منتديات مسك الغلا | al2la.com
 


من تاريخ هذا اليوم أي إساءه مهما كان نوعها أو شكلها أو لونها تصدر علناً من عضو بحق عضو أو مراقب أو إداري أو حتى المنتدى سيتم الإيقاف عليها مباشره وبدون تفاهم :: قرار هام ::

موضوع مُغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-27-17, 02:58 AM   #31
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي





عبد الله بن عمر رضي الله عنه


عبد الله بن عمر رضي الله عنه (نِعـْمَ الرجل عبـد اللـه لو كان يصلـي من الليل فيكثـر) حديـث شريـف.
عبد الله بن عمر بن الخطاب بدأت علاقته مع الإسلام منذ أن هاجر مع والده الى المدينة وهو غلام صغير، ثم وهو في الثالثة عشر من عمره حين صحبه والده لغزوة بدر لولا أن رده الرسـول -صلى الله عليه وسلم- لصغر سنه، تعلم من والده عمر بن الخطاب خيرا كثيرا، وتعلم مع أبيه من الرسول العظيم الخير كله، فأحسنا الإيمان.
محاكاة الرسول كان عبد الله بن عمر (أبو عبد الرحمن) حريصا كل الحرص على أن يفعل ما كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفعله، فيصلي في ذات المكان، ويدعو قائما كالرسول الكريم، بل يذكر أدق التفاصيل ففي مكة دارت ناقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- دورتين قبل أن ينزل الرسول من على ظهرها ويصلي ركعتين، وقد تكون الناقة فعلت ذلك بدون سبب لكن عبد الله لا يكاد يبلغ نفس المكان في مكة حتى يدور بناقته ثم ينيخها ثم يصلي لله ركعتين تماما كما رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفعل، وتقول في ذلك أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها -: { ما كان أحد يتبع آثار النبي -صلى الله عليه وسلم- في منازله كما كان يتبعه ابن عمر }.
حتى أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة فيصبُّ في أصلها الماء لكيلا تيبس، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { لو تركنا هذا الباب للنّساء }.
فلم يدخل فيه ابن عمر حتى مات.
الجهاد أول غزوات عبد الله بن عمر كانت غزوة الخندق، فقد اسْتُصْغِرَ يوم أحد، ثم شهد ما بعدها من المشاهد، وخرج إلى العراق وشهد القادسية ووقائع الفرس، وورَدَ المدائن، وشهد اليرموك، وغزا إفريقية مرتين.
يقول عبد الله: { عُرضتُ على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر وأنا ابن ثلاث عشرة فردّني، ثم عرضتُ عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فردّني ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسَ عشرة فأجازني }.
وكان ابن عمر رجلاً آدم جسيماً ضخماَ، يقول ابن عمر: { إنّما جاءتنا الأدْمة من قبل أخوالي، والخال أنزعُ شيء، وجاءني البُضع من أخوالي، فهاتان الخصلتان لم تكونا في أبي رحمه الله، كان أبي أبيض، لا يتزوّج النساء شهوةً إلا لطلب الولد }.
قيام الليل يحدثنا ابن عمر -رضي الله عنهما-: { رأيت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأن بيدي قطعة إستبرق، وكأنني لا أريد مكانا من الجنة إلا طارت بي إليه، ورأيت كأن اثنين أتياني وأرادا أن يذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، فإذا لها قرنان كقرني البئر، فرأيت فيها ناساً قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار }.
فلقينا ملك فقال: { لا تُرَع }.
فخليا عني، فقصت حفصة أختي على النبي -صلى الله عليه سلم- رؤياي فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل فيكثر }.
ومنذ ذلك اليوم الى أن لقي ربه لم يدع قيام الليل في حلِّه أو ترحاله.
القرآن كان عبد الله مثل أبيه -رضي الله عنهما- تهطل دموعه حين يسمع آيات النذير في القرآن، فقد جلس يوما بين إخوانه فقرأ: (( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ )) * (( الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ )) * (( وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ )) * (( أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ )) * (( لِيَوْمٍ عَظِيمٍ )) * (( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )) [المطففين:1-6].
ثم مضى يردد: { يوم يقوم الناس لرب العالمين }.
ودموعه تسيل كالمطر، حتى وقع من كثرة وجده وبكائه.
قال ابن عمر: { مكثتُ على سورة البقرة ثماني سنين أتعلّمها }.
وقال: { لقد عشنا بُرهةً من دهرنا وأحدنا يرى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد -صلى الله عليه وسلم- فتعلّم حلالها وحرامها، وأمرها وزاجرها، وما ينبغي أن نقف عنده منها كما تعلّمون أنتم القرآن، ثم رأيتُ اليوم رجالاً لا يرى أحدُهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته، وما يدري ما أمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه، فينثرُ نثرَ الدَّقَل }.
العلم كتب رجل إلى ابن عمر فقال: { اكتبْ إليّ بالعلم كلّه }.
فكتب إليه ابن عمر: { إنّ العلم كثيرٌ، ولكن إن استطعتَ أن تلقى الله خفيفَ الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كافاً لسانك عن أعراضهم، لازماً لأمر الجماعة فافعل، والسلام }.
القضاء دعاه يوما الخليفـة عثمـان -رضي اللـه عنهما- وطلب منه أن يشغل منصـب القضـاء، فاعتذر وألح عليه عثمـان فثابر على اعتذاره، وسأله عثمان: { أتعصيني ؟}.
فأجاب ابن عمر: { كلا ولكن بلغني أن القضاة ثلاثة، قاض يقضي بجهل فهو في النار، وقاض يقضي بهوى فهو في النار، وقاض يجتهد ويصيب فهو كفاف لا وزر ولا أجر، وإني لسائلك بالله أن تعفيني }.
وأعفاه عثمان بعد أن أخذ عليه عهدا ألا يخبر أحدا، لأنه خشي إذا عرف الأتقياء الصالحون أن يتبعوه وينهجوا نهجه.
حذره كان -رضي الله عنه- شديد الحذر في روايته عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال معاصروه: { لم يكن من أصحاب رسول الله أحد أشد حذرا من ألا يزيد في حديث رسول الله أو ينقص منه من عبد الله بن عمر }.
كما كان شديد الحذر والحرص في الفُتيا، فقد جاءه يوما سائل يستفتيه في سؤال فأجابه قائلا: { لا علم لي بما تسأل }.
وذهب الرجل الى سبيله، ولا يكاد يبتعد بضع خطوات عن ابن عمر حتى يفرك ابن عمر كفيه فرحا ويقول لنفسه: { سئل ابن عمر عما لا يعلم، فقال لا يعلم }.
