عرض مشاركة واحدة
قديم 09-22-20, 08:46 PM   #2
الشيخ حكيم

الصورة الرمزية الشيخ حكيم
!حفظه الله ورعاه!

آخر زيارة »  04-17-22 (08:45 PM)
المكان »  الأردن
الهوايه »  لا شيء مهم..

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



إن جملة الأحداث المفزعة تدور ضمن أحد الأقاليم الـ14 لدولة ميانمار التي تحول إلى تسمية "بورما"؛ لتأخذ اسم العرق السائد والحاكم "البورمان"، والتي كانت السبب الرئيسي في ظهور أزمة الروهينغا.

لم تكن عبر التاريخ أراكان تابعة لبورما كما سنتحدث عليها في التأصيل التاريخي للأزمة. كانت أراكان عبر العصور الوسطى والحديثة مملكة مستقلة، وساهمت في ذلك الخصائص الجغرافية للإقليم المغلقة التي جعلت منه سجناً جغرافياً كبيراً يعزل الإقليم عن باقي الأقاليم الأخرى.

إن الكارثة الإنسانية والحرب الدينية العشواء التي يقودها عرق "الماغ" ذو الخلفية البوذية بمساعدة الدولة بقي مخفياً في سجن إقليم أراكان مساحته 36.810 كم2؛ إذ تحتجزه من الشرق جبال أراكان أحد امتدادات جبال الهملايا وتحدها من الشمال ولاية تشين ومنطقتا ماغاوي ومنطقة باغو وبنغلاديش من الشمال الغربي في حين يطل الإقليم عبر سواحل بحرية من الجنوب والغرب على خليج البنغال.

دخول الإسلام والعصر الذهبي لمملكة أراكان الإسلامية

يؤرخ المؤرخون لدخول الإسلام لهذه المنطقة بداية من القرن الحادي عاشر سنة 1040 م عبر قافلة من التجار العرب رسخ التاريخ والتراث الأركاني لاسم أحدهم ذي اللقب "بيات"؛ لكنها انتمت للإسلام بداية من القرن الرابع عشر في عهد هارون الرشيد بعد أن تأسست مملكة إسلامية مستقلة على يد الملك نارماخيلا الذي عاد إلى أراكان سنة 1430م بعد لجوء إلى ملك البنغال "إلياس شاهي" دام 24 سنة.

حكمها بعدها على مدار ثلاثة قرون ونصف (1430-1785) 48 ملكاً حافظوا على ألقابهم الإسلامية إلى الغزو البورمي سنة 1785 م منهياً فترة إسلامية زاهية تنورت فيه الحضارة فأنتجت مجتمعاً محباً للإسلام مصقولاً بقيمه وتراث إنساني ومادي إسلامي بقي لحد اليوم.

أبعاد قضية مسلمي الروهينغا

الباحث في سوسيولوجية الأزمات بين الأعراق والإثنيات الدينية يعلم أن هذه الأزمات ليست وليدة اللحظة، وإنما نتاج تراكم تاريخي ساهمت فيها أبعاد مركبة بدرجة مخيفة.

ولعل في هذه الأزمة من التركيب من ناحية أبعادها ما أن يصعب على الباحث استيفاء البحث فيها، لكن لنذكر أهم الأبعاد التي تؤثر في إخراج المحرقة في هذا القدر من البشاعة واللاإنسانية.

البعد التاريخي:
يؤمن البوذيون من سلالة الماغ أن الروهينغا عرق غريب عن أرض بورما ولا يرتبط بها إطلاقاً وإنما توافد إليها من البنغلاديش. ولعلنا سبقنا أن أصّلنا لوجود هذا العرق الأصيل في أرضه، ولعلنا تتبعنا الغارات البورمية على الإقليم المستقل تباعاً عبر الزمن سنة 1406م وآخرها سنة 1785 م.

