منتديات مسك الغلا | al2la.com
 


من تاريخ هذا اليوم أي إساءه مهما كان نوعها أو شكلها أو لونها تصدر علناً من عضو بحق عضو أو مراقب أو إداري أو حتى المنتدى سيتم الإيقاف عليها مباشره وبدون تفاهم :: قرار هام ::

موضوع مُغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-05-15, 12:44 PM   #7
البرنس الجنوبي

آخر زيارة »  02-10-15 (11:42 PM)
الهوايه »  الرياضه
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



خالد بن الوليد

( لا ينام ولا يترك أحدا ينام )


إن أمره لعجيب..!!

هذا الفاتك بالمسلمين يوم أحد والفاتك بأعداء الإسلام بقية الأيام..!!

ألا فلنأت على قصته من البداية..

ولكن أية بداية..؟؟

إنه هو نفسه, لا يكاد يعرف لحياته بدءا إلا ذلك اليوم الذي صافح فيه الرسول مبايعا..

ولو استطاع لنحّى عمره وحياته, كل ماسبق ذلك اليوم من سنين, وأيام..

فلنبدأ معه إذن من حيث يحب.. من تلك اللحظة الباهرة التي خشع فيها قلبه لله, وتلقت روحه فيها لمسة من يمين الرحمن, وكلتا يديه يمي, فنفجّرت شوقا إلى دينه, وإلى رسوله, وإلى استشهاد عظيم في سبيل الحق, ينضو عن كاهله أوزار مناصرته الباطل في أيامه الخاليات..



لقد خلا يوما إلى نفسه, وأدار خواطره الرشيدة على الدين الجديد الذي تزداد راياته كل يوما تألقا وارتفاعا, وتمنّى على الله علام الغيوب أن يمدّ إليه من الهدى بسبب.. والتمعت في فؤاده الذكي بشائر اليقين, فقال:

" والله لقد استقام المنسم....

وان الرجل لرسول..

فحتى متى..؟؟

أذهب والله, فأسلم"..

ولنصغ إليه رضي الله عنه وهو يحدثنا عن مسيره المبارك إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام, وعن رحلته من مكة إلى المدينة ليأخذ مكانه في قافلة المؤمنين:

".. وددت لو أجد من أصاحب, فلقيت عثمان بن طلحة, فذكرت له الذي أريد فأسرع الإجابة, وخرجنا جميعا فأدلجنا سحرا.. فلما كنا بالسهل إذا عمرو بن العاص, فقال مرحبا يا قوم,

قلنا: وبك..

قال: أين مسيركم؟ فأخبرناه, وأخبرنا أيضا أنه يريد النبي ليسلم.

فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أول يوم من صفر سنة ثمان..فلما اطّلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه بالنبوّة فردّ على السلام بوجه طلق, فأسلمت وشهدت شهادة الحق..

فقال الرسول: قد كنت أرى لك عقلا رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير..

وبايعت رسول الله وقلت: استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صدّ عن سبيل الله..

فقال: إن الإسلام يجبّ ما كان قبله..

قلت: يا رسول الله على ذلك..

فقال: اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صدّ عن سبيلك..

وتقدّم عمرو بن العاص, وعثمان بن طلحة, فأسلما وبايعا رسول الله"...



أرأيتم قوله للرسول:" استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صدّ عن سبيل الله"..؟؟

إن الذي يضع هذه العبارة بصره, وبصيرته, سيهتدي إلى فهم صحيح لسلك المواقف التي تشبه الألغاز في حياة سيف الله وبطل الإسلام..



وعندما نبلغ تلك المواقف في قصة حياته ستكون هذه العبارة دليلنا لفهمها وتفسيرها-..

أما الآن, فمع خالد الذي أسلم لتوه لنرى فارس قريش وصاحب أعنّة الخيل فيها, لنرى داهية العرب كافة في دنيا الكرّ والفرّ, يعطي لآلهة آبائه وأمجاد قومه ظهره, ويستقبل مع الرسول والمسلمين عالما جديدا, كتب الله له أن ينهض تحت راية محمد وكلمة التوحيد..

مع خالد إذن وقد أسلم, لنرى من أمره عجبا..!!!!



أتذكرون أنباء الثلاثة شهداء أبطال معركة مؤتة..؟؟

لقد كانوا زيد بن حارثة, وجعفر بن أبي طالب, وعبدالله بن رواحة..

لقد كانوا أبطال غزوة مؤتة بأرض الشام.. تلك الغزوة التي حشد لها الروم مائتي ألف مقاتل, والتي أبلى المسلمون فيها بلاء منقطع النظير..

وتذكرون العبارة الجليلة الآسية التي نعى بها الرسول صلى الله عليه وسلم قادة المعركة الثلاثة حين قال:

" أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا.

ثم أخذها جعفر فقاتل بها, حتى قتل شهيدا..

ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا".

كان لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بقيّة, ادّخرناها لمكانها على هذه الصفحات..

هذه البقيّة هي:

" ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله, ففتح الله علي يديه".

فمن كان هذا البطل..؟



لقد كان خالد بن الوليد.. الذي سارع إلى غزوة مؤتة جنديا عاديا تحت قيادة القواد الثلاثة الذين جعلهم الرسول على الجيش: زيد, وجعفر وعبدالله ابن رواحة, والذين استشهدوا بنفس الترتيب على ارض المعركة الضارية..

وبعد سقوط آخر القواد شهيدا, سارع إلى اللواء ثابت بن أقوم فحمله بيمينه ورفعه عاليا وسط الجيش المسلم حتى لا تبعثر الفوضى صفوفه..

ولم يكد ثابت يحمل الراية حتى توجه بها مسرعا إلى خالد بن الوليد, قائلا له:

" خذ اللواء يا أبا سليمان"...

ولم يجد خالد من حقّه وهو حديث العهد بالإسلام أن يقود قوما فيهم الأنصار والمهاجرون الذين سبقوه بالإسلام..

أدب وتواضع وعرفان ومزايا هو لها أهل وبها جدير!!

هنالك قال مجيبا ثابت بن أقرم:

" لا آخذ اللواء, أنت أحق به.. لك سن وقد شهدت بدرا"..

وأجابه ثابت:" خذه, فأنت أدرى بالقتال مني, ووالله ما أخذته إلا لك".

ثم نادى في المسلمين: أترضون إمرة خالد..؟

قالوا: نعم..

واعتلى العبقري جواده. ودفع الراية بيمينه إلى الأمام كأنما يقرع أبوابها مغلقة آن لها أن تفتح على طريق طويل لاجب سيقطعه البطل وثبا..

في حياة الرسول وبعد مماته, حتى تبلغ المقادير بعبقريته الخارقة أمرا كان مقدورا...

ولّي خالد إمارة الجيش بعد أن كان مصير المعركة قد تحدد. فضحايا المسلمين كثيرون, وجناهم مهيض.. وجيش الروم في كثرته الساحقة كاسح, ظافر مدمدم..

ولم يكن بوسع أية كفاية حربية أن تغير من المصير شيئا, فتجعل المغلوب غالبا, والغالب مغلوبا..

وكان العمل الوحيد الذي ينتظر عبقريا لكي ينجزه, هو وقف الخسائر في جيش الإسلام, والخروج ببقيته سالما, أي الانسحاب الوقائي الذي يحول دون هلاك بقية القوة المقاتلة على أرض المعركة.

بيد أن انسحابا كهذا كان من الاستحالة بمكان..

ولكن, إذا كان صحيحا أنه لا مستحيل على القلب الشجاع فمن أشجع قلبا من خالد, ومن أروع عبقرية وأنفذ بصيرة..؟؟!



هنالك تقدم سيف الله يرمق أرض القتال الواسعة بعينين كعيني الصقر, ويدير الخطط في بديهته بسرعة الضوء.. ويقسم جيشه, والقتال دائر, إلى مجموعات, ثم يكل إلى كل مجموعة بمهامها.. وراح يستعمل فنّه المعجز ودهاءه البليغ حتى فتح في صفوف الروم ثغرة فسيحة واسعة, خرج منها جيش المسلمين كله سليما معافى. بعد أن نجا بسبب من عبقرية بطل الإسلام من كارثة ماحقة ما كان لها من زوال...!!

وفي هذه المعركة أنعم الرسول على خالد بهذا اللقب العظيم..



وتنكث قريش عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيتحرك المسلمون تحت قيادته لفتح مكة..

وعلى الجناح الأيمن من الجيش, يجعل الرسول خالدا أميرا..

ويدخل خالد مكة, واحدا من قادة الجيش المسلم, والأمة المسلمة بعد أن شهدته سهولها وجبالها. قائدا من قوّاد جيش الوثنية والشرك زمنا طويلا..

وتخطر له ذكريات الطفولة, حيث مراتعها الحلوة.. وذكريات الشباب, حيث ملاهيه الصاخبة..

ثم تجيشه ذكريات الأيام الطويلة التي ضاع فيها عمره قربانا خاسرا لأصنام عاجزة كاسدة..



وقبل أن يعضّ الندم فؤاده ينتفض تحت روعة المشهد وجلاله..

مشهد المستضعفين الذين لا تزال جسومهم تحمل آثار التعذيب والهول, يعودون إلى البلد الذي أخرجوا منه بغيا وعدوا, يعودون إليه على صهوات جيادهم الصاهلة, وتحت رايات الإسلام الخافقة.. وقد تحوّل همسهم الذي كانوا يتناجون به في دار الأرقم بالأمس, إلى تكبيرات صادعة رائعة ترجّ مكة رجّا, وتهليلات باهرة ظافرة, يبدو الكون معها, وكأنه كله في عيد...!!

كيف تمّت المعجزة..؟

أي تفسير لهذا الذي حدث؟



لا شيء إلا هذه الآية التي يرددها الزاحفون الظافرون وسط تهليلاتهم وتكبيراتهم حتى ينظر بعضهم إلى بعض فرحين قائلين:

( وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {6}الروم )..!!



ويرفع خالد رأسه إلى أعلى. ويرمق في إجلال وغبطة وحبور رايات الإسلام تملأ الأفق.. فيقول لنفسه:

أجل انه وعد الله ولا يخلف الله وعده..!!

ثم يحني رأسه شاكرا نعمة ربه الذي هداه للإسلام وجعله في يوم الفتح العظيم هذا, واحدا من الذين يحملون راية الإسلام إلى مكة.. وليس من الذين سيحملهم الفتح على الإسلام..



ويظل خالد إلى جانب رسول الله, واضعا كفاياته المتفوقة في خدمة الدين الذي آمن به من كل يقينه, ونذر له كل حياته.



وبعد أن يلحق الرسول بالرفيق الأعلى, ويحمل أبو بكر مسؤولية الخلافة, وتهبّ أعاصير الردّة غادرة ماكرة, مطوقة الدين الجديد بزئيرها المصمّ وانتفاضها المدمدم.. يضع أبو بكر عينه لأول وهلة على بطل الموقف ورجل الساعة.. أبي سليمان, سيف الله, خالد بن الوليد..!!

وصحيح أن أبا بكر لم يبدأ معارك المرتدين إلا بجيش قاده هو بنفسه, ولكن ذلك لا يمنع أنه ادّخر خالدا ليوم الفصل, وأن خالدا في المعركة الفاصلة التي كانت أخطر معارك الردة جميعا, كان رجلها الفذ وبطلها الملهم..



عندما بدأت جموع المرتدين تتهيأ لإنجاز مؤامرتها الضخمة, صمم الخليفة العظيم أبو بكر على أن يقود جيوش المسلمين بنفسه, ووقف زعماء الصحابة يبذلون محاولات يائسة لصده عن هذا العزم. ولكنه ازداد تصميما.. ولعله أراد بهذا أن يعطي القضية التي دعا الناس لخوض الحرب من أجلها أهميّة وقداسة, لا يؤكدها في رأيه إلا اشتراكه الفعلي في المعارك الضارية التي ستدور رحاها بين قوى الإيمان, وبين جيوش الضلال والردة, وإلا قيادته المباشرة لبعض أو لكل القوات المسلمة..

ولقد كانت انتفاضات الردة بالغة الخطورة, على الرغم من أنها بدأت وكأنها تمرّد عارض..



لقد وجد فيها جميع الموتورين من الإسلام والمتربصين به فرصتهم النادرة, سواء بين قبائل العرب, أم على الحدود, حيث يجثم سلطان الروم والفرس, هذا السلطان الذي بدأ يحسّ خطر الإسلام الأكبر عليه, فراح يدفع الفتنة في طريقه من وراء ستار..!!

ونشبت نيران الفتننة في قبائل: أسد, وغطفان, وعبس, وطيء, وذبيان..

ثم في قبائل: بني غامر, وهوزان, وسليم, وبني تميم..

ولم تكد المناوشات تبدأ حتى استحالت إلى جيوش جرّارة قوامها عشرات الألوف من المقاتلين..

واستجاب للمؤامرة الرهيبة أهل البحرين, وعمان, والمهرة, وواجه الإسلام أخطر محنة, واشتعلت الأرض من حول المسلمين نارا.. ولكن, كان هناك أبو بكر..!!

عبّأ أبو بكر المسلمين وقادهم إلى حيث كانت قبائل بني عبس, وبني مرّة, وذبيان قد خرجوا في جيش لجب..

ودار القتال, وتطاول, ثم كتب للمسلمين نصر مؤزر عظيم..

ولم يكد الجيش المنتصر يستقر بالمدينة. حتى ندبه الخليفة للمعركة التالية..



