185]، وهذا هو الفوز الحقيقي الذي فكر فيه حرام بن ملحان رضي الله عنه وأرضاه.

ولعلنا لا نعرف كل هذه المعاني العظيمة، ولعلنا لا نعرف الجنة ولا النار، فنريد أن نقرأ عن الجنة وعن النار، ونريد أن نعيش كأننا نعيش في الجنة، ونريد أن نخاف من النار وكأننا قريبون منها جداً، وذلك مثل خوف عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وأرضاه الذي تكلمنا عليه قبل قليل، وكان ذاهباً للجهاد في سبيل الله.

... يتبـــــــــ؏.....

عطاء دائم 01-16-23 07:42 AM

سلسلة_كن_صحابياً

6⃣6⃣

نعيم الجنة لا يدرك إلا بصدق العمل لها

هناك أناس سيقولون كلمة غريبة جداً، ألا وهي: كل الكلام الذي ذكرته نحن نعرفه، لكن نحن لم نشتغل للجنة! وانتبه يا مسلم! فالعلم الذي لا ينفع كأنه غير موجود، وكأنك جاهل، بل أخطر من ذلك؛ لأن العلم أصبح حجة عليك، والناس الذين كانوا يعيشون مع رسول الله ﷺ يعرفون أنه صادق، ويعرفون أن القرآن الكريم كلام الله تعالى، ولا يقدر عليه البشر، لكن عندما لم يسمعوا الكلام والنصيحة من رسول الله ﷺ ماذا كانت النتيجة؟

هل نفعهم علمهم هذا؟
لا، وانظر إلى الوليد بن المغيرة ماذا كان يقول؟
قال: لقد نظرت فيما قال الرجل -أي محمد ﷺ ـ فإذا هو ليس بشعر، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه.
لكن ماذا عمل بهذا الكلام الجميل؟

إن الذي يسمع كلامه يحسبه داعية من الدعاة إلى الإسلام، لا، لقد قاتل في معركة بدر وقتل فيها.

وهذا أبو جهل -لعنه الله- كان يقول عندما سئل: ما رأيك فيما سمعت من محمد ﷺ -واسمعوا قول أبي جهل - قال: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب، وكنا كفرسي رهان؛ قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه، والله لا نؤمن به ولا نصدقه.

فهو يعرف أنه رسول فعلاً، لكن من أين لهم بمثله؟
فلم يصدقه ويؤمن به، ولم ينفعه العلم شيئاً.

وعتبة بن ربيعة قال في وصف القرآن: سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش! أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه؛ فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم.
فماذا فعل له كل هذا الكلام؟

لقد خرج يحارب في بدر أيضاً، وقتل وهو مشرك والعياذ بالله.
إذاً: فأين العلم؟

إننا لا نريد أن نكون مثل هؤلاء، لا نريد أن نعلم كل ما علمناه عن الجنة والنار وعملنا كما هو، وكيف نعرف قيمة الجنة وخطورة النار ومع ذلك ما زلنا نعيش للدنيا؟ كيف هذا؟! إنها والله حياة واحدة، طالت أم قصرت، صعبت أم تيسرت، عشت فيها حاكماً أو محكوماً، غنياً أو فقيراً، ظالماً أو مظلوماً، طائعاً أو عاصياً، هي في النهاية حياة واحدة ومحدودة جداً، حياتك هي حياتك، والله لن تزيد أو تنقص، لن تقدر على أخذ رزق أحد، ولا تقدر على أخذ عمر إضافي من أحد.
لكن لماذا نعصي؟ لماذا نظلم؟ لماذا ننسى؟

إن المسلم مطالب بأن يتزود، فإن خير الزاد التقوى، وهلموا إلى ربكم؛ فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى.

قال النبي ﷺ : (من كانت الدنيا همه؛ فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة همه؛ جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة).

فإذا كنتم تريدون الجنة حقاً؛ فاعلموا أن ثمنها غال جداً: (ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة)، فالله عز وجل لا يبيع سلعته بثمن بخس دراهم معدودات، إنما ثمنها الذي يريد سبحانه وتعالى هو النفس والمال: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111].

اللهم اجمع لنا أمرنا ولا تفرقه علينا، واجعل غنانا في قلوبنا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، واجعل الجنة هي دارنا ومستقرنا، آمين اللهم آمين.

وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44]، وجزاكم الله خيراً كثيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

... يتبـــــــــ؏.....

عطاء دائم 01-17-23 08:01 AM

سلسلة_كن_صحابياً

6⃣7⃣

الصحابة واتباع الرسول ﷺ

ضرب لنا الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في اتباعهم لسنة النبي ﷺ ، وحرصهم عليها، وموقفهم الصارم ممن لم يلتزم بها، فسادوا بذلك الدنيا كلها، ثم خلف من بعدهم خلف تطاولوا على السنة، وطعنوا فيها وألقوا الشبه عليها، واتبعوا المتشابه منها، وأعرضوا عن المحكم، ونسي هؤلاء أن الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة هو باتباعهم لسنة نبيهم محمد ﷺ .

نظرة الصحابة ومن بعدهم للسنة

إن نظرة الصحابة رضوان الله عليهم إلى السنة كانت نظرة فريدة حقاً، فقد كانوا يعظمونها إلى درجة لا يتخيلها إلا من درس حياتهم بعمق، فدرس كل نقطة من نقاط حياتهم رضوان الله عليهم أجمعين.

ثم مع مرور الزمن تفاوتت نظرة الناس الذين جاءوا من بعد الصحابة، فاختلفت نظرتهم للسنة، فمنهم من عظمها ولكن كشيء نظري، فيأخذ ويترك منها ما شاء.

ومن الناس من اعتقد أنها شيء من الكماليات لا من الضروريات.
ومن الناس من اعتقد أن السنة أشياء وأمور خاصة برسول الله ﷺ ، وليست لعموم الأمة، فإذا قلت لأحدهم: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعمل كذا، أو يقول كذا، أو كان يتعامل بالطريقة الفلانية في هذا الأمر، يقول لك: هذا الرسول، أما أنا فلست برسول!! ومن الناس من تطاول على السنة، فطعن فيها وألقى بالشبهات، واتبع المتشابه منها وأعرض عن المحكم.

