المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هذا الحبيب


الصفحات : 1 [2] 3

عطاء دائم
10-28-20, 07:42 AM
هذا الحبيب « 87 »
السيرة النبوية العطرة (( الإسراء والمعراج ، الجزء الرابع ))
________

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
فوجدت في السماء الأولى رجلا ينظر عن يمينه فيجد سوادا عظيما ،

[[ سواد بمعنى ناس ، لأن الشعر لونه أسود ، فعندما تنظر لعدد كبير من الناس ، ترى سوادا ]]، ينظر الرجل عن يمينه فيرى سوادا عظيما، فيضحك وينظر عن يساره ، فيرى سوادا عظيما ، فيبكي ! قلت ما هذا يا جبريل ؟!

قال : هذا أبوك آدم، ينظر إلى أبنائه من أهل الجنة فيضحك، وينظر إلى أبنائه من أهل النار فيبكي ... لماذا يضحك ولماذا يبكي ؟ لأنهم أبناؤه، هناك من أبنائه من استفاد من تجربته ودخل الجنة، وهناك من أبنائه من لم يستفد من تجربته وأصبح من أبناء النار، فقصة آدم عليه السلام كانت درسا لكل البشرية ، فيسلم النبي – صل ى الله عليه وسلم - على آدم عليه السلام ، فيقول له آدم : مرحبا بالابن الصالح، والنبي الصالح، والأخ الصالح .

وفي السماء الثانية عيسى ويحيى، ابنا الخالة ، وفي الثالثة يوسف عليه السلام، وفي الرابعة ادريس ، وفي الخامسة هارون ، وفي السادسة موسى ، وفي السابعة والأخيرة إبراهيم ،على نبينا وعليهم جميعاً الصلاة والسلام .
ورأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور : وهو بيت فوق الكعبة مباشرة في السماء السابعة ، يتعبد فيه أهل السماء .
وهكذا التقى - صلى الله عليه وسلم - بأنبياء الله إلى أن ارتقى السبع الطباق - صلى الله عليه وسلم - ووصل إلى مكان هو سدرة المنتهى ، فإذا بجبريل تتغير هيئته ، ويأخذ صورته الملائكية !

بدليل قوله تعالى : {{ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ * لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ }} .

هذه المرة الثانية التي يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - جبريل على صورته الملائكية ، أتذكرون متى كانت المرة الأولى ؟؟

[[ ذكرناها عند نزول الوحي، عندما جاء جبريل إلى النبي في غار حراء ... اقرأ ما أنا بقارئ ... جاء إليه بصورة بشر ، ثم انقطع عنه الوحي ليشتد شوق النبي إليه، وبعد ٤٠ يوما جاءه جبريل مرة أخرى وهو صاعد إلى جبل حراء على صورته الملائكية ، فسد له الأفق ، فارتعد النبي وارتعب ، وجثا على ركبتيه من هيبة شكل جبريل ]] .

يتبع إن شاء الله . . .
__________

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
11-02-20, 08:31 AM
هذا الحبيب « 88 »

السيرة النبوية العطرة (( الأعمال التي تصلي الملائكة على صاحبها ))
________
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله ، في جزء اليوم من السيرة النبوية العطرة، نتوقف قليلا عن رحلة الإسراء و المعراج ، و نقف عند أعمال إذا قمنا بها ؛ فإنّ الملائكة تصلي علينا ، أي بمعنى

[[ الدعاء للناس، والاستغفار لهم ]] ، و دعاء الملائكة للمؤمنين ثابت شرعا ، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: " الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ " .
و إليكم نماذج من الأعمال التي تصلي الملائكة على صاحبها:

أ ـ معلّم الناس الخير: روى الترمذي في سننه عن أبي أمامة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير.

ب ـ الذين ينتظرون صلاة الجماعة: في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه، تقول: اللهمّ اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث.
ج ـ الذين يصلون في الصف الأول : في سنن أبي داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول.

دـ الذين يسدّون الفرج بين الصفوف: في سنن ابن ماجه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف، ومن سدّ فرجة رفعه الله بها درجة.

هـ ـ الذين يتسحرون : في صحيح ابن حبان ومعجم الطبراني الأوسط بإسناد حسن، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى وملائكته يصلون على المتسحرين.

وـ الذين يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم : روى أحمد في مسنده، والضياء في المختارة عن عامر بن ربيعة بإسناد حسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد يصلي عليّ إلا صلتْ عليه الملائكة، ما دام يصلي عليّ، فليقلّ العبد من ذلك أو ليكثر.

زـ الذين يعودون المرضى : روى أبو داود عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما من رجل يعود مريضاً ممسياً، إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح، وكان له خريف في الجنّة، ومن أتاه مصبحاً خرج معه سبعون ألف ملك، يستغفرون له حتى يمسي، وكان له خريف في الجنة.

اللهم صلّ وسلّم وبارك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه و سلّم .
__________

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
11-02-20, 08:32 AM
هذا الحبيب « 89 »
السيرة النبوية العطرة (( سدرة المنتهى ))
________

قال الله تعالى :
( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى * سورة النجم

* جاء في تفسير قوله تعالى : ( إذ يغشى السدرة ما يغشى )
{{ في حديث أبي ذر عند الإمام البخاري : فغشيها ألوان لا أدري ما هي .. وفي حديث أبي سعيد وابن عباس : يغشاها الملائكة ... وفي رواية مسلم : فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت ، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها }} .

* وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج المشهور : " ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلالِ هَجَرَ وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ قَالَ هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى .. " رواه البخاري .

نبقها [[ النبق معروف وهو ثمر السدر]] .
قِلال [[ هي الجِرار ، يريد أن ثمرها في الكبر مثل القلال ، وكانت معروفة عند المخاطبين، فلذلك وقع التمثيل بها ]] .
هجر " [[ اسم بلدة ]] .

ورقها مثل آذان الفيلة [[ في الضّخامة مثل آذان الفيلة ]] .
* وقيل في سبب تسميتها سدرة المنتهى :

- جاء في حديث ابن مسعود في صحيح الإمام مسلم : " وإليها ينتهي ما يعرج من الأرض فيقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط فيقبض منها " .
وقال النووي سميت سدرة المنتهى، لأن علم الملائكة ينتهي إليها ، ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .وهي الشجرة التي ينتهي إليها علم كل نبي مرسل ، وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله ، وقيل إليها منتهى أرواح الشهداء . و الله أعلم .
وهي ليست شجرة السدر الموجودة على الأرض ، كما يقول البعض .


* وكما جاء في الحديث السابق : " فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها " ما معنى لا تُنعت "لا توصف" ؟

نحن نسمع عن أشياء كثيرة لا توصف ، الروح من أمر ربي لا نعلم عنها شيئا، ولكن الذي نعلمه أنها [[ مستودع الأسرار ]]، و الجسد هو ذلك الجسم الذي يحتوي على القلب والعقل والحواس ؛ العقل له قدرات محدودة ، فهو ينقل ما عنده إلى القلب الذي يستقبل ما لا يستوعبه العقل ، ويسمو الإنسان بروحه وقلبه إلى ما هو أبعد من قدرات العقل التي نعرفها ، لذلك نرى بقلوبنا ما لا يستطيع العقل استيعابه ، وقد جاء في الحديث بما معناه:

{{ إن النظرة سهم من سهام إبليس مسموم ، من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه }} ، يجد حلاوته في قلبه

[[ هل رأيتم علما وجدانيا لا يُعرف إلا بالقلب ؟ و لا يذوق لذة حلاوته إلا القلب ؟

]] فالقلب يعقل ويبصر ، لذلك يقال : لا تجادلني بشيء أراه بقلبي ، وتراه بعينك . هذا ببساطة معنى أن سدرة المنتهى لا يستطيع أن يصفها أحد من حسنها .
___________

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
11-02-20, 08:33 AM
هذا الحبيب « 90 »
السيرة النبوية العطرة (( ماذا رأى- صلى الله عليه وسلّم - في المعراج ؟؟ ))
________

يقول - صلى الله عليه وسلم - :

ثم دنوت فسمعت صريف الأقلام ، يعني" صوتها " [[ أقلام تكتب مقادير الخلق : كم سنة يعيش ، رزقه ، كم قطرة ماء تدخل جوفه ، كم نبضة لقلبه طوال حياته ... الخ ]] .

جاء في نص صحيح البخاري عن السيدة عائشة أم المؤمنين

- رضي الله عنها - أنها قالت : من حدثك أن محمدا قد رأى ربه، فقد أعظم الفرية ( الكذب ) على الله ، ثم تلت قوله تعالى : {{ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير } ، فالله جهز النبي وهيأه تلك الليلة لرؤيته،كما يريد الله ،وكما يليق بكماله سبحانه وتعالى ، {{ لا رؤية إحاطة أو جزء، أو كرؤية العين الطبيعية للأشياء }} ولكن كيف ؟؟ الله أعلم .

لذلك رؤية أهل الجنة لله ليست مستحيلة ، ولو كانت مستحيلة ما ذكرها الله، قال تعالى : {{ وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة }} ، كيف ناظرة إلى الله ؟؟ الله أعلم . ويوضح لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك قائلا :{{ إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون فيه }} أي، لا تزدحمون فيه ؛ فالناس يرون قمرا واحدا وهم في أماكن مختلفة دون ازدحام ، ولكن كيف سنرى الله -عز وجل - يوم القيامة ؟ الله أعلم .

و أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى الجنة والنار، ورأى أقواماً يعذبون وأقواماً ينعمون - مع أنّ الساعة لم تقم - والله أعلم بكيفية ذلك ، لأن أمور الغيب لا يدركها الحس فمثل هذه الأمور إذا جاءت يجب علينا أن نؤمن بها كما جاءت وأن لا نتعرض لطلب الكيفية.

وشاهد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ الجنة ونعيمها، ورأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رحلته المباركة الكوثر، وهو نهرٌ خصه الله لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إكرامًا له، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:

بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، قلت ما هذا يا جبريل، قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر.
في المقابل، وقف على بعض أحوال الذين يعذّبون في نار جهنم، ومنهم الذين يقعون في الغيبة ويخوضون في أعراض المسلمين، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

" لما عُرِجَ بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. "

ورأى أقوامًا تقطَّع ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار، فقال له جبريل - عليه السلام : هؤلاء خطباء أمتك من أهل الدنيا، كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون؟

إن رحلة الإسراء والمعراج لم تكن مجرد حادث عادي، بل كانت معجزة من معجزات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورحلة لم يسبق لبشر أن قام بها، وقد أظهرت فضل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتكريم الله ـ عز وجل ـ له، وأن الإسلام دين الفطرة، و بيّنت أهمية الصلاة في الإسلام، وأهمية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين .


اللهم متّع أبصارنا بالنظر إليك في جنّات النّعيم .

يتبع . . .

عطاء دائم
11-03-20, 08:10 AM
هذا الحبيب « 91 »
السيرة النبوية العطرة (( فرض الصلاة ))
________
يقول - صلى الله عليه وسلم - ثم دعيت ، أدنُ يا محمد، فدنوت.

[[ ماذا جرى من الكلام ؟ لم يصفه النبي ، ولكن خلاصته أن الله عزوجل فرض عليه الصلوات الخمس ]].

وجاء في البخاري أن الله فرض الصلاة خمسين صلاة في اليوم والليلة ، فلما هبط - صلى الله عليه وسلم - للسماء السادسة ، وكان فيها نبي الله موسى - عليه السلام - قال له موسى :

ماذا فرض ربك عليك وعلى أمتك ؟ قال له : خمسين صلاة في اليوم والليلة . فقال له موسى : أمتك لا تطيق ، وإني قد جربت بني إسرائيل من قبل ، فارجع إلى ربك واسأله التخفيف .

[[ ارجع إلى ربك معناها : استرجاع الأمر لله بالدعاء والمناجاة وهو واقف أمام نبي الله موسى ؛ وليس أنه رجع وعرج للسماء السابعة، ثم لسدرة المنتهى ، ثم هبط من سدرة المنتهى للسماء السابعة للسماء السادسة ]] .

فناجى - صلى الله عليه وسلم - ربه بالدعاء وسأله التخفيف فأوحى الله إليه أني قد حططت عنك عشرا ، فرجع القول لموسى [[ أي رد الأمر لموسى قال : قد حط ربي عني عشرا ]] . فقال له موسى عليه السلام : أمتك لا تطيق ، فاسأله التخفيف . فمازال يحط عنه عشرا ثم عشرا وهكذا حتى كانت العشرة الأخيرة من الخمسين .
فرجع إلى الله يسأله التخفيف ، فحط الله عنه خمسا ،

[[ فأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - بأدبه وفهمه عن الله، أن الله يريد أن تبقى خمسا ، فإذا سأله الآن فماذا يسقط من العشرة ؟؟ ]].

فلما رد الأمر إلى سيدنا موسى -عليه السلام - قال : قد أسقط الله عني خمسا وبقي خمسا . فقال له موسى : أمتك لا تطيق ، اسأله التخفيف ، فقال له - صلى الله عليه وسلم - : لقد استحييت يا أخي من ربي ، ولقد راجعته كثيراً ، رضيت بما فرض عليّ ربي ، فنودي : {{ أن قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي و أجزي بالحسنة عشرة أمثالها }} .

هل عرفتم قيمة الصلاة ؟

لم يفرضها الله في الأرض ، فرضها في السماء لشدة أهميتها . نحن نصلي خمس فرائض في اليوم والليلة ، والملائكة تسجل لنا في صحيفة أعمالنا خمسين صلاة كما فُرضت .
قال تعالى : {{ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أنا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }} .


وهل لاحظتم ، كيف أنّ سيدنا موسى يريد لنا أقل من خمس صلوات !! خمس صلوات ويراها البعض كثيرة و صعبة عليه ؛ فكيف لو كانت خمسين صلاة ؟!! [[ ليش ما بتصلي يا فلان ؟

والله كسل . وهذه الصورة نراها في بعض الأمّة اليوم ؛ لا يطيقون خمس صلوات في اليوم والليلة ، والبعض يحافظ على الصلاة يوم الجمعة فقط ، وباقي الأيام : يا أخي الشغل ماخذ وقتنا .. طيب بيصير أجمع تقديم وتأخير بحكم الوظيفة ؟ بحكم الانشغال ؟ .. . ليش ما بتصلي ؟ والله بصلي وبقطّع !!!! ]].

اللهم اهدهم و اجعلهم من المحافظين على الصلاة .
فلما فرض الله على نبيه الصلاة ، هبط النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان معه جميع الأنبياء الذين قابلهم في السماء ، ونزل - صلى الله عليه وسلم - إلى صخرة بيت المقدس ، ثم نادى جبريل للصلاة

[[ ليست صلاة الفجر لم تكن محددة أوقات الصلاة بعد .. يأتي ذكرها فيما بعد .. كانت ركعتين شكرا لله تعالى ، صلاها الأنبياء مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليكون إمامهم ]] .
نادى جبريل للصلاة ، فاصطف الأنبياء ، و تقدم جبريل ، وأخذ بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقدمه للإمامة ، فصلى بهم ركعتين في بيت المقدس - صلى الله عليه وسلم - {{ إمام الأنبياء والمرسلين}} .

ما معنى إمامته بالأنبياء جميعاً ؟

هو تشريف وتقديم له عليهم جميعا - صلى الله عليه وسلم - و إعلان بأن الدين عند الله واحد .
فدين جميع الأنبياء هو الإسلام ، ولكن تعددت الشرائع حسب طبع البشر في كل زمن ، قال تعالى : {{ إنّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ }} .

وقال تعالى : {{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}} .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن أعداء الإسلام حرّفوا الكتب السماوية بما يتفق مع أهوائهم ، وبقي فقط القرآن الكريم و ما يحمله من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف ؛

فالحذر الحذر من أعداء الإسلام و ما يحملونه من تعاليم دينية زائفة ؛ أغرقوا بها مجتمعاتنا ، وغيّروا بها عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة التي توافق ديننا ، و أفسدوا بها أخلاق هذا الجيل ، وللأسف لهم أتباع كثيرون بحجّة أنّ الدين واحد !!!


اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
11-05-20, 07:39 AM
هذا الحبيب « 92 »

السيرة النبوية العطرة (( المسجد الأقصى ))
________
بعد صلاته - صلى الله عليه وسلم - بالأنبياء عليهم السلام ودّعهم ، ثم أخذ بيديه جبريل وقدم إليه البراق ، ثم عاد من بيت المقدس إلى المسجد الحرام قبل أن يطلع الفجر .
لماذا يُسرى بالنبي من

{{ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى }} ثم يعرج به إلى السماء ؟ لماذا لم يعرج به ، من عند الكعبة مباشرة إلى السماء ؟
حتى نعرف ، أن سر حادثة الإسراء تقول لكم : يا أمة الإسلام التي هي خير الأمم ، وبكم تختم الأمم ، فأنتم خير أمة أخرجت للناس ، وأنتم أحب الأمم إلى الله عزوجل منذ أن خلق الله هذا الكون ، وبما أنه بكم سيُختم هذا العالم فالجولة الأخيرة ستكون {{ بينكم ..... وبين »»» المغضوب عليهم اليهود }} ،

فكلّنا يعلم أنّ الصراع الآن مع اليهود على بيت المقدس .
عندما ذكر الله الإسراء قال تعالى :

{{ سبحان الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إنهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚإنه كان عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا }} هل رأيتم سر الله في ذلك ؟

[[ لما ذكر الإسراء ربنا عطف الحديث مباشرة على موسى وبني إسرائيل ، وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ]]
هنا رابط الوصل : صراع طويل سيكون بين أمة الحق خير أمة على وجه الأرض .... وبين أطغى أمة - المغضوب عليهم اليهود - وللباطل جولات وجولات ، ولكن في آخر جولة لهم سيُضربون ضربة واحدة ، تنسفهم نسفا {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإذا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } .

فهل عرف المسلمون قيمة المسجد الأقصى ؟؟ إنّ حقه في عنق كل مؤمن ، بغض النظر عن جنسيته ، ُيسأل عنه يوم القيامة ، فالمسجد الأقصى لكل المسلمين ، ليس لأهل فلسطين كما يقول البعض .
وعندما نذكر المسجد الاقصى ، علينا أن نذكر فضائله وما هي المسميات التي أُطلقت عليه ، ونُعلّم أبناءنا تلك الفضائل ، الصغير منهم قبل الكبير . فقد ورد في كتاب {{ سبل الهدى والرشاد }} ل محمد بن يوسف الصالحي أكثر من عشرين اسما لبيت المقدس ، وكلّها فضائل لبيت المقدس ومنها :

{{ المسجد الأقصى }} : لأنه ثاني مسجد بُني بعد المسجد الحرام ، ولبعده عنه وليس بينهم مسجد سمي بالأقصى ، إشارة لطيفة سيكون بين {{ المسجدين مسجد أدنى وهو المسجد النبوي }}. يعني مجرد ذكر اسمه فيه بشارة .

{{ بيت المقدس }} ، {{ القدس }} : لأن الله قال : " باركنا حوله " ولأنه مبارك أصبح مقدسا ، وهو بيت الأنبياء ؛ فأكثر الأنبياء - عليهم السلام - من بيت المقدس وفيه دفنوا .

[[ ولا يعني بيت المقدس داخل السور ، لا ... فبيت المقدس وما بورك حوله يشمل أيضا أرض الشام على أغلب الروايات ]] .

{{ ثالث الحرمين }} : قال - صلى الله عليه وسلم - :

{{ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى }} رواه الشيخان . يعني أحد المساجد الثلاث التي تشد لها الرحال ، تنوي في السفر أنك تريد أن تصلي في ذلك المسجد ، ولا يجوز لك أن تنوي سفر الصلاة في أي مسجد إلا هذه المساجد الثلاث {{المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى }}

[[ مادام تُشد له الرحال فله ميزة وفضل مضاعفة الصلاة فيه ]]

الصلاة في بيت المقدس قيل إنها تعادل {{ 500 صلاة }} كما رُوي في بعض الحديث. ففي أي مكان تُصلى الفريضة بفريضة ، وإذا كانت مع جماعة ٢٧ درجة ، ولكن صلاة في المسجد الأقصى ، تسجل لك أجر {{ ٥٠٠ صلاة }}

كأنك صليت ٥٠٠ فرض ، وإذا صليت بالأقصى جماعة تضرب {{ ٥٠٠ × ٢٧ = ١٣،٥٠٠ }} ، و الله يضاعف لمن يشاء .
{{ مدينة السلام }} : لأن الله عزوجل جعل فيه الأنبياء ، والسلام من الملائكة عليهم هابط ، وصاعد فهو مدينة السلام .
{{ قبلة الأنبياء }} : كل الأنبياء كانت قبلتهم إليه ، ونبينا كان يتوجه إليه قبل أن تتغير القبلة إلى الكعبة بنص قرآني .

[[ كان يستقبل بصلاته المسجد الأقصى مدة {{ ١٦ شهرا }} ، فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ]] .
{{ أرض المحشر }} : حيث يقف إسرافيل وينفخ بالبوق ، فتخرج الناس من أجداثها للقاء الله ، يكون نقطة تجمع الناس في بيت المقدس ، والناس تنتشر فسمي أرض المحشر .

{{ موطن الحق }} : يقول - صلى الله عليه وسلم - : {{ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ... }}
[[ وفي رواية عند أصحاب السنن فيها زيادة ]] أنهم سألوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أين هم يا رسول الله ؟؟

قال : في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس .. لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله .
__________

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
11-09-20, 08:08 AM
هذا الحبيب « 93 »
السيرة النبوية العطرة (( استقبال قريش خبر الإسراء والمعراج ))
________
رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بيته الذي خرج منه - بيت أم هانئ- قالت أم هانئ : فقدتك في الليل فلم أجدك !!

[[ لأنهم كانوا يخافون عليه ، وقد اشتد أذى قريش له ]] . فقدتك فلم أجدك أين كنت ؟ قال : يا أم هانئ ، لقد أسري بي الليلة ، إلى بيت المقدس وعُرج بي إلى السماء ، واجتمعت بالأنبياء جميعهم ، وفرض الله علي وعلى أمتي خمس صلوات في اليوم والليلة ، وها أنا قد عدت إليكم .

فأمسكت به رغبة ورهبة [[ رغبة محبة بالبشرى التي يحملها ولايتحملها عقل ، ورهبة خوفا من قريش أن يكذبوه فإنّ العقل لا يتحمل ذلك ]] ، قالت : بأبي وأمي أنت ؛ أمحدث قومك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : لا تفعل فإنّهم مكذبوك . فقال : والله سأحدثهم ولو كذبوني .
وهذا درس لجميع الدعاة ،أن يبلغوا أمانة الله إن رضي الناس عنهم أو غضبوا. يقول - صلى الله عليه وسلم - {{ ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس }} .

فجلس - صلى الله عليه وسلم - في داره حتى أشرقت الشمس ، ثم ذهب إلى الكعبة وجلس في حجرها ، وكان مسروراً لما جرى له من تكريم الله له ، كان جالسا ... وبدأت قريش تستيقظ من نومها ، وسبحان من ساق إليه فرعون هذه الأمّة !! أبو جهل كان أول واحد يقابل النبي قبل غيره ، مر به ورآه جالساً ، فقال : ها يا محمد ، هل من جديد ؟

[[ يعني في شيء جديد عندك ؛ يعني يسأل باستهزاء ]] ؟؟ قال : نعم . فقال أبو جهل : هاتِ ما عندك . فقال له – صلى الله عليه وسلم : لقد أسري بي الليلة إلى بيت المقدس ، واجتمعت بالأنبياء، وصليت بهم .

قال أبو جهل : الليلة ؟! قال له : نعم . قال أبو جهل : وعدت إلينا قبل أن يطلع النهار ؟!! قال : نعم . فذُهل أبو جهل ، " وخاف إن هو فارق النبي كي يُحدث الناس بما يقول ، أن يرجع إلى النبي فيرجع النبي عن أقواله ، فيُكذب أبو جهل ، فلم يحرك قدميه من مكانهما " وبقي واقفا مكانه أمام النبي قائلا: يا محمد، و إن اجتمع عليك قومك ؛ هل تحدثهم بما حدثتني ؟

قال : نعم . فصاح أبو جهل بأعلى صوته : يا آل بني لؤي .. يا آل بني كعب .. يا آل بني فهر ... نادى لكل قريش ]] . فهُرع الناس وأخذوا يجتمعون .

قالوا : ويحك ماذا بك يا أبا الحكم ؟ ! قال : اسمعوا محمدا ماذا يقول ؟!! فحدثهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بما قال لأبي جهل، فقاطعه أبو جهل ، و قاطعه الناس قائلين:عدت إلى مكة قبل أن يطلع النهار!!؟ قال : نعم ... يقول الصحابة [[ حيث كانوا واقفين بين الناس ]]

يقول الصحابة : ف راع قريشا الخبر ، فهم بين مصفق ومصفر وواضع يده على رأسه [[ وهذه من عادة العرب، من كبر المسألة يضع يده على رأسه، يعني وااااال ]] ،وبين واضع يده على خاصرته، أي انصدموا وهنا أسرع أبو جهل ، يبحث عن أبي بكر الصديق لكي يخبره ، ماذا يقول صاحبه محمد .
أسرع أبو جهل يبحث عن أبي بكر الصديق ، حتى إذا لقيه قال : يا أبا بكر، أبلغك ما يقول صاحبك اليوم ؟؟

قال : ماذا يقول ؟ قال : يزعم أنه قد أتى بيت المقدس الليلة! ورجع في جزء من الليل قبل أن يطلع النهار! [[ انظروا إلى جمال و فصاحة أبي بكر ، الكيّس الفّطن الذي ترجم بأعماله وأقواله تعاليم الدين ، قبل أن يتعلمها ، ترجم الإيمان قبل العلم به قبل أن تنزل الآية من القرآن

{{ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا }} ، وأبو جهل أكثر من فاسق ، وجاء بخبر لا يقبله العقل وليست العاطفة التي سوف تحكم أبا بكر . أبو بكر أراد أن يستوثق ، من كلام أبي جهل حتى لا يجعل الدين ألعوبة :[[ يحكيله اه صدق وبعد شوي يطلع أبو جهل كذاب ]] !! فماذا قال أبو بكر ؟؟

أحدثك رسول الله بهذا ؟
[[ أريتم سؤاله ؟؟

لم يتسرّع في الإجابة ، هكذا المسلم الفطن ، وهكذا قال الصحابة .. أوتينا الإيمان قبل القرآن .. القرآن لم ينزل كاملا بعد ، وهناك كثير من الفرائض لم تفرض بعد .. ولكن إيمان الصحابة كامل ، ونحن في زماننا : جدال و مناكفات ، نختم برمضان القرآن ٤ مرات و٦ و١٢ مرة ونتسابق ، و نعمل جوائز !! ولا نفهم من آياته إلا القليل القليل ]] ، أبو بكر ترجم الإيمان قبل العلم ، قال : أحدثك رسول الله بهذا ؟ قال : نعم . وهو الآن عند قومك يحدثهم هذا الحديث . فقال أبو بكر الصديق :
{{ إن كان رسول الله قد قاله ، فقد صدق ، فإنّي أصدقه بما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء يأتي في غداوة أو رواحة }}

ومضى أبو بكر حتى جاء الكعبة ، وقد تجمع الناس حول الرسول - صلى الله عليه وسلم - واخترق جموع الناس متقدماً إلى النبي وقد ، استوثق من الخبر ، وأصبحت المسألة عنده يقيناً ، تقدم إلى النبي ولم يسأله ، تقدم أبو بكر من غير أن يتكلم بكلمة واحدة ،وأمسك برأس النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبّله أمام هذه الجموع كلها، وصافحه ، وصاح أمام الجموع وهو مبتسم : هنيئا لك رحلتك المباركة يا رسول الله .

{{ فسمي الصديق من ذلك اليوم }} ،ومنه نتعلم أيضا الإيمان بالغيب طالما صحّ فيه خبر، رضي الله عنك وأرضاك يا حبيبنا يا أبا بكر، ما أروعك ! وما أعظم موقفك !
بعد ما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - قريشا برحلة الإسراء ، طلبوا منه أن يصف لهم المسجد الأقصى ، ووافق وصفه للمسجد ، ثم طلبوا منه أن يخبرهم عن قافلتهم القادمة من الشام ، فوافق كلامه عن القافلة كل الوصف ، فما كان من أبي جهل إلا أن قال : أشهد يا محمد أنك ساحر!!!

[[ وهذه صفة الكفار دائما : التكذيب للعقيدة و السخرية منها ]] !!!
انظروا كم عانى الرسول – صلى الله عليه وسلم – من الكفار !!
__________________

( اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم )

عطاء دائم
11-09-20, 08:10 AM
هذا الحبيب « 94 »

السيرة النبوية العطرة (( تحديد أوقات الصلاة ))
___________

فرضت الصلاة ؛ ولكن لم تُحدد كم ركعة ، ولم تُحدد أوقاتها في اليوم الثاني، جاءه جبريل عليه السلام عندما زالت الشمس عن كبد السماء قليلا ،[[ عندما تصبح الشمس في وسط السماء يسمى وقت الاستواء ، ويكون لا ظل لشيء على الأرض ، ظل كل شيء تحته لأن الشمس عامودية ]] .

قال : يا محمد قم فصلّ ، فتوضأ النبي - صلى الله عليه وسلم -وصلى به جبريل إماما [[ للتعليم ]] ، وعلمه أن هذا الوقت وقت الظهر، وهو أربع ركعات ثم مضى . حتى إذا أصبح ظل كل شيء مثله جاء جبريل ، وقال له : قم فصلّ ، فصلى به أربع ركعات وقال له : هذا وقت العصر أربع ركعات، ثم مضى .

حتى إذا سقط قرص الشمس [[ أي وقت الغروب ]] ، فجاء إليه جبريل ، وقال له : قم فصلّ يا محمد ، وصلى به ثلاث ركعات ، وقال له جبريل : هذا وقت المغرب يا محمد ، ثم ذهب. حتى إذا غاب الشفق وبدأت العتمة ،جاء فصلى به العشاء أربع ركعات، ثم مضى 0حتى إذا كان الفجر ، جاءه جبريل ، وأيقظه قائلا: قم فصلّ ، فصلى به الفجر ركعتين ، ثم ذهب .