وكانت أنباء المرتدين وتجمّعاتهم تزداد كل ساعة خطورة .. وخرج أبو بكر على رأس هذا الجيش الثاني, ولكن كبار الصحابة يفرغ صبرهم, ويجمعون على بقاء الخليفة بالمدينة, ويعترض الإمام علي طريق أبا بكر ويأخذ بزمام راحلته التي كان يركبها وهو ماض أمام جيشه الزاحف فيقول له:

" إلى أين يا خليفة رسول الله..؟؟

إني أقول لك ما قاله رسول الله يوم أحد:

لمّ سيفك يا أبا بكر لا تفجعنا بنفسك..."

وأمام إجماع مصمم من المسلمين, رضي الخليفة أن يبقى بالمدينة وقسّم الجيش إلى إحدى عشرة مجموعة.. رسم لكل مجموعة دورها..

وعلى مجموعة ضخمة من تلك المجموعات كان خالد بن الوليد أميرا..

ولما عقد الخليفة لكل أمير لواءه, اتجه صوب خالد وقال يخاطبه:

" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم عبدالله. وأخو العشيرة, خالد بن الوليد, سيف من سيوف الله. سلّه الله على الكفار والمنافقين"..



ومضى خالد إلى سبيله ينتقل بجيشه من معركة إلى معركة, ومن نصر إلى نصر حتى كانت المعركة الفاصلة..



فهناك باليمامة كان بنو حنيفة, ومن انحاز إليهم من القبائل, قد جيّشوا أخطر جيوش الردة قاطبة, يقوده مسيلمة الكذاب.

وكانت بعض القوات المسلمة قد جرّبت حظها مع جيوش مسيلمة, فلم تبلغ منه منالا..

وجاء أمر الخليفة إلى قائده المظفر أن سر إلى بني حنيفة.. وسار خالد..

ولم يكد مسيلمة يعلم أن ابن الوليد في الطريق إليه حتى أعاد تنظيم جيشه, وجعل منه خطرا حقيقيا, وخصما رهيبا..



والتقى الجيشان:

وحين تطالع في كتب السيرة والتاريخ, سير تلك المعركة الهائلة, تأخذك رهبة مضنية, إذ تجد نفسك أمام معركة تشبه في ضراوتها وجبروتها معارك حروبنا الحديثة, وإن اختلفت في نوع السلاح وظروف القتال..

ونزل خالد بجيشه على كثيب مشرف على اليمامة, وأقبل مسيلمة في خيلائه وبغيه, صفوف جيشه من الكثرة كأنها لا تؤذن بانتهاء..!!



وسّلم خالد الألوية والرايات لقادة جيشه, والتحم الجيشان ودار القتال الرهيب, وسقط شهداء المسلمين تباعا كزهور حديقة طوّحت بها عاصفة عنيدة..!!

وأبصر خالد رجحان كفة الأعداء, فاعتلى بجواده ربوة قريبة وألقى على المعركة نظرة سريعة, ذكية وعميقة..

ومن فوره أدرك نقاط الضعف في جيشه وأحصاها..

رأى الشعور بالمسؤولية قد وهن تحت وقع المفاجأة التي دهمهم بها جيش مسيلمة, فقرر في نفس اللحظة أن يشدّ في أفئدة المسلمين جميعا إلى أقصاه.. فمضى ينادي إليه فيالق جيشه وأجنحته, وأعاد تنسيق مواقعه على أرض المعركة, ثم صاح بصوته المنتصر:

" امتازوا, لنرى اليوم بلاء كل حيّ".

وامتازوا جميعا..

مضى المهاجرون تحت راياتهم, والأنصار تحت رايتهم " وكل بني أب على رايتهم".

وهكذا صار واضحا تماما, من أين تجيء الهزيمة حين تجيء واشتعلت الأنفس حماسة, اتّقدت مضاء, وامتلأت عزما وروعة..

وخالد بين الحين والحين, يرسل تكبيرة أو تهليلة أو صيحة يلقى بها أمرا, فتتحوّل سيوف جيشه إلى مقادير لا رادّ لأمرها, ولا معوّق لغاياتها..

وفي دقائق معدودة تحوّل اتجاه المعركة وراح جنود مسيلمة يتساقطون بالعشرات, فالمئات فالألوف, كذباب خنقت أنفاس الحياة فيه نفثات مطهر صاعق مبيد..!!



لقد نقل خالد حماسته كالكهرباء إلى جنوده, وحلّت روحه في جيشه جميعا.. وتلك كانت إحدى خصال عبقريّته الباهرة..

وهكذا سارت أخطر معارك الردة وأعنف حروبها, وقتل مسيلمة..

وملأت جثث رجاله وجيشه أرض القتال, وطويت تحت التراب إلى الأبد راية الدّعيّ الكذاب..



وفي المدينة صلى الخليفة لربه الكبير المتعال صلاة الشكر, إذ منحهم هذا النصر, وهذا البطل..

وكان أبو بكر قد أدرك بفطنته وبصيرته ما لقوى الشر الجاثمة وراء حدود بلاده من دور خطير في تهديد مصير الإسلام وأهله.. الفرس في العراق.. والروم في بلاد الشام..

امبرطوريتان خرعتان, تتشبثان بخيوط واهنة من حظوظهما الغاربة وتسومان الناس في العراق وفي الشام سوء العذاب, بل وتسخرهم, وأكثرهم عرب, لقتال المسلمين العرب الذين يحملون راية الدين الجديدة, يضربون بمعاوله قلاع العالم القديم كله, ويجتثون عفنه وفساده..!

هنالك أرسل الخليفة العظيم المبارك توجيهاته إلى خالد أن يمضي بجيشه صوب العراق..

ويمضي البطل إلى العراق, وليت هذه الصفحات كانت تتسع لتتبع مواكب نصره, إذن لرأينا من أمرها عجبا.

لقد استهلّ عمله في العراق بكتب أرسلها إلى جميع ولاة كسرى ونوابه على ألوية العراق ومدائنه..

" بسم الله الرحمن الرحيم

من خالد بن الوليد.. إلى مرازبة فارس..

سلام على من اتبع الهدى

أما بعد, فالحمد لله الذي فضّ خدمكم, وسلب ملككم, ووهّن كيدكم

من صلى صلاتنا, واستقبل قبلتنا, وأكل ذبيحتنا فذلكم المسلم, له ما لنا وعليه ما علينا

إذا جاءكم كتابي فابعثوا إليّ بالرهن واعتقدوا مني الذمّة

وإلا, فوالذي لا إله غيره لأبعثن إليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة"..!!



وجاءته طلائعه التي بثها في كل مكان بأنباء الزّخوف الكثيرة التي يعدها له قوّاد الفرس في العراق, فلم يضيّع وقته, وراح يقذف بجنوده على الباطل ليدمغه.. وطويت له الأرض طيّا عجيبا.

في الأبلّة, إلى السّدير, فالنّجف, إلى الحيرة, فالأنبار, فالكاظمية. مواكب نصر تتبعها مواكب... وفي كل مكان تهلّ به رياحه البشريات ترتفع للإسلام راية يأوي إلى فيئها الضعفاء والمستعبدون.

أجل, الضعفاء والمستعبدون من أهل البلد الذين كان الفرس يستعمرونهم, ويسومونهم سوء العذاب..

وكم كان رائعا من خالد أن بدأ زحفه بأمر أصدره إلى جميع قوّاته:

" لا تتعرّضوا للفلاحين بسوء, دعوهم في شغلهم آمنين, إلا أن يخرج بعضهم لقتالكم, فآنئذ قاتلوا المقاتلين".

وسار بجيشه الظافر كالسكين في الزبد الطريّ حتى وقف على تخوم الشام..

وهناك دوّت أصوات المؤذنين, وتكبيرات الفاتحين.

ترى هل سمع الروم في الشام..؟

وهل تبيّنوا في هذه التكبيرات نعي أيامهم, وعالمهم..؟

أجل لقد سمعوا.. وفزّعوا.. وقرّروا أن يخوضوا في جنون معركة اليأس والضياع..!



كان النصر الذي أحرزه الإسلام على الفرس في العراق بشيرا بنصر مثله على الروم في الشام..

فجنّد الصدّيق أبو بكر جيوشا عديدة, واختار لإمارتها نفرا من القادة المهرة, أبو عبيدة بن الجراح, وعمرو بن العاص, ويزيد بن أبي سفيان, ثم معاوية بن أبي سفيان..

وعندما نمت أخبار هذه الجيوش إلى إمبراطور الروم نصح وزراءه وقوّاده بمصالحة المسلمين, وعدم الدخول معهم في حرب خاسرة..

بيد أن وزراءه وقوّاده أصرّوا على القتال وقالوا:

" والله لنشغلنّ أبا بكر على أن يورد خيله إلى أرضنا"..

وأعدوا للقتال جيشا بلغ قوامه مائتي ألف مقاتل, وأربعين ألفا.

وأرسل قادة المسلمين إلى الخليفة بالصورة الرهيبة للموقف فقال أبو بكر:

" والله لأشفينّ وساوسهم بخالد"..!!!

وتلقى ترياق الوساوس.. وساوس التمرّد والعدوان والشرك, تلقى أمر الخليفة بالزحف إلى الشام, ليكون أميرا على جيوش الإسلام التي سبقته إليها..

وما أسرع ما امتثل خالد وأطلع, فترك على العراق المثنّى بن الحارثة وسار مع قواته التي اختارها حتى وصل مواقع المسلمين بأرض الشام, وأنجز بعبقريته الباهرة تنظيم الجيش المسلم وتنسيق مواقعه في وقت وجيز, وبين يدي المعركة واللقاء, وقف في المقاتلين خطيبا فقال بعد أن حمد ربه وأثنى عليه:

" إن هذا يوم من أيام الله, لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي..

أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم, وتعالوا نتعاور الإمارة, فيكون أحدنا اليوم أميرا, والآخر غدا, والآخر بعد غد, حتى يتأمّر كلكم"...

هذا يوم من أيام الله..

ما أروعها من بداية..!!

لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي..

وهذه أكثر روعة وأوفى ورعا!!



ولم تنقص القائد العظيم الفطنة المفعمة بالإيثار, فعلى الرغم من أن الخليفة وضعه على رأس الجيش بكل أمرائه, فانه لم يشأ أن يكون عونا للشيطان على أنفس أصحابه, فتنازل لهم عن حقه الدائم في الإمارة وجعلها دولة بينهم..

اليوم أمير, وغداً أمير ثان.. وبعد غد أمير آخر.. وهكذا..

كان جيش الروم بأعداده وبعتاده, شيئا بالغ الرهبة..

لقد أدرك قوّاد الروم أن الزمن في صالح المسلمين, وأن تطاول القتال وتكاثر المعارك يهيئان لهم النصر دائما, من أجل ذلك قرروا أن يحشدوا كل قواهم في معركة واحدة يجهزون خلالها على العرب حيث لا يبقى لهم بعدها وجود, وما من شك أن المسلمين أحسّوا يوم ذاك من الرهبة والخطر ما ملأ نفوسهم المقدامة قلقا وخوفا..

ولكن إيمانهم كان يخفّ لخدمتهم في مثل تلك الظلمات الحالكات, فإذا فجر الأمل والنصر يغمرهم بسناه..!!



ومهما يكن بأس الروم وجيوشهم, فقد قال أبو بكر, وهو بالرجال جدّ خبير:

" خالد لها".!!

وقال:" والله, لأشفينّ وساوسهم بخالد".

فليأت الروم بكل هولهم, فمع المسلمين الترياق..!!

عبأ ابن الوليد جيشه, وقسمه إلى فيالق, ووضع للهجوم والدفاع خطة جديدة تتناسب مع طريقة الروم بعد أن خبر وسائل إخوانهم الفرس في العراق.. ورسم للمعركة كل مقاديرها..

ومن عجب أن المعركة دارت كما رسم خالد وتوقع, خطوة خطوة, وحركة حركة, حتى ليبدو وكأنه لو تنبأ بعدد ضربات السيوف في المعركة, لما أخطأ التقدير والحساب..!!

كل مناورة توقعها من الروم صنعوها..

كل انسحاب تنبأ به فعلوه..

وقبل أن يخوض القتال كان يشغل باله قليلا, احتمال قيام بعض جنود جيشه بالفرار, خاصة أولئك الذين هم حديثو العهد بالإسلام, بعد أن رأى ما ألقاه منظر جيش الروم من رهبة وجزع..

وكان خالد يتمثل عبقرية النصر في شيء واحد, هو الثبات..

وكان يرى أن حركة هروب يقوم بها اثنان أو ثلاثة, يمكن أن تشيع في الجيش من الهلع والتمزق ما لا يقدر عليه جيش العدو بأسره...

من أجل هذا, كان صارما, تجاه الذي يلقي سلاحه ويولي هاربا..

وفي تلك الموقعة بالذات موقعة اليرموك, وبعد أن أخذ جيشه مواقعه, دعا نساء المسلمين, ولأول مرّة سلّمهن السيوف, وأمرهن, بالوقوف وراء صفوف المسلمين من كل جانب وقال لهن:

" من يولّي هاربا فاقتلنه"..

وكانت لفتة بارعة أدت مهمتها على أحسن وجه..!!

وقبيل بدء القتال طلب قائد الروم أن يبرز إليه خالد ليقول له بضع كلمات ..

وبرز إليه خالد, حيث تواجها فوق جواديهما في الفراغ الفاصل بين الجيشين..

وقال ماهان قائد الروم يخاطب خالدا"

" قد علمنا أنه لم يخرجكم من بلادكم إلا الجوع والجهد..

فان شئتم, أعطيت كل واحد منكم عشرة دنانير, وكسوة, وطعاما, وترجعون إلى بلادكم, وفي العام القادم أبعث إليكم بمثلها".!!

