منتديات مسك الغلا | al2la.com

منتديات مسك الغلا | al2la.com (/vb/)
-   صور من حياة الأنبياء والصحابه والتابعين (https://www.al2la.com/vb/f89.html)
-   -   أعظم سير لأعظم أصحاب ...!! (https://www.al2la.com/vb/t82577.html)

مجرد إنسان 02-27-17 01:34 AM

أعظم سير لأعظم أصحاب ...!!
 


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أبو بكر الصديق


نسبه

هو عبد اللّه بن عثمان بن عامر بن عَمْرو بن كعب بن سعد بن تَيْم بن مُرَّة بن كعب بن لؤيّ القرشيّ التيميّ. يلتقي مع رسول اللّه في مُرَّة بن كعب.
أبو بكر الصديق بن أبي قُحَافة.
وأمه أم الخير سَلْمَى بنت صخر وهي ابنة عم أبي قحافة.
أسلم أبو بكر ثم أسلمت أمه بعده، وصحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم


أبو بكر العتيق الصديق

لقب عَتِيقاً لعتقه من النار وعن عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "أبو بكر عتيق اللّه من النار" فمن يومئذ سمي "عتيقاً".
قال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه: "إن اللّه تعالى هو الذي سمى أبا بكر على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صدِّيقاً" وسبب تسميته أنه بادر إلى تصديق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولازم الصدق فلم تقع منه هِنات ولا كذبة في حال من الأحوال.
وعن عائشة أنها قالت: "لما أسري بالنبي صلى اللّه عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يحدِّث الناس بذلك فارتد ناس ممن كان آمن وصدق به وفتنوا به. فقال أبو بكر: إني لأصدقه في ما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبا بكر الصديق".


مواقفه فى بداية الدعوة

ولد أبو بكر سنة 573 م بعد الفيل بثلاث سنين تقريباً، وكان رضي اللّه عنه صديقاً لرسول اللّه قبل البعث وهو أصغر منه سناً بثلاث سنوات وكان يكثر غشيانه في منزله ومحادثته فلما أسلم آزر النبي صلى اللّه عليه وسلم في نصر دين اللّه تعالى بنفسه وماله.
كان أبو بكر رضي اللّه عنه من رؤساء قريش في الجاهلية محبباً فيهم مُؤلفاً لهم، وكان إذا عمل شيئاً صدقته قريش فلما جاء الإسلام سبق إليه، وأسلم من الصحابة على يديه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم: عثمان بن عفان، والزُّبَير بن العوَّام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد اللّه
وكان أعلم العرب بأنساب قريش وما كان فيها من خير وشر. وكان تاجراً ذا ثروة طائلة، حسن المجالسة، عالماً بتعبير الرؤيا، وقد حرم الخمر على نفسه في الجاهلية هو وعثمان بن عفان. ولما أسلم جعل يدعو الناس إلى الإسلام
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كَبْوَة ونظر وتردد إلا ما كان من أبي بكر رضي اللّه عنه ما عَلَمَ عنه حين ذكرته له" أي أنه بادر به.
ودفع أبو بكر عقبة بن أبي معيط عن رسول اللّه لما خنق رسول اللّه وهو يصلي عند الكعبة خنقاً شديداً. وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ}.


أول خطيب فى الاسلام

وقد أصاب أبا بكر من إيذاء قريش شيء كثير. فمن ذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما دخل دار الأرقم ليعبد اللّه ومن معه من أصحابه سراً ألح أبو بكر رضي اللّه عنه في الظهور،
فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: يا أبا بكر إنا قليل. فلم يزل به حتى خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن معه من الصحابة رضي اللّه عنهم وقام أبو بكر في الناس خطيباً ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس ودعا إلى رسول اللّه، فهو أول خطيب دعا إلى اللّه تعالى
فثار المشركون على أبي بكر رضي اللّه عنه وعلى المسلمين يضربونهم فضربوهم ضرباً شديداً. ووُطئ أبو بكر بالأرجل وضرب ضرباً شديداً. وصار عُتْبة بن ربيعة يضرب أبا بكر بنعلين مخصوفتين ويحرفهما إلى وجهه حتى صار لا يعرف أنفه من وجهه،
فجاءت بنو تيم يتعادَون فأجْلت المشركين عن أبي بكر إلى أن أدخلوه منزله ولا يشكُّون في موته، ثم رجعوا فدخلوا المسجد فقالوا: واللّه لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة، ثم رجعوا إلى أبي بكر وصار والده أبو قحافة وبنو تيم يكلمونه فلا يجيب حتى آخر النهار،
ثم تكلم وقال: ما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟
فعذلوه فصار يكرر ذلك
فقالت أمه: واللّه ما لي علم بصاحبك.
فقال: اذهبي إلى أم جميل فاسأليها عنه وخرجت إليها وسألتها عن محمد بن عبد اللّه،
فقالت: لا أعرف محمداً ولا أبا بكر ثم قالت: تريدين أن أخرج معك؟
قالت: نعم. فخرجت معها إلى أن جاءت أبا بكر فوجدته صريعاً
فصاحت وقالت: إن قوماً نالوا هذا منك لأهل فسق وإني لأرجو أن ينتقم اللّه منهم،
فقال لها أبو بكر رضي اللّه عنه: ما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟
فقالت: هذه أمك،
قال: فلا عَيْنَ عليك منها أي أنها لا تفشي سرك.
قالت: سالم هو في دار الأرقم.
فقال: واللّه لا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً أو آتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
قالت أمه: فأمهلناه حتى إذا هدأت الرِّجل وسكن الناس خرجنا به يتكئ عليَّ حتى دخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرقَّ له رقة شديدة وأكب عليه يقبله وأكب عليه المسلمون كذلك
فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ما بي من بأس إلا ما نال الناس من وجهي، وهذه أمي برة بولدها فعسى اللّه أن يستنقذها من النار، فدعا لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ودعاها إلى الإسلام فأسلمت.
ولما اشتد أذى كفار قريش لم يهاجر أبو بكر إلى الحبشة مع المسلمين بل بقي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تاركاً عياله وأولاده


هجرته مع رسول الله صلى الله عليه و سلم

أقام مع رسول الله في الغار ثلاثة أيام؛ قال اللّه تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}.
ولما كانت الهجرة جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه إلى أبي بكر وهو نائم فأيقظه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: قد أذن لي في الخروج
قالت عائشة: فلقد رأيت أبا بكر يبكي من الفرح،
ثم خرجا حتى دخلا الغار فأقاما فيه ثلاثة أيام. وأن رسول اللّه لولا ثقته التامة بأبي بكر لما صاحبه في هجرته فاستخلصه لنفسه. وكل من سوى أبي بكر فارق رسول اللّه، وإن اللّه تعالى سماه "ثاني اثنين".
قال رسول صلى اللّه عليه وسلم لحسان بن ثابت: "هل قلت في أبي بكر شيئاً؟" فقال: نعم.
فقال: "قل وأنا أسمع".
فقال:
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد * طاف العدوّ به إذ صعَّد الجبلا
وكان حِبِّ رسول اللّه قد علموا * من البرية لم يعدل به رجلاً

فضحك رسول اللّه حتى بدت نواجذه، ثم قال: "صدقت يا حسان هو كما قلت".


جهاده بنفسه و ماله

كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يكرمه ويجله ويثني عليه في وجهه واستخلفه في الصلاة، وشهد مع رسول اللّه بدراً وأُحداً والخندق وبيعة الرضوان بالحُدَيبية وخيبر وفتح مكة وحُنَيناً والطائف وتَبوك وحَجة الوداع. ودفع رسول اللّه رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر وكانت سوداء، وكان فيمن ثبت معه يوم أُحد وحين ولَّى الناس يوم حنين. وهو من كبار الصحابة الذين حفظوا القرآن كله.
وأعتق أبو بكر سبعة ممن كانوا يعذبون في اللّه تعالى وهم: بلال، وعامر بن فهيرة، وزِنِّيرة، والنَّهديَّة، وابنتها، وجارية بني مؤمّل، وأم عُبيس.
وكان أبو بكر إذا مُدح قال: "اللّهم أنت أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم. اللّهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون".
قال عمر رضي اللّه عنه: أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مالاً عندي. فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته، فجئت بنصف مالي.
فقال: ما أبقيت لأهلك؟
قلت: مثله.
وجاء أبو بكر بكل ما عنده.
فقال: يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟
قال: أبقيت لهم اللّه ورسوله. قلت: لا أسبقه إلى شيء أبداً.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ما نفعني مال أحد قطُّ ما نفعني مال أبي بكر"
فبكى أبو بكر وقال: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول اللّه.
ونزل فيه وفي عمر: {وَشَاوِرْهم في الأمر} فكان أبو بكر بمنزلة الوزير من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فكان يشاوره في أموره كلها.


مكانته عند رسول الله صلى الله عليه و سلم

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً". رواه البخاري ومسلم.
عن عمرو بن العاص: أن النبي عليه السلام بعثه على جيش ذات السلاسل قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ فقال: عائشة.
فقلت: من الرجال؟ فقال: أبوها.
عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال : ‏كنت جالسا عند النبي ‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏إذ أقبل ‏‏أبو بكر‏ ‏آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته ، فقال النبي ‏-‏صلى الله عليه وسلم-: ‏‏أما صاحبكم فقد ‏‏غامر ‏‏
فسلم وقال :( إني كان بيني وبين ‏‏ابن الخطاب ‏ ‏شيء ، فأسرعت إليه ثم ندمت ، فسألته أن يغفر لي ، فأبى علي فأقبلت إليك
فقال :( يغفر الله لك يا ‏أبا بكر ‏) ثلاثا ،
ثم إن ‏عمر ‏ندم ، فأتى منزل ‏أبي بكر ‏، ‏فسأل : ( أثم ‏أبو بكر ‏) فقالوا : ( لا )
فأتى إلى النبي ‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏فسلم ، فجعل وجه النبي‏ -‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏يتمعر ، حتى أشفق ‏‏أبو بكر ،‏ ‏فجثا ‏‏على ركبتيه فقال :( يا رسول الله ، والله أنا كنت أظلم مرتين )
فقال النبي ‏-‏صلى الله عليه وسلم-:( ‏إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت ، وقال ‏ أبو بكر‏ ‏صدق ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي ) مرتين فما أوذي بعدها


فضائله رضى الله عنه

وعن أبي هريرة: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا.
قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا.
قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا.
قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا.
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة"
وعن أبي هريرة: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان على حِرَاء هو وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير. فتحركت الصخرة فقال النبي عليه السلام: "اهدأ فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد" رواه مسلم.
وعن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "اقتدوا باللذَين من بعدي أبي بكر وعمر" رواه الترمذي.
وعن ابن عمر: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لأبي بكر: "أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار" رواه الترمذي.



ومن فضائله رضي اللّه عنه:

أن عمر بن الخطاب كان يتعاهد عجوزاً كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل فيستقي لها ويقوم بأمرها. فكان إذا جاء وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت. فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها فرصده عمر فإذا الذي يأتيها هو أبو بكر الصديق، وهو خليفة. فقال عمر: أنت هو لعمري.

خلافته

وفي أثناء مرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يصلي بالمسلمين ، وبعد وفاة الرسول الكريم بويع أبوبكر بالخلافة في سقيفة بني ساعدة ، وكان زاهدا فيها ولم يسع اليها ،
وبعد أن تمت بيعة أبي بكر بيعة عامة، صعد المنبر وقال بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه:
"أيها الناس قد وُلِّيت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكَذِب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء اللّه تعالى، لا يدع أحد منكم الجهاد، فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم اللّه بالذل، أطيعوني ما أطعت اللّه ورسوله فإذا عصيت اللّه ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم رحمكم اللّه".
فيا لها من كلمات جامعة حوت الصراحة والعدل، مع التواضع والفضل، والحث على الجهاد لنصرة الدين، وإعلاء شأن المسلمين.
دخل عليه ذات يوم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فوجده يبكي ، فساله عن ذلك فقال له : ( يا عمر لا حاجة لي في امارتكم فرد
عليه عمر : ( أين المفر ؟ والله لا نقيلك ولا نستقيلك)


جيش أسامة

وجَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد في سبعمائة الى الشام ، فلمّا نزل بـذي خُشُـب -واد على مسيرة ليلة من المدينة- قُبِض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وارتدّت العرب حول المدينة ، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله فقالوا : يا أبا بكر رُدَّ هؤلاء ، تُوجِّه هؤلاء الى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة ؟!
فقال : والذي لا إله إلا هو لو جرّت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رَدَدْت جيشاً وجَّهه رسول الله ولا حللت عقدَهُ رسول الله فوجّه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا : ( لولا أن لهؤلاء قوّة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم )
فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام


حروب الردة

بعد وفـاة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ارتدت العرب ومنعت الزكاة ، واختلـف رأي الصحابة في قتالهم مع تكلمهم بالتوحيـد ، قال عمر بن الخطاب : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا منّي دماءَهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله ؟!
فقال أبو بكر : الزكاة حقُّ المال
وقال : والله لأقاتلن من فرّق الصلاة والزكاة ، والله لو منعوني عَنَاقاً كانوا يُؤدّونها الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها
ونصب أبو بكر الصديق وجهه وقام وحده حاسراً مشمِّراً حتى رجع الكل الى رأيه ، ولم يمت حتى استقام الدين ، وانتهى أمر المرتدين


جيوش العراق والشام

ولمّا فرغ أبو بكر -رضي الله عنه- من قتال المرتدين بعث أبا عبيدة الى الشام وخالد بن الوليد الى العراق ، وكان لا يعتمد في حروب الفتوحات على أحد ممن ارتدَّ من العرب ، فلم يدخل في الفتوح إلا من كان ثابتا على الإسلام


استخلاف عمر

عقد أبو بكر في مرضه الذي توفي فيه لعمر بن الخطاب عقد الخلافة من بعده، ولما أراد العقد له دعا عبد الرحمن بن عوف. فقال: أخبرني عن عمر.
فقال: يا خليفة رسول اللّه هو واللّه أفضل من رأيك فيه من رجل، ولكن فيه غلظة.
فقال أبو بكر: ذلك لأنه يراني رقيقاً ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيراً مما هو عليه. ويا أبا محمد قد رمقته فرأيتني إذا غضبت على الرجل في الشيء، أراني الرضا عنه، وإذا لنت أراني الشدة عليه، لا تذكر يا أبا محمد مما قلت لك شيئاً. قال: نعم.
ودخل على أبي بكر طلحة بن عبيد اللّه. فقال: استخلفت على الناس عمر، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه، فكيف به إذا خلا بهم، وأنت لاق ربك فسائلك عن رعيتك؟
فقال أبو بكر وكان مضطجعاً: أجلسوني. فأجلسوه. فقال لطلحة: "أباللّه تفرقني أو باللّه تخوفني، إذا لقيت اللّه ربي فساءلني قلت: استخلفت على أهلك خير أهلك"؟.
وأشرف أبو بكر على الناس من حظيرته وأسماء بنت عميس ممسكته موشومة اليدين وهو يقول:
"أترضون بمن أستخلف عليكم فإني واللّه ما ألوت من جهد الرأي، ولا وليت ذا قرابة، وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا
فقالوا: "سمعنا وأطعنا".
دعا أبو بكر عثمان خالياً. فقال له: اكتب: "بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا ما عهد به أبو بكر ابن أبي قحافة إلى المسلمين. أما بعد" ثم أغمي عليه فذهب عنه. فكتب عثمان: "أما بعد فإني أستخلف عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيراً"
ثم أفاق أبو بكر فقال: "اقرأ عليَّ فقرأ عليه فكبَّر أبو بكر وقال:
"أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي".
قال: نعم. قال: "جزاك اللّه خيراً عن الإسلام وأهله" وأقرها أبو بكر رضي اللّه عنه من هذا الموضع. فأبو بكر كان يرى ويعتقد أن عمر بن الخطاب خير من يتولى الخلافة بعده مع شدته. والحقيقة أنه كان كذلك.‏


وفاته

قيل: إنه اغتسل وكان يوماً بارداً فاصابته الحمى خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى الصلاة فأمر عمر أن يصلي بالناس
ولما مرض قال له الناس: ألا ندعو الطبيب؟ فقال: أتاني وقال لي: أنا فاعل ما أريد، فعلموا مراده وسكتوا عنه ثم مات.
وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال، وأوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس وابنه عبد الرحمن وأن يكفن في ثوبيه ويشتري معهما ثوب ثالث. وقال: الحي أحوج إلى الجديد من الميت إنما هو للمهلة والصَّديد..



مجرد إنسان 02-27-17 01:37 AM



الفاروق عمر بن الخطاب


من هو:

الفاروق أبو حفص ، عمر بن الخطاب بن نُفيل بنعبد العزَّى القرشي العدوي ، ولدبعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة ( 40 عام قبلالهجرة ) ، عرف في شبابه بالشـدةوالقـوة ، وكانت له مكانة رفيعـة في قومه اذكانت له السفارة في الجاهلية فتبعثـهقريش رسولا اذا ما وقعت الحرب بينهم أوبينهم و بين غيرهم وأصبح الصحابيالعظيم الشجاع الحازم الحكيم العادل صاحبالفتوحات وأول من لقب بأمير المؤمنين0

اسلامه

أسلم في السنة السادسة من البعثة النبويةالمشرفة ، فقد كان الخباب بن الأرت يعلم القرآن لفاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بنزيد عندما فاجأهم عمر بن الخطـاب متقلـدا سيفه الذي خـرج به ليصفـي حسابه معالإسـلام ورسوله ، لكنه لم يكد يتلو القرآن المسطور في الصحيفة حتى قال : ( دلوني على محمد )
وسمع خباب كلمات عمر ، فخرج من مخبئه وصاح :يا عمـر والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصـك بدعـوة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فإني سمعته بالأمس يقول : ( اللهم أيد الإسلام بأحب الرجلين إليك ، أبي الحكم بنهشام ، وعمر بن الخطاب ) فسأله عمر من فوره : ( وأين أجد الرسول الآن يا خباب؟) وأجاب خباب : ( عند الصفـا في دار الأرقـم بن أبي الأرقـم )
ومضىعمر الى دار الأرقم فخرج إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فأخذبمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال : ( أما أنت منتهيا يا عمر حتى يُنزل الله بك منالخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة ؟ اللهم هذا عمر بن الخطاب ، اللهم أعزّالدين بعمر بن الخطاب )
فقال عمر : ( أشهد أنّك رسول الله )
وباسلامه ظهرالاسلام في مكة اذ قال للرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون في دار الأرقم : (والذي بعثك بالحق لتخرجن ولنخرجن معك )
وخرج المسلمون ومعهم عمر ودخلوا المسجدالحرام وصلوا حول الكعبة دون أن تجـرؤ قريش على اعتراضهم أو منعهم ، لذلك سماهالرسول -صلى الله عليه وسلم- ( الفاروق ) لأن الله فرق بين الحق والباطل

لسان الحق

هو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، ومن علماءالصحابة وزهادهم ، وضع الله الحق على لسانه اذ كان القرآن ينزل موافقا لرأيه ، يقولعلي بن أبي طالب : ( إنّا كنا لنرى إن في القرآن كلاما من كلامه ورأياً من رأيه )كما قال عبد الله بن عمر : ( مانزل بالناس أمر فقالوا فيه وقال عمر ، إلا نزلالقرآن بوفاق قول عمر )
‏عن ‏أبي هريرة ‏-‏رضي الله عنه- ‏‏قال :‏ ‏قالرسـول اللـه ‏-‏صلى اللـه عليه وسلم-‏ ‏: ( لقد كان فيما قبلكم من الأمم ‏‏محدثون ،‏‏فإن يك في أمتي أحد فإنه ‏‏عمر ‏) ‏
‏عن ‏أبي هريرة ‏‏قال ‏: ‏قال النبي ‏ ‏-صلى الله عليه وسلم : ( ‏لقد كان فيمن كان قبلكم من ‏بني إسرائيل‏ ‏رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء ،فإن يكن من أمتي منهم أحد ‏‏فعمر ) ‏‏قال ‏‏ابن عباس ‏-‏رضي الله عنهما-: ( ‏‏مننبي ولا محدث ‏)

قوة الحق

كان قويا في الحق لا يخشى فيه لومة لائم ، فقد‏استأذن ‏‏عمر بن الخطاب ‏‏على رسول الله ‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏وعنده ‏‏نسوة‏من ‏قريش ،‏ ‏يكلمنه ويستكثرنه ، عالية أصواتهن على صوته ، فلما استأذن ‏‏عمر بنالخطاب ‏قمن فبادرن الحجاب ، فأذن له رسول الله -‏صلى الله عليه وسلم-،‏ ‏فدخل‏‏عمر ‏‏ورسول الله ‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏يضحك ، فقال ‏‏عمر : (‏ ‏أضحك الله سنكيا رسول الله )
فقال النبي ‏-صلى الله عليه وسلم-‏ ‏: ( عجبت من هؤلاء اللاتي كنعندي ، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب )
فقال ‏‏عمر : (‏ ‏فأنت أحق أن يهبن يا رسولالله ) ثم قال عمر ‏: ( ‏يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله ‏-‏صلى اللهعليه وسلم-) ‏
فقلن : ( نعم ، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله -‏صلى الله عليهوسلم-) ‏
فقال رسول الله ‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏: ( إيه يا ‏ابن الخطاب ‏،‏والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا ‏فجا ‏قط إلا سلك ‏‏فجا ‏غير‏فجك )
ومن شجاعته وهيبته أنه أعلن على مسامع قريش أنه مهاجر بينما كان المسلمونيخرجون سرا ، وقال متحديا لهم : ( من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده وترمل زوجتهفليلقني وراء هذا الوادي ) فلم يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه

عمر في الأحاديث النبوية

رُويَ عن الرسـول -صلى الله عليه وسلم- العديدمن الأحاديث التي تبين فضل عمـر بن الخطاب نذكر منها ( إن الله سبحانـه جعل الحقعلى لسان عمر وقلبه )
( الحق بعدي مع عمـر حيث كان )
( إن الشيطان لم يلق عمـر منذ أسلم إلا خرَّ لوجهه )
( ما فيالسماء ملك إلا وهو يوقّر عمر ، ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفرق من عمر )
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاءامرأةِ أبي طلحة وسمعت خشفاً أمامي ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا بلال
ورأيت قصرا أبيض بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا القصر ؟
قالوا : لعمر بن الخطاب ،فأردت أن أدخله فأنظر إليه ، فذكرت غيْرتك ) فقال عمر : ( بأبي وأمي يا رسول اللهأعليك أغار !)
وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( بيْنا أنا نائم إذ أتيتبقدح لبنٍ ، فشربت منه حتى إنّي لأرى الريّ يجري في أظفاري ، ثم أعطيت فضْلي عمر بنالخطاب )
قالوا : ( فما أوّلته يا رسول الله ؟) قال : ( العلم )
قالالرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم قمصٌ، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك ، وعُرِضَ عليّ عمر بن الخطابوعليه قميص يجرّه )
قالوا : ( فما أوَّلته يا رسول الله ؟) قال : ( الدين )

خلافة عمر


رغب أبو بكر -رضي الله عنه- في شخصية قويةقادرة على تحمل المسئولية من بعده ، واتجه رأيه نحو عمر بن الخطاب فاستشار في ذلكعدد من الصحابة مهاجرين وأنصارا فأثنوا عليه خيرا ومما قاله عثمان بن عفان : ( اللهمعلمي به أن سريرته أفضل من علانيته ، وأنه ليس فينا مثله ) وبناء على تلكالمشورة وحرصا على وحدة المسلمين ورعاية مصلحتهم
أوصى أبو بكر الصديقبخلافة عمر من بعده ، وأوضح سبب اختياره قائلا : (اللهم اني لم أرد بذلك الا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم ، واجتهدت لهم رأيا فوليت عليهم خيرهموأقواهم عليهم ) ثم أخذ البيعة العامة له بالمسجد اذ خاطب المسلمين قائلا : (أترضون بمن أستخلف عليكم ؟ فوالله ما آليـت من جهـد الرأي ، ولا وليت ذا قربى ،واني قد استخلفـت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا ) فرد المسلمون : (سمعناوأطعنا) وبايعوه سنة ( 13 هـ )

انجازاته

استمرت خلافته عشر سنين تم فيها كثير منالانجازات المهمةلهذا وصفه ابن مسعود -رضي الله عنه- فقال : ( كان اسلام عمر فتحا، وكانت هجرته نصرا ، وكانت إمامته رحمه ، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي الىالبيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا) فهو أول منجمع الناس لقيام رمضان في شهر رمضان سنة ( 14 هـ ) ، وأول من كتب التاريخ من الهجرةفي شهر ربيع الأول سنة ( 16 هـ ) ، وأول من عسّ في عمله ، يتفقد رعيته في الليل وهوواضع الخراج ، كما أنه مصّـر الأمصار ، واستقضـى القضـاة ، ودون الدواويـن ، وفرضالأعطيـة ، وحج بالناس عشر حِجَـجٍ متواليـة ، وحج بأمهات المؤمنين في آخر حجةحجها
وهدم مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وزاد فيه ، وأدخل دار العباس بنعبد المطلب فيما زاد ، ووسّعه وبناه لمّا كثر الناس بالمدينة ، وهو أول من ألقىالحصى في المسجد النبوي ، فقد كان الناس إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نفضوا أيديهم ،فأمر عمر بالحصى فجيء به من العقيق ، فبُسِط في مسجد الرسول -صلى الله عليوسلم-
وعمر -رضي الله عنه- هو أول من أخرج اليهود وأجلاهم من جزيرة العربالى الشام ، وأخرج أهل نجران وأنزلهم ناحية الكوفة

الفتوحات الإسلامية

لقد فتح الله عليه في خلافته دمشق ثم القادسيةحتى انتهى الفتح الى حمص ، وجلولاء والرقة والرّهاء وحرّان ورأس العين والخابورونصيبين وعسقلان وطرابلس وما يليها من الساحل وبيت المقدس وبَيْسان واليرموكوالجابية والأهواز والبربر والبُرلُسّ وقد ذلّ لوطأته ملوك الفرس والروم وعُتاةالعرب حتى قال بعضهم : ( كانت درَّة عمر أهيب من سيف الحجاج )

هَيْـبَتِـه و تواضعه

وبلغ -رضي الله عنه- من هيبته أن الناس تركواالجلوس في الأفنية ، وكان الصبيان إذا رأوه وهم يلعبون فرّوا ، مع أنه لم يكنجبّارا ولا متكبّرا ، بل كان حاله بعد الولاية كما كان قبلها بل زاد تواضعه ، وكانيسير منفردا من غير حرس ولا حُجّاب ، ولم يغرّه الأمر ولم تبطره النعمة

استشهاده

كان عمر -رضي الله عنه- يتمنى الشهادة في سبيلالله ويدعو ربه لينال شرفها : ( اللهم أرزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلدرسولك) وفي ذات يوم وبينما كان يؤدي صلاة الفجر بالمسجد طعنه أبو لؤلؤة المجوسي (غلاما للمغيرة بن شعبة ) عدة طعنات في ظهره أدت الى استشهاده ليلة الأربعاء لثلاثليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة ولما علم قبل وفاته أن الذيطعنه ذلك المجوسي حمد الله تعالى أن لم يقتله رجل سجد لله تعالى سجدة ودفن الىجوار الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في الحجرةالنبوية الشريفة الموجودة الآن في المسجد النبوي في المدينة المنورة


مجرد إنسان 02-27-17 01:42 AM



عثمان بن عفان

نسبه


هو عثمان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب‏.‏ يجتمع نسبه مع الرسول ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ في الجد الخامس من جهة أبيه‏‏‏.‏ عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، فهو قرشي أموي يجتمع هو والنبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ في عبد مناف، وهو ثالث الخلفاء الراشدين‏.‏
وأمه أروى بنت كريز وأم أروى البيضاء بنت عبد المطلب عمة الرسول ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ
ويقال لعثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ‏:‏ ‏(‏ذو النورين‏) لأنه تزوج رقية، وأم كلثوم، ابنتيَّ النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏.‏ ولا يعرف أحد تزوج بنتيَّ نبي غيره


اسلامه

أسلم عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ في أول الإسلام قبل دخول رسول اللَّه دار الأرقم، وكانت سنِّه قد تجاوزت الثلاثين، دعاه أبو بكر إلى الإسلام فأسلم، ولما عرض أبو بكر عليه الإسلام قال له‏:‏ ويحك يا عثمان واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، هذه الأوثان التي يعبدها قومك، أليست حجارة صماء لا تسمع، ولا تبصر، ولا تضر، ولا تنفع‏؟‏ فقال‏:‏ بلى، واللَّه إنها كذلك، قال أبو بكر‏:‏ هذا محمد بن عبد اللَّه قد بعثه اللَّه برسالته إلى جميع خلقه، فهل لك أن تأتيه وتسمع منه‏؟‏ فقال‏:‏ نعم‏.‏
وفي الحال مرَّ رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ فقال‏:‏ ‏(‏يا عثمان أجب اللَّه إلى جنته فإني رسول اللَّه إليك وإلى جميع خلقه‏)‏‏.‏ قال ‏:‏ فواللَّه ما ملكت حين سمعت قوله أن أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمد رسول عبده ورسوله، ثم لم ألبث أن تزوجت رقية‏.‏ وكان يقال‏:‏ أحسن زوجين رآهما إنسان، رقية وعثمان‏.‏ كان زواج عثمان لرقية بعد النبوة لا قبلها،
زواجه من ابنتى رسول الله
رقية بنت رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، وأمها خديجة، وكان رسول اللَّه قد زوَّجها من عتبة بن أبي لهب، وزوَّج أختها أم كلثوم عتيبة بن أبي لهب، فلما نزلت‏:‏ ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)‏.‏ قال لهما أبو لهب وأمهما ـ أم جميل بنت حرب(حمالة الحطب) فارقا ابنتَي محمد، ففارقاهما قبل أن يدخلا بهما كرامة من اللَّه تعالى لهما، وهوانًا لابني أبي لهب، فتزوج عثمان بن عفان رقية بمكة، وهاجرت معه إلى الحبشة، وولدت له هناك ولدًا فسماه‏:‏ ‏"‏عبد اللَّه‏"‏، وكان عثمان يُكنى به ولما سار رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ إلى بدر كانت ابنته رقية مريضة، فتخلَّف عليها عثمان بأمر رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فتوفيت يوم وصول زيد بن حارثة


زوجته أم كلثوم

بنت رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، وأمها خديجة، وهي أصغر من أختها رقية، زوَّجها النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ من عثمان بعد وفاة رقية، وكان نكاحه إياها في ربيع الأول من سنة ثلاث، وبنى بها في جمادى الآخرة من السنة، ولم تلد منه ولدًا، وتوفيت سنة تسع وصلى عليها رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم
وروى سعيد بن المسيب أن النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ رأى عثمان بعد وفاة رقية مهمومًا لهفانا‏.‏ فقال له‏:‏ ‏ما لي أراك مهمومًا‏‏ ‏؟‏
فقال‏:‏ يا رسول اللَّه وهل دخل على أحد ما دخل عليَّ ماتت ابنة رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ التي كانت عندي وانقطع ظهري، وانقطع الصهر بيني وبينك‏.‏ فبينما هو يحاوره إذ قال النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏هذا جبريل عليه السلام يأمرني عن اللَّه عز وجل أن أزوجك أختها أم كلثوم على مثل صداقها، وعلى مثل عشرتها‏)


صفاته

وكان ـ رضي اللَّه عنه ـ أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وكان رجال قريش يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمور لعلمه، وتجاربه، وحسن مجالسته، وكان شديد الحياء، ومن كبار التجار‏.‏
أخبر سعيد بن العاص أن عائشة ـ رضي اللَّه عنها ـ وعثمان حدثاه‏:‏ أن أبا بكر استأذن النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة فأذن له وهو كذلك، فقضى إليه حاجته، ثم انصرف‏.‏ ثم استأذن عمر فأذن له، وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته، ثم انصرف‏.
ثم استأذن عليه عثمان فجلس وقال لعائشة‏:‏ ‏(‏اجمعي عليك ثيابك‏)‏ فقضى إليه حاجته، ثم انصرف‏.
قالت عائشة‏:‏ يا رسول اللَّه لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان‏!‏ قال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏‏إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال لا يُبلغ إليّ حاجته‏‏
وقال الليث‏:‏ قال جماعة من الناس‏:‏ ‏‏ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة‏‏
و كان لا يوقظ نائمًا من أهله إلا أن يجده يقظان فيدعوه فيناوله وضوءه، وكان يصوم ‏، ويلي وضوء الليل بنفسه‏.‏ فقيل له‏:‏ لو أمرت بعض الخدم فكفوك، فقال‏:‏ لا، الليل لهم يستريحون فيه‏.‏ وكان ليَّن العريكة، كثير الإحسان والحلم‏.‏ قال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏( أصدق أمتي حياءً عثمان‏ )
وهو أحد الستة الذين توفي رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وهو عنهم راضٍ، وقال عن نفسه قبل قتله‏:‏ ‏"‏واللَّه ما زنيت في جاهلية وإسلام قط‏"‏‏.


تبشيره بالجنة

قال‏:‏ كنت مع رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ في حديقة بني فلان والباب علينا مغلق إذ استفتح رجل فقال النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏يا عبد اللَّه بن قيس، قم فافتح له الباب وبشَّره بالجنة‏ فقمت، ففتحت الباب فإذا أنا بأبي بكر الصدِّيق فأخبرته بما قال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فحمد اللَّه ودخل وقعد،
ثم أغلقت الباب فجعل النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ينكت بعود في الأرض فاستفتح آخر فقال‏:‏ يا عبد اللَّه بن قيس قم فافتح له الباب وبشَّره بالجنة، فقمت، ففتحت، فإذا أنا بعمر بن الخطاب فأخبرته بما قال النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فحمد اللَّه ودخل، فسلم وقعد، وأغلقت الباب
فجعل النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ينكت بذلك العود في الأرض إذ استفتح الثالث الباب فقال النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ: يا عبد اللَّه بن قيس، قم فافتح الباب له وبشره بالجنة على بلوى تكون فإذا عثمان، فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله، ثم قال: الله المستعان‏


بيعة الرضوان

في الحديبية دعا رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال‏:‏ يا رسول اللَّه إني أخاف قريشًا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكني أدلّك على رجل أعز بها مني، عثمان بن عفان، فدعا رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ عثمان بن عفان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحربهم وأنه إنما جاء زائرًا لهذا البيت ومعظَّمًا لحرمته‏.‏
فخرج عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص فحمله بين يديه، ثم أجاره حتى بلَّغ رسالة رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏.‏ فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ما أرسله به، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ إليهم‏:‏ إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال‏:‏ ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، واحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول اللَّه والمسلمين أن عثمان بن عفان قد قتل،ولما لم يكن قتل عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ محققًا، بل كان بالإشاعة بايع النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ عنه على تقدير حياته‏.‏ وفي ذلك إشارة منه إلى أن عثمان لم يُقتل، وإنما بايع القوم أخذًا بثأر عثمان جريًا على ظاهر الإشاعة تثبيتًا وتقوية لأولئك القوم، فوضع يده اليمنى على يده اليسرى وقال‏:‏ ‏اللَّهم هذه عن عثمان في حاجتك وحاجة رسولك‏.


