منتديات مسك الغلا | al2la.com
 


من تاريخ هذا اليوم أي إساءه مهما كان نوعها أو شكلها أو لونها تصدر علناً من عضو بحق عضو أو مراقب أو إداري أو حتى المنتدى سيتم الإيقاف عليها مباشره وبدون تفاهم :: قرار هام ::

موضوع مُغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-01-17, 04:46 AM   #49
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي







أخر قصة داوود عليه السلام



وقال الأوزاعي: حدثني عبد الله بن عامر قال: أعطي داود من حسن الصوت ما لم
يعط أحد قط، حتى إن كان الطير والوحش ينعكف حوله حتى يموت عطشاً وجوعاً،
وحتى إن الأنهار لتقف!. وقال هب: كان لا يسمعه أحد إلا حجل كهيئته الرقص،
وكان يقرأ الزبور بصوت لم تسمع الآذان بمثله، فيعكف الجن والإنس والطير
والدواب على صورته، حتى يهلك بعضها جوعاً.

وقال أبو عوانة الأسفراييني: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا محمد بن
منصور الطوسي، سمعت صبيحاً أبا تراب، ح، قال أبو عوانة: وحدثني أبو العباس
المدني، حدثنا محمد بن صالح العدوي، حدثنا سيار هو ابن حاتم، عن جعفر، عن
مالك، قال: كان داود عليه السلام إذا أخذ في قراءة الزبور تفتقت العذارى،
وهذا غريب. وقال عبد الرزاق عن ابن جريج: سألت عطاء عن القراءة على الغناء،
فقال: وما بأس بذلك؟ سمعت عبيد بن عمران يقول: كان داود عليه السلام يأخذ
المعرفة فيضرب بها فيقرأ عليها فترد عليه صوته يريد بذلك أن يبكي ويبكي.

وقال الإمام احمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن
عائشة قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت أبي موسى الأشعري وهو
يقرأ فقال: "لقد أوتى أبو موسى من مزامير آل داود"

وهذا على شرط الشيخين ولم يخرجاه من هذا الوجه.

وقال احمد: حدثنا حسن، حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لقد أعطى أبو موسى من
مزامير داود" على شرط مسلم.

وقد روينا عن أبي عثمان النهدي أنه قال: لقد سمعت البربط والمزمار، فما
سمعت صوتا احسن من صوت أبي موسى الأشعري. وقد كان مع هذا الصوت الرخيم سريع
القراءة لكتابه الزبور،

كما قال الإمام احمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خفف على داود القراءة، فكان يأمر
بدابته فتسرج، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته، وكان لا يأكل إلا
من عمل يديه"

وكذلك رواه البخاري منفرداً به عن عبد الله بن محمد، عن عبد الرزاق به،
ولفظه: "خفف على داود القرآن، فكان يأمر بدوابه فتسرج، فيقرأ القرآن قبل أن
تسرج دوابه ولا يأكل إلا من عمل يديه". ثم قال البخاري: ورواه موسى بن
عقبة، عن صفوان هو ابن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى
الله عليه وسلم. وقد أسنده ابن عساكر في ترجمة داود عليه السلام في
"تاريخه" من طرق عن إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، ومن طريق أبي عاصم
عن أبي بكر السبري، عن صفوان بن سليم به. والمراد بالقرآن هاهنا الزبور
الذي أنزله عليه وأوحاه إليه. وذكر رواية أشبه أن يكون محفوظاً فإنه كان
ملكاً له أتباع، فكان يقرأ الزبور بمقدار ما تسرج الدواب، وهذا أمر سريع مع
التدبر والترنم والتغني به على وجه التخشع، صلوات الله وسلامه عليه.

وقد قال الله تعالى:

{ وآتينا داود زبوراً } (سورة النساء:163)

والزبور كتاب مشهور وذكرنا في التفسير الحديث الذي رواه احمد وغيره أنه
أنزل في شهر رمضان، وفيه من المواعظ والحكم ما هو معروف لمن نظر فيه.
وقوله: (وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) أي: أعطيناه ملكاً عظيماً
وحكماً نافذاً. وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عباس: أن رجلين تداعيا
إلي داود عليه السلام في بقرة، ادعى أحدهما على الآخر أنه اغتصبها منه،
فأنكر المدعى عليه فأرجأ أمرهما إلي الليل، فلما كان الليل أوحى الله إليه
أن يقتل المدعى، فلما أصبح قال له داود: إن الله أوحى إلي أن أقتلك فأنا
قاتلك لا محالة، فما خبرك فيما ادعيته على هذا؟ قال: والله يا نبي الله إني
لمحق فيما ادعيت عليه، ولكني كنت اغتلت أباه قبل هذا، فأمر به داود فقتل.
فعظم أمر داود في بني إسرائيل جداً وخضعوا له خضوعاً عظيماً، قال ابن عباس
وهو قوله تعالى: (وشددنا ملكه)، وقوله تعالى: (وآتيناه الحكمة) أي: النبوة
(وفصل الخطاب) قال شرح والشعبي وقتادة وأبو عبد الرحمن السلمى وغيرهم: فصل
الخطاب الشهود والإيمان، يعنون ذلك: "البينة على المدعي واليمين على من
أنكر". وقال مجاهد والسدي: هو إصابة القضاء وفهمه. وقال مجاهد: هو الفصل في
الكلام وفي الحكم، واختاره ابن جرير.

وهذا لا ينافي ما روي عن أبي موسى الأشعري أنه قال: أما بعد: وقال وهب بن
منبه: لما كثر الشر والشهادات الزور في بني إسرائيل أعطى داود سلسلة لفصل
القضاء، فكانت ممدودة من السماء إلي صخرة بيت المقدس، وكانت من ذهب، فإذا
تشاجر الرجلان في حق فأبهما كان محقاً نالها والآخر لا يصل إليها، فلم تزل
كذلك حتى أودع رجل رجلاً لؤلؤة، فجحدها منه، وأخذ عكازاً وأودعها فيه، فلما
حضرا عند الصخرة تناولها المدعي، فلما قيل للآخر خذها بيدك عمد إلي العكاز
فأعطاه المدعي وفيه تلك اللؤلؤة وقال: اللهم إنك تعلم أني دفعتها إليه، ثم
تناول السلسلة فنالها، فأشكل أمرها على بني إسرائيل، ثم رفعت سريعاً من
بينهم.

ذكره بمعناه غير واحد من المفسرين. وقد رواه إسحاق بن بشر عن إدريس بن سنان، عن وهب به بمعناه.

{ وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب * إذ دخلوا على داود ففزع منهم،
قالوا لا تخف، خصمان بغى بعضنا على بعض، فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا
سواء الصراط * إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال
أكفلنيها وعزني في الخطاب * قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلي نعاجه، وإن
كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات،
وقليل ما هم، وظن داود إنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب * فغفر له
ذلك، وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب } (سورة ص:21ـ25)

وقد ذكر كثير من المفسرين من السلف والخلف هاهنا قصصاً وأخباراً أكثرها
إسرائيليات ومنها ما هو مكذوب لا محالة. تركنا إيرادها في كتابنا قصداً
واكتفاءً واقتصاراً على مجرد تلاوة القصة من القرآن العظيم، والله يهدي من
يشاء إلي صراط مستقيم. وقد اختلف الأئمة في سجدة "ص" هل هي من عزائم
السجود، أو إنما هي سجدة شكر ليست من عزائم السجود؟ على قولين: قال
البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي، عن العوام
قال: سألت مجاهداً عن سجدة "ص" فقال: سألت ابن عباس من أين سجدت؟ فقال: أو
ما تقرأ:

{ ومن ذريته داود وسليمان } (سورة الأنعام:84)

{ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } (سورة الأنعام:90)

فكان داود ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به فسجدها داود عليه السلام، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وقد قال الإمام احمد: حدثنا إسماعيل هو ابن علية، عن أيوب، عن عكرمة، عن
ابن عباس أنه قال في السجود في "ص": ليست من عزائم السجود، وقد رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها. وكذا رواه البخاري وأبو داود والترمذي
والنسائي من حديث أيوب، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال النسائي: أخبرني
إبراهيم بن الحسن المقسمي، حدثنا حجاج بن محمد، عن عمرو بن ذر، عن أبيه، عن
سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في "ص"،
وقال: "سجدها داود توبة، ونسجدها شكراً" تفرد به احمد، ورجاله ثقات.


وقال أبو داود: حدثنا احمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث،
عن سعيد بن أبي هلال، عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، عن أبي سعيد
الخدري، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر "ص"، فلما
بلغ السجدة نزل فسجد وسجد معه الناس، فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ
السجدة نزل فسجد وسجد معه الناس، فلما كان يوم آخ قرأها بلغ السجدة تشزن
الناس للسجود، فقال: "إنما هي توبة نبي ولكن رأيتكم تشزنتم" فنزل وسجد.
وتفرد به أبو داود وإسناده على شرط الصحيح



 


قديم 03-01-17, 04:48 AM   #50
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي






قصة سليمان عليه السلام



قال الحافظ ابن عساكر: هو سليمان بن داود بن إيشا بن عويد بن عابر بن سلمون
ابن نخشون بن عمينا اداب بن إرم بن حصرون بن قارص بن يهوذا بن يعقوب بن
إسحاق بن إبراهيم أبي الربيع، نبي الله ابن نبي الله. جاء في الآثار أنه
دخل دمشق، قال ابن ماكولا: فارص بالصاد المهمة، وذكر نسبه قريباً مما ذكره
ابن عساكر.

قال الله تعالى:

{ وورث سليمان داود، وقال يا أيها الناس علمناه منطق الطير وأوتينا من كل شيء، إن هذا لهو الفضل المبين } (سورة النمل:16)


أي: ورثه في النبوة والملك، وليس المراد ورثه في المال؛ لأنه قد كان له بنون غيره، فما كان ليخص بالمال دونهم، ولأنه

قد ثبت في الصحيح من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا فهو صدقة"

وكذلك ما عداها من الحيوانات وسائر صنوف المخلوقات، والدليل على هذا قوله
بعد هذا من الآيات: (وأوتينا من كل شيء) أي: من كل ما يحتاج الملك إليه من
العدد والآلات والجنود والجيوش والجماعات من الجن والإنس والطيور والوحوش
والشياطين والسارحات والعلوم والفهم والتعبير عن ضمائر المخلوقات من
الناطقات والصامتات، ثم قال: (إن هذا لهو الفضل المبين) أي: من بارئ
البريات وخالق الأرض والسماوات،

كما :

{ وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون * حتى إذا أتوا على
وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان
وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك
التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك
الصالحين } (سورة النمل:17ـ19)


يذكر تعالى ما كان من أمر سليمان والهدهد، وذلك أن الطيور كانت على كل صنف
منها مقدمون، ويقومون بما يطلب منهم، ويحضرون عنده بالنوبة كما هي عادة
الجنود مع الملوك. وكانت وظيفة الهدهد على ما ذكره ابن عباس وغيره أنهم
كانوا إذا أعوزوا الماء في القفار في حال الإسفار يجئ فينظر لهم هل بهذه
البقاع من ماء، وفيه من القوة التي أودعها الله تعالى فيه، أن ينظر إلي
الماء تحت تخوم الأرض، فإذا دلهم عليه حفروا عنه، واستنبطوه وأخرجوه
واستعملوا لحاجتهم. فلما تطلبه سليمان عليه السلام ذات يوم فقده ولم يجده
في موضعه من محل خدمته (فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين) أي:
ما له مفقود من هاهنا، أو قد غاب عن بصري فلا أراه بحضرتي؟ (لأعذبنه عذاباً
شديداً)، توعده بنوع من العذاب اختلف المفسرون فيه، والمقصود حاصل على كل
تقدير، (أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين) أي بحجة تنجيه من هذه الورطة.



قال الله تعالى: (فمكث غير بعيد) أي: فغاب الهدهد غيبة ليست بطويلة، ثم قدم
منها (فقال) لسليمان (أحطت بما لم تحط به) أي: طلعت على ما لم تطلع عليه
(وجئتك من سبأ بنبأ يقين) أي: بخبر صادق (إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من
كل شيء ولها عرش عظيم) يذكر ما كان عليه ملوك سبأ في بلاد اليمن من المملكة
العظيمة والتبابعة المتوجين، وكان الملك قد آل في ذلك الزمان إلي امرأة
منهم ابنة ملكهم لم يخلف غيرها فملكوها عليهم. وذكر الثعلبي وغيره أن قومها
ملكوا عليهم بعد أبيها رجلاً فعم بعد الفساد، فأرسلت إليه تخطبه فتزوجها،
فلما دخلت عليه سقته خمراً ثم حزت رأسه ونصبته على بابها، فأقبل الناس
عليها وملكوها عليهم وهي بلقيس بنت السيرح وهو الهدهاد. وقيل شراحيل بن ذي
جدن بن السيرج بن الحارث بن قيس بن سيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان،
وكان أبوها من أكابر الملوك، وكان قد تأبى أن يتزوج من أهل اليمن، فيقال:
إنه تزوج بامرأة من الجن اسمها ريحانه بنت السكن، فولدن له هذه المرأة
واسمها تلقمة، ويقال لها: بلقيس.


وقد روى الثعلبي من طريق سعيد بن بشير عن قتادة، عن النضر، عن بشير بن
نهيك، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كان أحد أبوي
بلقيس جنيا" وهذا حديث غريب وفي سنده ضعف.


وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث عوف، عن الحسن، عن أبي بكر أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أهل فارس ملكوا عليهم ابنة كسرى قال: "لن
يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"


ثم ذكر كفرهم بالله وعبادتهم الشمس من دون الله وإضلال الشيطان لهم وصده
إياهم عن عبادة الله تعالى وحده لا شريك له الذي يخرج الخبء في السماوات
والأرض ويعلم ما يخفون وما يعلنون، أي: يعلم السرائر والظواهر من المحسوسات
والمعنويات: (الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) أي: له العرش العظيم
الذي لا أعظم منه في المخلوقات.


فعند ذلك بعث سليمان عليه السلام كتابه يتضمن دعوته لهم إلي طاعة الله
وطاعة رسوله والإنابة والإذعان إلي الدخول في الخضوع لملكه وسلطانه، ولهذا
قال لهم: (ألا تعلوا علي) أي: لا تستكبروا عن طاعتي وامتثال أوامري
(وائتوني مسلمين) أي: واقدموا على سامعين مطيعين بلا معاودة ولا مراودة،
فلما جاءها الكتاب مع الطير، ومن ثم اتخذ الناس البطائق ولكن أين الثريا من
الثرى! تلك البطاقة كانت هي طائر سامع مطيع فاهم عالم بما يقول ويقال له،
فذكر غير واحد من المفسرين وغيرهم أن الهدهد حمل الكتاب، وجاء إلي قصرها،
فألقاه إليها وهي في خلوة لها، ثم وقف إلي مشورتها (قالت: يا أيها الملأ
إني ألقى إلي كتاب كريم) ثم قرأت عليهم عنوانه أولاً: (إنه من سليمان) ثم
قرأته: (وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وائتوني مسلمين) ثم
شاورتهم في أمرها وما قد حل بها، وتأدبت معهم وخاطبتهم وهم يسمعون (قالت:
يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون) تعني: ما كنت
لأبت أمراً إلا وأنتم حاضرون (قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد) يعنون:
لنا قوة وقدرة على الجلاد والقتال ومقاومة الأبطال، فإن أردت منا ذلك فإنا
عليه من القادرين (و) مع هذا فـ (الأمر إليك فانظري ماذا تأمرين) فبذلوا
لها السمع والطاعة وأخبروها بما عندهم من الاستطاعة، وفوضوا إليها ذلك
الأمر، لترى فيه ما هو الأرشد لها ولهم.


فكان رأيها أتم وأشد من رأيهم، وعلمت أن صاحب هذا الكتاب لا يغالب ولا
يمانع ولا يخالف ولا يخادع (قالت: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا
أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون) تقول برأيها السديد: إن هذا الملك لو قد
غلب على هذه المملكة لم يخلص الأمر من بينكم إلا إلي، ولم تكن الحدة
الشديدة والسطوة البليغة إلا على (وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع
المرسلون) أرادت أن تصانع عن نفسها وأهل مملكتها بهدية ترسلها وتحف تبعثها،
ولم تعلم أن سليمان عليه السلام لا يقبل منهم والحالة هذه صرفا ولا عدلاً،
لأنهم كافرون، وهو وجنوده عليهم قادرون. ولهذا لما (جاء سليمان قال
أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما أتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون) هذا
وقد كانت تلك الهدايا مشتملة على أمور عظيمة، كما ذكره المفسرون.



 


قديم 03-02-17, 01:13 AM   #51
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي






أخر قصة سليمان عليه السلام



ثم قال لرسولها إليه ووافدها الذي قدم عليه والناس حاضرون يسمعون: (ارجع
إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون)
يقول: ارجع بهديتك التي قدمت بها إلي من قد من بها، فإن عندي مما قد أنعم
الله علي وأسداه إلي من الأموال والتحف والرجال ما هو أضعاف هذا، وخير من
هذا الذي أنتم تفرحون به وتفخرون على أبناء جنسكم بسببه (فلنأتينهم بجنود
لا قبل لهم بها) أي: فلأبعثن إليهم بجنود لا يستطيعون دفاعهم ولا نزالهم
ولا ممانعتهم ولا قتالهم، ولأخرجنهم من بلدهم وحوزتهم ومعاملتهم ودولتهم
أذلة (وهم صاغرون) عليهم الصغار والعار والدمار. فلما بلغهم ذلك عن نبي
الله لم يكن لهم بد من السمع والطاعة، فبادروا إلي إجابته في تلك الساعة،
واقبلوا بصحبة الملكة أجمعين سامعين مطيعين خاضعين، فلما سمع بقدومهم عليه
ووفودهم إليه قال لمن بين يديه ممن هو مسخر له من الجان ما قصه الله عنه في
القرآن:


{ قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين * قال عفريت
من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك، وإني عليه لقوي أمين * قال الذي
عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك، فلما رآه مستقراً
عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه،
ومن كفر فإن ربي غني كريم * قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من
الذين لا يهتدون * فلما جاءت قيل أهكذا عرشك، قالت كأنه هو، وأوتينا العلم
من قبلها وكنا مسلمين * وصدها ما كانت تعبد من دون الله، إنها كانت من قوم
كافرين * قيل لها ادخلي الصرح، فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها، قال
إنه صرح ممرد من قوارير، قالت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب
العالمين } (سورة النمل:38ـ44)


لما طلب سليمان من الجان أن يحضروا له عرش بلقيس، وهو سرير مملكتها التي
تجلس عليه وقت حكمها، قبل قدومها عليه (قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل
أن تقوم من مقامك) يعني: قبل أن ينقضي مجلس حكمك، وكان فيما يقال من أول
النهار إلي قريب الزوال يتصدى لمهمات بني إسرائيل وما لهم من الأشغال (وإني
عليه لقوي أمين) أي: وإني لذو قوة على إحضاره وأمانة على ما فيه من
الجواهر النفيسة لديك: (قال الذي عنده علم الكتاب) المشهور أنه آصف بن
بزخيا وهو ابن خالة سليمان، وقيل: رجل من مؤمني الجان كان فيما يقال يحفظ
الاسم الأعظم، وقيل: رجل من بني إسرائيل من علمائهم، وقيل: إنه سليمان، وهو
غريب جداً، وضعفه السهيلي بأنه لا يصح في سياق الكلام، قال: وقد قيل فيه
قول رابع وهو جبريل، (أنا آتيك بما قبل أن يرتد إليك طرفك) قيل: معناه قبل
أن تبعث رسولاً إلي أقصى ما ينتهي إليه طرفك من الأرض ثم يعود إليك.