في اليوم الثاني لم يأت جبريل ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم ينتظره وقت الظهر ، وقبل العصر جاء جبريل ، فصلى به الظهر [[ لكي يعلمه ، كم معك مدة من الوقت لكل صلاة ]]

ثم ذهب حتى كادت الشمس أن تسقط قبل الغروب بقليل ( وقت الاصفرار) جاءه فقال له : قم فصلّ وصلى به العصر ، فلما غابت الشمس تماماً ،جاء فصلى به المغرب [[ وعلمه أن المغرب وقته واحد ]] ،

ثم ذهب حتى مضى ثلث الليل الأول ، وقارب على النصف ، جاءه وصلى به العشاء ثم ذهب . حتى إذا كان الفجر، لم يأت جبريل حتى أسفر الضوء ، وأصبح الرجل يقول للرجل أصبحت .. أصبحت ، ولكن قبل شروق الشمس

[[ يسمى الإسفار لأن النور قد أسفر عن الظلمة وصار الشخص يعرف ما يرى ]]، فجاء وصلى به الفجر، وقال جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم -

يا محمد : {{ هذا وقتك ووقت أمتك وبين الوقتين لك وقت }}
فتعلم الصحابة أوقات الصلاة دون الحاجة إلى ساعة التوقيت .
أما اليوم لا داعي لمعرفة {{ الظل والقياس }}، الوقت إذا رفع الأذان ، ومالم يأت الأذان الثاني، معك وقت .
__________________

( اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم )

عطاء دائم
11-12-20, 08:01 AM
هذا الحبيب « 95 »
السيرة النبوية العطرة (( مفاوضات مع القبائل و قرار الهجرة جزء1 ))
________

نظرة عامة لوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - الآن في مكة
قلنا إنّ العام {{ العاشر }} من البعثة أطلق عليه عام الحزن [[ تخيلوا عشرة أعوام و في كل يوم منها استهزاء بدعوته وأذى في الطريق،في السوق ،عند الكعبة ، وتعب نفسي ، وحصار ....الخ ]] .

في هذا العام فقد النبي - صلى الله عليه وسلم - عمه {{ أبا طالب }} الذي كان يوفر له الحماية من بطش قريش و زوجته {{ السيدة خديجة - رضي الله عنها - }} التي كان يأوي إليها .

اشتد جداً ايذاء قريش للرسول - صلى الله عليه وسلم - وللمسلمين ، حتى قال : {{ ما نالت منى قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب }} .
لا أحد من أهل مكة يريد أن يدخل في الإسلام ، ومن يدخل في الاسلام يكتم إيمانه خوفاً من بطش قريش .

استطاعت قريش ، تشويه صورة النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة وخارج مكة ، فإذا جاء أحد من خارج مكة ،كانت قريش تحذره من الرسول
وتقول : هناك رجل ساحر اسمه {{ محمد بن عبد الله }} إذا سمعت كلامه يسحرك ، ويفرق بينك وبين قومك ، وبين أبيك وأمك وزوجتك .
حتى وصل الأمر أنه كان إذا أراد الرجل أن يسافر إلى مكة من أي مكان في الجزيرة ، يحذره قومه من النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون له : {{ احذر غلام قريش لا يفتننك }} .

أصبح الوضع في مكة صعبا جداً ، وضاق الأمر !!

في هذا الوقت بدء النبي - صلى الله عليه وسلم - يفكر في الهجرة من مكة
يجب أن يترك مكة ، هو ومن معه من المسلمين ، ويذهبون إلى مدينة أخرى تكون مركزا للدعوة إلى الله ، فالرسول يريد أن يبلغ الإسلام ليس لأهل مكة فقط ، بل {{ للناس كافة }}

مهمة ليست بالسهلة أبداً أبداً أبدا ، فقرر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعرض الإسلام ، على رؤساء القبائل خارج مكة في موسم الحج والمواسم التجارية ، بالرغم من كل ما سيتعرض له من إيذاء قريش ، وكانت كل قبائل العرب تأتي إلى مكة في موسم الحج ، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينتهز هذه الفرصة في عرض الإسلام على تلك القبائل .

وكانت هناك أسواق معروفة للعرب ثابتة ، يأتيها كل العرب من كل أنحاء الجزيرة العربية ، وفيها سلع مختلفة ، فكان - صلى الله عليه وسلم - يذهب أيضا إلى هذه الأسواق حتى يلتقي بالعرب من كل أنحاء الجزيرة . كان يقف في الأسواق يقول : هل من رجل يحملني إلى قومه فيمنعني حتى أبلغ رسالة ربي، فإنّ قريشاً قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي ؟ وكان طلبه من هذه القبائل واضحا وهو {{ الإيواء ، والنصرة ، حتى يبلغ كلام الله }} .

وفي يوم من الأيام وقف - صلى الله عليه وسلم - وقال :{{ يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا }} ،فمنهم من تفل في وجهه ، ومنهم من حثا عليه التراب ،ومنهم من سبه ، حتى انتصف النهار فأقبلت ابنته زينب - رضي الله عنها وأرضاها - ومعها الماء ، فغسل وجهه ويديه ، وهو ينظر إلى الدمعة في عينيها من حزنها على أبيها - صلى الله عليه وسلم - قال : يا بنية {{ لا تخشي على أبيك غلبة ولا ذلة }} يصبرها ، فالأب لا يتحمل دمعة من ابنته ، صلى الله عليك يا حبيبي يا رسول الله .

[[ هذا حبيب الله يا أمة محمد ، يا من تتباكون عند أول بلاء ، انظروا كم تحمل - صلى الله عليه وسلم - !!! من يتحمل من الخلق كلهم ما تحمله حبيب القلوب وحبيب الله - صلى الله عليه وسلم - ؟؟؟ والبعض يقول :

" يا رب ايش عاملك أنا حتى تعمل معي هيك " ؟؟ ]]

حرب إعلامية في كل الجزيرة العربية ضد الرسول – صلى الله عليه وسلم - ورفضت القبائل دعوته رفضا عنيفا يصل إلى السب والبصق ، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم – أحيانا يسافر لمقابلة بعض القبائل في أماكنها خارج مكة سرا في الليل، كما فعل مع الطائف . ومن القبائل التي ذهب اليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبائل {{ كلب وبني حنيفة وبني عامر وغيرهم }} ،حتى إن المفاوضات مع قبيلة {{ بني عامر وهي من أكبر خمس قبائل في الجزيرة}}

كانت ستنجح ، فقد عرض عليهم الإسلام ، فقال رجل منهم اسمه {{ بيحرة بن فراس }} وقد أُعجب بكلامه : والله لو أني أخذت هذا الفتى لأكلت به العرب [[ يعني لو تكفلته ، لانتصرت على جميع العرب]] ، ثم نظر للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقال له : أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟؟

[[ يعني إذا بايعناك وأصبحت ملكا من الملوك العظام ، توعدنا أن نكون خلفاءك في الملك ؟؟؟ ]] فقال له - صلى الله عليه وسلم - :{{ الأمر لله يضعه حيث يشاء }} .فقال له : أَفَنُهدفُ نحورنا للعرب دونك [[ يعني نتعرض للموت بالدفاع عنك ]] فإذا أظهرك الله كانت الإمارة لغيرنا ؟ لا حاجة لنا بأمرك . فالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو من رفض {{ بني عامر }}، بالرغم من أنها قبيلة قوية كثيرة العدد، لأن نية {{ بني عامر}} كانت السلطة والسيطرة على العرب ، وليست لوجه الله تعالى .

كثير من الناس يستعجلون في تحقيق الهدف ، ويكون الأساس غير سليم ، فيجدوا أنفسهم قد عادوا إلى نقطة الصفر .

( اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم )

عطاء دائم
11-12-20, 08:03 AM
هذا الحبيب « 96 »
السيرة النبوية العطرة (( مفاوضات مع القبائل وقرار الهجرة جزء 2 ))
________

المفاوضات مع قبيلة {{ بني شيبان }}
وقد خرج اليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكان معه {{ أبو بكر الصديق و علي بن ابي طالب }} ، يقول علي بن ابي طالب - رضي الله عنه - : خرجنا حتى وصلنا إلى مجلس عليه السكينة والوقار، [[ يعني وجدوا رجالا جالسين ، لا يعرفون من أية قبيلة ، ولكن يكسوهم الوقار والهيبة ]] فقال أبو بكر لهم : من القوم ؟؟ قالوا: من قبيلة {{ شيبان بن ثعلبة }} ، فالتفت أبو بكر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: بأبي وأمي ، هؤلاء غُرَر الناس [[ يعني كبار القبيلة ]] ، وكان يجلس بينهم رجل اسمه {{ مفروق }} .

يقول علي - رضي الله عنه - كان مفروق قد غلبهم لسانا وجمالاً ، فاستأذنوا بالجلوس ، فجلس أبو بكر بجانب {{ مفروق }} فقال أبو بكر- رضي الله عنه - لمفروق : كيف العدد فيكم ؟ فقال مفروق: إنا لا نزيد على الألف ولن تُغلب ألف من قلة [[ لأنه فهم أنهم يريدون المساعدة ]] ، فقال أبو بكر: وكيف المنعة فيكم؟ فقال مفروق :

إنا لأشد ما نكون غضباً حين نُلقى [[ أي حين القتال ]] وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد ، [[ يعني الاهتمام بمعدات القتال أهم من أولادنا ]] ، ونؤثر السلاح على اللقاح ، [[ أي نهتم بالسلاح أكثر من اهتمامنا بالنوم مع النساء " أريتم يا خير أمة ؟! مع أنهم قوم أهل جاهلية، لكن ما يبيع ما فوقه وتحته مشان بنت حكت معاه كلمتين حلوين ، ويخرب بيته وبيت أولاده ، قال شو ؟؟ نزوة !!! ]]
ثم قال مفروق لأبي بكر: لعلك أخو قريش؟

[[ أ أنت ذلك الرجل الذي تتكلم عنه قريش و انتشر خبره بأنه نبي ؟؟ ]] فقال أبو بكر: فها هو ذا ؛ وأشار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فالتفت مفروق إلى رسول الله قائلا : إلام تدعونا يا أخا قريش؟ فقال له الرسول : {{ أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأني عبد الله ورسوله، وإلى أن تؤووني وتنصروني، فإنّ قريشا قد تظاهرت على الله، وكذبت رسوله ، واستغنت بالباطل عن الحق، والله هو الغني الحميد }} فقال مفروق : وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش؟

فتلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى :
" قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"


فلما سمع مفروق كلام الله ذُهل وتأثر وقال : دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك ، وظاهروا عليك ... فوالله ما سمعت كلاما أحسن من هذا!! ثم نظر مفروق إلى شيخهم وقال : يا أخا قريش ، هذا {{ هانئ بن قبيصة}} وهو شيخنا ، فقال هانئ:

قد سمعت مقالتك يا أخا قريش ، وإني أرى تركنا ديننا واتباعنا دينك لمجلس جلست إلينا ، لذل في الرأي، وإن الزلة مع العجلة، يعني : [[ يعني أنا سمعت كلامك بس من جلسة واحدة لا ينفع أخذ القرار فيه ]] ، وإنا نكره أن نعقد على من ورائنا عقدا
[[ لا يجوز أن نتفق معك ، ولم نأخذ رأي قومنا ]] ، ولكن نرجع وترجع وننظر.

ثم نظر هانئ إلى رجل آخر يجلس معهم ليشاركهم الحديث ، وهو{{ المثنى بن حارثة ، وقد أسلم بعد ذلك }} قال : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش ، والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة ،[[ يعني هانئ قال الصواب ]] ، ونحن نزلنا بين صَرَيَين أحدهما اليمامة والآخر السَّمامة ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما هذان الصريان ؟؟ قال: أنهار كسرى، ومياه العرب .

[[ بمعنى يقول للنبي : نحن عايشين في منطقة بين نارين ، بين كسرى وبين العرب ]] ، فأما ما كان من أنهار كسرى ، فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى، أن لا نحدث حدثًا ولا نؤوي محدثا ، [[ يعني قومنا عايشين بعضهم بأراضي كسرى والبعض الآخر بأراضي العرب ، مثل ما بنقول على الحدود ، وكسرى ما بيرحم ، وعاهدناه أن لا نؤي أحدا يوجع رأسنا ورأسه ]] .

وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا أخا قريش مما تكره الملوك ، [[ يعني إذا سمع فيك كسرى وبدينك ما بيعجبه ، أنت تدعو إلى " كلكم من آدم وآدم من تراب ، وكلنا سواسية " و الملوك ما بيعجبهم إلا السيد سيد والخادم خادم ]] ، فإنّ أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا .

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أعجب بكلامهم :
{{ ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه }} ، ثم بشرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : {{ أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً ، حتى


يورثكم الله تعالى أرضهم وديارهم ويفرشكم نساءهم، تسبحون الله وتقدسون }} . فقالوا : اللهم فلك ذاك .

وقد كان ذلك - صلى الله وسلم عليك يا حبيبي يا صادقا الوعد .
كان موقف {{ بنى شيبان }} فيه وضوح وتعظيم للنبي - صلى الله عليه وسلم – فقد عرضوا على النبي حماية جزئية ، وموقفهم جميل وعاقل .
يتبع ... وفد المدينة المنورة التي منها سيسطع النور المحمّدي ...

( اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم )

عطاء دائم
11-13-20, 07:41 AM
هذا الحبيب « 97 »

السيرة النبوية العطرة (( بيعة العقبة الأولى ))
________
سقطت قريش كلها من عين النبي - صلى الله عليه وسلم - فبعد كل هذه السنين ، وهو بينهم يدعوهم إلى الله لا أمل فيهم ، وأخذ - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على قبائل العرب في مواسم الحج ؛ وعمه أبو لهب يمشي وراءه ، يكذبه فتنفر الناس منه قائلين :عمه يقول عنه هذا ، فلا داعي أن نسمع ما يقول . حتى التقي - صلى الله عليه وسلم - بنفر من الرجال الذين لم يصغوا إلى أبي لهب ووقفوا يستمعون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم : من القوم ؟ قالوا : من يثرب [[ المدينة المنورة كان اسمها يثرب ]] ،فقال - صلى الله عليه وسلم - :

من الأوس أم من الخزرج ؟؟

[[ قبيلتان في يثرب ]] قالوا: من الأوس 0فقال لهم - صلى الله عليه وسلم - :هل تجلسون أكلمكم ؟؟ قالوا : بلى يا ابن سيد قومه. [[هم يعلمون أنه ابن عبد المطلب ]]، فجلسوا إليه وكان عددهم في بعض الروايات {{ سبعة رجال }} :

1_أميرهم أسعد بن زرارة 2_رافع بن مالك 3_معاذ بن عفراء 4_عوف بن الحارث 5_عبادة بن الصامت 6_عقبة بن عامر 7_ جابر بن عبدالله السلمي [[ ليس جابر بن عبد الله الصحابي المشهور برواية الحديث]]

قالوا : ماذا عندك يا أخا قريش ؟ قال : إني رسول الله إليكم ، وإلى الناس كافة ، أدعوكم إلى لا إله إلا الله ، ونبذ ما تدعون من دونه من آلهة تصنعونها بأيديكم ، ودعاهم إلى الإسلام وأخلاقه ومبادئه . فقال بعضهم لبعض متهامسين وليس على سمع النبي : أليس هذا الذي تحدثكم عنه يهود ؟؟

ويستفتحون به عليكم ؟؟ قالوا : ورب الكعبة إنه هو !!! فقالوا لبعضهم متهامسين : فلا تسبقنا إليه اليهود ، فلنؤمننّ به ، فآمنوا به - رضي الله عنه - وأرضاهم ووضعوا أيديهم بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - إيمانا فقط وليس بيعة ، [[ يعني فقط شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ]] ، وعلمهم - صلى الله عليه وسلم - شيئا من الدين .

{{ سنقف هنا قليلا عند المغضوب عليهم - اليهود - لنفهم السيرة أكثر }}
يثرب فيها ثلاث قبائل من اليهود : بني النضير، بني قينقاع ، بني قريظة يحاصرونها ، ويسكنون شمالها ، وجنوبها ، وشرقها ،أما العرب قبيلتان : {{ الأوس ، الخزرج }} وهما أبناء عمومة ،و جدهم واحد ،أمهم اسمها {{ قَيلى }} احفظوا هذا الاسم وكان اليهود ينسبون العرب لأمهم [[ فاليهود ينادون العرب في يثرب من أوس وخزرج{{ يا بني قَيلى }}

ينسبوهم إلى أمهم ]] لماذا ينسبون العرب لأمهم ؟؟ لأن اليهود أغلبهم أبناء زنا ، فلا ينتسبون إلى آبائهم ، بل ينتسبون إلى أمهاتهم وهذا طبعهم ، وعنهم أخذ العوام ، أن الرجل ينسب إلى أمه لا إلى أبيه !!

[[ قال لأن أمه مؤكدة ، هي التي حملت وولدت ، أما من أبوه ؟؟ لا ندري !! هذا الكلام عند المغضوب عليهم اليهود ، ومن قلدهم من سائر العرب ، خاصة الدجالين !! إذا أراد أن يفك السحر، يطلب اسمه واسم أمه ، لأن السحر والتعامل مع الشياطين اختصاص المغضوب عليهم ، وهم تعلموا منهم الشعوذة ]] - حسبي الله ونعم الوكيل - أما شرع الله، فيقول تعالى:

{{ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ }} .


اليهود كانوا محراك شر بين القبيلتين ، فكانت تقع بين الأوس والخزرج ، ما يقع بين الناس من خلافات في تجارتهم وفي معاملاتهم ، والعرب أصحاب شهامة و نخوة و كرم ، فكان اليهود قبل الإسلام لا يحبون أن يتحد العرب ، وهذا حالهم الآن ، " فاتّعظوا يا أمة الإسلام " ، وكانوا دائماً يوقعون العداوة ، بين الأوس والخزرج ، " كما يفعلون الآن " لأن اليهود يعلمون ، لو اجتمعت قلوب أولاد العم ، أصبحت كل اليهود أذلاء تحت أقدام الأوس والخزرج . لذلك جعل اليهود أهل يثرب من العرب يعملون بالزراعة غالبا ، أما اليهود فقد اهتموا بالعمل وتجارة المجوهرات و السلاح ، فيبيعون السلاح للأوس و الخزرج كي تشتعل الفتنة بينهم . " تماما كما يفعلون الآن " ، فنحن الآن غثاء كغثاء السّيل إلا من رحم ربّي .
وكان اليهود يخوّفونهم قائلين : غداً يُبعث النبي الخاتم ، وهو خاتم الأنبياء ورسول الله نؤمن به لأننا أهل كتاب ، وتكفرون أنتم يا أهل الأصنام ، فنقتلكم به قتل عاد وإرم ... فيخاف الأوس والخزرج [[ مساكين ]] ، حتى عرف الأوس والخزرج أوصاف نبي آخر الزمان من اليهود أنفسهم ، وصدق الله العظيم إذ قال عن اليهود : {{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ }}

لذلك سارع وفد المدينة بإعلان إسلامهم أمام الرسول صلى الله عليه و سلم .
نعود و نكمل .. ثم قال له أسعد بن زرارة : يا رسول الله ، لقد جئنا وكنا نريد أن نحالف قريشا ، على إخوتنا بعد يوم بعاث ، ماهو يوم بعاث ؟؟ [[ قبل خمس سنوات من إسلامهم ، حصل بين الأوس والخزرج قتال ، فمات كل الكبار منهم وساداتهم ، ما بقي إلا أبناؤهم الشباب ]] وقال أسعد : يا رسول الله،إن جمع الله قومنا عليك فلا أعز منك فينا . [[ أي جمع بينهم وأصلح الله قلوبهم بالمحبة ]] .
وانطلقوا إلى قومهم دعاة إلى الله ، وشرح الله صدر البعض فجاؤوا في موسم الحج الثاني و بدلا من سبعة ، تخلف من السبعة اثنان ، وصحبهم من جديد سبعة رجال آخرين ، فأصبح عددهم اثني عشر رجلا . اجتمعوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - عند العقبة ،

[[ أي عند جمرة العقبة في منى التي يرميها الحجاج في اليوم الأول ، فقط سبع جمرات ]] ، وبايعوا النبي ، وكانت بيعتهم لا تشمل جهادا [[ ركزوا على هذه النقطة ، لم يبايعهم على الجهاد ، لنر ماذا سيفعل هؤلاء الكرام في غزوة بدر ]] ، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - :

{{ تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تزنوا ، ولا تسرقوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به فهو كفارة له ، ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عذبه }} . فقالوا : قبلنا وبايعوه ، وانطلقوا إلى قومهم ، ونحن الآن في السنة {{ ١٢ من البعثة }} .

فلما انطلقوا ، بعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا نريد رجلا من أصحابك يعلمنا القرآن ويكون إمامنا في الصلاة ، [[ خافوا إذا وقف إمام من الأوس أن لا يرضى الخزرج ، وإذا كان الإمام من الخزرج أن لا يرضى الأوس، وهم حديثو العهد بالإسلام ، أحبوا أن يخرجوا من هذا المأزق ]] . فاختار لهم - صلى الله عليه وسلم - أول سفير في الإسلام {{ مصعب بن عمير - رضي الله عنه - }} ،

ومصعب أنعم فتى في قريش، و من السابقين إلى الإسلام ،عندما أسلم ، منعت أمه عنه المال ،[[ كان مصعب ، يصرف على أصحابه الشباب في مكة في سهرات السمر ، وكان يلبس أجمل الثياب ، وكان شابا منّعما بين شباب مكة كلهم ]]، فلما أسلم منعت أمه عنه المال ، وجعلته يلبس الخيش،

[[ كيس خيش ، يشقه من الأسفل و يلبسه بعنقه - رضي الله عنه - وأرضاه ، لم يعد معه ما يشتري به الثياب ]] ،
اختاره النبي أن يكون معلم الأنصار في المدينة ، فقد باع مصعب الدنيا كلها من أجل دينه ، وكان صادق الإيمان ، ولا يمكن أن تدخل الفتنة إلى قلبه رضي الله عنه . . .

عطاء دائم
11-15-20, 08:08 AM
هذا الحبيب « 98 »
السيرة النبوية العطرة (( بيعة العقبة الثانية الجزء 1))
_________
انتشر الإسلام في يثرب " المدينة المنورة لاحقا " ، ولكن ليس كل أهل يثرب دخلوا في الإسلام ؛إنما الذين دخلوا جميعهم قوم {{ سعد بن معاذ من الأوس }}؛ أما الخزرج فمنهم من أسلم ، ومنهم من لم يسلم ،ولم ينتشر الإسلام في كل بيوت الأنصار ، ولكن عددا كبيرا من أهل يثرب انتشر فيهم الإسلام ،وأقام مصعب فيها سفيراً لرسول الله يعلم الناس القرآن وتعاليم الدين .
الناس الذين دخلوا الإسلام ولم يروا نبيهم ، ولم يسمعوا صوته - صلى الله عليه وسلم - أصبحت قلوبهم تتشوق لرؤيته :

[[ إلى متى نحن آمنون مطمئنون ، ونترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة يتعرض للأذى من قريش ويعرض نفسه الكريمة على القبائل ، ألا فلنبايعه ونخرجه من مكة إلينا ]] .

تماماً كشعورنا نحن الآن ونحن نتابع السيرة ، لم نره ولم نسمع صوته - صلى الله عليه وسلم - والله يعلم ما في قلوبنا من شوق لرسول الله - صلى عليه وسلم - اللهمّ اجعله شفيعنا يوم القيامة ، واسقنا من يديه الشريفتين شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا ، حُرمنا رؤيته في الدنيا فلا تحرمنا جواره في الجنة وجوار أصحابه يا رب العالمين .

فلما كان موعد الحج [[ وهو زيارة البيت الحرام وتعظيمه و الطواف به ، وهذه عادة الحج عند العرب قبل الإسلام ]] سبقهم مصعب قبل موعد الحج إلى مكة، وأخذ ينسق بينهم وبين رسول الله ، حتى لا تشك قريش بهذا التنسيق ، فمصعب قرشي ،وهو من أهل مكة ، وأخبرهم مصعب أن يختاروا بعض الرجال منهم ، ونصحهم أن لا يكون العدد كبيرا ، حتى لا ينفضح أمرهم ، فاتفقوا أن يكون عددهم ٧٠ رجلا و امرأتين ، وهذا العدد بين أعداد الحجيج الكثيرة الذين يأتون إلى الكعبة من جميع بقاع الأرض ؛ لا يستطيع أحد من كفار قريش أن ينتبه له . وأخبرهم - صلى الله عليه وسلم - على لسان مصعب أن موعدهم عند جمرة العقبة ( بعيدا عن عيون قريش ) .

سنرى الآن حكمة رسول الله في هذه المباحثات وأخذه بالأسباب
قال : يا مصعب ، قل لهم إذا مضى الثلث الأول من الليل ، والناس قد ناموا ، فلا تنتظروا غائبا ولا توقظوا نائما ، وليتسللوا إلى العقبة تسلل القطا ، فإنّ عليهم من قريش عينا .

[[ لم يكن نبينا - صلى الله عليه وسلم - صيادا ، وسبحان الذي علمه ، فالقطا نوع من الطيور معروف بين الصيادين بكثرة حذرها من الصيد ؛ حيث لا تنام كما ينام الطير، بل تقف على رجل واحدة ، وتأخذ بالرجل الثانية حصى ، حتى إذا غطت بالنوم ، ترتخي المفاصل ، فتسقط الحصى ، فتستيقظ من نومها ، فتطير وتغير موقعها ]] . تم تحديد الموعد ، وكان موعدا عجيبا ، يثبت مدى دقة واحتياط رسول الله ،وأخذه بالأسباب، وتكتم - صلى الله عليه وسلم - على الموضوع ولم يخبر إلا ثلاثة رجال {{ أبو بكر الصديق ، وعلي ، وعمه العباس }}.


يقول كعب بن مالك : فما نمنا تلك الليلة ونحن نتشوق لرؤية رسول الله لأول مرة ، حتى إذا مضى ثلث الليل ، خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله نتسلل تسلل القطا ، وكانوا يخرجون رجلا رجلا ، أو رجلين رجلين ، حتى اكتمل من الأنصار سبعون رجلا وامرأتان في موعدهم .

وجاء أيضا رسول الله في موعده ، ومعه العباس بن عبد المطلب وأبو بكر وعلي ، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر إلى فم الشعب من ناحية ،وعلي إلى فم الشعب من الناحية الأخرى ، ليعطيا إشارة إلى المسلمين ، إذا شاهدوا حركة من قريش . {{ وهذا اللقاء كان أعظم لقاء على وجه الأرض ،تغيرت فيه خريطة العالم وقامت دولة الإسلام عليه، وسقطت عروش الجبابرة وانتشر الإسلام }} .

اجتمع القوم ، قالوا : فلما مضى نصف الليل ، وإذا بالحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يُطل علينا ومعه رجل بعضنا يعرفه ، وبعضنا لا يعرفه وهو {{ العباس عم النبي ،وهو مازال على دين قريش لم يسلم ولم يعلن إسلامه }}

فقد حضر مع النبي ليطمئن على ابن أخيه ، ثم قام القوم باستقبال النبي ، وسلموا عليه، و على العباس ، واستأذن العباس بن عبد المطلب عم النبي بالحديث قائلا بما معناه : [[ إذا كنتم تريدون رسول الله أن يهاجر إليكم وأنتم تستطيعون حمايته فهو مسؤوليتكم ، وإذا لم تستطيعوا حمايته ، اتركوه في مكة فهو في حمايتنا ]] .

ثم تكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - وحمد الله ، وقرأ شيئا من القرآن ، ثم قال : أبايعكم على أن تؤمنوا بالله ، ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تمنعوني مما تمنعون منه نسائكم وأبناءكم . فقال أحدهم : أجل يا رسول الله بايعنا ، فنحن والله أبناء الحروب ، وأبناء الحلقة ورثناها كابراً عن كابر ، والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أنفسنا .

فمد يده أسعد بن زرارة وقال : بايعنا يا رسول الله ، فقام أحد رجالهم وأمسك يد أسعد وأبعدها وقال : يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟ قالوا : نعم .قال : إنكم تبايعونه على حرب الأحمر، والأس


ود من الناس [[ يعني كل أصناف البشر]] يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالاً [[ يعني بيننا وبين اليهود في المدينة حبال وصل ومعاملة]] ، فهل عفيت إن نحن فعلنا ذلك وقطعنا علاقتنا مع اليهود ثم أظهرك الله ، أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟؟؟ [[ كلام فيه صراحة وجرأة وأدب ]] .
فقال لهم - صلى الله عليه وسلم - :

{{ بل الدم الدم ، والهدم الهدم ، أنتم مني وأنا منكم ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم }} فقال الرجل : إن بايعناك على ما طلبت فماذا لنا؟ قال: لكم الجنة [[ وكأنه يبشرهم جميعاً بالجنة]]

فلم يعدهم بمال ولا جاه ولا سلطان ، فهم يبايعون الله ورسوله ،لذلك ستكون الجنة مكافأة لهم على صدقهم . فقال الرجل : إنكم تبايعون على حرب العرب قاطبة ، فإن علمتم أنكم صابرون على هذا فبايعوه وإلا فمن الآن دعوه كما قال لكم عمه . فقالوا: والله ما جئنا إلا لنبايعه على ذلك . يا رسول الله ، ابسط يدك نبايعك .

فبسط يده وبايعهم ، رجلا ، رجلا ، حتى إذا جاء دور المرأتين سأل عنهما
قالوا :_هذه أم عمارة ، وهذه أم منيع .. فبايعهم دون مصافحة ....

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
11-15-20, 08:09 AM
هذا الحبيب « 99 »

السيرة النبوية العطرة (( بيعة العقبة الثانية ، الجزء 2 النّقباء ))
_____
بعد أن تمت البيعة ، طلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم أن يختاروا {{ ١٢رجلا }} يكونون نقباء على قومهم ،[[ بمعنى أنهم يتكفلون بالمسؤولية في تنفيذ بنود هذه البيعة مع قومهم ، حتى إذا هاجر المسلمون إلى المدينة لا يجدون معارضين لهم ]]، وكانوا خليطا من الأوس و الخزرج ، وهذا يبّين عظمة الدين الإسلامي الذي جعلهم صفا واحدا بعد النزاعات التي كانت بينهم قبل الإسلام .