وسأل رجلٌ ابن عمر عن مسألة فطأطأ ابن عمر رأسه، ولم يُجبه حتى ظنّ الناس أنّه لم يسمع مسألته، فقال له: { يرحمك الله ما سمعت مسألتي ؟}.
قال: { بلى، ولكنكم كأنّكم ترون أنّ الله ليس بسائلنا عما تسألونا عنه، اتركنا يرحمك الله حتى نتفهّم في مسألتك، فإن كان لها جوابٌ عندنا، وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به }.
جوده كان ابن عمر -رضي الله عنه- من ذوي الدخول الرغيدة الحسنة، إذ كان تاجراً أميناً ناجحاً، وكان راتبه من بيت مال المسلمين وفيرا، ولكنه لم يدخر هذا العطاء لنفسه قط، إنما كان يرسله على الفقراء والمساكين والسائلين، فقد رآه { أيوب بن وائل الراسبي } وقد جاءه أربعة آلاف درهم وقطيفة، وفي اليوم التالي رآه في السوق يشتري لراحلته علفاً ديناً، فذهب أيوب بن وائل الى أهل بيت عبد الله وسألهم، فأخبروه: { إنه لم يبت بالأمس حتى فرقها جميعا، ثم أخذ القطيفة وألقاها على ظهره و خرج، ثم عاد وليست معه، فسألناه عنها فقال إنه وهبها لفقير }.
فخرج ابن وائل يضرب كفا بكف، حتى أتـى السوق وصاح بالناس: { يا معشر التجار، ما تصنعون بالدنيا، وهذا ابن عمر تأتيه آلاف الدراهم فيوزعها، ثم يصبح فيستـدين علفاً لراحلته !!}.
كما كان عبد الله بن عمر يلوم أبناءه حين يولمون للأغنياء ولا يأتون معهم بالفقراء ويقول لهم: { تَدْعون الشِّباع وتَدَعون الجياع }.
زهده أهداه أحد إخوانه القادمين من خُراسان حُلة ناعمة أنيقة وقال له: { لقد جئتك بهذا الثوب من خراسان، وإنه لتقر عيناي إذ أراك تنزع عنك ثيابك الخشنة هذه، وترتدي هذا الثوب الجميل }.
قال له ابن عمر: { أرِنيه إذن }.
ثم لمسه وقال: { أحرير هذا ؟}.
قال صاحبه: { لا، إنه قطن }.
وتملاه عبد الله قليلا، ثم دفعه بيمينه وهو يقول: { لا إني أخاف على نفسي، أخاف أن يجعلني مختالا فخورا، والله لا يحب كل مختال فخور }.
وأهداه يوما صديق وعا مملوءاً، وسأله ابن عمر: { ما هذا ؟}.
قال: { هذا دواء عظيم جئتك به من العراق }.
قال ابن عمر: { وماذا يُطَبِّب هذا الدواء ؟}.
قال: { يهضم الطعام }.
فابتسم ابن عمر وقال لصاحبه: { يهضم الطعام ؟.
إني لم أشبع من طعام قط منذ أربعين عاما }.
لقد كان عبد الله -رضي الله عنه- خائفا من أن يقال له يوم القيامة: { أَذْهَبتم طيّباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها }.
كما كان يقول عن نفسه: { ما وضعت لَبِنَة على لَبِنَة ولا غرست نخلة منذ توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-}.
ويقول ميمون بن مهران: { دخلت على ابن عمر، فقوّمت كل شيء في بيته من فراش ولحاف وبساط، ومن كل شيء فيه، فما وجدته يساوي مائة درهم }.
خوفه كان إذا ذُكِّر عبد الله بن عمر بالدنيا ومتاعها التي يهرب منها يقول: { لقد اجتمعت وأصحابي على أمر، وإني لأخاف إن خالفتهم ألا ألحق بهم }.
ثم يخبر الآخرين أنه لم يترك الدنيا عجزا، فيرفع يديه الى السماء ويقول: { اللهم إنك تعلم أنه لولا مخافتك لزاحمنا قومنا قريشاً في هذه الدنيا }.
قال ابن عمر: { لقد بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما نكثتُ ولا بدّلتُ إلى يومي هذا، ولا بايعتُ صاحب فتنة، ولا أيقظت مؤمناً من مرقده }.
الخلافة عرضت الخلافة على ابن عمر -رضي الله عنه- عدة مرات فلم يقبلها، فهاهو الحسن -رضي الله عنه- يقول: { لما قُتِل عثمان بن عفان، قالوا لعبد الله بن عمر: { إنك سيد الناس وابن سيد الناس، فاخرج نبايع لك الناس }.
قال: { إني والله لئن استطعت، لا يُهـْرَاق بسببي مِحْجَمَـة من دم }.
قالوا: { لَتَخْرُجَنّ أو لنقتُلك على فراشك }.
فأعاد عليهم قوله الأول.
فأطمعوه وخوفوه فما استقبلوا منه شيئاً }.
فقد كان ابن عمر يأبى أن يسعى الى الخلافة إلا إذا بايعه المسلمون جميعا طائعين وليس بالسيف، فقد لقيه رجلا فقال له: { ما أحد شر لأمة محمـد منك }.
قال ابن عمر: { ولم ؟.
فوالله ما سفكت دماءهـم ولا فرقـت جماعتهم ولا شققت عصاهـم }.
قال الرجل: { إنك لو شئت ما اختلف فيك اثنـان }.
قال ابن عمر: { ما أحب أنها أتتني، ورجل يقول: لا، وآخر يقول: نعم }.
واستقر الأمر لمعاوية ومن بعده لابنه يزيد ثم ترك معاوية الثاني ابن يزيد الخلافة زاهدا فيها بعد أيام من توليها، وكان عبد الله بن عمر شيخا مسناً كبيراً فذهب إليه مروان وقال له: { هَلُمّ يدك نبايع لك، فإنك سيد العرب وابن سيدها }.
قال له ابن عمر: { كيف نصنع بأهل المشرق ؟}.
قال مروان: { نضربهم حتى يبايـعوا }.
قال ابن عمـر: { والله ما أحـب أنها تكون لي سبعيـن عاما، ويقتـل بسببـي رجل واحد }.
فانصـرف عنه مـروان.
موقفه من الفتنة رفض -رضي الله عنه- استعمال القوة والسيف في الفتنة المسلحة بين علي ومعاوية، وكان الحياد شعاره ونهجه: { من قال حيّ على الصلاة أجبته، ومن قال حيّ على الفلاح أجبته، ومن قال حيّ على قَتْل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت: لا }.
يقول أبو العالية البراء: { كنت أمشي يوما خلف ابن عمر وهو لا يشعر بي فسمعته يقول: { واضعين سيوفهم على عَوَاتِقِهم يقتل بعضهم بعضا يقولون: ياعبد الله بن عمر أَعْطِ يدك }}.
وقد سأله نافع: { يا أبا عبد الرحمن، أنت ابن عمر، وأنت صاحب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأنت وأنت فما يمنعك من هذا الأمر -يعني نصرة علي- ؟}.
فأجابه قائلا: { يمنعني أن الله تعالى حرّم عليّ دم المسلم، لقد قال عزّ وجل: { قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله }.
ولقد فعلنا وقاتلنا المشركين حتى كان الدين لله، أما اليوم ففيم نُقاتل ؟.
لقد قاتلت والأوثان تملأ الحرم من الركن الى الباب، حتى نضاها الله من أرض العرب، أفأُقاتل اليوم من يقول: لا إله إلا الله ؟!}.
الوصية ذُكرت الوصية لابن عمر في مرضه فقال ابن عمر -رضي الله عنه-: { أمّا مالي فالله أعلم ما كنت أفعل فيه، وأمّا رباعي وأرضي فإنّي لا أحب أن يُشارك ولدي فيها أحد }.
ولمّا حضر ابن عمر الموت قال: { ما آسى على شيءٍ من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقاتل هذه الفئة التي نزلت بنا }.
يعني الحجاج.
وفاته وقد كف بصر عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- آخر عمره، وفي العام الثالث والسبعين للهجرة توفي -رضي الله عنه- بمكة وهو في الخامسة والثمانين من عمره.