وضغط خالد الرجل والبطل على أسنانه, وأدرك ما في كلمات قائد الروم من سوء الأدب..

وقرر أن يردّ عليه بجواب مناسب, فقال له:

" انه لم يخرجنا من بلادنا الجوع كما ذكرت, ولكننا قوم نشرب الدماء, وقد علمت أنه لا دم أشهى وأطيب من دم الروم, فجئنا لذلك"..!!

ولوى البطل زمام جواده عائدا إلى صفوف جيشه. ورفع اللواء عاليا مؤذنا بالقتال..

" الله أكبر"

" هبّي رياح الجنة"..

كان جيشه يندفع كالقذيفة المصبوبة.

ودار قتال ليس لضراوته نظير..

وأقبل الروم في فيالق كالجبال..

وبدا لهم من المسلمين ما لم يكونوا يحتسبون..

ورسم المسلمون صورا تبهر الألباب من فدائيتهم وثباتهم..

فهذا أحدهم يقترب من أبي عبيدة بن الجرّاح رضي الله عنه والقتال دائر ويقول:

" إني قد عزمت على الشهادة, فهل لك من حاجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغها له حين ألقاه"؟؟

فيجيب أبو عبيدة:

" نعم قل له: يا رسول الله إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا".

ويندفع الرجل كالسهم المقذوف.. يندفع وسط الهول مشتاقا إلى مصرعه ومضجعه.. يضرب بسيفه, ويضرب بآلاف السيوف حتى يرتفع شهيدا..!!

وهذا عكرمة بن أبي جهل..

أجل ابن أبي جهل..

ينادي في المسلمين حين ثقلت وطأة الروم عليهم قائلا:

" لطالما قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يهدني الله الإسلام, أفأفرّ من أعداء الله اليوم"؟؟

ثم يصيح:" من يبايع على الموت"..

فيبايعه على الموت كوكبة من المسلمين, ثم ينطلقون معا إلى قلب المعركة لا باحثين عن النصر, بل عن الشهادة.. ويتقبّل الله بيعتهم وبيعهم,

فيستشهدون..!!

وهؤلاء آخرون أصيبوا بجراح أليمة, وجيء لهم بماء يبللون به أفواههم, فلما قدم الماء إلى أولهم, أشار إلى الساقي أن أعط أخي الذي بجواري فجرحه أخطر, وظمؤه أشد.. فلما قدّم إليه الماء , أشار بدوره لجاره. فلا انتقل إليه أشار بدوره لجاره..

وهكذا, حتى.. جادت أرواح أكثرهم ظامئة.. ولكن أنضر ما تكون تفانيا وإيثارا..!!

أجل..

لقد كانت معركة اليرموك مجالا لفدائية يعز نظيرها.

ومن بين لوحات الفداء الباهرة التي رسمتها عزمات مقدرة, تلك اللوحة الفذة.. لوحة تحمل صورة خالد بن الوليد على رأس مائة لا غير من جنده, ينقضّون على ميسرة الروم وعددها أربعون ألف جندي, وخالد يصيح في المائة الذين معه:

" والذي نفسي بيده ما بقي مع الروم من الصبر والجلد إلا ما رأيتم.

واني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم".

مائة يخوضون في أربعين ألف.. ثم ينتصرون..!!

ولكن أي عجب؟؟

أليس ملأ قلوبهم إيمان بالله العلي الكبير..؟؟

وإيمان برسوله الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم؟؟

وإيمان بقضية هي أكثر قضايا الحياة برا, وهدى ونبلا؟



وأليس خليفتهم الصديق رضي الله عنه, هذا الذي ترتفع راياته فوق الدنيا, بينما هو في المدينة’ العاصمة الجديدة للعالم الجديد, يحلب بيده شياه الأيامى, ويعجن بيده خبز اليتامى..؟؟

وأليس قائدهم خالد بن الوليد ترياق وساوس التجبر, والصلف, والبغي, والعدوان, وسيف الله المسلول على قوى التخلّف والتعفّن والشرك؟؟

أليس ذلك, كذلك..؟

إذن, هبي رياح النصر...

هبّي قويّة عزيزة, ظافرة, قاهرة...



لقد بهرت عبقرية خالد قوّاد الروم وأمراء جيشهم, مما حمل أحدهم, واسمه جرجح على أن يدعو خالدا للبروز إليه في إحدى فترات الراحة بين القتال.

وحين يلتقيان, يوجه القائد الرومي حديثه إلى خالد قائلا:

" يا خالد, أصدقني ولا تكذبني فان الحرّ لا يكذب..

هل أنزل على نبيّكم سيفا من السماء فأعطاك إيّاه, فلا تسلّه على أحد إلا هزمته"؟؟

قال خالد: لا..

قال الرجل:

فبم سميّت بسيف الله"؟

قال خالد: إن الله بعث فينا نبيه, فمنا من صدّقه ومنا من كذّب. وكنت فيمن كذّب حتى أخذ الله قلوبنا إلى الإسلام, وهدانا برسوله فبايعناه..

فدعا لي الرسول, وقال لي: أنت سيف من سيوف الله, فهكذا سميّت.. سيف الله".

قال القائد الرومي: وإلام تدعون..؟

قال خالد:

إلى توحيد الله, وإلى الإسلام.

قال:

هل لمن يدخل في الإسلام اليوم مثل ما لكم من المثوبة والأجر؟

قال خالد: نعم وأفضل..

قال الرجل: كيف وقد سبقتموه..؟

قال خالد:

لقد عشنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, ورأينا آياته ومعجزاته وحق لمن رأى ما رأينا, وسمع ما سمعنا أن يسلم في يسر..

أما أنتم يا من لم تروه ولم تسمعوه, ثم آمنتم بالغيب, فان أجركم أجزل وأكبر ، صدقتم الله سرائركم ونواياكم.

وصاح القائد الرومي, وقد دفع جواده إلى ناحية خالد, ووقف بجواره:

علمني الإسلام يا خالد"".!!!

وأسلم وصلى ركعتين لله عز وجل.. لم يصلّ سواهما, فقد استأنف الجيشان القتال.. وقاتل جرجه الروماني في صفوف المسلمين مستميتا في طلب الشهادة حتى نالها وظفر بها..!!



وبعد, فها نحن أولاء نواجه العظمة الإنسانية في مشهد من أبهى مشاهدها.. إذ كان خالد يقود جيوش المسلمين في هذه المعركة الضارية, ويستلّ النصر من بين أنياب الروم استلالا فذا, بقدر ما هو مضن ورهيب, وإذا به يفاجأ بالبريد القادم من المدينة من الخليقة الجديد, أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.. وفيه تحيّة الفاروق للجيش المسلم, نعيه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه, وتولية أبي عبيدة بن الجرّاح مكانه..

قرأ خالد الكتاب, وهمهم بابتهالات الترحّم على أبي بكر والتوفيق لعمر..

ثم طلب من حامل الكتاب ألا يبوح لأحد بما فيه وألزمه مكانه أمره ألا يغادره, وألا يتصل بأحد.

استأنف قيادته للمعركة مخفيا موت أبي بكر, وأوامر عمر حتى يتحقق النصر الذي بات وشيكا وقريبا..

ودقّت ساعة الظفر, واندحر الروم..



وتقدّم البطل من أبي عبيدة مؤديا إليه تحيّة الجندي لقائده... وظنها أبو عبيدة في أول الأمر دعابة من دعابات القائد الذي حقق نصرا لم يكن في الحسبان.. بيد أنه ما فتئ أن رآها حقيقة وجدّا, فقبّل خالد بين عينيه, وراح يطري عظمة نفسه وسجاياه..



وثمّت رواية تاريخية أخرى, تقول: إن الكتاب أرسل من أمير المؤمنين عمر إلى أبي عبيدة, وكتم أبو عبيدة النبأ عن خالد حتى انتهت المعركة..

وسواء كان الأمر هذا أو ذاك, فان مسلك خالد في كلتا الحالتين هو الذي يعنينا.. ولقد كان مسلكا بالغ الروعة والعظمة والجلال..

ولا أعرف في حياة خالد كلها موقفا ينبئ بإخلاصه العميق وصدقه الوثيق, مثل هذا الموقف...



فسواء عليه أن يكون أميرا, أو جنديا..

إن الإمارة كالجندية, كلاهما سبب يؤدي به واجبه نحو الله الذي آمن به, ونحو الرسول الذي بايعه, ونحو الدين الذي اعتنقه وسار تحت رايته..

وجهده المبذول وهو أمير مطاع.. كجهده المبذول وهو جندي مطيع..!

ولقد هيأ له هذا الانتصار العظيم على النفس, كما هيأه لغيره, طراز الخلفاء الذين كانوا على راس الأمة المسلمة والدولة المسلمة يوم ذاك..

أبو بكر وعمر..

اسمان لا يكاد يتحرّك بهما لسان, حتى يخطر على البال كل معجز من فضائل الإنسان, وعظمة الإنسان..

وعلى الرغم من الودّ الذي كان مفقودا أحيانا بين عمر وخالد, فان نزاهة عمر وعدله,وورعه وعظمته الخارقة, لم تكن قط موضع تساؤل لدى خالد..

ومن ثم لم تكن قراراته موضع شك, لأن الضمير الذي يمليها, قد بلغ من الورع, ومن الاستقامة, ومن الإخلاص والصدق أقصى ما يبلغه ضمير منزه ورشيد..



لم يكن أمير المؤمنين عمر يأخذ على خالد من سوء, ولكنه كان يأخذ على سيفه التسرّع, والحدّة..

ولقد عبّر عن هذا حين اقترح على أبي بكر عزله إثر مقتل مالك بن نويرة, فقال:

" إن في سيف خالد رهقا"

أي خفة وحدّة وتسرّع..

فأجابه الصدّيق قائلا:

" ما كنت لأشيم سيف سلّه الله على الكافرين".

لم يقل عمر إن في خالد رهقا.. بل جعل الرهق لسيفه لا لشخصه, وهي كلمات لا تنمّ عن أدب أمير المؤمنين فحسب, بل وعن تقديره لخالد أيضا..

وخالد رجل حرب من المهد إلى اللحد..

فبيئته, ونشأته, وتربيته وحياه كلها, قبل الإسلام وبعده كانت كلها وعاء لفارس, مخاطر, داهية..



ثم إن إلحاح ماضيه قبل السلام, والحروب التي خاضها ضد الرسول وأصحابه, والضربات التي أسقط بها سيفه أيام الشرك رؤوسا مؤمنة, وجباها عابدة, كل هذا كان له على ضميره ثقل مبهظ, جعل سيفه توّاقا إلى أن يطوّح من دعامات الشرك أضعاف ما طوّح من حملة الإسلام..

وإنكم لتذكرون العبارة التي أوردناها أوّل هذا الحديث والتي جاءت في سياق حديثه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال له:

" يا رسول الله..

استغفر لي كل ما أوضعت فيه عن صدّ عن سبيل الله".

وعلى الرغم من إنباء الرسول صلى الله عليه وسلم إياه, بأن الإسلام يجبّ ما كان قبله, فانه يظل يتوسل على الظفر بعهد من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستغفر الله له فيما صنعت من قبل يداه..

والسيف حين يكون في يد فارس خارق كخالد بن الوليد, ثم يحرّك اليد القابضة عليه ضمير متوهج بحرارة التطهر والتعويض, ومفعم بولاء مطلق لدين تحيط به المؤامرات والعداوات, فان من الصعب على هذا السيف أن يتخلى عن مبادئه الصارمة, وحدّته الخاطفة..



وهكذا رأينا سيف خالد يسبب لصاحبه المتاعب.

فحين أرسله النبي عليه الصلاة والسلام بعد الفتح إلى بعض قبائل العرب القريبة من مكة, وقال له:

" إني أبعثك داعيا لا مقاتلا".

غلبه سيفه على أمره ودفعه إلى دور المقاتل.. متخليا عن دور الداعي الذي أوصاه به الرسول مما جعله عليه السلام ينتفض جزعا وألما حين بلغه صنيع خالد.. وقام مستقبلا القبلة, رافعا يديه, ومعتذرا إلى الله بقوله:

" اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد".

ثم أرسل عليّا فودى لهم دماءهم وأموالهم.

وقيل إن خالدا اعتذر عن نفسه بأن عبدالله بن حذافة السهمي قال له:

إن رسول الله قد أمرك بقتالهم لامتناعهم عن الإسلام..

كان خالد يحمل طاقة غير عادية.. وكان يستبد به توق عارم إلى هدم عالمه القديم كله..

ولو أننا نبصره وهو يهدم صنم العزّى الذي أرسله النبي لهدمه.

لو أننا نبصره وهو يدمدم بمعوله على هذه البناية الحجرية, لأبصرنا رجلا يبدو كأنه يقاتل جيشا بأسره, يطوّح رؤوس أفرداه ويتبر بالمنايا صفوفه.

فهو يضرب بيمينه, وبشماله, وبقدمه, ويصيح في الشظايا المتناثرة, والتراب المتساقط:

" يا عزّى كفرانك, لا سبحانك

إني رأيت الله قد أهانك"..!!

ثم يحرقها ويشعل النيران في ترابها..!

كانت كل مظاهر الشرك وبقاياه في نظر خالد كالعزّى لا مكان لها في العالم الجديد الذي وقف خالد تحت أعلامه..

ولا يعرف خالد أداة لتصفيتها إلا سيفه..

وإلا.." كفرانك لا سبحانك..

إني رأيت الله قد أهانك"..!!



على أننا إذ نتمنى مع أمير المؤمنين عمر, لوخلا سيف خالد من هذا الرهق, فإننا سنظل نردد مع أمير المؤمنين قوله:

" عجزت النساء أن يلدن مثل خالد"..!!