(فلما رآه مستقر عنده) أي: فلما رأى عرش بلقيس مستقراً عنده في هذه المدة
القريبة من بلاد اليمن إلي بيت المقدس في طرفة عين (قال هذا من فضل ربي
ليبلوني أأشكر أم أكفر) أي: هذا من فضل الله علي وفضله على عباده ليختبرهم
على الشكر أو خلافه (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه) أي: إنما يعود نفع ذلك عليه
(ومن كفر فإن ربي غني كريم)


أي: غني عن شكر الشاكرين، ولا يتضرر بكفر الكافرين. ثم أمر سليمان عليه
السلام أن تغير حلي هذا العرش وتنكر لها ليختبر فهمها وعقلها، ولهذا قال:
(ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون * فلما جاءت قيل: أهكذا عرشك؟
قالت كأنه هو) وهذا من فطنتها وغزارة فهمها؛ لأنها استبعدت أن يكون عرشها
لأنها خلفته وراءها بأرض اليمن ولم تكن تعلم أن أحداً يقدر على هذا الصنع
العجيب الغريب، قال الله تعالى إخباراً عن سليمان وقومه: (وأوتينا العلم من
قبلها وكنا مسلمين * وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم
كافرين) أي: ومنعتها عبادة الشمس التي كانت تسجد لها هي وقومها من دون الله
اتباعاً لدين آبائهم وأسلافهم لا لدليل قادهم إلي ذلك ولا حداهم على ذلك.


وكان سليمان قد أمر ببناء صرح من زجاج وعمل في ممره ماء، وجعل عليه سقفاً
من زجاج، وجعل فيه من السمك وغيرها من دواب الماء، وأمرت بدخول الصرح
وسليمان جالس على سريره فيه: (فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه
صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب
العالمين) وقد قيل: إن الجن أرادوا أن يبشعوا منظرها عند سليمان وأن تبدي
عن ساقيها ليرى ما عليهما من الشعر فينفره ذلك منها وخشوا أن يتزوجها؛ لأن
أمها من الجان فتتسلط عليهم معه. يذكر تعالى أنه وهب لداود سليمان عليه
السلام، ثم أثنى عليه تعالى فقال: (نعم العبد إنه أواب) أي: رجاع مطيع
الله، ثم ذكر تعالى ما كان من أمره في الخيل الصافنات، وهي التي تقف على
ثلاثة وطرف حافر الرابعة، والجياد وهي المضمرة السراع.


قال الله تبارك وتعالى:

{ فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما
خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين }
(سورة سبأ:14)


عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان سليمان نبي الله عليه
السلام إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول لها: ما اسمك؟ فتقول كذا،
فيقول: لأي شيء أنت؟ فإن كانت لغرس غرست، وإن كانت لدواء أنبتت فبينما هو
يصلي ذات يوم إذا رأى شجرة بين يديه، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: الخروب،
قال: لأي شيء أنت؟ قالت: لخراب هذا البيت، فقال سليمان: اللهم عليها حولاً
والجن تعمل، فأكلتها الأرضة فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما
لبثوا حولاً في العذاب المهين". قال: وكان ابن عباس يقرؤها كذلك فشكرت
الجن للأرضة فكانت تأتيها بالماء


كان سليمان عليه السلام يتجرد في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر
والشهرين وأقل من ذلك وأكثر، يدخل طعامه وشرابه، فأدخله في المرة التي توفى
فيها فكان بدء ذلك أنه لم يكن يوم يصبح فيه إلا نبتت في بيت المقدس شجرة
فيأتيها فيسألها، ما اسمك؟ فتقول الشجرة: اسمي كذا وكذا، فإن كانت لغرس
غرسها، وإن كانت نبتت دواء لكذا وكذا، فيجعلها كذلك حتى نبتت شجرة يقال لها
الخروبة، فسألها: ما اسمك؟ قالت: أنا الخروبة، فقال: ولأي شيء نبت؟ فقالت:
نبت لخراب هذا المسجد، فقال سليمان: ما كان الله ليخربه وأنا حي، أنت التي
على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس، فنزعها وغرسها في حائط له، ثم دخل
المحراب فقام يصلي متكئاً على عصاه فمات، ولم تعلم به الشياطين، وهم في ذلك
يعملون له يخافون أن يخرج فيعاقبهم، وكانت الشياطين تجتمع حول المحراب،
وكان المحراب له كوى بين يديه وخلفه، فكان الشيطان الذي يريد أن يخلع يقول
ألست جليداً إن دخلت فخرجت من ذلك الجانب، فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر،
فدخل شيطان من أولئك، فمر، ولم يكن شيطان ينظر إلي سليمان عليه السلام وهو
في المحراب إلا احترق، فلم يسمع صوت سليمان، ثم رجع فلم يسمع، ثم رجع فوقع
في البيت ولم يحترق ونظر إلي سليمان عليه السلام قد سقط ميتاً، فخرج فأخبر
الناس أن سليمان قد مات، ففتحوا عنه فأخرجوه ووجدوا منسأته، وهي العصا
بلسان الحبشة، قد أكلتها الأرضة، ولم يعلموا منذ كم مات، فوضعوا الأرضة على
العصا فأكلت منها يوماً وليلة، ثم حبسوا ذلك النحو فوجدوه قد مات منذ سنة،
وهي قراءة ابن مسعود: فمكثوا يدأبون له من بعد موته حولاً كاملاً، فأيقن
الناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذبون، ولو أنهم علموا الغيب لعلموا بموت
سليمان، ولم يلبثوا في العذاب سنة يعملون له، وذلك قول الله عز وجل: (فلما
قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر
تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) يقول:
تبين أمرهم الناس أنهم كانوا يكذبونهم، ثم إن الشياطين قالوا للأرضة: لو
كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيب الطعام، ولو كنت تشربين الشراب سقيناك أطيب
الشراب، ولكنا سننقل إليك الماء والطين، قال: فهم ينقلون إليها ذلك حيث
كانت. قال: ألم تر إلي الطين الذي يكون في جوف الخشب فهو ما يأتيها به
الشيطان تشكراً لها. وهذا فيه من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب.


عن عثمان بن أبي شيبة أن سليمان بن داود عليهما السلام قال لملك الموت: إذا
أردت أن تقبض روحي فأعلمني قال: ما أنا أعلم بذلك منك، إنما هي كتب تلقى
إلي فيها تسمية من يموت. قال سليمان لملك الموت: إذا أمرت بي فأعلمني،
فأتاه فقال: يا سليمان قد أمرت بك، قد بقيت لك سويعة، فدعا الشيطان فبنوا
عليه صرحاً من قوارير ليس له باب، فقام يصلي فاتكأ على عصاه، قال: فدخل
عليه ملك الموت فقبض روحه وهو متوكئ على عصاه، ولم يصنع ذلك فراراً من ملك
الموت، قال: والجن تعمل بين يديه وينظرون إليه يحسبون أنه حي، قال: فبعث
الله دابة الأرض يعني إلي منسأته فأكلتها حتى إذا أكلت جوف العصا ضعفت وثقل
عليها فخر، فلما رأت الجن ذلك انفضوا وذهبوا، قال: قوله: (فلما قضينا عليه
الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن
لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين).