فهذا تفاوت كبير في تعظيم السنة في الأجيال التي لحقت برسول الله ﷺ ، لذا فنحن نريد أن نرى نظرة الصحابة للسنة النبوية، وكيف كان تعاملهم معها.
إن ارتباط الصحابة بالسنة كان سبباً مباشراً لوصولهم إلى رضا الله عز وجل، وإلى حب الله عز وجل، فالله عز وجل لن يحب عبداً حتى يتبع سنة رسوله ﷺ ، قال تعالى مصرحاً بذلك: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]،

فحياة الرسول ﷺ كانت التفسير العملي للقرآن الكريم، والتطبيق الواقعي لما أراده الله عز وجل من العباد، فكل صغيرة وكبيرة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت لهدف مقصود ومتابعة بالوحي، ولذا تستطيع أن تقول بمنتهى الاطمئنان: إن كل أفعال النبي ﷺ كانت متابعة بالوحي الكريم من الله عز وجل، فإما أن الله سبحانه وتعالى يقول له: اعمل كذا وكذا، وإما أنه ﷺ فعل فعلاً ونزل الوحي بالتأكيد أو بتعديله إلى شيء آخر.

فإذاً: كل شأن من شؤون حياة رسول الله ﷺ كانت متابعة بالوحي، وليس هذا إلا للرسول ﷺ والأنبياء فقط، وهذا يعني: أنه لا يجوز تقليد إنسان تقليداً مطلقاً، وإنما ذلك للنبي ﷺ ؛ لأن كل إنسان غير النبي ﷺ قد يصيب ويخطئ، وكل إنسان يؤخذ من كلامه وأفعاله ويرد، إلا المعصوم ﷺ .

... يتبـــــــــ؏....

عطاء دائم 01-17-23 08:02 AM

سلسلة_كن_صحابياً

6⃣8⃣


مفهوم السنة وضرورة اتباعها والتمسك بها

السنة: هي الطريقة، يقال: سنة فلان.
أي: طريقة فلان في الحياة، سواء كانت هذه الطريقة محمودة أم مذمومة، ومعلوم أن طريقة الله وسنته محمودة، أما من كانت طريقته سيئة فسنته مذمومة، وتأمل قول الله عز وجل في كتابه: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} [الأنفال:38]،

فسنة الأولين: التكذيب لأنبيائهم، فكان العذاب والهلكة لهم، يقول الرسول ﷺ في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه: (من سن في الإسلام سنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء).

والمعنى: أن أي شخص عمل شيئاً حسناً وقلدته الناس في ذلك، فإنه يأخذ مثل أجورهم، مع عدم نقصان أجورهم، ونفس الأمر إذا عمل الرجل شيئاً سيئاً.
ولذلك فإنه من الخير العظيم أن المسلم عندما يقلد النبي ﷺ فيقلده أناس آخرون، فإن ذلك يضاف إلى حسناته، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

إذاً عندما نقول: سنة الرسول ﷺ .
فإننا نقصد بذلك: طريقته ومنهجه وأسلوبه في الحياة، لا نقصد السنة التي بمعنى النوافل، والتي تعد أحد الأحكام التكليفية الخمسة عند الفقهاء: الواجب، والحرام، والسنة، والمكروه، والمباح، وإنما نقصد السنة عند علماء أصول الفقه، وأصول التشريع، وأصول الحديث، إذ إنهم عرّفوا السنة بقولهم: هي كل ما نقل عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.

فأي شيء نقل عن النبي ﷺ فهو سنة، سواء كان فرضاً أو نفلاً، لا فرق في ذلك.
فقولهم: (من قول) أي: أي كلمة تكلم بها النبي ﷺ ، فمثلاً: قوله ﷺ (إنما الأعمال بالنيات)، وقوله: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) وغيرهما من الأحاديث التي ينطبق عليها أنها من قوله ﷺ .

وقولهم: (أو فعل) أي: ما نقله الصحابة عن رسول الله ﷺ من أفعال فعلها، فمثلاً: أداء الصلاة، فقد كان ﷺ يصلي الظهر أربعاً، يقرأ في كل ركعة بالفاتحة، ويركع ويسجد، وعند ركوعه يقول: الله أكبر، وعند الرفع يقول: سمع الله لمن حمده، وهكذا ينتقل من فعل إلى فعل، فهذه الأفعال منها ما هو فرض ومنها ما هو نافلة، لكن كلها تدخل تحت أفعال النبي ﷺ ، وكلها سنة من سنن الرسول ﷺ .

وقولهم: (أو تقرير) أي: أي شيء أقره الرسول ﷺ بمعنى: أن الصحابي إذا عمل عملاً وعلمه الرسول ﷺ وسكت عنه واستحسنه صار ذلك سنة؛ لأنه ليس من الممكن أن يسكت النبي ﷺ عن باطل أو يستحسنه.

إذاً: كل كلمة خرجت من فمه ﷺ ، وكل حركة تحركها، وكل سكنة سكنها، وكل ابتسامة ابتسمها، أو غضبة غضبها صل6، وكل أمر حصل أمامه أو علمه وسكت عنه صار سنة يقتدى به، وكل أمر حدث أمامه أو علمه ونهى عنه صار عكس السنة، أي: يكون منهياً عنه؛ ولذا فإن المسلم مطالب بأن يعرف كل حياة الرسول؛ حتى يصير متبعاً له ولسنته عليه الصلاة والسلام.

وهناك أمر لم يحدث في حياة أي إنسان على وجه الأرض إلا في حياة رسول الله ﷺ ، ألا وهو أنه ليس في حياته مطلقاً أي سر، فكل حياته مكشوفة أمامنا، وذلك من أجل أن نتعلم كيف يمكن أن نقتدي به عليه الصلاة والسلام، وكيف يمكن أن نقلده، ولعل هذا هو إحدى الحِكَم التي من أجلها تزوج الرسول ﷺ بإحدى عشرة زوجة، مع أنه عليه الصلاة والسلام لم يجمع أكثر من تسع في وقت واحد، لكن هذا العدد من الأزواج استطاع أن ينقل لنا كل صغيرة وكبيرة في حياته ﷺ الشخصية وغيرها، فقد كن معه في البيت، ونقلن لنا كل ما كان يعمله في بيته، ولو كانت زوجة واحدة لما استطاعت أن تنقل لنا كل هذا الكم الهائل من المعاملات، وكل أموره الشخصية التي تجري في بيته،

لذا شاء الله عز وجل أن تكون حياة نبيه كاملة مكشوفة للأمة؛ لأن كل حركة في حياته ستكون مفيدة في شيء ما، وبذلك لم يعد يوجد أي أمر أو خبر في حياة الرسول ﷺ مخفياً عنا، وصدق الله إذ يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].
إذاً: فسنة الرسول ﷺ هي الحياة بأسرها، فله سنةٌ ﷺ في كيفية الاعتقاد في الله عز وجل، ولا بد أن نعتقد في الله كما علمنا رسول الله ﷺ ، ولو خرجنا عن طريقه لضللنا.