وقال - صلى الله عليه وسلم - للنقباء : {{ أنتم على قومكم كفلاء ، كفالة الحوارين لعيسى بن مريم ، وأنا كفيل على قومي }} أي على المهاجرين أهل مكة . ثم قال : انفضوا إلى رحالكم [[ أي تفرقوا ]] تسلل القطا كما جئتم ، لا يشعرن بكم أحد [[ أخذ بالحيطة والأسباب]] .

ولكن لأمر يريده الله ، ما إن أشرقت الشمس حتى جاءت قريش تسأل الخزرج : ما الأمر الذي اتفقوا عليه ليلاً مع محمد ؟؟ هل حالفتموه على حربنا ؟؟ يقول كعب : فأخذ بعضنا ينظر إلى بعض ، من الذي سرب الخبر ؟؟ قال كعب : وقام المشركون الذين أتوا معنا من يثرب ، ولم يعلموا بالأمر ، قاموا يقسمون لقريش باللات والعزى ، أنه لا يوجد مما تقولون شيئا [[ وهم صادقون لأنهم لم يعلموا ]] ،ثم توجهت قريش بالكلام إلى سيد الخزرج، وهو أيضاً لا يعلم بالموضوع {{ عبد الله بن سلول }}

[[ لما هاجر النبي للمدينة ، وانتشر الإسلام أصبح رئيس المنافقين ]] وسبحان من ساقه اليوم ليكون في هذا الموقع!! لأن قريشا تثق به . فقال عبد الله بن سلول : ما هذا يا قريش؟ إني زعيم قومي كما تعلمون ، ولا يخفون عليّ شيئا ، واللات والعزى ما حدث مما تذكرون أبداً قالوا صدقت يا ابن سلول ، فمثلك لا يكذب [[ المشركون يصدقون بعضهم !!!]] .

أسرع القوم بالخروج من مكة ، ولكن سرعان ما انتشر الخبر، فلقد بحثت قريش ودققت بالخبر ، حتى تأكدت أنه كانت بيعة مع محمد - صلى الله عليه وسلم - في تلك الليلة . وقد رحل أهل يثرب ، وأصبحوا على أطراف مكة ، فركب أهل قريش خيلهم ولحقوا بهم ، فأمسكوا بسعد بن عبادة [[ سعد هو سيد الخزرج ]] ،وأوثقوه بالحبال وأعادوه إلى مكة ضرباً وتوبيخاً . يقول سعد بن عبادة :
فبينما هم يضربونني ، اقترب مني رجل لا أشك أنه يكتم إيمانه

[[ يعني مسلم من مستضعفي مكة ]] فهمس في أذني قال : ويحك!! أليس بينك وبين أحد من رجال قريش عهد ؟؟ فقلت له : بلى والله إني كنت مجير {{المُطعم بن عدي }} في تجارته . قال: فناده باسمه وأنا أذهب وأبلغه ، قال : فهتفت باسم المُطعم . ثم انطلق الرجل إلى المُطعم وقال: يا مُطعم بن عدي،هناك رجل من أهل يثرب يصرخ باسمك ويقول : بينك وبينه عهد ، و إنه الآن يُضرب من قريش. قال : ما اسمه ؟؟!! قال له : سعد بن عبادة . فقام المُطعم مسرعاً يجر رداءه وقال : نعم والله لقد صدق ، فذهب المُطعم وقال بيده هكذا وهكذا [[ كأنما كش القوم كشاً كالذباب ليبتعدوا عن سعد بن عبادة ]]

قال : ويلكم ! أنسيتم أن الرجل من سادة يثرب ؟ وإن تجارتكم لا تأتي إلا عليهم ؟ ابتعدوا عن الرجل . قال سعد : ففك وثاقي وأطلقني ، ثم انطلقت إلى يثرب سالماً .
هل تذكرون المطعم بن عدي ؟؟ هو الذي نقض صحيفة المقاطعة لبني هاشم ، وأجار النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما رجع من الطائف ، رجل شهم و كريم ، ولكن للأسف لم يُسلم رغم أعماله الداعمة للمسلمين.
____________

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
11-15-20, 08:10 AM
هذا الحبيب « 100 »
السيرة النبوية العطرة (( زواجه - صلى الله عليه وسلم - من سودة بنت زمعة ))
_________
الآن سندع أهل يثرب ينشرون فيها الإسلام ، وقبل أن ننتهي من العهد المكي سنرجع للوراء قليلا لبعض الأحداث التي جرت، ومنها زواجه - صلى الله عليه و سلم - بسودة وعائشة رضي الله عنهما .

بعد وفاة أم المؤمنين خديجة شعر أصحاب النبي - صلى الله عليه سلم - أن النبي قد فقد أم العيال ،وقد داخلته وحشة ، وقد أصبح بحاجة إلى سكن لكن مهمة الدعوة تشغله عن كل ذلك ، فما استطاع أحد من الصحابة أن يكلمه في موضوع الزواج .مضت سنتان من وفاة خديجة دون زواج ، حتى ذهبت إليه صحابية جليلة اسمها {{ خولة بنت حكيم السلمية }} ،

وبكل رفق وأدب ، جلست وكلمته .قالت : بأبي وأمي يا رسول الله ، أرى قد دخلتك وحشة بعد خديجة ؟! قال لها :أجل يا خولة . فقالت : بأبي وأمي ألا تفكر بالزواج ؟ فأطرق رأسه - صلى الله عليه وسلم - وبكى حتى ابتلت لحيته .وقال : ومن بعد خديجة ؟ [[ أي لا توجد واحدة تسد مكانها ]]

قالت: بنت أقرب الناس وأحبهم إليك {{ عائشة بنت أبي بكر الصديق }} أول من آمن بك وخير صاحب لك .فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: عائشة ؟! ولكنها لم تنضج بعد يا خولة! [[ وكانت عائشة على أرجح الروايات أنها تجاوزت التاسعة من عمرها ]] قالت : أخطبها من أبيها ، وتبني بها بعد ذلك ،

[[ تبني بها ، ما نسميه بعد حفل الزفاف الدخلة ]] ،

فأطرق النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : ومن للبيت والعيال يا خولة ؟
قالت : هناك أخرى يا رسول الله .قال : ومن ؟ قالت : أحببت أن أقدم لك البكر أولا ، فإن شئت فامرأة .. ثيّب . قال :ومن ؟ قالت: سودة بنت زمعة
فدمعت عين النبي صلى الله عليه وسلم .
لماذا دمعت عين النبي عند سماع اسم سودة بنت زمعة ؟ لأن مهام الدعوة شغلته عنها . . . سودة بنت زمعة امرأة مؤمنة من أهل مكة ، وزوجها ابن عمها {{ السكران بن عمرو }}

كان مسلما أيضاً ،عندهم ستة من العيال ،أسلما وكانا ممن هاجر إلى الحبشة في أول من هاجر ، ولما استقرّا في الحبشة توفى زوجها السكران ، فأصبحت سودة في غربة وترمل ، فرجعت المسكينة إلى مكة مع قوافل التجار فاقدة زوجها، وكان أبوها وأهلها ما يزالون مشركين . ولم يكن عندها تجارة أو حرفة، وليس لديها مال تنفق منه على عيالها الستة، فبقيت {{سودة}} مع أهلها و أولادها الستة وحيدة مقهورة وكانت فرصة السيدة {{ سودة }}

في الزواج تكاد تكون معدومة ، لأنها لم تكن ذات حسب وجمال .
دمعت عين النبي عندما ذكرتها خولة، ولكن موت خديجة وزيارة الطائف والحزن الذي تلقاه – صلى الله عليه وسلم – كل ذلك شغله عن حال هذه المسكينة ، فلما ذُكرت له سودة ، نزلت دموعه كيف غفل عن هذه المرأة المسكينة وهي ما زالت تقيم على إيمانها؟؟!!!


وافقت {{ سودة }} ، ووافق أبوها المشرك الطاعن في السن{{ زمعة }} قائلا : نعم الرجل محمد . وكان زواج نكاح لا سفاح ، حيث تزوجت سودة بإذن والدها ، وسُمّي المهر بحضور الشهود ، وأعلن الخبر في مكة ، وانتقلت سودة إلى بيت النبي - صلى الله عليه وسلم – وفرح أهل البيت النبوي بقدومها ، وكان في البيت {{ بناته و أم بركة حاضنته وزيد بن حارثة }} ، وجاءت سودة - رضي الله عنها - لتقوم بخدمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وترعى شؤونه ، واتخذها زوجة له ، واهتم أيضا بأبنائها .

فكان زواجه منها - صلى الله عليه وسلم - مجرد رحمة ، لأن النبي يريد أن يضمها لبيته ليرعاها، وهذا يدل على مكارم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم .
_____________

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
11-28-20, 07:50 AM
هذا الحبيب « 101 »
السيرة النبوية العطرة

(( زواجه - صلى الله عليه وسلم - من عائشة رضي الله عنها ))
_________
ذهبت خولة بنت حكيم إلى بيت أبي بكر ، تخطب ابنته عائشة - رضي الله عنها - للنبي - صلى الله عليه وسلم - في نفس اليوم الذي تزوج فيه سودة ؛ فاستقبلها أبو بكر. قالت : أي آل أبي بكر !!! أي خير وبركة ساقها الله إليكم وأدخلها الله على داركم ؟!! قال أبو بكر : وما ذاك ؟ قالت: أرسلني رسول الله ، أخطب إليه عائشة ابنتك . ودُهش أبو بكر!! النبي يطلب ابنتي ؟!! [[ وكلنا يعرف أبا بكر الصديق وعلاقته القوية بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ]] فقال : أمهليني يا خولة ، إني على عجلة من أمري، وخرج من الباب مسرعا !!! قالت خولة مستغربة : ما الأمر ؟!!


فقالت زوجة أبي بكر لخولة : يا خولة، إن أبا بكر ما قال قولا إلا وصدق به ، لقد كان المُطعِم بن عدي ، قد ذكر لأبي بكر أمر عائشة ، يريدها لابنه ، ولم يرد عليه أبو بكر بشيء . قال له :

أنت وذاك [[ يعني من هون لوقتها بصير خير .. لأنها لم تنضج بعد ]]

فخاف أبو بكر أن يكون المطعم لايزال يريدها لابنه ، ثم يزوجها للنبي فيقع في مشكلة مع المطعم .
ولما وصل أبوبكر لدار المطعم استقبلته زوجة المطعم ، وعرفت مسألته ، فقالت له : يا أبا بكر، أخاف إن زوجتُ ولدي من ابنتك أن تحمله على الدخول في دينك هذا ، ويصبح ولدي من الصابئين ! فغضب أبو بكر، ولم يرد عليها ، والتفت إلى زوجها المطعم قائلا : ماذا تقول هذه ؟!! قال المطعم : القول ما سمعت ، وإنا لنخشى ذلك يا أبا بكر . فقال أبو بكر : إذن أنا في حل من أمري .

[[ هل رأيتم سبحان الله ، قدّر الله له الأسباب . إن تصدُق الله يصدقك ]]

وخرج من عندهم ولم يجلس ولم يسلّم ، ورجع إلى خولة ، وقال :استأذني رسول الله أن أتمم الزواج . وهناك قولان في عمرعائشة عند الخطبة : البعض يقول : ٦ سنوات ، والبعض قال : كان عمرها ١٤ سنة عند الخطبة . [[ سأخصص الجزء التالي للرد على بعض الشبهات التي أثيرت على زواج النبي – صلى الله عليه وسلم – من عائشة رضي الله عنها و أرضاها ]] .

تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة وهنا نقطة مهمة ، [[ تزوجها لا يعني ، أنها انتقلت إلى داره ودخل عليها ]] ، تزوجها يعني تم الإيجاب والقبول ، وضع يده بيد أبي بكر ،وقال أبو بكر : زوجتك ابنتي وحُدّد المهر .هذا اسمه في الدين والفقه {{ زواج }} ،أما الدخول والزفاف فاسمه البناء [[ البناء هو ما يعرف اليوم ليلة الدخلة ]] .

وأعلن هذا الزواج في مكة . وهكذا تزوج النبي زواجين في يوم واحد من عائشة بنت أبي بكر ولم يدخل بها ، وبقيت في بيت والدها، ومن سودة وقد دخل بها وسكنت في بيت النبوة .
يتبع رد الشبهات في زواج عائشة رضي الله عنها . . .

_______

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
11-28-20, 07:51 AM
هذا الحبيب « 102 »
السيرة النبوية العطرة ((رد الشبهات حول زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من عائشة رضي الله عنها ))
_________
تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - من أم المؤمنين ، عائشة - رضي الله عنها - وهذا الزواج استغله أعداء الإسلام للطعن فيه . والسؤال المطروح : كم كان عمر السيدة عائشة حين تزوجها النبي ؟


القول الأول : عمر السيدة عائشة ، حين خطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ست سنوات ، و دخل بها وعمرها تسع سنوات، بدليل حديث عائشة – رضي الله عنها - الوارد في البخاري و مسلم :

{{ تزوجني النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا بنت ست سنين، وبُني بي وأنا بنت تسع سنين }} .
القول الثاني :
عمر السيدة عائشة حين خطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أربعة عشر عاما ، و تزوجها و عمرها ثمانية عشر عاما ، ودليلهم : إنهم رفضوا حديث عائشة السابق ، وقالوا : إن أحد رواة هذا الحديث وهو {{هشام بن عروة}} قال عنه مالك :

" إن حديث {{ هشام بن عروة }} بالعراق لا يقبل ، لأن حفظه للحديث بدأ يسوء في العراق " ، وإن كل المصادر التاريخية تؤكد أن أسماء بنت أبي بكر - أخت عائشة - وقت الهجرة كان عمرها سبعة وعشرين عاما ، وهي أكبر من أختها بعشر سنوات ، لذلك فإن عمر عائشة وقت الهجرة سبعة عشر عاما ، وقد خطبها النبي في السنة العاشرة من نزول الوحي ، أي قبل هجرته للمدينة بثلاث سنوات ، بمعنى أن عمرها عند الخطبة أربعة عشر عاما .

أما أنا عن نفسي ، لا ألتفت لهذا الخلاف ، ولا يوجد عندي مشكلة في هذا الموضوع ، يكفيني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – معصوم ولا يُخطئ ،
وعندما يتحدث أعداء الدين عن الفارق الكبير في العمر ، فأنا أرد على شُبهتهم بما يلي :
في بيئة مكة كان هذا الأمر عاديا جداً ، ولا يجوز أن نأخذ حدثاً في بيئة معينة وزمن معين ، ثم ننقله لبيئة جديدة وإلى زمان آخر، ثم نقيسه وننتقده ونحكم عليه بمعايير وقوانين بيئة جديدة . فنحن في عصرنا ،

البعض مثلا لا يقبل أن تتزوج ابنته قبل انتهاء تعليمها ، فتكون تقريبا في عمر الثامنة عشرة إلى الخامسة و العشرين ، في حين إن البعض الآخر يزوج ابنته وهي لم تكمل تعليمها الإبتدائي ،

أي في سن الثانية عشرة أو أقل ، فكل بيئة لها ظروفها .
كلنا تابعنا السيرة ، و قريش كانت تتمنى أن تجد شيئا واحدا تنتقد فيه رسول الله ليُشوّهوا صورته ، ومع ذلك لم يستغربوا خطبته لعائشة ولم يقولوا : كيف يخطب محمد عائشة وهي صغيرة في العمر ؟؟ !!!!

لأن هذا ليس غريبا في عرفهم ، و إلا لأقامت قريش الدنيا ولم تقعدها .

وهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - تزوج من {{ أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب }} وكان أكبر منها بخمسين عاما تقريبا .

كان زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من السيدة عائشة وهي صغيرة بالسن له هدف سام وعظيم ، وهو نقل سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبعد مرحلة ممكنة بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - وهذه حكمة إلهية ، فقدرتها على الحفظ ستكون عالية ، وهي أيضا صاحبة فطنة وذكاء ، ومُحبة للعلم والمعرفة ، وقد كانت - رضي الله عنها - منارة في التفسير و علم الحديث وعلوم أخرى ، وكان كثير من الصحابة يرجعون اليها ويستفتونها ، رضي الله عنك و أرضاك يا أم المؤمنين عائشة ، يا زوجة وحبيبة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم .

" هذه مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم - علموها لأبنائكم ، لأصحابكم ، لأقرب الناس إليكم ، انشروها فلكم الأجر ، وهي كفيلة أن تغير المسلم ، وتدخل النور إلى قلبه "

_______

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
11-29-20, 08:21 AM
هذا الحبيب « 103 »
السيرة النبوية العطرة (( بداية الهجرة : أم سلمة ))
______

رجعت قريش تنهال على المستضعفين في مكة ، بالتعذيب بعد أن اكتشفوا أن بين محمد - صلى الله عليه وسلم - و أهل يثرب مبايعة و اتفاق، فقال - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : [[ قد أٌريت دارهجرتكم ، أرض سبخة " مالحة " ذات نخيل بين حرتين ، لا أرها إلا يثرب فانطلقوا إليها ]] . فأخذ أصحابه يهاجرون جماعات وأفرادا إلى يثرب _ المدينة المنورة _ . فكان أول من هاجر من الصحابة {{ أبو سلمة وأم سلمة - رضي الله عنهما }} . تقول أم سلمة كما روى البخاري:

أراد أبو سلمة الخروج ، فجاء ببعير وأركب زوجته ، وكان معهما ولدهم سلمة ، وكان صبيا دون التميز [[ يعني بين الرابعة والخامسة من العمر ]] ،ثم قام يمشي يقود بعيره .فرآه أهل أم سلمة [[ اهل زوجته ]] فقالوا : يا أبا سلمة ، أما نفسك فقد غلبتنا عليها ،أما ابنتنا هذه ، فلا واللات لا ندعها لك تذهب بها في الأرض مشرقاً ومغرباً ، بالأمس هاجرت بها إلى الحبشة ، واليوم لا ندري أين تذهب بها ؟؟ فأنت حر في نفسك ،أما ابنتنا فدعها لنا. فأخذوا حبل البعير من يده ، ثم أخذوا أم سلمة وولدها ، ولم يلتفت لذلك أبو سلمة لأنه لا يريد أن تتعطل هجرته ، فترك زوجته والولد ، ومضى في طريقه يمشي على قدميه متجها إلى يثرب .

[[ كونوا معي مع أم سلمة ، وهي أم المؤمنين ، وزوجة النبي - صلى الله عليه وسلم - في ما بعد ، فعندما استشهد زوجها أبو سلمة بعد غزوة أحد في حمراء الأسد متأثرا بجراحه ، تزوجها - صلى الله عليه وسلم - ، وضمها تحت رعايته في بيت النبوة ]] . تقول أم سلمة : انطلق أبو سلمة إلى يثرب مهاجرا ، قالت : فلما رأى أهل زوجي أبو سلمة ما فعل أهلي أخذتهم الحمية ؛ فقالوا : أنتم أخذتم ابنتكم من ابننا ؛ فواللات والعزى لا ندع لكم الولد عندكم ، نحن أولى به . فأخذوا ولدي مني فصرخت: وا ولداه .قالت :فهمّ أهلي ليأخذوا الولد لي ؛ فتجاذبته العشيرتان ؛ فهؤلاء يجذبون ...

وهؤلاء يجذبون، حتى خلعوا يد الصبي! قالت : وغلب أهل أبي سلمة فأخذوه . وأصبح ولدي مخلوعة يده عند أهل أبيه لا أعلم من يرعاه ، وأنا محجوزة عند أهلي ، وزوجي قد هاجر إلى يثرب ، لا يعلم من أمرنا شيء فأصبحت أذهب كل صباح ، إلى أبطح مكة أبكي ولدي وزوجي .
وقد أمضيت على ذلك مدة طويلة من الزمن ، حتى وقف يوماً مقابلي ابن عم لي ، فقال حزينا لأمري: إلى متى هذا البكاء ؟؟!!لا بد من مخرج .

ومضى واثق الخطوة إلى قومه وقال : ألا تشفقون على هذه المسكينة ؟ إلى متى تحرمونها من ولدها وزوجها ؟؟ فغلبهم على الأمر حتى سمحوا لي بالخروج . فلما علم أهل أبي سلمة أن أهلي سمحوا لي بالخروج ردوا علي ولدي . قالت : فوضعت ولدي في حجري ، وأخذت بعيري وجلست عليه . فقالوا لي : مهلاً حتى تجدي قافلة وتصحبيها ، فقلت : لا ، قد لين الله قلوبكم اليوم ، فلا أدري ماذا يكون غدا ؟؟؟ [[ لذلك يا مسلم إذا هبت رياحك فاغتنمها ]] . قالت : وانطلقت لا أدري أين تقع يثرب ؟؟ ولا يرافقني أحد لا من أهلي ، ولا من أهل زوجي .

حتى إذا كنت في التنعيم [[ مسجد السيدة عائشة ، من ذهب حج أو عمرة يعرفه ]] قابلني {{ عثمان بن أبي طلحة}} ، وسبحان الله عثمان هذا [[ قُتل أبوه وإخوته الأربعة وعمه يوم أحد ، وكانوا في صف قريش ولم يقتل هو ، ورزقه الله الإسلام لأن له سابقة خير ، وانظروا من صنع معروفا كافأه الله به ]] قالت : لقيني عثمان بن أبي طلحة فقال : إلى أين يا ابنة زاد الركب ؟ [[ وأم سلمة اسمها {{ هند بنت زاد الركب }}

لماذا لُقب أبوها بزاد الركب ؟؟ لكرمه على القوافل ، كان إذا خرج في قافلة لا يسمح لأحد أن يأكل من زاده ، أو ينفق على نفسه أبداً ، فكان مصروف الركب كله عليه هو ، لذلك سمي زاد الركب ]] قالت : ألحق بزوجي حيث يسكن في يثرب . فقال : ألا يصحبك أحد ؟؟ قالت : إلا الله [[ انظروا ما أجمل الإيمان ]] فقال: مالي بهذا مترك .

[[ يعني ما بصير اتركك" هذه شهامة العرب وأخلاقهم " مع أنه مشرك إلّا أنه سيقطع مسافة ألف كيلو ذهابا و إيابا ليؤمن طريق هذه المرأة ]] قالت : فتقدم وأخذ حبل البعير ، ومشى على رجليه يقود بعيري{{ فلا والله .. ما رأيت رجلا كان أكرم منه في صحبه .. ولا أجَلَّ خلقا }} .

قالت : كان يمشي بي بالبعير ، حتى إذا رأى وقت الراحة قد وجب أجلس البعير عند شجرة ،ثم ابتعد عني حتى أنزل عن البعير ، فإذا نزلت ، رجع وأخذ البعير إلى بعيد ، وربطه في شجرة ، ثم ابتعد عني واضجع ، وأعطاني ظهره حتى أخذ راحتي [[ لأنها هي أيضا تريد أن تضجع وترتاح ]] .

[[ هل رأيتم يا شباب المسلمين!!هو مشرك ، وليس مسلما وهذه أخلاقه ، مش يطلع رأسه من شباك السيارة ، لكل بنت رايحة وجاية بالطريق ]] قالت : حتى إذا حان وقت الرحيل ، صفق بيده وقال: يا ابنة زاد الركب أقدم لك البعير [[يعني استعدي ]] ، ثم أخذ البعير وقدمه ،حتى إذا


جلست ووضعت ولدي بحجري ، جاء وأنهض البعير ومشى .
فما زال يصنع بي ذلك حتى أوصلني من مكة إلى يثرب . قالت : فلما اقتربنا ورأى نخيل يثرب قال : يا أم سلمة إن زوجك في هذه القرية ، وقد أبلغتك مأمنك .. فانطلقي راشدة . فترك بعيري ، ثم وقف ينظر حتى دخلت في نخيل قباء .. ثم رجع ماشياً على قدميه . . .
تقول ام سلمة : فلما وصلت ، وعلم أبو سلمة من أوصلني أثنى عليه بخير.

" هذه مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم - علموها لأبنائكم ، لأصحابكم ، لأقرب الناس إليكم ، انشروها فلكم الأجر ، وهي كفيلة أن تغير المسلم ، وتدخل النور إلى قلبه "

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم
_______

عطاء دائم
11-29-20, 08:23 AM
هذا الحبيب « 104 »
السيرة النبوية العطرة((الهجرة: عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ))
_________
{{ الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - }}
جاء في رواية أن عمر رضي الله عنه هاجر علانية، وهي رواية مشهورة من حديث علي بن أبي طالب ولكنها لم تأت من طرق ثابتة، وفيها أن عمر رضي الله عنه لما همَّ بالهجرة، تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى (استخرج من كنانته) في يده أسهمًا، واختصر عنزته (وهي شبه العكازة) ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعًا متمكنًا ثم أتى المقام فصلى متمكنًا، ثم وقف على أندية قريش وقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس (الأنوف)، من أراد أن تثكله أمه ويُؤَتَّم ولده، وترمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي. قال علي: فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين

[[ المسلمون الضعفاء ]] علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه . وهذه الرواية ضعّفها بعض أهل العلم .


والرواية الأقوى في خبر هجرة عمر- رضي الله عنه - ما رواه ابن إسحاق قال " : ثُمَّ خَرَجَ عُمر بْنُ الْخَطَّابِ ، وعَيَّاش بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيُّ ، حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ ، فَحَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، قَالَ: اتعَدْتُّ، لَمَّا أَرَدْنَا الْهِجْرَةَ إلَى الْمَدِينَةِ ، أَنَا وعَيَّاش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ التَّناضِبَ مِنْ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ فَوْقَ سَرِف ( بمعنى تواعدا عند هذا المكان ) و َقُلْنَا: أَيُّنَا لَمْ يُصْبِحْ عِنْدَهَا فَقَدْ حُبس فَلْيَمْضِ صَاحِبَاهُ ، قَالَ:
فَأَصْبَحْتُ أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ عِنْدَ التَّناضِب وحُبس عنا هشام " يعني أمسكوا بهشام . انتهى: من سيرة ابن هشام" (2/ 85) ، وصححه الحافظ في "الإصابة" (6/ 423)

وهنا درس يجب أن نقف عنده ، كثير من الناس يتساءل :
لماذا هاجر الرسول – صلى الله عليه وسلّم – سرا لا علنا ؟؟؟
قال تعالى :
" لَّقَدْ كان لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كان يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " فهو أسوتنا ، وسيرته {{ للتأسي والاقتداء }}.
فلو هاجر النبي علناً لكان من الواجب على جميع المؤمنين ، أن يقتدوا بنبيهم في الهجرة فيهاجروا علنا، وهذا لا يناسب الكثير من الصحابة المستضعفين ويمكن أن يلحق بهم الضرر من قريش ،ويعتمدوا على الله بغير الأخذ بالأسباب ، لذلك هاجر - صلى الله عليه وسلم - سراً ، أخذا بالأسباب والحيطة ، ورفقاً ورحمة بالمستضعفين من أمته حتى لا يلحق بهم الضرر .

يُروى أن رجلا من الأعراب جاء إلى رسول الله ، ووقف عند الخيمة وأمسك البعير وصاح : يا رسول الله .. أأعقلها .. أم أتوكل ؟؟ [[ يعني أربط رجل الجمل بالحبل ، وإلا أتركها وأتوكل على الله ]] ؟؟ فقال له - صلى الله عليه وسلم - : {{ اعقلها وتوكل }} ، يعني الاثنان مع بعضهما؛ خذ بالأسباب وتوكل على الله .

" هذه مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم - علموها لأبنائكم ، لأصحابكم ، لأقرب الناس إليكم ، انشروها فلكم الأجر ، وهي كفيلة أن تغير المسلم ، وتدخل النور إلى قلبه "

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
12-01-20, 07:46 AM
هذا الحبيب « 105 »
السيرة النبوية العطرة

(( هجرة الصحابي الجليل صهيب بن سنان الرومي/ أبو يحيى ))
________
لما خرج النبي في هجرته مع أبي بكر الصديق ، أعلنت قريش جائزة كبرى لمن يأتي بهما ، [[ ١٠٠ ناقة من حمر النعم ، لمن يرد محمدا علينا ،حياً كان أو ميتاً ، فإن رد الاثنين فله بكل واحد ١٠٠ ناقة ، الناقة من حمر النعم في أيامنا هذه تعدل أغلى سيارة موديل السنة ، يعني ١٠٠ سيارة موديل السنة !!! ]]
فانتشرت الناس في كل مكان باحثين عنهما حُبّا في الجائزة . و كان في مكة رجل اسمه {{صهيب الرومي وهو صحابي جليل}} فلما سمع صهيب الخبر ، أراد أن يلحق النبي في هجرته ، وأن يكون مدافعا عنه إذا تعرض له خطر .

و صهيب كانت تعترف له مكة كلها ، بأنه أرماهم فيها ، [[ يعني كان إذا شد قوسه ، ووضع السهم فيه لا يخطئ سهمه ولو كان في خاتم ]] قال : فهممت أن ألحق بالنبي ،فأمسكني فتيان قريش [[ والكثرة تغلب الشجاعة ]] وحبسوني أياما عندهم يتناوبون حراستي ، فقمت ليلة أتظاهرأني مريض . فقال بعضهم لبعض : لقد شغله اليوم بطنه فناموا .

[[رجل ممغوص ، بطنه تؤلمه لا يستطيع السفر ]] . قال : فلما ناموا ، تسللت وركبت بعيري ، وخرجت ولم أتمكن من أخذ مالي معي ، فتركته تحت أسكفه [[ أي عتبة دار ]] وشعر بي القوم فلحق بي الرجال عند أطراف مكة .