 


قديم 02-27-17, 03:30 AM   #32
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي





عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه


عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فهل لك إذن في خير الصيام، صيام داود " " كان يصوم يوماً ويفطر يوماً حديث شريف عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل القرشـي، يُقال كان اسمه العاص فسمّاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- عبدالله، وقد سبق أباه عمرو بن العاص للإسلام ومنذ أن أسلم لم يعد الليل والنهار يتّسعان لتعبّـده ونسكـه، فعكـف على القرآن يحفظه ويفهمه، وجلس في المسجد متعبدا، وفي داره صائما و قائما، لا ينقطع عن الذكر أبدا، وإذا خرج المسلمون لقتال المشركين خرج معهم طالبا للشهادة.
تَعَبُّدِه كان عبد الله -رضي الله عنه- إذا لم يكن هناك خروج لغزو يقضي أيامه من الفجر الى الفجر في عبادة موصولة، صيام وصلاة وتلاوة القرآن، ولسانه لا يعرف إلا ذكر الله وتسبيحه واستغفاره، فعلم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بإيغال عبد الله بالعبادة، فاستدعاه وراح يدعوه الى القصد في العبادة فقال الرسول الكريم: { ألَم أخْبَر أنك تصوم النهار لا تفطر، وتصلي الليل لا تنام ؟ فحَسْبُك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام }.
فقال عبد الله: { إني أطيق أكثر من ذلك }.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: { فحسبك أن تصوم من كل جمعة يومين }.
قال عبد الله: { فإني أطيق أكثر من ذلك }.
قال رسول الله: { فهل لك إذن في خير الصيام، صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً }.
وعاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- يسأله قائلا: { وعلمت أنك تجمع القرآن في ليلة، وإني أخشى أن يطول بك العمر وأن تملَّ قراءته.
اقرأه في كل شهر مرة.
اقرأه في كل عشرة أيام مرة.
اقرأه في كل ثلاثٍ مرة }.
ثم قال له: { إني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغِبَ عن سُنَّتي فليس مني }.
ولقد عَمَّـرَ عبد الله بن عمـرو طويلا، ولمّا تقدمـت به السـن ووَهَـن منه العظـم، كان يتذكر دائما نُصْـحَ الرسول فيقول: { يا ليتني قبلـت رُخصـة رسـول اللـه }.
الكتابـة قال عبدالله بن عمرو: { كنتُ أكتب كلَّ شيءٍ أسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أريد حفظه، فنهتني قريش فقالوا: { إنّك تكتب كلَّ شيءٍ تسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورسول الله بشرٌ يتكلم في الغضب والرضى }.
فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: { اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منّي إلا حق }.
قال أبو هريرة: { ما كان أحدٌ أحفظ لحديث رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- منّي إلا عبدالله بن عمرو، فإنّي كنت أعي بقلبي، ويعي بقلبه ويكتب }.
وعن مجاهد قال: دخلتُ على عبدالله بن عمرو بن العاص، فتناولتُ صحيفةً تحت رأسه، فتمنّع عليّ فقلتُ: { تمنعني شيئاً من كتبك ؟}.
فقال: { إنّ هذه الصحيفة الصادقة التي سمعتُها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بيني وبينه أحد، فإذا سَلِمَ لي كتاب الله، وسلمتْ لي هذه الصحيفة، والوَهْط -وهو بستان عظيم كان بالطائف لعبد الله- لم أبالِ ما صنعتِ الدنيا }.
فضله قال عبد الله بن عمرو بن العاص: { ابن عباس أعلمنا بما مضى، وأفقهنا فيما نزل مما لم يأت فيه شيئاً }.
قال عكرمة: فأخبرتُ ابن عباس بقوله فقال: { إنّ عنده لعلماً، ولقد كان يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الحلال والحرام }.
علمه قال عبد الله بن عمرو: { إنّ هذا الدّينَ متينٌ فأوغلوا فيه برفق، ولا تُبَغِّضوا إلى أنفسكم عبادة الله عزّ وجلّ، فإنّ المنبتَّ لا بلغ بُعْداً، ولا أبقى ظهراً، واعملْ عملَ امرىءٍ يظنّ ألا يموت إلا هَرِماً، واحذرْ حذرَ امرىءٍ يحسب أنّه يموتُ غداً }.
وقال: { لأن أكون عاشرَ عشرةٍ مساكين يوم القيامة أحبُّ إليّ من أكون عاشر عشرة أغنياء، فإنّ الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال: هكذا وهكذا، يقول: يتصدق يميناً وشمالاً }.
وقال عبد الله: { ما أعطي إنسانٌ شيئاً خيراً من صحّةٍ وعِفّةٍ، وأمانةٍ وفقهٍ }.
وقال عمرو بن العاص لإبنه: { يا بُنيّ، ما الشرف ؟ }.
قال: { كفّ الأذى، وبذلُ الندَى }.
قال: { فما المروءة ؟}.
قال: { عرفان الحق، وتعاهد الصنعة }.
قال: { فما المجد ؟}.
قال: { احتمال المغارم وابتناء المكارم }.
وسأله: { ما الغيّ ؟}.
قال: { طاعةُ المُفْسِدِ، وعصيانُ المُرْشِدِ }.
قال: { فما البله ؟}.
قال: { عَمى القلب، وسرعة النسيان }.
خشية الله مرّ العلاء بن طارق بعبد الله بن عمرو بن العاص بينما كان يُصَلّي وراء المقام وهو يبكي، وقد كَسَفَ القمر -أو خَسَفَ القمر- فوقف يسمع فقال: { ما توقفك يابن أخي ؟ تعجب من أنّي أبكي ؟ والله إنّ هذا القمر يبكي من خشية الله، أمَا والله لو تعلمون علم اليقين لبكى أحدكم حتى ينقطع صوته، ولسجد حتى ينقطع صلبه }.
الوصية الغالية رأينا كيف كان عبد الله بن عمرو مقبلا على العبادة إقبالا كبيرا، الأمر الذي كان يشغل بال أبيه عمرو بن العاص دائما، فيشكوه الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- كثيرا، وفي المرة الأخيرة التي أمره الرسول فيها بالقصد في العبادة وحدّد له مواقيتها كان عمرو حاضرا، فأخذ الرسول يد عبد الله ووضعها في يد عمرو بن العاص أبيه وقال الرسول له: { افعل ما أمرتك، وأطِعْ أباك }.
فكان لهذا العبارة تأثيرا خاصا على نفس عبد الله -رضي الله عنه- وعاش عمره الطويل لا ينسى لحظة تلك العبارة الموجزة.