وله سنة في الشعائر، كالصلاة، والزكاة، والصيام والحج وسائر العبادات.

.. يتبـــــــــ؏.....

عطاء دائم 01-18-23 08:40 AM

سلسلة_كن_صحابياً

6⃣9⃣

حرص الصحابة على اتباع السنة

هذه أمثلة تبين لنا كيف كان الصحابة رضي الله عنهم يتعاملون مع السنة؟
وكيف كانوا يتبعون الرسول ﷺ ؟
ومعرفة مدى حرصهم على أن يعرفوا عن رسولهم كل شيء، وذلك حتى لا تفوتهم أي سنة من سنن نبيهم ﷺ .

حرص عمر بن الخطاب على سنة النبي ﷺ
روى البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد، وهذا الجار هو عتبان بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، فكان سيدنا عمر وعتبان رضي الله عنهما في مكان بعيد عن مسجد رسول الله ﷺ ، واسمه: عوالي المدينة، قال: وكنا نتناوب النزول على رسول الله ﷺ ، فينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك.

ومع ذلك كان سيدنا عمر رضي الله عنه يعيش حياته الطبيعية، فكان يتاجر ويشتغل، وكان صاحب زوجة وأولاد، لكن كان حريصاً كل الحرص على أن يعرف كل شيء عن حياة الرسول ﷺ ، ونحن عندما نقرأ أو نسمع مثل هذه القصص نظن أن سيدنا عمر كان ليله ونهاره مع الرسول صلى ﷺ لا يتركه أبداً، سواء في الجامع أو غيره، لا، بل كانت حياته سائرة بصورة طبيعية، لكن في نفس الوقت هو حريص على أن يعرف كل شيء عن حياة الرسول ﷺ ، فهو يروح يوماً والثاني يروح يوماً وهكذا، فلماذا لا نعمل كعملهم هذا؟

وخاصة نحن في زمن لم يعد كل الناس لديها الوقت لأن تقعد فتدرس، فلماذا لا يقرأ أحدنا شيئاً من الشرع ثم ينقلها لجاره؟ وجاره يقرأ شيئاً وينقلها له، وثالث يقرأ شيئاً وينقلها للاثنين وهكذا، وهذا العمل من عمر من باب التعاون على البر والتقوى، مع أن جار عمر هذا ليس صحابياً معروفاً هو ليس كـ أبي بكر، وعثمان وغيرهما، ومع ذلك كان سيدنا عمر يستفيد منه، وعمر رضي الله عنه أيضاً كان يفيده، فلماذا لا نتعاون في مثل هذه الأشياء: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2]،

وهل هناك أحسن من التعاون على معرفة سنة الحبيب ﷺ ؟

... يتبـــــــــ؏....

عطاء دائم 01-18-23 08:40 AM

سلسلة_كن_صحابياً

7⃣0⃣

حرص الصحابة على اتباع السنة

حرص ابن عباس على سنة النبي ﷺ
كذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان حريصاً على السنة، فقد كان ينام على باب أحد الصحابة، فيحكي عن نفسه فيقول كما عند الدارمي بسند صحيح: لما توفي رسول الله ﷺ قلت لرجل من الأنصار: يا فلان هلم فلنسأل أصحاب النبي ﷺ ، فإنهم اليوم كثر.

أي: في هذا الوقت قد مات الرسول ﷺ وأصحابه كثر، ولو لم نسألهم الآن فإنه سيأتي يوم يموتون هم أيضاً، فلا بد أن نسألهم ونتعلم منهم، وذلك حتى نعرف العلم الذي أنزل على رسول الله ﷺ ، فقال له صاحبه الأنصاري مستغرباً: وا عجباً لك يا ابن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك.

وفيهم كبار الصحابة، كأمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وغيرهم؟
وكان عُمْرُ عبد الله بن عباس عندما توفي الرسول ﷺ أربع عشرة سنة، وكأن الأنصاري استقله لصغر سنه.
يقول عبد الله بن عباس: فترك ذلك.

أي: أن صاحبه الأنصاري لم يذهب فيسأل الصحابة، قال ابن عباس: وأقبلت أنا على المسألة، وإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه في قيلولته، فأتوسد ردائي على بابه، فتسف الريح التراب على وجهي.
فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله ﷺ ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك.
فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك.

فأسأله عن الحديث.
وبعد مرور فترة من الزمن على طلب العلم يقول ابن عباس رضي الله عنهما: فبقي الرجل - أي: صاحبه الأنصاري- حتى رآني وقد اجتمع الناس عليّ يسألونني العلم.

أي: صار ابن عباس رضي الله عنهما من علماء المسلمين، ورحل الناس إليه لطلب العلم، بينما صاحبه الأنصاري ندم على ذلك، ولذا جاء عنه أنه قال: كان هذا الفتى - أي عبد الله بن عباس - أعقل مني.
لكن الندم عند ذلك لا ينفع، والوقت الذي يذهب منك لا يرجع مرة أخرى، والذكي هو الذي لا يضيع وقته، وكل شيء يمكن أن يعوض إلا الأيام والليالي.

... يتبـــــــــ؏...

عطاء دائم 01-19-23 07:51 AM

سلسلة_كن_صحابياً

7️⃣1️⃣

حرص الصحابة على اتباع السنة

حرص أبي هريرة على حفظ سنة النبي ﷺ
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة.