لقد بكاه عمر يوم مات بكاء كثيرا, وعلم الإنس فيما بعد أنه لم يكن يبكي فقده وحسب, بل ويبكي فرصة أضاعها الموت عن عمر إذ كان يعتزم رد الإمارة إلى خالد بعد أن زال افتتان الناس به. ومحصت أسباب عزله, لولا أن تداركه الموت وسارع خالد إلى لقاء ربه.

نعم سارع البطل العظيم إلى مثواه في الجنة..

أما آن له أن يستريح..؟؟ هو الذي لم تشهد الأرض عدوّا للراحة مثله..؟؟

أما آن لجسده المجهد أن ينام قليلا..؟؟ هو الذي كان يصفه أصحابه وأعداؤه بأنه:

" الرجل الذي لا ينام ولا يترك أحدا ينام"..؟؟

أما هو, فلو خيّر لاختار أن يمدّ الله له في عمره مزيدا من الوقت يواصل فيه هدم البقايا المتعفنة القديمة, ويتابع عمله وجهاده في سبيل الله والإسلام..

إن روح هذا الرجل وريحانه ليوجدان دائما وأبدا, حيث تصهل الخيل, وتلتمع الأسنّة, وتخفق رايات التوحيد فوق الجيوش المسلمة..

وأنه ليقول:

" ما ليلة يهدى إليّ فيها عروس, أو أبشّر فيها بوليد, بأحبّ إليّ من ليلة شديدة الجليد, في سريّة من المهاجرين, أصبح بهم المشركين"..

من أجل ذلك, كانت مأساة حياته أن يموت في فراشه, وهو الذي قضى حياته كلها فوق ظهر جواده, وتحت بريق سيفه...



هو الذي غزا مع الرسول صلى الله عليه وسلم, وقهر أصحاب الردّة, وسوّى بالتراب عرش فارس والروم, وقطع الأرض وثبا, في العراق خطوة خطوة, حتى فتحها للإسلام, وفي بلاد الشام خطوة خطوة حتى فتحها كلها للإسلام...

أميرا يحمل شظف الجندي وتواضعه.. وجنديا يحمل مسؤولية الأمير وقدوته..

كانت مأساة حياة البطل أن يموت البطل على فراشه..!!

هنالك قال ودموعه تنثال من عينيه:

" لقد شهدت كذا, وكذا زحفا, وما في جسدي موضع إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح, أو رمية سهم..

ثم هأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير, فلا نامت أعين الجبناء"..!

كلمات لا يجيد النطق بها في مثل هذا الموطن, إلا مثل هذا الرجل, وحين كان يستقبل لحظات الرحيل, شرع يملي وصيّته..

أتجرون إلى من أوصى..؟

إلى عمر بن الخطاب ذاته..!!

أتدرون ما تركته..؟

فرسه وسلاحه..!!

ثم ماذا؟؟

لا شيء قط , مما يقتني الناس ويمتلكون..!!

ذلك أنه لم يكن يستحوذ عليه وهو حيّ, سوى اقتناء النصر وامتلاك الظفر على أعداء الحق.

وما كان في متاع الدنيا جميعه ما يستحوذ على حرصه..

شيء واحد, كان يحرص عليه في شغف واستماتة.. تلك هي قلنسوته"..

سقطت منه يوم اليرموك. فأضنى نفسه والناس في البحث عنها.. فلما عوتب في ذلك قال:

" إن فيها بعضا من شعر ناصية رسول الله واني أتفاءل بها, وأستنصر".



وأخيرا, خرج جثمان البطل من داره محمولا على أعناق أصحابه ورمقته أم البطل الراحل بعينين اختلط فيهما بريق العزم بغاشية الحزن فقالت تودّعه:

أنت خير من ألف ألف من القو م إذا ما كبــت وجوه الرجال

أشجـــاع..؟ فأنت أشجع من لي ث غضنفر يذود عن أشبال

أجواد..؟ فأنــــت أجود من سي ل غامر يسيــل بين الجبال



وسمعها عمر فازداد قلبه خفقا.. ودمعه دفقا.. وقال:

" صدقت..

والله إن كان لكذلك".

وثوى البطل في مرقده..

ووقف أصحابه في خشوع, والدنيا من حولهم هاجعة, خاشعة, صامتة..

لم يقطع الصمت المهيب سوى صهيل فرس جاءت تركض بعد أن خلعت رسنها, وقطعت شوارع المدينة وثبا وراء جثمان صاحبها, يقودها عبيره وأريجه..



وإذ بلغت الجمع الصامت والقبر الرطب لوت برأسها كالراية, وصهيلها يصدح.. تماما مثلما كانت تصنع والبطل فوق ظهرها, يهدّ عروش فارس والروم, ويشفي وساوس الوثنية والبغي, ويزيح من طريق الإسلام كل قوى التقهقر والشرك...

وراحت وعيناها على القبر لا تزيغان تعلو برأسها وتهبط, ملوّحة لسيدها وبطلها مؤدية له تحية الوداع..!!

ثم وقفت ساكنة ورأسها مرتفع.. وجبهتها عالية.. ولكن من مآقيها تسيل دموع غزار وكبار..!!

لقد وقفها خالد مع سلاحه في سبيل الله..

ولكن هل سيقدر فارس على أن يمتطي صهوتها بعد خالد..؟؟

وهل ستذلل ظهرها لأحد سواه..؟؟



إيه يا بطل كل نصر..

ويا فجر كل ليلة..

لقد كنت تعلو بروح جيشك على أهوال الزحف بقولك لجندك:

" عند الصباح يحمد القوم السرى"..



حتى ذهبت عنك مثلا..

وهأنذا, قد أتممت مسراك..

فلصباحك الحمد أبا سليمان..!!

ولذكراك المجد, والعطر, والخلد, يا خالد..!!

ودعنا.. نردد مع أمير المؤمنين عمر كلماته العذاب الرطاب التي ودّعك بها ورثاك:

" رحم الله أبا سليمان

ما عند الله خير مما كان فيه

ولقد عاش حميدا

ومات سعيدا


 


قديم 01-05-15, 12:44 PM   #8
البرنس الجنوبي

آخر زيارة »  02-10-15 (11:42 PM)
الهوايه »  الرياضه
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



عبّاد بن بشر

( معه من الله نور )


عندما نزل مصعب بن عمير المدينة موفدا من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ليعلم الأنصار الذين بايعوا الرسول على الإسلام, وليقيم بهم الصلاة, كان عباد بن بشر رضي الله عنه واحدا من الأبرار الذين فتح الله قلوبهم للخير, فأقبل على مجلس مصعب وأصغى إليه ثم بسط يمينه يبايعه على الإسلام, ومن يومئذ أخذ مكانه بين الأنصار الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه..

وانتقل النبي إلى المدينة مهاجرا, بعد أن سبقه إليها المؤمنون بمكة.

وبدأت الغزوات التي اصطدمت فيها قوى الخير والنور مع قوى الظلام والشر.

وفي تلك المغازي كان عباد بن بشر في الصفوف الأولى يجاهد في سبيل الله متفانيا بشكل يبهر الألباب.

ولعل هذه الواقعة التي نرويها الآن تكشف عن شيء من بطولة هذا المؤمن العظيم..

بعد أن فرغ رسول الله والمسلمين من غزوة ذات الرقاع نزلوا مكانا يبيتون فيه, واختار الرسول للحراسة نفرا من الصحابة يتناوبونها وكان منهم عمار بن ياسر وعباد بن بشر في نوبة واحدة.

ورأى عباد صاحبه عمار مجهدا, فطلب منه أن ينام أول الليل على أن يقوم هو بالحراسة حتى يأخذ صاحبه من الراحة حظا يمكنه من استئناف الحراسة بعد أن يصحو.

ورأى عباد أن المكان من حوله آمن, فلم لا يملأ وقته إذن بالصلاة, فيذهب بمثوبتها مع مثوبة الحراسة..؟!

وقام يصلي..

وإذ هو قائم يقرأ بعد فاتحة الكتاب سور من القرآن, احترم عضده سهم فنزعه واستمر في صلاته..!

ثم رماه المهاجم في ظلام الليل بسهم ثان نزعه وأنهى تلاوته..

ثم ركع, وسجد.. وكانت قواه قد بددها الإعياء والألم, فمدّ يمينه وهو ساجد الى صاحبه النائم جواره, وظل يهزه حتى استيقظ..

ثم قام من سجوده وتلا التشهد.. وأتم صلاته.

وصحا عمار على كلماته المتهدجة المتعبة تقول له:

" قم للحراسة مكاني فقد أصبت".

ووثب عمار محدثا ضجة وهرولة أخافت المتسللين, ففرّوا ثم التفت إلى عباد وقال له:

" سبحان الله..

هلا أيقظتني أوّل ما رميت"؟؟

فأجابه عباد:

" كنت أتلو في صلاتي آيات من القرآن ملأت نفسي روعة فلم أحب أن أقطعها.

ووالله, لولا أن أضيع ثغرا أمرني الرسول بحفظه, لآثرت الموت على أن أقطع تلك الآيات التي كنت أتلوها"..!!



كان عباد شديد الولاء والحب لله, ولرسوله ولدينه..

وكان هذا الولاء يستغرق حياته كلها وحسه كله.

ومنذ سمع النبي عليه الصلاة والسلام يقول مخاطبا الأنصار الذين هو منهم:

" يا معشر الأنصار..

أنتم الشعار, والناس الدثار..

فلا أوتيّن من قبلكم".



نقول منذ سمع عباد هذه الكلمات من رسوله, ومعلمه, وهاديه الى الله, وهو يبذل روحه وماله وحياته في سبيل الله وفي سبيل رسوله..

في مواطن التضحية والموت, يجيء دوما أولا..

وفي مواطن الغنيمة والأخذ, يبحث عنه أصحابه في جهد ومشقة حتى يجدوه..!

وهو دائما: عابد, تستغرقه العبادة..

بطل, تستغرقه البطولة..

جواد, يستغرقه الجود..

مؤمن قوي نذر حياته لقضية الإيمان..!!

وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:

" ثلاثة من الأنصار لم يجاوزهم في الفضل أحد:

" سعد بن معاذ..

وأسيد بن خضير..

وعبّاد بن بشر...



وعرف المسلمون الأوائل عبادا بأنه الرجل الذي معه نور من الله..

فقد كانت بصيرته المجلوّة المضاءة تهتدي إلى مواطن الخير واليقين في غير بحث أو عناء..

بل ذهب إيمان إخوانه بنوره إلى الحد الذي أسبغوا عليه في صورة الحس والمادة, فأجمعوا على ان عبادا كان اذا مشى في الظلام انبعثت منه أطياف نور وضوء, تضيء له الطريق..



وفي حروب الردة, بعد وفاة الرسول عليه السلام, حمل عباد مسؤولياته في استبسال منقطع النظير..

وفي موقعة اليمامة التي واجه المسلمون فيها جيشا من أقسى وأمهر الجيوش تحت قيادة مسيلمة الكذاب أحسّ عبّاد بالخطر الذي يتهدد الإسلام..

وكانت تضحيته وعنفوانه يتشكلان وفق المهام التي يلقيها عليه إيمانه, ويرتفعان إلى مستوى إحساسه بالخطر ارتفاعا يجعل منه فدائيا لا يحرص على غير الموت والشهادة..



وقبل أن تبدأ معركة اليمامة بيوم, رأى في منامه رؤيا لم تلبث أن فسرت مع شمس النهار, وفوق أرض المعركة الهائلة الضارية التي خاضها المسلمون..

ولندع صحابيا جليلا هو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يقص علينا الرؤيا التي رآها عبّاد وتفسيره لها, ثم موقفه الباهر في القتال الذي انتهى باستشهاده..

يقول أبو سعيد:

" قال لي عباد بن بشر يا أبا سعيد رأيت الليلة, كأن السماء قد فرجت لي, ثم أطبقت عليّ..

واني لأراها إن شاء الله الشهادة..!!

فقلت له: خيرا والله رأيت..

واني لأنظر إليه يوم اليمامة, وانه ليصيح بالأنصار:

احطموا جفون السيوف, وتميزوا من الناس..

فسارع إليه أربعمائة رجل, كلهم من الأنصار, حتى انتهوا إلى باب الحديقة, فقاتلوا أشد القتال..

واستشهد عباد بن بشر رحمه الله..

ورأيت في وجهه ضربا كثيرا, وما عرفته إلا بعلامة كانت في جسده..



هكذا ارتفع عباد إلى مستوى واجباته كمؤمن من الأنصار, بايع رسول الله على الحياة لله, والموت في سبيله..

وعندما رأى المعركة الضارية تتجه في بدايتها لصالح الأعداء, تذكر كلمات رسول الله لقومه الأنصار:

" أنتم الشعار..

فلا أوتيّن من قبلكم"..

وملأ الصوت روعه وضميره..

حتى لكأن الرسول عليه الصلاة والسلام قائم الآن يردده كلماته هذه..

وأحس عباد أن مسؤولية المعركة كلها إنما تقع على كاهل الأنصار وحدهم.. أو على كاهلهم قبل سواهم..

هنالك اعتلى ربوة وراح يصيح:

" يا معشر الأنصار..

احطموا جفون السيوف..

وتميزوا من الناس..

وحين لبّى نداءه أربعمائة منهم قادهم هو وأبو دجانة والبراء ابن مالك إلى حديقة الموت حيث كان جيش مسيلمة يتحصّن.. وقاتل البطل القتال اللائق به كرجل.. وكمؤمن.. وكأنصاري..



وفي ذلك اليوم المجيد استشهد عباد..