اختصاصة بكتابة الوحى

عن فاطمة بنت عبد الرحمن عن أمها أنها سألت عائشة وأرسلها عمها فقال‏:‏ إن أحد بنيك يقرئك السلام ويسألك عن عثمان بن عفان فإن الناس قد شتموه فقالت‏:‏ لعن اللَّه من لعنه، فواللَّه لقد كان عند نبي اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وأن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ لمسند ظهره إليَّ، وأن جبريل ليوحي إليه القرآن، وأنه ليقول له‏:‏ اكتب يا عثيم فما كان اللَّه لينزل تلك المنزلة إلا كريمًا
على اللَّه ورسوله‏.‏ أخرجه أحمد وأخرجه الحاكم وقال‏:‏ ‏‏قالت‏:‏ لعن اللَّه من لعنه، لا أحسبها قالت‏:‏ إلا ثلاث مرات، لقد رأيت رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وهو مسند فخذه إلى عثمان، وإني لأمسح العرق عن جبين رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، وأن الوحي لينزل عليه وأنه ليقول‏:‏ اكتب يا عثيم، فواللَّه ما كان اللَّه لينزل عبدًا من نبيه تلك المنزلة إلا كان عليه كريمًا‏
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال‏:‏ كان رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ إذا جلس جلس أبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعثمان بين يديه، وكان كَاتبَ سر رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏.‏


جيش العسرة

يقال لغزوة تبوك غزوة العُسرة، مأخوذة من قوله تعالى‏:‏ ِ ‏ لَقَد تَّابَ الله عَلَىالنَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَة
ندب رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ الناس إلى الخروج وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك، وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستنفرهم وأمر الناس بالصدقة، وحثهم على النفقة والحملان، فجاءوا بصدقات كثيرة، فكان أول من جاء أبو بكر الصدِّيق ـ رضي اللَّه عنه ـ، فجاء بماله كله 40‏.‏4000 درهم فقال له ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏‏هل أبقيت لأهلك شيئًا‏؟‏‏‏ قال‏:‏ أبقيت لهم اللَّه ورسوله‏.‏ وجاء عمر ـ رضي اللَّه عنه ـ بنصف ماله فسأله‏:‏ ‏‏هل أبقيت لهم شيئًا‏؟‏‏ ‏قال‏:‏ نعم، نصف مالي
وجهَّز عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ ثلث الجيش جهزهم بتسعمائة وخمسين بعيرًا وبخمسين فرسًا‏.‏ قال ابن إسحاق‏:‏ أنفق عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها‏.‏ وقيل‏:‏ جاء عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ بألف دينار في كمه حين جهز جيش العُسرة فنثرها في حجر رسول اللَّه فقبلها في حجر وهو يقول‏:‏ ‏‏ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم‏‏‏.‏ وقال رسول اللَّه‏:‏ ‏‏من جهز جيش العُسرة فله الجنة‏‏


بئر رومة

واشترى بئر رومة من اليهود بعشرين ألف درهم، وسبلها للمسلمين‏.‏ كان رسول اللَّه قد قال‏:‏ ‏‏من حفر بئر رومة فله الجنة


توسعة المسجد النبوى

كان المسجد النبوي على عهد رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ مبنيًَّا باللبن وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئًا وزاد فيه عمرًا وبناه على بنائه في عهد رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ باللبن والجريد وأعاد عمده خشبًا، ثم غيَّره عثمان، فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والفضة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج، وجعل أبوابه على ما كانت أيام عمر ستة أبواب‏.‏


الخلافة

لقد كان عثمان بن عفان أحد الستة الذين رشحهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لخلافته فقد أوصى بأن يتم اختيار أحد ستة : ( علي بن أبي طالب ، عثمان بن عفان ، طلحة بن عبيد الله ، الزبير بن العوام ، سعد بن أبي وقاص ، عبد الرحمن بن عوف ) في مدة أقصاها ثلاثة أيام من وفاته حرصا على وحدة المسلميـن ، فتشاور الصحابـة فيما بينهم ثم أجمعوا على اختيار عثمان -رضي الله عنه- وبايعـه المسلمون في المسجد بيعة عامة سنة ( 23 هـ ) ، فأصبح ثالث الخلفاء الراشدين
استمرت خلافته نحو اثني عشر عاما تم خلالها الكثير من الأعمال: نَسْخ القرآن الكريم وتوزيعه على الأمصار, توسيع المسجد الحرام, وقد انبسطت الأموال في زمنه حتى بيعت جارية بوزنها ، وفرس بمائة ألف ، ونخلة بألف درهم ، وحجّ بالناس عشر حجج متوالية


الفتوحات

فتح الله في أيام خلافة عثمان -رضي الله عنه- الإسكندرية ثم سابور ثم إفريقية ثم قبرص ، ثم إصطخر الآخرة وفارس الأولى ، ثم خو وفارس الآخرة ثم طبرستان ودرُبُجرْد وكرمان وسجستان ثم الأساورة في البحر ثم ساحل الأردن وقد أنشأ أول أسطول إسلامي لحماية الشواطيء الإسلامية من هجمات البيزنطيين


الفتنة

في أواخر عهده ومع اتساع الفتوحات الاسلامية ووجود عناصر حديثة العهد بالاسلام لم تتشرب روح النظام والطاعة ، أراد بعض الحاقدين على الاسلام وفي مقدمتهم اليهود اثارة الفتنة للنيل من وحدة المسلمين ودولتهم ، فأخذوا يثيرون الشبهات حول سياسة عثمان -رضي الله عنه- وحرضوا الناس في مصر والكوفة والبصرة على الثورة ، فانخدع بقولهم بعض من غرر به ، وساروا معهم نحو المدينة لتنفيذ مخططهم ، وقابلوا الخليفة وطالبوه بالتنازل ، فدعاهم الى الاجتماع بالمسجد مع كبار الصحابة وغيرهم من أهل المدينة ، وفند مفترياتهم وأجاب على أسئلتهم وعفى عنهم ، فرجعوا الى بلادهم لكنهم أضمروا شرا وتواعدوا على الحضور ثانية الى المدينة لتنفيذ مؤامراتهم التي زينها لهم عبدالله بن سبأ اليهودي الأصل والذي تظاهر بالاسلام


استشهاده

وفي شـوال سنة ( 35 ) من الهجرة النبوية ، رجعت الفرقة التي أتت من مصر وادعوا أن كتابا بقتل زعماء أهل مصر وجدوه مع البريد ، وأنكر عثمان -رضي الله عنه- الكتاب لكنهم حاصروه في داره ( عشرين أو أربعين يوماً ) ومنعوه من الصلاة بالمسجد بل ومن الماء ، ولما رأى بعض الصحابة ذلك استعـدوا لقتالهم وردهم لكن الخليفة منعهم اذ لم يرد أن تسيل من أجله قطرة دم لمسلم ، ولكن المتآمريـن اقتحموا داره من الخلف ( من دار أبي حَزْم الأنصاري ) وهجموا عليه وهو يقـرأ القـرآن وأكبت عليه زوجـه نائلـة لتحميه بنفسها لكنهم ضربوها بالسيف فقطعت أصابعها ، وتمكنوا منه -رضي الله عنه- فسال دمه على المصحف ومات شهيدا في صبيحة عيد الأضحى سنة ( 35 هـ ) ، ودفن بالبقيع000وكان مقتله بداية الفتنة بين المسلمين الى يومنا هذا


مجرد إنسان 02-27-17 01:45 AM




على بن أبى طالب رضي الله عنه


اسلامه

سبب إسلامه أنه دخل على النبي صلى اللّه عليه وسلم ومعه خديجة رضي اللّه عنها وهما يصليان سواء، فقال: ما هذا؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "دين اللّه الذي اصطفاه لنفسه وبعث به رسوله، فأدعوك إلى اللّه وحده لا شريك له، وإلى عبادته والكفر باللات والعزى"
فقال له عليٌّ: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلستُ بقاضٍ أمراً حتى أحدث أبا طالب.
وكره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يفشي سره قبل أن يستعلن أمره، فقال له: "يا عليّ! إن لم تُسلم فاكتم هذا".
فمكث عليٌّ ليلته، ثم إن اللّه تعالى هداه إلى الإسلام، فأصبح غادياً إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأسلم على يديه، وكان عليٌّ رضي اللّه عنه يخفي إسلامه خوفاً من أبيه، إلى أن اطلع عليه وأمره بالثبات عليه فأظهره حينئذٍ. أما أبو طالب فلم يرض أن يفارق دين آبائه، وتقول الشيعة: إنه أسلم في آخر حياته.
عن أنس بن مالك قال: بُعث النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم الاثنين، وأسلم عليٌّ يوم الثلاثاء، وهو ابن عشر سنين، وقيل: تسع، ولم يعبد الأوثان قط لصغره

ليلة الهجرة

قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمكة بعد أن هاجر أصحابه إلى المدينة، ينتظر مجيء جبريل عليه السلام وأمْرَه له يخرج من مكة بإذن اللّه له في الهجرة إلى المدينة، حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت بالنبي وأرادوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما أرادوا، أتاه جبريل عليه السلام وأمره أن لا يبيت في مكانه الذي يبيت فيه، فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب فأمره أن يبيت على فراشه ويتسجَّى بِبُرد له أخضر ففعل، ثم خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على القوم وهم على بابه. وتتابع الناس في الهجرة، وكان آخر من قدم المدينة من الناس ولم يُفتن في دينه عليّ بن أبي طالب.
ولما أمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يضطجع على فراشه قال له: إن قريشاً لم يفقدوني ما رأوك، فاضطجع على فراشه.
وكانت قريش تنظر إلى فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيرون عليه عليّاً فيظنونه النبي صلى اللّه عليه وسلم، حتى إذا أصبحوا رأوا عليه عليّاً. فقالوا: لو خرج محمد لخرج بعليٍّ معه، فحبسهم اللّه بذلك عن طلب النبي حين رأوا عليّاً.

هجرته الى المدينة

قال عليٌّ رضي اللّه عنه: "لما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة في الهجرة أمرني أن أقيم بعده حتى أؤدي ودائع كانت عنده للناس، ولذا كان يسمى الأمين، فأقمت ثلاثاً فكنت أظهر ما تغيبت يوماً واحداً.
ثم خرجت فجعلت أتبع طريق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى قدمت بني عمرو بن عوف ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مقيم، فنزلت على كلثوم بن الهِدم، وهنالك منزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم".
خرج عليّ رضي اللّه عنه قاصداً المدينة، فكان يمشي الليل ويُكمن النهار حتى قدم المدينة، فلما بلغ النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم قدومُه قال: "ادعوا لي عليّاً".
قيل: يا رسول اللّه لا يقدر أن يمشي، فأتاه النبي صلى اللّه عليه وسلم، فلما رآه اعتنقه وبكى رحمة لما بقدميه من الورم، وكانتا تقطران دماً، فتَفَل النبي صلى اللّه عليه وسلم في يديه ومسح بهما رجليه ودعا له بالعافية، فلم يشتكهما حتى استشهد رضي اللّه تعالى عنه.

ابو تراب

دخل عليٌّ على فاطمة ثم خرج من عندها فاضطجع في المسجد، ثم دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على فاطمة، فقال لها: "أين ابنُ عمك؟"
فقالت: هو ذاك مضطجع في المسجد، فجاءه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فوجده قد سقط رداؤه عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول: "اجلس أبا تراب"، فواللّه ما سمَّاه به إلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وواللّه ما كان له اسم أحبَّ إليه منه.

غزواته فى سبيل الله

شهد عليٌّ رضي اللّه عنه الغزوات مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فكان له شأن عظيم، وأظهر شجاعة عجيبة، وأعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اللواء في مواطن كثيرة.
في غزوة بدر الكبرى، كان أمام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رايتان سوداوان، إحداهما مع عليٍّ يقال لها (العقاب) والأخرى مع الأَنصار. وأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يبارز في هذه الغزوة الوليدَ بن عتبة، فبارزه وقتله وكان من أشد أعداء رسول اللّه.
وفي غزوة أحد قام طلحة بن عثمان فقال: يا معشر أصحاب محمد! إنكم تزعمون أن اللّه يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة، فهل منكم أحد يعجله اللّه بسيفي إلى الجنة، أو يعجلني بسيفه إلى النار؟؟
فقام إليه عليٌّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه فقال: والذي نفسي بيده، لا أفارقك حتى أعجلك بسيفي إلى النار، أو تعجلني بسيفك إلى الجنة، فضربه عليٌّ فقطع رجله فسقط فانكشفت عورته.
فقال: أنشدك اللّه والرحم يا ابن عم، فتركه، فكبَّر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقال لعليٍّ أصحابُه: ما منعك أن تجهز عليه؟ قال: إن ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته فاستحييتُ منه.
وفي غزوة خيبر أعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اللواء عمر بن الخطاب ونهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يجبنه أصحابه ويجبنهم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لأعطين اللواء غداً رجلاً يحب اللّه ورسوله، ويحبه اللّه ورسوله" فلما كان من الغد تطاول لها أبو بكر وعمر فدعا عليّاً، وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه اللواء
وأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليّاً والزبير بن العوام في أثر المرأة التي أعطاها حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى قريش وذلك لمَّا أجمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المسير إلى مكة. فخرجا وأدركاها بالحليفة فاستنزلاها فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئاً. فقال لها عليُّ بن أبي طالب: إني أحلف ما كذب رسول اللّه، ولا كذبنا، ولتُخْرِجِنَّ إليَّ هذا الكتاب أو لنكشفنك، فلما رأت الجدَّ منه، قالت: أعرض عني، فأعرض عنها. فحلَّت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منه. فدفعته إليه، فجاء به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
وكان عليٌّ رضي اللّه عنه ممن ثبت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة حنين حين انهزم المسلمون كما ثبت في غزوة أحد، وفي غزوة تبوك خلَّف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب على أهله وأمره بالإقامة فيهم. فأرجف المنافقون بعليٍّ وقالوا: ما خلَّفه إلا استثقالاً له وتخففاً منه. فلما قال ذلك المنافقون أخذ عليٌّ سلاحه، ثم خرج حتى أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو بالجُرْف - موضع على ثلاثة أميال من المدينة - فقال: يا نبيَّ اللّه زعم المنافقون أنك لمَّا خلفتني أنك استثقلتني وتخففت مني. فقال: "كذبوا ولكني إنما خلفتك لما ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك. أفلا ترضى يا عليّ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، ألا أنه لا نبيّ بعدي"فرجع عليٌّ إلى المدينة ومضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على سفره.

منزلته عند رسول الله

من الاحاديث التى وردت فى فضل على بن أبى طالب كرم الله وجهه
"اللّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه".‏
" عليٌّ مني وأنا من عليٍّ"
"أنت أخي في الدنيا والآخرة"
"من آذى عليّاً فقد آذاني".
"من أحب عليّاً فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب اللّه، ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض اللّه"‏
"عليٌّ مع القرآن، والقرآن مع عليٍّ، لا يفترقان حتى يردا الحوض"‏

قضاؤه

عن أنس رضي اللّه عنه، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "أقْضَى أمَّتي عليٌّ". وعن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: أقضانا عليُّ بن أبي طالب.
وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعليٍّ: "تختصم الناسَ بسبع، ولا يحاجك أحد من قريش، أنت أولهم إيماناً باللّه، وأوفاهم بعهد اللّه، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند اللّه مزية".
عن عليٍّ رضي اللّه عنه قال: بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى اليمن قاضياً وأنا حديث السنِّ. فقلت: يا رسول اللّه تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث ولا علم لي بالقضاء.
قال: "إن اللّه سيَهدي لسانك، ويثبت قلبك".
قال: فما شككت في قضاء بين اثنين. وفي رواية: "إن اللّه يثبت لسانك، ويَهدي قلبك" ثم وضع يده على فمه.
وبعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى اليمن، فوجد أربعة وقعوا في حفرة حفرت ليصطاد فيها الأسد، سقط أولاً رجل فتعلق بآخر، وتعلق الآخر بآخر حتى تساقط الأربعة فجرحهم الأسد وماتوا من جراحته، فتنازع أولياؤهم حتى كادوا يقتتلون. فقال عليٌّ: أنا أقضي بينكم فإن رضيتم فهو القضاء، وإلاَّ حجزت بعضكم عن بعض حتى تأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليقضي بينكم. اجمعوا من القبائل التي حفروا البئر ربع الدية وثلثها ونصفها ودية كاملة، فللأول ربع الدية لأنه أهلك من فوقه، وللذي يليه ثلثها لأنه أهلك من فوقه، وللثالث النصف لأنه أهلك من فوقه، وللرابع الدية كاملة، فأبوا أن يرضوا. فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلقوه عند مقام إبراهيم فقصُّوا عليه القصة. فقال: "أنا أقضي بينكم" - واحتبى ببردة - فقال رجل من القوم: إن عليّاً قضى بيننا، فلما قصوا عليه القصة أجازه.

صدقته و زهده و تواضعه

عن عمَّار بن ياسر رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعليٍّ: "إن اللّه قد زيَّنك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب منها، هي زينة الأبرار عند اللّه، الزهد في الدنيا. فجعلك لا ترزأ من الدنيا ولا ترزأ الدنيا منك شيئاً، ووصب لك المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعاً ويرضون بك إماماً"

وعن عليٍّ عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : "يا عليّ، كيف أنت إذا زهد الناس في الآخرة ورغبوا في الدنيا، وأكلوا التراث أكلاً لَمّاً، وأحبوا المال حبّاً جمّاً، واتخذوا دين اللّه دَغَلاً، ومال اللّه دُوَلاً؟"
قلت: أتركهم حتى ألحق بك إن شاء اللّه تعالى.
قال: "صدقت، اللّهم افعل ذلك به"
أذن بلال بصلاة الظهر فقام الناس يصلون فمن بين راكع وساجد وسائل يسأل. فأعطاه عليٌّ خاتمه وهو راكع فأخبر السائل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقرأ علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، الَّذِينَ يُقِيْمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُوْنَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُوْنَ}
اشترى عليٌّ رضي اللّه عنه تمراً بدرهم فحمله في ملحفته فقيل له: يا أمير المؤمنين ألا نحمله عنك؟ قال: أبو العيال أحق بحمله.
وعوتب في لباسه، فقال: ما لكم وللباسي! هذا هو أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدي به المسلم

خلافته

لما استشهد عثمان -رضي الله عنه- سنة ( 35 هـ ) بايعه الصحابة والمهاجرين و الأنصار وأصبح رابع الخلفاء الراشدين ، يعمل جاهدا على توحيد كلمة المسلمين واطفاء نار الفتنة ، وعزل الولاة الذين كانوا مصدر الشكوى
ذهبت السيدة عائشة زوجة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى مكة المكرمة لتأدية العمرة في شهر محرم عام 36 هجري ، ولما فرغت من ذلك عادت الى المدينة ، وفي الطريق علمت باستشهاد عثمان واختيار علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين ، فعادت ثانية الى مكة حيث لحق بها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام -رضي الله عنهما- وطالب الثلاثة الخليفة بتوقيع القصاص على الذين شاركوا في الخروج على الخليفة عثمان -رضي الله عنه- ، وكان من رأي الخليفة الجديد عدم التسرع في ذلك ، والانتظار حتى تهدأ نفوس المسلمين ،وتستقر الأوضاع في الدولة الاسلامية ، غير أنهم لم يوافقوا على ذلك واستقر رأيهم على التوجه الى البصرة ، فساروا اليها مع أتباعهم

معركة الجمل

خرج الخليفة من المدينة المنورة على رأس قوة من المسلمين على أمل أن يدرك السيدة عائشة -رضي الله عنها- ، ويعيدها ومن معها الى مكة المكرمة ، ولكنه لم يلحق بهم ، فعسكر بقواته في ( ذي قار ) قرب البصرة ، وجرت محاولات للتفاهم بين الطرفين ولكن الأمر لم يتم ، ونشب القتال بينهم وبذلك بدأت موقعة الجمل في شهر جمادي الآخرة عام 36 هجري ، وسميت بذلك نسبة الى الجمل الذي كانت تركبه السيدة عائشة -رضي الله عنها- خلال الموقعة ، التي انتهت بانتصار قوات الخليفة ، وقد أحسن علي -رضي الله عنه- استقبال السيدة عائشة وأعادها الى المدينة المنورة معززة مكرمة ، بعد أن جهزها بكل ما تحتاج اليه ، ثم توجه بعد ذلك الى الكوفة في العراق ، واستقر بها ، وبذلك أصبحت عاصمة الدولة الاسلامية 0

مواجهة معاوية

قرر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ( بعد توليه الخلافة ) عزل معاوية بن أبي سفيان عن ولاية الشام ، غير أن معاوية رفض ذلك ، كما امتنع عن مبايعته بالخلافة ، وطالب بتسليم قتلة عثمان -رضي الله عنه- ليقوم معاوية باقامة الحد عليهم ، فأرسل الخليفة الى أهل الشام يدعوهم الى مبايعته ، وحقن دماء المسلمين ، ولكنهم رفضوا , فقرر المسير بقواته اليهم وحملهم على الطاعة ، وعدم الخروج على جماعة المسلمين ، والتقت قوات الطرفين عند ( صفين ) بالقرب من الضفة الغربية لنهر الفرات ، وبدأ بينهما القتال يوم الأربعاء (1 صفر عام 37 هجري )
وحينما رأى معاوية أن تطور القتال يسير لصالح علي وجنده ، أمر جيشه فرفعوا المصاحف على ألسنة الرماح ، وقد أدرك الخليفة خدعتهم وحذر جنوده منها وأمرهم بالاستمرار في القتال ، لكن فريقا من رجاله ، اضطروه للموافقة على وقف القتال وقبول التحكيم ، بينما رفضه فريق آخر وفي رمضان عام 37 هجري اجتمع عمر بن العاص ممثلا عن معاوية وأهل الشام ، وأبو موسى الأشعري عن علي وأهل العراق ، واتفقا على أن يتدارسا الأمر ويعودا للاجتماع في شهر رمضان من نفس العام ، وعادت قوات الطرفين الى دمشق والكوفة ، فلما حان الموعد المتفق عليه اجتمعا ثانية ، وكانت نتيجة التحكيم لصالح معاوية

الخوارج

أعلن فريق من جند علي رفضهم للتحكيم بعد أن اجبروا عليا -رضي الله عنه- على قبوله ، وخرجوا على طاعته ، فعرفوا لذلك باسم الخوارج ، وكان عددهم آنذاك حوالي اثني عشر ألفا ، حاربهم الخليفة وهزمهم في معركة النهروان عام 38 هجري ، وقضى على معظمهم ، ولكن تمكن بعضهم من النجاة والهرب وأصبحوا منذ ذلك الحين مصدر كثير من القلاقل في الدولة الاسلامية

استشهاده

اجتمع ثلاثة رجال: عبد الرحمن بن مُلجم، والبُرك بن عبد اللّه، وعمرو بن بكر التميمي فتذاكروا أمر الناس وعابوا على ولاتهم. ثم ذكروا أهل النهر فترحموا عليهم وقالوا: ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئاً. فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم فأرحنا منهم البلاد وثأرنا بهم إخواننا.
فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم عليُّ بن أبي طالب وكان من أهل مصر.
وقال البُرك بن عبد اللّه: أنا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان.
وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص.
فتعاقدوا وتواثقوا باللّه لا ينكص رجل منا عن صاحبه الذي توجَّه إليه حتى يقتله أو يموت دونه.
فأخذوا أسيافهم فسمُّوها واتعدوا لسبع عشرة تخلو من رمضان أن يثب كل واحد منهم على صاحبه الذي توجَّه إليه. وأقبل كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه الذي يطلب.
فأما ابن ملجم المرادي فكان عداده في كندة. فخرج فلقي أصحابه بالكوفة وكاتمهم أمره كراهة أن يظهروا شيئاً من أمره. فإنه رأى ذات يوم أصحاباً من تيم الرباب، وكان عليٌّ قتل منهم يوم النهر عشرة، فذكروا قتلاهم ولقي من يومه ذلك امرأة من تيم الرباب يقال لها: قَطام ابنة الشجنة وقد قتل أباها وأخاها يوم النهر، وكانت فائقة الجمال. فلما رآها التبست بعقله، ونسي حاجته التي جاء لها. ثم خطبها. فقالت: لا أتزوجك حتى تشفي لي. قال: وما يشفيك؟
قال: ثلاثة آلاف درهم وعبد وقينة وقتل عليٍّ بن أبي طالب
قال: هو مهر لك، فأما قتل عليٍّ فلا أراك ذكرته لي وأنت تريدينني.
قالت: بلى، التمس غرته؛ فإن أصبت شفيت نفسك ونفسي ويهنأك العيش معي، وإن قُتلتَ فما عند اللّه خير من الدنيا وزينتها وزينة أهلها.
قال: فواللّه ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل عليٍّ. فلك ما سألت. قالت: إني أطلب لك من يسند ظهرك ويساعدك على أمرك.
فبعثت إلى رجل من قومها من تيم الرباب يقال له: وَرْدان فكلمته، فأجابها، وأتى ابن ملجم رجلاً من أشجع يقال له: شبيب بن بَجَرة، فقال: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما ذاك؟ قال: قتل عليِّ بن أبي طالب. قال: ثكلتك أمك لقد جئت شيئاً إدّاً كيف تقدر على عليٍّ؟ قال: أكمن له في المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة. شددنا عليه فقتلناه. فإن نجونا شفينا أنفساً وأدركنا ثأرنا، وإن قُتلنا فما عند اللّه خير من الدنيا وما فيها (فقد كان ابن ملجم يحسب أنه بقتل عليٍّ يتقرَّب إلى اللّه تعالى!!).
قال: ويحك!! لو كان غير عليٍّ لكان أهون عليَّ. قد عرفت بلاءَه في الإسلام وسابقته مع النبي صلى اللّه عليه وسلم. وما أجدني أنشرح لقتله.
قال: أما تعلم أنه قتل أهل النهر العباد الصالحين؟ قال: بلى. قال: فنقتله بمن قتل من إخواننا. فأجابه، فجاءوا قَطام، وهي في المسجد الأعظم معتكفة فقالوا لها: قد أجمع رأينا على قتل عليٍّ. قالت: فإذا أردتم ذلك فأتوني.
ثم عاد إليها ابن ملجم في ليلة الجمعة التي قتل في صبيحتها عليٌّ سنة 40. فقال: هذه الليلة التي واعدت فيها صاحبيَّ أن يقتل كل واحد منا صاحبه. فدعت لهم بالحرير فعصبتم به وأخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السُّدة التي يخرج منها عليٌّ (الباب) فلما خرج ضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب أو الطاق وضربه ابن ملجم على رأسه بالسيف في قرنه ، وهرب وردان حتى دخل منزله فدخل عليه رجل من بني أبيه، وهو ينزع الحرير عن صدره. فقال: ما هذا الحرير والسيف؟ فأخبره بما كان، وانصرف فجاء بسيفه فعلا به وردان حتى قتله

وصيته عند وفاته

قد نهى رضى الله عنه عن قتل قاتله أو التمثيل به فقال
"يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون: قُتل أمير المؤمنين. قُتل أمير المؤمنين. ألا لا يُقتلن إلا قاتلي. انظر يا حسن، إن أنا متُّ من ضربته هذه، فاضربه ضربة بضربة، ولا تمثل بالرجل، فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "إياكم والمثلة ولو أنها بالكلب العقور".
وعندما هجم المسلمون على ابن ملجم ليقتلوه نهاهم علي قائلا : ( ان أعش فأنا أولى بدمه قصاصا أو عفوا ، وان مت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين ، ولا تقتلوا بي سواه ، ان الله لا يحب المعتدين ) وحينما طلبوا منه أن يستخلف عليهم وهو في لحظاته الأخيرة قال لهم : ( لا آمركم ولا أنهاكم ، أنتم بأموركم أبصر ) واختلف في مكان قبره, وباستشهاده -رضي الله عنه- انتهى عهد الخلفاء الراشدين


مجرد إنسان 02-27-17 01:49 AM



طلحة بن عبيدالله


طلحة بن عبيـد اللـه بن عثمان التيمـي القرشي المكي المدني ، أبو محمـد000
لقد كان في تجارة له بأرض بصرى ، حين لقي راهبا من خيار رهبانها ، وأنبأه أن
النبي الذي سيخرج من أرض الحرم ، قد أهل عصره ، ونصحه باتباعه وعاد الى
مكـة ليسمع نبأ الوحي الذي يأتي الصادق الأميـن ، والرسالة التي يحملها ، فسارع
الى أبي بكر فوجـده الى جانب محمد مؤمنا ، فتيقن أن الاثنان لن يجتمعا الا علـى
الحق ، فصحبه أبـو بكر الى الرسـول -صلى الله عليه وسلم- حيث أسلم وكان من
المسلمين الأوائل .



ايمانه

لقد كان طلحة -رضي الله عنه- من أثرياء قومه ومع هذا نال حظه من اضطهاد المشركين ، وهاجر الى المدينة وشهد المشاهد كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- الا غزوة بدر ، فقد ندبه النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه سعيد بن زيد الى خارج المدينة ، وعند عودتهما عاد المسلمون من بدر ، فحزنا الا يكونا مع المسلمين ، فطمأنهما النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن لهما أجر المقاتلين تماما ، وقسم لهما من غنائم بدر كمن شهدها000 وقد سماه الرسول الكريم يوم أحُد ( طلحة الخير )000وفي غزوة العشيرة ( طلحة الفياض )000ويوم حنين ( طلحة الجود )


بطولته يوم أحد

في أحد000أبصر طلحة -رضي الله عنه- جانب المعركة الذي يقف فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلقيه هدفا للمشركين ، فسارع وسط زحام السيوف والرماح الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرآه والدم يسيل من وجنتيه ، فجن جنونه وقفز أمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- يضرب المشركين بيمينه ويساره ، وسند الرسول -صلى الله عليه وسلم وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه ، ويقول أبو بكر -رضي الله عنه- عندما يذكر أحدا : ( ذلك كله كان يوم طلحة ، كنت أول من جاء الى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لي الرسول ولأبي عبيدة بن الجراح :"دونكم أخاكم000" ونظرنا ، واذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة ورمية ، واذا أصبعه مقطوعة ، فأصلحنا من شأنه )000

وقد نزل قوله تعالى :" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى
نحبه ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلا "000
تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية أمام الصحابة الكرام ، ثم أشار الى طلحة قائلا : ( من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض ، وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة )000 ما أجملها من بشرى لطلحة -رضي الله عنه- ، فقد علم أن الله سيحميه من الفتنة طوال حياته وسيدخله الجنة فما أجمله من ثواب


عطائه وجوده

وهكذا عاش طلحة -رضي الله عنه- وسط المسلمين مرسيا لقواعد الدين ، مؤديا لحقوقه ، واذا أدى حق ربه اتجه لتجارته ينميها ، فقد كان من أثرى المسلمين ، وثروته كانت دوما في خدمة الدين ، فكلما أخرج منها الشيء الكثير ، أعاده الله اليه مضاعفا ، تقول زوجته سعدى بنت عوف : ( دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما ، فسألته : ما شأنك ؟000فقال : المال الذي عندي ، قد كثر حتى أهمني وأكربني000وقلت له : ما عليك ، اقسمه000فقام ودعا الناس ، وأخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهما )000
وفي احدى الأيام باع أرضا له بثمن عال ، فلما رأى المال أمامه فاضت عيناه من الدمع وقال : ( ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري مايطرق من أمر ، لمغرور بالله )000فدعا بعض أصحابه وحملوا المال معه ومضى في الشوارع يوزعها حتى أسحر وما عنده منها درهما000
وكان -رضي الله عنه- من أكثر الناس برا بأهله وأقاربه ، وكان يعولهم جميعا ، لقد قيل : ( كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مئونته ، ومئونة عياله )000( وكان يزوج أياماهم ، ويخدم عائلهم ، ويقضي دين غارمهم )000ويقول السائب بن زيد : ( صحبت طلحة بن عبيد الله في السفر و الحضر فما وجدت أحدا ، أعم سخاء على الدرهم ، والثوب ، والطعام من طلحة )


طلحة والفتنة

عندما نشبت الفتنة في زمن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أيد طلحة حجة المعارضين لعثمان ، وزكى معظمهم فيما ينشدون من اصلاح ، ولكن أن يصل الأمر الى قتل عثمان -رضي الله عنه- ، لا000لكان قاوم الفتنة ، وما أيدها بأي صورة ، ولكن ماكان كان ، أتم المبايعة هو والزبير لعلي -رضي الله عنهم جميعا- وخرجوا الى مكة معتمرين ، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان000
وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري 000طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة : ( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟)000ثم قال للزبير : ( يا زبير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا زبير ، الا تحب عليا ؟؟000فقلت : ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟000فقال لك : يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم )000 فقال الزبير : ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك )


الشهادة

وأقلع طلحـة و الزبيـر -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في هذه الحرب ، ولكن دفعـا حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا ، فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته 000
وبعد أن انتهى علي -رضي الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات أنهاها قائلا : ( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمـان من الذين قال الله فيهم : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين )000ثم نظر الى قبريهما وقال : ( سمعت أذناي هاتان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : ( طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة )


قبر طلحة

لمّا قُتِلَ طلحة دُفِنَ الى جانب الفرات ، فرآه حلماً بعض أهله فقال : ( ألاّ تُريحوني من هذا الماء فإني قد غرقت )000قالها ثلاثاً ، فأخبر من رآه ابن عباس ، فاستخرجوه بعد بضعة وثلاثين سنة ، فإذا هو أخضر كأنه السِّلْق ، ولم يتغير منه إلا عُقْصته ، فاشتروا له داراً بعشرة آلاف ودفنوه فيها ، وقبره معروف بالبصرة ، وكان عمره يوم قُتِلَ ستين سنة وقيل أكثر من ذلك


مجرد إنسان 02-27-17 01:54 AM



الزبير بن العوام رضي الله عنه


مقدمة هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي. ولد سنة 28 قبل الهجرة.
أبو عبد الله حواري رسول صلي الله عليه وسلمِ فعَنْ جَابِر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ" يَوْمَ الْأَحْزَابِ قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ" قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْر. (1)
وهو ابن عمة رسول الله ( صفية بنت عبد المطلب)، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى بعد مقتل عمر.
دعاه الصديق رضي الله عنه للإسلام، فكان من أوائل من أسلموا اسلم بمكة قديما وكان عمره حينئذ 12 سنة، وتربى تربية قاسية،وعذبه قومه حتى يرجع عن دينه، فقد كان عم الزبير يعلقه في حصير، ويدحض عليه ليرجع إلى الكفر، فيقول: لا أكفر أبدا، وقال الزبير بن بكار في كتاب النسب:حدثني عمى مصعب، عن جدي عبد الله بن مصعب، أن العوام لما مات كان نوفل بن خويلد يلي ابن أخيه الزبير، وكانت صفية تضربه وهو صغير، وتغلظ عليه فعاتبها نوفل،وقال:ما هكذا يضرب الولد،إنك لتضربينه ضرب مبغضة،فرجزت به صفية.


هجرته رضي الله عنه كان من المهاجرين بدينهم إلى الحبشـة..

تزوج " أسماء" بنت أبي بكر رضي الله عنهم: عن مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ فِي الْأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلَا مَمْلُوكٍ وَلَا شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَسْتَقِي الْمَاءَ وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنْ الْأَنْصَارِ وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ إِخْ إِخْ لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي قَدْ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى فَجِئْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلْتُ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى رَأْسِي النَّوَى وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَنَاخَ لِأَرْكَبَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ فَقَالَ وَاللَّهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ قَالَتْ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ تَكْفِينِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي
. وهاجرا إلى المدينة، فولدت له أول مولود للمسلمين في المدينة ( عبد الله بن الزبير)، ثم مصعب


قلة روايته للحديث:

كان رضي الله عنه حريصًا على ملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لم يرو الكثير من الأحاديث فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا لِي لَا أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَسْمَعُ ابْنَ مَسْعُودٍ وَفُلَانًا وَفُلَانًا قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَكِنِّي سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ
كما كان أول من سل سيفًا في سبيل الله: عن عروة وابن المسيب قالا:أول رجل سل سيفه فى الله الزبير،وذلك أن الشيطان نفخ نفخة،فقال:اخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) أقبل الزبير يشق الناس بسيفه،النبي صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة.


شهد المشاهد كلها مع رسول الله...

في غزوة بـدر كان الزبير أحد مغاوير الإسلام وأبطاله فى يوم الفرقان،وكان على الميمنة،وقد قتل الزبير في هذا اليوم العظيم عبيدة بن سعيد بن العاص،كما قتل السائب بن أبى السائب بن عابد،ونوفل بن خويلد بن أسد عمه.وفل فلة في سيفه وجرح جرحين غائرين،بأبي وأمي فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه، من نزلت بسيماه الملائكة في يوم بدر، وجمع
عن عروة بن الزبير قال: كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء فنزل جبريل على سيماء الزبير.وفى هذا يقول عامر بن صالح بن عبد الله بن الزبير:
جدي ابن عمة أحمد ووزيره عند البلاء وفارس الشقراء
وغداة بدر كان أول فارس شهد الوغى في اللامة الصفراء
نزلت بسيماه الملائك نصرة بالحوض يوم تألب الأعداء
عن الزبير قال:لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص،وهو مدجج لا يرى إلا عيناه وكان يكنى:أبا ذات الكرش،فحملت عليه بالعنزة،فطعنته فى عينه،فمات.فأخبرت أن الزبير قال:لقد وضعت رجلي عليه،فكان الجهد أن نزعتها –يعنى الحربة،فلقد انثنى طرفها. رواه البخاري
وثبت مع رسول الله يوم أحـد: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ قَالَتْ لِعُرْوَةَ يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ أَبَوَاكَ مِنْهُمْ الزُّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا قَالَ مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا قَالَ كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ.البخاري


وفي يوم قريظـة: جمع له رسول الله بين أبويه.:

عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الزُّبَيْرِ قَالَ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَقَالَ بِأَبِي وَأُمِّي قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حواريه ( في الحديث الذي تقدم ذكـره )
وكان ـ رضي الله عنه ـ حامل راية المسلمين في فتح مكة، أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل في بعض الناس من كـدى ففعل، وكان على المجنبة اليسرى من الجيش...
الزبير يوم حنين ولما انهزمت هوازن في حنين وقف ملكهم مالك بن عوف النصري على ثنية مع طائفة من اصحابه فقال قفوا حتى تجوز ضعفاؤكم وتلحق أخراكم قال ابن إسحاق فبلغني أن خيلا طلعت ومالك وأصحابه على الثنية فقال لأصحابه ماذا ترون قالوا نرى قوما واضعي رماحهم بين آذان خيلهم طويلة بوادهم فقال هؤلاء بنو سليم ولا بأس عليكم منهم فلما أقبلوا سلكوا بطن الوادي ثم طلعت خيل أخرى تتبعها فقال لأصحابه ماذا ترون قالوا نرى قوما عارضي رماحهم إغفالا على خيلهم فقال هؤلاء الأوس والخزرج ولا بأس عليكم منهم فلما انتهوا إلى أصل الثنية سلكوا طريق بني سليم ثم طلع فارس فقال لأصحابه ماذا ترون فقالوا نرى فارسا طويل الباد واضعا رمحه على عاتقه عاصبا رأسه بملاءة حمراء قال هذا الزبير بن العوام وأقسم باللات ليخالطنكم فأثبتوا له فلما انتهى الزبير الى اصل الثنية أبصر القوم فصمد لهم فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغنائم فجمعت من الإبل والغنم والرقيق وأمر أن تساق إلى الجعرانة فتحبس هناك قال ابن إسحاق وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الغنائم مسعود بن عمرو الغفاري (1)


من أخلاقـه رضي الله عنه كان وقافًا عند أوامر رسول الله:

عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ فَأَبَى عَلَيْهِ فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ أَسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ.(1)
كان توكله على الله منطلق جوده وشجاعته وفدائيته، وحين كان يجود بروحه أوصى ولده عبد الله بقضاء ديونه قائلا: ( إذا أعجزك دين، فاستعن بمولاي )...وسأله عبد الله: ( أي مولى تعني؟)... فأجابه: ( الله، نعم المولى ونعم النصير )...يقول عبدا لله فيما بعد: ( فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقضي دينه، فيقضيه )...

ومما روى عن رسول الله:

عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لَا حَالِقَةُ الشَّعَرِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ.(أحمد


موقعة الجمل... واستشهاده:

بعد استشهاد عثمان بن عفان أتم المبايعة الزبير و طلحة لعلي -رضي الله عنهم جميعا- وخرجوا الى مكة معتمرين، ومن هناك خرجوا الى البصرة للأخذ بثأر عثمان، وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري... طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر، وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة، وصاح بطلحة: ( يا طلحة، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها، وخبأت عرسك في البيت؟)0ثم قال للزبير: ( يا زبير: نشدتك الله، أتذكر يوم مر بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان كذا، فقال لك: يا زبير، الا تحب عليا؟؟0فقلت: ألا أحب ابن خالي، وابن عمي، ومن هو على ديني؟؟...فقال لك: يا زبير، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم )... فقال الزبير: ( نعم أذكر الآن، وكنت قد نسيته، والله لا أقاتلك )...
وأقلع طلحة و الزبير -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في هذه الحرب، ولكن دفعا حياتهما ثمنا لانسحابهما، و لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته...
الشهادة لمّا كان الزبير بوادي السباع نزل يصلي فأتاه ابن جرموز من خلفه فقتله و سارع قاتل الزبير إلى علي يبشره بعدوانه على الزبير ويضع سيفه الذي استلبه بين يديه، لكن عليا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن وأمر بطرده قائلا: ( بشر قاتل ابن صفية بالنار )...وحين أدخلوا عليه سيف الزبير قبله الإمام وأمعن في البكاء وهو يقول: ( سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله )...
وبعد أن انتهى علي -رضي الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات أنهاها قائلا: ( إني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمان من الذين قال الله فيهم: ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين )...ثم نظر إلى قبريهما وقال: ( سمعت أذناي هاتان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( طلحة و الزبير، جاراي في الجنة )...0
قتل الزبير بن العوام في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين من الهجرة،وله ست أو سبع وستون سنة


مجرد إنسان 02-27-17 01:56 AM




سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه

فضائله:

1- أول من رمي بسهم في سبيل الله . سعد بن أبي وقاص كما يقول أبو نعيم في الحلية : (قديم السبق) وقد مجد القرآن هذا السبق .. الم يقل ربنا : (( والسابقون السابقون * أولئك المقربون )) ؟!
2- عن جابر رضي الله عنه قال : أقبل سعد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: {هذا خالي ، فليرني امرؤ خاله} وإنما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك لان سعداً زهري (أي من قبيلة زهرة) وأم رسول الله صلى الله عليه و سلم زهرية ، وسعد ابن عمها. وفي اعتزاز رسول الله صلى الله عليه و سلم بسعد دلالة كبيرة على ما يتمتع به سعد من صفات كريمة وإيمان قوي .
3- جاء في الحلية عن قيس بن أبي حاز قال : سمعت سعدا يقول {لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلموما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى يضع أحدنا كما تضع الشاة} لقد كانوا يأكلون ورق الشجر حتى قرحت أشداقهم ! ولكنهم مروا بالتجربة وخرجوا منها سالمين وكما يفتن المؤمن بالضراء يفتن بالسراء.
4- نزل في سعد آيات من القرآن الكريم تؤكد إيمانه وصدقه ويقينه .. منها ما رواه مصعب بن سعد قال : حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب ..
قالت : زعمت أن الله وصاك بوالديك وأنا أمك وأنا آمرك بهذا ، قال : مكثت أمي ثلاثا حتى غشي عليها من الجهد .. فقام ابن لها يقال له عمارة ، فسقاها ، فجعلت تدعو على سعد إلا أنه لم يتخل عن دينه .. وقال لها : يا أماه لو كان لك ألف نفس ، فخرجت نفسا نفسا ، ما تركت ديني لهذا الشيء .. فلما رأت ذلك أكلت وشربت فأنزل الله عزل وجل في القرآن هذه الآية ((ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما)) [العنكبوت آية 8] .
وأنزل أيضا : ((ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب الي)) [لقمان آية 14 – 15].