يعني: الناس يستغربون من أن أبا هريرة يقول كل هذه الأحاديث عن رسول الله ﷺ ، ومعلوم أن أبا هريرة روى عن رسول الله ﷺ أكثر من سبعة آلاف حديث، وكان إسلامه في السنة السابعة من الهجرة، أي: أنه لازم الرسول ﷺ أربع سنوات فقط، وروى عنه هذا الكم الهائل من الأحاديث، بينما غيره من الصحابة قد يكون لازم الرسول ﷺ عشرين سنة أو أكثر من عشرين سنة، ولم يرو عنه هذا الكم الهائل من الأحاديث.

يقول أبو هريرة رضي الله عنه: ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت بحديث عن رسول الله ﷺ ، قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160]، في الآيتين تحذير خطير جداً للذي يكتم آيات الله عز وجل، أو يكتم أي علم وصل إليه عن طريق رسول الله ﷺ وأبو هريرة بسبب هذا التحذير كان يقول كل معلومة عرفها من الرسول ﷺ .

وهنا السؤال
لماذا كان أبو هريرة رضي الله عنه يعرف كل هذه الأحاديث وغيره من الصحابة لم يعرف هذا الكم الهائل منها؟

يفسر ذلك أبو هريرة فيقول: إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق -يعني: التجارة-، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإني كنت ألزم رسول الله ﷺ بشبع بطني.

يعني: كنت أبقى مع النبي ﷺ لا أفارقه وأكتفي من الأكل بما يشبعني، وقد كان أبو هريرة من أهل الصفة رضي الله عنهم أجمعين.
لكن قد يقول قائل: هل يمكن أن نترك أشغالنا وتجارتنا وأعمالنا ونقعد نتعلم الأحاديث ونتعلم السنة ونتعلم الشرع؟

أقول له: لا، لأن كل الصحابة لم يكونوا معتكفين على باب الرسول ﷺ ليعرفوا منه الأحاديث، لكن كان أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه يسد ثغرة مهمة جداً ألا وهي نقل الأحاديث النبوية لوحده، فقد نقل لنا أكثر من سبعة آلاف حديث عن رسول الله ﷺ ، فقعدته هذه كانت مفيدة جداً للمسلمين، وهناك أناس سدت ثغرات أخرى، وهذا الذي نريده،

أناس تسد ثغرات السنة، وأناس تسد ثغرات أخرى، وفي الأخير يتعاون الكل ويستفيد بعضهم من بعض.

... يتبـــــــــ؏....

عطاء دائم 01-19-23 07:52 AM

سلسلة_كن_صحابياً

7⃣2⃣

حرص الصحابة على اتباع السنة

حرص عقبة بن الحارث على التثبت في الأمر وطلب سنة النبي ﷺ
إن الصحابة الكرام لم يكن عندهم مانع من أن يقطعوا المسافات الكبيرة، ويجوبوا البلاد العديدة ليعرفوا رأي الرسول ﷺ في قضية من القضايا.
ففي البخاري عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه وأرضاه الذي كان يسكن في مكة والرسول في المدينة، فتزوج ابنة لـ أبي إيهاب بن عزيز رضي الله عنه، فأتته امرأة فقالت له: إني قد أرضعتك وامرأتك.

فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني.
أي: أنا لم أكن أعرف أنك أرضعتني قبل هذا، ولم تخبريني بذلك قبل الزواج، فركب إلى رسول الله ﷺ بالمدينة وسأله، فتبسم رسول الله ﷺ وقال: (كيف وقد قيل؟ ثم أمره أن يفارقها، ففارقها عقبة ونكحت زوجاً غيره).

الشاهد من ذلك هو حرص الصحابة الشديد على معرفة رأي الرسول الله ﷺ ، ولم يقل: أنا قد تزوجت وانتهى الأمر، ولم يكتف بسؤال أصحابه في مكة، لا، وإنما رحل من مكة إلى المدينة، وقطع (500) كيلو في الصحراء ذهاباً وإياباً؛ من أجل أن يسأل عن مسألة واحدة؛ وذلك لأن المسألة مهمة وتستحق هذا السفر الطويل، وليس كل شخص يكون حريصاً على معرفة رأي الدين في أي مسألة، فكثير من الناس يأتون إلي ويسألونني عن مسائل في الطلاق أو الزواج، فتعرف منه حكايته وقصته، فمنهم من يسألك وهو قد طلق قبل هذا مرة ومرتين وثلاثاً، وهو لا يزال مع امرأته!

فتسأله: كيف؟ فيقول لك: والله أنا سألت أحد معارفي فقال لي: أنت كنت غضبان عند طلاقك لزوجتك؟

فقلت: نعم، فقال لي: إذن لا تحسب طلقة.
فيأخذ الموضوع ببساطة، وهناك قضايا وأمور ضخمة جداً في حياة الناس يأخذونها ببساطة، وليس هذا هو الذي نريده، فنحن محتاجون لأن نبذل مجهوداً كبيراً حتى نعرف رأي الدين في كل قضية من القضايا، صغرت هذه القضية في أعيننا أم لا، ولا بد أن نعرف أنه ليس هناك حاجة اسمها صغيرة أو كبيرة، إنما هناك حاجة اسمها حلال وحاجة اسمها حرام،

وهذا هو الذي نريد أن نفهمه وندرسه في حياة الصحابة.

... يتبـــــــــ؏....

عطاء دائم 01-20-23 07:32 AM

سلسلة_كن_صحابياً

7⃣3⃣

حرص الصحابة على اتباع السنة

حرص جابر بن عبد الله واجتهاده في طلب حديث النبي ﷺ
روى الإمام أحمد والطبراني وأبو يعلى رحمهم الله جميعاً عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله ﷺ ، وهذا الرجل هو عبد الله بن أنيس رضي الله عنه وأرضاه، وهو من صحابة رسول الله ﷺ المستقرين في الشام، بينما سيدنا جابر كان في المدينة، وقد سمع أن عبد الله بن أنيس يقول حديثاً فيه كذا وكذا، وهو لم يسمع هذا الحديث منه، وقبل ذلك لم يسمعه من الرسول ﷺ ، فيريد أن يتأكد من الحديث، مع أن الذي نقل له هذا الحديث يمكن أن يكون ثقة، لكن أراد أن يذهب إلى الشام فيسمع الحديث بنفسه من عبد الله بن أنيس، وهذا ما يسمى عند علماء الحديث بـ: علو السند.