نادوني من بعيد : انتظر يا صهيب ، لقد جئتنا صعلوكا حقيرا لا مال لك ، وعملت في مكة حتى أصبحت من أكثرنا مالاً ... [[ كان صهيب من أثرياء مكة ، ولكنه ليس مكيا ، إنما بيع في السوق مع الرقيق ، وأعتقه الذي اشتراه ، ثم تاجر معه لأنه اكتشف أن عقله تجاري ، فأصبح ذا مال كثير ]] .لا و اللات ، لا ندعك تذهب بالمال إلى يثرب ، لا واللات لا يكون هذا أبدا . قال صهيب : فعلمت مطمع القوم . . .
[[ هو ناقصهم واحد يقعد في مكة مسلم وإلا مش مسلم !! بدهم المال ، كيف أيامنا بعض الناس حياتهم كلها المال، ومثلُهم الأعلى بالحياة : معك قرش بتسوى قرش !! أحيانا أنا ما بتغلب لما أشرحلكم صفات الجاهلية ، لأنها موجودة في أيامنا عند بعض الناس وأسوأ من الجاهلية الأولى ]]

فقلت لهم : لقد استبان الأمر [[ وضحت الصورة ، فهمت عليكم ]] ، يا أهل مكة كلكم تعلمون بأني أرماكم ، فو الله الذي لا إله إلا هو .. لا أترك سهما في كنانتي إلا وضعته في قلب رجل منكم ، فإن أردتم مالي دللتكم عليه ... أما أن تحولوا بيني وبين الهجرة فالموت دون ذلك ، فإن انتهت سهامي وبقي أحد منكم أخذت سيفي وما زلت أضربكم به حتى لا يبقى بيدي إلا قائمه [[ يعني حتى يتكسر ]] ، كل هذا من أجل أن يلحق بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وبإخوانه المؤمنين .
فقالوا له : قد رضينا ، دلنا على مالك . فقال لهم : هو في مكان كذا وكذا ، وكان صادقا، وهم يعلمون أنه صادق ، ويعلمون أن من دخل دين محمد لا يكذب أبدا ، فالرسول – صلى الله عليه وسلم – هو الصادق الأمين ، و أصحابه تعلموا منه الصدق ، فعلموا أنه صادق ، فتركوه ورجعوا . فقال صهيب : {{ الحمد لله الذي صرفهم عني بحطام دنيا }} .

قال : فلما اقتربت من رسول الله ، فإذا به يضحك ويقول : بخٍ بخٍ .. ربح البيع أبا يحيى .. ربح البيع أبا يحيى .. ربح البيع أبا يحيى .. [[ كنيته ابا يحيى ]] فقلت : بأبي وأمي يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق لم يسبقني إليك أحد !! [[ ما حد كان معي ولا حد سبقني يخبرك ]]

فتلى النبي عليه قوله تعالى :
{{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد }}
يقول : فبكيت وقلت الحمد لله ... [[ أرأيتم تكريم الله له ؟! ذلك لأن صهيبا ألقى من قلبه حُطام الدنيا ]] . اللهم احفظ قلوبنا من الدنيا وأهوالها ، {{ ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إنّ سلعة الله الجنة }} .

( اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم )

عطاء دائم
12-01-20, 07:47 AM
هذا الحبيب « 106 »
السيرة النبوية العطرة (( قبل الهجرة : إسلام عمرو بن الجموح ، أحد سادة المدينة المنورة ))
________
عمرو بن الجموح ، هو سيد من سادة بني سلمة وكان موقعهم بين قباء والمدينة ، هذا الرجل أسلم ابنه واسمه {{ معاذ بن عمرو بن الجموح}} وكان له صديق قريب من عمره اسمه {{ معاذ بن جبل }} المعروف بين المسلمين ، [[ وهو المدفون الآن في الأغوار الشمالية في الأردن ]] ، معاذ بن جبل ، ومعاذ بن عمرو شابّان صادقان في إيمانهما ، عز عليهما أن يكون سيد القوم {{ عمرو بن الجموح }}

ما زال مشركا ويعبد الصنم ، حيث كان لعمرو صنم مصنوع من الخشب وقد سماه {{ مناف }} يتقرب إليه .. يحبه .. ويطلبه.. ويسجد بين يديه.


وعندما انتشر الإسلام في المدينة المنورة أسلم أولاده ، وأمهم ، ولكن {{ عمرو بن الجموح }} لا يعلم بإسلامهم فجاء أولاده ، يستشيرونه : ما رأيك بهذا الدين الجديد ؟ فقال: لست أفعل حتى أشاور مناف [[ الصنم ]] فأنظر ماذا يقول ؟؟!! أقبل عمرو يمشي بعرجته إلى مناف - وكانت إحدى رجليه أقصر من الأخرى - ثم قال : يا مناف .. قد علمت بخبر هذا القادم ، ولا يريد أحداً بسوء سواك ، وهو ينهانا عن عبادتك ، فأشِرْ عليّ يا مناف !! ثم تركه وخرج .


فلما أظلم الليل ،جاء ابنه وصديقه معاذ بن جبل و اتفقا على الذهاب إلى الصنم ليأخذاه ، ويرمياه في حفرة تكون فيها أوساخ الناس ، فلما أصبح عمرو وذهب إلى صنمه كي يعبده ، بحث عنه فلم يجده !! فخرج يسأل: من اعتدى على آلهتي الليلة ؟ فلا أحد يجيبه [[ فيضحك الشابان وينظران ماذا سيصنع ؟؟ ]]

فيبحث عنه ، فيجده مُلقى في حفرة القاذورات والنجاسات .. فيأخذه ، ويغسله ، ويطهره ، ويطيبه، ثم يرجعه إلى داره يعبده !! فإذا كانت الليلة الثانية ؛ ذهبا وأخذا الصنم ، وصنعا به كما صنعا في المرة الأولى ... فلما تكرر الفعل ، أخذ عمرو بن الجموح سيفه - وكان من السيوف النادرة الغالية - وعلقه في عنق الصنم وقال :

هذا سيفي تتفاخر به أهل يثرب ، فإن جاء من يعتدي عليك الليلة ، هذا السيف عندك فدافع عن نفسك . فلما ذهب لينام وتعمق في نومه ، ذهب الشابان إلى الصنم ، وأخذا السيف من عنقه ، ووجدا كلبا ميتا ، فأحضرا حبلا وربطا الصنم مع الكلب ، ونكسوه على رأسه في حفرة فيها وسخ الناس . فلما أصبح عمرو ، لم يجد صنمه ، فذهب مباشرة إلى الحفرة فوجده مربوطا بكلب ميت منكسا على رأسه . فنظر إليه قائلا - وقد تبين له الحق من الضلال - : والله لو كنت إلها لم تكن أنت وكلب وسط بئر !! وأعلن إسلامه .

أرأيتم العقول التي تهدي إلى الحق ؟؟ أريتم الفرق بينه وبين عمرو بن هشام [[ أبو جهل ]] كان يُسمّى أبا الحكم لحكمته بين أهل قريش، لكنه طغى وتجبّر ولم يستخدم حكمته ، بالرغم من أنه يعلم صدق محمد – صلى الله عليه وسلم – حيث قال أبو جهل مرة للأخنس :

واللات والعزى ما كذب محمد قط، وكنا نسميه الصادق الأمين ، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا ؟ ... لقد تكبّر فأعمى الله قلبه .
ولو تقدّمنا في السيرة قليلا لرأينا أنّ عمرو بن الجموح - رضي الله عنه - لم يشهد غزوة بدر ، ولما نودي لمعركة أحد أحب الخروج للجهاد ، فمنعه أبناؤه من الخروج للقتال ، وقالوا : إن الله قد عذرك ونحن نكفيك

[[ لأنه أعرج ، قالوا نحن نسد مكانك ]] ، إلا أن عمرو بن الجموح أبى إلا أن يشهد المعركة مع أبنائه ، وذهب إلى رسول الله ، فقال له النبي:

أما أنت فقد عذرك الله، ولا جهاد عليك . وألح عمرو بن الجموح في الخروج ، وبكي بين يدي رسول الله قائلا : إني لأرجو الله أن أطأ بعرجتي الجنة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم – لأبنائه : لا عليكم، لا تمنعوه ، لعل الله يرزقه الشهادة· وهذا ما حدث معه رضي الله عنه ، فقد استشهد في غزوة أحد رحمة الله عليه .

أريتم كيف كانت بداية عمرو بن الجموح ؟؟
يعبد صنما من خشب !!! وكيف كانت نهايته ؟؟ شهادة في سبيل الله ... [[ فإياكم أن تحكموا على أي شخص بمجرد المعصية ، فلا نعلم ماذا سيختم الله له به حياته ؛ فارحموا عباد الله، وادعوا لهم بالهداية، فالسيرة للتأسّي لا للتسلي ، فهي منهاج حياة ]] .

( اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم )

عطاء دائم
12-07-20, 07:14 AM
هذا الحبيب « 107 »
السيرة النبوية العطرة (( خوف قريش من هجرة النبي

- صلى الله عليه وسلم - ))
________
جاء أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يستأذن النبي أن يلحق بإخوانه المهاجرين ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : على رسلك يا أبا بكر، فإنّي أرجو أن يُؤذن لي ، فعلم أن النبي يريد الصحبة .

هاجر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - هاجر حمزة أسد الله وأسد رسوله، وهاجر عمر بن الخطاب الفاروق المؤيد بالحق من فوق سبع سماوات ،وهاجر الرجال الذين كان من الممكن أن يعتمد عليهم النبي لحمايته ولم يؤخر منهم أحدا ،فهل يا ترى اختار أبا بكر ليدافع عنه ؟ لا أبداً ، بل تكريماً لأبي بكر ، لكي ينال شرف الصحبة [[ لأنه يعلم أنه سيكون خليفته ]] كيف لا وقد ذُكر اسمه في القرآن تكريما :

{{ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثاني اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ أن اللَّهَ مَعَنَا }} لنعلم قدر أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
فحبس نفسه عن الهجرة ، لكي يصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يستعجل أبو بكر النبي إلى حين أن يأذن الله له . و اطمأنّ النبي على هجرة المسلمين وبقي من أصحاب النبي أبو بكر وعلي بن أبي طالب ، وكان علي - رضي الله عنه - فتى في الثانية و العشرين ، وكان عمر أبي بكر {{ ٥١ عاما }} وعمره عليه السلام {{ 53عاما }}

علمت قريش أن أصحاب النبي قد هاجروا، وأن يثرب أصبحت دار إسلام وكل أهل المدينة ينتظرون قدوم النبي إليها .. فجن جنونها!!! لماذا ؟؟

- هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليثرب تعني بداية دولة إسلامية في المدينة ، وفي ذلك خوف على حكم قريش في مكة .
قريش تعلم أن المدينة موقعها استراتيجي فهي

{{ تقع بين مكة والشام }} ، وهو طريق تجارة قريش، وتجارة قريش هي مصدر أموالها، فإذا قطع عليهم أهل يثرب تجارتهم ، ضاعت قريش كلها .
فقامت العرب وللمرة الأولى في تاريخ البشرية بشيء اسمه " مؤتمر " فكان أول مؤتمر يعقده العرب
{{ تحت رعاية إبليس كما ورد في بعض الروايات }}...

يتبع
_________

( اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم )

عطاء دائم
12-07-20, 07:15 AM
هذا الحبيب « 108 »
السيرة النبوية العطرة (( الهجرة : أول مؤتمر للعرب تحت رعاية إبليس ))
________
لما سمعت قريش باقتراب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم – إلى يثرب جُن جنونها ، فقررت قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - .اجتمعت قيادات قريش في دار الندوة لبحث هذا الأمر الخطير ، وكان على رأسهم :
{{ أبو جهل، أبو سفيان، أمية بن خلف، شيبة بن ربيعة، عتبة بن ربيعة }} وجميع سادات قبائل قريش،

فعقدوا {{ مؤتمرا }} ، وتكتموا على الخبر ، ولما اجتمعوا في دار الندوة يُروى في بعض الأخبار أنّ إبليس - لعنة الله عليه - حضر بصورة شيخ نجدي كبير كي لا يعرفه أحد ، ورحّب به أبو جهل ، و أجلسه في صدر المجلس كي يستأنس برأيه.

[[ فكان المؤتمر تحت رعاية إبليس . . . وما أشبه اليوم بالأمس !! ]]
وأخذوا يتداولون الرأي ، وتوصلوا للاقتراحات التالية :
قال قائل : نحبسه كما كنا نحبس الشعراء .. وننتظر حتى يموت فلا يجتمع به أحد ، ولا يجتمع هو بأحد ، فنكون قطعنا بينه وبين أصحابه وهذا تفسير قوله تعالى: " ليُثبتوك " . لكنّ القوم وعلى رأسهم إبليس رفضوا هذا القرار، فهم يعلمون حب أصحابهِ له ، ولو سمعوا أنه محبوس عندهم جاؤوا على الفور وقاتلوهم حتى ينقذوه ..

[[ ما عجبه إبليس رئيس المؤتمر ]]
فقال رجل آخر : نخرجه من مكة ، وننفيه منها ولا نبالي به أينما ذهب .
وهذا تفسير قوله تعالى: " يُخرجوك " . واعترض القوم وعلى رأسهم إبليس ، لأن الخروج من مكة هو رغبة النبي ، وربما ينزل عند أهل يثرب و تقوى شوكتهم .
قال أبو جهل : وما أكثر أبو جهل في زماننا !!! قال : نأخذ من كل قبيلة شابا قويا ذا نسب ، ثم يُعطى كل واحد منهم سيفا صارماً ، فيعمدوا إليه جميعاً ، فيضربوه ضربة رجل واحد ، فيتفرق دمه بين القبائل ، فلا يقدر بنو هاشم على حربهم جميعاً ويرضون بالعُقل .

( حيث إنهم في السابق لم يستطيعوا قتله بسبب قوة قبيلته عبد مناف ، ولم يكن الخطر كبيرا ، لكن اليوم أصبح الخوف من دولة إسلامية في يثرب ، لذلك هناك خطة جديدة ) [[ العُقل معناها الدية، وسميت بالعُقل لأنهم كانوا يعقلون الإبل، أي يربطوا ١٠٠ ناقة على باب صاحب الحق حتى يرضى ويعفو ]] فابتسم إبليس ، وفُضّ الاجتماع على هذا القرار الظالم ، والقتل هو لغة الظالمين إلى اليوم . وهذا تفسير قوله تعالى : " يقتلوك " .

لكن الله سبحانه وتعالى خبير بعباده ، فأنزل جبريل على محمد – صلى الله عليه و سلم – يُخبره بالمؤامرة ؛ ويرسم له خطة الخروج و الهجرة .
قال تعالى : {{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }}

وهُنا لفتة بلاغية في الآية تستوجب الوقوف :

- قرارات قريش : [[ يثبتوك ( يحبسونك ) ، يخرجوك ، يقتلوك ]]
- ترتيب الآية : [[ يثبتوك ( يحبسونك ) ، يقتلوك ، يخرجوك ]] فلماذا تأخر قرار الإخراج في الآية الكريمة ؟؟ حتى يعرف رسول الله - صلى الله عليه - عن الله عزوجل أن الله يختم بكلامه الحق والحقيقة : وهي أنك ستخرج وتهاجر يا نبي الله من مكة إلى المدينة ، ولن يستطيعوا إيذاءك .


نُتابع ... قال جبريل للرسول - صلى الله عليه وسلم - : لا تنم هذه الليلة في فراشك ، وانتظر حتى يكون وسط الليل ليكون الخروج .. وأخبره أن يجهز نفسه وسط النهار، فالمؤامرة كانت في الصباح ، وبعد أن ارتفع جبريل قام - صلى الله عليه وسلم - . . .

يتبع
( اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم )
_________

عطاء دائم
12-07-20, 07:17 AM
هذا الحبيب « 109 »
السيرة النبوية العطرة (( تجهيزات النبي - صلى الله عليه وسلم - للهجرة ))
________
أخبر جبريل الرسول – صلى الله عليه وسلم - بالمؤامرة ، وبعد أن ارتفع جبريل قام - صلى الله عليه وسلم - فتقنع بثوب [[ التقنع هو وضع الثوب على الرأس والالتفاف به من شدة الحر، و للتخفي والأخذ بالأسباب ]] .

وقيل إنّ التقنّع [[ خلوة صغرى بين العبد وربه ، وقد أكرم الله المرأة المحتشمة بهذه الميزة دون سائر البشر ، فيتجلى الله على قلبها ، فتشعر بالرضا والرحمة ، وتشعر بقرب الله منها وهي في قمة سعادتها ، بالرغم من المشقة أحيانا ، أنار الله طريقكنّ أيتها المحتشمات ، ولكنّ النور التام يوم القيامة بإذن الله ]] .

قام - صلى الله عليه وسلم - فتقنع بثوب ، واتجه - صلى الله عليه وسلم - إلى دار أبي بكر الصديق ليخبره. تقول عائشة رضي الله عنها :
أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها

[[ الهاجرة وقت الظهر والحر شديد ]] ، قالت : فلما رآه أبو بكر قال : بأبي وأمي أنت يا رسول الله، ما أتيت بهذه الساعة إلا لأمر حدث ؟

[[ أمر مهم ]] قالت : فلما دخل ، تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله على السرير وقال له - صلى الله عليه وسلم - : أخرج عني من عندك [[ أي أخرج من كان عندك بالدار ، يعني أريدك على انفراد كي أقول لك سرا ]] فقال أبو بكر : فداك أبي وأمي إنما هم إلا أهلك [[ يعني زوجتك عائشة وأختها اسماء ]] ما الخبر ؟

فقال : إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة . فقال أبو بكر : الصحبة يا رسول الله ؟! فقال له النبي : نعم . تقول عائشة : فأجهش أبو بكر بالبكاء ، فلا والله ما علمت أن أحدا يبكي من الفرح ، قبل أن رأيت أبي يبكي يومها .

وكان أبو بكر - رضي الله عنه - عندما أراد الهجرة وقال له النبي سابقا لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً ، قد أخذ يخطط ويستعد للهجرة ، فذهب و اشترى راحلتين ، وجعل الراحلتين عند رجل من المشركين ليرعاهما وهو

{{ عبد الله بن أريقط }} لأنه لو ترك الراحلتين عنده سيلفت الانتباه .
ثم قال أبو بكر : يا نبي الله ،إن هاتين راحلتان ، قد كنت أعددتهما لهذا اليوم، خذ واحده منهما ، فقال صلى الله عليه وسلم : ولكن بثمنها يا أبا بكر. فقال : هي لك . قال : بالثمن الذي اشتريتهما به . قال أبو بكر: نعم رضيت . فقال له النبي : وأنا قبلت . لماذا قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إنفاق أبي بكر كله قبل ذلك ولم يقبل الآن إلا أن يدفع له ثمن الراحلة ؟؟

لأنه - صلى الله عليه وسلم - أحب أن تكون هجرته لله تعالى كلها من ماله ، فرضي الصديق ، وتم البيع . . .

رضي الله عنك يا أبا بكر الصديق ، يا من بذلت مالك في سبيل الدعوة إلى الله ، وعلى المستضعفين ، فها هو يعتق بلالا الحبشي ووالدته من يد المتغطرس أمية بن خلف ، وها هو يُعتق أيضا عامر بن فهيرة ، وغيرهم وغيرهم ... حتى إن قريشا قالت :
[[ والله ما أعتق أبو بكر بلالا ودفع هذا المبلغ الضخم إلا ليد كانت له عنده فيكافئه ]]... فأنزل الله تعالى في سورة الليل آيات بحق أبي بكر ردا على قريش . قال تعالى :


" وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى "

وما لأحد عنده من نعمة تجزى ، لم يكن لبلال يد عند أبي بكر فيكافئه ... هي المحبة في الله تفعل كل شيء .


يتبع . . .

" هذه مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم - علموها لأبنائكم ، لأصحابكم ، لأقرب الناس إليكم ، انشروها فلكم الأجر ، وهي كفيلة أن تغير المسلم ، وتدخل النور إلى قلبه "

( اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم )

عطاء دائم
12-08-20, 07:22 AM
هذا الحبيب « 110 »
السيرة النبوية العطرة (( الهجرة : رد الأمانات إلى أهلها ))

. . . ثم طلب النبي من أبي بكرأن يختار له دليلا للطريق . فتشاورا، فوقع اختيارهما على عبد الله بن أريقط الذي وضع عنده أبو بكر الراحلتين . وعبد الله بن أريقط {{ رجل مشرك }} والهجرة ستكون بالسر، فما معنى أن يختار النبي - صلى الله عليه وسلم – رجلا مشركا ليكون دليله على الطريق ؟ أليس هذا إفشاء للسر ؟

هذه هي نبوءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن هذا الرجل ثقة وموضعا للسر، وأنه سيؤمن .. وبعد أن دلهم على الطريق أسلم عبد الله بن أريقط ولكنه خرج معهم وهو مشرك .

أبو بكر تاجر ، والتاجر يستطيع أن يفهم الناس ومعادن الناس .
عبدالله بن أريقط ، كان خبيرا بالصحراء محنكا ومميزا جدا بخبرته .
أعطاه أبو بكر الصديق الراحلتين ، وتواعد معه بعد ثلاثة أيام . وقال له : تلقانا في مكان كذا وقت كذا . واتفق النبي مع الصديق أن يختارا غار ثور . ورجع النبي إلى بيته ، وكان فيه علي بن أبي طالب ، وبنات النبي ، وسودة بنت زمعة زوجته . فلماذا رجع - صلى الله عليه وسلم - إلى بيته ؟؟والوقت ضيق ؟؟

رجع حتى يرتب مع {{ علي بن أبي طالب }} كيف يرد الودائع إلى أهل مكة
يقول ابن كثير في كتابه {{ السيرة النبوية }} : ولم يكن بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه ، إلا وضعه عند الرسول صلى الله عليه وسلم .

انظروا إلى كل هذا التكذيب وكل هذا الإيذاء!!! ومع ذلك ليس هناك أحد يثقوا به في مكة كلها إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - [[ لأن المال ليس فيه لعب ، نكذب الرسول ، ولكن عند وضع الأمانات والمال ، نحن نعلم أنه الصادق الأمين وليس ساحرا وليس مجنونا !! ]] !!! سبحان الله !!!

قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي : يا علي ، إني مهاجر هذه الليلة ، وعليك أن تبقى أنت من بعدي هنا ، فإنّ لقريش عندي أمانات وودائع.

صاحب الخلق العظيم ، يا سيدي يا رسول الله - صلى الله عليك وسلم - يا حبيبي يا رسول الله ، إنهم أعداؤك ، و قد وضعوا يدهم على دار كل مسلم قد هاجر ، والنبي يعلم أنهم سيأخذون داره إذا هاجر ، ومع كل هذا لم يقس هذا القياس الذي نقيسه اليوم [[ سيأخذون بيتي إذن سآخذ الأمانات منهم ]] وقد فعلوا ، وأخذ {{ عقيل بن أبي طالب}} دار الرسول ، وباعها .

إذن فقد رد الرسول – صلى الله عليه وسلم - الأمانات إلى أصحابها ، فديننا يأمرنا أن نعامل الناس بما أمرنا الله ، لا بما يعاملوننا به . فجلس - صلى الله عليه وسلم - مع {{ علي بن أبي طالب }} وقال له : هذه لفلان ، وهذه ملك فلان ، وهذه لفلان وفلان ... أخذ معه ذلك وقت طويل حتى العشاء .

وفي هذا الوقت جاءت قريش بشبابها الأقوياء، وقد حاصروا بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكامل . جاء فتيان قريش كما اتفقوا ينهالون من كل مكان إلى دار النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان في مقدمتهم زعيم الكفر أبو جهل ، وأحاطوا بالدار إحاطة السوار بالمعصم .
[[ يعني لم يتركوا منفذا أو متنفسا إلا وفيه شاب يمسك سيفا بيده ]] .

يتبع . . .

" هذه مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم - علموها لأبنائكم ، لأصحابكم ، لأقرب الناس إليكم ، انشروها فلكم الأجر ، وهي كفيلة أن تغير المسلم ، وتدخل النور إلى قلبه "

( اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم )

عطاء دائم
12-08-20, 07:24 AM
هذا الحبيب « 111 »
السيرة النبوية العطرة (( حصار بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ))
______
جاء فتيان قريش كما اتفقوا ينهالون من كل مكان إلى دار النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحاطوا بالدار إحاطة السوار بالمعصم . . وهنا يُطرح سؤال : لماذا لم يأذن الله له بالخروج قبل أن تحاصر داره هذا الحصار ؟

الجواب ، لو خرج قبل أن تحاصر الدار ، أو لو أنه حُمل على البراق إلى المدينة ، لما كانت تصلح الهجرة درسا لكل المسلمين إلى قيامة الساعة . فالدعوة تحتاج إلى تضحيات وصبر ، ورسولنا هو قدوتنا .

وبعد أن أحكم الحصار، يأتي جبريل ويقول للنبي : أخرج الآن !

[[ اخرج الآن مع هذا الحصار؟؟! كيف يخرج الآن يا جبريل ؟؟ نعم ،ألم يأخذ بالأسباب ويتوكل على الله ؟؟ وفي صدره القرآن الذي هو شفاء لكل داء ؟؟ و لتتعلم كل أمتك أنه من توكل على الله لن يخيبه الله ]] .

{{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }}
انظروا ماذا قال له جبريل مبيّنا لنا جميعا أن في القرآن اسرارا، وكلما كان قلبك مفتوحا يصب عليك من أسراره ، ولكل مجتهد نصيبه . قال له جبريل ( ورد هذا في بعض الروايات ) : يا محمد ، خذ حفنة من تراب

[[ بيت النبي ما كان فيه بلاط سيراميك ولا أرضه مفروشة موكيت ]] ، قال خذ حفنة من تراب واقرأ عليها صدر ياسين :

بسم الله الرحمن الرحيم
{{ يس (1) وَالقرآن الْحَكِيمِ (2) أنكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) أنا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إلى الْأَذْقَأن فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ }} ،

وكان أبو جهل ، يسلّي فتيان قريش في الخارج مستهزئا بالنبي ، وأثناء ضحكهم وسخريتهم ، خرج – عليه الصلاة و السلام – قائما على قدميه ، وليس متسللا ، ووضع ووضع التراب على رؤوسهم واحدا واحدا .

وقبل أن يخرج - صلى الله عليه وسلم – علّمنا درسا آخر في الأخذ بالأسباب ، و التوكل على الله ، فقد طلب من علي أن ينام في فراشه ( ورد هذا في بعض الروايات ) ، ملتحفا برد رسول الله الأخضر ، لأن قريش تنظر من خلل الباب ، حتى إذا كان الفجر علموا أنك علي ، ترد الودائع للناس وتلحق بي إلى يثرب . من هذه الكلمات وصلت الرسالة،

[[ رد الودائع ثم تلحق بي ]] فعرف علي – رضي الله عنه – أنه لن يُقتل ، وكل ذلك بتدبير الله سبحانه و تعالى .

يتبع . . .
اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
12-08-20, 07:25 AM
هذا الحبيب « 112 »
السيرة النبوية العطرة (( علي بن ابي طالب ينام على فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - ))
______

وخرج النبي متوكلا على ربه ، ثم مضى متوجهاً إلى دار الصديق ، بعد أن ترك عليا - رضي الله عنه - وأرضاه ينام في فراشه تمويها لقريش ( كما تقول بعض الروايات ) . طال الوقت على قريش في الخارج ، وقالوا : ألا نقتحم عليه ؟ لماذا ننتظر حتى الفجر ؟؟ فقال بعضهم : ماذا تقولون ؟!! إنها السبة في العرب ، أي عار هذا !!! كيف إذا تحدثت العرب وقالوا : اقتحموا في الليل على بنات عمهم في خدورهن ؟؟!!


[[ كانوا كفارا ... ولكنهم عرب ، أصحاب معدن كريم ]] .
انتظرت قريش حتى إذا كان قبيل الفجر ،جاءهم رجل بعد أن خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في منتصف الليل .. وقال : ويحكم ماذا تنتظرون ؟
قالوا: ننتظر محمدا، حتى إذا خرج قتلناه بسيوفنا . فقال لهم : قبح الله وجوهكم ، قد خرج محمد منذ ساعة وما ترك رجلا منكم ، إلا ووضع على رأسه التراب . فوضعوا أيديهم على رؤوسهم ، وإذا التراب على رؤوسهم .. وهم بين مصدقين و مكذبين ، فهم لم يناموا!! فكيف حدث ذلك؟؟!

ولمّا كان الفجر قام علي - رضي الله عنه - من الفراش ليتوضأ للصلاة .. فلما قام رأوه .. إنه علي !!!!! فقالوا : افتح يا علي . ففتح علي الباب .
[[ يا ريت نمسح من رأسنا فلم الرسالة : كسروا الباب ودخلوا ورفعوا الغطاء فوجدوه عليا ]] قالوا : يا علي أين محمد ؟

قال لهم : لا أدري .
[[ وعلي فعلاً لا يعلم أن النبي في غار ثور، فلم يخبر النبي عن خطة الهجرة إلا أبا بكر الصديق ]]

قال : لا أدري !!! [[ وهم يعلمون إذا قال أحد من أصحاب محمد لا أدري فهو صادق ، أصحاب محمد لا يكذبون ، قريش تعلم ذلك ]] .

قالوا : ويلك! قد شككنا أن محمدا هو الذي في الفراش . قالوا : يا علي، ألا تعلم أين ذهب ؟ قال : لا أدري. فتركوا عليا وانصرفوا .
وهذا درس آخر في الهجرة عن أخلاق العرب :

[[ لم يأخذوا عليا رهينة حتى يأتوا بالرسول مع أنه شارك في الخُطّة ؟؟ على العكس تماما في أيامنا : يوخذوك و يوخذوا أهلك معاك . ]] . كانوا كفارا... ولكنهم عرب ، أصحاب معدن كريم .


يتبع . . .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
12-10-20, 08:19 AM
هذا الحبيب « 113 »
السيرة النبوية العطرة (( الهجرة : غار ثور ))
__________
توجه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى صاحبه أبي بكر ، وخرجا باتجاه جبل ثور وفيه غار ثور ، وهو في الطريق يقف على مشارف مكة ، وينظر إليها ويقول عليه الصلاة و السلام : {{ والله إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله إلى الله عز وجل ، ولولا أني أُخْرِجت منك ما خرجت }} .

وتوجهوا إلى جبل ثور ، وسمي الجبل بهذا الاسم عند قريش [[ لأن من ينظر إلى الجبل من بعيد يراه كأنه في صورة رأس ثور ]] . وصعدوا إلى الجبل ، وهي مسافة كبيرة جدا [[ تحتاج لصعوده ثلاث ساعات ]] ، وهم يصعدون للجبل ، أنزل الله عليه آيات يطمئن قلبه :
{{ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ }}

وهي بشارة أنك ستعود مرة أخرى لمكة يا رسول الله . يقول أبو بكر الصديق : عندما وصلنا إلى غار ثور ، نظرت إلى قدمي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغار وقد تقطرتا دماً ، وكان الوقت ليلا ، فدخلت قبل رسول الله أستكشف المكان ،حتى لا يُصاب النبي بأذى. " جُزيت خيرا يا ورضي الله عنك " .

نعود لقريش . . . لم يجدوا محمدا في البيت ، فجن جنونهم ، وصرخ فرعون هذه الأمة أبو جهل ، واستنجد بقريش، وأخذوا يبحثون عنه في كل أجزاء مكة مستخدمين قصّاصي الأثر{{ خبراء آثار الأ قدام }} ،وينتهي الأثرعند جبل ثور ، اندهشوا !!! لماذا جبل ثور ؟؟ المهاجر من مكة للمدينة ، يجب أن يسلك جهة الشمال لأن المدينة تقع شمالا، ولكن جبل ثور يقع غرب مكة !!