مجرد إنسان 02-27-17 02:00 AM




عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه


فضائله:

أحد العشرة المبشرين بالجنة.
عبد الرحمن بن عوف أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، عرض عليه أبو بكر الإسلام فما غُـمَّ عليه الأمر ولا أبطأ، بل سارع إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبايعه وفور إسلامه حمل حظـه من اضطهاد المشركين، هاجر إلى الحبشة الهجـرة الأولى والثانيـة، كما هاجر إلى المدينـة مع المسلميـن وشهـد المشاهد كلها، فأصيب يوم أُحُد بعشريـن جراحا إحداها تركت عرجا دائما في ساقه، كما سقطت بعـض ثناياه فتركت هتما واضحا في نطقه وحديثه.


2- التجارة:

كان -رضي الله عنه- محظوظا بالتجارة إلى حد أثار عَجَبه فقال: { لقد رأيتني لو رفعت حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا}.
وكانت التجارة عند عبد الرحمن بن عوف عملاً وسعياً لا لجمع المال ولكن للعيش الشريف، وهذا ما نراه حين آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ربيع،فقال سعد لعبد الرحمن:{ أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا، فانظر شطر مالي فخذه، وتحتي امرأتان، فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلّقها وتتزوجها }.
فقال عبد الرحمن: { بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلوني على السوق } وخرج إلى السوق فاشترى وباع وربح


3- لاينسى حق الله:

كانت تجارة عبد الرحمن بن عوف ليست له وحده، وإنما لله والمسلمون حقا فيها، فقد سمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول يوما:{ يا بن عوف إنك من الأغنياء، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا، فأقرض الله يُطلق لك قدميك }.
ومنذ ذاك الحين وهو يقرض الله قرضـا حسنا، فيضاعفـه الله له أضعافـا، فقد باع يوما أرضا بأربعين ألف دينار فرّقها جميعا على أهله من بني زُهرة وأمهات المسلمين وفقراء المسلمين،وقدّم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام، ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة، وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، وأربعمائة دينار لكل من بقي ممن شهدوا بدرا حتى وصل للخليفة عثمان نصيبا من الوصية فأخذها وقال:{ أن مال عبد الرحمن حلال صَفْو، وإن الطُعْمَة منه عافية وبركة}.
وبلغ من جود عبد الرحمن بن عوف أنه قيل: {أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله، ثُلث يقرضهم، وثُلث يقضي عنهم ديونهم، وثلث يصِلَهم ويُعطيهم}.
وخلّف بعده ذهبُ كثير، ضُرب بالفؤوس حتى مجلت منه أيدي الرجال.


4- في أحد الأيام اقترب على المدينة ريح تهب قادمة اليها حسبها الناس عاصفة تثير الرمال، لكن سرعان ما تبين أنها قافلة كبيرة موقَرة الأحمال تزحم المدينة وترجَّها رجّا، وسألت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-:{ ما هذا الذي يحدث في المدينة؟}.
وأُجيبت أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف أتت من الشام تحمل تجارة له فَعَجِبَت أم المؤمنين:{ قافلة تحدث كل هذه الرجّة؟}.
فقالوا لها:{ أجل يا أم المؤمنين، إنها سبعمائة راحلة }.
وهزّت أم المؤمنين رأسها وتذكرت:
{ أما أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:{ رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوا }.
ووصلت هذه الكلمات إلى عبد الرحمن بن عوف، فتذكر أنه سمع هذا الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة، فحثَّ خُطاه إلى السيدة عائشة وقال لها:{ لقد ذكَّرتني بحديث لم أنسه }.
ثم قال:{ أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها وأقتابها وأحْلاسِها في سبيل الله }.
ووزِّعَت حُمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها.


5- الخوف:

وثراء عبد الرحمن -رضي الله عنه- كان مصدر إزعاج له وخوف، فقد جيء له يوما بطعام الإفطار وكان صائما، فلما وقعت عليه عيناه فقد شهيته وبكى ثم قال:{ استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني فكُـفّـن في بردة أن غطّت رأسه بدت رجلاه، وإن غطّت رجلاه بدا رأسه، واستشهد حمزة وهو خير مني، فلم يوجد له ما يُكَـفّـن فيه إلا بردة، ثم بُسِـطَ لنا في الدنيا ما بُسـط، وأعطينا منها ما أعطينا وإني لأخشى أن نكون قد عُجّلـت لنا حسناتنا }.
كما وضع الطعام أمامه يوما وهو جالس مع أصحابه فبكى، وسألوه:{ ما يبكيك يا أبا محمد؟} قال:{ لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير، ما أرانا أخّرنا لما هو خير لنا وخوفه هذا جعل الكبر لا يعرف له طريقا، فقد قيل:{ أنه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه، ما استطاع أن يميزه من بينهم}.

6- الهروب من الخلافة:

كان عبد الرحمن بن عوف من الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة لهم من بعده قائلا:{ لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض }.
وأشار الجميع إلى عبد الرحمن في أنه الأحق بالخلافة فقال:{ والله لأن تُؤخذ مُدْية فتوضع في حَلْقي، ثم يُنْفَذ بها إلى الجانب الآخر، أحب إليّ من ذلك }.
وفور اجتماع الستة لإختيار خليفة الفاروق تنازل عبد الرحمن بن عوف عن حقه الذي أعطاه إياه عمر، وجعل الأمر بين الخمسة الباقين، فاختاروه ليكون الحكم بينهم وقال له علي -كرم الله وجهه-:{ لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصفَك بأنك أمين في أهل السماء، وأمين في أهل الأرض }.
فاختار عبد الرحمن بن عوف { عثمان بن عفان } للخلافة، ووافق الجميع على إختياره.


مجرد إنسان 02-27-17 02:03 AM



أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه


يلتقي مع النبي صلى الله عليه و سلم في أحد أجداده (فهر بن مالك).
وأمه من بنات عم أبيه.
أسلمت وقتل أبوه كافرا يوم بدر.


فضائله:

1. كان رضي الله عنه طويل القامة، نحيف الجسم، خفيف اللحية.
أسلم على يد أبي بكر الصديق في الأيام الأولى للإسلام، وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية ثم عاد ليشهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- المشاهد كلها


2- غزوة بدر:

في غزوة بدر جعل أبو (أبو عبيدة) يتصدّى لأبي عبيدة، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلمّا أكثر قصدَه فقتله، فأنزل الله هذه الآية.
قال تعالى: (( لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليومِ الآخر يُوادُّون مَنْ حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءَ هُم أو أبناءَ هم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتبَ في قلوبهم الأيمان )).


3- غزوة أحد

يقول أبوبكر الصديق -رضي الله عنه-: { لما كان يوم أحد، ورمي الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر، أقبلت أسعى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا، فقلت: اللهم اجعله طاعة، حتى إذا توافينا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا هو أبوعبيدة بن الجراح قد سبقني، فقال: سألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فتركته، فأخذ أبوعبيدة بثنيته إحدى حلقتي المغفر، فنزعها وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت، فكان أبوعبيدة في الناس أثرم }.


4- غزوة الخبط:

أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- أباعبيدة بن الجراح أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشرة مقاتلا، وليس معهم من الزاد سوى جراب تمر، والسفر بعيد، فاستقبل أبوعبيدة واجبه بغبطة وتفاني، وراح يقطع الأرض مع جنوده وزاد كل واحد منهم حفنة تمر، وعندما قل التمر أصبح زادهم تمرة واحدة في اليوم، وعندما فرغ التمر راحوا يتصيدون (الخبط) أي ورق الشجر فيسحقونه ويسفونه ويشربون عليه الماء، غير مبالين إلا بإنجاز المهمة، لهذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط.


5- مكانته: أمين الأمة:

قدم أهل نجران على النبي-صلى الله عليه وسلم- وطلبوا منه أن يرسل إليهم واحدا.
فقال عليه الصلاة والسلام: { لأبعثن -يعني عليكم- أمينا حق أمين }.
فتشوف أصحابه رضوان الله عليهم يريدون أن يبعثوا لا لأنهم يحبون الإمارة أو يطمعون فيها.
ولكن لينطبق عليهم وصف النبي -صلى الله عليه و سلم- "أمينا حق أمين" وكان عمر نفسه-رضي الله عليه- من الذين حرصوا على الإمارة لهذا آنذاك.
بل صار -كما قال يتراءى- أي يري نفسه - للنبي صلى الله عليه وسلم- حرصا منه -رضي الله عنه- أن يكون أمينا حق أمين.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم- تجاوز جميع الصحابة وقال: { قم يا أبا عبيدة }
كما كان لأبي عبيدة مكانة عالية عند عمر فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يجود بأنفاسه: { لو كان أبوعبيدة بن الجراح حياً لاستخلفته فإن سألني ربي عنه، قلت: استخلفت أمين الله، وأمين رسوله }


6- معركة اليرموك

في أثناء قيادة خالد رضي الله عنه معركة اليرموك التي هزمت فيها الإمبراطورية الرومانية توفي أبوبكر الصديق -رضي الله عنه-، وتولى الخلافة بعده عمر رضي الله عنه وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالد.
وصل الخطاب إلى أبى عبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة، ثم أخبر خالدا بالأمر، فسأله خالد: { يرحمك الله أباعبيدة، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب؟}.
فأجاب أبوعبيدة: { إني كرهت أن أكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا نريد، ولا للدنيا نعمل، كلنا في الله أخوة }.
وأصبح أبوعبيدة أمير الأمراء بالشام .


7- تواضعه.

ترامى إلى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه، وانبهارهم بأمير الأمراء، فجمعهم وخطب فيهم قائلا: { يا أيها الناس، إني مسلم من قريش، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود، يفضلني بتقوى إلا وددت أني في إهابه !!}.
وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه، فقالوا له: { من؟ قال: أبوعبيدة بن الجراح }.
وأتى أبوعبيدة وعانقه أمير المؤمنين ثم صحبه إلى داره، فلم يجد فيها من الأثاث شيئا، إلا سيفه وترسه ورحله، فسأله عمر وهو يبتسم: { ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس؟}.
فأجاب أبوعبيدة: { يا أمير المؤمنين، هذا يبلغني المقيل }.


8- طاعون عمواس:

حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد "طاعون عمواس" وكان أبو عبيدة أمير الجند هناك.
فخشي عليه عمر من الطاعون.
فكتب إليه يريد أن يخلصه منه قائلا: {إذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح إلا متوجها الي.
واذا وصلك في الصباح ألا تمسي إلا متوجها الي.
فان لي حاجة إليك} وفهم أبوعبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وأنه يريد أن ينقذه من الطاعون.
فكتب إلى عمر متأدبا معتذرا عن عدم الحضور إليه وقال: { لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك وإنما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم.
فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين} ولما وصل الخطاب إلى عمر بكى.
فسأله من حوله: {هل مات أبوعبيدة؟}.
فقال: {كأن قد}.
والمعنى أنه إذا لم يكن قد مات بعد وإلا فهو صائر إلى الموت لا محالة.
إذ لا خلاص منه مع الطاعون.


مجرد إنسان 02-27-17 02:06 AM




سعيد بن زيد رضي الله عنه


نسبه:

هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبدالعزى بن العدوي، أمه فاطمة بنت بعجة بن مليح الخزاعية.. كانت من السابقين إلى الإسلام.


فضائله:

1- كان سعيد من أوائل من أسلم.. فقد أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه و سلم دار الأرقم وهاجر وشهد أحدا والمشاهد بعدها.. ولم يكن بالمدينة زمان بدر، فلذلك لم يشهدها.. ومع ذلك فقد ضرب له رسول الله صلى الله عليه و سلم بسهمه يوم بدر.. حيث كان بالشام.

2- وكان إسلامه قبل عمر وأسلم عمر في بيته.. فسعيد زوج فاطمة أخت عمر. يقول أبونعيم في الحلية: رغب عن الولاية وتشمر في الرعاية ! قمع نفسه وأخفى عن المنافسة في الدنيا شخصه ! وبلغة العصر نقول: هو جندي مجهول ! ومع هذا فقد كان أبوه "عمرو بن نفيل" ممن اعتزلوا الأصنام قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه و سلم.
لقد أعلنها صريحة مدوية في قريش: يامعشر قريش: "ما منكم اليوم أحد غيري على دين إبراهيم". قال لصاحب له اسمه عامر: "إنني انتظر نبيا من إسماعيل يبعث ولا أراني أدركه وأنا أؤمن به وأصدقه، وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدة فرأيته فأقرئه مني السلام". وقد وافاه الأجل وقريش تبني الكعبة من جديد قبل بعثة الرسول صلى الله عليه و سلم.
ذلكم هو والد سعيد.. ذلك الذي ترك لقريش أصنامها وخمرها ولهوها وراح يعبد الله على دين إبراهيم.. ويكفي أن نذكر لك أنه كان يحول دون وأد البنات فإذا رأى من يريد أن يقتل ابنته قال له: {لا تقتلها وأنا أكفيك مئونتها} فيأخذها ويرعاها حتى تكبر وعندئذ يقول لأبيها { أن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مئونتها } رواه البخاري.
ولقد جاء في أسباب النزول ما أخرجه الواحد وأبو الفرج أن الآية الشريفة من سورة الزمر التي تقول: ((والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد. الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب)) [سورة الزمر أية 17 – 18].

3- نزلت في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يوحدون الله عز وجل وهم:
1- زيد بن عمرو بن نفيل
2- وأبو ذر الغفاري
3- وسلمان الفارسي أولئك الذين هداهم الله بغير كتاب ولا نبي !

هذا هو والد سعيد.. عرف ربه وملآ الإيمان قلبه.. فإذا شابه سعيد أباه وهداه الله.. وامتدت إلى النبي يداه وبشره النبي صلى الله عليه و سلم بالجنة فهل يكون ذلك عجيبا؟
لقد كان سعيد من أوائل من أسلموا يوم أن كان المسلمون يختفون في دار الأرقم بن أبي الأرقم.. أن الكثير من الناس لا يعرفون أنه زوج أخت عمر بن الخطاب.. وأن عمر ابن عم أبيه.. وأن سعيداً وزوجته كانا السبب المباشر في إسلام عمر.
ولم يكن ممن يخاف في الله لومة لائم وكان مجاب الدعوة سبق إلى الإسلام قبل عمر ابن الخطاب رضي الله عنهما.
فكيف تم إسلام عمر على يديه؟
وكيف تسرب نور الإسلام منه إليه؟
أليس من حق سعيد علينا أن نتذكر مواقفه؟
وكيف لا وقد كان بيته منارة هادية؟

4- ولكونه أهلا للثقة وقع اختيار الرسول صلى الله عليه و سلم عليه ليقوم بمهمة حربية تتعلق بأمن الجيش الإسلامي وسلامته !!
· لقد أرسله النبي صلى الله عليه و سلم للتجسس على قريش في طريق الشام، لأن الرسول صلى الله عليه و سلم كان يخطط لغزوة بدر وهو لا يريد أن يتخذ القرار إلا بعد أن تتضح لديه الرؤية كاملة..
· أن غزوة بدر من الغزوات المصيرية باعتبارها أول لقاء بين الكفر والإيمان ! والرسول لا يريد أن يؤخذ على غرة فيحدث له ولجيشه – لا قدر الله – ما لاتحمد عقباه !
· ويكون رفيق سعيد في تلك المهمة أخوه في الله "طلحة بين عبيد الله" وتدور المعركة في غيابهما.. ويتم النصر.. ويعتبرهما النبي حاضرين في المعركة..
· ألم يقوما بمهمة عظيمة بما كان يبعثان به من أخبار أفادت جيش المسلمين وعجلت لهم النصر؟ صحيح أنه لم يظهر في الصورة ولم تسلط عليه الاضواء بل كان دائما بعيدا عن الأضواء ! فهكذا أراد لنفسه، وهكذا شاء ! وصدق الحافظ أبونعيم حيث يقول عنه في الحلية: {قمع نفسه وأخفى عن المنافسة في الدنيا شخصه}.

5- لكن الرسول صلى الله عليه و سلم عرف له قدره فبشره مع العشرة المبشرين بالجنة.. ويصبح سعيد من الخالدين ! كان للولاية قاليا (كارها) وفي مراتب الدنيا وانيا (زاهدا لايسعى إليها ولا يطلبها) نعم فمكانه في حياة الرسول صلى الله عليه و سلم كان دائما خلفه في السلم وأمامه في حروبه كلها بدءا من غزوة أحد.

6- لم يفكر يوما في ولاية أو رئاسة كل همه أن يكون في ميادين القتال ولعلك تعجب أنه عندما وقع عليه الاختيار ليتولى منصبا من مناصب الدولة طلب أن يحمل المسئولية غيره ليتفرغ للقتال فذلك ميدانه. لقد رفض أن يكون واليا لدمشق لأنه يريد أن يرزقه الله الشهادة في سبيله.. ولهذا نراه يكتب إلى أبي عبيدة بن الجراح طالبا إليه إعفاءه من منصبه.ظل سعيد الجندي المحارب حتى بلغ بضعة وسبعين عاما وعند ذلك آثر القرب من مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي فيه جميع أوقاته ويستعيد ذكريات مضت في صحبة النبي الكريم. كان أهل المدينة يرون فيه نبلا وسموا وقد كان نبيلا حقا يظفر من الجميع بمنزل حب واحترام. وكان سعيد بن زيد مجاب الدعوة. ادعت "أروى بنت أوس" أنه ظلمها وجار على أرضها وشكته إلى مروان بن الحكم أمير المدينة. قال سعيد: { أترونني ظلمتها وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: "من ظلم شبرا من أرض طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين".. ثم اتجه إلى السماء وقال: "اللهم أن كانت كاذبة فلا تمتها حتى تعمي بصرها وتجعل قبرها في بئرها". وقد كانت المرأة ظالمة حقا فاستجاب الله دعاء سعيد فلم تمت حتى ذهب بصرها ووقعت في بئر دارها فكان قبرها}! (رواه ابو نعمي في الحلية).


مجرد إنسان 02-27-17 02:09 AM




معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه


معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه {يا معاوية إنْ وُلِّيتَ أمراً فاتّقِ الله واعْدِلْ} حديث شريف.

نسبه :


معاوية بن أبي سفيان القرشيّ الأموي، ولد قبل البعثة بخمس سنين أسلم بعد الحديبيـة وكتَمَ إسلامه حتى أظهره عام الفتـح، وكان في عمرة القضاء مسلماً، كان من الكَتَبة الحَسبَة الفصحاء حليماً وقوراً عاش عشرين سنة أميراً وعشرين سنة خليفة.

إسلامه :

أسلم معاوية بن أبي سفيان قبل عُمرة القضية، ولكنه كان يخاف أن يخرج الى المدينة لأن أمه كانت تقول له: { إن خرجت قطعنا عنك القوت }.
صهر الرسول أخته أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان، دخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أم حبيبة ومعاوية عندها نائم على السرير، فقال: { من هذا يا أم حبيبة ؟}.
فقالت: { أخي معاوية يا رسول الله }.
قال: { فتُحِبِّيه ؟}.
فقالت: { إيْ والله إنّي لأحبُّه }.
فقال: { يا أم حبيبة ! فإني أحب معاوية، وأحب من يحب معاوية، وجبريل وميكائيل يُحبّان معاوية، والله أشدُّ حُبّاً لمعاوية من جبريل وميكائيل }.
خَلْقه وخُلُقه كان طويلاً أبيض أجلح وصحب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال عكـرمة لابن عباس: { إن معاوية أوتر بركعة }.
فقال: { إنه فقيه }.
قال المدائنـي: { كان زيـد بن ثابت يكتب الوحـي، وكان معاوية يكتب للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيما بينه وبين العرب، فدخل معاوية بن أبي سفيان على عمر -رضي الله عنه- وعليه حُلّة خضراء فنظر إليه الصحابة، فلما رأى ذلك عمر قام ومعه الدَّرّة فجعل ضرباً بمعاوية، ومعاوية يقول: الله الله يا أمير المؤمنين، فيمَ ؟ فيمَ ؟}.
فلم يكلمه حتى رجع فجلس في مجلسه فقالوا له: { لِمَ ضربت الفتى وما في قومك مثله ؟}.
فقال: { ما رأيت إلا خيراً، وما بلغني إلا خير، ولكني رأيته -وأشار بيده الى فوق- فأردت أن أضعَ منه }.
كان معاوية لا يُتَّهم في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان معاوية قليل الحديث عن رسول الله الكريم.
الولاية ولاه عمر بن الخطاب الشام بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان وأقره عثمان.
معاوية وعلي لم يبايع معاوية علي بن أبي طالب، وحاربه واستقل بالشام، ثم أضاف إليها مصر، ثم تسمّى بالخلافة بعد الحكمين.
ولمّا قُتِلَ علي -رضي الله عنه- سار معاوية من الشام الى العراق، فنزل بمسكن ناحية حربي { بين بغداد وتكريت }إلى أن وجّه إليه الحسن بن علي فصالحه، وقدم معاوية الكوفة، فبايع له الحسن بالخلافة واجتمع عليه الناس، فسمّي ذلك العام عام الجماعة.
وقد سُئِلَ الحارث الأعور -وكان من أصحاب علي-: { ما حمل الحسن بن عليّ على أن يُبايع لمعاوية وله الأمر ؟}.
قال: { إنه سمع علياً يقول: لا تكرهوا إمْرَة معاوية }.
معاوية والملك قال معاوية: { اتبعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوضوء فلما توضأ نظر إليّ فقال: { يا معاوية إنْ وُلِّيتَ أمراً فاتّقِ الله واعْدِلْ }.
فما زلتُ أظنُّ أنّي مُبتلِ بعمل.
قال ابن عباس: { ما رأيت أحداً أحلى للملك من معاوية }.
فملك الناس عشرين سنة، يسوسهم بالملك، يفتح الله به الفتوح، ويغزو الروم، ويقسم الفيء والغنيمة، ويقيم الحدود.
قال أبو الدرداء: { لا مدينة بعد عثمان، ولا رخاء بعد معاوية }.
معاوية والسيدة عائشة لمّا قدِم معاوية المدينة يريد الحج دخل على أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ومولاها ذكوان أبو عامر عندها فقالت له عائشة: { أمِنتَ أن أخبِّىء لك رجلاً يقتلك بقتلك أخي محمداً ؟}.
قال معاوية: { صدقتِ }.
فكلّمها معاوية فلمّا قضى كلامه، تشهدت عائشة ثم ذكرت ما بعث الله به نبيه من الهدى ودين الحق، والذي سنّ الخلفاء بعده، وحضّتْ معاوية على اتباع أمرهم، فقالت في ذلك، فلم تترِك.
فلمّا قضت مقالتها قال لها معاوية: { أنتِ والله العالمة بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-المناصحة المشفقة، البليغة الموعظة، حَضَضْتِ على الخير وأمرت به، ولم تأمرينا إلا بالذي هو لنا، وأنتِ أهلٌ أن تطاعي }.
فتكلّمت هي ومعاوية كلاماً كثيراً، فلمّا قدم معاوية اتكأ على ذكوان، قال: { والله ما سمعت خطيباً ليس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبلغ من عائشة }.
أخلاق الحاكم خطب معاوية بالناس وقد حَبَس العطاء شهرين أو ثلاثة، فقال أبو مسلم: { يا معاوية، إنّ هذا المال ليس بمالك ولا مال أبيك ولا مال أمك }.
فأشار معاوية إلى الناس أن امكثوا، فنزل ثم رجع فقال: { أيُّها الناس ! إنّ أبا مسلم ذكر أن هذا المال ليس بمالي ولا مال أبي ولا مال أمي، و صدق أبو مسلم، إني سمعت رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- يقول: { الغضبُ من الشيطان، والشيطان من النار، والماء يطفيء النار، فإذا غضب أحدكم فلْيَغتسل }.
اغْدُوا على عطائكم على بركة الله عزّ وجلّ }.
وخطب يوماً معاوية فقال: { إنّ في بيت مالكم فَضْلاً عن عطائكم، وإني قاسمٌ بينكم ذلك، فإن كان فيه قابلاً فضلٌ قسمته عليكم، وإلا فلا عَتِيبَة عليّ، فإنه ليس مالي وإنّما هو فَيء الله الذي أفاءَ عليكم }.
قال معاوية: { لا أضع لساني حيث يكفيني مالي، ولا أضع سَوْطي حيث يكفيني لساني، ولا أضع سيفي حيث يكفيني سَوْطي، فإذا لم أجد من السيف بُدّاً ركبتُهُ }.
فضله قال معاوية: { أفضلُ ما أعطي الرجلُ العقل والحِلْمَ، وإذا ذُكّرَ ذَكَرَ، وإذا أعطيَ شكر، وإذا ابتُليَ صَبَر، وإذا غضِبَ كظم، وإذا قَدَرَ غَفَرَ، وإذا أساء اسْتَغْفر، وإذا وَعَدَ أنْجَزَ }.
قال معاوية: { لا يبلغ الرجل مبلغَ الرأي حتى يَغلِبَ حِلْمُهُ جهلَهُ، وصبره شهوته، ولا يبلغ ذلك إلا بقوة الحِلْم }.
الوفاة لمّا حضرت معاوية الوفاة أوصى أن يُكفّن في قميص كساه إيّاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن يجعل ممّا يلي جسده، وكان عنده قُلامة أظفار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأوصى أن تسحق وتجعل في عينيه وفمه، وقال: { افعلوا بي، وخلّوا بيني وبين أرحم الراحمين }.
ومات معاوية في رجب سنة ستين على الصحيح.
مما قيل في معاوية سَألَ الزهري سعيد بن المسيّب عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له: { اسمعْ يا زهري، من مات محبّاً لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وشهد للعشرة بالجنة، وترحّم على معاوية، كان حقيقاً على الله عز وجل أن لا يناقشه الحساب }.
وسُئِلَ ابن مبارك عما يقوله في معاوية فأجاب: { ما أقول في رجل قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { سمع الله لمن حمده }.
فقال معاوية من خلفه: { ربَّنا ولك الحمد }.
فقيل له: { ما تقول في معاوية، هل هو عندك أفضل أم عمر بن عبد العزيز ؟}.
فقال: { لتُرابٌ في مِنْخَريّ معاوية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير من عمر بن عبد العزيز }.
وسأل رجل المعافى بن عمران فقال: { يا أبا مسعود، أين عمر بن عبد العزيز من معاوية ؟}.
فغضب من ذلك غضباً شديداً وقال: { لا يُقاس بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحد، معاوية صاحبه وصهره، وكاتبه وأمينه على وحي الله عزّ وجلّ، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: دَعوا لي أصحابي وأصهاري، فمن سبّهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين }.



مجرد إنسان 02-27-17 02:12 AM



معاذ بن جبل رضي الله عنه


معاذ بن جبل رضي الله عنه { وأَعْلَمُ أُمَّتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل } حديث شريف.

نسبه :

معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري، وكنيته أبو عبدالرحمن.

اسلامه :

أسلم وعمره ثماني عشرة سنـة عندما أسلم سعد بن معاذ -رضي الله عنه - سيد الخزرج الذي طلب من قومه أن يسلمـوا فأسلم الخزرج ومعهم معاذ -رضي اللـه عنه-.
وقدم من المدينة الى مكة لمبايعة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ليلـة العقبـة الثانية فبايعه معهم وحضر المشاهـد كلها وروى عن النبـي -صلى الله عليه وسلم- الشيء الكثير من الأحاديث النبوية.
قربه من الرسول لزم معاذ بن جبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ هجرته الى المدينة.
فأخذ عنه القرآن وتلقى شرائع الاسلام حتى صار أقرأ الصحابة لكتاب الله وأعلمهم بشرعه.
وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وحسبه شهادة له قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { استقرئـوا القرآن من أربعـة: من ابن مسعـود، وسالم مولى أبي حذيفـة، وأُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل }.
وقوله - صلى الله عليه وسلم-: { وأعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل}.
قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { يا مُعاذ، والله إني لأُحِبّك فلا تنْسَ أن تقول في عَقِب كل صلاة: اللهم أعِنّي على ذِكْرك وشكرك وحُسْن عبادتك }.
ولقد حَـذِق معاذ الدرس وأجاد التطبيـق.
فقد لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذات صباح فسأله: { كيف أصبحت يا معاذ ؟}.
قال: { أصبحت مؤمنا حقّا يا رسول الله }.
قال النبي: { إن لكل حق حقيقة، فما حقيقة إيمانك ؟}.
قال معاذ: { ما أصبحت صباحا قط إلا ظننت أني لا أمْسي، ولا أمْسَيت مساء إلا ظننت أني لا أُصْبح، ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتْبِعُها غيرها، وكأني أنظر الى كل أمّة جاثية تُدْعى الى كتابها، وكأني أرى أهل الجنة في الجنة يُنَعَّمون، وأهل النار في النار يُعَذّبون }.
فقال له الرسول: { عرفتَ فالزم}.
ارساله الى اليمن وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ مع رسل ملوك اليمن يعلم الناس دينهم وأوصاه بأمور عدة.
فقد سأله النبي -صلى الله عليه وسلم-: { بما تحكم يا معاذ ؟}.
قال معاذ: { بكتاب الله }.
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { فان لم تجد ؟}.
قال معاذ: { بسنة رسول الله }.
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { فان لم تجد ؟}.
قال معاذ: { أجتهد رأي ولا آلو }.
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله }.

فضله :

لقد كان عمـر بن الخطـاب -رضي اللـه عنه- يستشيـره كثيرا وكان يقول في بعـض المواطـن التي يستعيـن فيها برأي مُعاذ وفقهـه: { لولا معاذ بن جبـل لهلك عمـر }.
ولقد أجاد ابـن مسعـود وصفه حيـن قال: { إن معـاذاً كان أمِّـةً قانتـاً للـهِ حَنيفـاً، ولقد كنّـا نُشَبِّـه معاذا بإبراهيـم عليـه السـلام }.
دخل { عائذ الله بن عبد الله } المسجد يوما مع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول خلافة عمر فيحدثنا ويقول: { فجلست مجلسا فيه بضعٌ وثلاثون كلهم يَذْكرون حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي الحلقة شاب شديد الأُدْمَة حلو المنطق وضيء، وهو أشَبُّ القوم سِنّا، فإذا اشتبـه عليهم من الحديـث شيء رَدّوه إليه فَأفْتاهم، ولا يحدثهم إلا حين يسألونه، ولما قُضيَ مجلسهم دَنَـوْتُ منه وسَألْتُه: { من أنت يا عبد الله ؟}.
قال: { أنا معاذ بن جبل }.
ويقول أبو مسلم الخولاني : {دخلت مسجد حمص فإذا جماعة من الكهول يتوسّطهم شاب برّاق الثنايا صامت لا يتكلم، فإذا امْتَرَى القوم في شيء تَوَجَّهوا إليه يسألونه، فقلت لجليس لي: من هذا ؟}.
قال معاذ بن جبل: { فوقع في نفسي حُبُّه }.
كما قال شهر بن حَوْشَب : { كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل، نظروا إليه هيبة له }.
حُبّ العلم كان معاذا -رضي الله عنه- دائب الدعوة الى العلم والى ذكر الله، فقد كان يقول: { احذروا زيْغ الحكيم، واعرفوا الحق بالحق، فإن للحق نوراً }.
وكان يرى العبادة قصداُ وعدلا، قال له يوما أحد المسلمين: { علّمني }.
فسأله معاذ: { وهل أنت مطيعي إذا علمتك ؟}.
قال الرجل: { إني على طاعتك لحريص }.
فقال له معاذ: { صُمْ وأفْطِر، وصَلِّ ونَمْ، واكْتَسِب ولا تأثَمْ، ولا تموتنَّ إلا مُسْلِما، وإياك ودَعْوَة المظلوم }.
وكان يرى العلم معرفة وعملا فيقول: { تعلموا ماشئتـم أن تتعلموا، فلن ينفعـكم الله بالعلم حتى تعْمَلوا }.
وكان يرى الإيمان بالله وذكره استحضارا دائما لعظمته ومراجعة دائمة لسلوك النفس، يقول الأسود بن هلال: { كُنّا نمشي مع مُعاذ، فقال لنا: اجلسوا بنا نُؤْمِنْ ساعة }.
طهارته مات الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ بن جبل في اليمن، وفي خلافة أبي بكر رجِع معاذ الى اليمن، وكان عمر بن الخطاب قد علِمَ أن معاذاً أثرى فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله، ولم ينتظر عمر بل نهض مسرعا الى معاذ وأخبره، وقد كان معاذ -رضي الله عنه- طاهر الكف والذمّة، ولئن كان قد أثرى فإنه لم يكتسب إثما ومن ثم فقد رفض عرض عمر وناقشه رأيه، وتركه عمر وانصرف، وفي الغداة سارع معاذ الى عمر يلقاه ولا يكاد يراه حتى يعانقه ودموعه تسبق كلماته ويقول: { لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حَوْمَة ماء، أخشى على نفسي الغرق، حتى جئت فخلصتني يا عمر }.
وذهبا معا الى أبي بكر وطلب معاذ إليه أن يشاطره ماله فقال أبو بكر: { لا آخذ منك شيئاً }.
فنظر عمر الى معاذ وقال له: { الآن حَلَّ وطاب }.
فما كان أبو بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحدا، لو علم أنه أخذه بغير حق.
أمانته وورعه كما أرسله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الى بني كلاب ليقسم فيهم أعطياتهم ويوزع على فقرائهم صدقات أغنيائهم فقام بواجبه خير قيام.
وعاد الى زوجـه بحلسه {ما يوضع على ظهر الدابة} الذي خرج به فقاـلت له امرأته: { أين ما جئت به مما يأتي به الولاة من هدية لأهليهـم ؟}.
فقال معاذ: { لقد كان معي رقيب يقظ يحصي علي }.
فقالت امرأته: { لقد كنت أمينا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر ثم جاء عمر فبعث معك رقيبا يحصي عليك }.
وشاعت ذلك عند نساء عمر وشكته لهن فبلغ عمر.
فأرسل الى معاذ وسأله: {أنا أرسلت معك رقيبا}.
فقال: { يا أمير المؤمنين لم أجد ما اعتذر به الا هذا وقصدت بالرقيب الله عزوجل }.
فأعطاه عمر شيئا وقال: { أرضها به}.
معلما ثم واليا للشام وفي خلافة عمر -رضي الله عنه- أرسل اليه واليه على الشام يقول: { يا أمير المؤمنين ان أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا الى من يعلمهم القرآن،ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم}.
فأرسل اليه عمر من يعلمهم وكان أحدهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه-.
فلما مات أمير الشام { أبو عبيدة } استخلفه أمير المؤمنين على الشام، ولم يمضِ عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه منيبا، وكان عمر بن الخطاب يقول: { لو اسْتَخْلفْت معاذ بن جبل فسألني ربي: لماذا استخلفته ؟.
لقلت: سمعت نبيك يقول: إن العلماء إذا حضروا ربهم عزَّ وجل كان معاذ بين أيديهم }.
وهذا رأيه على خلافة المسلمين جميعا.
طاعون عمواس أصيب معاذ -رضي الله عنه- بالطاعون، فلما حضرته الوفاة قال: { مرحبا بالموت مرحبا، زائر بعد غياب وحبيب وفد على شوق }.
ثم جعل ينظر الى السماء ويقول: { اللهم إني كنتُ أخافك، لكنني اليوم أرجوك، اللهم انك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار، وجري الأنهار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء عند حلق الذكر، اللهم فتقبل نفسي بخير ما تتقبل به نفسا مؤمنة }.
ثم فاضت روحه بعيدا عن الأهل داعيا الى الله مهاجرا في سبيله.
وكانت وفاته في السنة السابعة عشرة من الهجرة النبوية في طاعون عمواس وعمره ثلاث وثلاثون سنة.


مجرد إنسان 02-27-17 02:17 AM



مصعب بن عمير رضي الله عنه


مصعب بن عمير أول سفراء الإسلام { لقد رأيت مُصعبا هذا وما بمكة فتى أنْعَمُ عند أبويه منه، ثم ترك ذلك كله حُبّا لله ورسوله} حديث شريف...

غُرّة فتيان قريش وأوفاهم بهاءً وجمالا وشباباً، كان مصعب بن عمير أعطر أهل مكة لم يظفر بالتدليل مثله أي فتى من قريش، فكان المدَلّل المُنَعّم أو كما يصفه المسلمين مصعب الخير، والى جانب أناقة مظهره كان زينة المجالس والندوات على الرغم من حداثة سنه، سمع بالنبي الجديد ومن تبعه من المسلمين، وعَلِم باجتماعهم في دار الأرقم فلم يتردد وسارع ليسمع الآيات تتلى والرسول -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالمسلمين فكان له مع الإسلام موعدا، فبسط يده مبايعا، ولامست اليد اليمنى لرسول الله صدره المتوهّج فنزلت السكينة عليه وبدا وكأنه يملك من الحكمة مايفوق عمره.