موقعة صِفّين عندما قامت الحرب بين طائفتين من المسلمين، علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان اختار عمرو بن العاص طريقه الى جوار معاوية، وكان يدرك مدى حب المسلمين وثقتهم بابنه عبد الله، فحين همّ بالخروج الى صِفّين دعاه إليه ليحمله على الخروج الى جانب معاوية فقال له: { يا عبد الله تهيأ للخروج، فإنك ستقاتل معنا }.
وأجاب عبد الله: { كيف ؟.
وقد عهد إليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا أضع سيفا على عنق مسلم أبدا }.
وحاول عمرو أن يقنعه بأنهم إنما يريدون الخروج ليصلوا الى قتلة عثمان وأن يثأروا لدمه الطاهر ثم ألقى مفاجأته على ابنه قائلا: { أتذكر يا عبد الله آخر عهد عهده إليك النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أخذ بيدك فوضعها في يدي وقال لك: أطِعْ أباك ؟.
فإني أعزم عليك الآن أن تخرج معنا وتقاتل }.
وخرج عبد الله بن عمرو طاعة لأبيه، وفي عزمه ألا يحمل سيفا ولا يقاتل مسلما، ونشب القتال حاميا ويختلف المؤرخون فيما إذا كان عبد الله قد اشترك في بداية القتال أم لا، ونقول ذلك لأنه ما لبث أن حدث شيء عظيم جعل عبد الله يغير موقفه ويصبح ضد معاوية.
مقتل عمّار لقد قاتل عمّار بن ياسر مع علي بن أبي طالب وقُتِلَ على يد جند معاوية، ومن المعلوم لعبد الله بن عمرو بن العاص أن عمّارا ستقتله الفئة الباغية، فقد تنبأ بذلك الرسول الكريم حينما كانوا يبنون مسجد الرسول في المدينة، وكان عمّار يحمل الحجارة فرحا فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعيناه تدمعان: { ويْحُ ابن سُميّة، تقتله الفئة الباغية }.
وسمع ذلك الصحابة وعبد الله معهم، وهاهو عمّار تواصى بقتله جماعة من جيش معاوية فسدّدوا نحوه رمية آثمة، استشهد منها عمّار بن ياسر، وسرى خبر مقتله كالريح، فانتفض عبد الله بن عمرو ثائرا مُهْتاجا: { أوَ قد قُتِلَ عمّار ؟.
وأنتم قاتلوه ؟.
إذن أنتم الفئة الباغية، أنتم المقاتلون على ضلالة !!}.
وانطلق في جيش معاوية كالنذير، يُثيِط عزائمهم، ويهتف بأنهم بغاة لأنهم قتلوا عمّاراً، وتحققت نبوءة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
عبد الله و معاوية وحُمِلَت مقالة عبد الله الى معاوية، فدعا عمرو وابنه عبد الله وقال لعمرو: { ألا تكُفَّ عنا مجنونك هذا ؟}.
قال عبد الله: { ما أنا بمجنون، ولكني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لعمار تَقْـتُـلُكَ الفئة الباغية }.
قال له معاوية: { فلم خَرَجْت معنا ؟}.
قال عبد الله: { لأن رسول الله أمرني أن أطيع أبي، وقد أطعتُه في الخروج، ولكني لا أقاتل معكم }.
وإذ هُما يتحاوران دخل على معاوية من يستأذن لقاتل عمّار في الدخول، فصاح عبد الله بن عمرو: { ائذن له، وبشّره بالنار }.
وأفلتت مغايظ معاوية على الرغم من طول أناته وسعة حِلُمه وصاح بعمرو: { أوتَسْمَع ما يقول }.
وعاد عبد الله الى هدوء المتقين مؤكدا لمعاوية أنه لم يقل إلا الحق، والتفت صوب أبيه وقال: { لولا أن رسول الله أمرني بطاعتك ما سرت معك هذا المسير }.
وعاد عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- الى مسجده وعبادته، ونجح معاوية وعمرو من السيطرة على الجيش وإفهامه أن من قتل عمّارا هم من خرجوا به الى القتال، واستأنف الفريقان القتال.
الندم وعاش عبد الله -رضي الله عنه- حياته لا يملؤها بغير مناسكه وتعبُّده، غير أن خروجه الى صفّين ظل مبعث قلق له على الدوام، وكلما تذكر يبكي ويقول: { مالي ولِصِفّين ؟.
مالي ولقِتال المسلمين ؟}.
ذات يوم، وهو جالس في مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع بعض أصحابه مر بهم { الحسين بن علي } فتبادلا السلام، ولما مضى عنهم قال عبد الله لمن معه: { أتحبون أن أخبركم بأحب أهل الأرض الى أهل السماء ؟.
إنه هذا الذي مرَّ بنا الآن، وإنه ما كلمني منذ صفّين، ولأن يرضى عني، أحب إلي من حُمر النَّعَم }.
واتفق مع أبي سعيد الخدري على زيارة الحسين، وهناك تم لقاء الأكرمين، وعندما ذُكِرَت صفّين، سأله الحسين معاتبا: { ما الذي حملك على الخروج مع معاوية ؟}.
قال عبد الله: { ذات يوم شكاني عمرو بن العاص الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال له: { إن عبد الله يصوم النهار كله، ويقوم الليل كله، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { يا عبد الله صلّ ونم، وصُم وأفطر، وأطِع أباك }، ولما كان يوم صفّين أقسم علي أبي أن أخرج معهم، فخرجت و لكن والله، ما اختَرَطْت سيفا، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم }.
الكعبة المشرفة دخل عبد الله بن عمرو بن العاص المسجد الحرام، والكعبة مُحَرّقة حين أدبر جيش الحصين بن نمير، والكعبة تتناثر حجارتها، فوقف ومعه ناسٌ غير قليل، فبكى وقال: { والله لو أنّ أبا هريرة أخبركم أنّكم قاتلو ابن نبيّكم، ومحرّقُوا بيتَ ربّكم لقلتم: ما أحد أكذب من أبي هريرة، أنحن نقتل ابنَ نبيّنا، ونحرق بيتَ ربّنا عزّ وجلّ ؟!.
فقد والله فعلتم، فانتظروا نقمة الله عزّ وجلّ، فوالذي نفسي بيده ليَلْبِسَنَّكُمُ الله شِيَعاً، ويُذيقُ بعضَكم بأسَ بعضٍ }.
قالها ثلاثاً ثم نادى بصوتٍ فأسمع: { أين الآمرون بالمعروف ؟ والناهون عن المنكر ؟ والذي نفسُ عبد الله بيده لقد ألبسَكم الله شيعاً، وأذاق بعضكم بأس بعض، لبطنُ الأرض خيرٌ لمن عليها لمن لم يأمر بالمعروف ولم ينهَ عن المنكر }.
وفاته وحين بلوغه الثانية والسبعين من عمره المبارك، وإذ هو في مُصلاّه، يتضرع الى ربه، ويسبح بحمده، دُعيَ الى رحلة الأبد، فذهبت روحه تسعى وتطير الى لقاء الأحبة، توفي عبد الله بن عمرو بن العاص ليالي الحرّة سنة ( 63 هـ) من شهر ذي الحجة.