عن ابن عباس أن ملكه كان عشرين سنة وكان عمر سليمان بن داود عليهما السلام
نيفاً وخمسين سنة وفي سنة أربع من ملكه ابتدأ ببناء بيت المقدس فيما ذكر،
ثم ملك بعده ابنه رخعيم مدة سبع عشرة سنة فيما ذكره ابن جرير، وقال: ثم
تفرقت بعده مملكة بني إسرائيل.



 


قديم 03-02-17, 01:15 AM   #52
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي






قصة عزير عليه السلام





قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: هو عزيز بن جروة، ويقال ابن سوريق بن عديا
ابن أيوب بن درزنا بن عرى بن تقي بن أسبوع بن فنحاص بن العازر بن هارون بن
عمران.


وقال إسحاق بن بشر: أن عزيزاً كان عبداً صالحاً حكيماً، خرج ذات يوم إلي
ضيعة له يتعاهدها، فلما انصرف أتى إلي خربة حين قامت الظهيرة وأصابه الحر،
ودخل الخربة وهو على حماره فنزل عن حماره، ومعه سلة فيها تين وسلة فيها
عنب، فنزل في ظل تلك الخربة وأخرج خبزاً يابساً معه، فألقاه في تلك القصعة
في العصير ليبتلى ليأكله، ثم استلقى على قفاه وأسند رجليه إلي الحائط، فنظر
إلي سقف تلك البيوت، ورأى ما فيها وهي قائمة على عروشها، وقد باد أهلها
ورأى عظاماً بالية فقال: (أنى يحيى هذه الله بعد موتها) فلم يشك أن الله
يحييها، ولكن قالها تعجباً، فبعث الله ملك الموت فقبض روحه، فأماته الله
مائة عام.


فلما أتت عليه مائة عام، وكانت فيما بين ذلك في بني إسرائيل أمور وأحداث،
قال: فبعث الله إلي عزيز ملكاً فخلق قلبه وعينيه لينظر بهما فيعقل كيف يحيي
الله الموتى، ثم ركب خلقه وهو ينظر، ثم كسا عظامه اللحم والشعر والجلد ثم
نفخ فيه الروح، كل ذلك وهو يرى ويعقل، فاستوى جالساً، فقال له الملك: كيف
لبثت؟ قال: لبثت يوماً، وذلك أنه كان لبث صدر النهار عند الظهيرة وبعث في
آخر النهار والشمس لم تغب، فقال: أو بعض يوم ولم يتم لي يوم، فقال له
الملك: بل لبثت مائة عام، فانظر إلي طعامك وشرابك، يعني الطعام الخبز
اليابس، وشرابه العصير الذي كان اعتصره في القصعة، فإذا هما على حالهما لم
يتغير العصير والخبز اليابس، فذلك قوله: (لم يستنه) يعني: لم يتغير.


وكذلك التين والعنب غض لم يتغير شيء من حالهما، فكأنه أنكر في قلبه، فقال
له الملك: أنكرت ما قلت لك؟ انظر إلي حمارك فنظر إلي حماره قد بليت عظامه
وصارت نخرة، فنادى الملك عظام الحمار، فأجابت وأقبلت من كل ناحية حتى ركبه
وعزيز ينظر إليه، ثم ألبسها العروق والعصب، ثم كساها اللحم ثم أنبت عليها
الجلد والشعر، ثم نفخ فيه الملك فقام الحمار، رافعاً رأسه وأذنيه إلي
السماء ناهقاً يظن القيامة قد قامت، فذلك قوله: (وانظر إلي حمارك ولنجعلك
آية للناس وانظر إلي العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً). يعني: وانظر إلي
عظام حمارك كيف يركب بعضها بعضاً في أوصالها، حتى إذا صارت عظاماً مصوراً
حماراً بلا لحم، ثم انظر كيف نكسوها لحماً: (فلما تبين له قال أعلم أن الله
على كل شيء قدير) من إحياء الموتى وغيره.


قال: فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس وأنكر الناس وأنكر منزله،
فانطلق إلي وهم منه حتى أتى منزله، فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها
مائة وعشرون سنة كانت أمة لهم، فخرج عنهم عزيز وهي بنت عشرين سنة كانت
عرفته وعقلته، فلما أصابها الكبر أصابها الزمانة، فقال لها عزيز: يا هذه
أهذا منزل عزيز؟ قالت: نعم هذا منزل عزيز، فبكت، وقالت: ما رأيت أحداً من
كذا وكذا سنة يذكر عزيزاً، وقد نسيه الناس، قال: فإني أنا عزيز، كان الله
أماتني مائة سنة ثم بعثني، قالت: سبحان الله! فإن عزيزاً قد فقدناه منذ
مائة سنة فلم نسمع له بذكر، قال: فإني أنا عزيز، قالت: فإن عزيز رجل مستجاب
الدعوة يدعو للمريض ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء، فادع الله أن يرد علي
بصري حتى أراك فإن كنت عزيزاً عرفتك.


قال: فدعا ربه ومسح بيده على عينيها فصحتا وأخذ بيدها وقال: قومي بإذن
الله، فأطلق الله رجليها، فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال، فنظرت فقالت:
اشهد أنك عزيز. وانطلقت إلي مجلة بني إسرائيل وهم في أنديتهم ومجالسهم،
وابن لعزيز شيخ ابن مائة سنة وثماني عشر سنة، وبني بنيه شيوخ في المجلس
فنادتهم، فقالت: هذا عزيز قد جاءكم. فكذبوها، فقالت: أنا فلانة مولاتكم دعا
ربه فرد علي بصري وأطلق رجلي، وزعم أن الله أماته مائة سنة ثم بعثه، قال:
فنهض الناس فأقبلوا إليه فنظروا إليه، فقال ابنه: كان لأبي شامة سوداء بين
كتفيه، فكشف عن كتفيه فإذا هو عزيز، فقالت بنو إسرائيل: فإنه لم يكن فينا
أحد حفظ التوراة فيما حدثنا غير عزيز وقد حرق بختنصر التوراة ولم يبق منها
شيء إلا ما حفظت الرجال فاكتبها لنا، وكان أبوه سروخاً قد دفن التوراة أيام
بتختصنر في موضع لم يعرفه أحد غير عزيز، فانطلق بهم إلي ذلك الموضع فحفره
فاستخرج التوراة وكان قد عفن الورق ودرس الكتاب.