لقد صدقت رؤياه التي رآها في منامه بالأمس..

ألم يكن قد رأى السماء تفتح, حتى إذا دخل من تلك الفرجة المفتوحة, عادت السماء فطويت عليه, وأغلقت؟؟

وفسرّها هو بأن روحه ستصعد في المعركة المنتظرة إلى بارئها وخالقها..؟؟

لقد صدقت الرؤيا, وصدق تعبيره لها.

ولقد تفتحت أبواب السماء لتستقبل في حبور, روح عبّاد بن بشر..

الرجل الذي كان معه من الله نور..!!


 


قديم 01-05-15, 12:45 PM   #9
البرنس الجنوبي

آخر زيارة »  02-10-15 (11:42 PM)
الهوايه »  الرياضه
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



عمرو بن العاص

( محرّر مصر من الرومان )


كانوا ثلاثة في قريش, اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنف مقاومتهم دعوته وإيذائهم أصحابه..

وراح الرسول يدعو عليهم, ويبتهل إلى ربه الكريم أن ينزل بهم عقابه..

وإذ هو يدعو ويدعو, تنزل الوحي على قلبه بهذه الآية الكريمة..

( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم, فإنهم ظالمون)..

وفهم الرسول من الآية أنها أمر له بالكف عن الدعاء عليهم, وترك أمرهم إلى الله وحده..

فإمّا أن يظلوا على ظلمهم, فيحلّ بهم عذابه..

أو يتوب عليهم فيتوبوا, وتدركهم رحمته..

كان عمرو بن العاص أحد هؤلاء الثلاثة..

ولقد اختار الله لهم طريق التوبة والرحمة وهداهم إلى الإسلام..

وتحول عمرو بن العاص إلى مسلم مناضل. وإلى قائد من قادة الإسلام البواسل..

وعلى الرغم من بعض مواقف عمرو التي لا نستطيع أن نقتنع بوجهة نظره فيها, فان دوره كصحابيّ جليل بذل وأعطى, ونافح وكافح, سيظل يفتح على محيّاه أعيننا وقلوبنا..

وهنا في مصر بالذات, سيظل الذين يرون الإسلام دينا قيما مجيدا..

ويرون في رسوله رحمة مهداة, ونعمة مزجاة, ورسول صدق عظيم, دعا إلى الله على بصيرة, وألهم الحياة كثيرا من رشدها وتقاها..

سيظل الذين يحملون هذا الإيمان مشحوذي الولاء للرجل الذي جعلته الأقدار سببا, وأي سبب, لإهداء الإسلام إلى مصر, وإهداء مصر إلى الإسلام.. فنعمت الهداية ونعم مهديها..

ذلكم هو: عمرو بن العاص رضي الله عنه..

ولقد تعوّد المؤرخون أن ينعتوا عمرا بفاتح مصر..

بيد أنا نرى في هذا الوصف تجوزا وتجاوزا, ولعل أحق النعوت بعمرو أن ندعوه بمحرر مصر..

فالإسلام لم يكن يفتح البلاد بالمفهوم الحديث للفتح, إنما كان يحررها من تسلط إمبراطوريتين سامتا العباد والبلاد سوء العذاب, تانك هما:

إمبراطورية الفرس.ز وإمبراطورية الروم..

ومصر بالذات, يوم أهلت عليها طلائع الإسلام كانت نهبا للرومان وكان أهلها يقاومون دون جدوى..

ولما دوّت فوق مشارف بلادهم صيحات الكتائب المؤمنة أن:

" الله أكبر..

الله أكبر"..

سارعوا جميعا في زحام مجيد صوب الفجر الوافد وعانقوه, واجدين فيه خلاصهم من قيصر ومن الرومان..

فعمرو بن العاص ورجاله, لم يفتحوا مصر إذن.. إنما فتحوا الطريق أمام مصر لتصل بالحق مصايرها.. وتربط بالعدل مقاديرها.. وتجد نفسها وحقيقتها في ضوء كلمات الله, ومبادئ الإسلام..

ولقد كان رضي الله عنه حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة, ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان الين يحتلون البلاد ويسرقون أرزاق أهلها..

من أجل ذلك نجده يتحدث إلى زعماء النصارى يومئذ وكبار أساقفتهم, فيقول:

"... إن الله بعث محمدا بالحق وأمره به..

وانه عليه الصلاة والسلام, قد أدّى رسالته, ومضى بعد أن تركنا على الواضحة أي الطريق الواضح المستقيم..

وكان مما أمرنا به الأعذار إلى الناس, فنحن ندعوكم إلى الإسلام..

فمن أجابنا, فهو منا, له ما لنا وعليه ما علينا..

ومن لم يجبنا إلى الإسلام, عرضنا عليه الجزية أي الضرائب وبذلنا له الحماية والمنعة..

ولقد أخبرنا نبينا أن مصر ستفتح علينا, وأوصانا بأهلها خيرا فقال:" ستفتح عليكم بعدي مصر, فاستوصوا بقبطها خيرا, فإن لهم ذمّة ورحما"..

فان أجبتمونا إلى ما ندعوكم إليه كانت لكم ذمة إلى ذمة"...

وفرغ عمرو من كلماته, فصاح بعض الأساقفة والرهبان قائلا:

" إن الرحم التي أوصاكم بها نبيّكم, لهي قرابة بعيدة, لا يصل مثلها إلا الأنبياء"..!!

وكانت هذه بداية طيبة للتفاهم المرجو بين عمرو أقباط مصر.. وان يكن قادة الرومان قد حاولوا العمل لإحباطها..



وعمرو بن العاص لم يكن من السابقين إلى الإسلام، فقد أسلم مع خالد بن الوليد قبيل فتح مكة بقليل..

ومن عجب أن إسلامه بدأ على يد النجاشي بالحبشة وذلك أن النجاشي يعرف عمرا ويحترمه بسبب تردده الكثير على الحبشة والهدايا الجزيلة التي كان يحملها للنجاشي، وفي زيارته الأخيرة لتلك البلاد جاء ذكر لرسول الذي يهتف بالتوحيد وبمكارم الأخلاق في جزيرة العرب..

وسأل عاهل الحبشة عمرا, كيف لم يؤمن به ويتبعه, وهو رسول من الله حقا..؟؟

وسأل عمرو النجاشي قائلا:

" أهو كذلك؟؟"

وأجابه النجاشي:

" نعم، فأطعني يا عمرو واتبعه, فانه والله لعلى الحق, وليظهرنّ على من خالفه"..؟!

وركب عمرو ثلج البحر من فوره, عائدا إلى بلاده، وميمّما وجهه شطر المدينة ليسلم لله رب العالمين..

وفي الطريق المؤدية إلى المدينة التقى بخالد بن الوليد قادما من مكة ساعيا إلى الرسول ليبايعه على الإسلام..

ولك يكد الرسول يراهما قادمين حتى تهلل وجهه وقال لأصحابه:

" لقد رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها"..

وتقدم خالد فبايع..

ثم تقدم عمرو فقال:

" إني أبايعك على أن يغفر الله لي ما تقدّم من ذنبي"..

فأجابه الرسول عليه السلام قائلا:

" يا عمرو..

بايع، فان الإسلام يجبّ ما كان قبله"..

وبايع عمرو ووضع دهاءه وشجاعته في خدمة الدين الجديد.

وعندما انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى, كان عمرو واليا على عمان..

وفي خلافة عمر أبلى بلاءه المشهود في حروب الشام, ثم في تحرير مصر من حكم الرومان.



وياليت عمرو بن العاص كان قد قاوم نفسه في حب الإمارة..

إذن لكان قد تفوّق كثيرا على بعض المواقف التي ورّطه فيها الحب.

على أن حب عمرو الإمارة, كان إلى حد ما, تعبيرا تلقائيا عن طبيعته الجياشة بالمواهب..

بل إن شكله الخارجي, وطريقته في المشي وفي الحديث, كانت تومئ إلى أنه خلق للإمارة..!! حتى لقد روي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رآه ذات يوم مقبلا، فابتسم لمشيته وقال:

" ما ينبغي لأبي عبدالله أن يمشي على الأرض إلا أميرا"..!

والحق أن أبا عبدالله لم يبخس نفسه هذا الحق..

وحتى حين كانت الأحداث الخطيرة تجتاح المسلمين.. كان عمرو يتعامل مع هذه الأحداث بأسلوب أمير، أمير معه من الذكاء والدهاء، والمقدرة ما يجعله واثقا بنفسه معتزا بتفوقه..!!

ولكن معه كذلك من الأمانة ما جعل عمر بن الخطاب وهو الصارم في اختيار ولاته، واليا على فلسطين والأردن، ثم على مصر طوال حياة أمير المؤمنين عمر...

حين علم أمير المؤمنين عمر أن عمرا قد جاوز في رخاء معيشته الحد الذي كان أمير المؤمنين يطلب من ولاته أن يقفوا عنده، ليظلوا دائما في مستوى، أو على الأقل قريبين من مستوى عامة الناس..

نقول: لو علم الخليفة عن عمرو كثرة رخائه، لم يعزله، إنما أرسل إليه محمد بن مسلمة وأمره أن يقاسم عمرا جميع أمواله وأشيائه، فيبقي له نصفها ويحمل معه إلى بيت المال بالمدينة نصفها الآخر.

ولو قد علم أمير المؤمنين أن حب عمرو للإمارة، يحمله على التفريط في مسؤولياته، لما احتمل ضميره الرشيد إبقاءه في الولاية لحظة.



وكان عمرو رضي الله عنه حادّ الذكاء, قوي البديهة عميق الرؤية..

حتى لقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، كلما رأى إنسانا عاجز الحيلة، صكّ كفيّه عجبا وقال:

" سبحان الله..!!

إن خالق هذا، وخالق عمرو بن العاص اله واحد!!

كما كان بالغ الجرأة مقداما

ولقد كان يمزج جرأته بدهائه في بعض المواطن, فيظن به الجبن أو الهلع.. بيد أنها سعة الحيلة، كان عمرو يجيد استعمالها في حذق هائل ليخرج نفسه من المآزق المهلكة..!!

ولقد كان أمير المؤمنين عمر يعرف مواهبه هذه ويقدرها قدرها، من أجل ذلك عندما أرسله إلى الشام قبل مجيئه إلى مصر, قيل لأمير المؤمنين: إن على رأس جيوش الروم بالشام أرطبونا أي قائدا وأميرا من الشجعان الدهاة، فكان جواب عمر:

" لقد رمينا أرطبون الروم، بأرطبون العرب، فلننظر عمّ تنفرج الأمور"..!!

ولقد انفرجت عن غلبة ساحقة لأرطبون العرب، وداهيتهم الخطير عمرو ابن العاص، على أرطبون الروم الذي ترك جيشه للهزيمة وولى هاربا إلى مصر، التي سيلحقه بها عمرو بعد قليل، ليرفع فوق ربوعها الآمنة راية الإسلام.



وما أكثر المواقف التي تألق فيها ذكاء عمرو ودهاؤه.

وان كنا لا نحسب منها بحال موقفه من أبي موسى الأشعري في واقعة التحكيم حين اتفقا على أن يخلع كل منهما عليا ومعاوية, ليرجع الأمر شورى بين المسلمين، فأنفذ أبو موسى الاتفاق، وقعد عن إنفاذه عمرو.

وإذا أردنا أن نشهد صورة لدهائه, وحذق بديهته, ففي موقفه من قائد حصن بابليون أثناء حربه مع الرومان في مصر وفي رواية تاريخية أخرى أنها الواقعة التي سنذكرها وقعت في اليرموك مع أرطبون الروم..

إذ دعاه الأرطبون والقائد ليحادثه، وكان قد أعطى أمرا لبعض رجاله بإلقاء صخرة فوقه إثر انصرافه من الحصن، وأعدّ كل شيء ليكون قتل عمرو أمرا محتوما..

ودخل عمرو على القائد، لا يريبه شيء، وانفض لقاؤهما، وبينما هو في الطريق إلى خارج الحصن، لمح فوق أسواره حركة مريبة حركت فيه حاسة الحذر بشدّة.

وعلى الفور تصرّف بشكل باهر.

لقد عاد إلى قائد الحصن في خطوات آمنة مطمئنة وئيدة ومشاعر متهللة واثقة, كأن لم يفزعه شيء قط، ولم يثر شكوكه أمر!!

ودخل على القائد وقال له:

لقد بادرني خاطر أردت أن أطلعك عليه.. إن معي حيث يقيم أصحابي جماعة من أصحاب الرسول السابقين إلى الإسلام، لا يقطع أمير المؤمنين أمرا دون مشورتهم، ولا يرسل جيشا من جيوش الإسلام إلا جعلهم على رأس مقاتلته وجنوده، وقد رأيت أن آتيك بهم، حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت، ويكونوا من الأمر على مثل ما أنا عليه من بيّنة..

وأدرك قائد الروم أن عمرا بسذاجة قد منحه فرصة العمر..!!

فليوافقه إذن على رأيه، حتى اذا عاد ومعه هذا العدد من زعماء المسلمين وخيرة رجالهم وقوادهم، أجهز عليهم جميعا، بدلا من أن يجهز على عمرو وحده..

وبطريقة غير منظورة أعطى أمره بإرجاء الخطة التي كانت معدّة لاغتيال عمرو..

ودّع عمرو بحفاوة، وصافحه بحرارة،

وابتسم داهية العرب، وهو يغادر الحصن..



وفي الصباح عاد عمرو على رأس جيشه إلى الحصن، ممتطيا صهوة فرسه، التي راحت تقهقه في صهيل شامت وساخر.

أجل فهي الأخرى كانت تعرف من دهاء صاحبها الشيء الكثير..!!