 


قديم 02-27-17, 03:32 AM   #33
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي





عبد الله بن طارق رضي الله عنه


عبد الله بن طارق رضي الله عنه يوم الرجيع في سنة ثلاث للهجرة، قدم على الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد أحد نفر من عضل والقارة فقالوا: { يا رسول الله، إن فينا إسلاما، فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهوننا في الدين، ويقرئوننا القرآن ويعلموننا شرائع الإسلام }....
فبعث معهم مرثد بن أبي مرثد، وخالد بن البكير، وعاصم بن ثابت، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وعبدالله بن طارق، وأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على القوم مرثد بن أبي مرثد، فخرجوا حتى إذا أتوا على الرجيع { وهو ماء لهذيل بناحية الحجاز على صدور الهدأة } غدروا بهم، فاستصرخوا عليهم هذيلا، ووجد المسلمون أنفسهم وقد أحاط بهم المشركين، فأخذوا سيوفهم ليقاتلوهم فقالوا لهم: { إنا والله ما نريد قتلكم، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة، ولكم عهد الله وميثاقه ألا نقتلكم } فأما مرثد بن أبي مرثد وخالد بن البكير وعاصم بن ثابت فقالوا: { والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا }.
ثم قاتلوا القوم وقتلوا.
وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي وعبدالله بن طارق فلانوا ورقوا فأسروا وخرجوا بهم الى مكة ليبيعوهم بها، حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبدالله بن طارق يده من القِران وأخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره رحمه الله بالظهران.
وفي مكة باعوا خبيب بن عدي لحجير بن أبي إهاب لعقبة بن الحارث ابن عامر ليقتله بأبيه، وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف..