قال: وجلس في ظل شجرة وبنو إسرائيل حوله فجدد لهم التوراة، ونزل من السماء
شهابان حتى دخلا جوفه، فتذكر التوراة فجددها لبني إسرائيل، فمن ثم قالت
اليهود عزيز ابن الله، للذي كان من أمر الشهابين وتجديده التوراة وقيامه
بأمر بني إسرائيل كان جدد لهم التوراة بأرض السواد بدير حزقيل، والقرية
التي مات فيها يقال لها ساير اباذ. قال ابن عباس: فكان كما قال الله تعالى:
(ولنجعلك آية للناس) يعني: لبني إسرائيل، وذلك أنه كان يجلس مع بنيه وهم
شيوخ وهو شاب، لأنه مات وهو ابن أربعين سنة، فبعثه الله شاباً كهيئته يوم
مات. قال ابن عباس: بعث بعد بختنصر، وكذلك قال الحسن.


والمشهور أن عزيزاً نبي من أنبياء بني إسرائيل، وأنه كان فيما بين داود
وسليمان وبين زكريا ويحيى، وأنه لما لم يبق في بني إسرائيل من يحفظ التوراة
ألهمه الله حفظها، فسردها على بني إسرائيل، كما قال وهب بن منبه: أمر الله
ملكاً فنزل بمعرفة من نور فقذفها في عزيز فنسخ التوراة حرفاً بحرف حتى فرغ
منها.


وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد علات، وليس بيني وبينه نبي"

وقال وهب بن منبه: كان فيما بين سليمان وعيسى عليهما السلام. وقد روي ابن
عساكر عن أنس بن مالك وعطاء بن السائب أن عزيزاً كان في زمن موسى بن عمران،
وأنه استأذن عليه فلم يأذن له، يعني لما كان من سؤاله عن القدر، وأنه
انصرف وهو يقول: مائة موتة أهون من ذل ساعة.


وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته
نملة، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها، ثم أمر بها فأحرقت بالنار، فأوحى الله
إليه: فهلا نملة واحدة"


فروى إسحاق بن بشر عن ابن جريج، عن عبد الوهاب ابن مجاهد، عن أبيه أنه عزيز. وكذا روى عن ابن عباس والحسن البصري أنه عزيز.



 


قديم 03-02-17, 01:17 AM   #53
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي





قصة زكريا ويحيى عليهما السلام



قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر في كتابه التاريخ المشهور الحافل: زكريا بن
برخيا، ويقال: زكريا بن دان، ويقال: زكريا بن لدن بن مسلم بن صدوق بن
حشبان بن داود ابن سليمان بن مسلم بن صديقة بن برخيا بن بلعاطة بن ياخور بن
شلوم بن بهفاشاط ابن إينامن بن رخيعم بن سليمان بن داود، أبو يحيى عليه
السلام، من بني إسرائيل. دخل البثنة من أعمال دمشق في طلب ابنه يحيى، وقيل:
إنه كان بدمشق حين قتل ابنه يحيى، والله أعلم. وقد قيل غير ذلك في نسبه،
ويقال فيه زكريا بالمد والقصر، ويقال: زكرى أيضاً.


والمقصود أن الله تعالى أمر رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقص على
الناس خبر زكريا عليه السلام، وما كان من أمره حين وهبه الله ولداً على
الكبر، وكانت امرأته مع ذلك عاقراً في حال شبيبتها، وقد أسنت أيضاً، وحتى
لا ييأس أحد من فضل الله ورحمته ولا يقنط من فضله تعالى، ف:
(ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ نادى ربه نداء خفياً). قام من الله فنادى
ربه مناداة أسرها عمن كان حاضراً عنده مخافته، فقال: يا رب، يا رب. فقال
الله: لبيك لبيك لبيك، (قال: رب إني وهن العظم مني) أي: ضعف وخار من الكبر،
(واشتعل الرأس شيباً)، استعارة من اشتعال النار في الخطب، أي: غلب على
سواد الشعر شيبه، وهكذا قال زكريا عليه السلام:


{ إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً } (سورة مريم:4)


وقوله:

{ ولم أكن بدعائك رب شقياً }


أي: ما دعوتني فيما أسألك إلا الإجابة، وكان الباعث له على هذه المسألة أنه
لما كفل مريم بنت عمران بن ماثان، وكن كلما دخل عليها محرابها وجد عندها
فاكهة في غير أوانها ولا أوانها، وهذه من كرامات الأولياء، فعلم أن الرازق
للشيء في غير أوانه قادر على أن يرزقه ولداً، وإن كان قد طعن في سنه


{ هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء } (سورة آل عمران:38)


وقوله:

{ وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً }


قيل: المراد بالموالي العصبة، وكأنه خاف من تصرفهم بعده في بني إسرائيل بما
لا يوافق شرع الله وطاعته، فسأل وجود ولد من صلبه يكون برأ تقياً مرضياً،
ولهذا قال: (فهب لي من لدنك) أي: من عندك بحولك وقوتك (وليا يرثني)


أي: في النبوة والحكم في بني إسرائيل (ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا)
يعني: كما كان آباؤنا وأسلافه من ذرية يعقوب أنبياء، فاجعله مثلهم في
الكرامة التي أكرمتها بها من النبوة والوحي، وليس المراد هاهنا وراثة المال
كما زعم ذلك من زعمه من الشيعة.


فلما بشر بالولد وتحقق البشارة شرع يستعلم على وجه التعجب وجود الولد له
والحالة هذه (قال رب أني يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً وقد بلغت من
الكبر عتياً) أي: كيف يوجد ولد من شيخ كبير، قيل: كان عمره إذ ذاك سبعاً
وسبعين سنة، والأشبه والله أعلم أنه كان أسن من ذلك وكانت امرأتي في حال
شبيبتها عاقراً لا تلد، والله أعلم. وهكذا أجيب زكريا عليه السلام، قال له
الملك الذي يوحي إليه بأمر ربه: (كذلك قال ربك هو على هين) أي: هذا سهل
يسير عليه (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً) أي: قدرته أوجدتك بعد أن لم تكن
شيئاً مذكوراً، أفلا يوجد منك ولد وإن كنت شيخاً؟!


و:

{ فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه، إنهم كانوا يسارعون في
الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً، وكانوا لنا خاشعين } (سورة الأنبياء:90)


ومعنى إصلاح زوجته: أنها كانت لا تحيض فحاضت، وقيل: كان في لسانها شيء، أي
بذاءة. (قال رب اجعل لي آية) أي: علامة على وقت تعلق مني المرأة بهذا الولد
المبشر به، (قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سوياً) يقول: علامة ذلك أن
يعتريك سكت لا تنطق معه ثلاثة أيام إلا رمزاً، وأنت في ذلك سوي الخلق صحيح
المزاج معتدل البينة، وأمر بكثرة الذكر في هذه الحال بالقلب واستحضار ذلك
بفؤاده بالعشي والإبكار، فلما بشر بهذه البشارة خرج مسروراً بها على قومه
من محرابه، (فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا).