أمه كانت أم مصعب (خُنَاس بنت مالك) تتمتع بقوة فذة في شخصيتها وكانت تُهاب الى حد الرهبة، وحين أسلم مصعب خاف أمه وقرر أن يكتم إسلامه حتى يقضي الله أمراً، ولكن أبصره (عثمان بن طلحة) وهو يدخل الى دار الأرقم ثم مرة ثانية وهو يصلي صلاة محمد، فأسرع عثمان الى أم مصعب ينقل لها النبأ الذي أفقدها صوابها، ووقف مصعب أمام أمه وعشيرته وأشراف مكة المجتمعين يتلو عليهم القرآن الذي يطهر القلوب، فهمَّت أمه أن تُسْكِتُه بلطمة ولكنها لم تفعل، وإنما حبسته في أحد أركان دارها وأحكمت عليه الغلق، حتى عَلِم أن هناك من المسلمين من يخرج الى الحبشة، فاحتال على أمه ومضى الى الحبشة.
وعاد الى مكة ثم هاجر الهجرة الثانية الى الحبشة.
ولقد منعته أمه حين يئست من رِدَّته كل ما كانت تفيض عليه من النعم وحاولت حبسه مرة ثانية بعد رجوعه من الحبشة، فآلى على نفسه لئن فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه، وإنها لتعلم صدق عزمه فودعته باكية مصرّة على الكفر، وودعها باكيا مصرّا على الإيمان، فقالت له: { اذهب لشأنك، لم أعد لك أما }.
فاقترب منها وقال: { يا أمَّه، إني لكِ ناصح وعليك شفوق، فاشهدي أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله }.
أجابته غاضبة: { قسماً بالثّواقب لا أدخل في دينك فَيُزْرى برأيي ويضعف عقلي }.
تَرْك نعيم الدنيا وخرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الفاقة، وأصبح الفتى المُعَطّر المتأنق لا يُرى إلا مرتديا أخشن الثياب، يأكل يوما ويجوع أيام، وقد بصره بعض الصحابة يرتدي جلبابا مرقعا باليا، فحنوا رءوسهم وذرفت عيونهم دمعا شجيا، ورآه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتألقت على شفتيه ابتسامة جليلة وقال: { لقد رأيت مُصعبا هذا وما بمكة فتى أنْعَمُ عند أبويه منه، ثم ترك ذلك كله حُبّا لله ورسوله }.


أول سفير :

اختار الرسول -صلى الله عليه وسلم- مصعب بن عمير ليكون سفيره الى المدينة، يفقه الأنصار ويعلمهم دينهم، ويدعو الجميع الى الإسلام، ويهيأ المدينة ليوم الهجرة العظيم، مع أنه كان هناك من يكبره سنا وأقرب للرسول منه، وحمل مصعب -رضي الله عنه- الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من عقل راجح وخلق كريم، فنجح بمهمته ودخل أهل المدينة بالإسلام، واستجابوا لله ولرسوله، وعاد الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في موسم الحج التالي لبيعة العقبة الأولىعلى رأس وفد عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة، بايعوا الرسول الكريم ببيعة العقبة الثانية.
إسلام سادة المدينة فقد أقام مصعب بن عمير في المدينة في منزل (أسعد بن زرارة) ونهضا معا يغشيان القبائل والمجالس، تاليا على الناس ما معه من كتاب الله، وتعرض لبعض المواقف التي كان من الممكن أن تودي به لولا فطنة عقله وعظمة روحه، فقد فاجأه يوما (أُسَيْد بن حضير) سيد بني عبد الأشهل بالمدينة شاهِراً حربته، يتوهج غضبا على الذي جاء يفتن قومه عن دينهم، وقال (أُسَيْد) لمصعب وأسعد بن زرارة: { ما جاء بكما إلى حَيِّنَا تُسَفِّهان ضعفائنا ؟.
اعتزلانا إذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة }.
وبمنتهى الهـدوء تحرك لسان مصعب الخيـر بالحديث الطيب فقال: { أولا تجلس فتستمـع ؟ فإن رضيت أمْرنا قَبِلته، وإن كرهته كَفَفْنا عنك ما تكره }.
وكان أُسَيْد رجلا أريبا عاقلا، هنالك أجاب أسَيْد: { أنصَفْت }.
وألقى حربته الى الأرض وجلس يصغي، ولم يكد مصعب يقرأ القرآن ويفسر الدعوة حتى أخذت أسارير (أُسَيْـد) تشرق، ولم يكد ينتهي مصعـب حتى هتف أسَيْـد: { ما أحسن هذا القول وأصدقـه، كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين ؟}.
وأجابوه بتهليلـة رجت الأرض رجّـاً ثم قال له مصعب: { يطهر ثوبه وبدنه، ويشهد أن لا إله إلا الله }.
فأسلم أُسَيْد وسرى الخبر كالضوء، وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع وأسلم، ثم تلاه سعد بن عبادة وأسلم، وأقبل أهل المدينة يتساءلون: إذا أسلم ساداتهم جميعا ففيم التخلَّف ؟.
هيا الى مصعب فلنؤمن معه فإن الحق يخرج من بين ثناياه.


غزوة أحد

وفي غزوة أحد يُحتدم القتال، ويخالف الرماة أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويغادرون مواقعهم في أعلى الجبل بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين، لكن عملهم هذا حول النصر الى هزيمة، ويفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل، ومزقت الفوضى والذعر صفوف المسلمين، فركَّز المشركون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يريدون أن ينالوا منه، وأدرك مصعب بن عمير ذلك، فحمل اللواء عاليا، وكبَّر ومضى يصول ويجول، وكل همِّه أن يشغل المشركين عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الشهادة حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد، فلما جال المسلمون ثبت به مصعب، فأقبل ابن قميئة وهو فارس، فضربه على يده اليمنى فقطعها ومصعب يقول: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل }.
وأخذ اللواء بيده اليسرى وحَنَا عليه، فضرب يده اليسرى فقطعها، فَحَنَا على اللواء وضَمَّه بعَضُدَيْه الى صدره وهو يقول: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل }.
ثم حمَلَ عليه الثالثة بالرُّمح فأَنْفَذه وانْدَقَّ الرُّمح، ووقع مصعب وسقط اللواء، واستشهد مصعب الخير.


وداع الشهيد :

وبعد انتهاء المعركة جاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهدائها.
يقول خبّاب بن الأرَتّ: { هاجرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-في سبيل الله، نبتغي وَجْه الله، فوجب أجْرَنا على الله، فمنا من مضى ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا، منهم مصعب بن عمير قُتِلَ يوم أُحُد، فلم يُوجد له شيء يكفن فيه إلا نَمِرَة، فكنا إذا وضعناها على رأسه تَعَرَّت رجلاه، وإذا وضعناها على رِجْلَيْه برزت رأسه، فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اجْعَلوها مما يلي رَأْسَه، واجعلوا على رجليه من نبات الإذْخِر }.
وقد مثّل المشركون بجثمانه تمثيلا أفاض دموع الرسول عليه السلام وأوجع فؤاده، وقال وهو يقف عنده: { من المؤمنين رجال صَدَقوا ما عاهدوا الله عليه }.
ثم ألقى بأسـى نظرة على بردته التي كُفِّن فيها وقال: { لقد رأيت بمكـة وما بها أرق حُلَّة ولا أحسن لِمَّة منك، ثم هأنتـذا شَعِث الرأس في بُرْدَة }.
وهتف الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة بكل من عليها من رفاق مصعب وقال: { إن رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة }.
ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال: { أيها الناس زوروهم، وأتوهم وسلِّموا عليهم، فوالذي نفسي بيده لا يُسلم عليهم مُسَلِّم الى يوم القيامة، إلا ردّوا عليه السلام }.


مجرد إنسان 02-27-17 02:22 AM



لبيد بن ربيعة رضي الله عنه


لبيد بن ربيعة رضي الله عنه أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: { ألا كل ما خلا الله باطل } حديث شريف.
لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك الكِلابيّ، كان فارساً شجاعاً، شاعراً من فحول الشعراء، قال الشعر في الجاهلية دهراً، وقلّ في الإسلام.
أسلم وحسن إسلامه، فرجع الى قومه، ثم نزل الكوفة حتى مات فيها.
أصدق الشعر روي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: { أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد، ألا كل ما خلا الله باطل }.
والشطر الثاني: وكل نعيم لا محالة زائل - إلا نعيم الجنة.


من شعره من قوله في الإسلام:

ما عاتَبَ المَرْءَ اللبيبَ كنفسِهِ = والمَرْءُ يُصْلِحُهُ الجَليسُ الصالِحُ


ومن قوله أيضاً:

الحمدُ لله إذْ لم يأتني أجلي = حتى لبستُ مِنَ الإسلامِ سِرْبالاَ

ولمّا اشتدّ الجَدْبُ على مضر بدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفد عليه وفد قيس وفيهم لبيد فأنشد.

أتَيْناكَ يا خيرَ البريّة كلِّها = لترحمنا ممّا لقينا من الأزْلِ
أتيناكَ والعَذراء تدمَى لبَانُها = وقد ذهَلَت أمُّ الصبيّ عن الطفلِ
فإِنْ تَدْعُ بالسقيـا وبالعفو ترسل = السماءُ لنا والأمرُ يبقى على الأصلِ
وألقَى تكنّيه الشجاعُ استكانـةً = من الجوعِ صمتاً لا يمرُّ ولا يُحلي


قال له عمر بن الخطاب يوماً: { يا أبا عقيل، أنشدني شيئاً من شعرك }.
فقال: { ما كنت لأقول شعراً بعد أن علّمني الله البقرة وآل عمران }.ئ
فزاده عمر في عطائه خمسمائة، وكان ألفين.
وفاته مات في سنة إحـدى وأربعيـن وكان قد عُمّر، وعلى الأرجح عاش مائـة وخمساً وأربعيـن سنة، منها خمس وخمسـون في الإسـلام، وتسعـون في الجاهلية.


مجرد إنسان 02-27-17 02:26 AM



كعب بن مالك رضي الله عنه


كعب بن مالك رضي الله عنه (أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك) حديث شريف.
قال كعب بن مالك -رضي الله عنه- يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك.

تخلفه عن بدر

لم أتخلف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزاة غزاها قط الا غزاة تبوك، غير أني كنت تخلفت في غزاة بدر، ولم يعاتب أحد تخلف عنها، وانما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة حين تواثقنا على الاسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وان كانت بدر أذكر في الناس منها وأشهر.


حاله في تبوك

وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزاة والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتها في تلك الغزاة.
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلما يريد غزوة يغزوها الا ورى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة، فغزاها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفاوز، واستقبل عددا كثيرا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم، فأخبرهم وجهه الذي يريد، والمسلمون مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- كثير، لا يجمعهم كتاب حافظ (الديوان).
قال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب الا ظن أن ذلك سيخفى عليه، ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل.
تباطؤه في التجهيز وغزا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلك الغزاة حين طابت الثمار والظلال، وأنا والله أصعر (أميل للبقاء)، فتجهز اليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون معه، فطفقت أغدو لكي اتجهز معهم فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا، فأقول لنفسي: أنا قادر على ذلك ان أردت ! فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس بالجد، فأصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غاديا والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا، وقلت: أتجهز بعد يوم أو يومين ثم ألحقه !
فغدوت بعدما فصلوا (خرجوا) لأتجهز فرجعت ولم أقض من جهازي شيئا، ثم غدوت فرجعت ولم أقض من جهازي شيئا، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو (فات وقته)، فهممت أن ارتحل فألحقهم، وليت اني فعلت، ثم لم يقدر ذلك لي فطفقت اذا خرجت في الناس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحزنني أني لا أرى الا رجلا مغموصا (متهما) في النفاق، أو رجلا ممن عذره الله عز وجل.
الرسول يسأل عنه ولم يذكرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: { ما فعل كعب بن مالك ؟!}.
فقال رجل من بني سلمة: { حبسه يا رسول الله براده والنظر في عطفيه }.
فقال معاذ بن جبل: { بئسما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه الا خيرا }.
فسكت الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
عودة الرسل من تبوك قال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد توجه قافلا من تبوك حضرني بثي، وطفقت أتذكر الكذب وأقول: { بماذا أخرج من سخطه غدا ؟!}.
وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل ان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أظل قادما زاح عني الباطل، عرفت أني لم أنج منه بشيء أبدا، فأجمعت صدقه.
صدقه مع الرسول فأصبح الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان اذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون، فطفقوا يعتذرون اليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فيقبل منهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علانيتهم، ويستغفر لهم، ويكل سرائرهم الى الله تعالى، حتى جئت، فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال لي: { تعال !}.
فجئت أمشي حتى جلست بين يديه،فقال لي: { ما خلفك ! ألم تكن قد اشتريت ظهرا ؟!}.
فقلت: { يا رسول الله، اني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر، لقد أعطيت جدلا، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم بحديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك اليوم بحديث تجد علي فيه اني لأرجو عقبى ذلك من الله عز وجل ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني حين تخلفت عنك }.
قال: فقال الرسـول -صلى اللـه عليـه وسلم-: { أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك }.
فقمت وقام الي رجال من بني سلمة وأتبعوني فقالوا لي: { والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت ألا تكون اعتذرت الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما اعتذر به المتخلفون، فقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لك }.
قال: فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، قال: ثم قلت لهم: { هل لقي هذا معي أحد ؟}.
قالوا: { نعم، لقيه معك رجلان، قالا مثل ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك }.
فقلت: { فمن هما ؟}.
قالوا: { مرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي }.
فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا، لي فيهما أسوة.
قال: فمضيت حين ذكروهما لي.
النهي عن كلامه قال: ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا، حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي كنت أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشد القوم وأجلدهم: فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف بالأسواق فلا يكلمني أحد، وآتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في مجلسه بعد الصلاة فأسلم، وأقول في نفسي أحرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟!
ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر، فاذا أقبلت على صلاتي نظر الي فاذا التفت نحوه أعرض عني حتى اذا طال علي ذلك من هجر المسلمين، مشيت حتى تسورت حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس الي، فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام فقلت له: { يا أبا قتادة، أنشدك الله، هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟}.
قال: فسكت.
قال: فعدت له فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته فسكت.
فقال: { الله ورسوله أعلم }.
قال: ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار، فبينما أنا أمشي بسوق المدينة اذا أنا بنبطي من أنباط الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول: { من يدل على كعب بن مالك ؟}.
قال: فطفق الناس يشيرون له الي، حتى جاء فدفع الي كتابا من ملك غسـان فاذا فيه: { أما بعد، فقد بلغنا أن صاحبـك قد جفاك، وأن اللـه لم يجعلك في دار هوان ولا مضيعـة، فالحق بنا نواسك }.
قال: فقلت حين قرأته وهذا أيضا من البلاء.
قال: { فيممت به التنور فسجرته به أحرقته فيه}.
الأمر بالاعتزال حتى اذا ما مضت أربعون ليلة من الخمسين، اذا برسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتيني يقول: { يأمرك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تعتزل امرأتك }.
قال: فقلت: { أطلقها أم ماذا أفعل ؟}.
فقال: { بل اعتزلها ولا تقرنها }.
قال: وأرسل الى صاحبي بمثل ذلك.
قال: فلبثنا عشر ليال، فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا.
قال: ثم صليت صلاة الصبح صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى منا: قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صارخا أوفى على جبل سلع يقول بأعلى صوته: { أبشر يا كعب بن مالك }.
قال: فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء الفرج من الله عز وجل بالتوبة علينا.
فأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتوبة الله علينا حين صلى الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض الي رجل فرسا، وسعى ساع من "أسلم" وأوفى على الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جائني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما اياه ببشارته، والله ما أملك يومئذ غيرهما.
البشارة والفرج واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت أؤم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بتوبة الله، يقولون: { ليهنك توبة الله عليك }.
حتى اذا دخلت المسجد، فاذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس في المسجد والناس حوله، فقام الي طلحة بن عبدالله يهرول حتى صافحني وهنأنـي، فلما سلمت على رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- قال وهو يبرق وجهه من السرور: { أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك }.
قال: قلت: { أمن عندك يا رسول الله، أم من عند الله ؟}.
قال: { لا، من عند الله }.
قال: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، حتى يعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قلت: { يا رسول الله، ان من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة الى الله والى رسوله}.
قال: { أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك }.
قال: فقلت: { فاني أمسك سهمي الذي بخيبر }.
وقلت: { يا رسول الله انما نجاني الله بالصدق، وان من توبتي ألا أحدث الا صدقا ما بقيت }.
قال: { فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن مما أبلاني الله تعالى، ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى يومي هذا، واني لأرجو أن يحفظني الله عز وجل فيما بقى }.
وأنزل الله تعالى: (( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )) * (( وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )) * (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )) [التوبة:177-119].



مجرد إنسان 02-27-17 02:28 AM




قيس بن عاصم رضي الله عنه


قيس بن عاصم رضي الله عنه { هذا سيد أهل الوبر } حديث شريف.

قيس بن عاصم بن سنان المنقريّ التميميّ، صحابي سيّد كريم حليم وفد على النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة تسع في وفد بني تميـم....

فقال عنه: { هذا سيد أهل الوبر }.

عيّنه النبي الكريم على صدقات مُقاعس وبطون أسد وغطفان، وتحوّل الى البصرة حيث مات.
إسلامه عندما أسلم قيس بن عاصم أمره الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالإغتسال بماءٍ وسدْرٍ، فاغتسل، فأقيمت الصلاة، فدخل بين أبي بكر و عمر فقام بينهما، فلما قضى الصلاة قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: {لقد سألني قيس عن ثلاث كلمات ما سألني عنها غيرُ أبي بكر }.
خُلُقُه كان قيس بن عاصم حليماً يُقتدى به، فقد قيل للأحنف: { ممن تعلمت الحِلْم ؟}.
قال: { من قيس بن عاصم !! رأيته يوماً محتبياً فأتي برجلٍ مكتوف وآخر مقتول، فقيل: هذا ابن أخيك، قتل ابنك }.
فالتفت الى ابن أخيه فقال: { يا ابن أخي ! بئسَمَا فعلت، أثمت بربّك، وقطعت رَحِمَك، ورميت نفسك بسهمك }.
ثم قال لابن له آخر: { قُمْ يا بني فوارِ أخاك، وحُلَّ كتاف ابن عمّك، وسُقْ إلى أمّهِ مائةَ ناقة ديَة ابنها، فإنها غريبة }.
قال له أبو بكر: { صِفْ لنا نفسك }.
فقال: { أما في الجاهلية فما هممتُ بملامة، ولا حُمْتُ على تهمةٍ، ولم أُرَ إلا في خيلٍ مغيرةٍ أو نادي عشيرة، أو حامي جريرة، أمّا في الإسلام فقد قال الله تعالى: { فلا تُزكّوا أنفسكم }}.
فأعجب أبو بكر.
المال قال قيس بن عاصم للرسول -صلى الله عليه وسلم-: { يا رسول الله ! المالُ الذي لا تبعة عليّ فيه ؟}.
قال: { نِعْم المال الأربعون، وإن كثر فستون، ويلٌ لأصحاب المئيـن إلا من أدى حقّ اللـه في رِسْلِها ونَجْدتها، وأطـرق فحلَها، وأفقـر ظهرها، ومنـح غزيرتها، ونحرَ سمينتها، وأطعم القانع والمعتر }.
فقال قيـس: { يا رسـول الله ما أكرم هذه الأخلاق وأحسنها }.
قال: { يا قيـس أمالك أحب إليك أم مال مواليـك ؟}.
قال: { بل مالي }.
قال: { فإنما لك من مالك ما أكلتَ فأفنيتَ أو لبست فأبليتَ أو أعطيت فأمضيتَ وما بقي فلورثتكَ }.
فقال: { يا رسول الله ! لئن بقيتُ لأدعنّ عددها قليلاً }.
الوأد كان قيس بن عاصم أول من وأد بالجاهلية، وقد قال له أبو بكر: { ما حملك على أن وأدت ؟}.
فقال: { خشيت أن يخلف عليهنّ غيرُ كُفْوءٍ }.
وقد جاء قيس بن عاصم الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: { إني وأدت ثماني بنات في الجاهلية }.
وفي رواية أخرى اثنتي عشرة.
فقال له الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم-: { اعتق عن كل واحدة منهن رقبة }.
وقال: { إني صاحـب إبل }.
قال: { اهدِ إن شئـتَ عن كل واحدة منهن بدنة }.
وكان لقيس ثلاث وثلاثون ولداً.
تحريم الخمر حرّم قيس بن عاصم على نفسه الخمر في الجاهلية، وكان سبب ذلك أنه غمز عكثة ابنته وهو سكران، وسبّ أبويها، وأعطى الخُمّار كثيراً من ماله، فلمّا أفاق أخبر بذلك، فحرّمها على نفسه وقال في ذلك: {.
رأيت الخمـر صالحةً وفيها.
00خصال تفسد الرجلَ الحليمـا فلا واللـه أشربها صحيحاً.
ولا أشفى بها أبـداً سقيمَـا ولا أعطـي بها ثمناً حياتي.
ولا أدعـو لها أبـداً نديمَـا فإن الخمرَ تفضـح شاربيها.
وتجنيـهم الأمـر العظيمَـا الوصايا لمّا حضرت قيس بن عاصم الوفاة دعا بنيه فقال: يا بنيّ احفظوا عني فلا أحد أنصح لكم مني، إذا أنا مت فسوِّدوا كبارَكم، ولا تُسَوِّدوا صغارَكم، فتُسَفِّه الناس كبارَكم، وتهونوا عليهم، وعليكم بإصلاح المال، فإنه منبهة للكريم، ويستغني به عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس، فإنها آخر كسب المرء ولا تقيموا عليّ نائحةً فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن النائحة }.
الوفاة ونزل قيس البصرة ومات فيها، ولمّا مات رثاه عَبْدة بن الطبيب بقوله: { عليكَ سلامُ الله قيسَ بن عاصمٍ ورحمتُهُ ما شاءَ أن يترحّما وما كان قيسٌ هُلْكه هُلْكُ واحدٍ، ولكنّـه بُنيانُ قومٍ تهدّمـا }...


مجرد إنسان 02-27-17 02:31 AM




قيس بن سعد رضي الله عنه


قيس بن سعد بن عبادة أدهى العرب { لولا الاسلام أن الجود شيمة أهل هذا البيت } حديث شريف.

إنه الأنصاري الخزرجي ابن سعد بن عبادة زعيم الخزرج، حين أسلم والده أخذ بيده الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلا: { هذا خادمك يا رسول الله }.
رأى الرسول صلى الله عليه وسلم- فيه سمات التفوق والصلاح، فأدناه منه حتى أصبح بمكان صاحب....

الشرطة من الأمير.

كما قال أنس -رضي الله عنه-، وكان يعامله الأنصار على حداثة سنه كزعيم ويقولون: { لو استطعنا أن نشتري لقيس لحية بأموالنا لفعلنا }.
فلم ينقصه شيء من الزعامة سوى اللحية، فقد كان أجرد.
دهاء قيس لقد كان قيس بن سعد ذكيا، يعامل الناس بفطنة، لذا كان أهل المدينة يحسبون لدهائه ألف حساب، ولكن بعد اسلامه أخذ يعامل الناس باخلاصه لا دهائه ولم يعد ينسج المناورات القاتلة، وعندما يتذكر ماضيه يضحك قائلا: { لولا الاسلام، لمكرت مكرا لا تطيقه العرب }.
جوده وكرمه وكان الشيء الوحيد الذي يفوق ذكاءه هو كرمه وجوده، فهو من بيت جود وكرم، وكان لأسرته مناد يقف فوق مرتفع لهم ينادي الضيفان الى طعامهم نهارا، أو يوقد النار لتهدي الغريب ليلا، وكان الناس يقولون: { من أحب الشحم، واللحم، فليأت أطم دليم بن حارثة }.
ودليم هو الجد الثاني لقيس، ويقول أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما-: { لو تركنا هذا الفتى لسخائه، لأهلك مال أبيه }.
فلما سمعهما والده سعد صاح قائلا: { من يعذرني من أبي قحافة وابن الخطاب، يبخلان علي ابني }.
كما كان قيس اذا جاءه من يرد له دينه يقول: { انا لا نعود في شيء أعطيناه }.
شجاعته تألقت شجاعة قيس -رضي الله عنه- في جميع المشاهد التي صاحب فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو حي، شجاعة نابعة من الصدق مع النفس والاخلاص للحق، تألقت حتى بعد رحيل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وحين حدث الخلاف بين علي و معاوية بحث قيس -رضي الله عنه- عن الحق مع نفسه حتى وجده مصاحبا لعلي -رضي الله عنه-، فنهض الى جانبه قويا شامخا، فقد تألق في معارك صفين، والجمل، والنهروان، وكان يحمل لواء الأنصار ويصيح قائلا هذا اللواء الذي كنا نحف به.
مع النبي، وجبريل لنا مدد ما ضر من كانت الأنصار عيبته، ألا يكون له من غيرهم أحد وقد ولاه علي حكم مصر، وكانت عين معاوية عليها دوما، فأخذ معاوية يدس الحيل عند علي ضد قيس، حتى استدعاه الأمير، فادرك قيس بذكائه حيلة معاوية ضده، فلم يكترث لعزله من الولاية، وانما زاد ولاء لعلي -كرم الله وجهه-.

وبعد استشهاد علي -رضي الله عنه- بايع قيس الحسن -رضي الله عنه- مقتنعا بأنه الوارث الشرعي للامامة، وحينما حملوا السيوف أمام معاوية يقود قيس خمسة آلاف ممن حلقوا رءوسهم حدادا على علي، ولكن يؤثر الحسن أن يحقن دماء المسلمين، فيبايع معاوية -رضي الله عنه-، وهنا يجد قيس -رضي الله عنه- نفسه أمام جيشه الذي من حقه الشورى في مبايعة معاوية أو الاستمرار في القتال، فاختاروا المبايعة.
موته وفي عام تسع وخمسين للهجرة مات الداهية في المدينة المنورة، بعد أن روض الاسلام دهاءه، مات الرجل الذي يقول: { لولا سمعت الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: المكر والخديعة في النار، لكنت من أمكر هذه الأمة}.


مجرد إنسان 02-27-17 02:34 AM



عمير بن وهب رضي الله عنه


عمير بن وهب رضي الله عنه { والذي نفسي بيده لخنزير كان أحبَّ إليَّ من عمير حين طلع علينا }.
ولهو اليوم أحبُّ إلي من بعض ولدي عمر بن الخطاب عمير بن وهب الجُمَحي كان يلقبه أهل مكة بشيطان قريش، وبعد إسلامه أصبح حواريّ باسل من حواريِّ الإسلام ولاءه الدائم للرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين.


يوم بدر

وفي يوم بدر كان واحدا من قادة المشركين الذين حملوا سيوفهم ليجهزوا على الإسلام، كان حديد البصر محكم التقدير، ندبه فومه ليستطلع لهم عدد المسلميـن، وإذا كان من ورائهم كميـن أو مـدد، فعاد من معسكـر المسلميـن قائلا لقومه: { إنهم ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلا أو ينقصون }.
وسألوه: { هل وراءهم أمداد لهم }.
فقال: { لم أجد وراءهم شيئا، ولكن يا معشر قريش رأيت المطايا تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم مَنَعة ولا ملجـأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجـل منهم حتى يقتل رجلا منكم، فإذا أصابوا منكم مثل عددهم، فما خير العيش بعد ذلك ؟ فانظروا رأيكم }.
وتأثر الرجال بقوله وكادوا يعودون الى مكة، لولا أبو جهل الذي أضرم نار الحقد في نفوسهم فكان هو أول قتلاها.
وعادت قريش مهزومة، كما خلّف عمير وراءه ابنه في الأسر.
المؤامرة وذات يوم جلس عمير بن وهب مع ابن عمه صفوان بن أمية، وكان حقد صفوان على المسلمين كبيرا فقد قتل أباه أمية بن خلف في بدر،فقال صفوان وهو يتذكر قتلى بدر: { والله ما في العيش بعدهم خير }.
فقال له عمير: { صدقت، ووالله لولا دَيْن عليّ لا أملك قضاءه، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت الى محمد حتى أقتله، فإن لي عنده عِلّة أعتَلّ بها عليه: أقول قدمت من أجل ابني هذا الأسير }.
فاغتنمها صفوان وقال: { عليّ دَيْنك، أنا أقضيه عنك، وعيالُك مع عيالي أواسيهم ما بقوا }.
فقال له عمير: { إذن فاكتم شأني وشأنك }.
ثم أمر عمير بسيفه فشُحذ له وسُمَّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة.
قدوم المدينة وبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به، إذ نظر عمر فرأى عمير بن وهب قد أناخ راحلته على باب المسجد متوشحا سيفه، فقال: { هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء إلا لشر، فهو الذي حرّش بيننا وحَزَرنا للقوم يوم بدر }.
ثم دخل عمر على الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: { يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء مُتَوشحا سيفه }.
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { أدخله علي }.
فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عُنُقه، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: { ادخلوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون }.


إسلامه

ودخل به عمر على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو آخذ بحمالة سيفه في عُنقه، فلما رآه الرسول قال: { دعه يا عمر، ادْنُ يا عمير }.
فدنا عمير وقال: { انعموا صباحا }.
وهي تحية الجاهلية.
فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة }.
فقال عمير: { أما والله يا محمد إن كُنتُ بها لَحديث عهد }.
قال الرسول: { فما جاء بك يا عمير ؟}.
قال: { جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم }.
قال النبي: { فما بال السيف في عُنُقك ؟}.
قال عمير: { قبَّحها الله من سيوف، وهل أغنت عنّا شيئا ؟!}.
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { أصدقني يا عمير، ما الذي جئت له ؟}.
قال: { ما جئت إلا لذلك }.
قال الرسول الكريم: { بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دَيْن علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمّل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك }.
وعندئذ صاح عمير: { أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، هذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله ما أنبأك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام }.
فقال الرسول لأصحابه: { فَقِّهوا أخاكم في الدين وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره }.
النبأ المنتظر ومنذ غادر عمير بن وهب مكة الى المدينة راح صفوان ينتظر وهو فرحا مختالا، وكلما سئل عن سبب فرحه يقول: { أبشروا بوقعة يأتيكم نبأها بعد أيام تُنسيكم بدر }.
وكان يخرج كل صباح الى مشارف مكة ويسأل القوافل والركبان: { ألم يحدث بالمدينة أمر ؟}.
حتى لقي مسافر أجابه: { بلى حدث أمر عظيم }.
وتهلَّلت أسارير صفوان وعاد يسأل الرجل: { ماذا حدث اقصص علي ؟}.
فأجابه الرجل: { لقد أسلم عمير بن وهب، وهو هناك يتفقه في الدين ويتعلم القرآن }.
ودارت الأرض بصفوان وأصبح حُطاما بهذا النبأ العظيم.
العودة الى مكة أقبل عمير على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم وقال: { يا رسول الله، إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله عز وجل، وإني لأحب أن تأذن لي فأقدُم مكة فأدعوهم الى الله تعالى، والى رسوله والى الإسلام، لعل الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم }.
وبالفعل عاد عمير -رضي الله عنه- الى مكة وأول من لقيه كان صفوان بن أمية، وما كاد يراه حتى هم بمهاجمته، ولكن السيف المتحفز في يد عمير ردَّه الى صوابه، فاكتفى بأن ألقى على سمع عمير بعض شتائمه ومضى في سبيله، ودخل عمير مكة مسلما في روعة صورة عمر بن الخطاب يوم إسلامه، وهكذا راح يعوض ما فاته، فيبشر بالإسلام ليلا نهارا، علانية وجهرا، يدعو الى العدل والإحسان والخير، وفي يمينه سيفه يُرهب به قطاع الطرق الذين يصدون عن سبيل الله من آمن به، وفي بضعة أسابيع كان عدد الذين أسلموا على يد عمير يفوق عددهم كل تقدير، وخرج بهم عمير -رضي الله عنه- الى المدينة بموكب مُهلل مُكبر.
فتح مكة وفي يوم الفتح العظيم، لم ينس عمير صاحبه وقريبه صفوان، فراح إليه يُناشده الإسلام ويدعوه إليه، بيد أن صفوان شدّ رحاله صوب جدّة ليبحر منها الى اليمن، فذهب عمير الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال له: { يا نبي الله، إن صفوان بن أمية سيد قومه، وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر، فأمِّـنه صلى الله عليك }.
فقال النبي: { هو آمن }.
قال: { يا رسول الله فأعطني آية يعرف بها أمانك }.
فأعطاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- عمامته التي دخل فيها مكة.
فخرج بها عمير حتى أدرك صفوان فقال: { يا صفوان فِداك أبي وأمي، الله الله في نفسك أن تُهلكها، هذا أمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد جئتك به }.
قال له صفوان: { وَيْحَك، اغْرُب عني فلا تكلمني }.
قال: { أيْ صفوان فداك أبي وأمي، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفضـل الناس وأبـر الناس، وأحلـم الناس وخيـر الناس، عِزَّه عِزَّك، وشَرَفه شَرَفـك }.
قال: { إنـي أخاف على نفسـي }.
قال: { هو أحلم من ذاك وأكرم }.
فرجع معه حتى وقف به على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال صفوان للنبي الكريم: { إن هذا يزعم أنك قـد أمَّـنْتَنـي }.
قال الرسـول -صلى الله عليه وسلم-: { صـدق }.
قال صفـوان: { فاجعلني فيها بالخيار شهريـن }.
فقـال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { أنت بالخيار فيه أربعة أشهر }.
وفيما بعد أسلم صفوان، وسَعِدَ عمير بإسلامه أيما سعادة.


مجرد إنسان 02-27-17 02:36 AM



عمير بن سعد رضي الله عنه


عمير بن سعد نسيج وحده يا غُلام وَفَت أذُنُك.
وصَدَّقت ربُّك " حديث شريف عمير بن سعد أبوه سعد القارئ -رضي الله عنه- شهد المشاهد كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-حتى استشهد في معركة القادسية، اصطحب ابنه عمير الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فبايع النبي وأسلم، ومنذ ذلك الوقـت وعمير عابد مقيم في محـراب الله، ودائما في الصفوف الأولى للمسلمين، وكان المسلمون يلقبونه (بنسيج وحده).
قوة إيمانه لقد كان له -رضي الله عنه- في قلوب الأصحاب مكانا وَوُداً فكان قرة أعينهم، كما أن قوة إيمانه وصفاء سنه وعبير خصاله كان يجعله فرحة لكل من يجالسه، ولم يكن يؤثر على دينه أحد ولا شيئا، فقد سمع قريبا له { جُلاس بن سويد بن الصامت } يقول: { لئن كان الرجل صادقا، لنحن شرٌّ من الحُمُر !}.
وكان يعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان جُلاس دخل الإسلام رَهَبا، سمع عمير بن سعد هذه العبارة فاغتاظ و احتار، الغيظ أتى من واحد يزعم أنه من المسلمين ويقول ذلك عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-بلهجة رديئة، والحيرة أتت من مسئوليته تجاه هذا الذي سمع وأنكر، أينقل ما سمع للرسول ؟.
كيف والمجالس بالأمانة ؟.
أيسكت عما سمع ؟.
ولكن حيرته لم تطل، وعلى الفور تصرف عمير كرجل قوي وكمؤمن تقي، فقال لجُلاس: { والله يا جُلاس إنك لمن أحب الناس إلي، وأحسنهم عندي يدا، واعَزهم عليّ أن يُصيبه شيء يكرهه، ولقد قلت الآن مقالة لو أذَعْتها عنك لآذتك، ولو صمَتّ عليها ليهلكن ديني وإن حق الدين لأولى بالوفاء، وإني مُبلغ رسول الله ما قلت }.
وهكذا أدى عمير لأمانة المجالس حقها، وأدى لدينه حقه، كما أعطى لجُلاس الفرصة للرجوع الى الحق.
بيد أن جُلاس أخذته العزة بالإثم، وغادر عمير المجلس وهو يقول: { لأبلغن رسول الله قبل أن ينزل وحي يُشركني في إثمك }.
وبعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- في طلب جُلاس فأنكر وحلف بالله كاذبا، فنزلت آية تفصل بين الحق والباطل.
قال تعالى: { يحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر، وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا، وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله، فإن يتوبوا يَكُ خيرا لهم، وإن يتولّوْا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة، وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير }.
فاعترف جُلاس بمقاله واعتذر عن خطيئته، وأخذ النبي بأُذُن عمير وقال له: { يا غُلام، وَفَت أذُنك، وصَدّقت ربّك }.
الولاية اختار عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عمير واليا على حمص، وحاول أن يعتذر عمير ولكن ألزمه أمير المؤمنين بذلك، فاستخار عمير ربه ومضى الى واجبه، وفي حمص مضى عليه عام كامل، لم يصل الى المدينة منه خراج بل ولم يَبْلُغ أمير المؤمنين منه كتاب، فبعث عمر الى عمير -رضي الله عنهما- ليأتيه الى المدينة،فأتى الى المدينة أشعث أغبر يكاد يقتلع خطاه من الأرض اقتلاعا من طول مالاقى من عناء، على كتفه اليمنى جراب وقَصْعة، وعلى كتفه اليسرى قِرْبة صغيرة فيها ماء، وإنه ليتوكأ على عصا، لا يئودها حمله الضامر الوهنان.
ودخل عمير على مجلس عمر وقال: { السلام عليك يا أمير المؤمنين }.
ويرد عمر السلام ثم يسأله وقد آلمه ما رآه عليه من جهد وإعياء: { ما شأنك يا عمير ؟}.
فقال: { شأني ما ترى، ألست تراني صحيح البدن، طاهر الدم، معي الدنيا أجُرُّها بقَرْنيها ؟}.
قال عمر: { وما معك ؟}.
قال عمير: { معي جرابي أحمل فيه زادي، وقَصْعَتي آكل فيها، وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي، وعصاي أتوكأ عليها، وأجاهد بها عدوّا إن عَرَض فوالله ما الدنيا إلا تَبعٌ لمتاعي !}.
قال عمر: { أجئت ماشيا ؟}.
قال عمير: { نعم }.
قال عمر: { أو لم تجد من يعطيك دابة تركبها ؟}.
قال عمير: { إنهم لم يفعلوا، وإني لم أسألهم }.
قال عمر: { فماذا عملت فيما عهدنا إليك به ؟}.
قال عمير: { أتيت البلد الذي بعثتني إليه، فجمعت صُلَحَاء أهله، وولّيتهم جِباية فَيْـئهـم وأموالهم، حتى إذا جمعوها وضعتها في مواضعها، ولو بقـي لك منها شيء لأتيتـك به }.
فقال عمر: {فما جئتنا بشيء ؟}.
قال عميـر: { لا }.
فصاح عمر وهو سعيد: { جدِّدوا لعمير عهدا }.
وأجابه عمير: { تلك أيام قد خلت، لا عَمِلتُ لك ولا لأحد بعدك }.
فضله وبقي عمر بن الخطاب يتمنى ويقول: { وَدِدْتُ لو أن لي رجالا مثل عُمير أستعين بهم على أعمال المسلمين }.
فقد كان عمير بحق (نسيج وحده)، فقد كان يقول من فوق المنبر في حمص: { ألا إن الإسلام حائـط منيع، وباب وثيـق، فحائط الإسـلام العدل، وبابه الحق، فإذا نُقِـضَ الحائط وحُطّـم الباب استُفْتِـح الإسـلام، ولا يزال الإسـلام منيعا ما اشتد السلطان، وليست وليست شدة السلطان قتلا بالسيف ولا ضربا بالسوط، ولكن قضاء بالحـق، وأخذاً بالعـدل }


مجرد إنسان 02-27-17 02:38 AM



عمرو بن العاص رضي الله عنه


عمرو بن العاص رضي الله عنه: { يا عمرو بايع فإن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله }.
حديث شريف كان عمـرو بن العاص أحد ثلاثة في قريش أتعبوا الرسـول -صلى الله عليه وسلم- بعنف مقاومتهم وإيذائهم لأصحابه، وراح الرسول يدعو عليهم ويبتهل لينزل العقاب بهم فنزل الوحي بقوله تعالى.
" لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ مِنْ شيء أوْ يتوبَ عليهم أو يُعَذِّبهم فإنهم ظالمون " وكـف الرسول الكريم عن الدعاء عليهم وترك أمرهـم الى الله، واختار اللـه لعمرو بن العاص طريق التوبة والرحمة، فأسلم وأصبح مسلم مناضل وقائد فذ..