وفي السنة الثالثة والأربعين من الهجرة أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر، حيث كان واليا عليها..

وراح يستعرض حياته في لحظات الرحيل فقال:

".. كنت أول أمري كافرا.. وكنت أشد الناس على رسول الله, فلو مت يومئذ لوجبت لي النار..

ثم بايعت رسول الله, فما كان في الناس أحد أحب إليّ منه، ولا أجلّ في عيني منه.. ولو سئلت أن أنعته ما استطعت، لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه إجلالا له.. فلو متّ يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة..

ثم بليت بعد ذلك بالسلطان, وبأشياء لاأدري أهي لي أم عليّ"..



ثم رفع بصره إلى السماء في ضراعة، مناجيا ربه الرحيم العظيم قائلا:

" اللهم لا بريء فأعتذر, ولا عزيز فأنتصر،

وإلا تدركني رحمتك أكن من الهالكين"!!

وظل في ضراعاته، وابتهالاته حتى صعدت إلى الله روحه. وكانت آخر كلماته لا اله إلا الله..



وتحت ثرى مصر، التي عرّفها عمرو طريق الإسلام، ثوى رفاته..

وفوق أرضها الصلبة، لا يزال مجلسه حيث كان يعلم، ويقضي ويحكم.. قائما عبر القرون تحت سقف مسجده العتيق جامع عمرو، أول مسجد في مصر يذكر فيه اسم الله الواحد الأحد، وأعلنت بين أرجائه ومن فوق منبره كلمات الله، ومبادئ الإسلام.


 


قديم 01-05-15, 12:45 PM   #10
البرنس الجنوبي

آخر زيارة »  02-10-15 (11:42 PM)
الهوايه »  الرياضه
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



أبو موسى الأشعري

( الإخلاص.. وليكن ما يكون )


عندما بعثه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى البصرة, ليكون أميرها وواليها, جمع أهلها وقام فيهم خطيبا فقال:

" إن أمير المؤمنين عمر بعثني إليكم, أعلمكم كتاب ر بكم, وسنة نبيكم, وأنظف لكم طرقكم"..!!

وغشي الإنس من الدهشة والعجب ما غشيهم, فإنهم ليفهمون كيف يكون تثقيف الناس وتفقيههم في دينهم من واجبات الحاكم والأمير, أما إن يكون من واجباته تنظيف طرقاتهم, فذاك شيء جديد عليهم بل مثير وعجيب..

فمن هذا الوالي الذي قال عنه الحسن رضي الله عنه:

" ما أتى البصرة راكب خير لأهلها منه"..؟



إنه عبدالله بن قيس المكنّى بـأبي موسى الأشعري..

غادر اليمن بلده ووطنه إلى مكة فور سماعه برسول ظهر هناك يهتف بالتوحيد ويدعو إلى الله على بصيرة, ويأمر بمكارم الأخلاق..

وفي مكة, جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقى منه الهدى واليقين..

وعاد إلى بلاده يحمل كلمة الله, ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقى منه الهدى واليقين..

وعاد إلى بلاده يحمل كلمة الله, ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اثر فراغه من فتح خيبر..

ووافق قدومه قدوم جعفر بن أبي طالب مقبلا مع أصحابه من الحبشة فأسهم الرسول لهم جميعا..

وفي هذه المرّة لم يأت أبو موسى الأشعري وحده, بل جاء معه بضعة وخمسون رجلا من أهل اليمن الذين لقنهم الإسلام, وأخوان شقيقان له, هم, أبو رهم, وأبو بردة..

وسمّى الرسول هذا الوفد.. بل سمّى قومهم جميعا بالأشعريين..

ونعتهم الرسول بأنهم أرق الناس أفئدة..

وكثيرا ما كان يضرب المثل الأعلى لأصحابه, فيقول فيهم وعنهم:

" إن الأشعريين اذا أرملوا في غزو, أو قلّ في أيديهم الطعام, جمعوا ما عندهم في ثوب واحد, ثم اقتسموا بالسويّة.

" فهم مني.. وإنا منهم"..!!

ومن ذلك اليوم أخذ أبو موسى مكانه الدائم والعالي بين المسلمين والمؤمنين, الذين قدّر لهم إن يكونوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلامذته, وإن يكونوا حملة الإسلام إلى الدنيا في كل عصورها ودهورها..



أبو موسى مزيج عجيب من صفات عظيمة..

فهو مقاتل جسور, ومناضل صلب اذا اضطر لقتال..

وهو مسالم طيب, وديع إلى أقصى غايات الطيبة والوداعة..!!

وهو فقيه, حصيف, ذكي يجيد تصويب فهمه إلى مغاليق الأمور, ويتألق في الإفتاء والقضاء, حتى قيل:

" قضاة هذه الأمة أربعة:

" عمر وعلي وأبو موسى وزيد بن ثابت"..!!

ثم هو مع هذا, صاحب فطرة بريئة, من خدعه في الله, انخدع له..!!

وهو عظيم الولاء والمسؤولية..

وكبير الثقة بالناس..

لو أردنا إن نختار من واقع حياته شعارا, لكانت هذه العبارة:

" الإخلاص وليكن ما يكون"..

في مواطن الجهاد, كان الأشعري يحمل مسؤولياته في استبسال مجيد مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عنه:

" سيّد الفوارس, أبو موسى"..!!

وإنه ليرينا صورة من حياته كمقاتل فيقول:

" خرجنا مع رسول الله في غزاة, نقبت فيها أقدامنا, ونقّبت قدماي, وتساقطت أظفاري, حتى لففنا أقدامنا بالخرق"..!!

وما كانت طيبته وسلامة طويته ليغريا به عدوّا في قتال..

فهو في موطن كهذا يرى الأمور في وضوح كامل, ويحسمها في عزم أكيد..



ولقد حدث والمسلمون يفتحون بلاد فارس إن هبط الأشعري بجيشه على أهل أصبهان الذين صالحوه على الجزية فصالحهم..

بيد إنهم في صلحهم ذاك لم يكونوا صادقين.. إنما أرادوا إن يهيئوا لأنفسهم الإعداد لضربة غادرة..

ولكن فطنة أبي موسى التي لا تغيب في مواطن الحاجة إليها كانت تستشف أمر أولئك وما يبيّتون.. فلما همّوا بضربتهم لم يؤخذ القائد على غرّة, وهنالك بارزهم القتال فلم ينتصف النهار حتى كان قد انتصر انتصارا باهرا..!!



وفي المعارك التي خاضها المسلمون ضدّ إمبراطورية الفرس, كان لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه, بلاؤه العظيم وجهاده الكريم..

وفي موقعة تستر بالذات, حيث انسحب الهرزمان بجيشه إليها وتحصّن بها, وجمع فيها جيوشا هائلة, كان أبو موسى بطل هذه الموقعة..

ولقد أمدّه أمير المؤمنين عمر يومئذ بأعداد هائلة من المسلمين, على رأسهم عمار بن ياسر, والبراء بن مالك, وإنس بن مالك, ومجزأة البكري وسلمة بن رجاء..

واتقى الجيشان..

جيش المسلمين بقيادة أبو موسى.. وجيش الفرس بقيادة الهرزمان في معركة من أشد المعارك ضراوة وبأسا..

وانسحب الفرس إلى داخل مدينة تستر المحصنة..

وحاصرها المسلمون أياما طويلة, حتى أعمل أبو موسى عقله وحيلته..

وأرسل مائتي فارس مع عميل فارسي, أغراه أبو موسى بأن يحتال حتى يفتح باب المدينة, أمام الطليعة التي اختارها لهذه المهمة.

ولم تكد الأبواب تفتح, وجنود الطليعة يقتحمون الحصن حتى انقض أبو موسى بجيشه انقضاضا مدمدما.

واستولى على المعقل الخطير في ساعات. واستسلم قادة الفرس, حيث بعث بهم أبو موسى إلى المدينة ليرى أمير المؤمنين فيهم رأيه..



على إن هذا المقاتل ذا المراس الشديد, لم يكن يغادر أرض المعركة حتى يتحوّل إلى أوّاب, بكّاء وديع كالعصفور...

يقرأ القرآن بصوت يهز أعماق من سمعه.. حتى لقد قال عنه الرسول:

" لقد أوتي أبو موسى مزمارا من مزامير آل داود"..!

كان عمر رضي الله عنه كلما رآه دعاه ليتلو عليه من كتاب الله.. قائلا له:

" شوّقنا إلى ربنا يا أبا موسى"..

كذلك لم يكن يشترك في قتال إلا إن يكون ضد جيوش مشركة, جيوش تقاوم الدين وتريد أن تطفئ نور الله..

أما حين يكون القتال بين مسلم ومسلم, فإنه يهرب منه ولا يكون له دور أبدا.

ولقد كان موقفه هذا واضحا في نزاع عليّ ومعاوية, وفي الحرب التي استعر بين المسلمين يومئذ أوراها.

ولعل هذه النقطة من الحديث تصلنا بأكثر مواقف حياته شهرة, وهو موقفه من التحكيم بين الإمام علي ومعاوية.

هذا الموقف الذي كثيرا ما يؤخذ آية وشاهدا على إفراط أبي موسى في الطيبة إلى حد يسهل خداعه.

بيد إن الموقف كما سنراه, وبرغم ما عسى إن يكون فيه تسرّع أو خطأ, إنما يكشف عن عظمة هذا الصحابي الجليل, عظمة نفسه, وعظمة إيمانه بالحق, وبالناس, إن رأى أبي موسى في قضية التحكيم يتلخص في إنه وقد رأى المسلمين يقتل بعضهم بعضا, كل فريق يتعصب لإمام وحاكم.. كما رأى الموقف بين المقاتلين قد بلغ في تأزمه واستحالة تصفيته المدى الذي يضع مصير الأمة المسلمة كلها على حافة الهاوية.

نقول: إن رأيه وقد بلغت الحال من السوء هذا المبلغ, كان يتلخص في تغيير الموقف كله والبدء من جديد.

إن الحرب الأهلية القائمة يوم ذاك إنما تدور بين طائفتين من المسلمين تتنازعان حول شخص الحاكم, فليتنازل الإمام علي عن الخلافة مؤقتا, وليتنازل عنها معاوية, على أن يرد الأمر كله من جديد إلى المسلمين يختارون بطريق الشورى الخليفة الذي يريدون.

هكذا ناقش أبو موسى القضية, وهكذا كان حله.

صحيح إن عليّا بويع بالخلافة بيعة صحيحة.

وصحيح إن كل تمرد غير مشروع لا ينبغي إن يمكّن من غرضه في إسقاط الحق المشروع. بيد إن الأمور في النزاع بين الإمام ومعاوية وبين أهل العراق وأهل الشام, في رأي أبي موسى, قد بلغت المدى الذي يفرض نوعا جديدا من التفكير والحلول.. فعصيان معاوية, لم يعد مجرّد عصيان.. وتمرّد أهل الشام لم يعد مجرد تمرد.. والخلاف كله يعود مجرد خلاف في الرأي ولا في الاختيار..

بل إن ذلك كله تطوّر إلى حرب أهلية ضارية ذهب ضحيتها آلاف القتلى من الفريقين.. ولا تزال تهدد الإسلام والمسلمين بأسوأ العواقب.

فإزاحة أسباب النزاع والحرب, وتنحية أطرافه, مثّلا في تفكير أبي موسى نقطة البدء في طريق الخلاص..

ولقد كان من رأي الإمام علي حينما قبل مبدأ التحكيم, أن يمثل جبهته في التحكيم عبدالله بن عباس, أو غيره من الصحابة. لكن فريقا كبيرا من ذوي البأس في جماعته وجيشه فرضا عليه أبا موسى الأشعري فرضا.

وكانت حجتهم في اختيار أبا موسى أنه لم يشترك قط في النزاع بين علي ومعاوية, بل اعتزل كلا الفريقين بعد أن يئس من حملهما على التفاهم والصلح ونبذ القتال. فهو بهذه المثابة أحق الناس بالتحكيم..

ولم يكن في دين أبي موسى, ولا في إخلاصه وصدقه ما يريب الإمام.. لكنه كان يدرك نوايا الجانب الآخر ويعرف مدى اعتمادهم على المناورة والخدعة. وأبو موسى برغم فقهه وعلمه يكره الخداع والمناورة, ويحب إن يتعامل مع الناس بصدقه لا بذكائه. ومن ثم خشي الإمام علي إن ينخدع أبو موسى للآخرين, ويتحول التحكيم إلى مناورة من جانب واحد, تزيد الأمور سوءا...



بدأ التحيكم بين الفريقين..

أبو موسى الأشعري يمثل جبهة الإمام علي..

وعمرو بن العاص, يمثل جانب معاوية.

والحق إن عمرو بن العاص اعتمد على ذكائه الحاد وحيلته الواسعة في أخذ الراية لمعاوية.

ولقد بدأ الاجتماع بين الرجلين, الأشعري, وعمرو باقتراح طرحه أبو موسى وهو إن يتفق الحكمان على ترشيح عبدالله بن عمر بل وعلى إعلانه خليفة للمسلمين, وذلك لما كان ينعم به عبدالله بن عمر من إجماع رائع على حبه وتوقيره وإجلاله.

ورأى عمرو بن العاص في هذا الاتجاه من أبي موسى فرصة هائلة فانتهزها..

إن مغزى اقتراح أبي موسى, إنه لم يعد مرتبطا بالطرف الذي يمثله وهو الإمام علي..

ومعناه أيضا إنه مستعد لإسناد الخلافة إلى آخرين من أصحاب الرسول بدليل إنه اقترح عبدالله بن عم..