[[ وكان هذا تمويها من رسول الله .. ومع ذلك فالأثر أخذهم إلى هناك ، فهم لا يكذبون أنفسهم ، فقد كانوا يعرفون الأثر لا على الرمال فقط ، حتى على الصخر ، يعرفون الأثر ]] .قالوا لخبير الأثر .. أين اتجه ؟ قال : ليس إلا إلى الجبل ، لم يأخذ يمينا ولا شمالا ، فالأثر من دار محمد ، إلى دار أبي بكر أثر واحد ، ومن دار أبي بكر إلى هنا ، أثر رجلين اثنين . فاشتعل أبو جهل من الغضب ، واتجه إلى دار أبي بكر لأن بيت أبي بكر أسهل من أن يصعدوا الجبل .

وقرع الباب بشدة !! تقول أسماء بنت أبي بكر : فتحت الباب ، وإذا أبي جهل يقف بالباب غاضبا ، قال : يا ابنة أبي بكر، أين ذهب أبوك ؟؟

قلت : والله لا أدري [[ وهي فعلاً في هذه اللحظة كانت لا تدري فبنات أبي بكر وحتى عائشة زوجة النبي لا تعلم أين يتجه النبي تلك الليلة ، إلا أنه خرج مهاجرا ... لكن جبل ثور هذا سر بين اثنين ]] . فعاد غاضبا بعد أن لطمها كما تقول بعض الروايات ، وقال لمن حوله :

اكتموها عني ( لأن هذا الفعل ليس من صفات رجولة العرب ) .

مكث الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع أبي بكر ثلاثة أيام في الغار، وكان طعامهما من السّفرة التي أحضرها معه أبو بكر . فقد روى البخاري أن أسماء - رضي الله عنها - قالت - : " صنعتُ سفرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة. قالت: فلم نجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر: والله ما أجد شيئًا أربط به إلا نطاقي، قال: فشقيه باثنين فاربطيه : واحد بالسقاء وبالآخر السفرة، ففعلت. فلذلك سميت ذات النطاقين " .
[[ النطاق الحزام ، كان ثوب المرأة فضفاضا فتربطه بقطعة قماش على خصرها ]] .

ويُروى أيضا أن عامر بن فهيرة مولى أبي بكر كان يرعى غنم أبي بكر ، ويمحو بها آثار أقدام عبد الله بن أبي بكر الذي كان يتردد على الصاحبين ، وينقل لهما أخبار قريش. وكان عامر أيضا يُريح أغنامه عند الغار فيشرب الصاحبان من لبنها .
رجعت قريش وقررت صعود الجبل . . .

يتبع . . .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
12-10-20, 08:20 AM
هذا الحبيب « 114 »
السيرة النبوية العطرة (( قريش عند غار ثور ))
______
ثم عاد أبو جهل وقريش إلى جبل ثور وقال : اصعدوا الجبل ،وصعود الجبل مهمة صعبة ، فأخذوا يصعدون الجبل في وضح النهار والشمس ساطعة ، والجو حار، صعدوا بغضب وجنون ، حتى وقفوا بباب الغار، وكان أبو بكر يسمع كلامهم ، يقول أبو بكر للنبي : " يا رسول الله ، لو نظر أحدهم موضع قدميه لرآنا " أي بمعنى [[ لو نظر واحد منهم في المكان الذي هو واقف فيه وتأمل بالغار لأبصرنا وليس " تحت قدميه " ]] . حيث ورد في بعض الروايات :

لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا ( وهذه الرواية لا تليق بنبيّنا الكريم ) قال أبو بكر : يا رسول الله لو نظر أحدهم من موضع قدميه لأبصرنا ، فقال له صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ ونزل في ذلك قرآن يُتلى :

{{ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا }} . و لما قرأ أحد الصحابة هذه الآيات أمام أبي بكر- رضي الله عنه - بعد وفاة النبي ، بكى أبو بكر بكاء شديدا حتى ابتلت لحيته ، وهو يردد ويقول : أنا صاحبه ، أنا صاحبه .

وعند الغار هناك كلام للرواة : بعض الرواة قالوا بوجود عنكبوت قد نسجت خيوطها على باب الغار،وحمامتان في عش تحتضنان بيضهما عند سقف الغار ...

مستشهدين بأنها جند من جنود الله ، أوجدها الله عند وصول قريش ليُضلّلهم ،ويُبعد الأذى عن النبي ، لذلك نزل المشركون عن جبل ثور دون الدخول في الغار . {{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ }}،

مثل الضفادع و الجراد و القُمّل التي سلّطها الله على بني إسرائيل . في المقابل أنكر رواة آخرون وجود الحمامتين ووجود العنكبوت ، حيث ضعّفوا بعض رواة القول السابق ، و قالوا إنّ الرسول في حماية الله ، ولا يحتاج إلى تلك الأقوال .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
12-12-20, 07:47 AM
هذا الحبيب « 115 »
السيرة النبوية العطرة (( الهجرة : سراقة بن مالك ))
______
رجعت قريش من غار ثور ، وكانت قد أعلنت جائزة كما قلنا :
[[ 100 ناقة في كل منهما ، لمن يردهما حيّان أو ميّتان ]] ، وأخذت قريش تبحث في كل مكان طمعا بالجائزة،والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس في الغار مدة ثلاثة أيام إلى أن خفّت حدة البحث ، فاطمأن النبي ، وقال لأبي بكر: انزل يا أبا بكر وأنظر موعد {{ عبد الله بن أريقط }} ،

حيث كانت الراحلتان معه. فنزل أبو بكر في اليوم الرابع ، واختبأ أبو بكر حتى ظهر عبدالله أولاً ، وكان أبو بكر يراقب المكان بحذر ، وكان الشرط أن يكون عبد الله دليلهم ، فلما تأكد منه قال :

انتظرني ها هنا . ثم غاب أبو بكر ورجع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وقدم إليه أحسن الناقتين ، فركبها - صلى الله عليه وسلم - وأطلق عليها اسم {{ القصواء }} وهذه الناقة التي عندما دخل المدينة ، قال لهم - النبي صلى الله عليه وسلم- دعوها إنها مأمورة .[[ يعني الله يأمرها ]]

انطلقوا جميعا ، فلما كانوا على بعد قليل من مكة ، أبصر بهم رجل من بني مدلج سيد قومه، اسمه {{ سراقة بن مالك المدلجي }} ،

حيث كان سراقة جالسا بين قومه ، والكل يتحدث عن أخبار محمد ، والجائزة لمن وجده ، فجاء شاب لاهثا من السرعة قال: يا سراقة لقد أبصرت سوادا في طريق الساحل بين الثلاثة أشخاص أو الأربعة . يا سراقة ، لا آراهم إلا محمدا وأصحابه . يقول سراقة - وقد أسلم فيما بعد رضي الله عنه -: فأشرت له أن يسكت . ثم قلت : لا .. ليس محمدا وصحبه ، هذا فلان وفلان يبحثون عن ضالة لهم ...

[[ يعني اخترع قصة من عقله للتمويه ]] يتابع سراقة قوله : وشغلت القوم بحديث آخر، ثم خرجت من مجلسي ، وركبت حصاني بعيدا عن نظر القوم ، حتى وصلت إلى طريق الساحل فرأيت محمدا وصحبه ، فدنوت منهم حتى هممت أن أرمي برمحي ، فعثرت بي فرسي فألقتني عن ظهرها ، فقمت فزجرتها ثم ركبت على ظهرها ، حتى دنوت منهم وأصبحت أسمع قراءة محمد وهو يقرأ القرآن . قال : فساخت يدا فرسي في الرمال

[[ يعني نزلت بالرمل صار الرمل طري ونزلت لحد الركب]] قال :
وتوقفت فرسي في الرمال فعلمت أن الرسول ممنوع . فقلت : يا محمد ، أنا سراقة بن مالك وها أنا قد أدركتكم ، قف أكلمكم . قال : فسمعته يقول لأبي بكر ولم يلتفت ، قل له يا أبا بكر ... ماذا تبتغي منا ؟؟


[[ طبعا حصان سراقة غاص بالأرض ]] فقال أبو بكر : ماذا تبتغي منا ؟ قال : يا محمد قد علمت أن أمرك ظاهر [[ أي أن الله منعني أن أصل إليك ، علمت أنك مؤيد من الله ]] قال : فوقف واستدار . قال : نعم يا سراقة ؟

قلت : إن معي مالا وطعاما ، فقال النبي : لا حاجة لنا بمالك ولا طعامك . قلت : يا محمد إني على يقين بأن أمرك ظاهر وإني أعلم أنك دعوت عليّ وعلى فرسي حتى ساخت في الرمال ، فادع الله أن يطلقها وسأرجع ، ولن يأتيكم مني شر أبداً ، وهذا عهد بيني وبينك .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إن كان صادقاً فأطلق له فرسه .
قال : فنفضت يداها من الرمال . يقول سراقة :

ثم قال لي رسول الله ( وهذا القول ورد في العديد من الروايات )
[[ عمّ عنا الأخبار، وإن كانت قريش جعلت لك مئة ناقة من حمر النعم، فأنا أقول لك يا سراقة : لك سواري كسرى إن أنت وفّيت ]]. وهذه بشارة بأنّ الإسلام سينتشر و ينتصر على أكبر قوة في ذلك الزمن .

[[ سواري كسرى !! شيء عظيم شخص مطارد من قومه يبشر سُراقة بسواري كسرى !!! من يستطيع أن يصل لكسرى حتى يصل لسواري كسرى ؟؟ من يستطيع أن يملك كل ذلك الذهب ؟! من يستطيع أن يواجه أعظم قوة في بلاد الفرس ؟؟ إنها النبوة .. إنه الإسلام ]] .

يقول سراقة : فلم أكذبه ، ورجعت ، وكلما وجدت شخصا أقول له : كفيت هذا الوجه ارجع و ابحث في غيره .
ومضت الأيام ورحل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى، وولي الخلافة أبو بكر الصديق ورحل إلى الرفيق الأعلى ، ثم جاء عهد عمر بن الخطاب ، وفتحت المدن وانهزم كسرى على يد سعد بن أبي وقاص ، وأرسل التاج والسوارين مع الغنائم إلى عمر بن الخطاب ... وصلت إلى المدينة ووضعها عمر في المسجد النبوي ونظر إلى سواري كسرى ، بكى عمر .. وقال أين سراقة بن مالك ؟

قالوا : رجل كبير بالسن يلزم في بيته . قال : أحضروه . فجاء سراقة يتكئ بين رجلين من الصحابة حتى دخل المسجد النبوي . فقال له عمر: يا سراقة هذا وعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك ، فأجهش سراقة بالبكاء حتى ابتلت لحيته ، ثم أعاد السوارين إلى بيت مال المسلمين .

اللهمّ بشّرنا بالنّصر على أعداء الإسلام ، و أرنا فيهم وفي كل ظالم عجائب قدرتك يا أكرم الأكرمين .

" هذه مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم - علموها لأبنائكم ، لأصحابكم ، لأقرب الناس إليكم ، انشروها فلكم الأجر ، وهي كفيلة أن تغير المسلم ، وتدخل النور إلى قلبه "

عطاء دائم
12-14-20, 08:07 AM
هذا الحبيب « 116 »
السيرة النبوية العطرة (( الهجرة .. خيمة أم معبد ))
______
مضى صلى الله عليه وسلم في هجرته ، حتى إذا وصل " القديد " كان هنالك خيمة لامرأة خزاعية كنيتها {{ أم معبد .. و اسمها عاتكة }} كانت أم معبد امرأة برزة جلدة :[[ برزة : تبرز للناس في الطريق ، وتستقبل الرجال لأنها امرأة عفيفة شريفة مسنة ، جلدة : أي قوية لا يستطيع أحد أن يدوس طرفها ]]
تختبئ بفناء خيمتها [[ أي تجلس في ساحة خيمتها ، والاختباء ، هو أن تضع قطعة قماش على ظهرها وكتفها وتجمع عليه رجليها ، يعني تلف حالها في بطانية ]]
وكانت تطعم وتسقي ، وتستضيف المسافرين وهي لا تعرفهم .. امرأة معروفة ،وكان أبو بكر صاحب القوافل والتجارة يعرفها .

فاتجهوا إلى خيمتها ، وسلم عليها -النبي صلى الله عليه وسلم - وقال : يا أم معبد ، هل عندك من طعام أو تمر نشتريه ؟ فقالت : والله لو كان عندنا شيء ما أعوزناكم [[ أي للشراء ]].

فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : يا أم معبد، هل عندك من لبن ؟ قالت : لا والله . فنظر إلى طرف الخيمة فوجد شاة .قال :ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ قالت: شاة حائل ، خلفها الجهد عن الغنم [[ يعني لم يقترب منها فحل وضعيفة ما فيها حيل تمشي وما بتقدر تلحق الأغنام ترعى معهم ]] قال :هل بها من لبن ؟ قالت : هي أجهد من ذلك . قال : أتأذنين لي في حلبها ؟ قالت : فشأنك إن رأيت منها حلبا فاحلبها !!

يقول أبو بكر : فمسح - صلى الله عليه وسلم - بيده الكريمة ظهرها وساقيها وسمى الله ، وقال : اللهم بارك لنا في شاتنا ، فاجترت [[ أي أصبحت تحرك فمها كأنها تأكل العشب ]] وتفاجت [[ تفاجت الضرع امتلأ حليبا ]] فمسحه - صلى الله عليه وسلم -وغسله بشيء من ماء ، ثم قال : إليّ يا أم معبد بوعاء . قال فأحضرت له وعاء يربض الرهط ، [[ أي وعاء كبيرا يتسع حليبا لمجموعة من الناس ]] .

فرفع ساقها - صلى الله عليه وسلم - كي يحلبها ، فحلب فيها {{ ثجاً حتى علتهُ الثّمالة }} [[ الثج : أي ينزل الحليب بقوة ويضرب الوعاء بصوت فكان الحليب ينزل بقوة ، علته الثمالة : أي تعلوه الرغوة البيضاء التي تدل على دسم الحليب ]] وشربنا جميعا ، وشبعنا ، ثم عاد إلى الشاة وحلبها مرة ثانية ، عللاً بعد نهل [[ أي زيادة لا أحد يحتاج إلى شرب ]] ، و ترك الوعاء عندها ثم ارتحل . . .

فجلست أم معبد تقلب يديها، تكلم نفسها ، وتقول : أتحلب الحائل ؟! والله إنه لأمر عجيب ،أتحلب الحائل ؟!! تقول أم معبد : فجاء أبو معبد زوجها يسوق أعنُزاً عِجافاً يتساوكنّ هِزالاً ، مُخهنّ قليل [[ يعني هزيلات ضعاف تتأرجح من الجوع ]]

يتبع ....
اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم
_______

عطاء دائم
12-14-20, 08:10 AM
هذا الحبيب « 117 » ( الجزء الأخير من العهد المكّي )
السيرة النبوية العطرة (( وصف أم معبد للرسول - صلى الله عليه وسلم -))
__________

فلما رأى أبو معبد اللبن في البيت ، قال مستغربا : من أين هذا اللبن يا أم معبد وليس لكم في البيت حالب ولا حلوب ؟ !!!

قالت : أما والله لقد مر بنا رجل مبارك قد حلب الحائل ، انظر إلى الشاة !! فنظر إلى الشاة!!! فإذا ضرعها ما زال ممتلئا بعد كل هذا الحلب !!! وقف أبو معبد مصدوما وقال : يا أم معبد ، صِفيه لي يا أم معبد.[[ أعطيني أوصافه ]] ...الآن ستصف أم معبد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصفا يعجز عنه أصحاب العلم واللغة تقول أم معبد :

قالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة: [[ حسن الثياب والنظافة ]] أبلج الوجه : [[ وجهه مشرق ، له بهجة عندما تنظر إليه ]]
حسن الخلق لم تعبه ثجلة :
[[ يعني ليس نحيلاً ، ولا ضخم البطن ،معتدل الجسم صلى الله عليه وسلم ]] ولم تزربه صلعة : [[ رأسه ليس فيه أي عيب ليس بالصغير ولا الضخم ]] وسيما قسيما : [[ حسن الوجه جميل مضيء .. قسيم يعني رجل مقسم الوجه يعني جميل كله فكل موضع من جسمه أخذ قسم من الجمال ]] في عينيه دعج :[[ عيناه - صلى الله عليه وسلم - فيهما شدة سواد سواد العين وشدة بياض بياضها ]]

وفي أشفاره وطف : [[ الرموش طويلة ولها وطف يعني من طولها لها انعطاف في أطرافها ]] في صوته صحل : [[ البحة يعني صوته ليس حادا ، صوته فيه قوة وصلابة فيه البحة الرجولية ]] وفي عنقه سطع كأن عنقه إبريق فضة . [[ رقبته فيها ارتفاع وطول ساطعة بيضاء منيرة ما عليها شوائب ، كأن عنقه الفضة من شدة نقائه وصفائه ]]

وفي لحيته كثاثة : [[ لحيته ليست طويلة ولا قصيرة ولكنها كثيفة ]]
أزج : [[ أزج حواجبه لها تقوس وطول بطرفها رقيق ]]

إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء :
[[ إذا سكت سكوته له وقار .. وإن تكلم سماه وعلاه البهاء ]]
أجمل الناس وأبهاها من بعيد ، وأحلاها وأحسنها من قريب .
[[ عندما تراه من بعيد تراه جميل وحسن وكلما اقترب منك يزداد جمال ]]
حلو المنطق ، فصلاً ، لا هذر ولا نزر :

[[ يعني لا يسرع في الكلام ، حتى لا تدخل كلماته ببعضها ، بل كلامه مفصل بين الكلمة والكلمة ، وهو ليس بكثير الكلام من غير فائدة ]]

كأن منطقه خرزات نظم ينحدرن :[[ فصيح اللسان متزن بكلامه ]]
ربعة : [[ يعني ليس بطويل زيادة ولا قصير ]]

لا تشنوه من طول ولا تقتحمه عين من قصر : [[ يعني من يراه لا يستصغره بعينه لطول زائد أو قصر زائد ]]

كأنه غصن شجرة بين غصنين . [[ تشبه صلى الله عليه وسلم بغصن جميل بين غصنين قصدها أبو بكر وعامر بن فهيرة أجمل واحد بالثلاثة وأكثرهم قدراً ]]
له رفقاء يحفون به .. إن قال سمعوا لقوله وإن أمر تبادروا إلى أمره : [[ يعني تسابقوا لطاعته ]] محشود : [[ عندما يتكلم يقفوا أمامه ويتأهبوا لأمره ]] محفود : [[ أصحابه يخدمونه بكل حب وإخلاص ]]

لا عابس : [[ بشوش ]]
ولا مفند :[[ لا يقابل أحدا بما يكره ، وقيل أيضا : كلام فيه فائدة ]]

صلى الله عليه وسلم

قال البيهقي في الدلائل وغيره من أهل السند :
كثرت غنم أم معبد ،حتى أحضرت بعضا منها إلى المدينة، فمر أبو بكر رضي الله عنه فرآها ، فعرفه ابنها لأم معبد قال : يا أمي ، هذا الرجل الذي كان مع حالب الحائل [[ هكذا أصبح اسمه عندهم حالب الحائل ]] فقامت إليه ، قالت: يا عبدالله مَن الرجل الذي كان معك ؟
قال لها : ألا تعلمين ؟
قالت : لا ، إلا إنه حالب الحائل . فقال لها : هذا رسول الله محمد بن عبدالله . قالت : أدخلني عليه ، فداه أبي وأمي . قال : فأدخلتها . فاستقبلها - صلى الله عليه وسلم - أحسن استقبال ،وأطعمها - صلى الله عليه وسلم - وأكرمها وأعلنت إسلامها رضي الله عنها وأرضاها .

الكلام الآن على لسان الكاتب :

وبهذا أكون قد ختمت السيرة {{ العهد المكي }} ،
بكل ما في هذا العهد من آلام و معاناة ، وبشارات فرح أحيانا ، وبفضل الله - عزوجل - عشنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته في مكة ، لحظات لا تنسى ، وللأمانة قد اختصرت الكثير من الأحداث و الكلام ، ولكن ما قدمته كان كافياً ليعزز الإيمان في قلوبنا بإذن الله .

هذه مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم - علموها لأبنائكم ، لأصحابكم ، لأقرب الناس إليكم ، انشروها فلكم الأجر ، وهي كفيلة أن تغير المسلم ،وتدخل النور إلى قلبه ، فالله يعلم أني كتبتها ، من قلبي المغرم بالحب لرسول - الله صلى عليه وسلم - وما خرج من القلب لا يصب إلا في القلب ، لا أريد جزاء ولا شكورا . ورحم الله معلمينا الخير، وكل من بذل جهدا ليوصل لنا سيرة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ولا ننسى الدعاء لشيخي الف


اضل {{عبدالقادر الشيخ }} رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ، الذي تعلمت على يديه السيرة النبوية ، والذي كان يقول لنا دائما : {{ السيرة للتأسي لا للتسلي }} .

. . . و الآن أمامنا مشوار طويل في العهد المدني
الفاصل بين العهد المكي ... والعهد المدني سيكون لوصف النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ننتقل للعهد المدني ، وكيف كانت يثرب قبل أن يدخلها - صلى الله عليه وسلم - عبارة عن مشاكل متراكمة من الصعب حلها ، فلما دخلها - صلى الله عليه وسلم - أنارت المدينة المنورة ، وزالت مشاكلها .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم
_______

عطاء دائم
12-23-20, 07:51 AM
هذا الحبيب « 118 »
السيرة النبوية العطرة (( وصف الرسول – صلى الله عليه وسلّم – ج1 ))
______
حبى الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بصفاتٍ عظيمة جليلة، صفاتٍ خُلُقية ظهرت على سلوكه القويم ، وصفاتٍ خَلْقية ظهرت على بدنه الشريف وجوارحه الطاهرة، وإليكم بعض تلك الصفات التي وهبها الله لرسولنا و حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.

فقد كان صلى الله عليه وسلم متوسط القامة ، لا بالطويل ولا بالقصير، بل بين بين، كما أخبر بذلك البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعاً - متوسط القامة - بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنه، رأيته في حلةٍ حمراء، لم أر شيئاً قط أحسن منه ) متفق عليه.

وكان صلى الله عليه وسلم أبيض اللون، ليِّن الكف، طيب الرائحة، دلَّ على ذلك ما رواه أنس رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون- أبيض مستدير- ، كأنَّ عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، ولا مَسَسْتُ ديباجة - نوع نفيس من الحرير- ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممتُ مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه مسلم .
وكانت أم سُليم رضي الله عنها تجمع عَرَقه صلى الله عليه وسلم، فقد روى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال:َ

( دخل علينا النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال عندنا " نام نومة القيلولة " ، فعرق وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت "تجمع" العرق فيها، فاستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب ) رواه مسلم .

وكان بصاقه طيباً طاهراً، فعن عبد الجبار بن وائل قال حدثني أهلي عن أبي قال: ( أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء، فشرب منه، ثم مجّ في الدلو، ثم صُبّ، في البئر، أو شرب من الدلو، ثم مج في البئر، ففاح منها مثل ريح المسك ) رواه أحمد وحسنه الأرنؤوط.

وكان وجهه صلى الله عليه وسلم جميلاً مستنيراً، وخاصة إذا سُرَّ، فعن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن غزوة تبوك قال: ( فلما سلّمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يبرق وجهه من السرور، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سُرَّ استنار وجهه، حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه ) رواه البخاري . وكان وجهه - صلى الله عليه وسلم - مستديراً كالقمر والشمس فقد سُئل البراء أكان وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل السيف؟ قال: ( لا بل مثل القمر ) رواه البخاري ، وفي مسلم ( كان مثل الشمس والقمر، وكان مستديراً ) .
وكان - صلى الله عليه وسلم - كث اللحية، كما وصفه أحد أصحابه جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: ( وكان كثير شعر اللحية ) رواه مسلم .

وكان - صلى الله عليه وسلم- ضخم اليدين، ذو شَعرٍ جميل، ففي الخبر عن أَنَسٍ رضي الله عنه قال : (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ضَخْمَ الْيَدَيْنِ، لم أرَ بعده مثله، وكان شَعْرُ - النبي صلى الله عليه وسلم - رَجِلاً لا جَعْدَ - أي لا التواء فيه ولا تقبض- وَلا سَبِطَ - أي ولا مسترسل - ) رواه البخاري .
ووصفه الصحابي الجليل جابر بن سمرة رضي الله عنه فقال: ( كان رسول - صلى الله عليه وسلم - ضَلِيعَا - واسع - الْفَمِ، أَشْكَلَ الْعَيْنِ - حمرة في بياض العينين - مَنْهُوسَ الْعَقِبَيْن- قليل لحم العقب - ) رواه مسلم .

وكان له خاتم النبوة بين كتفيه، وهو شيء بارز في جسده - صلى الله عليه وسلم - كالشامة ، فعن جابر بن سمرة قال: ( ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة، يشبه جسده ) رواه مسلم .

ومن صفاته - صلى الله عليه وسلم - أنه أدعج العينين –أي شديد سوادهما ، و أيضا أُعطي قوةً أكثر من الآخرين، من ذلك قوته في الحرب فعن علي رضي الله عنه قال: ( كنا إذا حمي البأس، ولقي القوم ، اتقينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يكون أحد منا أدنى إلى القوم منه ) رواه أحمد و الحاكم .
أخلاقه صلى الله عليه وسلم :

جمعَ رسول الله من الأخلاقِ والآدابِ ما أوصلَهُ لشهادةِ الله – سبحانه و تعالى - بأخلاقِهِ، حيثُ قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} ولما سُئلت عائشةُ أم المؤمنين، عن خُلقِ رسول الله، وهي أقربُ النّاس إليهِ، قالت: " كان خلقُه القرآنَ" .

كان - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وأصدقهم لهجة، وألينهم طبعاً، وأكرمهم عشرة، وكان - صلى الله عليه وسلم - أشجع الناس وأعف الناس وأكثرهم تواضعاً، وكان - صلى الله عليه وسلم - أشد حياء من العذراء في خدرها، يقبل الهدية ويكافئ عليها، ولا يقبل الصدقة ولا يأكلها، ولا يغضب لنفسه، وإنما يغضب لربه...

وكان - صلى الله عليه وسلم - يأكل ما وجد، وكان لا يأكل متكئاً ولا على خوان، وكان يمر به الهلال ثم الهلال ثم الهلال، وما يوقد في أبياته - صلى الله عليه وسلم - نار، وكان - صلى الله عليه وسلم - يجالس الفقراء والمساكين ويعود المرضى ويمشي في الجنائز.

وكان - صلى الله عليه وسلم – يمازح الكبار و الأطفال؛ ولكن لا يقول إلا حقاً، ويضحك من غير قهقهة ، وكان يقول : " تبسمك في وجه أخيك صدقة " . كان صادقا أمينا في جميع أقواله و أفعاله . وكان - صلى الله عليه وسلم - في مهنة أهله، قال: { خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي } .

تلك هي بعض صفات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصدق الصّدّيق أبو بكر- رضي الله عنه - عندما قال عنه وهو يُقبِّله بعد موته صلى الله عليه وسلم : (طبت حياً وميتاً يا رسول الله)، فعليك يا من تقرأ سيرة المصطفى – صلى الله عليه وسلم - أن تكون قوي الصلة بصاحب تلك الصفات من خلال اتباعه، والسير على هديه ، والإكثار من الصلاة والسلام عليه .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
12-23-20, 07:53 AM
هذا الحبيب « 119 »
السيرة النبوية العطرة (( وصف الرسول – صلى الله عليه وسلّم - ج2))
______
صلى الله وسلم عليك يا حبيبي يا رسول الله ، لم تكن ملابسه مميزه عن باق الناس ، كان يلبس ما يتيسر له من الملابس التي كانت معروفة في قومه ،
فقد كان هديه في اللباس أعظم الهدي وأكمله، فكان - عليه الصلاة والسلام -يلبس ما تيسر له من اللباس، سواء أكان صوفاً، أم قطناً أم غير ذلك، من غير تكلف ولا إسراف ولا شهرة. وكان إذا جاء العيدان أو الجمعة أو وفد عليه الوفد لبس أحسن ثيابه، وأمر قومه بذلك. وكان - صلى الله عليه وسلم - يهتم بنظافة ثيابه، ويحرص على تطييبها، ويوصي أصحابه بذلك .

وكان أحب ألوان الثياب إليه - الثياب البيضاء – فكان يؤثرها على غيرها من الثياب، ولم يكن ذلك مانعاً من أن يتخيرأي لون آخر .
وبين لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آداباً يحسن بالمسلم أن يتحلى بها عند لبسه لثيابه فمن ذلك التسمية، فقد كان - عليه الصلاة والسلام - يبدأ بها في أعماله كلها ، ومنها البدء باليمين عند اللبس وبالشمال عند الخلع، لما ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت:

( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيامن في شأنه كله ) و كان - صلى الله عليه وسلم - إذا لبس ثوبه أو قميصه، حَمِدَ الله تعالى قائلاً: ( الحمدُ لله الذي كَساني هذا و رَزَقَنِيه من غير حولٍ مني ولا قُوة) .وإذا لبس ثوباً جديداً دعا الله قائلاً:
( اللهم لَكَ الحمدُ أَنتَ كَسَوتَنِيه أسألك من خَيرِهِ وخَيْرَ ما صُنع له، وأعوذ بك مِنْ شرِّه وشَرِّ ما صُنِعَ لَهُ ) .