فهو لا يريد أن يسمع من فلان عن فلان عن عبد الله بن أنيس، بل يريد أن يسمع منه مباشرة، فيكون أوثق في المعرفة، فاشترى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بعيراً ليركب عليه من المدينة إلى الشام، ثم شدّ عليه رحله وسار شهراً حتى قدم الشام، وقدم على بيت عبد الله بن أنيس الأنصاري رضي الله عنه، فقال لحاجبه: قل لسيدك: جابر على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم، فخرج يجر ثوبه، فاعتنقني واعتنقته، والعجب أن أول شيء قال له بعد هذا الفراق الطويل بينهما: حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله ﷺ في القصاص، فخشيت أن تموت أو أموت قبل أسمعه.

فقال عبد الله بن أنيس: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلاً بهماً، قالوا: وما بهم؟ قال: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وله عند أحد من أهل النار حق، حتى أقصه منه، حتى اللطمة)، تهديد وتخويف عظيم، فما بالك بالناس التي تظلم وتعذب وتشرد وتسجن من غير وجه حق،
يا ترى ماذا ستعمل هذه الناس يومذاك؟! فيقول عبد الله بن أنيس: (قلنا: كيف هو وإنما نأتي الله عز وجل عراة غرلاً بهماً؟ -يعني: ليس معنا شيء فكيف سنخلص حقوق بعض- فقال ﷺ : بالحسنات والسيئات).
وعند هذا انتهى الحديث، فأخذه جابر بن عبد الله ثم رجع إلى المدينة المنورة، وكل هذا من أجل حديث واحد، فيا ترى كم عندنا كتب في المكتبة فيها أحاديث لرسول الله ﷺ لم نقرأها؟
أليس لدينا وقت لذلك؟

ولماذا وجد جابر بن عبد الله وقتاً حتى يقطع المسافات الكبيرة من أجل أن يعرف حديثاً واحداً؟

لاشك أنه أعطى للموضوع أهمية، فلذلك استطاع أن يجد وقتاً، وكذلك ما دام العبد يعطي لموضوع أهمية، فإنه يستطيع أن يجد له وقتاً، كالواحد منا يستطيع أن يجد أسبوعاً كاملاً يذهب فيه إلى عطلة الصيف؛ لأنه عرف قيمة المصيف عنده، وكذلك يستطيع أن يجد ساعتين يتفرج فيها على المباراة؛ لأنه عرف قيمة المباراة عنده، وعليه فعلى قدر أهمية الموضوع عندك ستجد له وقتاً.

... يتبـــــــــ؏....

عطاء دائم 01-20-23 07:33 AM

سلسلة_كن_صحابياً

7️⃣4️⃣

حرص الصحابة على اتباع السنة

حرص أبي أيوب الأنصاري ورحلته في طلب حديث النبي ﷺ
روى أحمد والبيهقي عن التابعي عطاء بن أبي رباح رحمه الله تعالى أنه قال: إن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه رحل إلى عقبة بن عامر رضي الله عنه ليسأله عن حديث سمعه من رسول الله ﷺ ، وأبو أيوب كان يسكن المدينة المنورة، وعقبة بن عامر كان في مصر، قال عطاء: فلما قدم في أثناء طريقه على منزل مسلمة بن مخلّد الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه، وكان أمير مصر في ذلك الوقت، خرج إليه فعانقه، ثم قال له مسلمة: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث واحد سمعه عقبة من رسول الله ﷺ في ستر المؤمن،

فدلني على عقبة، فقال: نعم، فذهب معه إلى سيدنا عقبة رضي الله عنه، ثم ذكر لهما الحديث عن رسول الله صل6 أنه قال: (من ستر مؤمناً في الدنيا ستره الله يوم القيامة)، وانتهى الحديث، فتأمل سطراً واحداً جعل أبا أيوب يرحل من المدينة المنورة إلى مصر!

واسمع راوي الحديث ماذا يقول: ثم انصرف أبو أيوب بعدما سمع الحديث إلى راحلته فركبها راجعاً إلى المدينة، فلم يقعد في مصر ولا لحظة واحدة، لم يقعد ليشاهد الأهرامات، ولا ليشاهد نهر النيل، ولا حتى يرى أهل مصر أو يتكلم معهم، بل جاء ليتعلم سنة واحدة من سنن الرسول ﷺ ثم يرجع إلى بلده، فكان الهدف واضحاً جداً عنده، ألا وهو أنه يعرف سنة من سنن النبي ﷺ ، وليس عنده وقت يصرفه في أي شيء آخر.

وأنا بذكر هذه القصص والأحاديث لا أريد أن تصاب بالحزن والكآبة، ولا أريد أن تسافر من بلد إلى بلد آخر لتتعلم السنة، وإن كان هذا أحياناً قد يكون مطلوباً،
لكن أنا أريد أن تخرج الكتب التي في بيتك وتقرأها، أو أن تشتري كتباً إن لم يكن عندك في البيت، وأريد أن تحضر درساً في العلم الشرعي في منطقتك أنت، لا المناطق البعيدة،

وأريد أن تسأل المشايخ الذين تعرفهم عن القضايا التي تعترضك في حياتك اليومية، وما أكثر هذه القضايا؛ لأن هذه القضايا هي عمرك كله، فكل صغيرة وكبيرة في حياتك للدين فيها رأي،

فهذا هو المقصود من سماع مثل هذه الحكايات عن جيل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.

... يتبـــــــــ؏..

عطاء دائم 01-21-23 07:37 AM

سلسلة_كن_صحابياً

7️⃣5️⃣

حرص الصحابة على اتباع السنة

موقف الصحابة ممن لم يلتزم بسنة النبي ﷺ وحرصهم عليها
إن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يقاطعون من لم يلتزم بالسنة، أي: مقاطعة من يصر على مخالفة نهج رسول الله ﷺ في حياته، وليس المراد الذي لا يعمل النوافل، لأن السنة ليست هي النافلة فقط، بل السنة هي حياة رسول الله ﷺ ، فهي أوامره ونواهيه عليه الصلاة والسلام.

