عرض مشاركة واحدة
قديم 05-31-23, 04:32 PM   #1
نجمة

الصورة الرمزية نجمة

آخر زيارة »  01-20-24 (04:38 AM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي في الطريق إليك ... بقلمي



اطرق على الطاولة بأصابعي ، أشعر بنظراته تخترق ظهري ، أحاول الأ التفت ، لنصف عام !
أحاول الأ التفت !
تخونني صلابتي لثواني فيميل رأسي جانبا ، وتهرب مني نبضة متسارعة ، أغمضت عيناي ، انقذني صوت رقية اللاهث :
- اسفة ، اسفة ، أخذت نسخة من محاضرة نور وتأخرت ، الإمتحانات على الأبواب ، اشعر أن قلبي ، الخ الخ

الحقيقة أن ملامحي تبدو وكأنها مع رقية ، لكن اذناي مع صوت الكرسي ووقع الأقدام القريب منا ، يتجاوز طاولتنا ككل مرة ، لا ادري ما الذي دهاني لترتفع نظرتي وتخترق بؤبؤ عينيه مباشرة ، توقف الزمن للحظات قبل أن ارمش بخجل و شفتاه ترتفعان بشبه إبتسامة خطفت لبّي !

قرصة أحرقت يدي مع صوت همسات رقية ، كم انا غبية !
لملمت رقية الكراسات بخفة وهي تنتزعني بقوة ، ستأخذني للأستجواب أنا متأكدة !
عدلت عباءتي وغطاء وجهي و قبل أن اجلس حتى هاجمتني بأسئلتها !
- أنتِ وذاك ؟ منذ متى ؟ هل تحدث معك بشيء ؟
وقبل أن تكمل حتى ، أجبتها بصدق .
- رقية لا شيء بيننا صدقيني ، تعرفين ماهي ظروفي ولماذا أنا هنا ؟ لن اتخلى عن حلمي من أجل أي مشاعر سخيفة ، سأتجاوز هذا ، فقط أحتاج الوقت الكافي لذلك .

أكره نظرة الشفقة التي ترمقني بها رقية ، كالتي تعلو وجهها الان ، أحيانا أندم أني اخبرتها بقصتي ، بكفاحي الطويل ، في مجتمع يرى فيه المرأة آلة للخدمة والزواج لا أكثر ، لا حق لها بالعلم او ان تقرر اي قرار يخص حياتها ، لازلت أتذكر في كل ليلة ، همسات الأفواه حولي ، الشائعات عن تمردي وعنادي وسلاطة لساني ، خوف الأمهات على بناتهن مني ، نبذي في مجتمع يكره كل من يخالف قوانينه ، لم يكن لدي أي خيار ، كنت قد قررت ما أريد منذ زمن طويل ، كنت أعرف مشقة طريقي ومع ذلك كانت خطواتي ثابتة ، واثقة ، حين يأست وبعد أن تم قمعي لمئات المرات ،
أقفلت باب غرفتي لأيام لا آكل لا اشرب لا اتكلم ، في أول يوم إنهارت أمي ، ثاني يوم إخوتي ، ثالث يوم كان والدي ! اشفقت على نفسي في ذلك الوقت ، لم يكن هناك طريقة لإقناعهم غير تلك الطريقة ، آمن بي والدي بعدها وارسلني إلى المدينة لأكون طبيبة كما تمنيت !
والدي تاجر اسلحة ومواشي ، عنيد وصعب المراس ، ربما أنا أكثر ابناءه شبهاً به صفات وملامح ، لذلك لم نتفق يوماً ، لم يجمعنا سوى حرب طاحنة ما بين إثبات الذات وما بين أن يجعلني تحت سيطرته ، أظن أن معاركنا تلك أثبتت له كم أن الزواج لا يناسبني ، على الأقل ليس بتلك الطريقة التقليدية ، ولا أظن أن كبرياءه وسمعته ستسمح لي أن اتزوج شخص أحبه ، هذه الحقيقة جعلتني اشد على قلبي بقيود واهية ، في طريقي هذا لا مكان للحب ، برضاي او رغماً عني .
توقفت خواطري على صوت الأعيرة النارية ، هذه الأيام الشارع ليس آمنا ، المظاهرات في كل مكان ، وجامعتنا كمثل الجامعات الأخرى موقد مشتعل لها ، طاقة الشباب والأحلام الوردية للمستقبل تجعلنا أول المنزلقين إلى هذه الهاوية ، لا يعجبني هذا وفي اليوم الذي فيه شغب اتغيّب .
الحقيقة لا اهتم بمن يحكمنا او ماهي دولتي وحدود ارضي !
لا يهمني !
فقط اتمنى أن يعمّ العدل والسلام ، ويأخذ كل شخص حقه بغض النظر عن عرقه وجنسه و لونه .
- فلنذهب رقية ، قد يقفلون الطريق إذا تصاعد الوضع !
امسكت يد رقية بلطف ومشينا ، كانت باردة ، اشعر بخوفها كما في كل مرة ، أنا لم أكن خائفة ، تعودت غالبا ، أتعجب من أمرها ، في كل مرة يزداد خوفها أكثر ، على عكس توقعي كانت قوات الأمن تطوق الحرم الجامعي، عرفت من الهمسات أن هناك حملة إعتقالات ، يحصل هذا كل شهر او شهرين ، يأخذون المنظمين او من لهم شعبية وحضور لبضعة أيام ثم يعيدونه جثة هامدة ، او بعاهة ابدية !
لأول مرة كالشرارة اشتعل الخوف داخلي ، حين عدت خطوة للوراء بدأت بعيش أصعب وأبطء لحظات حياتي إلى الآن !!!