 


قديم 02-27-17, 03:33 AM   #34
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي





عبد الله بن العباس رضي الله عنه


عبد الله بن العباس حَبْرُ هذه الأمّة (نِعْمَ ترجُمانُ القرآنِ أنتَ) حديث شريف.
يُشبه ابن عباس (عبد الله بن الزبير) في أنه أدرك الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعاصره وهو غلام، ومات الرسول الكريم قبل أن يبلغ ابن عباس سن الرجولة لكنه هو الآخر تلقى في حداثته كلّ خامات رجولته ومباديء حياته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي علّمه الحكمة الخالصة، وبقوة إيمانه و خُلُقه وغزارة عِلمه اقْتعَد ابن عباس مكانا عاليا بين الرجال حول الرسول.
طفولته هو ابن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، عم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكنّيَ بأبيه العباس، وهو أكبر ولده ولد بمكة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته بالشعب من مكة، فأتِيَ به النبي فحنّكه بريقه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، وعلى الرغم من أنه لم يجاوز الثالثة عشر من عمره يوم مات الرسول الكريم، فأنه لم يُضيُّـع من طفولته الواعيـة يوما دون أن يشهد مجالس الرسـول ويحفظ عنه ما يقول، فقد أدناه الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- منه وهو طفل ودعا لـه: { اللهم فقّهْه في الدين وعَلّمه التأويل }.
فأدرك ابن عباس أنه خُلِق للعلم والمعرفة.
فضله رأى ابن العباس جبريل -عليه السلام- مرّتين عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو ترجمان القرآن، سمع نجوى جبريل للرسول -صلى الله عليه وسلم- وعايَنَه، ودعا له الرسول الكريم مرّتين، وكان ابن عبّاس يقول: { نحن أهل البيت، شجرة النبوّة، ومختلف الملائكة، وأهل بيت الرسالة، وأهل بيت الرّحمة، ومعدن العلم }.
وقال: { ضمّني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: اللهم علِّمه الحكمة }.
قال ابن عساكر: { كان عبد الله أبيض طويلاً مشرباً صفرة، جسيماً وسيماً، صبيح الوجه، له وفرة يخضب الحناء، وكان يُسمّى: الحَبْرُ والبحر، لكثرة علمه وحِدّة فهمه، حَبْرُ الأمّة وفقيهها، ولسان العشرة ومنطيقها، محنّكٌ بريق النبوة، ومدعُوّ له بلسان الرسالة: اللهم فقّهه في الدين، وعلّمه التأويل }.
وعن عمر قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: { إنّ أرْأفَ أمّتي بها أبو بكر، وإنّ أصلبَها في أمر الله لعمر، وإنّ أشدّها حياءً لعثمان، وإنّ اقرأها لأبيّ، وإنّ أفرضَها لزَيَد، وإنْ أقضاها لعليّ، وإنّ أعلمَها بالحلال والحرام لمعاذ، وإن أصدقها لهجة لأبو ذرّ، وإنّ أميرَ هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، وإنْ حَبْرَ هذه الأمة لعبد الله بن عبّاس }.
وكان عمـر بن الخطاب -رضي اللـه عنه- يحرص على مشورته، وكان يلقبه { فتى الكهـول }.
وقد سئل يوما: { أنَّى أصَبْت هذا العلم ؟}.
فأجاب: { بلسان سئول، وقلب عقول }.
وكان عمر إذا جاءته الأقضية المعضلة قال لابن عبّاس: { إنّها قد طرأت علينا أقضية وعضل فأنت لها ولأمثالها }.
ثم يأخذ بقوله.
قال ابن عبّاس: { كان عمـر بن الخطاب يأذن لأهل بـدرٍ ويأذن لي معهم }.
فذكـر أنه سألهم وسأله فأجابـه فقال لهم: { كيف تلومونني عليه بعد ما ترون ؟!}.
وكان يُفتي في عهد عمر وعثمان إلى يوم مات.
عِلْمه وبعد ذهاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى الرفيق الأعلى، حرص ابن عباس على أن يتعلم من أصحاب الرسول السابقين ما فاته سماعه وتعلمه من الرسول نفسه، فهو يقول عن نفسه: { أن كُنتُ لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- }.
كما يصور لنا اجتهاده بطلب العلم فيقول: { لما قُبِض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت لفتى من الأنصار: { هَلُـمَّ فَلْنَسأل أصحاب رسول الله فإنهم اليوم كثيـر }.
فقال: { يا عَجَبا لك يا ابن عباس !! أترى الناس يفتقرون إليك وفيهم من أصحاب رسول الله ما ترى ؟}.
فترك ذلك وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله، فإن كان لَيَبْلُغني الحديث عن الرجل، فآتي إليه وهو قائل في الظهيرة، فأتوسَّد ردائي على بابه، يسْفي الريح عليّ من التراب، حتى ينتهي من مَقيله ويخرج فيراني فيقول: { يا ابن عم رسول الله ما جاء بك ؟ هلا أرسلت إليّ فآتيك ؟}.
فأقول: { لا، أنت أحق بأن أسعى إليك، فأسأله عن الحديث وأتعلم منه }.
وهكذا نمت معرفته وحكمته وأصبح يملك حكمة الشيوخ وأناتهم.
وعن عبد الله بن عباس قال: { كنتُ أكرمُ الأكابرَ من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار، وأسألهم عن مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما نزل من القرآن في ذلك، وكنتُ لا آتي أحداً منهم إلا سُرَّ بإتياني لقُربي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعلت أسأل إبيّ بن كعب يوماً عمّا نزل من القرآن بالمدينة، فقال: { نزل سبعٌ وعشرون سورة، وسائرها بمكة }.
وكان ابن عبّاس يأتي أبا رافع، مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول: { ما صنع النبي- -صلى الله عليه وسلم- يوم كذا وكذا ؟}.
ومع ابن عبّاس ألواحٌ يكتب ما يقول.
وعن ابن عبّاس قال: { ذللْتُ طالباً لطلب العلم، فعززتُ مطلوباً }.
مما قيل بابن عباس قال علي بن أبي طالب في عبد الله بن عبّاس: { إنّه ينظر إلى الغيب من سترٍ رقيقٍ، لعقله وفطنته بالأمور }.
وصفه سعد بن أبي وقاص فقال: { ما رأيت أحدا أحْضَر فهما، ولا أكبر لُبّا، ولا أكثر علما، ولا أوسع حِلْما من ابن عباس، ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات، وحوله أهل بدْر من المهاجرين والأنصار فيتحدث ابن عباس ولا يُجاوز عمر قوله }.
وقال عنه عُبيد الله بن عتبة: { ما رأيت أحدا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ابن عباس، ولا رأيت أحدا أعلم بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه، ولا أفْقَه في رأي منه، ولا أعْلم بشعر ولا عَربية، ولا تفسير للقرآن ولا بحساب وفريضة منه، ولقد كان يجلس يوما للفقه، ويوما للتأويل، ويوما للمغازي، ويوما للشعر، ويوما لأيام العرب وأخبارها، وما رأيت عالما جلس إليه إلا خضع له، ولا سائلا سأله إلا وجد عنده عِلما }.
وقال عُبيد الله بن أبي يزيد: { كان ابن عبّاس إذا سُئِلَ عن شيءٍ، فإن كان في كتاب الله عزّ وجلّ قال به، وإنْ لم يَكُن في كتاب الله عزّ وجل وكان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه شيء قال به، فإن لم يكن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه شيءٌ قال بما قال به أبو بكر وعمر، فإن لم يكن لأبي بكر وعمر فيه شيء قال برأيه }.
ووصفه مسلم من البصرة: { إنه آخذ بثلاث، تارك لثلاث، آخذ بقلوب الرجال إذا حدّث، وبحُسْن الإستماع إذا حُدِّث، وبأيسر الأمرين إذا خُولِف، وتارك المِراء ومُصادقة اللئام وما يُعْتَذر منه }.
قال مجاهد: { كان ابن عبّاس يسمى البحر من كثرة علمه }.
وكان عطاء يقول: { قال البحرُ وفعل البحر }.
وقال شقيق: { خطب ابن عباس وهو على الموسم، فافتتح سورة البقرة، فجعل يقرؤها ويفسّر، فجعلت أقول: ما رأيت ولا سمعت كلامَ رجلٍ مثله، لو سَمِعَتْهُ فارس والروم لأسلمتْ }.
تنوع ثقافته حدَّث أحد أصحابه ومعاصريه فقال: لقد رأيت من ابن عباس مجلسا، لو أن جميع قريش فخُرَت به لكان لها به الفخر، رأيت الناس اجتمعوا على بابه حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر أن يجيء ولا أن يذهب، فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه، فقال لي: { ضَعْ لي وضوءاً }.
فتوضأ وجلس، و قال: { اخرج إليهم، فادْعُ من يريد أن يسأل عن القرآن وتأويله }.
فخرجت فآذَنْتُهم، فدخلوا حتى ملئُوا البيت، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم، ثم قال لهم: { إخوانكم }.
فخرجوا ليُفسِحوا لغيرهم، ثم قال لي: { اخرج فادْعُ من يريد أن يسأل عن الحلال والحرام }.
فخرجت فآذَنْتُهم، فدخلوا حتى ملئُوا البيت، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم، ثم قال: { إخوانكم }.
فخرجوا ثم قال لي: { ادْعُ من يريد أن يسأل عن الفرائض }.
فخرجت فآذَنْتُهم، فدخلوا حتى ملئُوا البيت، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم، ثم قال لي: { ادْعُ من يريد أن يسأل عن العربيّة والشّعر }.
فآذَنْتُهم، فدخلوا حتى ملئُوا البيت، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم.
