أهلاً بك يا صديقي

تعال .. تعال .. سوف أعرفك اليوم على صديق تعرفت عليه قبل أيام
انه ( سيلاي) … ومن مثل ( سيلاي )

سأخبرك كيف تعرفت عليه

ذات مساء .. وتحت ضوء المعرفة ونشوة العلم ولذة القراءة
كنت أتسكع بين صفحات كتاب ( سيكولوجية الضغوط النفسيه)

‏

ورأيت في أحد فصول الكتاب شخصاً يدعى ( سيلاي)

‏

نعم انه هذا الرجل العجوز
هو طبيب ورائد في دراسات الضغوط النفسية

شدني منظره في الكتاب
وهو جالس أمام مجموعة من الفئران يلاعبها
لقد كان مندمجاً معها لدرجة أنه لم يشعر بوجودي

انتابني شيء من الفضول لمعرفة سبب جمعه لهذه الفئران

اقتربت منه .. وبصوت هادئ سألته
لماذا جمعت كل هذه الفئران عندك يا (دكتور سيلاي) ؟

أشار إلي بيده أن انتظر قليلاً واجلس حتى أفرغ من عملي

ذهبت وجلست أنتظره على كرسي في زاوية المكان

وبعد لحظات أتاني وقال لي إنني الآن أقوم بتجربة علمية تناسب موضوع هذا الكتاب الذي تقرأه
سوف أضع هذه الفئران تحت ضغوط نفسيه وأرى تأثير هذي الضغوط على أجسامها.. ثم أقارن هذه النتائج بالبشر

أعجبني موضوع التجربه
فقلت يال الروعه تجربة جميلة ولكن أخبرني
كيف ستضعها تحت ضغوط نفسيه ؟
إنها حيوانات لاتعقل يا( سعادة الدكتور)

هل سوف تغرقها في الديون مثلاً؟
أم أنك سوف تدس بينها فأراً يفرق بين العشاق ويدخلهم في أزماتٍ عاطفية؟

وبما أني قلت نكتة…. ابتسمت.. وكنت أنتظر منه ابتسامة ولو على سبيل المجاملة

ولكن يبدو أنها لم ترُق ( للدكتور سيلاي )
نظر إلي بازدراء واعتبر كلامي نكتة سخيفه وغير مضحكة أبداً

ثم قال لي يا هذا .. سأعتمد في تجربتي على تعريف الضغط النفسي الذي وضعته وهو / استجابة الجسم غير المحددة نحو أي مطلب يفرض عليه من البيئة الخارجية

هل فهمت شيء ؟
قلت لا لم أفهم بعد ، وضّح أكثر

قال يا بُنيّ …سوف أركز مع هذه الحيوانات على ( طريقة استجابة الجسم الداخلية لضغوط البيئة القويه التي سأضعهم فيها)

وقام ( سيلاي) من عندي وهو يحذرني بعدم التدخل أو المقاطعة أثناء عمل التجربة

وفعلاً وضع الفئران في ضغوط بيئية صعبه ولا تناسبهم
لقد شتت شملهم .. وأرهبهم .. وخوفهم
لم يوقر كبيرهم .. ولم يعطف على صغيرهم
قض مضاجعهم …وأجهدهم أيما إجهاد

وبعد أن إنتهى قام من مكانه وقال تعال معي الآن
قلت إلى أين ؟
قال إلى غرفة التشريح لنعرف النتيجة

ادخلهم للتشريح … ووجد ان هذه الفئران المسكينة التي عانت كثيراً في حياتها على يده

قد تأثرت بهذه الأزمات فعلاً… ولاحظ وجود تقرحات في المعدة ..والأمعاء .. ونقص الغدد اللمفيه

وكذلك أثناء ما كانت الفئران تحت الضغط البيئي كان يلاحظ عليها ( زيادة ضغط الدم ..وتوسع بؤبؤ العين ..و زيادة نبضات القلب ..وانقباض العضلات .. وضعف في التركيز الذهني ….)

ثم ناداني ..

يا أيها الفتى ، أمعك ورقة وقلم ؟
قلت نعم
قال أكتب ما سأمليه عليك

قلت تفضل كلي آذان صاغية

قال هناك 3 مراحل يمر بها البشر أثناء الضغوط النفسية

1- مرحلة الصدمة والتحذير
يواجه الفرد الموقف الضاغط في هذه المرحلة ويستجيب بعدد من الاستجابات الفسيولوجية التي تهيئه للتعامل مع الموقف مثل ( زيادة ضربات القلب و التعرق وارتفاع ضغط الدم وزيادة هرمون الادرينالين…..)
والهدف من هذه الاستجابه زيادة استعداد الفرد للموقف الضاغط