ومن جملة هديه - صلى الله عليه وسلم - في لباسه عدم إطالة الثوب والإزار، فكان إزاره لا يتجاوز الكعبين، واتخذ - صلى الله عليه وسلم - خاتماً من فضة، وكان يضعه في خنصر يده اليسرى، وتارة يضعه في يده اليمنى، ونهى عن التختم بالذهب.
ونهى -عليه الصلاة والسلام -عن لبس الحرير من الثياب ، وحرم النبي - صلى الله عليه وسلم - تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال :

( لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال ) .
وعند الترمذي وأبي داود عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: كان كُم يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرسغ. وفي صحيح مسلم عن عمرو بن حريث قال : " كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه.
وكان يضع تحت العمامة قلنسوة،

[[ القلنسوة ،هي الطاقية اللي بيلبسها الحاج ]] ، و أحيانا من غير قلنسوة ، وكان لعمامته ذؤابة ( مثل ذيل للعمامة ينزل للخلف على ظهره بين كتفيه ) ، وكان له عمامة بيضاء وعمامة سوداء وخضراء وربما ألوان أخرى،ولم تكن عمامته - صلى الله عليه وسلم - كبيرة بحيث يؤذيه حملها، ولا صغيرة ،بل كانت وسطا بين ذلك . وقد لبس النبي

- صلى الله عليه وسلم - القميص (الثوب) والرداء والإزار والجبة والعمامة . وكان - صلى الله عليه وسلم - يلبس في قدميه النعل [[ نسميه الصندل ]] ، وكان يلبس الخف [[ مثل ما نسميه الجرابات يشبهه تقريبا بس من جلد ويغلق من الجانب ]]

روى البخاري قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا آكُلُ مُتَّكِئًا ( ومعنى الاتكاء : كل جِلْسة يكون الأكل فيها متمكناً مطمئناً ، لأن ذلك مدعاه ليأكل كثيراً ، وهو مذموم شرعاً .

روى مسلم عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : "رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْعِيًا يَأْكُلُ تَمْرًا ) والإقعاء أن ينصب قدميه ويجلس على عقبيه هذا هو الإقعاء وإنما أكل النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك لئلا يستقر في الجلسة (
وكان - صلى الله عليه وسلم - يأكل على الأرض ، يجثو بركبتيه أو ينصب رجله اليمنى ويجلس على اليسرى

[[ هذه الجلسة تمنع بروز الكرش ، وتضغط على المعدة ، فتسرع بالشبع ، علموها أبناءكم خوفا من النصاحة في المستقبل ، بتصغر معدتهم ]]

وكان - صلى الله عليه وسلم - يأكل بأصابعه الثلاثة ، الإبهام والتي تليها والوسطى ، وكان لا يتكلف في أكل الطعام، بل كان يأكل ما يقدم إليه، واذا لم يحب شيئا من الأكل لا يعيبه . كان قليل الأكل ؛ تقول عائشة - رضي الله عنها - :{{ لم يشبع يومين متتاليين }} ، وكان - صلى الله عليه وسلم - يشرب ثلاثا ، يسمي الله و يتنفس بينهم، وكان يجلس أثناء الشراب . كان ينام على جنبه الأيمن ويضع يده تحت خده . وكانت مشيته - صلى الله عليه وسلم - كأنه ينحط من صبب [[ أي ينزل من منحدر، كانت مشية سريعة، وفيها جدية، وليس مشية في كسل أو تماوت ]] .

وكان إذا حدث بحديث تبسم في حديثه و أفهم ، وإذا التفت ، التفت بجميع جسده، وليس برأسه فقط ، وكان يُقبل بوجهه على كل من يحدثه ، وإذا صافحه أحد لا يكون هو أول من يسحب يده من المصافحة . كانت له هيبة ووقار - صلى الله عليه وسلم - ولذلك كان الصحابة يجلسون في مجلسه - صلى الله عليه وسلم- كأن على رؤوسهم الطير .

واعلموا أحبّتي أن أجمل وأفضل الأخلاق لباس التقوى، كما قال تعالى:
" ولباس التقوى ذلك خير "، وصدق الشاعر حين قال:
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً وإن كان كاسياً
هذه طائفة من هدي نبينا - صلى الله عليه وسلم - فلا تفوّت على نفسك فرصة تطبيق وإحياء سنن الحبيب صلى الله عليه وسلم.
_______

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
12-24-20, 08:13 AM
هذا الحبيب « 120 »
السيرة النبوية العطرة (( مشاكل المدينة قبل أن يدخلها صلى الله عليه وسلم))
______
انتهينا في الهجرة ، عند خيمة أم معبد ، وقبل أن نشرع بالحديث عن وصول النبي صلى عليه وسلم للمدينة ، ونزوله بقباء ، وكيف كان استقبال أهل المدينة له ، لا بد لنا من أن نلقي نظرة على {{ مشاكل المدينة }} قبل دخوله عليه - صلى الله عليه وسلم - .

فلقد انتهت المرحلة الصعبة في تاريخ الدعوة، وهي مرحلة الدعوة المكية، والتي استمرت {{ ١٣ سنة }} وكانت مليئة بالاضطهاد الشديد جدا، و التعذيب للمسلمين ، ولكن العهد المدني أيضا كان صعبا وليس بالسهل أبدا ؛ لنر ما الذي واجهه - صلى الله عليه وسلم - عندما هاجر إلى المدينة ، وكم تحمل نبينا - صلى الله عليه وسلم – وصحابته في سبيل دعوتهم إلى الله .
الحروب بين الأوس والخزرج :

كانت المدينة تموج بالحروب الأهلية بين {{ الأوس والخزرج }}، ولقد حدثتكم سابقا عن الأوس والخزرج ،إنهما أوس وخزرج أخوان من أم واحدة اسمها {{ قيلة }}، وبالرغم من أنهما من سلالة رجل واحد وأم واحدة ، ومع ذلك كانت هناك عداوة شديدة جدا ،وتاريخ طويل من الحروب الأهلية بين تلك القبيلتين ، آخرها كان {{ حرب بعاث }} التي انتهت قبل الهجرة بخمس سنوات فقط .
اليهود :

كان في المدينة ثلاث قبائل يهودية كبيرة ، وهي قبائل( بني قينقاع ، وبني النضير وبني قريظة ) . وقد قابل اليهود الدعوة الاسلامية بالعداء الشديد ، والسبب أنّ هؤلاء المغضوب عليهم ، كانوا يظنون أن نبي آخر الزمان سيكون منهم لأن أكثر الأنبياء من بني إسرائيل ، ثم كانت المفاجأة القاسية بالنسبة لهم ، أن يكون نبي آخر الزمان من العرب !!! وكانت كتبهم تأمرهم أن يتّبعوا هذا النبي الأمي إن هو ظهر فيهم ، قال تعالى :

( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) .

وبالرغم من أن عدد اليهود في المدينة كان كبيرا ،إلا أنهم كانوا أقل عددا من {{ الأوس والخزرج }} ، ولذلك كان الأوس والخزرج مستعلين على اليهود في المدينة ، وكان يهود المدينة يشعرون بالقهر في مواجهة الأوس والخزرج ، و لذلك كانوا ينتظرون نبي آخر الزمان لينتقم لهم من قهر الأوس والخزرج ،
فلما جاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - من نسل إسماعيل ، كان الأمر بمثابة الصدمة بالنسبة ليهود المدينة، ولذلك قرروا معاداة الرسول - صلى الله عليه وسلم - منذ أول يوم لدخوله المدينة . قال تعالى :{{ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ }} .

لذلك كان من أكبر المشاكل التي واجهت الرسول- صلى الله عليه وسلم - هي وجود اليهود في المدينة، واليهود معروفون بخبثهم ومكرهم ومكائدهم .
المشركون :
صحيح أن أغلبية أهل المدينة كانوا مسلمين، ولكن لم يكونوا كلهم مسلمين ، وكان بعضهم لا يزال على شركه، ولم يجبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحدا على الإسلام، وهؤلاء كانوا يكرهون الإسلام ، ويكرهون المسلمين ، ويضمرون لهم البغض والعدواة
المنافقون:

بعد الهجرة، ودخول أغلب أهل المدينة في الإسلام، ظهرت طائفة جديدة وهي طائفة {{ المنافقين }} والمنافق هو الذي يظهر ما لا يبطن ، وهذه الطائفة لم تكن موجودة في مكة ، لأن الإسلام كان ضعيفا، ولكن ظهرت بعد الهجرة، وبعد أن أصبح للإسلام دولة، وخصوصا بعد غزوة بدر ، وهذه الطائفة أخطر بكثير من المشركين ، لأن المشرك عداوته معروفة للإسلام ، وتستطيع أن تأخذ منه حذرك ، وأن تواجهه ، بينما المنافق مثل المرض الخفي ، الذي يفتك بالجسم دون أن تشعر به . يقول تعالى : {{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ }}
مشاكل المهاجرين :

ظهرت في المدينة مشكلة اقتصادية نتيجة هجرة عدد كبير من أهل مكة ، وموارد المدينة محدودة ، ولذلك لم يأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -أصحابه المهاجرين إلى الحبشة بأن يأتوا إليه في المدينة .حيث لم يكن للمهاجرين بيوت يسكنونها ، ولا أعمال يعملون بها ، [[ المهاجرون تركوا مكة وأموالهم وأعمالهم ، لنتخيل الوضع ليس بالسهل أبدا ]]

و أهل المدينة كلهم مزارعون ، وهي مهنتهم الوحيدة ، وهذه المهنة لا يعرفها أهل مكة ، لأن أهل مكة كان أكثرعملهم بالتجارة فقط ، وأيضا شعر المهاجرون بالغربة والحنين لبلدهم و أهلهم في مكة ؛ فأصيب المهاجرون بحالة من الحزن والاكتئاب ، و أصيب بعضهم بالحمى نتيجة حزنهم وقلّة مناعتهم .

كذلك اختلفت العادات و التقاليد على المهاجرين ؛ فمثلا نساء المدينة شخصيتهنّ مع رجالهنّ فيها جرأة وقوة ، ولم تكن شخصية نساء مكة هكذا مع رجالهنّ ،لأن زوجات أهل المدينة يعملن

في الزراعة مع أزواجهن ،أما نساء مكة لا يعملن لأن عمل أزواجهن التجارة .
{{ النبي القائد }} محمد – صلى الله عليه وسلم – كان عليه أن يواجه كل هذه المشاكل ؛ ولأنّ السيرة منهاج حياة لكل المسلمين ، لذلك يجب علينا جميعا قادة و شعوبا و مسؤولين أن نتعلم من قائدنا وحبيبنا محمد – صلى الله عليه وسلم – ماذا فعل لحل هذه المشاكل ؟؟

وكيف استطاع بقيادته الحكيمة وفي زمن قصير أن يبني دولة شهد لها القاصي و الداني ؟ كيف لا وقد قضت على جبابرة الفرس و الروم ؟؟ هذا ما سنعرفه في الأجزاء القادمة بإذن الله تعالى .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
12-24-20, 08:15 AM
هذا الحبيب « 121 »
السيرة النبوية العطرة (( وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى أطراف المدينة بئر عذق ))
________
وصل - صلى الله عليه وسلم - عند قدومه للمدينة إلى بئر اسمه {{ بئر عذق }} هذا البئر على أطراف المدينة، يبعد عنها مسافة حوالي {{ ١٠كم }}، استراح - صلى الله عليه وسلم - في ذلك المكان وشرب من ماء البئر فكان أول ماء يشربه في المدينة من ذلك البئر.

فلما جلس يستريح قدّر الله - عزوجل -أن يمر رجال من تجار قريش – كما تقول الروايات - كانوا قادمين من الشام وهم الآن في طريق عودتهم إلى مكة ، والقادم من الشام يمر أولاً بالمدينة ، ثم يكمل مسيره إلى مكة ، فاستراحوا على أول ماء بعد المدينة ، وكان ذلك مع وصول النبي - صلى الله عليه وسلم - {{ لبئر عذق }} ،

فالتقوا هناك ، وكان مع هؤلاء الرجال الصحابي الجليل الزبير بن العوّام . {{ الزبير بن العوام رضي الله عنه : وهو ابن عمة الرسول ، وأحد العشرة المبشرين بالجنة ومن السابقين إلى الإسلام، يُلقب بـ حواري رسول الله؛

لأن النبي قال عنه:" إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًا، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ" أوَّل من سلَّ سيفه في الإسلام، تزوج أسماء بنت أبي بكر، وهاجرا إلى المدينة المنورة، فولدت له عبد الله بن الزبير فكان أول مولود للمسلمين في المدينة }} .

وكان مسلما وخارجا في تجارة لقريش ، فلما التقى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أخرج ما في بضاعته من ثياب ، وكسا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر الصديق ثيابا بيضا جديدة حتى يدخل بها المدينة ، واستأذن النبي أن يُتم تجارته إلى مكة ثم يعود مهاجرا إلى المدينة ، فكانت كرامة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يستقبله أصحابه وهو بثياب حسنة ، فاغتسل - صلى الله عليه وسلم - على ذلك الماء ولبس الثياب الجدد البيض .

أهل المدينة قد بلغهم خروج النبي - صلى الله عليه وسلم – وإنه في طريقه إليهم ، وقدروا مسافة الطريق سبعة أيام إلى ثمانية ، وكانوا يخرجون كل يوم بعد صلاة الفجر إلى طرق المدينة ، يترقبون وصول رسول الله حتى تغلبهم الشمس على الظلال [[ أي تصبح حرارة الشمس عالية ولا يوجد شيء يستظلون به ..
يضربهم حر الشمس ، فيدخلون بيوتهم لأنهم لا يعرفون سبب تأخر وصوله ، و أنه مكث في الغار ثلاثا ، و أنه سلك طريقا آخر تمويها لقريش ]] ، وفي اليوم الذي وصل به النبي - صلى الله عليه وسلم - خرجوا كعادتهم حتى غلبتهم الشمس ؛ فلما دخلوا بيوتهم ، سمعوا صارخاً يصرخ على سطح حصن – يُقال إنه يهودي - :

يا بني قيلة [[ الأوس و الخزرج ]] هذا جدكم الذي تنتظرون قد أقبل [[ الجد يعني الحظ و النصيب ، فمحمد نصيب العرب المسلمين ]] ،

يقول الصحابة : فأخذنا سلاحنا نستقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - [[ يعني من باب الاعتزاز وقوة الترحيب بالنبي ]] ، ( هو لم يدخل المدينة بعد ) ، وأخذنا نبصر الطريق وإذا به - صلى الله عليه وسلم - مع صحبه الثلاثة يخفيهم السراب مرة ، ويظهرهم مرة أخرى مبيضين مقبلين ، [[ ما معنى مبيضين ؟
المسافر بالعادة لا تكون ثيابه نظيفة ؛ إما أن تكون اتسخت بحكم السفر ، أو عليها غبار على الأقل .. قالوا وإذا بهم مبيضين أي بثياب بيضاء نقية ]] .

يقول أصحابه - رضي الله عنهم - : لا يعرف النبي- صلى الله عليه وسلم - منا أحد إلا من بايعه في مكة ، ونحن لا نعرف النبي ولم يسبق لنا أن رأيناه ، وكان هو وأبو بكر في سن واحدة متقاربة

[[ النبي - صلى الله عليه وسلم - يتقدم أبو بكر بالعمر سنتين على الأقل ]] ، فلما اقتربوا وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأراد أن يستقبلهم فجلس تحت ظل شجرة . يقول أصحابه فأقبلنا فرأينا رجلين مبيضين قريبين بالعمر من بعضهم البعض ، ومعهم خادم ودليل يدلهم على الطريق ، قالوا فأيقنا أن هذا هو النبي وهذا صاحبه .. ولكن أيهما النبي لا ندري !!

فقام إلينا رجل منهم يستقبلنا ، فظننا أنه رسول الله ، فأخذنا نحييه وما عرفنا أنه أبو بكر إلا عندما رجع إلى النبي ، وهو جالس لا يتكلم - صلى الله عليه وسلم - فأخذ أبو بكر يظلل النبي بثوبه حتى لا تضربه الشمس ، قالوا فعرفنا أنه رسول الله ، فسلموا على رسول الله واستقبلوه . ثم مضى بهم - صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين حتى وصلوا إلى بساتين قباء ، [[ لم يدخل المدينة المنورة ، مباشرة ]] ،وكانت قباء في ذلك الوقت قرية منفصلة عن المدينة المنورة ، تبعد عن المدينة حوالي {{ ٥ كم }} .

فلماذا لم يدخل المدينة المنورة مباشرة واتجه نحو قباء ؟؟؟

ربّما النبي - صلى الله عليه وسلم – أراد أن يستأذن أهل المدينة في الدخول على مدينتهم، خاصة أن أهل المدينة لم يكن كلهم مسلمين، بل كان هناك مشركون وكان هناك يهود أيضا ، ولأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بدخوله المدينة ستكون هناك مرحلة جديدة من تاريخهم ، فكأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يترك لهم فرصة لمراجعة أنفسهم ، وحتى يتأكدوا أنهم قادرون على تحمل تبعات هذه ا


لمرحلة الجديدة ، وهي مرحلة في غاية الصعوبة ، لأنهم سيقفون ليس أمام قريش فقط - أقوي القبائل العربية - بل سيقفون كذلك في مواجهة كل القبائل .
( اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم )

عطاء دائم
12-25-20, 08:20 AM
هذا الحبيب « 122 »
السيرة النبوية العطرة (( الوصول الى قباء ))
________
وصل صلى الله عليه وسلم الى بساتين قباء ، فنزل على قبيلة {{ بني عمرو بن عوف }} وهم سكان قباء ، وكان شيخهم وزعيمهم {{ كلثوم بن الهدم }} وكان مازال مشركا ، ولكنه استقبل النبي معهم ، واختار النبي أن يكون ضيفا عنده .
وكان في النهار يجلس- صلى الله عليه وسلم - في مكان يجتمع فيه بأصحابه ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -أن يبنوا مسجدا ، وعمل فيه بيده ، وهو المعروف الآن بمسجد قباء . واهتمام النبي ببناء المسجد أولا يدل على أن المسجد هو صلة العبد بربه ، يناجيه و يتلو كتابه فيه براحة و اطمئنان ، وهو مركز الدولة و مكان تربية الرجال .

وعندما وصل النبي – صلى الله عليه و سلم - إلى قباء ، كان قد أتمّ من عمره الكريم {{ ٥٣ سنة قمرية }} ، وبعد أن أقام فيها أياما ، خرج ليكمل سفره إلى المدينة المنورة {{ تبعد قباء عن المسجد النبوي ٥ كم تقريبا }} ، وكان ذلك صباح يوم الجمعة كما تقول الروايات ، وأرسل إلى أهل المدينة من يخبرهم بقدومه ، فخرج إليه في الطريق رجال من بني النجار عددهم {{ ٥٠٠ }} رجل حاملين سلاحهم ، هم أخوال جده عبد المطلب {{ تذكرون عندما ذكرت لكم قصة عبدالمطلب جد النبي {{ شيبة الحمد }}،

عندما ترك أبوه هاشم زوجته لتلد في يثرب عند أهلها بني النجار ، ومضى هاشم إلى الشام ، وأدركته الوفاة في غزة }} ، فأحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم ،وقالوا : يا رسول الله ؛

نحن أهل العدد والحلقة ، أدخل مدينتك آمناً مطمئناً مطاعاً . فمشى الناس من حوله يحفونه بين ماش وراكب لا يُحصي عددهم أحد . فلما كان بين قباء والمدينة ؛حضر وقت الظهر ، ولم يكن صلى قبل هذه الجمعة صلاة جمعة بأصحابه - لم تفرض صلاة الجمعة بعد - فنزل وصلى بهم الجمعة وعلمهم الجمعة في الطريق ، [[ والآن موجود مسجد بين قباء والمسجد النبوي اسمه مسجد الجمعة ، هناك صلى رسول الله أول جمعة بأصحابه]] .

نزل في ذلك المكان - صلى الله عليه وسلم - فقام يخطبهم فاتكأ على رحل ناقته القصواء ،وخطب خطبة قصيرة ، ولكن فيها جوامع الكلم والبلاغة ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، و حثّ المسلمين فيها على الإكثار من الأعمال الصالحة والتي ستكون طريقهم إلى الجنة ، كالتصدق ولو بشق تمرة . .. ولو بالكلمة الطيبة ..

ثم توجه إلى المدينة ، وكل أهل المدينة شباب ورجال ونساء وأطفال وشيوخ ينتظرون قدومه - صلى الله عليه وسلم - وهم في أشد الشوق لرؤيته .

( اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم )

عطاء دائم
12-25-20, 08:21 AM
هذا الحبيب « 123 »
السيرة النبوية العطرة (( استقبال أهل المدينة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ))
________
وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، ولا أحد يستطيع أن يصف ذلك الاستقبال الكبير، والحب الذي لقي به أهل المدينة هذا الضيف الكريم الذي وفد إليهم بأمر الله، وأكرمهم الله - سبحانه وتعالى - به فكانوا أنصار الدعوة ، ولقبوا بالأنصار. [[ وهنا يعجز المتكلم عن الوصف ، حتى جميع الذين كتبوا السيرة تعجز أقلامهم عن وصف هذا المشهد التاريخي ، ولا يستطيع أي مخرج تلفزيوني أو سينمائي أن يصور بحق تلك اللحظات الجميلة في كل شيء ]] .

الكل كان في اشتياق كبير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم – مهاجرين و أنصار ، خرجوا جميعا لاستقباله عند دخوله المدينة بعد عناء {{ ١٣ عاما في مكة }} ، تحمل فيها - صلى الله عليه وسلم – ما تحمّله من حصار وأذى واستهزاء . . . نتصور أنفسنا مكان {{ أهل المدينة }} أغلبهم لم يروا رسول الله في حياتهم ، ( كوضعنا هذه الأيام لم نره ولم نسمع كلامه ) . . . الرجال ، والشباب ، والنساء ، والفتيات ، والأولاد ، والكبار. .. الكل في شوق شديد لهذا النبي الكريم سمعوا عن طفولته ، عن غار حراء ، عن دار الارقام ، سمعوا عن رحلة الإسراء والمعراج ، عرفوا أنه أحب الخلق إلى الله . . .

تصوروا هو الآن قادم إلينا نحن !!كيف سيكون حالنا في الطرقات والشوارع ؟ !!!! تخيلوا شوق أطفالكم عندما يسمعون أن رسول الله قادم اليوم ، ونريد أن نخرج لاستقباله؟؟!! كان في المدينة ما يزيد على 13 منطقة ( حي ) كلهم خرجوا ، وضجت طرقات المدينة كلها بالناس ، وكانت المدينة قد تهيأت لهذا اللقاء قبل قدومه - صلى الله عليه وسلم - .

. . . كان يركب ناقته القصواء ، وقد أحاط به أخواله من بني النجار، ورجال آخرون من المهاجرين والأنصار ، وبأيديهم سيوفهم تحميه من كل من تسول له نفسه أن يصيبه بأذى ، وأبو بكر خلفه على الناقة ، فلما أطل عليهم ورأوا من بعيد {{ النور المحمدي }} صاح الغلمان ، والأطفال و الفتيات ؛

صاح الجميع ، صاحوا بأعلى صوتهم : الله أكبر .. الله أكبر ، جاء رسول الله ، الله أكبر ، هذا محمد رسول الله قد أطل علينا ، حتى أن العوائق فوق البيوت ينظرن و يقلن : أين هو ؟ أين هو ؟ [[ الختيارات قاعدات على سطح الدار ، ينتظرن رسول الله ، ويسألن أين هو ؟؟ ]] .

فلما أقبل - صلى الله عليه وسلم - وأطلّ عليهم ؛ يقول أنس - رضي الله عنه - عن المدينة :{{ أضاء منها كل شيء }} من نور وجهه - صلى الله عليه وسلم - يقول البراء،{{ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء كفرحهم برسول الله}} . وضاجت المدينة كلها ، وأخذ الصبيان يضربون على الدفوف ، وينشدون مع البنات الصغيرات أبيات شعر جميلة جدا في معانيها ( قيل إن هذه الأبيات ضعيفة في سندها ) :

طلع البدر علينا .. من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا .. ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا .. جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة .. مرحبا يا خير داع
وبدأ السرور في وجهه – صلى الله عليه وسلم - وهو يرى هذه القلوب المؤمنة والوجوه المشرقة المستبشرة تستقبله حتى كأن وجهه القمر ، فكان هذا اليوم التاريخي العظيم من أعظم الأيام على الإسلام والمسلمين .

يتبع . . .

( اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم )

عطاء دائم
12-27-20, 09:00 AM
هذا الحبيب « 124 »
السيرة النبوية العطرة (( نزوله - صلى الله عليه وسلم – في المدينة المنورة ))
________
. . . أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ، يمشي بين الجموع ، وكانت عشائر {{ الأوس والخزرج }} تقف على أبواب البيوت على جانبي الطريق تنتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتستقبله فرحة مستبشرة ، وكان رئيس كل عشيرة، ورب كل بيت يطمع أن يقبل ضيافته ، فجاء رجال العشائر إليه يأخذون زمام الناقة ويقولون :

يا رسول الله انزل فينا نحن أهل الحلقة ، نحن أهل العز ، وكلهم يريدون أن يكون النبي ضيفهم ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول لهم : دعوها فإنها مرسلة ، خلّو سبيلها فإنها مأمورة ، ويرخي زمام الناقة لا يمسكه ، دعوها إنها مأمورة [[ أي إن الله يأمرها أين تبرك ،لا أنا الذي أختار ]] لماذا ؟؟؟؟
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم الحساسية التي بين {{ الأوس والخزرج }} ،

فمن مكارم أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - ومن أجل تأليف قلوبهم ، [[ فلو اختار عائلة أو قبيلة على قبيلة وبينهم حروب ودماء ، لقالوا اختار الرسول هذه القبيلة علينا ويبقى في نفوسهم شيء]] ،
ترك زمامها ولم يأخذ به أبداً ، فما زال على ظهرها - صلى الله عليه وسلم - وقد أردف معه على الناقة أبو بكر من قباء إلى المدينة ؛ ليعلم الناس كلهم مكانة أبي بكر- رضي الله عنه - عند رسول الله . . . فما زالت الناقة تمشي حتى أتت إلى موقع مسجده المعروف الآن .
كيف كان موضع الأرض قبل بناء المسجد ؟؟
كان مربدا تمر لغلامين يتيمين من بني النجار [[ مربد التمر هي الأرض السهلة ، عندما يُقطف التمر عن الشجر يوضع بهذه الأرض لغرض التجفيف حتى لا يكون التمر مرطبا ، يسمى عند العرب مربد ؛يربد التمر فيه أي يجفف]] وإلى جانبه أرض فيها مقبرة قديمة
وحول الأرض قليل من البيوت ، وإذا بالناقة تمشي إلى هذا الموقع ، ثم بركت في موقع منبره الموجود في مسجده الآن – صلى الله عليه و سلم - .

فعلم النبي أن المنزل ها هنا ، فقال : ها هنا المنزل إن شاء الله [[ وتعجب الصحابة !!ها هنا المنزل !! أرض صحراء جانبها مقبرة أين سينزل الرسول ؟]] ثم وقف وقال : أيّة دور أهلنا أقرب إلى هذا المكان؟؟! قال {{ أبو أيوب الأنصاري }} أنا يا رسول الله ، فهذا الباب الذي أمامك هو باب داري . فقال له - صلى الله عليه وسلم - :
احمل متاعنا إليه ، فنزل - صلى الله عليه وسلم - في دار أبي أيوب . فجاء أسعد بن زرارة أحد النقباء الاثني عشر وسيد الأنصار في ذلك الوقت ، قال : يا رسول الله ؛ فاز بها أبو أيوب ، فهل تأذن لي أن تكون ناقتك في ضيافتي ؟؟
[[ سبحان الله ما أجمل أخلاقهم ومعرفتهم بقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم !!! أنت ستنزل في دار أبو أيوب أنا أستأذنك أستضيف الناقة عندي أقوم برعايتها وخدمتها ]] فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم -
وقال له : لك ذلك . فأخذ ناقته القصواء ، وجعلها في داره يخدمها ، وإذا احتاج النبي إليها يحضرها له .
دار أبو أيوب تتكون من غرفتين عبارة عن طابقين ، وكانوا يسمون الطابق الثاني في تلك الأيام {{ العلّيّة }} ،فأراد أبو أيوب أن ينزل النبي في الطابق الثاني ، فرفض النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن ينزل في الطابق الأسفل وقال له : لك بيتك ، فهذا أسهل وأرفق علينا ،
وعلى من يأتينا ضيف من الناس
وكان أبو أيوب كل يوم يلح على الرسول يقول : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، نخاف من مشينا أن يتساقط عليك شيء من تراب !فيقول له النبي :
لا، لك بيتك يا أبا أيوب .
حتى جاءت ليلة باردة ، فانكسرت جرة الماء من يد زوجته ،فأسرع أبو أيوب وزوجته يجففان الماء في غطاء نومهما
[[ لأن السقف عبارة عن قصب وعليه طين ، فلو شرب السقف الماء لنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم ]] وناموا تلك الليلة بلا غطاء يرجفان من البرد ، وسبحان من أخبر نبيه عن حال أبي أيوب تلك الليلة ، فلما كان الصباح قال : كيف كانت ليلتكم يا أبا أيوب ؟؟ فقال له : وقع من أمرنا كذا وكذا . فقال له - صلى الله عليه وسلم -:
نصعد نحن إلى الأعلى وتنزلون أنتم إلى الأسفل ، لأنه وجد بها مشقة عليهم ، وهو- صلى الله عليه وسلم - الذي وصفه الله {{ بالمؤمنين رؤوف رحيم }} .


يقول أبو أيوب: كنا نرسل للنبي - صلى الله عليه وسلم - كل ليلة عشاءه ، فإذا رد علينا القصعة [[ يعني الصحن اللي أكل منه ؛ لما يرجعه ]] ،
تلمسنا مواضع أصابعه ، فنأكل من مكانها تبركاً . قال أبو أيوب : وفي يوم من الأيام رد علينا القصعة ، فإذا ليس لأصابعه فيها أثر [[ أي لم يأكل من الصحن ولا لقمة ]] ، يقول أبو أيوب : ففزعت وقلت للنبي : بأبي وأمي ؛ رددت إلينا قصعتك وليس ليدك أثر؟؟!! فقال له - صلى الله عليه وسلم - : أحسب أن فيها من هذه الشجرة [[ كانوا قد وضعوا له الثوم في الطعام ]] ،

وأنا رجل أناجي [[ أي أناجي الله عزوجل ]] ، أما أنتم فكلوا منها . يقول أبو أيوب : فلم نعد نضع له الثوم في طعامه صل


ى الله عليه وسلم . وقد أمضى النبي في دار أبي أيوب قرابة {{ سبعة أشهر حتى تم بناء المسجد وحجرات أزواجه صلى الله عليه وسلم }} .