وهكذا عثر عمرو بدهائه على مدخل فسيح إلى غايته, فراح يقترح معاوية.. ثم اقترح ابنه عبدالله بن عمرو وكان ذا مكانة عظيمة بين أصحاب رسول الله.

ولك يغب ذكاء أبي موسى أمام دهاء عمرو.. فإنه لم يكد يرى عمرا يتخذ مبدأ الترشيح قاعدة الترشيح للحديث والتحكيم حتى لوى الزمام إلى وجهة أسلم, فجابه عمرا بأن اختيار الخليفة حق للمسلمين جميعا, وقد جعل الله أمرهم شورى بينهم, فيجب إن يترك الأمر لهم وحدهم وجميعهم لهم الحق في هذا الاختيار..

وسوف نرى كيف استغل عمرو هذا المبدأ الجلي لصالح معاوية..

ولكن قبل ذلك لنقرأ نص الحوار التاريخي الذي دار بين أبي موسى وعمرو بن العاص في بدء اجتماعهما:

أبو موسى: يا عمرو, هل لك في صلاح الأمة ورضا الله..؟

عمرو: وما هو..؟

أبو موسى: نولي عبدالله بن عمر, فإنه لم يدخل نفسه في شيء من هذه الحرب.

عمرو: وأين أنت من معاوية..؟

أبو موسى: ما معاوية بموضع لها ولا يستحقها.

عمرو: ألست تعلم إن عثمان قتل مظلوما..؟

أبو موسى: بلى..

عمرو: فإن معاوية وليّ دم عثمان, وبيته في قريش ما قد علمت. فإن قال الناس لم أولي الأمر ولست سابقة؟ فإن لك في ذلك عذرا. تقول: إني وجدته ولي عثمان, والله تعالى يقول: ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا).. وهو مع هذا, اخو أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم, وهو أحد أصحابه..

أبو موسى: اتق الله يا عمرو..

أمّا ما ذكرت من شرف معاوية, فلو كانت الخلافة تستحق بالشرف لكان أحق الناس بها أبرهة بن الصبّاح فإنه من أبناء ملوك اليمن التباعية الذين ملكوا شرق الأرض ومغربها.. ثم أي شرف لمعاوية مع علي بن أبي طالب..؟؟

وأما قولك: إن معاوية ولي عثمان, فأولى منه عمرو بن عثمان..

ولكن إن طاوعتني أحيينا سنة عمر بن الخطاب وذكره, بتوليتنا ابنه عبدالله الحبر..

عمرو: فما يمنعك من ابني عبدالله مع فضله وصلاحه وقديم هجرته وصحبته..؟

أبو موسى: إن ابنك رجل صدق, ولكنك قد غمسته في هذه الحروب غمسا, فهلم نجعلها للطيّب بن الطيّب.. عبدالله بن عمر..

عمرو: يا أبا موسى, إنه لا يصلح لهذا الأمر إلا رجل له ضرسان يأكل بأحدهما, ويطعم بالآخر..!!

أبو موسى: ويحك يا عمرو.. إن المسلمين قد أسندوا إلينا الأمر بعد إن تقارعوا السيوف, وتشاكوا بالرماح, فلا نردهم في فتنة.

عمرو: فماذا ترى..؟أبو موسى: أرى إن نخلع الرجلين, عليّا ومعاوية, ثم نجعلها شورى بين المسلمين, يختارون لأنفسهم من يحبوا..

عمرو: رضيت بهذا الرأي فإن صلاح النفوس فيه..

إن هذا الحوار يغير تماما وجه الصورة التي تعوّدنا إن نرى بها أبا موسى الأشعري كلما ذكرنا واقعة التحكيم هذه..

إن أبا موسى كان أبعد ما يكون عن الغفلة..

بل إنه في حواره هذا كان ذكاؤه أكثر حركة من ذكاء عمرو بن العاص المشهور بالذكاء والدهاء..

فعندما أراد عمرو إن يجرّع أبا موسى خلافة معاوية بحجة حسبه في قريش, وولايته لدم عثمان, جاء رد أبي موسى حاسما لامعا كحد السيف..

اذا كانت الخلافة بالشرف, فأبرهة بن الصباح سليل الملوك أولى بها من معاوية..

وإذا كانت بدم عثمان والدفاع عن حقه, فابن عثمان رضي الله عنه, أولى بهذه الولاية من معاوية..



لقد سارت قضية التحكيم بعد هذا الحوار في طريق يتحمّل مسؤوليتها عمرو بن العاص وحده..

فقد أبرأ أبو موسى ذمته بردّ الأمر إلى الأمة, تقول كلمتها وتختار خليفتها..

ووافق عمرو والتزم بهذا الرأي..

ولم يكن يخطر ببال أبي موسى إن عمرو في هذا الموقف الذي يهدد الإسلام والمسلمين بشر بكارثة, سيلجأ إلى المناورة, هما يكن اقتناعه بمعاوية..

ولقد حذره ابن عباس حين رجع إليهم يخبرهم بما تم الاتفاق عليه..

حذره من مناورات عمرو وقال له:

" أخشى والله إن يكون عمرو قد خدعك, فإن كنتما قد اتفقتما على شيء فقدمه قبلك ليتكلم, ثم تكلم أنت بعده"..!

لكن أبا موسى كان يرى الموقف أكبر وأجل من إن يناور فيه عمرو, ومن ثم لم يخالجه أي ريب أوشك في التزام عمرو بما اتفقنا عليه..

واجتمعا في اليوم التالي.. أبو موسى ممثلا لجبهة الإمام علي, وعمرو بن العاص ممثلا لجبهة معاوية..

ودعا أبو موسى عمرا ليتحدث.. فأبى عمرو وقال له:



" ما كنت لأتقدمك وأنت أكثر مني فضلا.. وأقدم هجرة.. وأكبر سنا"..!!

وتقد أبو موسى واستقبل الحشود الرابضة من كلا الفريقين.

وقال:

" أيها الناس.. إنا قد نظن فيما يجمع الله به ألفة هذه الأمة, ويصلح أمرها, فلم نر شيئا أبلغ من خلع الرجلين علي ومعاوية, وجعلها شورى يختار الناس لأنفسهم من يرونه لها..

وإني قد خلعت عليا ومعاوية..

فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من أحببتم"...

وجاء دور عمرو بن العاص ليعلن خلع معاوية, كما خلع أبو موسى عليا, تنفيذا للاتفاق المبرم بالأمس...

وصعد عمرو المنبر, وقال:

" أيها الناس, إن أبا موسى قد قال كما سمعتم وخلع صاحبه,

ألا وإني قد خلعت صاحبه كما خلعه, وأثبت صاحبي معاوية, فإنه ولي أمير المؤمنين عثمان والمطالب بدمه, وأحق الناس بمقامه.."!!

ولم يحتمل أبو موسى وقع المفاجأة, فلفح عمرا بكلمات غاضبة ثائرة..

وعاد من جديد إلى عزلته, وأغذّ خطاه إلى مكة.. إلى جوار البيت الحرام, يقضي هناك ما بقي له من عمر وأيام..

كان أبو موسى رضي الله عنه موضع ثقة الرسول وحبه, وموضع ثقة خلفائه وأصحابه وحبهم...

ففي حياته عليه الصلاة والسلام ولاه مع معاذ بن جبل أمر اليمن..

وبعد وفاة الرسول عاد إلى المدينة ليجمل مسؤولياته في الجهاد الكبير الذي خاضته جيوش الإسلام ضد فارس والروم..

وفي عهد عمر ولاه أمير المؤمنين البصرة..

وولاه الخليفة عثمان الكوفة..



وكان من أهل القرآن, حفظا, وفقها, وعملا..

ومن كلماته المضيئة عن القرآن:

" اتبعوا القرآن..

ولا تطمعوا في إن يتبعكم القرآن"..!!

وكان من أهل العبادة المثابرين..

وفي الأيام القائظة التي يكاد حرّها يزهق الأنفاس, كنت تجد أبا موسى يلقاها لقاء مشتاق ليصومها ويقول:

" لعل ظمأ الهواجر يكون لنا ريّا يوم القيامة"..



وذات يوم رطيب جاءه أجله..

وكست محيّاه إشراقة من يرجو رحمة الله وحسن ثوابه.ز

والكلمات التي كان يرددها دائما طوال حياته المؤمنة, راح لسانه الآن وهو في لحظات الرحيل يرددها:

تلك هي:

" اللهم أنت السلام..ومنك السلام"...


 


قديم 01-05-15, 12:46 PM   #11
البرنس الجنوبي

آخر زيارة »  02-10-15 (11:42 PM)
الهوايه »  الرياضه
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



الطفيل بن عمرو الدوسري

( الفطرة الراشدة )


في أرض دوس نشأ بين أسرة شريفة كريمة..

وأوتي موهبة الشعر, فطار بين القبائل صيته ونبوغه..

وفي مواسم عكاظ حيث يأتي الشعراء العرب من كل فج ويحتشدون ويتباهون بشعرائهم, كان الطفيل يأخذ مكانه في المقدمة..



كما كان يتردد على مكة كثيرا في غير مواسم عكاظ..

وذات مرة كان يزورها, وقد شرع الرسول يجهر بدعوته..

وخشيت قريش أن يلقاه الطفيل ويسلم, ثم يضع موهبته الشعرية في خدمة الإسلام, فتكون الطامة على قريش وأصنامها..

من أجل ذلك أحاطوا به.. وهيئوا له من الضيافة كل أسباب الترف والبهجة والنعيم, ثم راحوا يحذرونه لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويقولون له:

" إن له قولا كالسحر, يفرّق بين الرجل وأبيه.. والرجل وأخيه.. والرجل وزوجته.. وإنا نخشى عليك وعلى قومك منه, فلا تكلمه ولا تسمع منه حديثا"..!!

ولنصغ للطفيل ذاته يروي لنا بقية النبأ فيقول:

" فوالله ما زالوا بي حتى عزمت ألا أسمع منه شيئا ولا ألقاه..

وحين غدوت إلى الكعبة حشوت أذنيّ كرسفا كي لا أسمع شيئا من قوله اذا هو تحدث..

وهناك وجدته قائما يصلي عند الكعبة, فقمت قريبا منه, فأبي الله إلا أن يسمعني بعض ما يقرأ, فسمعت كلاما حسنا..

وقلت لنفسي: واثكل أمي.. والله إني لرجل لبيب شاعر, لا يخفى عليّ الحسن من القبيح, فما يمنعني أن أسمع من الرجل ما يقول, فان كان الذي يأتي به حسن قبلته, وان كان قبيحا رفضته.

ومكثت حتى انصرف إلى بيته, فاتبعته حتى دخل بيته, فدخلت وراءه, وقلت له: يا محمد, إن قومك قد حدثوني عنك كذا وكذا.. فوالله ما برحوا يخوّفوني أمرك حتى سددت أذنيّ بكرسف لئلا أسمع قولك..

ولكن الله شاء أن أسمع, فسمعت قولا حسنا, فاعرض عليّ أمرك..

فعرض الرسول عليّ الإسلام, وتلا عليّ من القرآن..

فأسلمت, وشهدت شهادة الحق, وقلت: يا رسول الله: إني امرؤ مطاع في قومي واني راجع إليهم, وداعيهم إلى الإسلام, فادع الله أن يجعل لي آية تكون عونا لي فيما أدعوهم إليه, فقال عليه السلام: اللهم اجعل له آية"..



لقد أثنى الله تعالى في كتابه على " الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه"..

وها نحن أولاء نلتقي بواحد من هؤلاء..

انه صورة صادقة من صور الفطرة الرشيدة..

فما كاد سمعه يلتقط بعض آيات الرشد والخير التي أنزلها الله على فؤاد رسوله, حتى تفتح كل سمعه, وكل قلبه. وحتى بسط يمينه مبايعا.. ليس ذلك فحسب.. بل حمّل نفسه من فوره مسؤولية دعوة قومه وأهله إلى هذا الدين الحق, والصراط المستقيم..!



من أجل هذا, نراه لا يكاد يبلغ بلده وداره في أرض دوس حتى يواجه أباه بالذي من قلبه من عقيدة وإصرار, ويدعو أباه إلى الإسلام بعد أن حدّثه عن الرسول الذي يدعو إلى الله.. حدثه عن عظمته.. وعن طهره وأمانته.. عن إخلاصه وإخباته لله رب العالمين..

وأسلم أبوه في الحال..

ثم انتقل إلى أمه, فأسلمت

ثم إلى زوجه, فأسلمت..

ولما إطمأن إلى أن الإسلام قد غمر بيته, انتقل إلى عشيرته, والى أهل دوس جميعا.. فلم يسلم منهم أحد سوى أبي هريرة رضي الله عنه..

ولقد راحوا يخذلونه, وينأون عنه, حتى نفذ صبره معهم وعليهم. فركب راحلته, وقطع الفيافي عائدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو إليه ويتزوّد منه بتعاليمه..

وحين نزل مكة, سارع إلى دار الرسول تحدوه أشواقه..

وقال للنبي:

" يا رسول الله..

انه غلبني على دوس الزنا, والربا, فادع الله أن يهلك دوسا"..!!

وكانت مفاجأة أذهلت الطفيل حين رأى الرسول يرفع كفيه إلى السماء وهو يقول:

" اللهم أهد دوسا وأت بهم مسلمين"..!!

ثم التفت إلى الطفيل وقال له:

" ارجع إلى قومك فادعهم وأرفق بهم".



ملأ هذا المشهد نفس الطفيل روعة, وملأ روحه سلاما, وحمد اله أبلغ الحمد أن جعل هذا الرسول الإنسان الرحيم معلمه وأستاذه. وأن جعل الإسلام دينه وملاذه.