2- مرحلة المقاومة
مدة هذه المرحلة تعتمد على شدة الضغط وقدرات الفرد التكيفية
فإذا استطاع التكيف فإن المقاومة ستستمر لفترة اطول
وإذا لم يستطع المقاومة فقد يتعرض للعديد من الأمراض ( النفس جسمية و الجسمية)

3- مرحلة الإنهاك
يكون الفرد قد وصل إلى خط النهاية في قدرته على مقاومة الضغط
وتكون النتيجه انهيارات تقصف هذه المرحلة وتأثير على الجهاز العصبي
وهذا يقود إلى اضطرابات نفسية و أمراض جسمية مرتبطة بالضغوط وأحياناً الموت



انتهت التجربه .. وأنهيت قرائتي



يتبع

وضعت القلم .. على الورقة .. وأغلقت الكتاب
وأنهيت هذا اللقاء الصعب على نفسي مع صديقنا (الدكتور سيلاي)

أسئلة كثيرة تدور في رأسي ..و مواضيع شتّى فتح أبوابها هذا اللقاء

ياإلهي ….ألهذا الحد ثؤثر علينا ضغوط الحياة ؟
وتنعكس حتى على اجسامنا من الداخل


المشكلة يا صديقي أن الجميع يعاني ويكابد في حياته

أليس هناك حل عملي ومجدي يساعد على تخفيف وطأة هذه الضغوط
(( من ديون وفقر وظلم وتسلط وفقد وغدر وخيانة ووو …الخ))

وضعت يدي على رأسي و فكرت كثيراً وكثيراً علني أخرج بحل

انا متيقن ومؤمن بأن الضغوط والمعاناة تعتبر من سنن الحياة
ولكن المشكلة تكمن في طريقة استقابلنا نحن لهذه الضغوط وطريقة تعاملنا معها

دعني أخبرك بشيء لتفهم مقصدي

تخيل معي لو أنني طلبت منك أن تلعب لعبة القفز على المربعات

‏

لعبة ممتعه أليس كذلك؟

ماذا لو كانت هذه المربعات تربط بين قمتين شاهقتين وكأنها جسر معلق بدون حواجز

‏


كيف سيكون الأمر بالنسبة لك ؟

هل لازالت اللعبه ممتعه ؟!

أم أنها ستتحول من لعبة إلى مغامرة مرعبة يتفاعل معها كل جسمك بالتعرق والرجفة وزيادة افراز الادرينالين

رغم أن المساحة وحجم المربعات هي نفسها لم تتغير

ولكن الذي تغير هو ادراكنا وفهمنا للمشهد وبأننا سوف نسقط ونموت لو حصلت أي غلطه

لهذا يا صديقي فالجسم مباشره يستجيب لهذه الأفكار ويتفاعل معها

ضغوط الحياة مهما كانت قويه .. فهي تعتمد على أفكارك أنت تجاهها
حتى لو كانت الضغوط صغيرة .. عندما تتعامل معها على انها ضغوط كبيره سوف يستجيب جسمك ويعاملها كما تراها أنت

ولله در ابو الطيب المتنبي عندما قال

وتكبر في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم


ماذا بقي ياصديقي العزيز ؟!

لنفرض أن الهم قد اشتد بك والكربة قد عظمت وضاقت بك السبل وأُغلقت كل الاسباب في وجهك

اعلم أن هناك قوة عظمى لا تعجزها مشكلتك
ويمكنك اللجوء إليها في أي وقت
إنها قوة وقدرة الله .. فهو القائل ( امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء)
دعوة من القلب … وسجدة في جوف الليل .. قد تكون هي الحل السحري الذي ينهي كل هذه الأزمات والمعاناة بشكل لايمكن لعقلك أن يتصوره

وختاماً
كن بخير يا صديقي وهوّن على قلبك الصغير واستمتع بحياتك فالحياة ستمضي وغداً سوف نودعها جميعاً فلا داعي لحمل هم كل هذه الضغوطات التي ستنعكس على نفسيتك وصحتك
ووكل الأمر لله دوماً ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه) لا أعتقد ان هناك ضمان أقوى من ضمان الله لك في هذه الآيه الكريمه.

دمتم بخير أحبتي

تثبت خلال مدة المسابقة
تجربة رائعة ورحلة نفسية مفيدة
تعلمنا منها اشياء كثيرة
يعطيك العافية أخي
تمنياتي لك بالتوفيق في المسابقة

افتر راسي من مشهد المشي على الحبل لإني أخاف من المرتفعات وفعلا هذه الخاطرة فادتني كثيرا وعلمتني أشياء جديدة كنت أجهلها . فلسفة جميلة جدا وقلم معطاء مليء بالروقان .

عزيزي روقان هل هناك حل جذري للخوف من المرتفعات أم أنه عامل وراثي مزروع في الحمض النووي للإنسان؟

أتمنى لك التوفيق وشكرا على هذه الحروف الراقية والرائقة جدا.