من هو أبو أيوب الأنصاري ؟؟ هو خالد بن زيد بن كليب الأنصاري ، شهد بيعة العقبة والمشاهد كلها مع النبي- صلى الله عليه وسلم - .
آخى النبي بينه وبين الصحابي مصعب بن عمير. كان أبو أيوب الأنصاري مع علي بن أبي طالب ومن خاصته، فولاّه على المدينة المنورة حتى دخلها جند معاوية، فلحق به في العراق، وكان على خيله يوم النهروان.
توفي أبو أيوب الأنصاري مريضًا، وهو في جيش يزيد بن معاوية المتوجه إلى القسطنطينية ،و دفنوه عند أسوار القسطنطينية ، وظل قبره مطمورا حتى فتح القسطنطينية بعد ذلك بمئات السنين، فبنوا على قبره مسجدا، موجود إلى الآن واسمه مسجد
{{ أيوب سلطان }} .

يتبع بناء المسجد النبوي . . .
( اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم )

عطاء دائم
12-27-20, 09:02 AM
هذا الحبيب « 125 »
السيرة النبوية العطرة (( بناء المسجد النبوي ))
________
كل أهل المدينة من مؤمنين صادقين ، أو منافقين بالخفاء ، أو يهود ( قينقاع وقريظة والنضير) ،
كلهم ينتظرون ما هو برنامج عمل النبي بعد وصوله إليهم وقد اختار المدينة وخلع أهل مكة ؟؟ فالبعض يتوقع أن يجهز جيشا لغزو مكة ؟؟ والبعض يتوقع أن يخرج ويعلن خطاب العرش ويعلن سياسة الدولة ؟؟ والبعض يتوقع أن يصدر تعيين نائب له !!!
الجميع يتساءل ما هو أول عمل سيقوم به رسول الله ؟؟ وقد خرج - صلى الله عليه وسلم - من مكة وترك زوجتيه سودة وعائشة ، وترك بناته الأربعة زينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة ، وأبو بكر ترك بناته وزوجته في مكة ؟؟
استطاع النبي في فترة قياسية أن يجعل المجتمع الإسلامي مجتمعا شديد التماسك ، وتغلب على كل مشاكل المدينة التي أخبرتكم عنها في الجزء 120 ، تُرى ماذا فعل صلى الله عليه وسلم ؟؟ لقد قام بثلاثة أمور :
- بناء المسجد - المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار - وضع وثيقة المدينة واليوم سنتحدث عن كيفية بناء المسجد النبوي

خرج صلى الله عليه وسلم على الصحابة ، وأخذ رمحا من يد واحد منهم ، واقترب إلى موقع الناقة ، ثم غرس الرمح في المكان الذي بركت فيه الناقة ، ثم قال {{ هنا نبني المسجد إن شاء الله }} ،
أول عمل كان هو بناء المسجد ثم قال : لمن هذا المكان ؟؟
قالوا: لغلامين يتيمين هم في كفالة فلان . فقال : أين الغلامين وأين الكفيل ؟ فلما حضروا ؛
وكان الغلامان أحدهما في ١٢ من العمر و الآخر في سن ١٣ ، فتحدث النبي لهم قائلا : إننا نريد أن نبني مسجدا في هذا المكان حيث بركت الناقة ، فكم تريدون ثمن هذه الأرض ؟؟ فقالوا : هي لك يا رسول الله من غير ثمن، بيت لله ، ومنزل لك . قال : لا يكون إلا بثمن ، ولا يكون الثمن إلا ما تريدون وتطلبون ، فطلبوا الثمن ، فدفع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمن تلك الأرض وأذن ببناء المسجد . وقد عمل الرسول مع الصحابة جميعا في بناء المسجد ،

[[ لم يأمر أصحابه بالبناء وجلس في بيته ولما انتهى البناء شرّف الافتتاح وأعطوه مقصا وقص شريط الافتتاح !!!! ]]
حيث خلع رداءه - صلى الله عليه وسلم - وأخذ المعول وشرع بالعمل بكل اجتهاد وفرح؛ وكان يقول :
اللهم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجره . . . بدأ المسلمون بتسوية الأرض و إزالة ما فيها من عوائق و تجهيزها للبناء، ثم بناء الجدران من الطوب الترابي المعروف بالبناء قديما ، وكانت أعمدته من جذوع النخل، وسقفه من ورق النخيل ، وكان بناء متواضعا بسيطا ، وارتفاع المسجد على طول الرجل أو يزيد عنه قليلا .

كانت الخطوة الأولى هي بناء المسجد، وببناء المسجد استطاع – صلى الله عليه وسلم - تذويب الخلافات بين الأوس والخزرج، و بين طبقات المجتمع . وكان للمسجد دور كبير غير تأدية الصلوات الخمسة ، فكان مقر الحكم و الشورى ، والمعاهدات و القضاء ، واستقبال الوفود ،
ومكان لتربية الأطفال ، ومداواة المرضى ، ومأوى الفقراء وعابري السبيل . وفيه تعلم الصحابة أمور دينهم، فكان المسجد أشرف وأرقى جامعة عرفها الإنسان على هذه الأرض ، وخرج منه رجال أصبحوا أساتذة بأخلاقهم و سلوكهم ، وأطاحوا بأعظم دولتين في زمانهم
{{ الفرس و الروم }} . فمن هذا المسجد تخرجت السرايا والكتائب ، وفيه تعلم الصحابة الجهاد ، فكانوا خير فئة من أمم البشرية كلها ، وكانت شهادتهم عند التخرج من الله - عزوجل - وهذا نص الشهادة من القرآن :

{{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }} . ما أجملها من شهادة !!

وعند بناء المسجد تتجلى النبوءات على نبينا - صلى الله عليه وسلم - ونأخذ منها مثالا : تروي بعض كتب السيرة أنّ عمار بن ياسر : [[ والذي كان رقيقا في مكة، ذكرنا قصته حيث قُتل أبوه ياسر وأمه سميّة على يد أبي جهل تحت التعذيب ]]
كان عمار - رضي الله عنه - يعمل بجد و اجتهاد مع الصحابة ، ويحمل لبنتين وليس لبنة واحدة ، وكان هناك رجل من الصحابة يحب الأناقة ، ثوبه نظيف ، فكان إذا لمس ثوبه التراب أزاحه بيده ،وكان إذا حمل شيئا يبعده عن ثوبه كي لا يتسخ ، وكان أحد الصحابة ينشد شعرا
( ولا يقصد به أحدا ) ويقول : لا يستوي من يعمر المساجدا .. .يدأب فيها قائما وقاعدا . . . ومن يرى عن التراب حائدا .. ، فكان عمار بن ياسر يُعيد هذه الأبيات و هو يعمل ؛ فغضب الرجل الذي يحب الأناقة ، وظنّ أنه يقصده ؛ فقال ل عمار :

" يا ابن سمية !! بمن تُعرّض ؟ والله إن كررتها لأضربن وجهك بهذا الجريد [[ مين قصدك يا ابن سمية ، نسبه لأمه احتقارا ]] ، والصحابة يقعون بالخطأ ، وسيمر معنا في السيرة مواقف كثيرة ، فقط النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المعصوم .

غضب النبي - صلى الله عليه وسلم – غضبا شديدا لأجل عمار ، فالنبي لم يتعامل مع الناس على حسب أموالهم ولا على حسب نسبهم ، ولكن كان يعامل الصحابة على منهج الله - عزوجل - : {{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم }} . ثمّ قال – صلى الله عليه وسلم - : {{ إن عمار جلدة ما بين عيني وأنفي ، فإذا بلغ ذلك من الرجل فلم يستبق فاجتنبوه }}

يعني [[ إذا ضربت وجهه كأنك تضرب ما بين عيني وأنفي ]] ،بعد ذلك جاء عدد من الصحابة إلى عمار وقالوا : يا عمار لقد غضب من أجلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونخشى أن ينزل فينا قرآنا ،
فذهب عمار إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – يسترضيه ويمازحه ، فأخذ النبي ينفض التراب عن رأس عمار ، ثم ذهبا إلى مكان العمل ، واستمر عمار يحمل لبنتين لبنتين ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم - :

( يا عمار ، ألا تحمل لبنة لبنة كما يحمل أصحابك ؟ فردّ عليه قائلاً : " إني أريد الأجر عند الله " فالتفت النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه وقال : (ويح عمار ، تقتله الفئة الباغية ) رواه البخاري .

ويسمع الصحابة هذه النبوءة ، ويترقبون؛
يا ترى ... من الذي سيبتليه الله في قتل عمار؟؟ وتمضي الغزوات والسرايا كلها وعمار لم يقتل ، ويرحل النبي عن هذه الدار وعمار لم يقتل ، ويليه أبو بكر ثم عمر ثم عثمان وعمار لم يقتل ، حتى جاءت خلافة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ووقعت الفتنة مع معاوية ، ونظر الناس ، وإذا عمار في جيش علي بن أبي طالب ، وقد سقط شهيدا - رحمة الله عليه - وتحققت نبوءة النبي – صلى الله عليه وسلم - .

( اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم )

عطاء دائم
12-29-20, 08:35 AM
هذا الحبيب « 126 »
السيرة النبوية العطرة (( المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ))
__________
عند بناء المسجد قام - صلى الله عليه وسلم - فوضع {{ نظام المؤاخاة }} بين المهاجرين والانصار ، وكانت هذه الأخوة هي أخوة حقيقية وأخوة كاملة بحيث أن الأخوين يرث كل منهما الآخر، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم - :

إليّ يا معشر المهاجرين ،إليّ يا معشر الأنصار، حتى اقتربوا كلهم واجتمعوا إليه ، فقال : فلتتآخوا في دين الله أخوين أخوين [[ نفهم أن قواعد دولة الإسلام هي مسجد وأخوة في الله ، مش شمالي وجنوبي ، وشرقي وغربي !!! ]]

فكان النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يُؤاخِي بَيْنَ المهاجرينَ والأنصارِ، وكان الرَّجلُ مِنَ الأنصارِ يُشاركُ المهاجِرَ مالَه ودارَه وغيرَ ذلك، وكان إذا ماتَ يرِثُه هذه المهاجِرُ ، فكان الرَّجلُ يُعاقِدُ الرَّجلَ فيقولُ: دمِي دمُك، وثَأْري ثأرُك، وحَرْبي حرْبُك، وسِلْمي سِلْمُك، وترثُني وأرثُك
( و الذين عقدت أيمانكم ) ،
وقد استمرّ العمل بقضيّة التوارث زمناً ، حتى استطاع المهاجرون أن يألفوا المدينة ويندمجوا في المجتمع ، وفتح الله لهم أبواب الخير من غنائم الحرب وغيرها ما أغناهم عن الآخرين ، فنسخ الله تعالى العمل بهذا الحكم بقولُه تعالى:

{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} وقوله أيضا :{ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } أي:

وَارِثِينَ يَرِثونَه، فصارَ الإرثُ لِمُستحقِّه مِن أهلِ الميِّتِ، ونُسِخَ الميراثُ بَيْنَ المتعاقِدِينَ ، وبقِيَت النُّصرةُ والرِّفادةُ وجوازُ الوصيَّةِ لهم، وغيرها من معاني الأخوة ، أمَّا الميراثُ فيأخذُه مُستحِقُّه كما في كتابِ الله تعالى .

إن تلك المؤاخاة لم تُقم وزناً للاعتبارات القبلية أو الفوارق الطبقية ، حيث جمعت بين القوي والضعيف ، والغني والفقير ، والأبيض والأسود ، والحرّ والعبد ، وبذلك استطاعت هذه الأخوّة أن تنتصر على العصبيّة للقبيلة أو الجنس أو الأرض لتحلّ محلّها الرابطة الإيمانيّة ، والأخوّة الدينيّة ، وتعلم كل منهم على يد الآخر تعاليم الإسلام ، وتلاشت الحالة النفسية الصعبة للمهاجرين نتيجة الغربة ، و انحلت مشاكلهم الاقتصادية ، فكان هذا نجاحا كبيرا للقائد محمد

– صلى الله عليه وسلم .

وقد سجّل التاريخ العديد من المواقف المشرقة التي نشأت في ظلّ هذه الأخوة ، ومن ذلك ما حصل بين عبدالرحمن بن عوف و سعد بن الربيع - رضي الله عنهما - حيث عرض سعد على أخيه نصف ماله ليأخذه ، بل خيّره بين إحدى زوجتيه كي يطلّقها لأجله ، فشكر له عبد الرحمن صنيعه وأثنى على كرمه ، ثم طلب منه أن يدلّه على أسواق المدينة ، ولم يمرّ وقتٌ قصير حتى استطاع
عبدالرحمن بن عوف أن يكون من أصحاب المال والثراء .

ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ ، بل إن كثيراً من الأنصار عرضوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقسم الأراضي الزراعيّة بينهم وبين إخوانهم من المهاجرين ، ولكنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن تقوم هذه المواساة دونما إضرارٍ بأملاكهم ، فأشار عليهم بأن يحتفظوا بأراضيهم مع إشراك إخوانهم المهاجرين في الحصاد ، وقد أورث صنيعهم هذا مشاعر الإعجاب في نفوس المهاجرين ، حتى إنهم قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - :

يا رسول الله ما رأينا قوما قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ، ولا أحسن بذلا في كثير منهم ، لقد حسبنا أن يذهبوا بالأجر كلّه " ، فكانت هذه التضحيات سبباً في مدح الله لهم بقوله : { والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } . وقد حفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الفضل للأنصار ، فمدحهم بقوله :
( لو أن الأنصار سلكوا وادياً أو شعباً ، لسلكت في وادي الأنصار ) . وبيّن حبه لهم بقوله :

( الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ، ولا يبغضهم إلا منافق ؛ فمن أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله ) .
وبهذا نستطيع أن نلمس عظمة هذا الجيل الذي تربّى على يد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، عندما كانت الأخوة الإيمانيّة هي الأساس لعلاقاتهم ، فما أحوجنا إلى أن نتّخذ هذا المجتمع الفريد قدوة لنا في تعاملنا وعلاقاتنا .

وأثناء بناء المسجد النبوي ، خرج - صلى الله عليه وسلم - يتفقد المدينة ، فقد أصبحت مدينته ، فوجد أن السوق الرئيسي فيها يملكه يهود

[[ واليهود دائماً يضعوا أيديهم على شرايين الاقتصاد ، متخصصون بصياغة الذهب ، وتصنيع السلاح ]] فإذا ملكوا النقد وملكوا السلاح ماذا بقي لغيرهم ؟؟!! فلما رأى ذلك - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى موقع قريب من المسجد ، وأخذ عودا وخط به بالرمال ثم قال :
يا معشر المؤمنين، هذا سوق المسلمين لا يملكه أحد ، السوق لمن سبق ، ولا يبيع فيه أحد على بيع أخيه ، فنقل تجارة المسلمين إلى سوق كان يشرف عليه هو- صلى الله عليه وسلم – ويمنع الغش و الاحتكار .فأصبح للمؤمنين سوق فيه اقتصادهم ، ولم يعودوا آلة في يد اليهود يلعبون بهم كما يشاؤون .

ثم قام - صلى الله عليه وسلم - بوضع {{ وثيقة المدينة }} ما نُسمّيه اليوم : [[ دستور الدولة ]] ،وهو أول دستور مدني في التاريخ، ومفخرة من مفاخر الحضارة الإسلامية ، وكان يحتوي على {{ ٥٢ بندا }}
بعضها خاص بأمور المسلمين ، وبعضها خاص بتنظيم العلاقة بين المسلمين من جهة، وغير المسلمين من جهة أخرى ، وهم {{ المشركون واليهود }} ،

وقد كفل هذا الدستور لأصحاب الأديان الأخرى من المشركين واليهود ، جميع الحقوق الإنسانية كحرية الاعتقاد ، وحرية إقامة شعائرهم ، والمساواة والعدل، و على اليهود و المشركين نفقتهم و على المسلمين نفقته ( استقلال الذمة المالية ) ، و أي خلاف سيكون حلّه بالرجوع لكتاب الله وسنة نبيه ، كما نصت بنود هذا الدستور على أنه في حالة مهاجمة المدينة من قبل عدو، فعليهم أن يتحدوا جميعا لمواجهته .

وبذلك استطاع - صلى الله عليه وسلم - في فترة وجيزة جدا أن يحل جميع المشاكل المعقدة جدا التي واجهت المسلمين في المدينة بنجاح وحكمة ،شهد لها القاصي والداني . لذلك فإنّ مايكل هارت مؤلف كتاب
( الخالدون المائة الأوائل )
وضع شخصية النبي محمد الذي ولد في بيئة صحراوية جاهلة و فقيرة و بعيدة عن العلم ؛؛ وضعها {{ الأولى في كل العالم }} . هذه مدرسة محمد يا أمة الإسلام ؛ معين العلم والأخلاق و السياسة و الاقتصاد . . .
الذي لا ينضب .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
12-30-20, 07:51 AM
هذا الحبيب « 128 »
السيرة النبوية العطرة((هجرة بنات النبي وزوجاته، ومشروعية الأذان ))
__________
قلنا إنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - هاجر مفرداً بصحبة أبي بكر- رضي الله عنه - ولم يصطحب أهله ، [[ لأنه هاجر من أجل الدين وابتغاء وجه الله وكذلك الصديق ]] ، فلما استقر في المدينة اختار – صلى الله عليه وسلم - مولاه أبا رافع وزيد بن حارثة وأرسل معهم الدليل
{{ ابن أريقط }} ليأتوا بعائلة بيت النبوة من مكة ،فانطلقوا وأتوا بأهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وخرج بصحبتهم آل الصديق {{ زوجة أبي بكر ويقال لها أم رومان، والسيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق وهي زوجة " الزبير بن العوام " وكانت تحمل بابنها "عبدالله بن الزبير" في الشهر التاسع ، فما إن وضعت قدمها في المدينة المنورة حتى وضعت مولودها ، فكان أول مولود من المهاجرين في أرض المدينة المنورة ، وكان معهم أيضا السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق ، زوجة النبي التي لم يبن بها بعد [[ لأنه كما قلنا خطبها في مكة والخطبة في الإسلام تعني الزواج ، والبناء " الدخول " لم يتم إلا بالمدينة ]] .
قدم هذا الركب المبارك من أهل بيت النبوة ، وآل الصديق ولم يتخذ - صلى الله عليه وسلم - لأهله إلا حجرة واحدة لزوجه سودة وحجرة أخرى تضم ابنتيه }}.
مشروعية الأذان

الأذان معناه في اللغة : الإعلام . وفي الشرع : الإعلام بوقت الصلاة . فبعد بناء المسجد النبوي كانت الصلاة تعقد جماعة ولم يكن هنالك أذان ، فكانوا يحضرون إلى الصلاة عند وقت الصلاة ، فجمعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً وقال : لنتّخذ وسيلة تعلن وقت الصلاة ؛
فقال رجل منهم : نرفع راية يا رسول الله ، يحملها رجل على ظهر المسجد ، فإذا حان وقت الصلاة ، فيراها الناس فيتجمعون . فقال عليه الصلاة و السلام : إنها لا تصلح للنائم في الفجر ، ولا تنبه الغافل في الأسواق . فلم يعتمد هذا الرأي . فقالوا : نشعل ناراً فيراها الناس .فرفضها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنها شعار المجوس . قالوا : ننفخ في البوق كما يفعل اليهود . فقال :
إنا لا نريد تقليدهم . فقالوا : نضرب الناقوس [[ أي الجرس كما تصنع النصارى]] قال : إنه فعل النصارى .فقال قائل : نبعث من ينادي في الطرقات {{ الصلاة جامعة }} ،

فاستحسن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الرأي ، وأمر أربعة من الرجال ينادون في وقت الصلاة من جهات المسجد الأربعة {{الصلاة جامعة ، الصلاة جامعة }} ، فيجتمع الناس للصلاة .

ومضت هذه الطريقة أياما ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يفكر في موضوع النداء إلى الصلاة ، وكان هناك شاب اسمه {{ عبد الله بن زيد الأنصاري}}
كان يتردد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتحدث معه في أمر الأذان ، يقول هذا الصحابي : فذهبت ليلتها وأنا أفكّر في ذلك الحديث، فطاف بي من الليل طائف وأنا نائم ، رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله، فقلت : يا عبد الله أتبيع الناقوس ؟ قال وما تصنع به ؟

قلت : ندعو به إلى الصلاة . قال : أفلا أدلك على خيرٍ من ذلك فقلت : بلى . قال تقول : {{ الله أكبر الله أكبر .. الله أكبر الله أكبر .. أشهد أن لا إله إلا الله .. أشهد أن لا إله إلا الله .. أشهد أن محمدا رسول الله .. أشهد أن محمدا رسول الله .. حي على الصلاة .. حي على الصلاة .. حي على الفلاح .. حي على الفلاح .. الله أكبر الله أكبر ..لا إله إلا الله }} ثم استأخر غير بعيد [[ أي ابتعد عنه ]]

ثم قال: تقول إذا أقيمت الصلاة : {{ الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن ّمحمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله }} .

قال : فلما أصبحت ، أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بما رأيت . فقال : إنها لرؤيا حق إن شاء الله ، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فإنه أندى صوتاً منك. قال : فقمت مع بلال ، فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به . قال : فسمع ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول : والذي بعثك بالحق؛ لقد رأيت مثل الذي أري . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لله الحمد .

فتم الأذان على هذه الصورة التي تسمعونها ، ليس فيها {{ الصلاة خير من النوم }} في الفجر ، حتى كان بلال في يوم يؤذن للفجر ، فلما قال : حي على الصلاة ، وحي على الفلاح وهو رافع بها صوته ، تذكر أن الناس نيام ، فاجتهد من عنده وقال: {{ الصلاة خيرٌ من النوم }} ، لأن الناس نائمون ، فسمعها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له بعد أن أتم الأذان : نِعم ما قلت يا بلال ، اجعلها في الفجر دائماً .

ونرى كثيرا من الناس ينشغلون وقت الأذان ، ولا يُعظّمون هذه الشّعيرة للأسف؛ فمن السّنّة إجابة المؤذن و القول بما يقوله ، وعند الشهادتين يُستحب قول " رضيت بالله ربّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا " ، وعند حي على الصلاة وحي على الفلاح نقول : لا حول ولا قوة إلا بالله .

روى البخاري في صحيحه : " من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته ؛ حلت له شفاعتي يوم القيامة " .

وزاد البيهقي في آخره : إنك لا تخلف الميعاد .
__________
اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
12-30-20, 07:52 AM
هذا الحبيب « 129 »
السيرة النبوية العطرة (( إسلام حبر من أحبار يهود ))
__________
عندما استقر النبي في بيت أبي أيوب الأنصاري، جاء رجل من أحبار يهود كان يُردّ إليه علم اليهودية ، والحبر هو كبيرعلماء يهود، ولا يتصرفون إلا برأيه واسمه {{ عبدالله بن سلام }} . يقول عبد الله بن سلام - رضي الله عنه وأرضاه - لأنه أسلم وأصبح صحابي {{ كما جاء في البخاري }} :

جئت لأنظر إلى النبي وأنا أعرف وصفه كما أعرف أبنائي ، وأعرف أنّ به تُختم رسالات السماء ، وقفت بالباب دون أن أعرّف بنفسي ، ونظرت إليه وهو يكلم أصحابه، فسمعته يقول : {{ أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلّوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام }} .
قال: فنظرت في وجهه فقلت : وربِ موسى وعيسى ما هذا بوجه رجل كذاب !!! إنه هو!! وأخذت أتفرسه حسب ما أعرف من صفاته فأيقنت أنه هو . فدخلت وسلمت، ثم قلت : يا محمد ، أنا عبد الله بن سلام ، وإني لأجد نعتك وصفاتك في كتبنا، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ؛

ولكن يا رسول الله ، لا تعلن إسلامي على الملأ ، وادع إليك كبار يهود ، فإن اليهود [[ ركزوا ما يقول .. هو منهم ]] فإن اليهود ، أهل بهت وكذب وفجور ، [[ هو حبرهم ، وهو أعرف الناس ، بهم وهذه شهادته بهم ]] . فادعهم يا رسول الله ، واسألهم عني ، واسمع ما يقولون بي .. ثم أعلمهم بإسلامي ، ثم اسمع ماذا يقولون ؟!!!

فقبل النبي مشورته ،وأمر أبا أيوب أن يُدخل عبد الله بن سلام في حجرة داخل البيت ، وأرسل - صلى الله عليه وسلم - يدعو أحبار يهود أن يحضروا إليه ، من بني قريظة وقينقاع والنضير . فلما أقبلوا وجلسوا ؛ قال لهم - صلى الله عليه وسلم - يا معشر يهود

[[ ولم يخاطبهم يوماً بأل التعريف ، لأنهم لا يستحقونها ، فهم نكرة وأنكر خلق الله]] قال : يا معشر يهود ، تعلمون أنه بقي نبي من أنبياء الله تختم به شرائع الله ؟؟ وإني رسول الله إلى الناس كافة ، فاتقوا الله وآمنوا ، ولا تأخذكم العزة بالإثم . فقالوا : لا ، لست أنت المنتظر، نحن أعرف به منك .
فقال لهم :أيكم عبد الله بن سلام ؟؟

[[ انظروا إلى الحكمة؛ كأنه لا يعرف عبد الله بن سلام ]] أيكم عبد الله بن سلام الذي يرجع إليه القوم ؟؟ قالوا : ذاك ليس فينا [[ يعني مش معانا الآن ]] ، قال : فما هو فيكم ؟؟ [[ يعني ماهي منزلته عندكم ؟؟؟ ]] قالوا : هو سيدنا وابن سيدنا ، وأعلمنا وابن أعلمنا ، وأشرفنا وابن أشرفنا ، وإليه ترجع علومنا .

فقال لهم - صلى الله عليه وسلم - : فإن أسلم عبد الله بن سلام ، وصدّق أنني النبي المبعوث؛ فماذا تقولون ؟ قالوا : حاشاه أن يسلم ويؤمن بك!! إنه ينتظر النبي المبعوث . قال لهم : فإن أسلم ؟ قالوا : لن يسلم . قال : فإن آمن بي ؟ قالوا :حاشاه الله أن يؤمن بك فأنت لست نبيا .

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يااا ابن سلام ؛؛ فخرج من الحجرة وقال : لبيك يا رسول الله . ثم نظر ابن سلام إلى يهود وقال :

{{ يا معشر يهود : كنت أحدثكم زمنا عن نبي بقي لم يبعث .. به يختم الله شرائعه ، وقد عرفتكم وصفه ، وكلكم يعرفه ، وإني أشهد أنه هو هذا محمد رسول الله }}

فقالوا له : أنت أكذبنا وابن أكذبنا !! وأنت أسقطنا وابن أسقطنا !! وأنت لا علم لك ولا شرف ولا نسب فينا !! فلماذا نسمع قولك ؟ فقال عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - للنبي وهو ينظر إليه ، قال :أسمعت يا رسول الله ؟!!!! أسمعت ماذا قالوا لك عني قبل قليل ؟؟ واسمع ماذا يقولون الآن ؟؟

[[ ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم ، فلم يسمعوا كلمة الحق ، وأسلم عبد الله بن سلام وحده في هذا اليوم ، وكفرت أحبار يهود المغضوب عليهم ]] .
أسلم عبدالله بن سلام ، وأسلم أهل بيته رضي الله عنهم أجمعين .

__________
اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-01-21, 08:05 AM
هذا الحبيب « 130 »
السيرة النبوية العطرة (( موقف اليهود من النبي صلى الله عليه وسلم))
__________
أصبح - صلى الله عليه وسلم - {{صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في المدينة المنورة }} هو قائدها والمشرع عن الله فيها ، وإن كان الله قد أراحه من سفهاء مكة وقريش وأصنامها ، فقد ابتلاه الله في المدينة بأخس خلق الله وأحقرهم وأسفههم {{ اليهود المغضوب عليهم من رب العالمين }} فانتقل من سفاهة قريش ، إلى سفاهة اليهود ، لأن الله سماهم هكذا ولا نشتمهم تعصبا ولا مزاجية ، قال تعالى في حقهم :

{{ سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها }} عندما حُولت القبلة ، فالله سمى اليهود السفهاء ، فهم أسفهه خلق الله ولا أسفه منهم إلا من وثق بهم وتعامل معهم . كيف لا وقد قالوا لنبيهم موسى - عليه السلام - قالوا له : {{ سمعنا وعصينا }} ، فإذا كانوا يقولون هذا لأعظم أنبيائهم ، فماذا تتوقعون منهم ؟!!! ابتلى الله نبيّنا - صلى الله عليه وسلم – بهم ، ولحسن خلقه وسعة صدره صبر عليهم وبدأ مشواره معهم في المدينة ، وليحقق قوله تعالى :

{{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }} واليهود من العالمين فوسعهم بحلمه .
استقر بالمدينة - صلى الله عليه وسلم - وأخذ يوجه الدعوة إلى الله لليهود ، وأخذ اليهود يتقربون منه يريدون أن يستوثقوا أهو النبي الذي ينتظرون أم غيره ؟ ولأول مرة وقعت أبصارهم عليه عرفوه ؛ فساء صباحهم أنه من ولد إسماعيل ، غضبوا على الله لماذا اختاره من العرب ؟؟؟ !!