دليل فضله كان أناسٌ من المهاجرين قد وجدوا على عمرفي إدنائه ابن عبّاس دونَهم، وكان يسأله، فقال عمر: { أمَا إنّي سأريكم اليومَ منه ما تعرفون فضله }.
فسألهم عن هذه السورة.
(( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً )) [النصر:1-2].
قال بعضهم: { أمرَ الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجاً أن يحمدوه ويستغفروه }.
فقال عمر: { يا ابن عبّاس، ألا تكلّم ؟}.
قال: { أعلمه متى يموتُ، قال إذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ والفَتْحُ، والفتح فتح مكة ورأيتَ النّاسَ يدخلونَ في دينِ اللهِ أفْواجاً، فهي آيتُكَ من الموت فسَبِّح بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرهُ إنّهُ كانَ تَوّاباً }.
ثم سألهم عن ليلة القدر فأكثروا فيها، فقال بعضهم: { كُنّا نرى أنّها في العشر الأوسط، ثم بلغنا أنّها في العشر الأواخر }.
وقال بعضهم: { ليلة إحدى وعشرين }.
وقال بعضهم: { ثلاث و عشريـن }.
وقال بعضهم: { سبع وعشريـن }.
فقال بعضهم لابـن عباس: { ألا تكلّم !}.
قال: { الله أعلم }.
قال: { قد نعلم أن الله أعلم، إنّما نسألك عن علمك }.
فقال ابن عبّاس: { الله وترٌ يُحِبُّ الوترَ، خلق من خلقِهِ سبع سموات فاستوى عليهنّ، وخلق الأرض سبعاً، وخلق عدّة الأيام سبعاً، وجعل طوافاً بالبيت سبعاً، ورمي الجمار سبعاً، وبين الصفا والمروة سبعاً، وخلق الإنسان من سبع، وجعل رزقه من سبعٍ }.
قال عمر: { وكيف خلق الإنسان من سبعٍ، وجعل رزقه من سبعٍ ؟ فقد فهمت من هذا أمراً ما فهمتُهُ ؟}.
قال ابن عباس: { إن الله يقول: (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ )) [المؤمنون:12-14].
ثم قرأ: (( أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً )) * (( ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً )) * (( فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً )) * (( وَعِنَباً وَقَضْباً )) * (( وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً )) * (( وَحَدَائِقَ غُلْباً )) * (( وَفَاكِهَةً وَأَبّاً )) [عبس:25-31]^، وأمّا السبعة فلبني آدم، والأبّ فما أنبتت الأرض للأنعام، وأمّا ليلة القدر فما نراها إن شاء الله إلا ليلة ثلاثٍ وعشرين يمضينَ وسبعٍ بقين }.
المنطق والحُجّة بعث الإمام علي -كرم الله وجهه- ابن عباس ذات يوم الى طائفة من الخوارج، فدار بينه وبينهم حوار طويل، ساق فيه الحجة بشكل يبهر الألباب فقد سألهم ابن عباس: { ماذا تنقمون من علي ؟}.
قالوا: { ـ نَنْقِم منه ثلاثا: أولاهُن أنه حكَّم الرجال في دين الله، والله يقول: إن الحكْمُ إلا لله، والثانية أنه قاتل ثم لم يأخذ من مقاتليه سَبْيا ولا غنائم، فلئن كانوا كفارا فقد حلّت له أموالهم، وإن كانوا مؤمنين فقد حُرِّمَت عليه دماؤهم، والثالثة رضي عند التحكيم أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين استجابة لأعدائه، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين }.
وأخذ ابن عباس يُفَنّد أهواءهم فقال: { أمّا قولكم إنه حَكّم الرجال في دين الله فأي بأس ؟
إن الله يقول: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ )) [المائدة:95] }.
فَنَبئوني بالله أتحكيم الرجال في حَقْن دماء المسلمين أحق وأوْلى، أم تحكيمهم في أرنب ثمنها درهم ؟!.
وأما قولكم إنه قاتل فلم يسْبُ ولم يغنم، فهل كنتم تريدون أن يأخذ عائشة زوج الرسول وأم المؤمنين سَبْياً ويأخذ أسلابها غنائم ؟؟.
وأما قولكم أنه رضى أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين حتى يتم التحكيم، فاسمعوا ما فعله رسول الله يوم الحديبية، إذ راح يُملي الكتاب الذي يقوم بينه وبين قريش فقال للكاتب: { اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله}.
فقال مبعوث قريش: { والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صَدَدْناك عن البيت ولا قاتلناك، فاكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله }.
فقال لهم الرسول: { والله إني لرسول الله وإن كَذَّبْتُم }.
ثم قال لكاتب الصحيفة: { اكتب ما يشاءون، اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله }.
واستمر الحوار بين ابن عباس والخوارج على هذا النسق الباهر المعجز، وما كاد ينتهي النقاش حتى نهض منهم عشرون ألفا معلنين اقتناعهم، وخروجهم من خُصومة الإمام علي.
أخلاق العلماء لقد كان ابن عباس -رضي الله عنه- حَبْر هذه الأمة يمتلك ثروة كبيرة من العلم ومن أخلاق العلماء، وكان يفيض على الناس بماله بنفس السماح الذي يفيض به علمه، وكان معاصروه يقولون: { ما رأينا بيتا أكثر طعاما، ولا شرابا ولا فاكهة ولا عِلْما من بيت ابن عباس }.
وكان قلبه طاهر لا يحمل الضغينة لأحد ويتمنى الخير للجميع، فهو يقول عن نفسه: { إني لآتي على الآية من كتاب الله فأود لو أن الناس جميعا علموا مثل الذي أعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضي بالعدل ويحكم بالقسط فأفرح به وأدعو له، ومالي عنده قضية، وإني لأسمع بالغيث يصيب للمسلمين أرضا فأفرح به ومالي بتلك الأرض سائِمَة }.
وهو عابد قانت يقوم الليل ويصوم الأيام وكان كثير البكاء كلما صلى وقرأ القرآن.
ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عبّاس بركابه فقال: { لا تفْعل يا ابن عمّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- }.
قال: { هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا }.
فقال له زيد: { أرني يديك }.
فأخرج يديه فقبّلهما وقال: { هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- }.
موقفه من الفتنة لقد كان لابن عباس أراء في الفتنة بين علي ومعاوية، أراء ترجو السلام لا الحرب، والمنطق لا القَسْر، على الرغم من أنه خاض المعركة مع الإمام علي ضد معاوية، فقد شهد مع علي { الجمل } و { صفين }، لأنه في البداية كان لابد من ردع الشقاق الذي هدد وحدة المسلمين، وعندما هَمّ الحسين -رضي اللـه عنه- بالخروج الى العـراق ليقاتل زيادا ويزيـد، تعلّق ابن عباس به واستماتَ في محاولـة منعه، فلما بلغه نبأ استشهاده، حـزِنَ عليه ولزم داره.
البصرة وكان ابن عباس أمير البصرة، وكان يغشى الناس في شهر رمضان، فلا ينقضي الشهر حتى يفقههم، وكان إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان يعظهم ويتكلّم بكلام يروعهم ويقول: { مَلاكُ أمركم الدّين، ووصلتكم الوفاء، وزينتكم العلم، وسلامتكم الحِلمُ وطَوْلكم المعروف، إن الله كلّفكم الوسع، اتقوا الله ما استطعتم }.
الوصية قال جُندُب لابن عباس: { أوصني بوصية، قال: أوصيك بتوحيد الله، والعمل له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فإن كل خير أنتَ آتيه بعد هذه الخصال منك مقبول، وإلى الله مرفوع، يا جُندُب إنّك لن تزداد من يومك إلا قرباً، فصلّ صلاة مودّع، وأصبح في الدنيا كأنّك غريب مسافر، فإنّك من أهل القبور، وابكِ على ذنبك، وتُبْ من خطيئتك، ولتكن الدنيا أهون عليك من شِسْعِ نَعْلَيك، وكأنّ قد فارقتها، وصرت إلى عدل الله، ولن تنتفع بما خلّفت، ولن ينفعك إلا عملك }.
اللسان قال ابن بُرَيْدة: { رأيت ابن عباس آخذاً بلسانه، وهو يقول: { وَيْحَكَ، قُلْ خيراً تغنمْ أوِ اسكتْ عن شرّ تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم }.
فقيل له: { يا ابن عباس ! لم تقول هذا ؟}.
قال: { إنّه بلغني أنّ الإنسان ليس على شيءٍ من جسده أشدَّ حنقاً أو غيظاً يوم القيامة منه على لسانه، إلا قال به خيراً أو أملى به خيراً }.
المعروف وقال ابن عبّاس: { لا يتمّ المعروف إلا بثلاثة: تعجيله، وتصغيرُه عنده وسَتْرُهُ، فإنه إذا عجَّله هيّأهُ، وإذا صغّرهُ عظّمَهُ، وإذا سَتَرهُ فخّمَهُ }.
معاوية وهرقل كتب هرقل إلى معاوية وقال: { إن كان بقي فيهم من النبوة فسيجيبون عمّا أسألهم عنه }.
وكتب إليه يسأله عن المجرّة وعن القوس وعن البقعة التي لم تُصِبْها الشمس إلا ساعة واحدة، فلمّا أتى معاوية الكتاب والرسول، قال: { هذا شيء ما كنت أراه أسأل عنه إلى يومي هذا ؟}.
فطوى الكتاب وبعث به إلى ابن عباس، فكتب إليه: { إنّ القوس أمان لأهل الأرض من الغرق، والمجرّة باب السماء الذي تنشق منه، وأمّا البقعة التي لم تُصبْها الشمس إلا ساعة من نهار فالبحر الذي انفرج عن بني إسرائيل }.
وفاته وفي آخر عمره كُفَّ بصره، وفي عامه الحادي والسبعين دُعِي للقاء ربه العظيم، ودُفِنَ في مدينة الطائف سنة (68 هـ).