إسلامه:


أسلم عمرو بن العاص -رضي الله عنه- مع (خالد بن الوليد) قُبيل فتح مكة بقليل { شهر صفر سنة ثمان للهجرة } وبدأ إسلامه على يد النجاشي بالحبشة ففي زيارته الأخيرة للحبشة جاء ذكر النبي الجديد ودعوته وما يدعو له من مكارم الأخلاق، وسأل النجاشي عمرا كيف لم يؤمن به ويتبعه وهو رسول الله حقاً، فسأل عمرو النجاشي: { أهو كذلك ؟}.
وأجابه النجاشي: { نعم، فأطِعْني يا عمرو واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، ولَيَظْهرنّ على من خالفه }.
وركب عمرو من فوره عائدا لبلاده ومتجها الى المدينة ليسلم لله رب العالمين، وفي طريق المدينة التقى { خالد بن الوليد } الساعي الى الرسول ليعلن إسلامه أيضا، وما كاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يراهم حتى تهلل وجهه و قال لأصحابه: { لقد رَمَتْكم مكة بفَلَذات أكبادها }.
وتقدم خالد فبايع، وتقدم عمرو فقال: { إني أبايعك على أن يغفر الله لي ما تقدّم من ذنبي }.
فأجابه الرسول الكريم: { يا عمرو بايع.
فإن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله }.
وبايع عمرو ووضع كل ما يملك في خدمة الدين الجديد.
فضله كان فزعٌ بالمدينة فأتى عمرو بن العاص على سالم مولى أبي حذيفة وهو مُحْتَبٍ بحمائل سيفِه، فأخذ عمرو سيفه فاحتبى بحمائله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { يا أيها الناس ! ألا كان مفزعكم إلى الله وإلى رسوله }.
ثم قال: { ألا فعلتم كما فَعَل هذان الرجلان المؤمنان }.
مُحَرِّر مِصْر كانت مصر من أهم ولايات الإمبراطورية الرومانية، وقد استغل الروم ثرواتها وحرموا منها السكان واستباحوا أهلها حتى أصبح الناس في ضيق لأن الروم فرضوا عليهم مذهبهم الديني قسرا، فلما بلغ المصريون أنباء الفتوحات الإسلامية وعدالة المسلمين وسماحتهم تطلعت أنظارهم إليهم لتخليصهم مما هم فيه،واتجه عمرو بن العاص سنة (18 هجري) على رأس جيش من أربعة آلاف مقاتل متجها الى مصر، وأمام شدة المقاومة طلب عمرو المدد من أمير المؤمنين فأرسل إليه أربعة آلاف جندي وتقدّم المسلمون وحاصروا حصن بابليون لمدة سبعة أشهر وتمكنوا من فتحه.
ثم اتجهوا الى الإسكندرية فوجدوا مقاومة من حاميتها فامتد حصارها الى أربعة أشهر وأخيرا فتحت الإسكندرية وعقدت معاهدة الإسكندرية، ولقد كان -رضي الله عنه- حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة، ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان، وتحدث عمرو مع زعماء الأنصار وكبار أساقفتهم فقال: { إن الله بعث محمدا بالحق وأمره به، وإنه -عليه الصلاة والسلام- قد أدّى رسالته، ومضى بعد أن تركنا على الواضِحَة، وكان مما أمرنا به الإعذار الى الناس، فنحن ندعوكم الى الإسلام، فمن أجابنا فهو مِنّا له مالنا وعليه ما علينا، ومن لم يُجِبنا الى الإسلام عرضنا عليه الجزْية وبذلنا له الحماية والمنعة، ولقد أخبرنا نبينا أن مصر ستفتح علينا، وأوصانا بأهلها خيرا فقال: ستُفْتَح عليكم بعدي مصر، فاسْتَوصوا بِقِبْطها خيرا، فإن لهم ذِمّة ورَحِما }.
فإن أجبتمونا الى ما ندعوكم إليه كانت لكم ذِمّة الى ذِمّة }.
وفرغ عمرو من كلماته فصاح بعض الأساقفة والرهبان قائلا: { إن الرّحِم التي أوصاكم بها نبيكم لهي قرابة بعيدة لا يصل مثلها إلا الأنبياء }.
حُبِّ الإمارة مما امتاز به عمرو بن العاص حُبّه للإمارة، فشكله الخارجي ومشيته وحديثه كلها تدل على أنه خُلِق للإمارة، حتى أن في أحد الأيام رآه أمير المؤمنين عمر وهو مقبل فابتسم لِمَشْيَته وقال: { ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا }.
والحق أن عمرو لم يُبْخِس نفسه هذا الحق، فمع كل الأحداث الخطرة التي اجتاحت المسلمين، كان عمرو يتعامل معها بأسلوب أمير معه من الذكاء والدهاء ما يجعله واثقا بنفسه مُعْتَزا بتفوقه، وقد أولاه عمر بن الخطاب ولاية فلسطين والأردن، ثم على مصر طوال حياة أمير المؤمنين، وعندما علم ابن الخطاب أن عمراً قد اجتاز حد الرخاء في معيشته أرسل إليه (محمد بن مَسْلمة) وأمره أن يقاسم عمراً جميع أمواله وأشيائه، فيبقى له نصفها ويحمل معه الى بيت مال المسلمين بالمدينة النصف الآخر، ولو علم أمير المؤمنين عمر أن حب عمرو للإمارة سيحمله على التفريط في مسئولياته لما أبقاه في الولاية لحظة واحدة.
ذكاؤه ودهاؤه كان عمـرو بن العاص حاد الذكاء، قوي البديهة عميق الرؤية، حتى أن أمير المؤمنين عمـر كان إذا رأى إنسانا عاجز الحيلة، صـكّ كفيه عَجبا وقال: { سبحان الله! إن خالق هذا وخالق عمرو بن العاص إله واحد }.
كما كان عمرو بن العاص جريئا مِقْداما، يمزج ذكائه بدهائه فيُظَنّ أنه جبان، بيد أنها سعة حيلة يُخرج بها نفسه من المآزق المهلكة، وكان عمر بن الخطاب يعرف ذلك فيه، وعندما أرسله الى الشام قيل له: { إن على رأس جيوش الروم بالشام أرطبونا }.
أي قائدا وأميرا من الشجعان الدُّهاة، فكان جواب أمير المؤمنين: { لقد رمينا أرْطَبون الروم بأرْطَبون العرب، فلننظر عمَّ تنفَرج الأمور }.
ولقد انفرجت عن غلبة ساحقة لأرطبون العرب وداهيتهم عمرو بن العاص على أرطبون الروم الذي ترك جيشه للهزيمة وولى هاربا الى مصر.
ولعل من أشهر المواقف التي يظهر فيها دهاء عمرو موقف التحكيم بين عليا ومعاوية، وموقفه من قائد حصن بابليون.
التحكيم في الخلاف بين علي ومعاوية نصل الى أكثر المواقف شهرة في حياة عمرو، وهو موقفه في التحكيم وكانت فكرة أبو موسى الأشعري (المُمَثِّل لعلي) الأساسية هي أن الخلاف بينهما وصل الى نقطة حرجة، راح ضحيتها الآلاف، فلابد من نقطة بدء جديدة، تعطي المسلمين فرصة للاختيار بعد تنحية أطراف النزاع، وأبوموسى الأشعري على الرغم من فقهه وعلمه فهو يعامل الناس بصدقه ويكره الخداع والمناورة التي لجأ اليها الطرف الآخر ممثلا في عمرو بن العاص (مُمَثِّل معاوية) الذي لجأ الى الذكاء والحيلة الواسعة في أخذ الراية لمعاوية.
ففي اليوم التالي لاتفاقهم على تنحية علي ومعاوية وجعل الأمر شورى بين المسلمين.
دعا أبوموسى عمرا ليتحدث فأبى عمرو قائلا: { ما كنت لأتقدمك وأنت أكثر مني فضلا وأقدم هجرة وأكبر سنا }.
وتقدم أبو موسى وقال: { يا أيها الناس، انا قد نظرنا فيما يجمع الله به ألفة هذه الأمة ويصلح أمرها، فلم نر شيئا أبلغ من خلع الرجلين - علي ومعاوية - وجعلها شورى يختار الناس لأنفسهم من يرونه لها، واني قد خلعت عليا ومعاوية، فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من أحببتم }.
وجاء دور عمرو بن العاص ليعلن خلع معاوية كما تم الاتفاق عليه بالأمس، فصعد المنبر وقال: { أيها الناس، ان أباموسى قد قال ما سمعتم، وخلع صاحبه، ألا واني قد خلعت صاحبه كما خلعه، وأثْبِت صاحبي معاوية، فانه ولي أمير المؤمنين عثمان والمطالب بدمه، وأحق الناس بمقامه !!}.
ولم يحتمل أبوموسى المفاجأة، فلفح عمرا بكلمات غاضبة ثائرة.
فقد أنفذ أبو موسى الإتفاق وقَعَد عمرو عن إنفاذه.
حصن نابليون أثناء حربه مع الرومان في مصر، { وفي بعض الروايات التاريخية أنها وقعت في اليرموك }، دعاه أرطبون الروم وقائدهم لمحادثته، وكان قد أعطى أوامره لرجاله بإلقاء صخرة فوق عمرو إثر إنصرافه من الحصن، ودخل عمرو على القائد لا يريبه منه شيء، وانفض اللقاء، وبينما هو في طريق الخروج لمح فوق أسوار الحصن حركة مريبة حركّت فيه الحرص والحذر، وعلى الفور تصرف بشكل باهر، لقد عاد الى قائد الحصن في خطوات آمنة مطمئنة ولم يثر شكوكه أمر، وقال للقائد: { لقد بادرني خاطر أردت أن أطلعك عليه، إن معي حيث يقيم أصحابي جماعة من أصحاب الرسول السابقين الى الإسلام، لا يقطع أمير المؤمنين أمرا دون مشورتهم، ولا يرسل جيشا من جيوش الإسلام إلا جعلهم على رأس مقاتلته وجنوده، وقد رأيت أن آتيك بهم حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت، ويكونوا من الأمر على مثل ما أنا عليه من بيّنة }.
وأدرك قائد الروم أن عمرا بسذاجة قد منحه فرصة العمر، فليوافقه الآن الرأي، وإذا عاد ومعه هذا العدد من زعماء المسلمين وخيرة رجالهم، أجهز عليهم جميعا، بدلا من أن يجهز على عمرو وحده، وألغيت خطة اغتيال عمرو، وودّع عمرو بحرارة، وابتسم داهية العرب وهو يغادر الحصن، وفي الصباح عاد عمرو على رأس جيشه الى الحصن ممتطيا صهوة فرسه.
وفاته وفي السنة الثالثة والأربعين من الهجرة، أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر حيث كان واليا عليها، وراح يستعرض في لحظات الرحيل حياته فقال: { كنت أول أمري كافرا، وكنت أشد الناس على رسول الله، فلو مِتّ يومئذ لوجَبَت لي النار، ثم بايعت رسول الله، فما كان في الناس أحد أحبّ إلي منه، ولا أجلّ في عيني منه، ولو سُئِلْتُ أن أنْعَتَه ما استطعت، لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه إجلالا له، فلو مِتّ يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم بُليت بعد ذلك بالسلطان، وبأشياء لا أدري أهي لي أم عليّ }.
ثم رفـع بصره الى السماء في ضَراعـة مناجيا ربه الرحيم قائلا: { اللهم لا بريء فأعْتـذِر، ولا عزيز فأنْتَصر، وإلا تُدْركني رحمتك أكن من الهالكين }.
وظل في ضراعاته حتى صعدت الى الله روحه وكانت آخر كلماته: لا إله إلا الله.
وتحت ثَرَى مصر ثَوَى رُفاتُه.


مجرد إنسان 02-27-17 02:40 AM




عمرو بن الجموح رضي الله عنه



عمرو بن الجموح رضي الله عنه وأيُّ داء أدْوَى من البخل، بل سيدكم الجعد الأبيض " " عمرو بن الجموح.
حديث شريف عمرو بن الجموح هو صهر عبد الله بن عمرو بن حرام إذ كان زوج لأخته هند بنت عمرو وكان ابن جمـوح واحدا من زعماء المدينة وسيد من سادات بني سلمـة، سبقه ابنـه معاذ ابن عمرو للإسلام فكان أحد السبعين في بيعة العقبة الثانية وكان له الفضل بإسلام أبيه.
إسلامه كان عمرو بن الجموح قد اصطنع صنما أقامه في داره وأسماه (منافا)، فاتفق ولده معاذ بن عمرو وصديقه معاذ بن جبل على أن يجعلا من هذا الصنم سُخرية ولعبا، فكانا يدلُجان عليه ليلا فيحملانه ويطرحانه في حفرة يطرح الناس فيها فضلاتهم، ويصبح عمرو فلا يجد (منافا) في مكانه فيبحث عنه حتى يجده طريح تلك الحفرة، فيثور ويقول: { ويلكم من عدا على آلهتنا هذه الليلة ؟}.
ثم يغسله ويطهره ويطيبه، فإذا جاء الليل من جديد صنع الصديقان بالصنم مثل ما صنعا من قبل، حتى إذا سئم عمرو جاء بسيفه ووضعه في عنق (مناف) وقال له: { إن كان فيك خير فدافع عن نفسك }.
فلما أصبح لم يجده مكانه بل وجده بالحفرة نفسها، ولم يكن وحيدا بل كان مشدودا مع كلب ميت في حبل وثيق، وإذا هو في غضبه وأسفه، اقترب منه بعض أشراف المدينة الذين سبقوا إلى الإسلام، وراحوا وهم يشيرون الى الصنم يخاطبون عقل (عمرو بن الجموح)، محدِّثينه عن الإله الحق الذي ليس كمثله شيء، وعن محمد الصادق الأمين وعن الإسلام الذي جاء بالنور، وفي لحظات ذهب عمرو فطهر ثوبه وبدنه، وتطيب وتألق وذهب ليبايع خاتم المرسلين.
جوده أسلم عمرو بن الجموح قلبه وحياته لله رب العالمين، وعلى الرغم من أنه مفطور على الجود والكرم، فإن الإسلام زاد من جوده وعطائه في خدمة الدين والأصحاب، فقد سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- جماعة من بني سلمة قبيلة عمرو: { من سيِّدكم يا بني سلمة ؟}.
قالوا: { الجد بن قيس، على بخـل فيـه }.
فقال عليه السـلام: { وأيُّ داء أدْوَى من البخـل، بل سيدكم الجعـد الأبيـض عمرو بن الجمـوح }.
فكانت هذه الشهـادة تكريما لابن الجموح.
جهاده مثلما كان عمرو -رضي الله عنه- يجود بماله أراد أن يجود بروحه في سبيل الله ولكن كيف ذلك وفي ساقه عرجا شديدا يجعله غير صالح للاشتراك في قتال، وله أربعة أولاد مسلمون، وكلهم كالأسود كانوا يخرجون مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الغزو، وحاول عمرو بن الجموح الخروج يوم بدر فتوسّل أبناؤه للرسول الكريم كي يقنعه بعدم الخروج، وبالفعل أخبره الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنه معفي من الجهاد لعجزه الماثل بعرجه، وعلى الرغم من إلحاحه ورجائه، أمره الرسول بالبقاء في المدينة.
الشهادة وفي غزوة أحُد ذهب عمرو الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتوسل إليه أن يأذن له وقال: { يارسول الله إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك الى الجهاد، ووالله إني لأرجو أن أخْطِرَ بعرجتي هذه في الجنة }.
وأمام إصراره الكبير أذن له الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالخروج فأخذ سلاحه ودعا ربه: { اللهم ارزقني الشهادة ولا تردّني الى أهلي }.
والتقى الجمعان وانطلق عمرو يضرب بسيفه جيش الظلام والشرك، وجاء ما كان ينتظر، ضربة سيف كـُتِبَت له بها الشهادة، وعندما دفن المسلمون شهداءهم أمرهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- قائلا: { انظروا فاجعلوا عبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد، فإنهما كانا في الدنيا متحابين متصافيين }.
السيل وبعد مرور ست وأربعين سنة على دفنهما، نزل سيل شديد غطّى أرض القبور، بسبب عين ماء أجراها هناك معاوية، فسارع المسلمون الى نقل رُفات الشهداء، فإذا هم: { ليّنة أجسادهم، تتثنى أطرافهم }.
وكان جابر بن عبد الله لا يزال حيا، فذهب مع أهله لينقل رُفات أبيه عبد الله بن عمرو بن حرام ورُفات زوج عمته عمرو بن الجموح، فوجدهما في قبرهما كأنهما نائمان، لم تأكل الأرض منهما شيئا، أتَعْجَبون ؟!.
كلا، لا تَعْجَبوا.


مجرد إنسان 02-27-17 02:42 AM




عِمْران بن حصين رضي الله عنه

عِمْران بن حصين رضي الله عنه ما قدم البصرة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحد يَفضل عمران بن حصين الحسن البصري، ابن سيرين.
أسلم عِمْران بن حصين في عام خَيْبر، ومنذ وضع يمينه بيمين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصبحت يده اليمين موضع تكريم كبير، فآلى على نفسه ألا يستخدمها إلا في كل عمل طيب وكريم.
إيمانه إيمان عمران بن حصين صورة من صور الصدق والزهد والورع والتفاني وحب الله وطاعته، ومع هذا فهو يبكي و يقول: { يا ليتني كنت رمادا، تذْروه الرياح }.
ذلك أن هؤلاء الرجال كانوا يخافون الله لإدراكهم لعظمته وجلاله، ولإدراكهم لحقيقة عجزهم عن شكره وعبادته، ولقد سأل الصحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوما فقالوا: { يا رسول الله، ما لنا إذا كنا عندك رقّت قلوبنا، وزهدنا دنيانا، وكأننا نرى الآخرة رأي العين، حتى إذا خرجنا من عندك، ولقينا أهلنا وأولادنا ودنيانا أنكرنا أنفسنا ؟}.
فأجابهم عليه السلام: { والذي نفسي بيده، لو تدومون على حالكم عندي، لصافحتكم الملائكة عِياناً، ولكن ساعة وساعة }.
وسمع عمران هذا الحديث وأبى أن يعيش حياته ساعة وساعة وإنما ساعة واحدة موصولة النجوى والتبتُّل لله رب العالمين.
البصرة في خلافة عمر بن الخطاب أرسله الخليفة الى البصرة ليُفَقّه أهلها ويعلمهم، وفي البصرة حطّ الرحال، وأقبل عليه أهلها مُذ عرفوه يتبركون به ويستضيئـون بتقواه، قال الحسن البصـري وابن سيرين: { ما قدم البصـرة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحد يَفضـل عمران بن حصين }.
فقد كان عمران يرفض أن يشغله عن العبادة شاغل، فاستغرق في العبادة حتى صار كأنه لا ينتمي الى عالم الدنيا وإنما ملك يحيا مع الملائكة يحادثهم ويحادثونه، ويصافحهم ويصافحونه.
الفتنة لما وقع النزاع الكبير بين علي بن أبي طالب ومعاوية، وقف عمران بن حصين موقف الحياد، ورفع صوته بين الناس داعيا إياهم أن يكفوا عن الإشتراك في تلك الحروب ويقول: { لأن أرْعى أعنزا حَضنيّات في رأس جبل حتى يدركني الموت، أحب إليَّ من أن أرمي في أحدِ الفريقين بسهم، أخطأ أم أصاب }.
كما كان يوصي من يلقاه من المسلمين قائلا: { الْزم مسجدك، فإن دُخِلَ عليك فالزم بيتك، فإن دَخَل عليك بيتك من يريد نفسك ومالك فقاتِلْه }.
مرضه ووفاته حقق إيمان عمران بن حصين أعظم نجاح حين أصابه مرض موجع لبث معه ثلاثين عاما، ما ضَجِر منه ولا قال أُفّ، بل كان مثابرا على عبادته، وإذا هوّن عليه عواده أمر علته بكلمات مشجعة ابتسم لهم وقال: { إن أحب الأشياء الى نفسي، أحبها الى الله }.
وكانت وصيته لأهله وإخوانه حين أدركه الموت: { إذا رجعتم من دفني، فانحروا وأطعموا }.
أجل فموت مؤمن مثل عمران بن الحصين هو حفل زفاف عظيم، تزفّ فيه روح عالية راضية الى جنة عرضها السموات والأرض.


مجرد إنسان 02-27-17 02:44 AM



عمار بن ياسر رضي الله عنه


عمار بن ياسر رضي الله عنه { صبرا آل ياسـر فإن موعدكـم الجنـة } حديـث شريـف.
خرج والد عمار بن ياسر من بلده اليمن يريد أخا له، يبحث عنه، وفي مكة طاب له المقام فحالف أبا حذيفة بن المغيرة، وزوجه أبو حذيفة إحدى إمائه (سمية بنت خياط) ورزقا بابنهما (عمار)، وكان إسلامهم مبكرا.

العذاب وشأن الأبرار:

المُبَكّرين أخذوا نصيبهم الأوفى من عذاب قريش وأهوالها، ووُكل أمر تعذيبهم إلى بني مخزوم، يخرجون بهم جميعا ياسر و سمية وعمار كل يوم الى رمضاء مكة الملتهبة ويصبون عليهم من جحيم العذاب، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يخرج كل يوم الى أسرة ياسر مُحييا صمودها وقلبه الكبير يذوب رحمة وحنانا لمشهدهم، وذات يوم ناداه عمار: { يا رسول الله، لقد بلغ منا العذاب كُلَّ مبلغ }.
فناداه الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { صبرا أبا اليَقْظان، صبرا آل ياسر فإن موعـدكم الجنة }.
ولقد وصـف أصحاب عمار العذاب الذي نزل به.
فيقول عمـرو بن ميمون: { أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار، فكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يمر به، ويُمر يده على رأسه ويقول: يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت بردا وسلاما على إبراهيم }.
و يقول عمرو بن الحكم: { كان عمار يعذب حتى لا يدري ما يقول }.
وقد فقد وعيه يوما فقالوا له: { اذكر آلهتنا بخير }.
وأخذوا يقولون له وهو يردد وراءهم من غيـر شعور.
وبعد أن أفاق من غيبوبتـه وتذكر ما كان طار صوابـه، فألفاه الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- يبكي فجعل يمسح دموعه بيده ويقول له: { أخذك الكفار فغطوك في الماء فقلت: كذا وكذا ؟}.
أجاب عمار وهو ينتحب: { نعم يا رسول الله }.
فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو يبتسم: { إن عادوا فقل لهم مثل قولك هذا }.
ثم تلا عليه الآية الكريمة قال تعالى: { إلا من أُكرِه وقلبه مطمئنٌ بالإيمان }.
واسترد عمار سكينة نفسه، وصمد أمام المشركين.
حب الرسول لعمّار استقر المسلمون بعد الهجرة في المدينة، وأخذ عمار مكانه عاليا بين المسلمين، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحبه حبا عظيما، يقول عنه -صلى الله عليه وسلم- { إن عمّارا مُلِىء إيمانا إلى مُشاشه -تحت عظامه- }.
وحين كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يبنون المسجد بالمدينة إثر نزولهم، إرتجز علي بن أبي طالب أنشودة راح يرددها ويرددها المسلمون معه،وأخذ عمار يرددها ويرفع صوته،وظن بعض أصحابه أن عمارا يعرض به، فغاضبه ببعض القول فغضب الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال: { ما لهم ولعمّار ؟ يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار، إن عمّارا جِلْدَة ما بين عيني وأنفي }.
وحين وقع خلاف عابر بين خالد بن الوليد وعمّار قال الرسول: { من عادى عمّارا عاداه الله، ومن أبغض عمّارا أبغضه الله }.
فسارع خالد إلى عمار معتذرا وطامعا بالصفح.
كما قال -عليه أفضل الصلاة والسلام-: { اشتاقت الجنّةِ إلى ثلاثة: إلى علي، وعمّار وبلال }.
إيمانه لقد بلغ عمار في درجات الهدى واليقين ما جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يُزَكي إيمانه فيقول: { اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عَمّار }.
كما أن حذيفة بن اليمان وهو يعالج سكرات الموت سأله أصحابه: { بمن تأمرنا إذا اختلف الناس }.
فأجابهم: { عليكم بابن سمية، فإنه لا يفارق الحق حتى يموت }.
نبوءة الرسول أثناء بناء مسجد الرسـول -صلى الله عليه وسلم- أخذ الحنان الرسـول الكريـم الى عمار، فاقترب منه ونفض بيده الغُبار الذي كسـى رأسه، وتأمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجه عمار الوديع المؤمن ثم قال على ملأ من أصحابه: { وَيْحَ ابن سمية، تقتله الفئة الباغية }.
وتتكرر النبوءة حين يسقط الجدار على رأس عمار فيظن بعض إخوانه أنه مات، فيذهب الى الرسول ينعاه، فيقول الرسول -صلى الله عليه سلم- بطُمأنينة وثقة: { ما مات عمار، تقتل عماراَ الفئة الباغية }.
يوم اليمامة بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- واصل عمار تألقه في مواجهة جيوش الردة والفرس والروم، وكان دوما في الصفوف الأولى، وفي يوم اليمامة انطلق البطل في استبسـال عاصف، وإذا يرى فتـور المسلمين يرسل بين صفوفـهم صياحه المزلزل فيندفعون كالسهام، يقول عبـد الله بن عمـر: { رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخـرة، وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين أمِـن الجنة تفـرّون ؟ أنا عمار بن ياسر هلُمّـوا إلي، فنظرت إليه فإذا أذنه مقطوعة تتأرجح، وهو يقاتل أشد القتال }.
ولاية الكوفة لفضائله -رضي الله عنه- سارع عمر بن الخطاب واختاره والياً للكوفة وجعل ابن مسعود معه على بيت المال، وكتب الى أهلها مبشرا: { إني أبعث إليكم عمَّار بن ياسر أميرا، وابن مسعود مُعَلما ووزيرا، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد ومن أهل بدر }.
يقول ابن أبي الهُذَيْل وهو من معاصري عمار في الكوفـة: { رأيت عمار بن ياسر وهو أميـر الكوفة يشتري من قِثائها، ثم يربطها بحبـل ويحملها فوق ظهـره ويمضي بها الى داره }.
كما ناداه أحد العامة يوما: { يا أجدع الأذن }.
فيجيبه الأمير: { خَيْر أذنيّ سببت، لقد أصيبت في سبيل الله }.
عمار والفتنة وجاءت الفتنة ووقع الخلاف بين علي -كرم الله وجهه- ومعاوية، فوقف عمار الى جانب علي بن أبي طالب مُذعنا للحق وحافظا للعهد، وفي يوم صِفِّين عام 37 هجري خرج عمار مع علي بن أبي طالب وكان عمره ثلاثا وتسعين عاما، وقال للناس: { أيها الناس سيروا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يثأرن لعثمان، ووالله ما قصدهم الأخذ بثأره، ولكنهم ذاقوا الدنيا، واستمرءوها وعلموا أن الحق يحول بينهم وبين ما يتمرّغون فيه من شهواتهم ودنياهم، وما كان لهؤلاء سابقة في الإسلام يستحقون بها طاعة المسلمين لهم ولا الولاية عليهم، ولا عرفت قلوبهم من خشية الله ما يحملهم على اتباع الحق، وإنهم ليخدعون الناس بزعمهم أنهم يثأرون لدم عثمان، وما يريدون إلا أن يكونوا جبابرة وملوكا }.
ثم أخذ الرايـة بيده ورفعهـا عاليا وصـاح في الناس: { والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهأنذا أقاتل بها اليوم، والذي نفسي بيده لو هزمونا حتى يبلغوا سعفات هَجَر، لعلمت أننا على الحق وأنهم على الباطل }.
تحقق نبوءة الرسول كان عمار بن ياسر وهو يجول في المعركة يؤمن أنه واحد من شهدائها، وكانت نبوءة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمام عينيه: { تقتل عماراَ الفئة الباغية }.
من أجل هذا كان يغرد قائلا: { اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه }.
ولقد حاول رجال معاوية أن يتجنبوا عمَّارا ما استطاعوا، حتى لا تقتله سيوفهم فيتبين للناس أنهم الفئة الباغية، ولكن شجاعة عمار ابن الثالث والتسعين وقتاله كجيش لوحده أفقدهم صوابهم حتى إذا تمكنوا منه أصابوه، وانتشر الخبر، وتذكر الناس نبوءة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فزادت فريق علي بن أبي طالب إيمانا بأنهم على الحق، وحدثت بلبلة في صفوف معاوية، وتهيأ الكثير منهم للتمرد والإنضمام الى علي، فخرج معاوية خاطبا فيهم: { إنما قتله الذين خرجوا به من داره، وجاءوا به الى القتال }.
وانخدع الناس واستأنفت المعركة.
الشهيد حمل الإمام علي عماراً فوق صدره الى حيث صلى عليه والمسلمـون معه، ثم دفنه في ثيابه، ووقف المسلمون على قبـره يعجبون، فقبل قليـل كان يغـرد: { اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه }.
وتذكروا قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { اشتاقت الجنة لعمّار }.



مجرد إنسان 02-27-17 02:47 AM




عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه


عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه (مرحباً بالراكب المهاجر) حديث شريف.
عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة القرشيّ المخزومي وكنيته أبو عثمان، أسلم بعد الفتح، فقد كان هارباً الى اليمن وعند عودته قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { مرحباً بالراكب المهاجر }.
وقد حسُنَ إسلامه، وشارك في حروب الردة.
الهروب تحولت إلي عكرمة رئاسة بني مخزوم بعد مقتل أبيه { أبو جهل } في غزوة بدر، وكان من رؤوس الكفر والغلاة فيه، فرزقه الله الإسلام.
فقد عهد رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة ألا يقتلوا إلا من قاتلهم، إلا أنه قد عهد في نفر سماهم، أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة منهم عكرمة بن أبي جهل، فركب عكرمة البحر، فأصابهم عاصف، فقال أصحاب السفينة لمن في السفينة: { أخلصوا، فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً هاهنا }.
فقال عكرمة: { لئن لم يُنجّني في البحر إلا الإخلاص ما يُنجّيني في البرّ غيره، اللهم إنّ لك علي عهداً إن أنت عافيتني مما أنا فيه، أني آتي محمداً حتى أضع يدي في يده، فلأجدنّه عفواً كريماً }.
الأمان وأسلمت زوجته { أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة } يوم الفتح، فقالت: { يا رسول الله، قد هرب عكرمة منك إلى اليمن، وخاف أن تقتله فآمنهُ }.
فقال رسـول الله -صلى الله عليه وسلم-: { هو آمن }.
فخرجت في طلبه، فأدركته باليمن، فجعلت تلمح إليه وتقول: { يا ابن عم، جئتُك من عند أوصل الناس وأبرّ الناس وخير الناس، لا تهلك نفسك }.
فوقف لها حتى أدركته فقالت: { إني قد استأمنتُ لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- }.
قال: { أنتِ فعلتِ ؟}.
قالت: { نعم، أنا كلمتُهُ فأمّنَك }.
فرجع معها.
الإسلام قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمناً مهاجراً، فلا تسبّوا أباه فإن سبّ الميت يؤذي الحي، ولا تبلغ الميت }.
فلمّا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آمناً على دمه قال له: { مرحباً بالراكب المهاجر أو المسافر }.
فوقف بين يديه ومعه زوجته متنقبة فقال: { يا محمد، إنّ هذه أخبرتني أنك أمّنتني ؟!}.
فقال رسول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم-: { صدقتْ، فأنت آمن }.
قال عكرمة: { فإلام تدعو ؟}.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { أدعو إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتفعل }.
حتى عدّ خصال الإسلام.
فقال عكرمة: { واللـه ما دعوت إلا إلى الحـق، وأمر حسن جميل، قد كنت واللـه فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنتَ أصدقنا حديثاً، وأبرّنا أمانة }.
ثم قال عكرمة: { فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله }.
فسُرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: { يا رسول الله، علّمني خير شيءٍ أقوله }.
قال: { تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله }.
ثم قال: { ثم ماذا ؟}.
قال: { تقول: اللهم إني أشهدك أنّي مهاجر مجاهد }.
فقال عكرمة ذلك.
ثم قال النبـي -صلى اللـه عليه وسلم-: { ما أنتَ سائلي شيئاً أعطيه أحداً من الناس إلا أعطيتك }.
فقال: { أمّا إني لا أسألك مالاً، إني أكثر قريش مالاً، ولكن أسألك أن تستغفر لي }.
وقال: { كل نفقة أنفقتُها لأصدّ بها عن سبيل اللـه، فوالله لئن طالت بي حياة لأضعفنّ ذلك كله }.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { اللهم اغفر له كلّ عداوةٍ عادانيها، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك، واغفر له ما نال مني ومن عرضٍ في وجهي أو أنا غائب عنه }.
فقال عكرمة: { رضيتُ يا رسول الله }.
وكان إسلام عكرمة سنة ثمان من الهجرة، فأسلم وكان محمود البلاء في الإسلام، وكان إذا اجتهد في اليمين قال: { لا والذي نجّاني يوم بدر }.
المنام وقيل أن رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- قد رأى في منامه أنه دخل الجنة، فرأى فيها عذقاً مذللاً فأعجبه فقيل: { لمن هذا ؟}.
فقيل: { لأبي جهل }.
فشقّ ذلك عليه وقال: { ما لأبي جهل والجنة ؟ والله لا يدخلها أبداً }.
فلمّا رأى عكرمة أتاه مسلماً تأوّل ذلك العذق عكرمة بن أبي جهل.
الأحياء والأموات وقدم عكرمة المدينة، فجعل كلّما مر بمجلس من مجالس الأنصار قالوا: { هذا ابن أبي جهل }.
فيسبّون أبا جهل، فشكا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال الرسول الكريم: { لا تُؤذوا الأحياء بسبب الأموات }.
وكان عكرمة يضع المصحف على وجهه ويقول: { كلامُ ربي }.
جهاده استعمله أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- على عُمان حين ارتدوا، فقاتلهم وأظفره الله بهم، ولما ندب أبو بكر النّاس لغزو الروم، وقدم الناس فعسكروا بالجُرْفِ -موضع من المدينة نحو الشام- خرج أبو بكر يطوف في معسكرهم، ويقوي الضعيف منهم، فبصر بخباءٍ عظيم، حوله المرابط، ثمانية أفراس ورماح وعـدّة ظاهرة، فانتهى إلى الخبـاء، فإذا خباءُ عكرمة فسلّم عليـه، وجزاه أبو بكر خيـراً، وعرض عليه المعونة، فقال له عكرمة: { أنا غني عنها، معي ألفا دينار، فاصرِفْ معونتك إلى غيري }.
فدعا له أبو بكر بخير.

الشام والشهادة

استشهد عكرمة بن أبي جهل في عام 13 هـ في خلافة أبو بكر الصديق يوم (مرج الصُّفَّر).
وقيل في اليرموك سنة (15 هـ) في خلافة عمر، ولم يُعقِب.
فلمّا كان يوم اليرموك نزل فترجّل فقاتل قتالاً شديداً، ولمّا ترجل قال له خالد بن الوليد: { لا تفعل، فإنّ قتلك على المسلمين شديد }.
فقال: { خلّ عني يا خالد، فإنه قد كان لك مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سابقة، وإني وأبي كنّا مع أشد الناس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-}.
فمشى حتى قُتِل، فوجدوا به بضعةً وسبعين ما بين ضربة وطعنة ورمية.
وقيل أنه قال يوم اليرموك: { قاتلت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل موطن، وأفر منكم اليوم ؟!}.
ثم نادى: { مَنْ يُبايع على الموت ؟}.
فبايعه الحارث بن هشام في أربع مائة من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا حتى أثبتوا جميعاً جراحةً وقُتِلوا إلا من نبأ.


مجرد إنسان 02-27-17 02:48 AM



عُقبة بن نافع رضي الله عنه


عُقبة بن نافع رضي الله عنه { يا ربِّ لولا هذا البحرُ لمضيتُ في البلاد مُجاهداً في سبيلك، أنشر دينكَ المبين}.
عُقبة بن نافع عُقبة بن نافع بن عبد القيس القرشـيّ، وُلِدَ في عهد الرسول -صلى اللـه عليه وسلم-، خاله عمرو بن العاص، وشهد معه فتح مصر واختطّ بها، ثم ولاهُ يزيد بن معاوية إمرة المغرب، وهو الذي بنى القيروان.
الرفعة والعافية قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عقبة بن نافع: { رأيتُ كأنّي في دار عُقبة بن نافع، فأتينا برُطَبٍ أبّر -مُلَقّح- طاب، فأوّلتُها: الرفعة والعافية وإنّ دينَنَا قد طاب لنا }.
مصر شَهِدَ عُقبة بن نافع فتح مصر (18-21 هـ)، واختطّ بها، فقد اتّخذ فيها أرضاً ووضع لها علاماً ليعلم أنها ملكه، وقد بعثه عمرو بن العاص إلى القرى التي حولها، فدخلت خيولهم أرض النوبة غزاةً، فلقي المسلمون قتالاً شديداً.
غزوات عُقبة في عام (20 هـ) أرسل عمرو بن العاص عُقبة بن نافع على رأس جيش إسلامي، تمكّن من فتح برقة، وفزان، وزويلة، وقد اتّخذ عُقبة من برقةَ قاعدةً لنشر الإسلام في المناطق الواقعة غرب مصر.
قال خليفة: في سنة إحدى وأربعين ولى عمرو بن العاص، وهو على مصر عقبة بن نافع افريقية، فانتهى إلى قونِية -وهي من أعظم مدن الإسلام ببلاد الروم- وقَراقِيَةَ -على طريق الإسكندرية إلى افريقية- فأطاعوه، ثم كفروا، فغزاهم من سَبْتَةَ فقتل وسبى، وفيها سنة اثنتين وأربعين غزا عقبة بن نافع إفريقية فافتتح غُدامس، وفي سنة ثلاث وأربعين غزا عقبة بن نافع فافتتح كُوراً من بلاد السودان، وافتتح وَدّان، وهي من حيدة برقة، وكلها من بلاد إفريقية.
فتح إفريقية فلمّا ولي معاوية بن أبي سفيان وجّه عُقبة بن نافع إلى افريقية عام (50 هـ)، غازياً في عشرة آلاف من المسلمين، فافتتحها واختطّ قيروانها، وقد كان موضعه بستاناً واسعاً، لا ترام من السباع والحيات وغير ذلك من الدّواب، فدعا الله عليها، فلم يبقَ فيها شيء مما كان فيها إلا خرج هارباً بإذن الله، فقد وقف وقال: { يا أهل الوادي، إنّا حالون -إن شاء الله- فاظعنوا }.
ثلاث مرات، قيل: { فما رأينا حجراً ولا شجراً، إلا يخرج من تحته دابّة حتى هبطن بطنَ الوادي }.
ثم قال للناس: { انزلوا باسم الله }.
فأسلم خلق كبير من البربر، فقد كان عُقبة بن نافع مُجاب الدعوة.
وهكذا أصبحت القيروان قاعدة حربية لتأمين الخطوط الدفاعية الإسلامية في المنطقة، ونقطة إنطلاق لنشر الإسلام بين السكان هناك.
بحر الظلمات ولمّا عادَ عُقبة للولاية ثانيـةً عام (60 هـ) سار بقواتـه غرباً حتى وصل المحيـط الإطلسي { بحر الظلمات } عام (62 هـ)، فتوقّف حينئـذ وقال: { يا ربِّ لولا هذا البحرُ لمضيتُ في البلاد مُجاهداً في سبيلك، أنشر دينكَ المبينَ، رافعاً راية الإسلام فوقَ كل مكانٍ حصينٍ، استعصى على جبابرة الأقدمين }.
الشهادة وفي أثناء عودة عُقبة بن نافع إلى القيروان، فاجأهُ (كُسَيْلةُ) بفريق من البربر وحلفائه البيزنطيين، واشتبكوا معه في معركة انتهت باستشهاده مع عدد من الجنود.
استشهد عُقبة في إفريقيـة سنة (63 هـ)، وأوصى أبناءه ألا يقبلـوا الحديث عن رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- إلا من ثقة، وألا تشغلهم الإمارةُ عن القرآن.