وفي قوله: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبياً) يخبر تعالى عن
وجود الولد وفق البشارة الإلهية لأبيه زكريا عليه السلام، وأن الله تعالى
علمه الكتاب والحكمة وهو صغير في حال صباه. قال عبد الله بن المبارك: قال
معمر: قال الصبيان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب، فقال: ما للعب خلقنا،
قال: وذلك قوله: (وآتيناه الحكم صبياً). وأما قوله: (وحناناً من لدنا) فروي
ابن جرير عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: لا أدري ما
الحنان. ويحتمل أن يكون ذلك صفة لتحنن يحيى على الناس ولاسيما على أبويه،
وهو محبتهما والشفقة عليهما وبره بهما. وأما الزكاة فهو طهارة الخلق
وسلامته من النقائص والرذائل، والتقوى طاعة الله بامتثال أوامره وترك
زواجره.


ثم ذكر بره بوالديه وطاعته لهما أمراً ونهياً، وترك عقوقهما قولاً وفعلاً
فقال: (وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً) ثم قال: (وسلام عليه يوم ولد
ويوم يموت ويوم يبعث حياً)، هذه الأوقات الثلاثة أشد ما تكون على الإنسان،
فإنه ينتقل في كل منها من عالم إلي عالم آخر، فيفقد الأول بعد ما كان ألفه
وعرفه، ويصير إلي الآخر ولا يدري ما بين يديه، ولهذا يستهل صارخاً إذا خرج
من بين الأحشاء وفارق لينها وضمها، وينتقل إلي هذه الدار ليكابد همومها
وغمها. وقال ابن المبارك عن وهيب بن الورد، قال: فقد زكريا ابنه ثلاثة
أيام، فخرج يلتمسه في البرية، فإذا هو قد احتفر قبراً وأقام فيه يبكي على
نفسه، فقال: يا بني أنا أطلبك من ثلاثة أيام وأنت في قبر قد احتفرته قائم
تبكي فيه؟ فقال: يا أبت ألست أنت أخبرتني أن بين الجنة والنار مقام لا يقطع
إلا بدموع البكائين؟ فقال له: أبك يا بني، فبكيا جميعاً.


وذكروا أنه كان كثير البكاء حتى أثر البكاء في خديه من كثرة دموعه. وذكروا
في قتله أسباباً من أشهرها أن بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق كان يريد أن يتزوج
ببعض محارمه أو من لا يحل له تزويجها، فنهاه يحيى عليه السلام عن ذلك،
فبقى في نفسها منه، فلما كان بينها وبين الملك ما يحب منها استوهبت منه دم
يحيى، فوهبه لها، فبعثت إليه من قتله وجاء برأسه ودمه في طست إلي عندها،
فيقال أنها هلكت من فورها وساعتها. وقيل: بل أحبته امرأة ذلك الملك وراسلته
فأبى عليها، فلما يئست منه تحيلت في أن استوهبته من الملك، فتمنع عليها
الملك، ثم أجابها إلي ذلك، فبعث من قتله وأحضر إليها رأسه ودمه في طست. ثم
اختلف في مقتل يحيى بن زكريا هل كان بالمسجد الأقصى أم بغيره على قولين.
فقال الثوري عن الأعمش عن شمر بن عطية قال: قتل على الصخرة التي ببيت
المقدس سبعون نبياً منهم يحيى بن زكريا عليه السلام. وقال أبو عبيد القاسم
بن سلام، حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث، عن يحيى ابن سعيد، عن سعيد بن
المسيب قال: قدم بختنصر دمشق فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلي، فسأل عنه
فأخبروه، فقتل على دمه سبعين ألفاً فسكن.



 


قديم 03-02-17, 01:19 AM   #54
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي






قصة عيسى أبن مريم عليه السلام



قال الله تعالى في سورة آل عمران التي أنزل صدرها وهو ثلاث وثمانون آية
منها في الرد على النصارى، عليهم لعائن الله، الذين زعموا أن لله ولداً،
تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. قال أبو القاسم بن عساكر: مريم بنت
عمران بن ماثان بن العازر بن بن اليود بن أخير بن صادوق بن عيازرو بن
الياقيم بن أبيود بن زربابيل بن شالتال بن يوحينا بن برشا بن أمون بن ميشا
بن حزقيا بن أحاز بن موثام بم عزريا بن يورام بن يوشافاط بن إيشا بن إيبا
بن رخيعم بن سليمان بن داود عليه السلام، وفيه مخالفة لما ذكره محمد ابن
إسحاق. ولا خلاف أنها من سلالة داود عليه السلام، وكان أبوها عمران صاحب
صلاة بني إسرائيل في زمانه، وكانت أمها هي حنة بنت فاقود بن قبيل من
العابدات، وكان زكريا نبي ذلك الزمان زوج أخت مريم أشياع في قول الجمهور،
وقيل زوج خالتها أشياع، فالله أعلم.


وقد ذكر محمد بن إسحاق وغيره أن أم مريم كانت لا تحبل، فرأت يوماً طائراً
يزق فرخاً له، فاشتهت الولد، فنذرت لله إن حملت لتجعلن ولدها محرراً، أي:
حبيساً في خدمة بيت المقدس. قالوا: فحاضت من فورها، فلما طهرت واقعها
بعلها: فحملت بمريم عليها السلام (فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى
والله أعلم بما وضعت) وقرئ بضم التاء (وليس الذكر كالأنثى) أي: في خدمة بيت
المقدس، وكانوا في ذلك الزمان ينذرون لبيت المقدس خداماً من أولادهم.
وقولها: (وإني سميتها مريم) استدل به على تسمية المولود يوم يولد. وكما ثبت
في الصحيحين عن أنس في ذهابه بأخيه إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنك
أخاه وسماه عبد الله.


وقولها: (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) قد استجيب لها في هذا كما تقبل منها نذرها،

فقال الإمام احمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن ابن
المسيب، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مولود إلا
والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخاً من مسه الشيطان إلا مريم وابنها"

وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود من بني آدم يمسه الشيطان بإصبعه إلا مريم بنت عمران وابنها عيسى"

وقوله:

{ فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا }


ذكر كثير من المفسرين أن أمها حين وضعتها لفتها في خروقها. ثم خرجت بها إلي
المسجد فسلمتها إلي العباد الذين هم مقيمون به، وكانت ابنة إمامهم وصاحب
صلاتهم، فتنازعوا فيها، والظاهر أنها إنما سلمتها إليهم بعد رضاعها وكفالة
مثلها في صغرها. ثم لما دفعتها إليهم تنازعوا في أيهم يكفلها، وكان زكريا
نبيهم في ذلك الزمان، وقد أراد أن يستبد بها دونهم من أجل زوجته أختها أو
خالتها على القولين، فشاحوه في ذلك، وطلبوا أن يقترع معهم، فساعدته
المقادير فخرجت قرعته غالبة لهم، وذلك أن الخالة بمنزلة الأم.