 


قديم 02-28-17, 01:43 AM   #35
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي






عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة يا بن عوف إنك من الأغنياء، وإنك ستدخل الجنة " " حَبْوا، فأقرض الله يُطلق لك قدميك حديث شريف عبد الرحمن بن عوف أحد الثمانية السابقين الى الإسلام، عرض عليه أبو بكر الإسلام فما غُـمَّ عليه الأمر ولا أبطأ، بل سارع الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبايعه.
وفور إسلامه حمل حظـه من اضطهاد المشركين، هاجر الى الحبشة الهجـرة الأولى والثانيـة، كما هاجر الى المدينـة مع المسلميـن وشهـد المشاهد كلها، فأصيب يوم أُحُد بعشريـن جراحا إحداها تركت عرجا دائما في ساقه، كما سقطت بعـض ثناياه فتركت هتما واضحا في نطقه وحديثه.
التجارة كان -رضي الله عنه- محظوظا بالتجارة إلى حد أثار عَجَبه فقال: { لقد رأيتني لو رفعت حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا }.
وكانت التجارة عند عبد الرحمن بن عوف عملاً وسعياً لا لجمع المال ولكن للعيش الشريف، وهذا ما نراه حين آخى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ربيع،فقال سعد لعبد الرحمن: { أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا، فانظر شطر مالي فخذه، وتحتي امرأتان، فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلّقها وتتزوجها }.
فقال عبد الرحمن: { بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلوني على السوق }.
وخرج الى السوق فاشترى وباع وربح.
حق الله كانت تجارة عبد الرحمن بن عوف ليست له وحده، وإنما لله والمسلمون حقا فيها، فقد سمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول يوما: { يا بن عوف إنك من الأغنياء، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا، فأقرض الله يُطلق لك قدميك }.
ومنذ ذاك الحين وهو يقرض الله قرضـا حسنا، فيضاعفـه الله له أضعافـا، فقد باع يوما أرضا بأربعين ألف دينار فرّقها جميعا على أهله من بني زُهرة وأمهات المسلمين وفقراء المسلمين،وقدّم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام، ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة، وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، وأربعمائة دينار لكل من بقي ممن شهدوا بدرا حتى وصل للخليفة عثمان نصيبا من الوصية فأخذها وقال: { إن مال عبد الرحمن حلال صَفْو، وإن الطُعْمَة منه عافية وبركة }.
وبلغ من جود عبد الرحمن بن عوف أنه قيل: { أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله، ثُلث يقرضهم، وثُلث يقضي عنهم ديونهم، وثلث يصِلَهم ويُعطيهم }.
وخلّف بعده ذهبُ كثير، ضُرب بالفؤوس حتى مجلت منه أيدي الرجال.
قافلة الإيمان في أحد الأيام اقترب على المدينة ريح تهب قادمة اليها حسبها الناس عاصفة تثير الرمال، لكن سرعان ما تبين أنها قافلة كبيرة موقَرة الأحمال تزحم المدينة وترجَّها رجّا، وسألت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: { ما هذا الذي يحدث في المدينة ؟}.
وأُجيبت أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف أتت من الشام تحمل تجارة له فَعَجِبَت أم المؤمنين: { قافلة تحدث كل هذه الرجّة ؟}.
فقالوا لها: { أجل يا أم المؤمنين، إنها سبعمائة راحلة }.
وهزّت أم المؤمنين رأسها وتذكرت: { أما أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: { رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوا }.
ووصلت هذه الكلمات الى عبد الرحمن بن عوف، فتذكر أنه سمع هذا الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة، فحثَّ خُطاه الى السيدة عائشة وقال لها: { لقد ذكَّرتني بحديث لم أنسه }.
ثم قال: { أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها وأقتابها وأحْلاسِها في سبيل الله }.
ووزِّعَت حُمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها.
الخوف وثراء عبد الرحمن -رضي الله عنه- كان مصدر إزعاج له وخوف، فقد جيء له يوما بطعام الإفطار وكان صائما، فلما وقعت عليه عيناه فقد شهيته وبكى ثم قال: { استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني فكُـفّـن في بردة إن غطّت رأسه بدت رجلاه، وإن غطّت رجلاه بدا رأسه، واستشهد حمزة وهو خير مني، فلم يوجد له ما يُكَـفّـن فيه إلا بردة، ثم بُسِـطَ لنا في الدنيا ما بُسـط، وأعطينا منها ما أعطينا وإني لأخشى أن نكون قد عُجّلـت لنا حسناتنا }.
كما وضع الطعام أمامه يوما وهو جالس مع أصحابه فبكى، وسألوه: { ما يبكيك يا أبا محمد ؟}.
قال: { لقد مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير، ما أرانا أخّرنا لما هو خير لنا }.
وخوفه هذا جعل الكبر لا يعرف له طريقا، فقد قيل: { أنه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه، ما استطاع أن يميزه من بينهم }.
الهروب من السلطة كان عبد الرحمن بن عوف من الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة لهم من بعده قائلا: { لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض }.
وأشار الجميع الى عبد الرحمن في أنه الأحق بالخلافة فقال: { والله لأن تُؤخذ مُدْية فتوضع في حَلْقي، ثم يُنْفَذ بها إلى الجانب الآخر، أحب إليّ من ذلك }.
وفور اجتماع الستة لإختيار خليفة الفاروق تنازل عبد الرحمن بن عوف عن حقه الذي أعطاه إياه عمر، وجعل الأمر بين الخمسة الباقين، فاختاروه ليكون الحكم بينهم وقال له علي -كرم الله وجهه-: { لقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصفَك بأنك أمين في أهل السماء، وأمين في أهل الأرض }.
فاختار عبد الرحمن بن عوف { عثمان بن عفان } للخلافة، ووافق الجميع على إختياره.
وفاته في العام الثاني والثلاثين للهجرة جاد بأنفاسه -رضي الله عنه- وأرادت أم المؤمنين أن تخُصَّه بشرف لم تخصّ به سواه، فعرضت عليه أن يُدفن في حجرتها الى جوار الرسول وأبي بكر وعمر، لكنه استحى أن يرفع نفسه الى هذا الجوار، وطلب دفنه بجوار عثمان بن مظعون إذ تواثقا يوما أيهما مات بعد الآخر يدفن الى جوار صاحبه.
وكانت يتمتم وعيناه تفيضان بالدمع: { إني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال }.
ولكن سرعان ما غشته السكينة واشرق وجهه وأرْهِفَت أذناه للسمع كما لو كان هناك من يحادثه، ولعله سمع ما وعده الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { عبد الرحمن بن عوف في الجنة }.



 


قديم 02-28-17, 01:44 AM   #36
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي





عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه


عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه ارجع إليه وقل: (إن عبد الرحمن لايبيع دينه بدنياه).
بينما كان أبو بكر أول المؤمنين والصدّيق الذي آمن بالله ورسولـه وثاني اثنين إذ هما في الغار، كان ابنه عبد الرحمن صامدا كالصخر مع دين قومه وأصنامهم.
ما قبل الإسلام يوم بدر خرج عبد الرحمن مقاتلا مع جيش المشركين، وفي غزوة أحد كان مع الرماة الذين جنّدتهم قريش لمحاربة المسلمين، وعند بدأ القتال بالمبارزة وقف عبد الرحمـن يدعو إليه من المسلميـن من يبارزه، ونهـض أبوه أبو بكر الصديق ليبارزه لكن الرسـول الكـريم حال بينه وبين مبارزة ابنـه، وحين أذن الله للهدى أن ينزل على عبد الرحمن، رأى الحقيقة واضحة أمامه منيرة له دربه فسافر الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- مبايعاً معوضاً باذلاً أقصى جهد في سبيل الله.
ما بعد الإسلام منذ أن أسلم عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهما- لم يتخلف عن غزو أو جهاد أو طاعة، ويوم اليمامة أبلى فيه بلاء لا مثيل له فهو الذي أجهز على حياة (محكم بن الطفيل)
العقل المدبر لمسيلمة الكذاب، وصمد مع المسلمين حتى قضوا على جيش الردة والكفر.
قوة شخصيته لقد كان جوهر شخصيته -رضي الله عنه- الولاء المطلق لما يقتنع به، ورفضه للمداهنة في أي ظرف كان، ففي يوم أن قرر معاوية أخذ البيعة لابنه يزيد بحد السيف، كتب الى مروان عامله على المدينة كتاب البيعة وأمره أن يقرأه على المسلمين في المسجد، وفعل مروان ولم يكد يفرغ من القراءة حتى نهض عبد الرحمن محتجا قائلا: { والله ما الخيار أردتم لأمة محمد، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هَرَقِليَّة، كلما مات هِرقْل قام هِرَقْل }.
وأيده على الفور فريق من المسلمين من بينهم الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، ولكن الظروف القاهرة جعلتهم يصمتون على البيعة فيما بعد، لكن عبد الرحمن بن أبي بكر بقي معارضا لها جاهرا برأيه، فأراد معاوية أن يرضيه بمائة ألف درهم بعثها له مع أحد رجاله، فألقاها عبد الرحمن بعيدا وقال لرسول معاوية: { ارجع إليه وقل له: إن عبد الرحمن لا يبيع دينه بدنياه }.
ولما علم أن معاوية يشد الرحال قادما الى المدينة غادرها من فوره الى مكة.
وفاته وأراد الله أن يكفي عبد الرحمن فتنة هذا الموقف وسوء عقباه، فلم يكد يبلغ مشارف مكة ويستقر بها قليلا حتى فاضت إلى الله روحه، وحمله الرجال إلى أعالي مكة حيث دُفِن هناك.



 


موضوع مُغلق

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are معطلة
Pingbacks are معطلة
Refbacks are معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع : أعظم سير لأعظم أصحاب ...!!
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قائمة مجلة "فورتشن" لأعظم 50 قائداً عالمياً ليست عادلة وتفتقد للنظرة الشاملة صدام فكراوي قسم الحوار والنقاش الجاد •• 3 04-22-15 12:09 PM
أعظم العبادات شموخ المجد مواضيع إسلاميه - فقه - أقوال ( نفحات ايمانيه ) •• 10 12-25-14 01:50 PM
مسجات للشاعر بدر بن عبد المحسن , مسجات جديده , مسجات 2010 مها قسم الوسائط والبرودكاست •• 6 11-13-11 02:33 AM


| أصدقاء منتدى مسك الغلا |


الساعة الآن 10:31 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.1 al2la.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
بدعم من : المرحبي . كوم | Developed by : Marhabi SeoV2
جميع الحقوق محفوظه لـ منتديات مسك الغلا