مجرد إنسان 02-27-17 02:52 AM




عُديّ بن حاتم بن الطائي رضي الله عنه


عُديّ بن حاتم بن الطائي رضي الله عنه (يا عُديّ بن حاتم أسلمْ تسلمْ) حديث شريف.
عُديّ بن حاتم بن عبد الله الطائي وكنيته أبو طريف، ابن حاتم الطائي الذي يضرب بجوده المثل، كان نصرانياً، ووفد على الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سنة سبع فأكرمه واحترمه وحسُنَ إسلامه، ومنع قومه من الردة بقوة إيمانه، وحَسُن رأيه.
إسلامه وقعت أخت عُدي في الأسر، فمنّ عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأتت أخاها في بلاد الشام فكلمته في المجيء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاء وأسلم.
قال عُدي: بُعِثَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين بُعث فكرهته أشدّ ما كرهت شيئاً قط، فانطلقتُ حتى إذا كنت في أقصى الأرض ممّا يلي الروم، فكرهتُ مكاني ذلك مثلما كرهته أو أشدّ، فقلتُ: { لو أتيتُ هذا الرجل، فإن كان كاذباً لم يخفَ عليّ، وإن كان صادقاً اتبعته }.
فأقبلتُ فلمّا قدمتُ المدينة استشرفني الناس وقالوا: { عُدي بن حاتم ! عُدي بن حاتم }.
فأتيته فقال لي: { يا عديّ بن حاتم أسلمْ تسلمْ }.
فقلتُ: { إنّ لي ديناً !}.
قال: { أنا أعلم بدينك منك }.
قلتُ: { أنت أعلم بديني مني ؟!}.
قال: { نعم }.
مرّتين أو ثلاثاً قال: { ألست ترأس قومك ؟}.
قلتُ: { بلى }.
قال: { ألستَ رُكوسيّاً -فرقة مترددة بين النصارى والصابئين- ألستَ تأكل المرباع ؟}.
قلتُ: { بلى }.
قال: { فإن ذلك لا يحلّ في دينَك !}.
فنضنضتُ لذلك.
ثم قال: { يا عديّ أسلمْ تسلمْ }.
قلتُ: { قد أرى }.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { إنّه ما يمنعك أن تسلم إلا غضاضةً تراها ممّن حولي، وأنت ترى الناس علينا إلْباً واحداً ؟}.
قال: { هل أتيتَ الحيرة ؟}.
فقلتُ: { لم آتِها وقد علمتُ مكانها }.
قال: { يُوشك الظعينة أن ترحل من الحيرة بغير جوار، أو حتى تطوف بالبيت، ولتفتحنّ علينا كنوز كسرى بن هرمز }.
قلتُ: { قلتَ كسرى بن هرمز !!}.
قال: { كسرى بن هرمز }.
مرتين أو ثلاثة.
{ وليفيضنّ المالُ حتى يهمَّ الرجل مِنْ يقبلُ صدقتَهُ }.
قال عدي: { فرأيتُ اثنتين: الظعينة -المرأة- في الهودج تأتي حاجةً لا تحتاج إلى جوار، وقد كنتُ في أول خيل أغارت على كنوز كسرى بن هرمز، وأحلف بالله لتجيئنّ الثالثة، إنّه قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-}.
فضله قَدِمَ عُدَي بن حاتم على أبي بكر بصدقات قومه، وشهد فتوحَ العراق مع سعد، وكان مع خالد فيمن قطع بدِّيَّة السَّماوة إلى الشام، وشهد كثيراً من فتوحها نزل الكوفة وابتنى بها داراً في طيء.
وقد قَدِمَ على عمر بن الخطاب، فرأى منه جفاءً في العطاء والبشاشة، ولم يلحقه بنظرائه، فقال عدي: { يا أمير المؤنين، أتعرفني !}.
فضحك عمر ثم قال: { نعم، والله إني لأعرفـك، أسلمت إذ كفـروا، وعرفتَ إذْ أنكروا، وأقبلتَ إذْ أدبـروا، ووَفَيْتَ إذْ غدروا، وإنّ أول صدقة بيّضتْ وجْهَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة طيء حيثُ جئتَ بها }.
وأخذ يعتذر منه في فعله لأولئك، فقال عدي: { فلا أبالي إذن }.
عينه يوم مقتـل عثمان قال عُديّ: { لا ينتطح فيها عنـزان }.
ولم يزل مع علي بن أبـي طالب وشهد معه الجمل وصفّين.
فلمّا فقئت عينـه يوم الجمل قيل له: { أما قلت لا ينتطح فيها عنزان ؟!}.
قال: { بلى وتفقأ عيون كثيرة }.
الوفاة توفي أبو طريف مُعَمّراً في عام (68 هـ) في الكوفة.


مجرد إنسان 02-27-17 02:53 AM




عثمان بن مظعون رضي الله عنه


عثمان بن مظعون رضي الله عنه {إنّ ابن مظعون لحييٌّ ستّيْرٌ} حديث شريف.
عثمان بن مظعون بن حبيب الجمحيّ (أبو السائب) من أوائل المسلمين وأغلـب الظـن الرابع عشر ترتيبـاً، وناله ما ينال المسلمين من أذى المشركين وصبـر،، وكان ممن حرّم الخمـر على نفسه قبل تحريمها وكان أمير المهاجرين الأوائل الى الحبشـة مصطحبا ابنه السائب معـه وكان أول المهاجرين وفاة بالمدينة، وأولهم دفنا بالبقيع.
إسلامه انطلق عثمان بن مظعون، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد، وأبو عبيدة بن الجراح، حتى أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعَرَض عليهم الإسلام، وأنبأهم بشرائعه، فأسلموا جميعاً في ساعةٍ واحدةٍ، وذلك قبل دخول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم، وقبل أن يدعو فيها.
جوار الله بلغ أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذين خرجوا الى الحبشة أن أهل مكة قد أسلموا، فغادروا الحبشة عائدين، ولكن حين دنو من مكة علموا بأن هذا النبأ خاطيء، فلم يدخل أحد منهم الى مكة إلا بجوار أو مستخفيا وكانوا ثلاثة وثلاثون منهم عثمان بن مظعون الذي دخل بجوار من الوليد بن المغيرة.
ولكن لما رأى -رضي الله عنه- ما فيه أصحـاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-من البلاء وهو يغـدو ويروح في أمـان من الوليد بن المغيرة قال: { والله إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل من الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى ما لا يصيبني لنقص كبير في نفسي }.
فمشى الى الوليد بن المغيرة فقال له: { يا أبا عبد شمس، وَفَت ذمتك، قد رددت إليك جوارك }.
فقال له: { يا ابن أخي لعله آذاك أحد من قومي }.
قال: { لا، ولكني أرضى بجوار الله ولا أريد أن أستجير بغيره }.
فقال: { فانطلق الى المسجد فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية }.
فانطلقا حتى أتيا المسجد فقال الوليد: { هذا عثمان قد جاء يرد عليّ جواري }.
قال عثمان: { صدق قد وجدته وفيا كريم الجوار ولكني أحببت أن لا أستجير بغير الله، فقد رددت عليه جواره }.
ثم انصرف عثمان، ولبيـد بن ربيعة في مجلس من قريش يُنشـدهم، فجلس معهم عثمان، فقل لبيـد: { ألا كل شيء ما خلا الله باطـل }.
قال عثمان: { صدقت }.
قال لبيد: { وكل نعيم لا محالة زائل }.
قال عثمان: { كذبت، نعيم الجنة لا يزول }.
قال لبيد: { يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسكم، فمتى حدث هذا فيكم ؟}.
فقال رجل من القوم: { إن هذا سفيه من سفهاء معه، قد فارقوا ديننا فلا تجدن في نفسك من قوله }.
فرد عثمان عليه حتى شري أمرهم، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضّرها والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان، فقال: { أما والله يا ابن أخي، إن كانت عينك عما أصابها لغنية، لقد كنت في ذمة منيعة }.
فقال عثمان: { بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة الى مثل ما أصاب أختها في الله وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس }.
فقال الوليد: { هلم يا ابن أخي، إن شئت فعد الى جوارك }.
فقال عثمان: { لا }.
الراهب الجليل وهاجر عثمان بن مظعـون الى المدينة مع الرسـول -صلى الله عليه وسلم- والمسلميـن، وظهرت حقيقته الطاهرة، فهو راهـب الليل والنهار وفارسهمـا معا، تفرغ للعبادة وانقطع عن مناعم الحياة فلا يلبس إلا الخشـن ولا يأكل إلا الطعام الجشِب، فقد دخل يوما المسجد، وكان يرتدي لباسا تمزق، فرقعه بقطعة من فروة، فرق له قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- ودمعت عيون الصحابة فقال لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { كيف أنتم يوم يغدو أحدكم في حُلّة، ويروح في أخرى، وتوضع بين يديه قصعة وترفع أخرى، وسَتَرتم بيوتكم كما تستر الكعبة ؟}.
قال الأصحاب: { وَدِدْنا أن ذلك يكون يا رسول الله، فنُصيب الرخاء والعيش }.
فأجابهم الرسول الكريم: { إن ذلك لكائن، وأنتم اليوم خير منكم يومئـذ }.
البيت واتّخَذَ عثمان بن مظعون بيتاً فقعد يتعبّد فيه، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتاه، فأخذ بعِضادتَيْ باب البيت الذي هو فيه فقال: { يا عثمان إن الله لم يبعثني بالرهبانيّة، مرّتين أو ثلاثاً، وإنّ خيرَ الدّين عند الله الحنيفيّة السمحة }.
الأسوة الحسنة وحين سمع ابـن مظعـون ذلك زاد هربا من النعيم، بل حتى الرفث الى زوجته نأى عنه وانتهى، فقد دخلت امرأةُ عثمان على نساء النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- فَرَأيْنها سيّئة الهيئة، فقُلن لها: { مَا لكِ ؟ فما في قريش أغنى من بعلِك ؟}.
قالت: { ما لنا منه شيءٌ، أمّا ليلهُ فقائمٌ، وأمّا نهارَهُ فصائم }.
فدخل النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- فذكَرْنَ ذلك له، فلقيهُ فقال: { يا عثمان بن مظعون أمَا لكَ بي أسوة }.
فقال: { بأبي وأمي، وما ذاك ؟}.
قال: { تصوم النهار وتقومُ الليلَ ؟!}.
قال: { إنّي لأفعل }.
قال: { لا تفعلْ، إنّ لعينيك عليك حقّاً، وإن لجسدك حقّاً، وإن لأهلك حقّاً، فصلّ ونمْ، وصُم وأفطر }.
فأتت امرأته على زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك عطرةُ عروس، فقُلنَ لها: { مَهْ ؟!}.
قالت: { أصابنا ما أصاب الناس }.
الحياء أتى عثمان بن مظعون النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: { يا رسول الله إنّي لا أحبّ أن ترى امرأتي عورتي }.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { ولِمَ ؟}.
قال: { أستحيي من ذلك وأكرهه }.
قال -صلى الله عليه وسلم-: { إنّ الله جعلها لك لباساً، وجعلك لها لباساً، وأهلي يرون عورتي، وأنا أرى ذلك منهم }.
قال: { أنت تفعلُ ذلك يا رسول الله ؟}.
قال: { نعم }.
قال: { فمِنْ بعدِك }.
فلمّا أدبر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { إنّ ابن مظعون لَحَييٌّ سِتّيرٌ }.
وفاته وحين كانت روحه تتأهب للقاء ربها وليكون صاحبها أول المهاجرين وفاة بالمدينة سنة { 2 هـ }، كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى جانبه يقبل جبينه ويعطره بدموعه وودعه الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- قائلا: { رحمك الله أبا السائب، خرجت من الدنيا وما أصبت منها ولا أصابت منك }.
ولم ينسه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك أبدا حتى حين ودع ابنته رقية حين فاضت روحها قال لها: { الحقي بسلفنا الخيِّر، عثمان بن مظعون }.
الرثاء وقالت امرأته ترثيه:

يا عينُ جودي بدمعٍ غيـر ممنُونِ = على رزية عثمان بن مظعـون

على امرىءٍ فـي رضوانِ خالقـه = طُوبى له من فقيد الشخص مدفونِ


طاب البقيـعُ له سكنى وغرقـده = وأشرقتْ أرضُهُ من بعد تعييـن


وأورثَ القلبَ حُزْناً لا انقطاع له = حتى الممات فما تَرقَى له شوني



مجرد إنسان 02-27-17 02:54 AM



عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه


عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه يا رسول الله إني قد رأيتُ هذا الغلام منهم من " " أحرصهم على التفقهِ في الإسلام وتعلّم القرآن أبو بكر الصديق رضي الله عنه....
عثمان بن أبي العاص بن بشر الثقفيّ الطائفيّ، قدِمَ مع وفد ثقيف سنة تسع على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان أصغرهم سنّاً، فأسلموا وأمّرَهُ عليهم، ثم أمّـره أبو بكر على الطائـف، واستعمله عمر على عُـمان و البحرين، ثم قـدّمه على جيـش فافتتـح (توّج) بفارس سنة 21 هـ ومصّرها، ثم سكن البصرة.
وفد ثقيف عن عثمان بن أبي العاص قال: قدمت في وفد ثقيف حين قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلمّا حللنا بباب النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا: { من يمسك لنا رَوَاحِلَنَا ؟}.
فكل القوم أحب الدخول على النبي -صلى الله عليه وسلم- وكره التخلف عنه.
قال عثمان: وكنت أصغرهم فقلت: { إنْ شئتم أمسكتُ لكم على أن لي عليكم عهد الله لتمسكنّ لي إذا خرجتم }.
قالوا: { فذلك لك }.
فدخلوا عليه، ثم خرجوا فقالوا: { انطلق بنا }.
قلتُ: { أين ؟}.
قالوا: { إلى أهلك }.
فقلتُ: { ضربتُ من أهلي حتى إذا حللتُ بباب النبي -صلى الله عليه وسلم- أرجع ولا أدخل عليه ؟! وقد أعطيتموني ما قد علمتم !}.
قالوا: { فأعجل فإنا قد كفيناك المسألة، لم ندع شيئاً إلا سألناه عنه }.
فدخلتُ فقلتُ: { يا رسول الله، ادعُ الله لي أن يفقهني في الدّين ويعلمني }.
قال: { ماذا قلت ؟}.
فأعدتُ عليه القول، فقال: { لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحدٌ من أصحابك، فأنت أميرٌ عليهم وعلى من يَقْدِمُ عليه من قومِكَ }.
ولمّا أسلم القوم، وأرادوا الرجوع إلى قومهم، قام الرسول -صلى الله عليه وسلم- على المنبر وبيده كتابٌ قاضاهم عليه، فقال: { لأعطينَّ هذا الكتاب رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، قُمْ يا عثمان بن أبي العاص }.
فقام عثمان بن أبي العاص، فدفعه إليه.
أمير الطائف قال عثمان بن أبي العاص: { استعملني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الطائف، فكان آخر ما عهد إليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ قال: { خفّفْ عن الناس الصلاة -حتى وقف أو وقت- ثم اقرَأ باسم ربّك الذي خلق، وأشباهها من القرآن }.
فلم يزل عثمان بن أبي العاص على الطائف حتى قُبِضَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وخلافة أبي بكر الصديق، وخلافة عمر بن الخطاب، وعثمان بن أبي العاص هو الذي منع أهل الطائف من الردّة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأطاعوه.
حتى إذا أراد عمر أن يستعمل على البحرين فسمّوا له عثمان بن أبي العاص، فقال: { ذلك أميرٌ أمّرهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الطائف فلا أعزله }.
قالوا له: { يا أميـر المؤمنيـن تأمره يستخلف على عمله من أحبّ، وتستعين به فكأنّك لم تعزله }.
فقال: { أمّا هذا فنعم }.
فكتب إليه: { أن خلّف على عملك من أحببتَ وأقْدِمْ عليّ }.
فخلّف أخاه الحكم بن أبي العاص على الطائف، وقدم على عمر بن الخطاب، فولاه البحرين.
توّج استعمل عمر بن الخطاب عثمان بن أبي العاص سنة (15هـ) على عُمان والبحرين، وسار إلى (توج) فافتتحها، ومصّرَها، وقتل ملكها (شهرك) سنة (21هـ) وكان يغزو سنوات في خلافة عمر وعثمان، يغزو صيفاً ويشتو بتوج.
شط عثمان ولمّا عُزِلَ عثمان عن البحرين نزل البصرة هو وأهل بيته، وشرفوا بها، والموضع الذي بالبصرة يُقال له شط عثمان إليه ينسب.
البطل المقدام وكان عُثمان بن أبي العاص بطلاً مقداماً، كان قد شدّ في الجاهلية على عمرو بن معد يكرب، فهرب عمرو فقال عثمان.
لَعَمْرُكَ لولا الليلُ قامتْ مآتم ***** حَواضِرُ يخمنَ الوجوه على عمرو فأفْلتنَـا فَوْتَ الأسنّـة بعدما ***** رأى الموتَ والخطى أقربَ من شبر العشّار ومرّ عثمان بن أبي العاص بكلاب بن أميّة بن الأسكر، وهو بالأبلّة - بلدة بجانب البصرة - فقال: { ما يحبسـك هاهنـا ؟}.
قال: { على هذه القرية }.
قال عثمان: { أعشّارٌ ؟}.
قال: { نعم }.
قال: إنّي سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: { إذا انتصف الليل أمر الله تعالى منادياً ينادي: هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من داعٍ فأجيبه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ فما تردّ دعوةُ داعٍ إلا زانية بفرجها أو عشّار }.
الوفاة توفي عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- سنة (51 هـ).


مجرد إنسان 02-27-17 02:56 AM




عتبة بن غزوان رضي الله عنه


عتبة بن غزوان رضي الله عنه " غدا ترون الأمراء من بعدي " عتبة بن غزوان عتبة بن غزوان هو سابع سبعـة أسلموا وبايعوا وتحـدوا قريشا، ولما أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة الى الحبشة خرج مع إخوانه مهاجرا ولكن عاد مجددا الى مكة، وصمد مع الرسول الكريم والمسلمين الى أن سُمِحَ لهم بالهجـرة الى المدينـة فكان من الرماة الأفـذاذ الذين أبلـوا في سبيـل اللـه بـلاء حسنـا في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبعد وفاته.
فتـح الأبُـلّـة أرسله أمير المؤمنين الى الأبُلّة ليفتحها ويطهرها من الفرس، وقال له عمر وهو يودّعه وجيشه: { انطلق أنت ومن معك حتى تأتوا أقصى بلاد العرب وأدنى بلاد العجـم، وسر على بركة الله ويُمنـه، ادْعُ إلى الله من أجابـك، ومن أبى فالجزيـة، وإلا فالسيف في غير هوادة، كابِـد العدو، واتق الله ربـك }.
ومضى عُتبة على رأس جيشهم الذي لم يكن كبيرا حتى قدِمَ الأبُلّة، وكان الفرس يحشدون جيشا من أقوى جيوشهم، فنظم عتبة جيشه ووقف في المقدمة حاملا رُمْحَه بيده، وصاح بالجيش: { الله أكبر، صدق وعده }.
فما هي إلا جولات ميمونة حتى استسلمت الأبُلّة وتحرر أهلها من جنود الفرس.
البصرة والإمارة اختطّ عتبة -رضي الله عنه- مكان الأبُلّة مدينة البصرة، وعمّرها وبنى مسجدها العظيم، وأراد العودة الى المدينة هروبا من الإمارة، لكن أمره أمير المؤمنين عمر بالبقاء، فبقي عُتبة يصلي بالناس ويفقههم في دينهم، ويحكم بينهم بالعدل زاهدا ورِعا بسيطا.
ووقف يحارب الترف والسِّرف فقد كان يخاف الدنيا على نفسه وعلى المسلمين، وقف خاطبا يوما: { والله لقد رأيتني مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سابع سبعة وما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقُـنا، ولقد رزقت يوما بُرْدَة فشققتها نصفين، أعطيت نصفها سعد بن مالك ولبست نصفها الآخر }.
وحاول المترفون ممن تعودوا على المظاهر المتعالية تغير عتبة وزهده فكان يجيبهم: { إني أعوذ بالله أن أكون في دنياكم عظيما، وعند الله صغيرا }.
ولما شعر بضيق من حوله قال: { غدا ترون الأمراء من بعدي }.
موسم الحج وجاء موسم الحج، فاستخلف عتبة على البصرة أحد إخوانه وخرج حاجّاً، ولمّا قضى حجّه توجه الى المدينة، وحاول أن يعتذر عن الإمارة، ولكن لم يرضى عمر أن يعفيه عن الإمارة وبالذات أن عتبة مـن الزاهدين الورعيـن، وكان يقـول عمر لولاتـه: { تضعون أماناتكم فوق عنقي، ثم تتركوني وحدي ؟ ا والله لا أعفيكم أبداً }.
وفاته أطاع عتبة أمير المؤمنين واستقبل راحلته ليركبها راجعا الى البصرة، ولكن قبل ركوبها دعا ربه ضارعا ألا يرُدَّه الى البصرة ولا إلى الإمارة، واستجيب دعاؤه فبينما هو في طريق عودته أدركه الموت، وفاضت روحه الى بارئها.


مجرد إنسان 02-27-17 02:57 AM




عبد الله بن مسعود رضي الله عنه



عبد الله بن مسعود صاحب السَّواد ما أعرف أحدا أقرب سمتا ولا هديا ودلا بالنبي -صلى الله عليه "وسلم- من ابن أم عبد حذيفة بن اليمان هو عبدالله بن مسعود بن غافل الهذلي، وكناه النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا عبدالرحمـن مات أبوه في الجاهلية، وأسلمت أمه وصحبت النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك كان ينسب الى أمه أحيانا فيقال: (ابن أم عبد).
وأم عبد كنية أمه -رضي الله عنهما-.
أول لقاء مع الرسول يقول -رضي الله عنه- عن أول لقاء له مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي مُعَيْط، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكـر فقالا: { يا غلام، هل عندك من لبن تسقينـا ؟}.
فقلت: { إني مؤتمـن ولست ساقيكما }.
فقال النبـي -صلى الله عليه وسلم-: { هل عندك من شاة حائل، لم يَنْزُ عليها الفحل ؟}.
قلت: { نعم }.
فأتيتهما بها، فاعتقلها النبي ومسح الضرع ودعا ربه فحفل الضرع، ثم أتاه أبو بكر بصخرة متقعّرة، فاحتلب فيها فشرب أبوبكر، ثم شربت ثم قال للضرع: { اقْلِص }.
فقلص، فأتيت النبي بعد ذلك فقلت: { علمني من هذا القول }.
فقال: { إنك غلام مُعَلّم }.
إسلامه لقد كان عبدالله بن مسعود من السابقين في الاسلام، فهو سادس ستة دخلوا في الاسلام، وقد هاجر هجرة الحبشة وهجرة المدينة، وشهد بدرا والمشاهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو الذي أجهز على أبي جهل، ونَفَلَه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيفَ أبي جهل حين أتاه برأسه.
وكان نحيل الجسم دقيق الساق ولكنه الايمان القوي بالله الذي يدفع صاحبه الى مكارم الأخلاق، وقد شهد له النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- بأن ساقه الدقيقة أثقل في ميزان الله من جبل أحد، وقد بشره الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- بالجنة.
فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن مسعود فصعد شجرةً وأمَرَه أن يأتيه منها بشيء، فنظر أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ساقه حين صعد فضحكوا من حُموشَةِ ساقه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: { مَمّ تضحكون ؟ لَرِجْلُ عبد الله أثقلُ في الميزان يوم القيامة من أحُدٍ }.
جهره بالقرآن وعبد الله بن مسعود -رضي اللـه عنه- أول من جهر بالقرآن الكريم عند الكعبة بعد رسول اللـه -صلى الله عليه وسلم-، اجتمع يوماً أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: { والله ما سمعت قريشُ هذا القرآن يُجهرُ لها به قط، فمَنْ رجلٌ يُسمعهم ؟}.
فقال عبد الله بن مسعود: { أنا }.
فقالوا: { إنّا نخشاهم عليك، إنّما نريدُ رجلاً له عشيرة تمنعه من القوم إن أرادوه }.
فقال: { دعوني فإنّ الله سيمنعني }.
فغدا عبد الله حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتها، حتى قام عبد الله عند المقام فقال رافعاً صوته: {
بسم الله الرحمن الرحيم: (( الرَّحْمَنُ )) * (( عَلَّمَ الْقُرْآنَ )) * (( خَلَقَ الإِنسَانَ )) * (( عَلَّمَهُ الْبَيَانَ )) [الرحمن:1-4]^ }.
فاستقبلها فقرأ بها، فتأمّلوا فجعلوا يقولون ما يقول ابن أم عبد، ثم قالوا: { إنّه ليتلوا بعض ما جاء به محمد }.
فقاموا فجعلوا يضربونه في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه، فقالوا: { هذا الذي خشينا عليك }.
فقال: { ما كان أعداء الله قط أهون عليّ منهم الآن، ولئن شئتم غاديتهم بمثلها غداً ؟!}.
قالوا: { حسبُكَ قد أسمعتهم ما يكرهون }.
حفظ القرآن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن مسعود أن يقرأ عليه فقال: {اقرأ علي}.
قال: {يا رسول الله أقرأعليك وعليك أنزل ؟}.
فقال -صلى اللـه عليه وسلم-: {إني أحب أن أسمعه من غيري}.
قال ابن مسعود: { فقرأت عليه من سورة النسـاء حتى وصلت إلى قوله تعالى: (( فكَيْفَ إذَا جِئْنَـا مِنْ كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيـد وجِئْنَـا بِكَ عَلى هَـؤلاءِ شَهِيـداً ))[النساء:41].
فقال له النبي –صلى الله عليه وسلـم-: حسبـك.
قال ابن مسعود: فالتفت اليه فاذا عيناه تذرفان }.
كان ابن مسعود من علماء الصحابة -رضي الله عنهم- وحفظة القرآن الكريم البارعين، فيه انتشر علمه وفضله في الآفاق بكثرة أصحابه والآخذين عنه الذين تتلمذوا على يديه وتربوا، وقد كان يقول: { أخذت من فم رسـول اللـه -صلى اللـه عليه- سبعين سورة لا ينازعني فيها أحد }.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- {استقرئـوا القرآن من أربعة من عبـدالله بن مسعود وسـالم مولى أبى حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل }.
كمـا كان يقول: { من أحب أن يسمع القرآن غضاً كما أُنزل فليسمعه من ابن أم عبد }.
قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { استخلفتَ }.
فقال: { إنّي إنْ استخْلِفُ عليكم فعصيتم خليفتي عُذّبتُم، ولكم ما حدّثكم به حُذيفة فصدِّقوه، وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقْرَؤُوه }.
وحين أخذ عثمان بن عفان من عبد الله مصحفه، وحمله على الأخذ بالمصحف الإمام الذي أمر بكتابته، فزع المسلمون لعبد الله وقالوا: { إنّا لم نأتِكَ زائرين، ولكن جئنا حين راعنا هذا الخبر }.
فقال: { إنّ القرآن أُنزِلَ على نبيّكم -صلى الله عليه وسلم- من سبعة أبواب على سبعة أحرف، وإنّ الكتاب قبلكم كان ينزل -أو نزل- من باب واحد على حرف واحد، معناهما واحد }.
قربه من الرسول وابن مسعود صاحب نعلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدخلهما في يديه عندما يخلعهما النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو كذلك صاحب وسادة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومطهرته.
أجاره الله من الشيطان فليس له سبيل عليه.
وابن مسعود صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لا يعلمه غيره، لذا كان اسمه { صاحب السَّواد }.
حتى قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { لو كنت مؤمرا أحدا دون شورى المسلمين لأمَّرت ابن أُم عبد }.
كما أعطي مالم يعط لغيره حين قال له الرسول: { إذْنُكَ علي أن ترفع الحجاب }.
فكان له الحق بأن يطرق باب الرسول الكريم في أي وقت من الليل أو النهار.
يقول أبو موسى الأشعري: { لقد رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وما أرى إلا ابن مسعود من أهله }.
مكانته عند الصحابة قال عنه أمير المؤمنين عمر: { لقد مُليء فِقْهاً }.
وقال أبو موسى الأشعري: { لا تسألونا عن شيء ما دام هذا الحَبْرُ فيكم }.
ويقول عنه حذيفة: { ما أعرف أحدا أقرب سمتا ولا هديا ودلا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من ابن أم عبد }.
واجتمع نفر من الصحابة عند علي بن أبي طالب فقالوا له: { يا أمير المؤمنين، ما رأينا رجلا كان أحسن خُلُقا ولا أرفق تعليما، ولا أحسن مُجالسة ولا أشد وَرَعا من عبد الله بن مسعود }.
قال علي: { نشدتكم الله، أهو صدق من قلوبكم ؟}.
قالوا: { نعم }.
قال: { اللهم إني أُشهدك، اللهم إني أقول فيه مثل ما قالوا، أو أفضل، لقد قرأ القرآن فأحل حلاله، وحرم حرامه، فقيه في الدين عالم بالسنة }.
وعن تميم بن حرام قال: { جالستُ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما رأيتُ أحداً أزهدَ في الدنيا ولا أرغبَ في الآخرة، ولا أحبّ إليّ أن أكون في صلاحه، من ابن مسعود }.
ورعه كان أشد ما يخشاه ابن مسعود -رضي الله عنه- هو أن يحدث بشيء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيغير شيئا أو حرفا.
يقول عمرو بن ميمون: { اختلفت الى عبد الله بن مسعود سنة، ما سمعته يحدث فيها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إلا أنه حدّث ذات يوم بحديث فجرى على لسانه: قال رسول الله، فعلاه الكـرب حتى رأيت العـرق يتحدر عن جبهتـه، ثم قال مستدركا: قريبا من هذا قال الرسـول }.
ويقول علقمـة بن قيـس: { كان عبد الله بن مسعود يقوم عشية كل خميس متحدثا، فما سمعته في عشية منها يقول: قال رسول الله غير مرة واحدة، فنظرت إليه وهو معتمد على عصا، فإذا عصاه ترتجف وتتزعزع }.
حكمته كان يملك عبدالله بن مسعود قدرة كبيرة على التعبير والنظر بعمق للأمور فهو يقول عما نسميه نِسبية الزمان: { إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار، نور السموات والأرض من نور وجهه }.
كما يقول عن العمل: { إني لأمقت الرجل إذ أراه فارغا، ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة }.
ومن كلماته الجامعة: { خير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، وشر العمى عمى القلب، وأعظم الخطايا الكذب، وشر المكاسب الربا، وشر المأكل مال اليتيم، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يغفر يغفر الله له }.
وقال عبدالله بن مسعود: { لو أنّ أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله لسَادوا أهل زمانهم، ولكنّهم وضعوه عند أهل الدنيا لينالوا من دنياهم، فهانوا عليهم، سمعتُ نبيّكم -صلى الله عليه وسلم- يقول: { مَنْ جعلَ الهمومَ همّاً واحداً، همّه المعاد، كفاه الله سائرَ همومه، ومَنْ شعّبَتْهُ الهموم أحوال الدنيا لم يُبالِ الله في أي أوديتها هلك }.
أمنيته يقول ابن مسعود: { قمت من جوف الليل وأنا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر فاتبعتها أنظر إليها، فإذا رسول الله وأبو بكر وعمر، وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات، وإذا هم قد حفروا له، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حفرته وأبو بكر وعمر يدلِّيَانه إليه، والرسول يقول: أدنيا إلي أخاكما.
فدلياه إليه، فلما هيأه للحده قال: اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه.
فيا ليتني كنت صاحب هذه الحفرة.
أهل الكوفة ولاه أمير المؤمنين عمر بيت مال المسلمين بالكوفة، وقال لأهلها حين أرسله إليهم: { إني والله الذي لا إله إلا هو قد آثرتكم به على نفسي، فخذوا منه وتعلموا }.
ولقد أحبه أهل الكوفة حبا لم يظفر بمثله أحد قبله.
حتى قالوا له حين أراد الخليفة عثمان بن عفان عزله عن الكوفة: { أقم معنا ولا تخرج ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه منه }.
ولكنه أجاب: { إن له علي الطاعة، وإنها ستكون أمور وفتن، ولا أحب أن أكون أول من يفتح أبوابها }.
المرض قال أنس بن مالك: دخلنا على عبد اللـه بن مسعود نعوده في مرضه، فقلنا: { كيف أصبَحتَ أبا عبد الرحمن ؟}.
قال: { أصبحنا بنعمة اللـه إخوانا }.
قلنا: { كيف تجدُكَ يا أبا عبد الرحمن ؟}.
قال: { إجدُ قلبي مطمئناً بالإيمان }.
قلنا له: { ما تشتكي أبا عبد الرحمن ؟}.
قال: { أشتكي ذنوبي و خطايايَ }.
قلنا: { ما تشتهي شيئاً ؟}.
قال: { أشتهي مغفرة اللـه ورضوانه }.
قلنا: { ألا ندعو لك طبيباً ؟}.
قال: { الطبيب أمرضني -وفي رواية أخرى الطبيب أنزل بي ما ترون }.
ثم بكى عبد الله، ثم قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: { إنّ العبد إذا مرض يقول الرّب تبارك وتعالى: { عبدي في وثاقي }.
فإن كان نزل به المرض في فترةٍ منه قال: { اكتبوا له من الأمر ما كان في فترته }}.
فأنا أبكي أنّه نزل بي المرض في فترةٍ، ولوددتُ أنّه كان في اجتهادٍ منّي }.
الوصية لمّا حضر عبد الله بن مسعود الموتُ دَعَا ابْنَه فقال: { يا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، إنّي موصيك بخمس خصال، فاحفظهنّ عنّي: أظهر اليأسَ للناس، فإنّ ذلك غنىً فاضل، ودعْ مطلبَ الحاجات إلى الناس، فإنّ ذلك فقرٌ حاضر، ودعْ ما يعتذر منه من الأمور، ولا تعملْ به، وإنِ استطعتَ ألا يأتي عليك يوم إلا وأنتَ خير منك بالإمس فافعل، وإذا صليتَ صلاةً فصلِّ صلاةَ مودِّع كأنّك لا تصلي صلاة بعدها }.
الحلم لقي رجل ابن مسعود فقال: لا تعدم حالِماً مذكّراً: { رأيتُكَ البارحة، ورأيتُ النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- على منبر مرتفع، وأنتَ دونه وهو يقول: { يابن مسعود هلُمّ إليّ، فلقد جُفيتَ بعدي }.
فقال عبد الله: { آللّهِ أنتَ رأيتَهُ ؟}.
قال: { نعم }.
قال: { فعزمتُ أن تخرج من المدينة حتى تصلي عليّ }.
فما لبث إلا أياماً حتى مات -رضي الله عنه- فشهد الرجل الصلاة عليه.
وفاته وفي أواخر عمره -رضي الله عنه- قدم الى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة و أتم التسليم.
توفي سنة اثنتين و ثلاثين للهجرة في أواخر خلافة عثمان.
رضي الله عن ابن أم عبد و أمه صاحبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعلهما رفيقيه في الجنة مع الخالدين.