موقف عبد الله بن مغفل ممن أصر على مخالفة سنة النبي ﷺ
من أمثلة ذلك: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه: (أنه رأى رجلاً يخذف)، أي: أنه يضع حجراً بين الإصبع الوسطى وبين الإبهام ويرمي، أو يكون ذلك بالمقلاع، وهي أداة مشهورة معروفة - فنهاه عبد الله بن مغفل رضي الله عنه عن هذا الفعل، وقال له: (لا تخذف، فإن رسول الله ﷺ نهى عن الخذف)، فأوصل له المعلومة، ثم ذكر له الحكمة من النهي في الحديث: (إنه لا يصاد به صيد)، أي: أن معظم الطيور لن تقع بالنبلة هذه، (ولا ينكى به عدو)،
أي: أن تعلمه لن يفيدك في تعلم الرماية، ولن ينفع في الجهاد، وفوق هذا أيضاً يمكن أن يضر، لذا قال الرسول ﷺ : (ولكنها تكسر السن، وتفقأ العين)، فلا يوجد أي مصلحة في استعمال هذا الخذف، وأيضاً فهذا الطير الذي خذف بالحجارة لو سقط ميتاً لا يجوز أكله في الشرع؛ لأنه موقوذة، وأكل الوقيذ محرم كما في سورة المائدة: {وَالْمَوْقُوذَةُ} [المائدة:3]؛ ولأنه مات بقوة الرمي ولم يمت بحدها، إلا إذا لحقه وذبحه قبل أن يموت، وعليه فلا توجد أي مصالح في ذلك وأيضاً هو ممنوع من أكثر من وجه.

والشاهد: أن عبد الله بن مغفل رأى الرجل مرة أخرى يخذف، بعد أن نبهه كل هذا التنبيه، فقال له عبد الله بن مغفل: (أحدثك عن رسول الله ﷺ أنه نهى عن الخذف وأنت تخذف، لا أكلمك كذا وكذا).

وفي رواية لـ مسلم قال: (لا أكلمك أبداً).
ففي بداية الأمر نصحه، لكن لما رآه يعمل شيئاً في نظره كبيرة جداً قرر أن يقاطعه، ولذلك أجاز العلماء مقاطعة الذي يخالف السنة عمداً، حتى وإن كانت المقاطعة أكثر من ثلاثة أيام؛ وهذا بعد النصح والإرشاد له.

والشيء العظيم أيضاً في الصحابة أنهم كانوا يتبعون الرسول الله ﷺ دون أن يسألوا عن الحكم، أي: لو لم يروا الحكمة من الفعل فإنهم يقلدون الرسول ﷺ ويتبعونه.

... يتبـــــــــ؏....

عطاء دائم 01-21-23 07:38 AM

سلسلة_كن_صحابياً

7️⃣6️⃣

التزام عمر بن الخطاب بأفعال النبي ﷺ مع عدم ظهور الحكمة له منها
من أمثلة ذلك: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله، فقال: والله إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي ﷺ يقبلك ما قبلتك)، هذه الجملة من الفاروق تنفع دستور حياة ومنهج حياة.

فالرسول ﷺ إذا عمل عملاً ينبغي للمسلم أن يعمله، حتى ولو لم يفهم الحكمة من ذلك، وكذلك الأمر إذا منع النبي ﷺ شيئاً أو كرهه، ولذا كانت الحياة سهلة عند الصحابة، ومواطن الحيرة كانت عندهم قليلة جداً، فيصبح كل الهم هو البحث عن فعل الرسول أو قول الرسول ﷺ ، فإذا عرفوا رأيه في أي مسألة من المسائل زال الإشكال، وتصير الرؤية واضحة.

مثال آخر: ما رواه البخاري عن عمر رضي الله عنه أنه قال: فما لنا وللرمل؟ فما لنا وللرمل؟ إنما كنا راءينا به المشركين، وقد أهلكهم الله، والرمل هو: الإسراع مع تقارب الخطى، وهو من مناسك الحج، وفي رواية يقول: فيم الرمل والكشف عن المناكب، أي: عن الأكتاف، وأول ما كان هذا في عمرة القضاء، في السنة السابعة، وذلك أن الرسول ﷺ كان يريد أن يري الكفار قوة المسلمين،

فأمر الصحابة بالكشف عن الأكتاف، والجري الخفيف الذي هو كالجرية العسكرية؛ وذلك حتى يخوف المشركين من قوة المسلمين، لكن بعد ذلك ظن عمر أن الشرك قد انتهى، وأنه لا يوجد مشركون، وكل الجزيرة قد أسلمت، وكل الحجاج مسلمون، وعليه فلا فائدة من الرمل والكشف عن المناكب، فهذا كان ظن عمر في بداية الأمر، ثم رجع لنفسه فقال: شيء صنعه النبي ﷺ فلا نحب أن نتركه.
أي: شيء عمله النبي ﷺ فلا بد أن نعمله، حتى ولو كان العقل يقول غير ذلك، فالمهم أن أعمل ما عمله النبي ﷺ .

... يتبـــــــــ؏...

عطاء دائم 01-22-23 07:55 AM

سلسلة_كن_صحابياً

7⃣7⃣

تقيد الصحابة بفعل النبي ﷺ في لبس خاتم الذهب ثم نزعه

روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (اتخذ النبي ﷺ خاتماً من ذهب -وهذا قبل أن يحرم الذهب على الرجال- فاتخذ الناس خواتيم من ذهب -تقليداً للنبي ﷺ لا أمراً منه لهم- ثم بعد زمن قال النبي ﷺ : إني كنت قد اتخذت خاتماً من ذهب، ثم رمى به وقال: إني لن ألبسه أبداً، فنبذ الناس خواتيمهم)،

وقبل ذلك تكلف الناس بشرائها،
لكن ذلك لم يكن في عقولهم،
وإنما المهم الاتباع للنبي ﷺ ،
فكانت المسألة في غاية البساطة عند الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.

... يتبـــــــــ؏..