بمجرد سيطرة الغزو البورمي سنة 1785 م تم قتل 35 ألف أراكاني، لكن سرعان ما سقطت بورما بعد 42 سنة في يد الاحتلال البريطاني.

لقد كرس الاحتلال البريطاني الكراهية كأداة سياسة للسيطرة على كل الأعراق التي تصل إلى أكثر من 144 عرقاً.

تركت بريطانيا ميراثاً من الحقد والحسد بين الأعراق نظير التمييز في الحقوق والحريات والامتيازات، ولعل الامتياز الأكبر هو ترك قيادة ميانمار لعرق "البورمان" سنة 1937م.

بذور الصراع الإثنية والدينية

تدين ميليشيات "الماغ" البوذية كديانة في حين يمثل المسلمون في بورما ما نسبته 10% موزعة على أعراق متعددة.

يقدر عدد الروهينغا بـ4 ملايين مسلم بمعدل 2.5% من إجمالي سكان البلد، وتعتبر الأمم المتحدة الروهينغا من بين الأقليات الأكثر اضطهاداً في العالم.

يؤمن "الراخين" أو "الماغ" بعقيدة تيرافادا التي ترى أن الروهينغا يحملون في أجسادهم الأرواح الشريرة، فلذلك نرى من خلال صور التعذيب المتعة الإيمانية التي ينتظرونها وراء الطرق النكراء التي ينتهجونها في القتل.

كما يعتقدون أن الإسلام والروهينعا يعتبران خطراً على الدين البوذي، فتكون تصفيتهم واجباً دينياً بالدرجة الأولى، وهذا ما يسوقنا لفهم أن ما يجري محرقة ذات تحريك ديني بامتياز.

بعد سيطرة البورمين على مقاليد الحكم غيّروا التسمية القديمة لميانمار وسمّوها "بورما" لسببين؛ سبب ديني لكون الاسم مقتبساً من "بوذا"، والسبب الثاني الإثني أن العِرق السائد هو "البورمان".

نتج عن ذلك أيديولوجية خطيرة هي "بورما للبورميين" ساهمت في التأصيل الأيديولوجي للتطهير العرقي الممنهج لمسلمي الروهينغا.

البعد السياسي والاقتصادي والأيديولوجي

بعد الانقلاب العسكري الفاشي الذي قاده الجنرال "نيوين" سنة 1962 انطلقت أولى حلقات التطهير العرقي، لقد جمع هذا النظام السياسي ثلاث سوءات:
سوءة النظام العسكري الفاشي: ومن طبيعة العسكري الحسم الدموي، توالت الجرائم ضد الإنسانية والتهجير القسري باستخدام أدوات الترهيب مع استيطان عنصر بشري مناقض من أجل فرض واقع ديموغرافي جديد.

سوءة الأيديولوجية الشيوعية والمنهج الاشتراكي: التي عملت على تحويل التأميم العام ضد المسلمين بهدف نزع الملكية وفرض الهجرة الإجبارية لأرض غنية اقتصادية من خلال الساحل الطويل والغابات المعروفة بأجود أنواع الخشب منها خشب آلتيك والحجمي.

سوءة الشمولية السياسية: لقد كانت منطلق هذه المجزرة حدثاً سياسياً دكتاتورياً فرضه دستور 1974م الذي جرد الروهينغا من كل الحقوق حق المواطنة والتعليم والمشاركة السياسية.

هذا كان منطلق الحملات المتعددة لسنوات 1974- 1991 – 2001، وكان آخرها التي نعيشها والتي انفجرت سنة 2012 بعد اتهام البوذيين زوراً مسلمي الروهينغا باغتصاب امرأة وقتل 3 رجال.

لعل الكلمات محدودة للتعبير عن حجم قضية مركبة ومعقدة عبر التاريخ والسياسة والعقيدة والعرق، لكنه الواجب يفرض التحريك الثقافي للتعريف بقضية إنسانية عادلة هي قضية أصحاب الأخدود الجدد.