مجرد إنسان 02-27-17 02:58 AM



عبد الله بن عمر رضي الله عنه


عبد الله بن عمر رضي الله عنه (نِعـْمَ الرجل عبـد اللـه لو كان يصلـي من الليل فيكثـر) حديـث شريـف.
عبد الله بن عمر بن الخطاب بدأت علاقته مع الإسلام منذ أن هاجر مع والده الى المدينة وهو غلام صغير، ثم وهو في الثالثة عشر من عمره حين صحبه والده لغزوة بدر لولا أن رده الرسـول -صلى الله عليه وسلم- لصغر سنه، تعلم من والده عمر بن الخطاب خيرا كثيرا، وتعلم مع أبيه من الرسول العظيم الخير كله، فأحسنا الإيمان.
محاكاة الرسول كان عبد الله بن عمر (أبو عبد الرحمن) حريصا كل الحرص على أن يفعل ما كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفعله، فيصلي في ذات المكان، ويدعو قائما كالرسول الكريم، بل يذكر أدق التفاصيل ففي مكة دارت ناقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- دورتين قبل أن ينزل الرسول من على ظهرها ويصلي ركعتين، وقد تكون الناقة فعلت ذلك بدون سبب لكن عبد الله لا يكاد يبلغ نفس المكان في مكة حتى يدور بناقته ثم ينيخها ثم يصلي لله ركعتين تماما كما رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفعل، وتقول في ذلك أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها -: { ما كان أحد يتبع آثار النبي -صلى الله عليه وسلم- في منازله كما كان يتبعه ابن عمر }.
حتى أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة فيصبُّ في أصلها الماء لكيلا تيبس، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { لو تركنا هذا الباب للنّساء }.
فلم يدخل فيه ابن عمر حتى مات.
الجهاد أول غزوات عبد الله بن عمر كانت غزوة الخندق، فقد اسْتُصْغِرَ يوم أحد، ثم شهد ما بعدها من المشاهد، وخرج إلى العراق وشهد القادسية ووقائع الفرس، وورَدَ المدائن، وشهد اليرموك، وغزا إفريقية مرتين.
يقول عبد الله: { عُرضتُ على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر وأنا ابن ثلاث عشرة فردّني، ثم عرضتُ عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فردّني ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسَ عشرة فأجازني }.
وكان ابن عمر رجلاً آدم جسيماً ضخماَ، يقول ابن عمر: { إنّما جاءتنا الأدْمة من قبل أخوالي، والخال أنزعُ شيء، وجاءني البُضع من أخوالي، فهاتان الخصلتان لم تكونا في أبي رحمه الله، كان أبي أبيض، لا يتزوّج النساء شهوةً إلا لطلب الولد }.
قيام الليل يحدثنا ابن عمر -رضي الله عنهما-: { رأيت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأن بيدي قطعة إستبرق، وكأنني لا أريد مكانا من الجنة إلا طارت بي إليه، ورأيت كأن اثنين أتياني وأرادا أن يذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، فإذا لها قرنان كقرني البئر، فرأيت فيها ناساً قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار }.
فلقينا ملك فقال: { لا تُرَع }.
فخليا عني، فقصت حفصة أختي على النبي -صلى الله عليه سلم- رؤياي فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل فيكثر }.
ومنذ ذلك اليوم الى أن لقي ربه لم يدع قيام الليل في حلِّه أو ترحاله.
القرآن كان عبد الله مثل أبيه -رضي الله عنهما- تهطل دموعه حين يسمع آيات النذير في القرآن، فقد جلس يوما بين إخوانه فقرأ: (( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ )) * (( الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ )) * (( وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ )) * (( أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ )) * (( لِيَوْمٍ عَظِيمٍ )) * (( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )) [المطففين:1-6].
ثم مضى يردد: { يوم يقوم الناس لرب العالمين }.
ودموعه تسيل كالمطر، حتى وقع من كثرة وجده وبكائه.
قال ابن عمر: { مكثتُ على سورة البقرة ثماني سنين أتعلّمها }.
وقال: { لقد عشنا بُرهةً من دهرنا وأحدنا يرى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد -صلى الله عليه وسلم- فتعلّم حلالها وحرامها، وأمرها وزاجرها، وما ينبغي أن نقف عنده منها كما تعلّمون أنتم القرآن، ثم رأيتُ اليوم رجالاً لا يرى أحدُهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته، وما يدري ما أمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه، فينثرُ نثرَ الدَّقَل }.
العلم كتب رجل إلى ابن عمر فقال: { اكتبْ إليّ بالعلم كلّه }.
فكتب إليه ابن عمر: { إنّ العلم كثيرٌ، ولكن إن استطعتَ أن تلقى الله خفيفَ الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كافاً لسانك عن أعراضهم، لازماً لأمر الجماعة فافعل، والسلام }.
القضاء دعاه يوما الخليفـة عثمـان -رضي اللـه عنهما- وطلب منه أن يشغل منصـب القضـاء، فاعتذر وألح عليه عثمـان فثابر على اعتذاره، وسأله عثمان: { أتعصيني ؟}.
فأجاب ابن عمر: { كلا ولكن بلغني أن القضاة ثلاثة، قاض يقضي بجهل فهو في النار، وقاض يقضي بهوى فهو في النار، وقاض يجتهد ويصيب فهو كفاف لا وزر ولا أجر، وإني لسائلك بالله أن تعفيني }.
وأعفاه عثمان بعد أن أخذ عليه عهدا ألا يخبر أحدا، لأنه خشي إذا عرف الأتقياء الصالحون أن يتبعوه وينهجوا نهجه.
حذره كان -رضي الله عنه- شديد الحذر في روايته عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال معاصروه: { لم يكن من أصحاب رسول الله أحد أشد حذرا من ألا يزيد في حديث رسول الله أو ينقص منه من عبد الله بن عمر }.
كما كان شديد الحذر والحرص في الفُتيا، فقد جاءه يوما سائل يستفتيه في سؤال فأجابه قائلا: { لا علم لي بما تسأل }.
وذهب الرجل الى سبيله، ولا يكاد يبتعد بضع خطوات عن ابن عمر حتى يفرك ابن عمر كفيه فرحا ويقول لنفسه: { سئل ابن عمر عما لا يعلم، فقال لا يعلم }.
وسأل رجلٌ ابن عمر عن مسألة فطأطأ ابن عمر رأسه، ولم يُجبه حتى ظنّ الناس أنّه لم يسمع مسألته، فقال له: { يرحمك الله ما سمعت مسألتي ؟}.
قال: { بلى، ولكنكم كأنّكم ترون أنّ الله ليس بسائلنا عما تسألونا عنه، اتركنا يرحمك الله حتى نتفهّم في مسألتك، فإن كان لها جوابٌ عندنا، وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به }.
جوده كان ابن عمر -رضي الله عنه- من ذوي الدخول الرغيدة الحسنة، إذ كان تاجراً أميناً ناجحاً، وكان راتبه من بيت مال المسلمين وفيرا، ولكنه لم يدخر هذا العطاء لنفسه قط، إنما كان يرسله على الفقراء والمساكين والسائلين، فقد رآه { أيوب بن وائل الراسبي } وقد جاءه أربعة آلاف درهم وقطيفة، وفي اليوم التالي رآه في السوق يشتري لراحلته علفاً ديناً، فذهب أيوب بن وائل الى أهل بيت عبد الله وسألهم، فأخبروه: { إنه لم يبت بالأمس حتى فرقها جميعا، ثم أخذ القطيفة وألقاها على ظهره و خرج، ثم عاد وليست معه، فسألناه عنها فقال إنه وهبها لفقير }.
فخرج ابن وائل يضرب كفا بكف، حتى أتـى السوق وصاح بالناس: { يا معشر التجار، ما تصنعون بالدنيا، وهذا ابن عمر تأتيه آلاف الدراهم فيوزعها، ثم يصبح فيستـدين علفاً لراحلته !!}.
كما كان عبد الله بن عمر يلوم أبناءه حين يولمون للأغنياء ولا يأتون معهم بالفقراء ويقول لهم: { تَدْعون الشِّباع وتَدَعون الجياع }.
زهده أهداه أحد إخوانه القادمين من خُراسان حُلة ناعمة أنيقة وقال له: { لقد جئتك بهذا الثوب من خراسان، وإنه لتقر عيناي إذ أراك تنزع عنك ثيابك الخشنة هذه، وترتدي هذا الثوب الجميل }.
قال له ابن عمر: { أرِنيه إذن }.
ثم لمسه وقال: { أحرير هذا ؟}.
قال صاحبه: { لا، إنه قطن }.
وتملاه عبد الله قليلا، ثم دفعه بيمينه وهو يقول: { لا إني أخاف على نفسي، أخاف أن يجعلني مختالا فخورا، والله لا يحب كل مختال فخور }.
وأهداه يوما صديق وعا مملوءاً، وسأله ابن عمر: { ما هذا ؟}.
قال: { هذا دواء عظيم جئتك به من العراق }.
قال ابن عمر: { وماذا يُطَبِّب هذا الدواء ؟}.
قال: { يهضم الطعام }.
فابتسم ابن عمر وقال لصاحبه: { يهضم الطعام ؟.
إني لم أشبع من طعام قط منذ أربعين عاما }.
لقد كان عبد الله -رضي الله عنه- خائفا من أن يقال له يوم القيامة: { أَذْهَبتم طيّباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها }.
كما كان يقول عن نفسه: { ما وضعت لَبِنَة على لَبِنَة ولا غرست نخلة منذ توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-}.
ويقول ميمون بن مهران: { دخلت على ابن عمر، فقوّمت كل شيء في بيته من فراش ولحاف وبساط، ومن كل شيء فيه، فما وجدته يساوي مائة درهم }.
خوفه كان إذا ذُكِّر عبد الله بن عمر بالدنيا ومتاعها التي يهرب منها يقول: { لقد اجتمعت وأصحابي على أمر، وإني لأخاف إن خالفتهم ألا ألحق بهم }.
ثم يخبر الآخرين أنه لم يترك الدنيا عجزا، فيرفع يديه الى السماء ويقول: { اللهم إنك تعلم أنه لولا مخافتك لزاحمنا قومنا قريشاً في هذه الدنيا }.
قال ابن عمر: { لقد بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما نكثتُ ولا بدّلتُ إلى يومي هذا، ولا بايعتُ صاحب فتنة، ولا أيقظت مؤمناً من مرقده }.
الخلافة عرضت الخلافة على ابن عمر -رضي الله عنه- عدة مرات فلم يقبلها، فهاهو الحسن -رضي الله عنه- يقول: { لما قُتِل عثمان بن عفان، قالوا لعبد الله بن عمر: { إنك سيد الناس وابن سيد الناس، فاخرج نبايع لك الناس }.
قال: { إني والله لئن استطعت، لا يُهـْرَاق بسببي مِحْجَمَـة من دم }.
قالوا: { لَتَخْرُجَنّ أو لنقتُلك على فراشك }.
فأعاد عليهم قوله الأول.
فأطمعوه وخوفوه فما استقبلوا منه شيئاً }.
فقد كان ابن عمر يأبى أن يسعى الى الخلافة إلا إذا بايعه المسلمون جميعا طائعين وليس بالسيف، فقد لقيه رجلا فقال له: { ما أحد شر لأمة محمـد منك }.
قال ابن عمر: { ولم ؟.
فوالله ما سفكت دماءهـم ولا فرقـت جماعتهم ولا شققت عصاهـم }.
قال الرجل: { إنك لو شئت ما اختلف فيك اثنـان }.
قال ابن عمر: { ما أحب أنها أتتني، ورجل يقول: لا، وآخر يقول: نعم }.
واستقر الأمر لمعاوية ومن بعده لابنه يزيد ثم ترك معاوية الثاني ابن يزيد الخلافة زاهدا فيها بعد أيام من توليها، وكان عبد الله بن عمر شيخا مسناً كبيراً فذهب إليه مروان وقال له: { هَلُمّ يدك نبايع لك، فإنك سيد العرب وابن سيدها }.
قال له ابن عمر: { كيف نصنع بأهل المشرق ؟}.
قال مروان: { نضربهم حتى يبايـعوا }.
قال ابن عمـر: { والله ما أحـب أنها تكون لي سبعيـن عاما، ويقتـل بسببـي رجل واحد }.
فانصـرف عنه مـروان.
موقفه من الفتنة رفض -رضي الله عنه- استعمال القوة والسيف في الفتنة المسلحة بين علي ومعاوية، وكان الحياد شعاره ونهجه: { من قال حيّ على الصلاة أجبته، ومن قال حيّ على الفلاح أجبته، ومن قال حيّ على قَتْل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت: لا }.
يقول أبو العالية البراء: { كنت أمشي يوما خلف ابن عمر وهو لا يشعر بي فسمعته يقول: { واضعين سيوفهم على عَوَاتِقِهم يقتل بعضهم بعضا يقولون: ياعبد الله بن عمر أَعْطِ يدك }}.
وقد سأله نافع: { يا أبا عبد الرحمن، أنت ابن عمر، وأنت صاحب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأنت وأنت فما يمنعك من هذا الأمر -يعني نصرة علي- ؟}.
فأجابه قائلا: { يمنعني أن الله تعالى حرّم عليّ دم المسلم، لقد قال عزّ وجل: { قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله }.
ولقد فعلنا وقاتلنا المشركين حتى كان الدين لله، أما اليوم ففيم نُقاتل ؟.
لقد قاتلت والأوثان تملأ الحرم من الركن الى الباب، حتى نضاها الله من أرض العرب، أفأُقاتل اليوم من يقول: لا إله إلا الله ؟!}.
الوصية ذُكرت الوصية لابن عمر في مرضه فقال ابن عمر -رضي الله عنه-: { أمّا مالي فالله أعلم ما كنت أفعل فيه، وأمّا رباعي وأرضي فإنّي لا أحب أن يُشارك ولدي فيها أحد }.
ولمّا حضر ابن عمر الموت قال: { ما آسى على شيءٍ من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقاتل هذه الفئة التي نزلت بنا }.
يعني الحجاج.
وفاته وقد كف بصر عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- آخر عمره، وفي العام الثالث والسبعين للهجرة توفي -رضي الله عنه- بمكة وهو في الخامسة والثمانين من عمره.


مجرد إنسان 02-27-17 03:30 AM



عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه


عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فهل لك إذن في خير الصيام، صيام داود " " كان يصوم يوماً ويفطر يوماً حديث شريف عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل القرشـي، يُقال كان اسمه العاص فسمّاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- عبدالله، وقد سبق أباه عمرو بن العاص للإسلام ومنذ أن أسلم لم يعد الليل والنهار يتّسعان لتعبّـده ونسكـه، فعكـف على القرآن يحفظه ويفهمه، وجلس في المسجد متعبدا، وفي داره صائما و قائما، لا ينقطع عن الذكر أبدا، وإذا خرج المسلمون لقتال المشركين خرج معهم طالبا للشهادة.
تَعَبُّدِه كان عبد الله -رضي الله عنه- إذا لم يكن هناك خروج لغزو يقضي أيامه من الفجر الى الفجر في عبادة موصولة، صيام وصلاة وتلاوة القرآن، ولسانه لا يعرف إلا ذكر الله وتسبيحه واستغفاره، فعلم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بإيغال عبد الله بالعبادة، فاستدعاه وراح يدعوه الى القصد في العبادة فقال الرسول الكريم: { ألَم أخْبَر أنك تصوم النهار لا تفطر، وتصلي الليل لا تنام ؟ فحَسْبُك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام }.
فقال عبد الله: { إني أطيق أكثر من ذلك }.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: { فحسبك أن تصوم من كل جمعة يومين }.
قال عبد الله: { فإني أطيق أكثر من ذلك }.
قال رسول الله: { فهل لك إذن في خير الصيام، صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً }.
وعاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- يسأله قائلا: { وعلمت أنك تجمع القرآن في ليلة، وإني أخشى أن يطول بك العمر وأن تملَّ قراءته.
اقرأه في كل شهر مرة.
اقرأه في كل عشرة أيام مرة.
اقرأه في كل ثلاثٍ مرة }.
ثم قال له: { إني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغِبَ عن سُنَّتي فليس مني }.
ولقد عَمَّـرَ عبد الله بن عمـرو طويلا، ولمّا تقدمـت به السـن ووَهَـن منه العظـم، كان يتذكر دائما نُصْـحَ الرسول فيقول: { يا ليتني قبلـت رُخصـة رسـول اللـه }.
الكتابـة قال عبدالله بن عمرو: { كنتُ أكتب كلَّ شيءٍ أسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أريد حفظه، فنهتني قريش فقالوا: { إنّك تكتب كلَّ شيءٍ تسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورسول الله بشرٌ يتكلم في الغضب والرضى }.
فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: { اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منّي إلا حق }.
قال أبو هريرة: { ما كان أحدٌ أحفظ لحديث رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- منّي إلا عبدالله بن عمرو، فإنّي كنت أعي بقلبي، ويعي بقلبه ويكتب }.
وعن مجاهد قال: دخلتُ على عبدالله بن عمرو بن العاص، فتناولتُ صحيفةً تحت رأسه، فتمنّع عليّ فقلتُ: { تمنعني شيئاً من كتبك ؟}.
فقال: { إنّ هذه الصحيفة الصادقة التي سمعتُها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بيني وبينه أحد، فإذا سَلِمَ لي كتاب الله، وسلمتْ لي هذه الصحيفة، والوَهْط -وهو بستان عظيم كان بالطائف لعبد الله- لم أبالِ ما صنعتِ الدنيا }.
فضله قال عبد الله بن عمرو بن العاص: { ابن عباس أعلمنا بما مضى، وأفقهنا فيما نزل مما لم يأت فيه شيئاً }.
قال عكرمة: فأخبرتُ ابن عباس بقوله فقال: { إنّ عنده لعلماً، ولقد كان يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الحلال والحرام }.
علمه قال عبد الله بن عمرو: { إنّ هذا الدّينَ متينٌ فأوغلوا فيه برفق، ولا تُبَغِّضوا إلى أنفسكم عبادة الله عزّ وجلّ، فإنّ المنبتَّ لا بلغ بُعْداً، ولا أبقى ظهراً، واعملْ عملَ امرىءٍ يظنّ ألا يموت إلا هَرِماً، واحذرْ حذرَ امرىءٍ يحسب أنّه يموتُ غداً }.
وقال: { لأن أكون عاشرَ عشرةٍ مساكين يوم القيامة أحبُّ إليّ من أكون عاشر عشرة أغنياء، فإنّ الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال: هكذا وهكذا، يقول: يتصدق يميناً وشمالاً }.
وقال عبد الله: { ما أعطي إنسانٌ شيئاً خيراً من صحّةٍ وعِفّةٍ، وأمانةٍ وفقهٍ }.
وقال عمرو بن العاص لإبنه: { يا بُنيّ، ما الشرف ؟ }.
قال: { كفّ الأذى، وبذلُ الندَى }.
قال: { فما المروءة ؟}.
قال: { عرفان الحق، وتعاهد الصنعة }.
قال: { فما المجد ؟}.
قال: { احتمال المغارم وابتناء المكارم }.
وسأله: { ما الغيّ ؟}.
قال: { طاعةُ المُفْسِدِ، وعصيانُ المُرْشِدِ }.
قال: { فما البله ؟}.
قال: { عَمى القلب، وسرعة النسيان }.
خشية الله مرّ العلاء بن طارق بعبد الله بن عمرو بن العاص بينما كان يُصَلّي وراء المقام وهو يبكي، وقد كَسَفَ القمر -أو خَسَفَ القمر- فوقف يسمع فقال: { ما توقفك يابن أخي ؟ تعجب من أنّي أبكي ؟ والله إنّ هذا القمر يبكي من خشية الله، أمَا والله لو تعلمون علم اليقين لبكى أحدكم حتى ينقطع صوته، ولسجد حتى ينقطع صلبه }.
الوصية الغالية رأينا كيف كان عبد الله بن عمرو مقبلا على العبادة إقبالا كبيرا، الأمر الذي كان يشغل بال أبيه عمرو بن العاص دائما، فيشكوه الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- كثيرا، وفي المرة الأخيرة التي أمره الرسول فيها بالقصد في العبادة وحدّد له مواقيتها كان عمرو حاضرا، فأخذ الرسول يد عبد الله ووضعها في يد عمرو بن العاص أبيه وقال الرسول له: { افعل ما أمرتك، وأطِعْ أباك }.
فكان لهذا العبارة تأثيرا خاصا على نفس عبد الله -رضي الله عنه- وعاش عمره الطويل لا ينسى لحظة تلك العبارة الموجزة.
موقعة صِفّين عندما قامت الحرب بين طائفتين من المسلمين، علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان اختار عمرو بن العاص طريقه الى جوار معاوية، وكان يدرك مدى حب المسلمين وثقتهم بابنه عبد الله، فحين همّ بالخروج الى صِفّين دعاه إليه ليحمله على الخروج الى جانب معاوية فقال له: { يا عبد الله تهيأ للخروج، فإنك ستقاتل معنا }.
وأجاب عبد الله: { كيف ؟.
وقد عهد إليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا أضع سيفا على عنق مسلم أبدا }.
وحاول عمرو أن يقنعه بأنهم إنما يريدون الخروج ليصلوا الى قتلة عثمان وأن يثأروا لدمه الطاهر ثم ألقى مفاجأته على ابنه قائلا: { أتذكر يا عبد الله آخر عهد عهده إليك النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أخذ بيدك فوضعها في يدي وقال لك: أطِعْ أباك ؟.
فإني أعزم عليك الآن أن تخرج معنا وتقاتل }.
وخرج عبد الله بن عمرو طاعة لأبيه، وفي عزمه ألا يحمل سيفا ولا يقاتل مسلما، ونشب القتال حاميا ويختلف المؤرخون فيما إذا كان عبد الله قد اشترك في بداية القتال أم لا، ونقول ذلك لأنه ما لبث أن حدث شيء عظيم جعل عبد الله يغير موقفه ويصبح ضد معاوية.
مقتل عمّار لقد قاتل عمّار بن ياسر مع علي بن أبي طالب وقُتِلَ على يد جند معاوية، ومن المعلوم لعبد الله بن عمرو بن العاص أن عمّارا ستقتله الفئة الباغية، فقد تنبأ بذلك الرسول الكريم حينما كانوا يبنون مسجد الرسول في المدينة، وكان عمّار يحمل الحجارة فرحا فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعيناه تدمعان: { ويْحُ ابن سُميّة، تقتله الفئة الباغية }.
وسمع ذلك الصحابة وعبد الله معهم، وهاهو عمّار تواصى بقتله جماعة من جيش معاوية فسدّدوا نحوه رمية آثمة، استشهد منها عمّار بن ياسر، وسرى خبر مقتله كالريح، فانتفض عبد الله بن عمرو ثائرا مُهْتاجا: { أوَ قد قُتِلَ عمّار ؟.
وأنتم قاتلوه ؟.
إذن أنتم الفئة الباغية، أنتم المقاتلون على ضلالة !!}.
وانطلق في جيش معاوية كالنذير، يُثيِط عزائمهم، ويهتف بأنهم بغاة لأنهم قتلوا عمّاراً، وتحققت نبوءة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
عبد الله و معاوية وحُمِلَت مقالة عبد الله الى معاوية، فدعا عمرو وابنه عبد الله وقال لعمرو: { ألا تكُفَّ عنا مجنونك هذا ؟}.
قال عبد الله: { ما أنا بمجنون، ولكني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لعمار تَقْـتُـلُكَ الفئة الباغية }.
قال له معاوية: { فلم خَرَجْت معنا ؟}.
قال عبد الله: { لأن رسول الله أمرني أن أطيع أبي، وقد أطعتُه في الخروج، ولكني لا أقاتل معكم }.
وإذ هُما يتحاوران دخل على معاوية من يستأذن لقاتل عمّار في الدخول، فصاح عبد الله بن عمرو: { ائذن له، وبشّره بالنار }.
وأفلتت مغايظ معاوية على الرغم من طول أناته وسعة حِلُمه وصاح بعمرو: { أوتَسْمَع ما يقول }.
وعاد عبد الله الى هدوء المتقين مؤكدا لمعاوية أنه لم يقل إلا الحق، والتفت صوب أبيه وقال: { لولا أن رسول الله أمرني بطاعتك ما سرت معك هذا المسير }.
وعاد عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- الى مسجده وعبادته، ونجح معاوية وعمرو من السيطرة على الجيش وإفهامه أن من قتل عمّارا هم من خرجوا به الى القتال، واستأنف الفريقان القتال.
الندم وعاش عبد الله -رضي الله عنه- حياته لا يملؤها بغير مناسكه وتعبُّده، غير أن خروجه الى صفّين ظل مبعث قلق له على الدوام، وكلما تذكر يبكي ويقول: { مالي ولِصِفّين ؟.
مالي ولقِتال المسلمين ؟}.
ذات يوم، وهو جالس في مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع بعض أصحابه مر بهم { الحسين بن علي } فتبادلا السلام، ولما مضى عنهم قال عبد الله لمن معه: { أتحبون أن أخبركم بأحب أهل الأرض الى أهل السماء ؟.
إنه هذا الذي مرَّ بنا الآن، وإنه ما كلمني منذ صفّين، ولأن يرضى عني، أحب إلي من حُمر النَّعَم }.
واتفق مع أبي سعيد الخدري على زيارة الحسين، وهناك تم لقاء الأكرمين، وعندما ذُكِرَت صفّين، سأله الحسين معاتبا: { ما الذي حملك على الخروج مع معاوية ؟}.
قال عبد الله: { ذات يوم شكاني عمرو بن العاص الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال له: { إن عبد الله يصوم النهار كله، ويقوم الليل كله، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { يا عبد الله صلّ ونم، وصُم وأفطر، وأطِع أباك }، ولما كان يوم صفّين أقسم علي أبي أن أخرج معهم، فخرجت و لكن والله، ما اختَرَطْت سيفا، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم }.
الكعبة المشرفة دخل عبد الله بن عمرو بن العاص المسجد الحرام، والكعبة مُحَرّقة حين أدبر جيش الحصين بن نمير، والكعبة تتناثر حجارتها، فوقف ومعه ناسٌ غير قليل، فبكى وقال: { والله لو أنّ أبا هريرة أخبركم أنّكم قاتلو ابن نبيّكم، ومحرّقُوا بيتَ ربّكم لقلتم: ما أحد أكذب من أبي هريرة، أنحن نقتل ابنَ نبيّنا، ونحرق بيتَ ربّنا عزّ وجلّ ؟!.
فقد والله فعلتم، فانتظروا نقمة الله عزّ وجلّ، فوالذي نفسي بيده ليَلْبِسَنَّكُمُ الله شِيَعاً، ويُذيقُ بعضَكم بأسَ بعضٍ }.
قالها ثلاثاً ثم نادى بصوتٍ فأسمع: { أين الآمرون بالمعروف ؟ والناهون عن المنكر ؟ والذي نفسُ عبد الله بيده لقد ألبسَكم الله شيعاً، وأذاق بعضكم بأس بعض، لبطنُ الأرض خيرٌ لمن عليها لمن لم يأمر بالمعروف ولم ينهَ عن المنكر }.
وفاته وحين بلوغه الثانية والسبعين من عمره المبارك، وإذ هو في مُصلاّه، يتضرع الى ربه، ويسبح بحمده، دُعيَ الى رحلة الأبد، فذهبت روحه تسعى وتطير الى لقاء الأحبة، توفي عبد الله بن عمرو بن العاص ليالي الحرّة سنة ( 63 هـ) من شهر ذي الحجة.


مجرد إنسان 02-27-17 03:32 AM



عبد الله بن طارق رضي الله عنه


عبد الله بن طارق رضي الله عنه يوم الرجيع في سنة ثلاث للهجرة، قدم على الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد أحد نفر من عضل والقارة فقالوا: { يا رسول الله، إن فينا إسلاما، فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهوننا في الدين، ويقرئوننا القرآن ويعلموننا شرائع الإسلام }....
فبعث معهم مرثد بن أبي مرثد، وخالد بن البكير، وعاصم بن ثابت، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وعبدالله بن طارق، وأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على القوم مرثد بن أبي مرثد، فخرجوا حتى إذا أتوا على الرجيع { وهو ماء لهذيل بناحية الحجاز على صدور الهدأة } غدروا بهم، فاستصرخوا عليهم هذيلا، ووجد المسلمون أنفسهم وقد أحاط بهم المشركين، فأخذوا سيوفهم ليقاتلوهم فقالوا لهم: { إنا والله ما نريد قتلكم، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة، ولكم عهد الله وميثاقه ألا نقتلكم } فأما مرثد بن أبي مرثد وخالد بن البكير وعاصم بن ثابت فقالوا: { والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا }.
ثم قاتلوا القوم وقتلوا.
وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي وعبدالله بن طارق فلانوا ورقوا فأسروا وخرجوا بهم الى مكة ليبيعوهم بها، حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبدالله بن طارق يده من القِران وأخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره رحمه الله بالظهران.
وفي مكة باعوا خبيب بن عدي لحجير بن أبي إهاب لعقبة بن الحارث ابن عامر ليقتله بأبيه، وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف..

مجرد إنسان 02-27-17 03:33 AM



عبد الله بن العباس رضي الله عنه


عبد الله بن العباس حَبْرُ هذه الأمّة (نِعْمَ ترجُمانُ القرآنِ أنتَ) حديث شريف.
يُشبه ابن عباس (عبد الله بن الزبير) في أنه أدرك الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعاصره وهو غلام، ومات الرسول الكريم قبل أن يبلغ ابن عباس سن الرجولة لكنه هو الآخر تلقى في حداثته كلّ خامات رجولته ومباديء حياته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي علّمه الحكمة الخالصة، وبقوة إيمانه و خُلُقه وغزارة عِلمه اقْتعَد ابن عباس مكانا عاليا بين الرجال حول الرسول.
طفولته هو ابن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، عم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكنّيَ بأبيه العباس، وهو أكبر ولده ولد بمكة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته بالشعب من مكة، فأتِيَ به النبي فحنّكه بريقه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، وعلى الرغم من أنه لم يجاوز الثالثة عشر من عمره يوم مات الرسول الكريم، فأنه لم يُضيُّـع من طفولته الواعيـة يوما دون أن يشهد مجالس الرسـول ويحفظ عنه ما يقول، فقد أدناه الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- منه وهو طفل ودعا لـه: { اللهم فقّهْه في الدين وعَلّمه التأويل }.
فأدرك ابن عباس أنه خُلِق للعلم والمعرفة.
فضله رأى ابن العباس جبريل -عليه السلام- مرّتين عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو ترجمان القرآن، سمع نجوى جبريل للرسول -صلى الله عليه وسلم- وعايَنَه، ودعا له الرسول الكريم مرّتين، وكان ابن عبّاس يقول: { نحن أهل البيت، شجرة النبوّة، ومختلف الملائكة، وأهل بيت الرسالة، وأهل بيت الرّحمة، ومعدن العلم }.
وقال: { ضمّني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: اللهم علِّمه الحكمة }.
قال ابن عساكر: { كان عبد الله أبيض طويلاً مشرباً صفرة، جسيماً وسيماً، صبيح الوجه، له وفرة يخضب الحناء، وكان يُسمّى: الحَبْرُ والبحر، لكثرة علمه وحِدّة فهمه، حَبْرُ الأمّة وفقيهها، ولسان العشرة ومنطيقها، محنّكٌ بريق النبوة، ومدعُوّ له بلسان الرسالة: اللهم فقّهه في الدين، وعلّمه التأويل }.
وعن عمر قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: { إنّ أرْأفَ أمّتي بها أبو بكر، وإنّ أصلبَها في أمر الله لعمر، وإنّ أشدّها حياءً لعثمان، وإنّ اقرأها لأبيّ، وإنّ أفرضَها لزَيَد، وإنْ أقضاها لعليّ، وإنّ أعلمَها بالحلال والحرام لمعاذ، وإن أصدقها لهجة لأبو ذرّ، وإنّ أميرَ هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، وإنْ حَبْرَ هذه الأمة لعبد الله بن عبّاس }.
وكان عمـر بن الخطاب -رضي اللـه عنه- يحرص على مشورته، وكان يلقبه { فتى الكهـول }.
وقد سئل يوما: { أنَّى أصَبْت هذا العلم ؟}.
فأجاب: { بلسان سئول، وقلب عقول }.
وكان عمر إذا جاءته الأقضية المعضلة قال لابن عبّاس: { إنّها قد طرأت علينا أقضية وعضل فأنت لها ولأمثالها }.
ثم يأخذ بقوله.
قال ابن عبّاس: { كان عمـر بن الخطاب يأذن لأهل بـدرٍ ويأذن لي معهم }.
فذكـر أنه سألهم وسأله فأجابـه فقال لهم: { كيف تلومونني عليه بعد ما ترون ؟!}.
وكان يُفتي في عهد عمر وعثمان إلى يوم مات.
عِلْمه وبعد ذهاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى الرفيق الأعلى، حرص ابن عباس على أن يتعلم من أصحاب الرسول السابقين ما فاته سماعه وتعلمه من الرسول نفسه، فهو يقول عن نفسه: { أن كُنتُ لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- }.
كما يصور لنا اجتهاده بطلب العلم فيقول: { لما قُبِض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت لفتى من الأنصار: { هَلُـمَّ فَلْنَسأل أصحاب رسول الله فإنهم اليوم كثيـر }.
فقال: { يا عَجَبا لك يا ابن عباس !! أترى الناس يفتقرون إليك وفيهم من أصحاب رسول الله ما ترى ؟}.
فترك ذلك وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله، فإن كان لَيَبْلُغني الحديث عن الرجل، فآتي إليه وهو قائل في الظهيرة، فأتوسَّد ردائي على بابه، يسْفي الريح عليّ من التراب، حتى ينتهي من مَقيله ويخرج فيراني فيقول: { يا ابن عم رسول الله ما جاء بك ؟ هلا أرسلت إليّ فآتيك ؟}.
فأقول: { لا، أنت أحق بأن أسعى إليك، فأسأله عن الحديث وأتعلم منه }.
وهكذا نمت معرفته وحكمته وأصبح يملك حكمة الشيوخ وأناتهم.
وعن عبد الله بن عباس قال: { كنتُ أكرمُ الأكابرَ من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار، وأسألهم عن مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما نزل من القرآن في ذلك، وكنتُ لا آتي أحداً منهم إلا سُرَّ بإتياني لقُربي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعلت أسأل إبيّ بن كعب يوماً عمّا نزل من القرآن بالمدينة، فقال: { نزل سبعٌ وعشرون سورة، وسائرها بمكة }.
وكان ابن عبّاس يأتي أبا رافع، مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول: { ما صنع النبي- -صلى الله عليه وسلم- يوم كذا وكذا ؟}.
ومع ابن عبّاس ألواحٌ يكتب ما يقول.
وعن ابن عبّاس قال: { ذللْتُ طالباً لطلب العلم، فعززتُ مطلوباً }.
مما قيل بابن عباس قال علي بن أبي طالب في عبد الله بن عبّاس: { إنّه ينظر إلى الغيب من سترٍ رقيقٍ، لعقله وفطنته بالأمور }.
وصفه سعد بن أبي وقاص فقال: { ما رأيت أحدا أحْضَر فهما، ولا أكبر لُبّا، ولا أكثر علما، ولا أوسع حِلْما من ابن عباس، ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات، وحوله أهل بدْر من المهاجرين والأنصار فيتحدث ابن عباس ولا يُجاوز عمر قوله }.
وقال عنه عُبيد الله بن عتبة: { ما رأيت أحدا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ابن عباس، ولا رأيت أحدا أعلم بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه، ولا أفْقَه في رأي منه، ولا أعْلم بشعر ولا عَربية، ولا تفسير للقرآن ولا بحساب وفريضة منه، ولقد كان يجلس يوما للفقه، ويوما للتأويل، ويوما للمغازي، ويوما للشعر، ويوما لأيام العرب وأخبارها، وما رأيت عالما جلس إليه إلا خضع له، ولا سائلا سأله إلا وجد عنده عِلما }.
وقال عُبيد الله بن أبي يزيد: { كان ابن عبّاس إذا سُئِلَ عن شيءٍ، فإن كان في كتاب الله عزّ وجلّ قال به، وإنْ لم يَكُن في كتاب الله عزّ وجل وكان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه شيء قال به، فإن لم يكن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه شيءٌ قال بما قال به أبو بكر وعمر، فإن لم يكن لأبي بكر وعمر فيه شيء قال برأيه }.
ووصفه مسلم من البصرة: { إنه آخذ بثلاث، تارك لثلاث، آخذ بقلوب الرجال إذا حدّث، وبحُسْن الإستماع إذا حُدِّث، وبأيسر الأمرين إذا خُولِف، وتارك المِراء ومُصادقة اللئام وما يُعْتَذر منه }.
قال مجاهد: { كان ابن عبّاس يسمى البحر من كثرة علمه }.
وكان عطاء يقول: { قال البحرُ وفعل البحر }.
وقال شقيق: { خطب ابن عباس وهو على الموسم، فافتتح سورة البقرة، فجعل يقرؤها ويفسّر، فجعلت أقول: ما رأيت ولا سمعت كلامَ رجلٍ مثله، لو سَمِعَتْهُ فارس والروم لأسلمتْ }.
تنوع ثقافته حدَّث أحد أصحابه ومعاصريه فقال: لقد رأيت من ابن عباس مجلسا، لو أن جميع قريش فخُرَت به لكان لها به الفخر، رأيت الناس اجتمعوا على بابه حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر أن يجيء ولا أن يذهب، فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه، فقال لي: { ضَعْ لي وضوءاً }.
فتوضأ وجلس، و قال: { اخرج إليهم، فادْعُ من يريد أن يسأل عن القرآن وتأويله }.
فخرجت فآذَنْتُهم، فدخلوا حتى ملئُوا البيت، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم، ثم قال لهم: { إخوانكم }.
فخرجوا ليُفسِحوا لغيرهم، ثم قال لي: { اخرج فادْعُ من يريد أن يسأل عن الحلال والحرام }.
فخرجت فآذَنْتُهم، فدخلوا حتى ملئُوا البيت، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم، ثم قال: { إخوانكم }.
فخرجوا ثم قال لي: { ادْعُ من يريد أن يسأل عن الفرائض }.
فخرجت فآذَنْتُهم، فدخلوا حتى ملئُوا البيت، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم، ثم قال لي: { ادْعُ من يريد أن يسأل عن العربيّة والشّعر }.
فآذَنْتُهم، فدخلوا حتى ملئُوا البيت، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم.
دليل فضله كان أناسٌ من المهاجرين قد وجدوا على عمرفي إدنائه ابن عبّاس دونَهم، وكان يسأله، فقال عمر: { أمَا إنّي سأريكم اليومَ منه ما تعرفون فضله }.
فسألهم عن هذه السورة.
(( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً )) [النصر:1-2].
قال بعضهم: { أمرَ الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجاً أن يحمدوه ويستغفروه }.
فقال عمر: { يا ابن عبّاس، ألا تكلّم ؟}.
قال: { أعلمه متى يموتُ، قال إذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ والفَتْحُ، والفتح فتح مكة ورأيتَ النّاسَ يدخلونَ في دينِ اللهِ أفْواجاً، فهي آيتُكَ من الموت فسَبِّح بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرهُ إنّهُ كانَ تَوّاباً }.
ثم سألهم عن ليلة القدر فأكثروا فيها، فقال بعضهم: { كُنّا نرى أنّها في العشر الأوسط، ثم بلغنا أنّها في العشر الأواخر }.
وقال بعضهم: { ليلة إحدى وعشرين }.
وقال بعضهم: { ثلاث و عشريـن }.
وقال بعضهم: { سبع وعشريـن }.
فقال بعضهم لابـن عباس: { ألا تكلّم !}.
قال: { الله أعلم }.
قال: { قد نعلم أن الله أعلم، إنّما نسألك عن علمك }.
فقال ابن عبّاس: { الله وترٌ يُحِبُّ الوترَ، خلق من خلقِهِ سبع سموات فاستوى عليهنّ، وخلق الأرض سبعاً، وخلق عدّة الأيام سبعاً، وجعل طوافاً بالبيت سبعاً، ورمي الجمار سبعاً، وبين الصفا والمروة سبعاً، وخلق الإنسان من سبع، وجعل رزقه من سبعٍ }.
قال عمر: { وكيف خلق الإنسان من سبعٍ، وجعل رزقه من سبعٍ ؟ فقد فهمت من هذا أمراً ما فهمتُهُ ؟}.
قال ابن عباس: { إن الله يقول: (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ )) [المؤمنون:12-14].
ثم قرأ: (( أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً )) * (( ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً )) * (( فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً )) * (( وَعِنَباً وَقَضْباً )) * (( وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً )) * (( وَحَدَائِقَ غُلْباً )) * (( وَفَاكِهَةً وَأَبّاً )) [عبس:25-31]^، وأمّا السبعة فلبني آدم، والأبّ فما أنبتت الأرض للأنعام، وأمّا ليلة القدر فما نراها إن شاء الله إلا ليلة ثلاثٍ وعشرين يمضينَ وسبعٍ بقين }.
المنطق والحُجّة بعث الإمام علي -كرم الله وجهه- ابن عباس ذات يوم الى طائفة من الخوارج، فدار بينه وبينهم حوار طويل، ساق فيه الحجة بشكل يبهر الألباب فقد سألهم ابن عباس: { ماذا تنقمون من علي ؟}.
قالوا: { ـ نَنْقِم منه ثلاثا: أولاهُن أنه حكَّم الرجال في دين الله، والله يقول: إن الحكْمُ إلا لله، والثانية أنه قاتل ثم لم يأخذ من مقاتليه سَبْيا ولا غنائم، فلئن كانوا كفارا فقد حلّت له أموالهم، وإن كانوا مؤمنين فقد حُرِّمَت عليه دماؤهم، والثالثة رضي عند التحكيم أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين استجابة لأعدائه، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين }.
وأخذ ابن عباس يُفَنّد أهواءهم فقال: { أمّا قولكم إنه حَكّم الرجال في دين الله فأي بأس ؟
إن الله يقول: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ )) [المائدة:95] }.
فَنَبئوني بالله أتحكيم الرجال في حَقْن دماء المسلمين أحق وأوْلى، أم تحكيمهم في أرنب ثمنها درهم ؟!.
وأما قولكم إنه قاتل فلم يسْبُ ولم يغنم، فهل كنتم تريدون أن يأخذ عائشة زوج الرسول وأم المؤمنين سَبْياً ويأخذ أسلابها غنائم ؟؟.
وأما قولكم أنه رضى أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين حتى يتم التحكيم، فاسمعوا ما فعله رسول الله يوم الحديبية، إذ راح يُملي الكتاب الذي يقوم بينه وبين قريش فقال للكاتب: { اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله}.
فقال مبعوث قريش: { والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صَدَدْناك عن البيت ولا قاتلناك، فاكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله }.
فقال لهم الرسول: { والله إني لرسول الله وإن كَذَّبْتُم }.
ثم قال لكاتب الصحيفة: { اكتب ما يشاءون، اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله }.
واستمر الحوار بين ابن عباس والخوارج على هذا النسق الباهر المعجز، وما كاد ينتهي النقاش حتى نهض منهم عشرون ألفا معلنين اقتناعهم، وخروجهم من خُصومة الإمام علي.
أخلاق العلماء لقد كان ابن عباس -رضي الله عنه- حَبْر هذه الأمة يمتلك ثروة كبيرة من العلم ومن أخلاق العلماء، وكان يفيض على الناس بماله بنفس السماح الذي يفيض به علمه، وكان معاصروه يقولون: { ما رأينا بيتا أكثر طعاما، ولا شرابا ولا فاكهة ولا عِلْما من بيت ابن عباس }.
وكان قلبه طاهر لا يحمل الضغينة لأحد ويتمنى الخير للجميع، فهو يقول عن نفسه: { إني لآتي على الآية من كتاب الله فأود لو أن الناس جميعا علموا مثل الذي أعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضي بالعدل ويحكم بالقسط فأفرح به وأدعو له، ومالي عنده قضية، وإني لأسمع بالغيث يصيب للمسلمين أرضا فأفرح به ومالي بتلك الأرض سائِمَة }.
وهو عابد قانت يقوم الليل ويصوم الأيام وكان كثير البكاء كلما صلى وقرأ القرآن.
ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عبّاس بركابه فقال: { لا تفْعل يا ابن عمّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- }.
قال: { هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا }.
فقال له زيد: { أرني يديك }.
فأخرج يديه فقبّلهما وقال: { هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- }.
موقفه من الفتنة لقد كان لابن عباس أراء في الفتنة بين علي ومعاوية، أراء ترجو السلام لا الحرب، والمنطق لا القَسْر، على الرغم من أنه خاض المعركة مع الإمام علي ضد معاوية، فقد شهد مع علي { الجمل } و { صفين }، لأنه في البداية كان لابد من ردع الشقاق الذي هدد وحدة المسلمين، وعندما هَمّ الحسين -رضي اللـه عنه- بالخروج الى العـراق ليقاتل زيادا ويزيـد، تعلّق ابن عباس به واستماتَ في محاولـة منعه، فلما بلغه نبأ استشهاده، حـزِنَ عليه ولزم داره.
البصرة وكان ابن عباس أمير البصرة، وكان يغشى الناس في شهر رمضان، فلا ينقضي الشهر حتى يفقههم، وكان إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان يعظهم ويتكلّم بكلام يروعهم ويقول: { مَلاكُ أمركم الدّين، ووصلتكم الوفاء، وزينتكم العلم، وسلامتكم الحِلمُ وطَوْلكم المعروف، إن الله كلّفكم الوسع، اتقوا الله ما استطعتم }.
الوصية قال جُندُب لابن عباس: { أوصني بوصية، قال: أوصيك بتوحيد الله، والعمل له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فإن كل خير أنتَ آتيه بعد هذه الخصال منك مقبول، وإلى الله مرفوع، يا جُندُب إنّك لن تزداد من يومك إلا قرباً، فصلّ صلاة مودّع، وأصبح في الدنيا كأنّك غريب مسافر، فإنّك من أهل القبور، وابكِ على ذنبك، وتُبْ من خطيئتك، ولتكن الدنيا أهون عليك من شِسْعِ نَعْلَيك، وكأنّ قد فارقتها، وصرت إلى عدل الله، ولن تنتفع بما خلّفت، ولن ينفعك إلا عملك }.
اللسان قال ابن بُرَيْدة: { رأيت ابن عباس آخذاً بلسانه، وهو يقول: { وَيْحَكَ، قُلْ خيراً تغنمْ أوِ اسكتْ عن شرّ تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم }.
فقيل له: { يا ابن عباس ! لم تقول هذا ؟}.
قال: { إنّه بلغني أنّ الإنسان ليس على شيءٍ من جسده أشدَّ حنقاً أو غيظاً يوم القيامة منه على لسانه، إلا قال به خيراً أو أملى به خيراً }.
المعروف وقال ابن عبّاس: { لا يتمّ المعروف إلا بثلاثة: تعجيله، وتصغيرُه عنده وسَتْرُهُ، فإنه إذا عجَّله هيّأهُ، وإذا صغّرهُ عظّمَهُ، وإذا سَتَرهُ فخّمَهُ }.
معاوية وهرقل كتب هرقل إلى معاوية وقال: { إن كان بقي فيهم من النبوة فسيجيبون عمّا أسألهم عنه }.
وكتب إليه يسأله عن المجرّة وعن القوس وعن البقعة التي لم تُصِبْها الشمس إلا ساعة واحدة، فلمّا أتى معاوية الكتاب والرسول، قال: { هذا شيء ما كنت أراه أسأل عنه إلى يومي هذا ؟}.
فطوى الكتاب وبعث به إلى ابن عباس، فكتب إليه: { إنّ القوس أمان لأهل الأرض من الغرق، والمجرّة باب السماء الذي تنشق منه، وأمّا البقعة التي لم تُصبْها الشمس إلا ساعة من نهار فالبحر الذي انفرج عن بني إسرائيل }.
وفاته وفي آخر عمره كُفَّ بصره، وفي عامه الحادي والسبعين دُعِي للقاء ربه العظيم، ودُفِنَ في مدينة الطائف سنة (68 هـ).