وقالوا: وذلك أن كلاً منهم ألقى قلمه معروفاً به، ثم حملوها ووضعوها في
موضع، وأمروا غلاماً لم يبلغ الحنث فأخرج واحداً منها، وظهر قلم زكريا عليه
السلام، فطلبوا أن يقترعوا مرة ثانية، وأن يكون ذلك بأن يلقوا أقلامهم في
النهر فأيهم جرى قلمه على خلاف جرية الماء فهو الغالب ففعلوا، فكان قلم
زكريا هو الذي جرى على خلاف جرية الماء، وسارت أقلامهم مع الماء، ثم طلبوا
منه أن يتقرعوا ثالثة فأيهم جرى قلمه مع الماء ويكون بقية الأقلام قد انعكس
سيرها صعداً فهو الغالب ففعلوا، فكان زكريا هو الغالب لهم، فكفلها إذ كان
أحق بها شرعاً وقدراً لوجوه عديدة.


قال الله تعالى:

{ كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً، قال يا مريم أني لك هذا،
قالت هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } (سورة آل عمران:37)

واتخذ زكريا لها محراباً، وهو المكان الشريف من المسجد لا يدخله أحد عليها
سواه، وأنها لما بلغت اجتهدت في العبادة، فلم يكن في ذلك الزمان نظيرها في
فنون العبادات، وظهر عليها من الأحوال ما غبطها به زكريا عليه السلام،
وأنها خاطبتها الملائكة بالبشارة لها باصطفاء الله لها، وبأنه سيهب لها
ولداً زكيا يكون نبياً كريماً طاهراً مكرماً مؤيداً بالمعجزات، فتعجبت من
وجود ولد من غير والدن لأنها لا زوج لها، ولا هي ممن تتزوج، فأخبرتها
الملائكة بأن الله قادر على ما يشاء، إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن
فيكون، فاستكانت لذلك وأنابت وسلمت الأمر لله، وعلمت أن هذا فيه محنة عظيمة
لها، فإن الناس يتكلمون فيها بسببه، لأنهم لا يعلمون حقيقة الأمر، وإنما
ينظرون إلي ظاهر الحال من غير تدبر ولا تعقل.


وكانت إنما تخرج من المسجد في زمن حيضها أو لحاجة ضرورية لابد منها أن
استقاء ماء أو تحصيل غذاء، فبينما هي يوماً قد خرجت لبعض شئونها وانفردت
وحدها في شرقي المسجد الأقصى، إذ بعث الله إليها الروح الأمين جبريل عليه
السلام { فتمثل لها بشراً سوياً } فلما رأته { قالت إني أعوذ بالرحمن منك
إن كنت تقيا }. { قال إنما أنا رسول ربك }


أي: خاطبها الملك قال: إنما أنا رسول ربك أي: لست ببشر، ولكنني ملك بعثني الله إليك؛ { لأهب لك غلاماً زكياً }


أي: ولداً زكياً { قالت أني يكون لي غلام } أي: كيف يكون لي غلام أو يوجد لي ولد { ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً }


أي: ولست ذات زوج وما أنا ممن يفعل الفاحشة، { قال كذلك قال ربك هو على هين }


أي: فأجابها الملك عن تعجبها من وجود ولد منها والحالة هذه قائلاً هذا سهل عليه ويسير لديه، فإنه على ما يشاء قدير.


وقوله: { ولنجعله آية للناس } أي: ولنجعل خلقه والحالة هذه دليلاً على كمال
قدرتنا على أنواع الخلق، فإنه تعالى خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق
حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق بقية الخلق من ذكر
وأنثى. وقوله { ورحمة منا }، أي: نرحم به العباد بأن يدعوهم إلي الله في
صغره وكبره في طفولته وكهولته، بأن يفردوا الله بالعبادة وحده لا شريك له،
وينزهوه عن اتخاذ الصاحبة والأولاد والشركاء والنظراء والأضداد والأنداد.
وقوله: { وكان أمراً مقضياً } يحتمل أن يكون هذا من تمام كلام جبريل معها
يعني: أن هذا أمر قضاه الله وحتمه وقدره وقرره، وهذا معنى قول محمد بن
إسحاق، واختاره ابن جرير ولم يحك سواه، والله أعلم.

قال محمد بن إسحاق: شاع واشتهر في بني إسرائيل أنها حامل، فما دخل على أهل
بيت ما دخل على آل بيت زكريا. قال: واتهمها بعض الزنادقة بيوسف الذي كان
يتعبد معها في المسجد، وتوارت عنهم مريم، واعتزلتهم، وانتبذت مكاناً قصياً،
وقوله: (فأجاءها المخاض إلي جذع النخلة) أي: فألجأها واضطر الطلق إلي جذع
النخلة، (قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً) فيه دليل على جواز
تمني الموت عند الفتن، وذلك أنها علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها، بل
يكذبونها حين تأتيهم بغلام على يدها، مع أنها قد كانت عندهم من العابدات
الناكسات المجاورات في المسجد المنقطعات إليه المعتكفات فيه، ومن بيت
النبوة والديانة، فحملت بسبب ذلك من الهم ما تمنت أن لو كانت ماتت قبل هذا
الحال، أو كانت (نسياً منسياً) أي: لم تخلق بالكلية.


وقوله: { فنادها من تحتها }، وقوله: { ألا تخزني قد جعل ربك تحتك سرياً } {
وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً } فذكر الطعام والشراب،
ولهذا قال:{ فكلي واشربي وقري عيناً }

قال عمرو بن ميمون: ليس شيء أجود للنفساء من التمر والرطب، ثم تلا هذه الآية.


وقال ابن أبي حاتم: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أكرموا
عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم وليس من الشجر شيء يلقح
غيرها"


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أطعموا نساءكم الولد الرطب، فإن لم
يكن رطب فتمر، وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم
بنت عمران"



 


موضوع مُغلق

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are معطلة
Pingbacks are معطلة
Refbacks are معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع : قصص بعض الأنبياء والرسل عليهم السلام ...!!
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معلومات عن الأنبياء آميرآلشوق مواضيع إسلاميه - فقه - أقوال ( نفحات ايمانيه ) •• 6 12-19-16 05:38 AM
فن الدمج بين التصوير والرسم شموخ عزي قسم الصور والرسوم العامه 6 03-15-15 07:12 PM
(أنواع المناكير والرسم على الاضافر ) (قيثار الحب) قسم الملابس والمستلزمات النسائيه ( حواء ) 15 09-30-14 03:51 PM
معاني أسماء الأنبياء والرسل M.ahmad مواضيع إسلاميه - فقه - أقوال ( نفحات ايمانيه ) •• 2 09-30-10 05:47 AM


| أصدقاء منتدى مسك الغلا |


الساعة الآن 12:52 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.1 al2la.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
بدعم من : المرحبي . كوم | Developed by : Marhabi SeoV2
جميع الحقوق محفوظه لـ منتديات مسك الغلا