عطاء دائم 01-22-23 07:56 AM

سلسلة_كن_صحابياً

7️⃣8️⃣

تقيد الصحابة بفعل النبي ﷺ في خلع النعلين في الصلاة
روى أبو داود وأحمد والدارمي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره -وكان ذلك في أثناء الصلاة- فلما رأى ذلك القوم خلعوا نعالهم ووضعوها عن شمائلهم، فلما قضى رسول الله ﷺ صلاته قال: ما حملكم على إلقاء نعالكم؟ -أي: لماذا خلعتم نعالكم- قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله ﷺ : إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً أو قال أذىً)، يعني: أنه خلعهما لسبب مؤقت، والسبب هذا لم يكن موجوداً عند الصحابة،

فما كان المفروض على الصحابة أن يخلعوا نعالهم، لكن الشاهد هو حرص الصحابة على الاتباع، فهم لم ينتظروا إلى انتهاء الصلاة ثم بعد ذلك يسألونه، لا، وإنما بمجرد رؤية الرسول ﷺ يفعل شيئاً فعلوه.

وهنا قد يظن بعض الناس أن هذا الكلام فيه مبالغة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، لا؛ لأن الرسول ﷺ ليس مجرد شخص يعجبون به، وليس مجرد شخص ينبهرون بأفعاله، وإنما هو رسول رب العالمين، فكل خطوة من خطواته بأمر من الوحي أو مراجعة بالوحي، ونحن عندما نقلده، فإننا نعمل الذي أراده الله منا،

وعندما نعمل الذي أراده الله منا، فإننا سنسعد في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى، وسندخل الجنة التي هي منتهى أحلام المؤمنين، لذا كان الصحابة حريصين كل الحرص على أن يقلدوا الرسول ﷺ في كل حركة من حركاته والرسول ﷺ كان حريصاً جداً على ترسيخ هذا المعنى في قلوب وعقول الصحابة.

... يتبـــــــــ؏...

عطاء دائم 01-23-23 08:04 AM

سلسلة_كن_صحابياً

7⃣9⃣

وجوب اتباع النبي ﷺ في كل أمر لم يثبت اختصاصه به

روى الإمام مالك في موطئه عن التابعي الكبير عطاء بن يسار رحمه الله، وكان ممن يسكن المدينة: (أن رجلاً قبل امرأته وهو صائم في رمضان، فوجد من ذلك وجداً شديداً)، يعني: حزن حزناً كبيراً جداً، وخاف أن يكون قد ارتكب محظوراً يأثم به، مع أن هذا ليس بحرام، لكن الرجل لم يكن يعرف ذلك، فأرسل امرأته لتسأل له عن ذلك، وهنا نلحظ أن الرجل عنده مراقبة داخلية لله عز وجل، وحريص على أن يعرف رأي الرسول ﷺ في هذه المسألة، لكنّ حياءه منعه من ذلك، (فبعث امرأته لتسأل إحدى زوجات الرسول ﷺ ، فدخلت زوجته على أم سلمة زوج النبي ﷺ فذكرت ذلك لها، فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله ﷺ يقبل وهو صائم، فرجعت المرأة وأخبرت زوجها بذلك، فزاده ذلك شراً، يعني: زاده حزناً، وقال: لسنا مثل رسول الله ﷺ ، فالله يحل لرسوله ﷺ ما شاء).

وهذا كان اجتهاداً من الرجل، ولو سحبنا هذا الاجتهاد على كل قواعد الدين لضاع الدين، فرجعت المرأة إلى أم سلمة فوجدت رسول الله ﷺ عندها فقال رسول الله ﷺ : (ما لهذه المرأة؟ فأخبرته أم سلمة بقصتها، فقال رسول الله ﷺ : ألا أخبرته أني أفعل ذلك؟

فقالت له أم سلمة: قد أخبرتها، وذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شراً، وقال: لسنا مثل رسول الله ﷺ ، فالله يحل لرسوله ما شاء.

فغضب الرسول ﷺ غضباً شديداً)، وهنا نجد أن مواطن الغضب في حياة الرسول كانت قليلة جداً؛ لأنه ﷺ لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله عز وجل، لكن كان هذا الرجل مشدداً على نفسه، لكن ذلك لا ينفع، فلا بد من تقليد الرسول ﷺ في كل نقطة من نقاط حياته، ثم قال ﷺ : (والله إني لأتقاكم لله، وأعلمكم بحدوده).
إذاً: فالذي عمله رسول الله ﷺ هو الحلال، والذي منع منه هو الحرام من غير أي تكلف، فأي شيء عمله في العبادة والطاعة والتقرب إلى الله وأمر به المسلمين ولم يقل: إنه خاص به فعلى المسلمين أن يعملوه ولا يزيدوا عليه شيئاً، فالذي عمله النبي ﷺ هو الصحيح من غير زيادة ولا نقصان.

وتأمل موقف الصديق من إنفاذه لبعث أسامة بن زيد رضي الله عنهما؛ وذلك أن النبي ﷺ بعث جيشاً لحرب الروم قبل أن يموت بأيام قليلة، ثم مات ﷺ وارتدت جزيرة العرب بكاملها إلا ثلاث مدن وقرية، وخاف الناس على المدينة، بل تخوفوا على الإسلام، وفي هذا الجو المشحون بالفتن والردة والخوف على المدينة أصر أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه على إنفاذ جيش أسامة بن زيد لمحاربة الروم، ولم يلتفت رضي الله عنه إلى المرتدين وما يشكلونهم من خطر، لأن الذي أنفذ جيش أسامة هو الرسول ﷺ ، وجاءت الناس تخاطب الصديق رضي الله عنه وأرضاه وتقول له: دع الجيش في المدينة حتى يقوم بحمايتها، فرد عليهم قائلاً: لو تخطفتنا الطير وأكلتنا السباع حول المدينة، وجرت الكلاب بأرجل أمهات المؤمنين، ما رددت جيشاً وجهه رسول الله ﷺ ، ولا حللت لواءً عقده.

فانظر كيف أن الصديق لم يخالف النبي ﷺ في هذا الأمر؛ ولذا كان من أعظم صفات الصديق رضي الله عنه وأرضاه الاتباع للنبي ﷺ .

... يتبـــــــــ؏.....

عطاء دائم 01-23-23 08:05 AM

سلسلة_كن_صحابياً
8⃣0⃣

الصحابة والأخوة

الأخوة منحة ربانية وإشراقة قدسية، وصمام أمان لهذه الأمة من الذلة والضعف والهوان، وقد ترجم ذلك الرعيل الأول في مفاهيم عدة، فانتشر الحب والوئام فيما بينهم، وسادوا الدنيا بأجمعها، لأنهم علموا أن أمة الإسلام لا يستقيم أمرها ولا يكون لها شأن إلا بالتآلف والتآخي بين أبنائها.