مجرد إنسان 02-28-17 01:43 AM




عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة يا بن عوف إنك من الأغنياء، وإنك ستدخل الجنة " " حَبْوا، فأقرض الله يُطلق لك قدميك حديث شريف عبد الرحمن بن عوف أحد الثمانية السابقين الى الإسلام، عرض عليه أبو بكر الإسلام فما غُـمَّ عليه الأمر ولا أبطأ، بل سارع الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبايعه.
وفور إسلامه حمل حظـه من اضطهاد المشركين، هاجر الى الحبشة الهجـرة الأولى والثانيـة، كما هاجر الى المدينـة مع المسلميـن وشهـد المشاهد كلها، فأصيب يوم أُحُد بعشريـن جراحا إحداها تركت عرجا دائما في ساقه، كما سقطت بعـض ثناياه فتركت هتما واضحا في نطقه وحديثه.
التجارة كان -رضي الله عنه- محظوظا بالتجارة إلى حد أثار عَجَبه فقال: { لقد رأيتني لو رفعت حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا }.
وكانت التجارة عند عبد الرحمن بن عوف عملاً وسعياً لا لجمع المال ولكن للعيش الشريف، وهذا ما نراه حين آخى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ربيع،فقال سعد لعبد الرحمن: { أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا، فانظر شطر مالي فخذه، وتحتي امرأتان، فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلّقها وتتزوجها }.
فقال عبد الرحمن: { بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلوني على السوق }.
وخرج الى السوق فاشترى وباع وربح.
حق الله كانت تجارة عبد الرحمن بن عوف ليست له وحده، وإنما لله والمسلمون حقا فيها، فقد سمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول يوما: { يا بن عوف إنك من الأغنياء، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا، فأقرض الله يُطلق لك قدميك }.
ومنذ ذاك الحين وهو يقرض الله قرضـا حسنا، فيضاعفـه الله له أضعافـا، فقد باع يوما أرضا بأربعين ألف دينار فرّقها جميعا على أهله من بني زُهرة وأمهات المسلمين وفقراء المسلمين،وقدّم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام، ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة، وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، وأربعمائة دينار لكل من بقي ممن شهدوا بدرا حتى وصل للخليفة عثمان نصيبا من الوصية فأخذها وقال: { إن مال عبد الرحمن حلال صَفْو، وإن الطُعْمَة منه عافية وبركة }.
وبلغ من جود عبد الرحمن بن عوف أنه قيل: { أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله، ثُلث يقرضهم، وثُلث يقضي عنهم ديونهم، وثلث يصِلَهم ويُعطيهم }.
وخلّف بعده ذهبُ كثير، ضُرب بالفؤوس حتى مجلت منه أيدي الرجال.
قافلة الإيمان في أحد الأيام اقترب على المدينة ريح تهب قادمة اليها حسبها الناس عاصفة تثير الرمال، لكن سرعان ما تبين أنها قافلة كبيرة موقَرة الأحمال تزحم المدينة وترجَّها رجّا، وسألت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: { ما هذا الذي يحدث في المدينة ؟}.
وأُجيبت أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف أتت من الشام تحمل تجارة له فَعَجِبَت أم المؤمنين: { قافلة تحدث كل هذه الرجّة ؟}.
فقالوا لها: { أجل يا أم المؤمنين، إنها سبعمائة راحلة }.
وهزّت أم المؤمنين رأسها وتذكرت: { أما أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: { رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوا }.
ووصلت هذه الكلمات الى عبد الرحمن بن عوف، فتذكر أنه سمع هذا الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة، فحثَّ خُطاه الى السيدة عائشة وقال لها: { لقد ذكَّرتني بحديث لم أنسه }.
ثم قال: { أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها وأقتابها وأحْلاسِها في سبيل الله }.
ووزِّعَت حُمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها.
الخوف وثراء عبد الرحمن -رضي الله عنه- كان مصدر إزعاج له وخوف، فقد جيء له يوما بطعام الإفطار وكان صائما، فلما وقعت عليه عيناه فقد شهيته وبكى ثم قال: { استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني فكُـفّـن في بردة إن غطّت رأسه بدت رجلاه، وإن غطّت رجلاه بدا رأسه، واستشهد حمزة وهو خير مني، فلم يوجد له ما يُكَـفّـن فيه إلا بردة، ثم بُسِـطَ لنا في الدنيا ما بُسـط، وأعطينا منها ما أعطينا وإني لأخشى أن نكون قد عُجّلـت لنا حسناتنا }.
كما وضع الطعام أمامه يوما وهو جالس مع أصحابه فبكى، وسألوه: { ما يبكيك يا أبا محمد ؟}.
قال: { لقد مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير، ما أرانا أخّرنا لما هو خير لنا }.
وخوفه هذا جعل الكبر لا يعرف له طريقا، فقد قيل: { أنه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه، ما استطاع أن يميزه من بينهم }.
الهروب من السلطة كان عبد الرحمن بن عوف من الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة لهم من بعده قائلا: { لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض }.
وأشار الجميع الى عبد الرحمن في أنه الأحق بالخلافة فقال: { والله لأن تُؤخذ مُدْية فتوضع في حَلْقي، ثم يُنْفَذ بها إلى الجانب الآخر، أحب إليّ من ذلك }.
وفور اجتماع الستة لإختيار خليفة الفاروق تنازل عبد الرحمن بن عوف عن حقه الذي أعطاه إياه عمر، وجعل الأمر بين الخمسة الباقين، فاختاروه ليكون الحكم بينهم وقال له علي -كرم الله وجهه-: { لقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصفَك بأنك أمين في أهل السماء، وأمين في أهل الأرض }.
فاختار عبد الرحمن بن عوف { عثمان بن عفان } للخلافة، ووافق الجميع على إختياره.
وفاته في العام الثاني والثلاثين للهجرة جاد بأنفاسه -رضي الله عنه- وأرادت أم المؤمنين أن تخُصَّه بشرف لم تخصّ به سواه، فعرضت عليه أن يُدفن في حجرتها الى جوار الرسول وأبي بكر وعمر، لكنه استحى أن يرفع نفسه الى هذا الجوار، وطلب دفنه بجوار عثمان بن مظعون إذ تواثقا يوما أيهما مات بعد الآخر يدفن الى جوار صاحبه.
وكانت يتمتم وعيناه تفيضان بالدمع: { إني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال }.
ولكن سرعان ما غشته السكينة واشرق وجهه وأرْهِفَت أذناه للسمع كما لو كان هناك من يحادثه، ولعله سمع ما وعده الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { عبد الرحمن بن عوف في الجنة }.


مجرد إنسان 02-28-17 01:44 AM



عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه


عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه ارجع إليه وقل: (إن عبد الرحمن لايبيع دينه بدنياه).
بينما كان أبو بكر أول المؤمنين والصدّيق الذي آمن بالله ورسولـه وثاني اثنين إذ هما في الغار، كان ابنه عبد الرحمن صامدا كالصخر مع دين قومه وأصنامهم.
ما قبل الإسلام يوم بدر خرج عبد الرحمن مقاتلا مع جيش المشركين، وفي غزوة أحد كان مع الرماة الذين جنّدتهم قريش لمحاربة المسلمين، وعند بدأ القتال بالمبارزة وقف عبد الرحمـن يدعو إليه من المسلميـن من يبارزه، ونهـض أبوه أبو بكر الصديق ليبارزه لكن الرسـول الكـريم حال بينه وبين مبارزة ابنـه، وحين أذن الله للهدى أن ينزل على عبد الرحمن، رأى الحقيقة واضحة أمامه منيرة له دربه فسافر الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- مبايعاً معوضاً باذلاً أقصى جهد في سبيل الله.
ما بعد الإسلام منذ أن أسلم عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهما- لم يتخلف عن غزو أو جهاد أو طاعة، ويوم اليمامة أبلى فيه بلاء لا مثيل له فهو الذي أجهز على حياة (محكم بن الطفيل)
العقل المدبر لمسيلمة الكذاب، وصمد مع المسلمين حتى قضوا على جيش الردة والكفر.
قوة شخصيته لقد كان جوهر شخصيته -رضي الله عنه- الولاء المطلق لما يقتنع به، ورفضه للمداهنة في أي ظرف كان، ففي يوم أن قرر معاوية أخذ البيعة لابنه يزيد بحد السيف، كتب الى مروان عامله على المدينة كتاب البيعة وأمره أن يقرأه على المسلمين في المسجد، وفعل مروان ولم يكد يفرغ من القراءة حتى نهض عبد الرحمن محتجا قائلا: { والله ما الخيار أردتم لأمة محمد، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هَرَقِليَّة، كلما مات هِرقْل قام هِرَقْل }.
وأيده على الفور فريق من المسلمين من بينهم الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، ولكن الظروف القاهرة جعلتهم يصمتون على البيعة فيما بعد، لكن عبد الرحمن بن أبي بكر بقي معارضا لها جاهرا برأيه، فأراد معاوية أن يرضيه بمائة ألف درهم بعثها له مع أحد رجاله، فألقاها عبد الرحمن بعيدا وقال لرسول معاوية: { ارجع إليه وقل له: إن عبد الرحمن لا يبيع دينه بدنياه }.
ولما علم أن معاوية يشد الرحال قادما الى المدينة غادرها من فوره الى مكة.
وفاته وأراد الله أن يكفي عبد الرحمن فتنة هذا الموقف وسوء عقباه، فلم يكد يبلغ مشارف مكة ويستقر بها قليلا حتى فاضت إلى الله روحه، وحمله الرجال إلى أعالي مكة حيث دُفِن هناك.


مجرد إنسان 02-28-17 01:46 AM



طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه


طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة (من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض وقد قضى نحبه، فلينظر الى طلحة) حديث شريف.
طلحة بن عبيـد اللـه بن عثمان التيمـي القرشي المكي المدني، أبو محمـد.
لقد كان في تجارة له بأرض بصرى، حين لقي راهبا من خيار رهبانها، وأنبأه أن النبي الذي سيخرج من أرض الحرم، قد أهل عصره، ونصحه باتباعه.
وعاد الى مكـة ليسمع نبأ الوحي الذي يأتي الصادق الأميـن، والرسالة التي يحملها، فسارع الى أبي بكر فوجـده الى جانب محمد مؤمنا، فتيقن أن الاثنان لن يجتمعا الا علـى الحق، فصحبه أبـو بكر الى الرسـول -صلى الله عليه وسلم- حيث أسلم وكان من المسلمين الأوائل.
ايمانه لقد كان طلحة -رضي الله عنه- من أثرياء قومه ومع هذا نال حظه من اضطهاد المشركين، وهاجر الى المدينة وشهد المشاهد كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- الا غزوة بدر، فقد ندبه النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه سعيد بن زيد الى خارج المدينة، وعند عودتهما عاد المسلمون من بدر، فحزنا الا يكونا مع المسلمين، فطمأنهما النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن لهما أجر المقاتلين تماما، وقسم لهما من غنائم بدر كمن شهدها.
وقد سماه الرسول الكريم يوم أحُد (طلحة الخير).
وفي غزوة العشيرة (طلحة الفياض).
ويوم حنين (طلحة الجود).
بطولته يوم أحد في أحد.
أبصر طلحة -رضي الله عنه- جانب المعركة الذي يقف فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلقيه هدفا للمشركين، فسارع وسط زحام السيوف والرماح الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرآه والدم يسيل من وجنتيه، فجن جنونه وقفز أمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- يضرب المشركين بيمينه ويساره، وسند الرسول -صلى الله عليه وسلم وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه، ويقول أبو بكر -رضي الله عنه- عندما يذكر أحدا: { ذلك كله كان يوم طلحة، كنت أول من جاء الى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لي الرسول ولأبي عبيدة بن الجراح: "دونكم أخاكم.
" ونظرنا، واذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة ورمية، واذا أصبعه مقطوعة، فأصلحنا من شأنه }.
وقد نزل قوله تعالى: (( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً )) [الأحزاب:23].
تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية أمام الصحابة الكرام، ثم أشار الى طلحة قائلا: { من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض، وقد قضى نحبه، فلينظر الى طلحة }.
ما أجملها من بشرى لطلحة -رضي الله عنه-، فقد علم أن الله سيحميه من الفتنة طوال حياته وسيدخله الجنة فما أجمله من ثواب.
عطائه وجوده وهكذا عاش طلحة -رضي الله عنه- وسط المسلمين مرسيا لقواعد الدين، مؤديا لحقوقه، واذا أدى حق ربه اتجه لتجارته ينميها، فقد كان من أثرى المسلمين، وثروته كانت دوما في خدمة الدين، فكلما أخرج منها الشيء الكثير، أعاده الله اليه مضاعفا، تقول زوجته سعدى بنت عوف: { دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما، فسألته: ما شأنك ؟.
فقال: المال الذي عندي، قد كثر حتى أهمني وأكربني.
وقلت له: ما عليك، اقسمه.
فقام ودعا الناس، وأخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهما }.
وفي احدى الأيام باع أرضا له بثمن عال، فلما رأى المال أمامه فاضت عيناه من الدمع وقال: { ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري مايطرق من أمر، لمغرور بالله }.
فدعا بعض أصحابه وحملوا المال معه ومضى في الشوارع يوزعها حتى أسحر وما عنده منها درهما.
وكان -رضي الله عنه- من أكثر الناس برا بأهله وأقاربه، وكان يعولهم جميعا، لقد قيل: { كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مئونته، ومئونة عياله }.
{ وكان يزوج أياماهم، ويخدم عائلهم، ويقضي دين غارمهم }.
ويقول السائب بن زيد: { صحبت طلحة بن عبيد الله في السفر و الحضر فما وجدت أحدا، أعم سخاء على الدرهم، والثوب، والطعام من طلحة }.
طلحة والفتنة عندما نشبت الفتنة في زمن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أيد طلحة حجة المعارضين لعثمان، وزكى معظمهم فيما ينشدون من اصلاح، ولكن أن يصل الأمر الى قتل عثمان -رضي الله عنه-، لا.
لكان قاوم الفتنة، وما أيدها بأي صورة، ولكن ماكان كان، أتم المبايعة هو والزبير لعلي -رضي الله عنهم جميعا- وخرجوا الى مكة معتمرين، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان.
وكانت (وقعة الجمل) عام 36 هجري.
طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر، وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين (عائشة) في هودجها بأرض المعركة، وصاح بطلحة: { يا طلحة، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها، وخبأت عرسك في البيت ؟}.
ثم قال للزبير: { يا زبير: نشدتك الله، أتذكر يوم مر بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان كذا، فقال لك: يا زبير، الا تحب عليا ؟؟.
فقلت: ألا أحب ابن خالي، وابن عمي، ومن هو على ديني ؟؟.
فقال لك: يا زبير، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم.
فقال الزبير: نعم أذكر الآن، وكنت قد نسيته، والله لاأقاتلك }.
الشهادة وأقلع طلحـة و الزبيـر -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في هذه الحرب، ولكن دفعـا حياتهما ثمنا لانسحابهما، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا، فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته.
وبعد أن انتهى علي -رضي الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات أنهاها قائلا: { اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمـان من الذين قال الله فيهم: { ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين }.
ثم نظر الى قبريهما وقال: { سمعت أذناي هاتان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: { طلحة و الزبير، جاراي في الجنة }.
قبر طلحة لمّا قُتِلَ طلحة دُفِنَ الى جانب الفرات، فرآه حلماً بعض أهله فقال: { ألاّ تُريحوني من هذا الماء فإني قد غرقت }.
قالها ثلاثاً، فأخبر من رآه ابن عباس، فاستخرجوه بعد بضعة وثلاثين سنة، فإذا هو أخضر كأنه السِّلْق، ولم يتغير منه إلا عُقْصته، فاشتروا له داراً بعشرة آلاف ودفنوه فيها، وقبره معروف بالبصرة، وكان عمره يوم قُتِلَ ستين سنة وقيل أكثر من ذلك.


مجرد إنسان 02-28-17 01:47 AM




صهيب بن سنان رضي الله عنه


صهيب بن سنان رضي الله عنه (ربح البيع أبا يحيى).
لقد كان والده حاكم (الأبله) ووليا عليهـا لكسرى، فهو من العرب الذين نزحوا الى العراق قبل الاسلام بعهد طويل، وله قصـر كبير على شاطئ الفرات، فعاش صهيب....
طفولة ناعمة سعيدة، الى أن سبي بهجوم رومي، وقضى طفولته وصدر شبابه في بلاد الروم، وأخذ لسانهم ولهجتهم، وباعه تجار الرقيق أخيرا لعبد اللـه بن جدعان في مكة وأعجب سيده الجديد بذكائه ونشاطه واخلاصه، فاعتقه وحرره، وسمح له بالاتجار معه اسلامه يقول عمار بن ياسر -رضي الله عنه-: { لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها.
فقلت له: ماذا تريد ؟.
فأجابني: ماذا تريد أنت ؟.
قلت له: أريد أن أدخل على محمد، فأسمع ما يقول.
قال: وأنا أريد ذلك.
فدخلنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعرض علينا الاسلام، فأسلمنا ثم مكثنا على ذلك حتى أمسينا، ثم خرجنا، ونحن مستخفيان }.
فكان إسلامهما بعد بضعة وثلاثين رجلاً.
هجرته الى المدينة عندما هم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة، علم صهيب بها، وكان من المفروض ان يكون ثالث الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، ولكن أعاقه الكافرون، فسبقه الرسول -صلى الله عليه وسلم-وأبو بكر، وحين استطاع الانطلاق في الصحراء، أدركه قناصة قريش، فصاح فيهم: { يا معشر قريش، لقد علمتم أني من أرماكم رجلا، وأيم الله لا تصلون الي حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي، حتى لا يبقى في يدي منه شيء، فأقدموا ان شئتم، وان شئتم دللتكم على مالي وتتركوني وشأني}.
فقبل المشركين المال وتركوه قائلين: { أتيتنا صعلوكا فقيرا، فكثر مالك عندنا، وبلغت بيننا ما بلغت، والآن تنطلق بنفسك و بمالك ؟؟}.
فدلهم على ماله وانطلق الى المدينة، فأدرك الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قباء ولم يكد يراه الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى ناداه متهللا: { ربح البيع أبا يحيى.
ربح البيع أبا يحيى }.
فقال: { يا رسول الله، ما سبقني إليك أحدٌ، وما أخبرك إلا جبريل }.
فنزل فيه قوله تعالى: (( ومِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفسَهُ ابتغاءَ مَرْضَاةِ اللهِ، واللهُ رءُوفٌ بالعِبادِ )) [البقرة: 207].
صورة ايمانه يتحدث صهيب -رضي الله عنه- عن ولائه للاسلام فيقول: { لم يشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مشهدا قط، الا كنت حاضره، ولم يبايع بيعة قط الا كنت حاضرها، ولم يسر سرية قط الا كنت حاضرها، ولا غزا غزاة قط، أول الزمان وآخره، الا كنت فيها عن يمينه أو شماله، وما خاف -المسلمون- أمامهم قط، الا كنت أمامهم، ولا خافوا وراءهم، الا كنت وراءهم، وما جعلت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيني وبين العدو أبدا حتى لقي ربه }.
وكان الى جانب ورعه خفيف الروح، حاضر النكتة، فقد رآه الرسول -صلى الله عليه وسلم- يأكل رطبا، وكان باحدى عينيه رمد، فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- ضاحكا: { أتأكل الرطب وفي عينيك رمد }.
فأجاب قائلا: { وأي بأس؟ إني آكله بعيني الأخرى !!}.
الخصال الثلاث قال عمر -رضي الله عنه- لصهيب: { أيُّ رجلٍ أنت لولا خصالٍ ثلاث فيك }.
قال: { وما هُنّ ؟}.
قال: { اكتنيتَ وليس لك ولد، وانتميت إلى العرب وأنت من الروم، وفيك سَرَفٌ في الطعام }.
قال صهيب: { أمّا قولك: اكتنيتَ ولم يولد لك، فإنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنّاني أبا يحيى، وأمّا قولك: انتميت إلى العرب وأنت من الروم، فإنّي رجل من النّمر بن قاسط، سبتني الروم من الموصل بعد إذ أنا غلام قد عرفت نسبي، وأمّا قولك: فيك سرفٌ في الطعام، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: خياركم من أطعم الطعام }.
فضله قال رسول اللـه -صلى الله عليه وسلم-: { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُحبَّ صُهيباً حُبَّ الوالدة لولدها }.
وقال: { لا تُبغضوا صُهيباً }.
وقال الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم-: { السُّبّاق أربعة، أنا سابقُ العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق الفرس، وبلال سابق الحبش }.
وعندما اعتدي على أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- وصى الأمير أصحابه بأن يصل بالناس صهيبا، حتى يتم اختيار الخليفة الجديد، فكان هذا الاختيار من تمام نعم الله على هذا العبد.
وكان ممن اعتزل الفتنة وأقبل على شأنه.
وفاته توفي في المدينة في شوال عام (8 هـ).


مجرد إنسان 02-28-17 01:48 AM




صفوان بن أميّة رضي الله عنه


صفوان بن أميّة رضي الله عنه (ما طابتْ نفسُ أحدٍ بمثل هذا إلا نفسُ نبيّ ).
صفوان بن أميّة بن خلف بن وهب الجمحي القرشي، أسلم بعد فتح مكة قُتِلَ أبوه يوم بدر كافراً، وكان من كبراء قريش، وكان صفوان أحد العشرة الذين انتهى إليهم شَرَفُ الجاهلية، ووصله لهم الإسلام من عشر بطون، شهد اليرموك وكان أميراً على كُرْدُوس من الجيش.
دعوة الرسول كان صفوان بن أمية من الذين دَعَا عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الحارث بن هاشم وسهيل بن عمرو فنزلت الآية الكريمة.
قال الله تعالى: (( ليس لكَ مِنَ الأمْرِ شيءٌ أو يتوبَ عليهم أو يُعذِّبَهُم فإنّهم ظالمون ))[ آل عمران: 128] فاستبشر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهدايتهم، فتِيْبَ عليهم كلهم.
فتح مكة وفي يوم الفتح العظيم، راح عمير بن وهب يُناشد صفوان الإسلام ويدعوه إليه، بيْد أن صفوان شدّ رحاله صوب جدّة ليبحر منها الى اليمن، فذهب عمير الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال له: { يا نبي الله، إن صفوان بن أمية سيد قومه، وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر، فأمِّـنه صلى الله عليك }.
فقال النبي: { هو آمن }.
قال: { يا رسول الله فأعطني آية يعرف بها أمانك }.
فأعطاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- عمامته التي دخل فيها مكة.
فخرج بها عمير حتى أدرك صفوان فقال: { يا صفوان فِداك أبي وأمي، الله الله في نفسك أن تُهلكها، هذا أمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد جئتك به }.
قال له صفوان: { وَيْحَك، اغْرُب عني فلا تكلمني }.
قال: { أيْ صفوان فداك أبي وأمي، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفضـل الناس وأبـر الناس، وأحلـم الناس وخيـر الناس، عِزَّه عِزَّك، وشَرَفه شَرَفـك }.
قال: { إنـي أخاف على نفسـي }.
قال: { هو أحلم من ذاك وأكرم }.
فرجع معه حتى وقف به على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال صفوان للنبي الكريم: { إن هذا يزعم أنك قـد أمَّـنْتَنـي }.
قال الرسـول -صلى الله عليه وسلم-: { صـدق }.
قال صفـوان: { فاجعلني فيها بالخيار شهريـن }.
فقـال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { أنت بالخيار فيه أربعة أشهر }.
وفيما بعد أسلم صفوان.
يوم حُنَين لمّا أجمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السير إلى هوازن ليلقاهم، ذُكِرَ له أن عند صفوان بن أمية أدراعاً له وسلاحاً، فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك، فقال: { يا أبا أمية، أعرنا سلاحك هذا نلقَ فيه عدونا غداً }.
فقال صفوان: { أغصباً يا محمد ؟}.
قال: { بل عارِيَةٌ ومضمونة حتى نؤديها إليك }.
قال: { ليس بهذا بأس }.
وقد هلك بعضها فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { إن شئت غَرِمتُها لك ؟}.
قال: { لا، أنا أرغبُ في الإسلام من ذلك }.
إسلامه لمّا فرّق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غنائم حُنَين، رأى صفْوان ينظر إلى شِعْبٍ ملآن نَعماً وشاءً ورعاءَ، فأدام النظر إليه، ورسول الله -صلى اللـه عليه وسلم- يَرْمُقُـهُ فقال: { يا أبا وهب يُعْجِبُـكَ هذا الشّعْبُ ؟}.
قال: { نعم }.
قال: { هو لك وما فيه }.
فقبـض صفوان ما في الشّعْب و قال: { ما طابتْ نفسُ أحدٍ بمثل هذا إلا نفسُ نبيّ، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبدُهُ ورسوله }.
وأسلم في مكانه.
الهجرة وأقام صفوان بمكة مسلماً بعد عودة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، فقيل له: { لا إسلام لمن لا هجرة له }.
فقدم المدينة فنزل على العباس، فقال: { ذاك أبرَّ قريش بقريش، ارجع أبا وهب، فإنه لا هجرة بعد الفتح.
ولمن لأباطحِ مكة ؟!}.
فرجع صفوان فأقام بمكة حتى مات فيها.
العطاء لمّا أعطى عمر بن الخطاب أوّل عطاء أعطى صفوان، وذلك سنة (15 هـ)، فلمّا دَعا صفوان وقد رأى ما أخذَ أهل بدرٍ، ومن بعدهم إلى الفتح، فأعطاه في أهل الفتح، أقلَّ مما أخذ من كان قبله أبَى أن يقبله و قال: { يا أمير المؤمنين، لست معترفاً لأن يكون أكرم مني أحد، ولستُ آخذاً أقلَّ ممّا أخذ من هو دوني، أو من هو مثلي ؟}.
فقال عمر: { أنّما أعطيتُهُم على السابقة والقدمة في الإسلام لا على الأحساب }.
قال: { فنعم إذن }.
فأخذ وقال: { أهل ذاكَ هُمْ }.
فضله كان صفوان -رضي الله عنه- أحد المطعمين، وكان يُقال له: { سِداد البطحاء }.
وكان من أفصح قريش لساناً.
وفاته توفي صفوان بن أميّة في مكة في نفس سنة مقتل عثمان بن عفان سنة (35 هـ).


مجرد إنسان 02-28-17 01:49 AM



صفوان بن المعطّل رضي الله عنه


صفوان بن المعطّل رضي الله عنه ) ما علمـتُ عنه إلا خيـراً ( حديث شريف.
صفوان بن المعطّل بن رُبيعة السُّلَميّ الذكوانيّ وكنيته أبو عمـرو قديم الإسلام، شهد الخندق والمشاهد بعدها، وهو الذي رُميت به السيدة عائشة في حادثة الإفك.
حادثة الإفك في غزوة المصطلق سنة ست للهجرة، لما فرغ الرسول -صلى الله عليه وسلم- من سفره ذلك وجّه قافلا حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا فبات به بعض الليل، ثم أذّن في الناس بالرحيل، فارتحل الناس، وخرجت السيدة عائشة لبعض حاجاتها وفي عنقها عقد، فلما فرغت أنسل، فلما رجعت الى الرحل ذهبت تلتمسه في عنقها فلم تجده، فرجعت الى مكانها الذي ذهبت إليه، فالتمسته حتى وجدته، وجاء القوم فأخذوا الهودج وهم يظنون أنها فيه كما كانت تصنع، فاحتملوه فشدوه على البعير، ولم يشكوا أنها فيه، ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به، فرجعت الى العسكر وما فيه من داع ولا مجيب، قد انطلق الناس.
فتلففت بجلبابها ثم اضطجعت في مكانها، وعرفت أن لو قد افتُقِدت لرُجع إليها، فمر بها صفوان بن المعطّل السُّلَمي، وقد كان تخلف عن العسكر لبعض حاجته، فلم يبت مع الناس، فرأى سوادها فأقبل حتى وقف عليها، وقد كان يراها قبل أن يضرب الحجاب، فلما رآها قال: { إنا لله وإنا إليه راجعون، ظعينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-}.
وقال: { ما خلّفك يرحمك الله ؟}.
فما كلمته، ثم قرب البعير فقال: { اركبي }.
واستأخر عنها، فركبت وأخذ برأس البعير فانطلق سريعاً يطلب الناس، فتكلّم أهل الإفك وجهلوا.
وكان صفوان صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن صالحي أصحابه، وقد أثنى عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حادثة الإفك، فقد قام الرسول الكريم فحَمَد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: { أمّا بعد: فأشيروا عليّ في أناس أبَنوا -اتهموا- أهلي، وأيْمُ الله إنْ -ما- علمتُ على أهلي من سُوءٍ قطّ، وأبَنوا بِمَن ؟ والله إنْ علمتُ عليه سوْءاً قطّ، ولا دخل على أهلي إلا وأنا شاهِد }.
يعني صفوان بن المعطل.
حسّان بن ثابت وقد أكثر حسان بن ثابت على صفوان بن المعطّل في شأن عائشة، وقال بيت شعر يُعرّض به فيه.
أمسى الجلابيبُ قد عزُّوا وقد كثُرُوا*****وابنُ الفُريعة أمسَى بيضةَ البَلَدِ ويعني بالجلابيب: السفلة، وبابن الفُريعة نفسه، فأمُّهُ الفُريعة، وبيضة البلد أي أنه وحيد، تشبيه بيضة النعامة التي تتركها في الفلاة فلا تحضنها، فغضب صفوان وحلف لئن أنزل الله عذرَه ليضربنّ حسان ضربة بالسيف، وبالفعل بعد نزول البراءة وقف له ليلةً فضربه ضربة كشط جلدة رأسه، فأخذ ثابت بن قيس صفوان وجمع يديه الى عنقه بحبل وانطلق إلى دار بني حارثة، فلقيه عبدالله بن رواحة فقال له: { ما هذا ؟!}.
فقال: { ما أعجبك عَدَا على حسّان بالسيف، فوالله ما أراه إلا قد قتله }.
فقال: { هل علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما صنعت به ؟}.
فقال: { لا }.
فقال: { والله لقد اجترأت، خلِّ سبيله، فسنغدو على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنعلمه أمره }.
فخلى سبيله.
فلمّا أصبحوا غدوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكروا له ذلك فقال: { أين ابن المعطل ؟}.
فقام إليه فقال: { ها أنا يا رسول الله }.
فقال: { ما دَعاك إلى ما صنعت }.
فقال: { يا رسول الله، آذاني وكثّر عليّ، ثم لم يرضَ حتى عرّض في الهجاء، فاحتملني الغضب، وهذا أنا، فما كان عليّ من حقّ فخذني به }.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { ادعُ لي حسّان }.
فأتيَ به فقال: { يا حسّان أتشوّهت على قومٍ أن هداهُمُ اللـه للإسلام ؟ أحْسِن فيما أصابك }.
فقال: { هي لك يا رسـول اللـه }.
فأعطاه رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- سيرين القبطية فولدت له عبدالرحمن.
وفاته استشهد في خلافة عمر بن الخطاب في معركة أرمينية عام (19 هـ / 640 م)، وقيل توفي بالجزيرة في ناحية سُمَيْساط -على شاطيء الفرات في غربيه في طرف بلاد الروم-، وقيل أنه غزا الروم في خلافة معاوية، فاندقّت ساقه، ولم يزل يُطاعن حتى مات سنة (58 هـ).



الساعة الآن 06:52 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.1 al2la.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع الحقوق محفوظه لـ منتديات مسك الغلا