ونهض عائدا إلى أرضه وقومه وهناك راح يدعوهم إلى الإسلام في أناة ورفق, كما أوصاه الرسول عليه السلام.

وخلال الفترة التي قضاها بين قومه, كان الرسول قد هاجر إلى المدينة وكانت قد وقعت غزوة بدر, أحد والخندق.

وبينما رسول الله في خيبر بعد أن فتحها الله على المسلمين اذا موكب حافل ينتظم ثمانين أسرة من دوس أقبلوا على الرسول مهللين مكبّرين ..

وبينما جلسوا يبايعون تباعا..

ولما فرغوا من مشهدهم الحافل, وبيعتهم المباركة جلس الطفيل بن عمرو مع نفسه يسترجع ذكرياته ويتأمل خطاه على الطريق..!!

تذكر يوم قدوم الرسول يسأله أن يرفع كفيه إلى السماء ويقول:

اللهم اهلك دوسا, فإذا هو يبتهل بدعاء آخر أثار يومئذ عجبه..

ذلك هو:

" اللهم أهد دوسا وإت بهم مسلمين"..!!

ولقد هدى الله دوسا..

وجاء بهم مسلمين..

وها هم أولاء.. ثمانون بيتا, وعائلة منهم, يشكلون أكثرية أهلها, يأخذون مكانهم في الصفوف الطاهرة خلف رسول الله الأمين.



ويواصل الطفيل عمله مع الجماعة المؤمنة..

ويوم فتح مكة, كان يدخلها مع عشرة آلاف مسلم لا يثنون أعطافهم زهوا وصلفا, بل يحنون جباههم في خشوع وإذلال, شكرا لله الذي أثابهم فتحا قريبا, ونصرا مبينا..

ورأى الطفيل رسول الله وهو يهدم أصنام الكعبة, ويطهرها بيده من ذلك الرجس الذي طال مداه..

وتذكر الدوسي من فوره صنما كان لعمرو بن حممة. طالما كان عمرو هذا يصطحبه إليه حين ينزل ضيافته, فيتخشّع بين يديه, ويتضرّع إليه..!!

الآن حانت الفرصة ليمحو الطفيل عن نفسه إثم تلك الأيام.. هنالك تقدم من الرسول عليه الصلاة والسلام يستأذنه في أن يذهب ليحرق صنم عمرو بن حممة وكان هذا الصنم يدعى, ذا الكفين, وأذن له النبي عليه السلام..

ويذهب الطفيل ويوقد عليه النار.. وكلما خبت زادها ضراما وهو ينشد ويقول:


يا ذا الكفين لست من عبّادكـــا

ميلادنا أقدم من ميلادكــــــــا!!

إني حشوت النار في فؤادكـــــا




وهكذا عاش مع النبي يصلي وراءه, ويتعلم منه, ويغزو معه.

وينتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى, فيرى الطفيل أن مسؤوليته كمسلم لم تنته بموت الرسول, بل إنها لتكاد تبدأ..

وهكذا لم تكد حروب الردة تنشب حتى كان الطفيل يشمّر لها عن ساعد وساق, وحتى كان يخوض غمراتها وأهوالها في حنان مشتاق إلى الشهادة..

اشترك في حروب الردة حربا.. حربا..

وفي موقعة اليمامة خرج مع المسلمين مصطحبا معه ابنه عمرو بن الطفيل".

ومع بدء المعركة راح يوصي ابنه أن يقاتل جيش مسيلمة الكذاب قتال من يريد الموت والشهادة..

وأنبأه أنه يحس أنه سيموت في هذه المعركة.

وهكذا حمل سيفه وخاض القتال في تفان مجيد..

لم يكن يدافع بسيفه عن حياته.

بل كان يدافع بحياته عن سيفه.

حتى إذا مات وسقط جسده, بقي السيف سليما مرهفا لتضرب به يد أخرى لم يسقط صاحبها بعد..!!

وفي تلك الموقعة استشهد الطفيل الدوسي رضي الله عنه..

وهو جسده تحت وقع الطعان, وهو يلوّح لابنه الذي لم يكن يراه وسط الزحام..!!

يلوّح له وكأنه يهيب به ليتبعه ويلحق به..

ولقد لحق به فعلا.. ولكن بعد حين..

ففي موقعة اليرموك بالشام خرج عمرو بن الطفيل مجاهدا وقضى نحبه شهيدا..

وكان وهو يجود بأنفاسه, يبسط ذراعه اليمنى ويفتح كفه, كما لو كان سيصافح بها أحدا.. ومن يدري..؟؟

لعله ساعتئذ كان يصافح روح أبيه..!!


 


قديم 01-05-15, 12:46 PM   #12
البرنس الجنوبي

آخر زيارة »  02-10-15 (11:42 PM)
الهوايه »  الرياضه
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



عبدالله بن رواحة

( يا نفس, إلا تقتلي تموتي )



عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مستخفيا من كفار قريش مع الوفد القادم من المدينة هناك عند مشارف مكة, يبايع اثني عشر نقيبا من الأنصار بيعة العقبة الأولى, كان هناك عبدالله بن رواحة واحدا من هؤلاء النقباء, حملة الإسلام إلى المدينة, والذين مهدّت بيعتهم هذه للهجرة التي كانت بدورها منطلقا رائعا لدين الله, والإسلام..

وعندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبايع في العام التالي ثلاثة وسبعين من الأنصار أهل المدينة بيعة العقبة الثانية, كان ابن رواحة العظيم واحدا من النقباء المبايعين...

وبعد هجرة الرسول وأصحابه إلى المدينة واستقرارهم بها, كان عبدالله بن رواحة من أكثر الأنصار عملا لنصرة الدين ودعم بنائه, وكان من أكثرهم يقظة لمكايد عبد الله بن أبيّ الذي كان أهل المدينة يتهيئون لتتويجه ملكا عليها قبل أن يهاجر الإسلام إليها, والذي لم تبارح حلقومه مرارة الفرصة الضائعة, فمضى يستعمل دهاءه في الكيد للإسلام. في حين مضى عبدالله بن رواحة يتعقب هذا الدهاء ببصيرة منيرة, أفسدت على ابن أبيّ أكثر مناوراته, وشلّت حركة دهائه..!!

وكان ابن رواحة رضي الله عنه, كاتبا في بيئة لا عهد لها بالكتابة إلا يسيرا..

وكان شاعرا, ينطلق الشعر من بين ثناياه عذبا قويا..

ومنذ أسلم, وضع مقدرته الشعرية في خدمة الإسلام..

وكان الرسول يحب شعره ويستزيده منه..



جلس عليه السلام يوما مع أصحابه, وأقبل عبدالله بن رواحة, فسأله النبي:

" كيف تقول الشعر إذا أردت أن نقول"..؟؟

فأجاب عبدالله:" أنظر في ذاك ثم أقول"..

ومضى على البديهة ينشد:

يا هاشم الخير إن الله فضّلكـــــــم على البريّــــــــــــــة فضلا ما له غير

إني تفرّست فيك الخير أعرفـــــــه فراســــــــة خالفتهم في الذي نظروا

ولو سألت أو استنصرت بعضهمو في حلّ أمرك ما ردّوا ولا نصــــــروا

فثّبت الله ما آتــــــــــاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا



فسرّ الرسول ورضي وقال له:

" وإياك, فثّبت الله"..

وحين كان الرسول عليه الصلاة والسلام يطوف بالبيت في عمرة القضاء

كان ابن رواحة بين يديه ينشد من رجزه:

يا ربّ لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدّقنــــــــــــا ولا صلينا

فأنزلن سكينــــــــــة علينا وثبّت الأقدام إن لاقينـــــــــــا

وكان المسلمون يرددون أنشودته الجميلة..

وحزن الشاعر المكثر, حين تنزل الآية الكريمة:

(وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ)..الشعراء (224)

ولكنه يستردّ غبطة نفسه حين تنزل آية أخرى:

( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)الشعراء (227)


وحين يضطر الإسلام لخوض القتال دفاعا عن نفسه, يحمل ابن رواحة سيفه في مشاهد بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر جاعلا شعاره دوما هذه الكلمات من شعره وقصيده:

" يا نفس إلا تقتلي تموتي"..

وصائحا في المشركين في كل معركة وغزاة:

خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا, فكل الخير في رسوله


وجاءت غزوة مؤتة..

وكان عبدالله بن رواحة ثالث الأمراء, كما أسلفنا في الحديث عن زيد وجفعر..

ووقف ابن رواحة رضي الله عنه والجيش يتأهب لمغادرة المدينة..

وقف ينشد ويقول:

لكنني أســـــأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرع وتقذف الزبدا

أو طعنـــة بيدي حرّان مجهرة بحربــــــة تنفد الأحشاء والكبدا

حتى يقال إذا مرّوا على جدثي يا أرشد الله من غاز, وقد رشدا

أجل تلك كانت أمنيته ولا شيء سواها.. ضربة سيف أو طعنة رمح, تنقله إلى عالم الشهداء والظافرين..!!



وتحرّك الجيش إلى مؤتة, وحين استشرف المسلمون عدوّهم حزروا جيش الروم بمائتي ألف مقاتل, إذ رأوا صفوفا لا آخر لها, وأعداد تفوق الحصر والحساب..!!

ونظر المسلمون إلى عددهم القليل, فوجموا.. وقال بعضهم:

" فلنبعث إلى رسول الله, نخبره بعدد عدوّنا, فإما أن يمدّنا بالرجال, وإمّا أن يأمرنا بالزحف فنطيع"..

بيد أن ابن رواحة نهض وسط صفوفهم كالنهار, وقال لهم:

" يا قوم..

إنا والله, ما نقاتل إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به..

فانطلقوا.. فإنما هي إحدى الحسنيين, النصر أو الشهادة"...

وهتف المسلمون الأقلون عددا, الأكثرون إيمانا,..

هتفوا قائلين:

"قد والله صدق ابن رواحة"..

ومضى الجيش إلى غايته, يلاقي بعدده القليل مائتي ألف, حشدهم الروم للقتال الضاري الرهيب...



والتقى الجيشان كما ذكرنا من قبل..

وسقط الأمير الأول زيد بن حارثة شهيدا مجيدا..

وتلاه الأمير الثاني جعفر بن عبد المطلب حتى أدرك الشهادة في غبطة وعظمة..

وتلاه ثالث الأمراء عبدالله بن رواحة فحمل الراية من يمين جعفر.. وكان القتال قد بلغ ضراوته, وكادت القلة المسلمة تتوه في زحام العرمرم اللجب, الذي حشده هرقل..

وحين كان ابن رواحة يقاتل كجندي, كان يصول ويجول في غير تردد ولا مبالاة..

أما الآن, وقد صار أميرا للجيش ومسؤولا عن حياته, فقد بدا أمام ضراوة الروم, وكأنما مرّت به لمسة تردد وتهيّب, لكنه ما لبث أن استجاش كل قوى المخاطرة في نفسه وصاح..



أقسمت يا نفس لتنزلنّــه مالي أراك تكرهين الجنّة؟؟

يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنّت فقد أعطيــــت إن تفعلي فعلهما هديــــــت


يعني بهذا صاحبيه الذين سبقاه إلى الشهادة: زيدا وجعفر..

"إن تفعلي فعلهما هديت.

انطلق يعصف بالروم عصفا..

ولا كتاب سبق بأن يكون موعده مع الجنة, لظلّ يضرب بسيفه حتى يفني الجموع المقاتلة.. لكن ساعة الرحيل قد دقّت معلنة بدء المسيرة إلى الله, فصعد شهيدا..

هوى جسده, فصعدت إلى الرفيق الأعلى روحه المستبسلة الطاهرة..

وتحققت أغلى أمانيه:

حتى يقال إذا مرّوا على جدثي يا أرشد الله من غار, وقد رشدا


نعم يا ابن رواحة..

يا أرشد الله من غاز وقد رشدا..!!



وبينما كان القتال يدور فوق أرض البلقاء بالشام, كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مع أصحابه في المدينة, يحادثهم ويحادثونه..

وفجأة والحديث ماض في تهلل وطمأنينة, صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأسدل جفنيه قليلا.. ثم رفعهما لينطلق من عينيه بريق ساطع يبلله أسى وحنان..!!

وطوفّت نظراته الآسية وجوه أصحابه وقال:

"أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا.

ثم أخذها جعفر فقاتل بها, حتى قتل شهيدا"..

وصمت قليلا ثم استأنف كلماته قائلا:

" ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها, حتى قتل شهيدا"..

ثم صمت قليلا وتألقت عيناه بومض متهلل, مطمئن, مشتاق. ثم قال:

" لقد رفعوا إلى الجنة"..!!

أيّة رحلة مجيدة كانت..

وأي اتفاق سعيد كان..

لقد خرجوا إلى الغزو معا..

وكانت خير تحيّة توجّه لذكراهم الخالدة, كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" لقد رفعوا إلى الجنة"..!!


 


موضوع مُغلق

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are معطلة
Pingbacks are معطلة
Refbacks are معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع : موسوعة.. رجال حول الرسول{ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الـله }
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
يا ما تعب ب العشق رجال و رجال (قيثار الحب) همس القوافي - شعر - قصائد •• 4 09-28-16 08:45 AM
ريال مدريد × ريال سوسيداد Bus News قسم الرياضه العربيه والأجنبيه - sports 0 02-03-11 09:22 PM


| أصدقاء منتدى مسك الغلا |


الساعة الآن 11:48 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.1 al2la.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
بدعم من : المرحبي . كوم | Developed by : Marhabi SeoV2
جميع الحقوق محفوظه لـ منتديات مسك الغلا