الأخوة صمام أمان لهذه الأمة وضرورة حتمية لإقامة كيانها

ما زلنا نبحث عن معالم الطريق الذي سار فيه الصحابة، والذي نسأل الله عز وجل أن يلحقنا بهم في أعلى عليين، وسنتحدث بمشيئة الله تعالى عن مفهوم جديد من المفاهيم الإسلامية، وكيف تعامل الصحابة مع هذا المفهوم، هذا المفهوم الذي لا يستقيم لأمة الإسلام أن تقوم بغيره، والذي بعدُّ من دعامات المجتمع الصالح، ولبنة أساسية من لبنات إقامة الأمة الإسلامية الصالحة، ألا وهو: مفهوم الأخوة، فأي مجتمع صالح لابد أن يقوم على أساس الأخوة.

روى البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)، وانظروا إلى هذا التشبيه الجميل، فبنيان الأمة الإسلامية مثل العمارة الضخمة الكبيرة، فهل تستطيع أن تبني عمارة بأن تضع طوبة بجانب طوبة فوق طوبة من غير إسمنت وغيره من المواد؟ لا يمكن ذلك، لأنه لابد أن يكون هناك شيء يربط بين كل طوبة وأخرى،

وإذا فرضنا أنك تستطيع أن تعمل ذلك في ارتفاع متر أو مترين فإنك لن تستطيع أن تعمله في عمارة ضخمة، والإسمنت الذي بين طوبة وطوبة أخرى، أو الخرسانة التي بين دور ودور آخر هي الأخوة، فلا تستطيع أن تبني عمارة كبيرة من غير إسمنت، أو من غير خرسانة، وكذلك الأمة الإسلامية، فلا تستطيع أن تبني أمة من غير أخوة، لذا قال ربنا عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]،

حصر منه عز وجل، فلا ينفع أن تكون أمة المؤمنين من غير أخوة، ولذلك كان من أوائل الأساسات التي أنشأها رسول الله ﷺ في المدينة المنورة بعد هجرته أساس الأخوة، فأقام المؤاخاة بين الأوس والخزرج، وفك النزاع القديم الأصيل في المدينة، وليس فقط ذلك، بل جعل كل طرف يحب الطرف الثاني، ووجدت المحبة والمودة في المدينة لأول مرة، ونحن لا نريد مجرد التعايش السلمي، بل نريد الأخوة في الله، والحب في الله.

ثم أقام النبي ﷺ المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، ووصلت هذه المؤاخاة إلى حد الميراث، يعني: كأنها أخوة حقيقية تماماً، بل أشد من الأخوة الحقيقية، والغريب أن الأوس والخزرج قحطانيون من اليمن، بينما قريش عدنانيون من مكة، لكن الإسلام جمع بينهم، وليس فقط أقام لهم دولة، بل جعل كل فرد في هذه الدولة يحب الفرد الآخر، وهذا هو ما عمله الإسلام في المدينة، ولذلك نجد أن معظم شعائر الإسلام تقوم على الجماعة، أي: على المجتمع، ولذا كان لابد لهذا المجتمع أن يكون فيه أواصر أخوة ومحبة، فمثلاً: صلاة الجماعة تفضُل على صلاة الرجل في بيته بسبع وعشرين درجة،

وذلك حتى يرتبط المسلم بجماعة المسلمين، وكذلك الزكاة، لابد أن تكون من واحد لمجموعة، أو من واحد لواحد، ولا ينفع أن تكون الزكاة شيئاً فردياً، والحج أيضاً مؤتمر جماعي كبير، يأتي إليه الناس من كل أقطار الأرض، ليجتمعوا وليعملوا هذا المؤتمر العظيم كل سنة، وكذلك الجهاد لابد أن يقوم به مجموعة من الناس، ولا ينفع أن يكون الجيش فرداً أو فردين أو ثلاثة، لأنه عمل يشمل كل الأمة في أقطارها، وفي الدعوة لابد أن يكون هناك داعية ولابد أن يكون هناك مدعوون، وفي العلم لابد أن يكون هناك عالم ومتعلمون، والشورى أيضاً لابد أن تكون بين مجموعة من المسلمين،

فكل شيء محتاج إلى مجموعة من الناس، وكل شيء في الإسلام محتاج إلى العمل الجماعي، وأعظم دليل على ذلك: قضية الاستخلاف على الأرض، فلن تقوم إلا بعمل جماعي، فهناك من يزرع، وهناك من يبني، وهناك من يبيع، وهناك من يعالج، وهناك من يخترع، وهناك من يحارب ويدافع، ولابد من تفاعل وتنسيق بين كل هؤلاء، وذلك حتى يخرجوا بعمل طيب ونافع، وهذا كله لا يحصل إلا إذا وجدت محبة بين المسلمين، وفوق ذلك هناك صراع حتمي بين أهل الحق وأهل الباطل، وهو سنة من سنن الله عز وجل في الأرض، وهذا الصراع سيحتاج إلى وحدة بين أهل الحق في مواجهة أهل الباطل، ولا يمكن أن يتصارع أهل الحق مع أهل الباطل وهناك فرقة وبغضاء وشحناء بين أهل الحق،

ولذلك فإنه إذا تصارع أهل الحق فيما بينهم فلن يكون هناك شرائع ولا جهاد ولا شورى ولا استخلاف، ولذا أوجب الله عز وجل الأخوة والحب في الله بين أفراد المجتمع المسلم، ونهاهم عن الشحناء والبغضاء والكراهية، وبذلك يستطيع المؤمنون بالله أن يقوموا بأمر الاستخلاف كما أراد الله عز وجل، ومن هنا فقه الصحابة أهمية الأخوة بين بعضهم البعض دون ارتباط بنسب ولا مال ولا مصلحة، فهموا أنه لن تقوم لهم أمة، ولن يعبدوا الله حق عبادته .

... يتبـــــــــ؏....


الساعة الآن 03:19 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.1 al2la.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع الحقوق محفوظه لـ منتديات مسك الغلا