سيطر الفزع على كل حواسي ، شعرت بيدي ثقيلة ، وجسد رقية يتشبث بي ، رأيت الدماء تتفجر منها ، سمعت صوت أنين يخرج من بين شفتاي ، زحفت بها خلف خرسانة على جانب الطريق .
- رقية ، رقية ، انظري لي ، أين اصبتي ؟!!!
اشعر برطوبة على جانب فكي ، لم اعد ادري هل هي دموع ام عرق ، أم اصابة ما بي انا الأخرى ! اتحسس ثياب رقية ، ابحث عن جرحها ، مزقت عباتها ، فخذها ينزف كالشلال ، شهقاتها تكاد تمزق حنجرتها ، بدأت بالنواح حين ربطت على جرحها بطرف عباءتها ، تفجرت الأصوات خلفنا ، حضنتها وأنا احشر جسدي خلف الخرسانة ، العودة للخلف أو الأمام الآن يعني الإنتحار ، الموت يحاصرنا من كل مكان ،سكنت حواسي وشعرت انها النهاية .

- سارة ! سارة !

صوت النداء في أحد الأزقة على يساري ، أنه هو ! نبضة أخرى تسارعت في غير وقتها ، بصوت جاف كأنه صوتي أجبته ، توقفت انفاسي وهو يضع يداه على رأسه ويجري نحوي ، الرصاص يتساقط عليه كالمطر ، لا أصدق، يصل امامي ولم يصبه أي شيء .
- سنحملها معا ، حين أعد للثلاثة سنتحرك سريعا .

توقفت كلماته حين رأى عيناي !
لطالما أخبرني والدي بذلك في إحدى معاركنا " الحوارية " ، عيناك واضحتان ، كل ما تريدين قوله ، اراه من خلالهما .
- ستكونين بخير ، ثقي بي ، نحن هنا ميتين علينا أن نحاول ، بضع خطوات فقط وسينتهي كل هذا !

هززت رأسي وكلماته الدافئة تطمئنني ، لأجل رقية ، ولأجل حلمي ، ثم لأجله هو ، لأجل حبي
- واحد ، اثنان ، ثلاثة .
كانت تلك أصعب ثلاث ثوانٍ في حياتي ، كل تلك المصاعب التي اتشدق بتجاوزها بيني وبين نفسي محتها هذه الثواني ، وكأننا ما بين الحلم والحقيقة ، ما بين الحياة والموت !
في الزقاق رميت نفسي واحتضنت رقية طويلا ، رقية التي يزداد حالها سوءا كلما مرت الدقائق ...

وكما تأتي اللحظات الصعبة بدون سابق إنذار فإنها تنتهي كما بدأت ، لا أتذكر سوى صوت سيارة الإسعاف وصراخ هنا وهناك ، فقدت الوعي ، وحين فتحت عيناي ، سألت عن حال سارة ، جرحها ليس خطيرا لكنها نزفت كثيرا ، ستتحسن ، كان كل شيء كما يجب ، بخير أكثر من اللازم ، عدا داخلي الذي يكتوي يوم بعد آخر ، لقد اختفى دون أي أثر !
اغلب الظن أنه في السجن ، هذا ما اخبرتني إياه رقية بعد أن عادت حياتنا كما كانت ، من يختفي فجأة هكذا مؤكد امسكوا به ، ولن يخرج في الوقت الحالي وربما .... للأبد !

وكأني ولدت من جديد ، المواقف تغير فينا الكثير ، ومع توالي السنين أصبحت استمع لقلبي أكثر من قبل ، كأني أحاول مداراة ندمي على ما فعلته به ، كأني انتظر فرصة ما أعوض فيها ما انساب من بين يدي تلك اللحظة ، أحدث نفسي ، ربما لو التقيت به يوما ما لن اتركه ابدا .
في يوم ما حين ظننت أني تناسيت ، أطرق على الطاولة بأصابعي ، اشعر بنظرات تخترقني ، التفتت بسرعة لتتقابل نظراتنا طويلاً ، ذكرتني بتلك اللحظة قبل سنين غير هذه المرة كنت انا من ابتسم ...


 


رد مع اقتباس