[[ كي نعلم أن عداوة اليهود متأصلة منذ أن بُعث محمد من العرب ]] فقد كانوا ينتظرون نبي آخر الزمان أن يكون من ولد إسحاق ويعقوب من بني إسرائيل ، لذلك اختاروا المدينة دار إقامة لهم ، وجاؤوا بقبائل ثلاث {{ قريظة وقينقاع والنضير }}

وسكنوا في المدينة ؛ لماذا ؟ لأنهم عرفوا في كتبهم موضع ولادته ودار هجرته ، وعند ولادته بشروا به، وأخبروا قومهم أنه طلع نجم أحمد صبح هذه الليلة .. ولما هاجر إلى المدينة قلت لكم في الجزء 129 إنّ أحبار اليهود نظروا إليه وكلموه وعلموا أنه هو .
حُيي بن أخطب زعيم يهود : ماذا قال حُيي بن أخطب عن النبي عندما وصل إلى المدينة المنورة ؟ حتى نُجيب على هذا السؤال دعوني انتقل بكم بالسيرة لغزوة خيبر قليلا ، لنربط الحدث مع بعضه البعض :
فتح النبي - صلى الله عليه وسلم - {{ خيبر }} وهزم اليهود من بني النضير، وتزوّج النبي - صلى الله عليه وسلم - {{ صفية بنت حيي بن أخطب }} ، فقد أسلمت و اطمأن قلبها بالإسلام - رضي الله عنها – تقول صفية : يا رسول الله ، لقد كان أبي {{ حيي بن أخطب }}
سيد بني النضير، وإليه مرجعهم ، وكان عمي {{ أبا ياسر }} حبرا من أحبارهم ، فلما سمعا بمبعثك هما و قبيلتنا اعتراهم جميعا همّ كبير، فما زالوا يترقبون أخبارك ، حتى قدمت إلى قباء ، فلما سمعا بقدومك ، خرجا إليك مغلسين [[ أي من الصباح ]] وكنت أحبّ الأبناء إليهما [[هي تقول عن نفسها كانوا يحبوني أكثر من كل أولادهم ، إذا خرجا وعادا ولقياني هششت لهما ، فأخذاني من دون أبنائهما ]] ،

فما عادا إلا مع سقوط القرص ( غياب الشمس ) فاترين كسلانين ، ساقطين يمشيان الهوينى [[ يعني مهدود حيلهم مع أنهم ما حاربوا !! راحوا شافوا أوصاف النبي أول ما وصل لقباء ورجعوا ]] قالت : فهششت إليهما كما كنت أصنع ، فوالله ما نظر إلي واحد منهما
[[ مش فاضيينلك معمي على قلبهم ]] قالت : فسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي حيي بن أخطب يسأله : أهو هو ؟ هل تيقنت منه كما نجده في كتبنا ؟؟ قال له حيي :أجل والله هو .. هو ، وربِ عيسى وموسى هو الذي كنا ننتظره . فقال عمي أبا ياسر: فماذا في نفسك منه ؟ [[ يعني شو موقفك الآن ]] ؟؟ قال أبي : عداوته ما حييت . قالت صفية : فأمسك عمي أبا ياسر بيديّ أبي وقال : يا أخي، أطعني في هذه واعصني بما شئت ..

لا تناصب الرجل العداء ما دام نبياً ورسولا فيهلكنا الله !!! فصاح وقال : لا ، لا ، سأعاديه ما حييت .
إذن ، اليهود يعرفون النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر ما يعرفون أبناءهم ولما جاءهم ما عرفوا كفروا به ، ومع ذلك كله ، رغب النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلامهم ، ولكن لم يؤمن منهم إلا أقل من عدد الأصابع ، وكفروا ولا إكراه في الدين ، ولم يلزمهم ويجبرهم على الإسلام .. ولكن جعل بينه وبينهم معاهدة [[ قوم يجاوروننا في المدينة ، ويدينون بغير ديننا ، إذا يجب أن يكون بيننا وبينهم عهود ومواثيق ]]

فكتب – صلى الله عليه وسلم - معاهدة تجمع الأوس والخزرج المؤمنين جانباً ، و قبائل اليهود الذين يجاورونهم جانبا آخر : وملخص المعاهدة لهم الحق أن يعيشوا في المدينة كأهل المدينة لا قيود عليهم أبداً ،يبيعون ويشترون ، ولهم حرية العبادة ، ولهم حقوق وعليهم واجبات .. حقوقهم أن تعيشوا معنا بأمان ، وواجبكم إذا هاجمنا أن تدافعوا عن المدينة كما ندافع نحن ، وإذا وقعت بينكم وبين أحد منا دماء الحكم فيها لله . . .


ولكن {{ اليهود والعهود ضدان لا يجتمعان أبداً أبداً }}، فقد التزم النبي معهم بالعهود بكل ما يرضي الله ، واليهود لم يوفوا له ببند واحد قط ، وهذا طبعهم " الغدر و الخيانة " ونزلت سورة البقرة وأكثر الآيات فيها تخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن خبث يهود ومكرهم . وسيأتي معنا بالتفصيل كيف عفا عن بني قينقاع وكيف أجلى بني النضير، وكيف ختم بالأمر بالقضاء على بني قريظة . . .
[[ ويا ليت أمتنا هالأيام تتّعظ من ماضي يهود مع المسلمين ]]

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-03-21, 08:31 AM
هذا الحبيب « 131 »
السيرة النبوية العطرة (( المنافقون في المدينة المنورة ))
___________
تكلمنا عن موقف اليهود ، من النبي - صلى الله عليه وسلم – و الآن نأخذ نظرة أيضاً عن المنافقين فيها ؛ فقد أصبحت المدينة تحت رعاية النبي - صلى الله عليه وسلم – وفيها المهاجرون و الأنصار من خيرة خلق الله ، تربوا في مدرسة محمد – صلى الله عليه وسلم – أحسن تربية ، حيث كان القرآن يتنزل في الليل والنهار، يبيّن لهم أمور دينهم ،فما أجملها من بيئة ! و ما أروعها من تربية !

ولكن جمال هذه البيئة لم يمنع أن يكون بين صفوف المسلمين منافقون؛ فلم تمنع هذه البيئة الإيمانية {{ عبد الله بن سلول أن يكون رئيسا للمنافقين }} ، فقد كان يصلي في الصف الأول في مسجد الرسول ، فإذا ما انتهى الرسول من خطبته ، وقف ابن سلول قائلا : يا معشر من آمن بالله ورسوله .. اسمعوا ، وأطيعوا ، وانصروا تُرحموا يرحمكم الله [[ أريتم النفاق وأهله ؟

كيف يرفع برقية ولاء وتأييد بين يدي النبي في كل خطبة ؟!ّ وفي نفس الوقت يكيد للنبي والمؤمنين في كل ساعة ]] . وقد نزلت فيه آيات تفضح صفاته وذلك عندما قال عبارة لنصرة رجل من الأنصار في إحدى الغزوات :

( عندما نرجع إلى المدينة سيُخرج الأنصار الأعزاء ، المهاجرين الأذلّاء ) فنزل القرآن يفضحه ، ويذكر كلماته ، كلمة ، كلمة : قال تعالى :

{{ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ }} ،

سماه الله منافقا في القرآن الكريم ، ومع هذا ؛ ولأن المنافق لا يستحي ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : {{ إذا لم تستح فاصنع ما شئت }} ، ومع ذلك قام أيضاً ابن سلول في الجمعة التي تلي نزول هذه الآية ليكمل نفاقه ، وقف وقال : يا معشر ... وقبل أن يتم كلامه كان رجل من الأنصار من قومه - أنصاري خزرجي ، ويعتبر ابن سلول سيده وأميره – قام و جذبه من ثوبه ، حتى أنزل ركبتيه إلى الأرض وقال له : اجلس قبحك الله ألا تستحي ؟!!!!!

ماذا تقول بعد أن نزل فيك قرآنا يتلى أترى أحد يثق بك أو يصدقك ؟؟ !! فغضب ابن سلول ، ونفذ صبره لأنّ المنافق لا يصبر ، فالمؤمن هو الصبور، فقام ابن سلول ، وتخطى الصفوف ، وهو يشتم ويلعن وخرج من المسجد والنبي على المنبر!! حتى لقيه رجل من قومه على باب المسجد فقال له : ويحك !! أين تخرج ورسول الله يخطب ؟

قال :قمت أؤيده ، وأشد أزره ، كما أفعل كل جمعة فقام أصحابه يتجاذبونني من ها هنا !! [[ شايفين النفاق ؟! كلمة تقال في مجلس على بعد ١٠ أمتار بتصير قصة ، أليس هذا واقعنا ؟؟ ]]
.فقال له الرجل : ويحك ارجع يستغفر لك رسول الله . قال ابن سلول :

لست بحاجة إلى استغفاره ، وأدار وجهه إلى الجهة الأخرى .فقال له الرجل الأنصاري : إني لأرجو الله أن ينزل في لوية عنقك هذه ، قرآنا يتلى إلى قيام الساعة [[ انظروا إلى صدق الصحابة وقلوبهم كيف كانت معلقة بالله ]] . وما هي إلا أن انتهى النبي - صلى الله عليه وسلم - من صلاة الجمعة ، وإذ بجبريل يهبط عليه بالقرآن :

{{ وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون * سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين }} .

أرأيتم هذا المجتمع الذي إذا تمنى فيه أحد من المسلمين الصادقين على الله أن ينزل آية .. أنزلها الله كما يريد .. أي مجتمع هذا ؟ ولكنه لم ينفع إنسانا فُطر على النفاق ، فلا نعلق فشلنا وبُعدنا عن دين الله على شماعة شيء يقال له {{ المجتمع }} والسيرة للتأسي برسول الله وصحابته الكرام .. هذا هو المجتمع المدني وحال الصحابة ، وهكذا كان المنافقون بينهم .

ننتقل الآن بإذن الله ، إلى باب الغزوات والسرايا لنتعلم الكثير من رجال تهتز الجبال لقوة إيمانهم و شجاعتهم ، وكل الأجزاء القادمة تمهيد لغزوة بدر ؛ أعظم غزوة وقعت في مواجهة الكفر ، و يجب متابعة كل الأجزاء لنفهم أكثر عن هذه الغزوة ، ونأخذ منها الدروس و العبر .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-06-21, 07:53 AM
هذا_الحبيب « 132 »

السيرة النبوية العطرة (( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ))

لقد ذكرنا كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعامل مع يهود المدينة ، وعقد معهم معاهدة
وماهو موقفهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وذكرنا المنافقون ايضاً ، في المدينة

وأصبح في المدينة فريقان
مسلمون من {{مهاجرين وأنصار }}
ويهود {{ أهل الكتاب }

وليس في المدينة غير هذين الفريقين
أما حول المدينة
فالناس كثيرة ومِلل متعددة ، منهم من يوالي في باطنه قريش
وفي ظاهره لا يعادي المسلمين ، خوفاً من بأسهم
ومنهم من يوالي المسلمين في باطنه ، ولكنه يخشى قريش فلا يظهروا تضامنهم مع المسلمين
فبعد مرور {{ ٧ أشهر بالتمام }} أذن الله لهم بالقتال


وقد وصلتهم أخبار أن قريش وضعت يدها على كل أملاكهم في مكة
حتى بيت النبي صلى الله عليه وسلم
إستولى عليه عقيل بن أبي طالب [[ إبن عم النبي أخو علي رضي الله عنه ]]
وباعه لغيره ، حتى لا يكون ملزم في رده في يوم من الأيام ، لأن الرحم تلعب دورها

وبلغت الأخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .. وإستأذن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
{{ كحمزة ، وعلي وغيرهم }}

أن يقاتلوا قريش ليأخذوا أموالهم
وايضا كان هناك في مكة بعض المستضعفين الذين حبسوا ومنعوا من الهجرة
فكان جوابه صلى الله عليه وسلم
{{ إن الله لم يأذن لي }} إستمر هذا الحال سبعة أشهر


كان القتال حتى هذه اللحظة منهياً عنه ، والقاعدة التى كان عليها المسلمون في مكة هي قول الله تعالى {{ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ }}
الى ان انزل الله قوله

{{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }}
ومعنى قوله تعالى ((بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا)) يعنى أذن للمسلمين القتال حتى يرفعوا عن أنفسهم الظلم الذي وقع عليهم ، سواء بمصادرة أموالهم وديارهم ، أو حبس المستضعفين من المسلمين بمكة وتعذيبهم وفتنتهم عن دينهم



أوحى الله لنبيه في آية صريحة ، تعبر عن شعور المسلمين وتفتح لهم باب الفرج
نقرأ الآيات بتفكر

{{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ }}
فكان هذا إذن من الله عزوجل للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام
بأن يتمرنوا على القتال ويدافعوا عن أنفسهم


على خلاف {{ المنهج المكي}}
في مكة كان الله عزوجل يصبر نبيه صلى الله عليه وسلم
{{ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ }}
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصبر أصحابه ،
فكان يقول لهم اصبروا ، وصابروا والله ، ليتمنّ الله هذا الأمر
يتبع إن شاء الله أول سرية {{ سيف البحر }}

صلى الله عليه وسلم

عطاء دائم
01-06-21, 07:55 AM
هذا الحبيب « 133 »
السيرة النبوية العطرة (( سرية سيف البحر .. أول سرية في الإسلام ))


. . . فلما أنزل الله – عزوجل – آيات الإذن بالقتال ؛ في {{ شهر رجب }} من السنة الأولى بعد استقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة المنورة : " أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا " ، كان الصحابة لم يقاتلوا بعد ، وقريش لم تخرج لهم بجيش ، فشرع - صلى الله عليه وسلم - " السّرايا " ، وهي التي تُعرف بلغة عصرنا {{ المناورات }} ، والسرية مصطلح يُطلق على الحملات التي كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يبعث بها الصحابة لاستطلاع أخبار الأعداء ، و أحيانا لقتالهم ، وقد تصل إلى 300 رجل .

وليكن معلوما لدى القاصي و الدّاني إنّ ما قام به المسلمون من سرايا و غزوات ومعارك ضد المشركين لم تكن بسبب حبهم لسفك الدماء، أو لأن دين الإسلام دين قتل ودمار- كما يقول أعداء هذا الدين من اليهود والنصارى والملحدين - إنما كانت لهذه المواجهات أسبابها المعلومة لدى الجميع ، بما فيهم هؤلاء المفترين، ولكنهم جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوا ،

ومن هذه الأسباب أنّ المشركين منعوا المسلمين من مهمتهم الأساسية على الأرض ، وهي نشر دين الله الحق ، فأراد المسلمون إظهار هيبة الإسلام و المسلمين ، كذلك الظلم الذي وقع على المسلمين من المشركين من هدم بيوتهم ، وأخذ أموالهم وإخراجهم من ديارهم ، كذلك فإنّ المسلمين لا يأمنون مكر قريش ، و الهجوم هو خير وسيلة للدفاع ، وغير ذلك من الأسباب .

أرسل الرسول – صلى الله عليه وسلم - أول سرية في الإسلام في شهر رمضان ، ولم يفرض الصيام عليهم بعد [[ كان الشهر اسمه رمضان ولكن لا يعرف بشريعة الصيام ]] فاختار- صلى الله عليه وسلم -عمه {{ حمزة بن عبد المطلب }} ، وعقد له لواء ، وبعث معه {{ ٣٠ رجلا كلهم من المهاجرين }} ،

وأرسلهم ليعترضوا عيرا لقريش [[ قافلة التجارة لقريش ]] جاءت من الشام، وفيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل . فأنتم أيها المهاجرون أصحاب الحقوق ، أنتم الذين قُتلتُم ، أنتم الذين أخرجتُم ، فجعل هذه السرية {{ ميدانا تدريبيا لهم }} ، وصل حمزة - رضي الله عنه - إلى منطقة سيف البحر[[ ساحله ]] ، ليعترض تجارة قريش . طبعا قريش قد أخذت أموال المهاجرين وأملاكهم ، وأموال الصحابة ، موجودة بهذه التجارة فما هي تجارة قريش ؟

وصفها الله في القرآن رحلتين : رحلة الشتاء إلى اليمن ، ورحلة الصيف إلى الشام ، ولا يعني ذلك رحلتين بالعدد ، و إنما يعني جهتين . وكانت تجارة قريش آمنة لا يعترضها أحد من العرب ذلك لأنهم أهل الحرم ، والعرب كلها ستأتي في موسم الحج للحرم فلا بد للعرب جميعا أن تكون علاقتهم مع قريش طيبة .
قرر - صلى الله عليه وسلم - أن يقطع على رجال قريش طريق تجارتهم جزاءً بما كسبوا ، ولا بد لطريق تجارتهم أن يمروا بالمدينة أو أطرافها ، فعقد لواء لعمه حمزة و {{ ٣٠رجل }} من المهاجرين ليعترضوا تجارة قريش ،

فلما وصلوا كان على رأس القافلة فرعونهم {{ أبو جهل }} وعدد قريش في حماية القافلة 300 رجلا ، يعني كل صحابي يجب أن يقابل ١٠ من قريش ، فلما استعد الفريقان للقتال ، خرج رجل اسمه {{ مجدي بن عمرو }}

وكان قد التقى الفريقان في أرضه ، فوقف وحجز بين الفريقين وأقسم عليهم أن لا يتقاتلوا ، وكانت قريش أصلا قد شعرت بالخوف ، وظنّ رجالها أن هذه السرية مقدمة لجيش المسلمين ، فقبلوا قريش هذا الرجاء ، وانصرف الفريقان دون قتال . فلما رجع رجال السّريّة إلى المدينة ، ذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فشكر لمجدي هذا الصنيع ؛ وذلك لقلة عدد الصحابة ، وكثرة المشركين ، وبعدهم عن ديار المسلمين فلا يصلهم المدد .

وكانت السرية الثانية سرية [[عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، يعني ابن عم النبي ]] ،

حيث عقد له لواء آخر يقدّر ب80 رجلا أيضاً كلهم من المهاجرين ،وأرسلهم إلى رابغ لاعتراض قافلة قريش، فما إن وصلوا حتى تراشقوا بالنبل، وكان أول سهم رمي في سبيل الله ، رماه الصحابي الجليل {{سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه}} ،وقد أصابوا من بعضهم وظنت قريش أيضاً أن عدد المسلمين إنما هو طليعة لجيش ، فهربت قريش وكان على رأس هذه التجارة أبو سفيان وكان عدد المشركين {{ ٢٠٠ رجل }} ،

فهذه السرية أعطت معنويات إيجابية للمسلمين ، ومعنويات سليبة في نفوس قريش ، وشاعت هذه الأخبار على لسان الشعراء من العرب ، فأصبح الناس يتحدثون {{ أن محمدا وأصحابه قد قطعوا تجارة قريش ، وأنهم هزموهم يوماً من الأيام }} .

وكانت السنة الأولى كلها سنة هجوم على قوافل قريش، فلقد جهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم – عدة سرايا لاعتراض عير قريش واستمرت هذه السرايا من رمضان السنة الأولى للهجرة إلى رمضان في السنة الثانية من الهجرة، بعضها وقع فيها التناوش ، وبعضها تفلت العير، وكان قادة هذه السرايا جميعًا من المهاجرين، وكان لهذا معنى خاصا في هذه الحرب، فأصل العهد مع الأنصار هو حماية


رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبه في المدينة، وهذه السرايا تعرض للقوافل خارج المدينة، وكانت السرايا بمثابة الإعداد العسكري لما يستقبله الصحابة من فتوحات وغزوات قادمة، وكانت السرايا شاهدا على إخراج جنود وقادة قامت على أيديهم نصرة هذا الدين .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-07-21, 08:34 AM
هذا الحبيب « 134 »
السيرة النبوية العطرة (( سريّة عبد الله بن جحش ؛مقدمة غزوة بدر الكبرى ))
______
كانت سرية {{ عبدالله بن جحش ابن عمة النبي }} - رضي الله عنه – هي مقدمة لغزوة بدر [[ هذه هي قوة و عزّة المسلمين : ضاع حقنا ، وظلمتنا قريش ، نحن نعرف كيف نستعيد حقنا ، لأن قريش أخرجتهم بالقوة ، و ملّة الكفر لا ترجع عن ظلمها إلا بالقوة ]] .
ففي رجب قبل {{ رمضان من السنة الثانية }} ، عقد - صلى الله عليه وسلم - لواء لثمانية رجال من المهاجرين ، كان أميرهم {{ عبدالله بن جحش }} ، ولم يّبيّن لهم - صلى الله عليه وسلم - الجهة ، فقد بدأت طوالع الجد الآن ، فقال لعبدالله بن جحش : امض في هذه السرية وهذا كتابي [[ أمر كاتب أن يكتب له وأغلق الكتاب والصحابة مؤتمنون ]]

وقال له : تسير من المدينة يومين ، لا تفتح الكتاب ، حتى إذا قطعت السير يومين عن المدينة ، افتح الكتاب وانظر أمري فيه . [[ هل رأيتم كيف يعلمهم السر والكتمان في القتال ؟؟ حتى لا تعلم قريش ، فعدد السرية قليل ، وقد شاع نفاق المنافقين وأصبح اليهود يتعاطفون مع قريش ]] . فأخذ - صلى الله عليه وسلم - يعلمهم السياسة و الحنكة في التعامل مع الأعداء ، وقد قلنا من قبل : السيرة منهاج حياة ، من أراد الفقه و التربية و الاقتصاد و كافة العلوم " فعليه بالسيرة " .

مضى عبدالله بن جحش مع أصحابه ، حتى إذا خرج من المدينة باتجاه مكة ، ومضى يومين فتح كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا مكتوب به :
[[ إذا قرأت كتابي ونظرت ما فيه ، فانزل نخلة ( نخلة على أطراف مكة )

وارقب لي قريشا ، واعلم لي أخبارها ( والسبب أنّ قريشا كانت قد خرجت في تجارة عظيمة ، ما من قرشي رجل أو امرأة يملك درهما وما فوق إلا ساهم في هذه التجارة ) ، ولا ترغم أحدا من أصحابك على ذلك ، وخيّرهم بين المضي معك أو الرجوع إلى المدينة ]] . فلما قرأ عبدالله كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال : سمعاً وطاعة يا رسول الله ، ثم قرأ الكتاب على أصحابه فقالوا جميعهم : نمضي لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ومضوا وكان معهم أربعة جمال ، كل اثنين لهم بعير ، وكان سعد بن أبي وقاص ورجل آخر ، يركبون بعيرا واحد ، وفي ذات ليلة أضاعوا البعير ، فلما ذهبا يبحثان عنه أضاعوا الركب، فضاعت البعير وضلوا طريقهم عن عبدالله بن جحش ومن معه . . .

فمضى عبدالله بن جحش ومن بقي معه {{٦ رجال }} ونزلوا في نخلة ، فكانت قافلة لقريش قادمة من اليمن وطريقها من نخلة ، فجاءت القافلة فيها الخير الكثير ، ورجالها قليل ، وكان أمير هذه التجارة رجل من قريش اسمه {{ عمرو بن الحضرمي }} . فلما وصلت التجارة نظر الصحابة وتحيروا !! قالوا : هذه تجارة لقريش ورسول الله أمرنا أن نرقب ، ولم يأمرنا بقتال ، ماذا نفعل ؟!! هل نهاجمها ونأخذ أموالنا منها ؟ أم نرقب أخبار قريش فقط ؟؟ ثم قالوا :أين نحن من رجب ؟؟؟

[[ فكانت الليلة الأخيرة من رجب ، ورجب من الأشهر الحرام والعرب تخاف القتال في الأشهر الحرم ]] فتساءلوا : هل غداً شعبان أم تتمة رجب ؟ فراقبوا الهلال ، فغم عليهم [[ لأن الطقس كان غائماً وماطراً فكان الموسم شتاء ]] ، فاجتهدوا ، وقالوا إنه آخر رجب ، و لا بأس أن نغزو القافلة

وكان عدد رجال قريش في القافلة {{ ٦ رجال فقط }} ، وعدد الصحابة أيضا {{ ٦ رجال }} ، فاجتهدوا وأغاروا على القافلة ، وأسرع رجل من الصحابة ، وأخذ سهما وزرعه في كبد عمرو الحضرمي فقتله ، وهرب اثنان من رجل قريش وأسروا منهم اثنين ، وأخذوا القافلة بما فيها {{ فكانت أول غنيمة للمسلمين }} من قريش ، واستطلعوا الأخبار ؛ فعرفوا أن هناك قافلة لقريش ستأتي من الشام ، وهي في طريقها لمكة ، قد تصل في رمضان أو نهاية شعبان ، هكذا الناس يتحدثون .

رجع الصحابة الستة إلى المدينة ، و ظنّوا ان سعد بن أبي وقاص وصاحبه ، قد أسرتهما قريش ، وأخبروا النبي- صلى الله عليه وسلم – بما حدث معهم فبيّن لهم أنّ اليوم الذي قاتلوا فيه كان آخر يوم في رجب [[ يعني حصل القتال في يوم رجب من الأشهر الحرم ، وهذا جريمة عند العرب ]] ، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوقف العير بما فيها ، لا يأخذ منها درهما واحدا ، و احتفظ بالأسيرين .

أرسلت قريش تشيع في العرب : محمد الذي يدعو إلى التوحيد ، ومكارم الأخلاق ينتهك الشهر الحرام ويحاربنا في الشهر الحرام !!! يا لهذه الجريمة وهذا العيب !! [[ أما مش جريمة كم واحد عذبوهم في البيت الحرام والأشهر الحرم وزهقت أرواحهم ، مش جريمة طردوهم من مكة ، مش جريمة منعوهم الصلاة ، أليس هذا واقعنا اليوم مع ملة الكفر ؟؟ ]] .

وثقل على النبي - صلى الله عليه وسلم - كلام قريش ، حتى اليهود أهل الفتن في المدينة قالوا : كيف يقاتل محمد في الشهر الحرام وهو يزعم أنه نبي ؟؟

وأرسلت قريش تطلب فداء الأسيرين ، فقال لهم صلى الله عليه وسلم : حتى يرجع صاحبينا سعد بن أبي وقاص وصاحبه ، فتبين أن سعد وصاحبه ليسا أسيري


ن ، وأنهما فقط قد ضلّا الطريق ، فرجعا مشيا على الأقدام إلى المدينة .فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم -إلى قريش أننا نقبل فداء الأسيرين ، فما أن تحركوا في فداء الأسيرين ، وإذا بالله - عزوجل - يؤدب أهل الكتاب من اليهود و كفار مكة ، ويشفع للصحابة الذين قتلوا {{ عمرو الحضرمي }} قال تعالى :

{{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }} .

يسألونك ، من الذين يسألون ؟؟
[[ مين غيرهم المغضوب عليهم {{ يهود }} أصحاب الفتنة؟ ما في غير اليهود اللي بستغلوا المواقف قائلين: يا محمد ، دينك يبيح القتال في الأشهر الحرم !!!

أليس دينك دين إبراهيم !! عملوها قصة !! ]]

، لكنّ الله أمر رسوله بالرد عليهم : قل قتال فيه كبير أيها الظالمون ، يا من طردتم المسلمين من مكة ، ولقد غفرالله لمن قتل عمرو الحضرمي ، فهم يرجون رحمة الله ، ( وبعد اليوم ما في شيء اسمه عدم القتال في الأشهر الحرام ، قاتلوهم أينما كانوا ) ، و أعطى النبي لقريش الأسيرين ولم يُرجع لهم تجارتهم ، وقد أعلن أحدهم إسلامه بين يدي النبي – صلى الله عليه و سلم - فرجعت قريش بأسير واحد .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-07-21, 08:36 AM
هذا الحبيب « 135 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة بدر و شهر رمضان ))
______
بداية نؤكّد دائما لكل العالم إنّ ما قام به المسلمون من سرايا و غزوات ومعارك ضد المشركين لم تكن بسبب حبهم لسفك الدماء، أو من أجل أن يسترد - صلى الله عليه وسلم - بعض الأموال ، أو لأن دين الإسلام دين قتل ودمار- كما يقول أعداء هذا الدين من اليهود والنصارى والملحدين - بالطبع لا .... ،

إنما كانت لهذه المواجهات أسبابها معلومة لدى الجميع ، بما فيهم هؤلاء المفترين، ولكنهم جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوا .

ومن هذه الأسباب أنّ المشركين منعوا المسلمين من مهمتهم الأساسية على الأرض ، وهي نشر دين الله الحق ، فأراد المسلمون إظهار هيبة الإسلام و المسلمين ، كذلك الظلم الذي وقع على المسلمين من المشركين من هدم بيوتهم ، وأخذ أموالهم وإخراجهم من ديارهم ، كذلك فإنّ المسلمين لا يأمنون مكر قريش ، و الهجوم هو خير وسيلة للدفاع ، فأراد – صلى الله عليه وسلم - أن يفرض ما نسميه اليوم {{ حصارا اقتصاديا على مكة }} ،

فقريش تحتل مكة ، بلد الله الحرام ، وتضع الأصنام حول الكعبة وفوقها ، وهناك من يطوف بالبيت عريانا، وكل هذه أوضاع، غير مقبولة، ولا يمكن أن يسمح الرسول - صلى الله عليه وسلم – باستمرارها ، و أيضا الكعبة وبيت الله الحرام ملك للمسلمين، ويجب أن تكون تحت حكم المسلمين ، و قريش تمنع المسلمين من زيارة بيت الله الحرام أو العمرة أو الحج .

وأيضا قريش لها مكانتها في الجزيرة، وهي تستغل هذه المكانة في الدعاية ضد المسلمين ، وتشويه صورتهم ، كما تستغلها في تخويف العرب من الانضمام لمعسكر المسلمين، أو الدخول في الاسلام، وهي أيضا تحبس عددا من المسلمين المستضعفين في مكة، وتعذبهم وتفتنهم عن دينهم، كلّ ذلك جعل من قريش هي العائق الأول للرسول - صلى الله عليه وسلم - في نشر الرسالة في الجزيرة ثم في العالم بعد ذلك ، لأن رسالته {{ للناس كافة }} .هذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {{ النبي القائد }} الذي يفكّر دائما في رفع هيبة المسلمين .

بدر و شهر الصّيام

شهر رمضان كان معروفا عند العرب بهذا الاسم ، الذي كان مجيئه وقت أن كان بدء الحر وشدته وهو ما يسمى "الرمضاء"، أمّا عند المسلمين فقد ارتبط الاسم " بالصيام " لما فيه من صبر و تحمل للجوع والعطش ، ومعركة بدر كانت في {{ ١٧رمضان }} من السنة الثانية للهجرة ، وكانت فريضة الصيام قد شرعت على المسلمين في شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة، أي قبل الغزوة بشهر تقريبا .

وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة قبل أن يُفرض الصيام يصومون بعض الأيام ، لأن الصيام جاء بالتدريج في أول الأمر، مثل ما جاءت كثير من التشريعات بالتدريج مثل الصلاة و الجهاد و تحريم الخمر . . .

وأول صيام كان لما دخل النبي- صلى الله عليه وسلم - للمدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه [[ يوم انشق البحر لسيدنا موسى عليه السلام ]]

فصامه موسى شكرا ، فنحن نصومه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نحن أحق وأولى بموسى منكم ، فصامه - صلى الله عليه وسلم – و حثّ أصحابه على صيامه . ثم فرض الله صيام شهر رمضان ، قال تعالى :


{{ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }} .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-08-21, 08:13 AM
هذا الحبيب « 136 »
السيرة النبوية العطرة (( خروج المسلمين لبدر ))
______
غزوة بدر تسمى {{ بدر الكبرى }} ، وتسمى {{ يوم الفرقان }} كما سماها الله في القرآن الكريم ، وبدر هي التي أحقت الحق وأبطلت الباطل ، وهي يوم نُصرت فيه القلة على الكثرة ، فقلبت موازين الكون ، لأن القاعدة الشعبية تقول {{ الكثرة تغلب الشجاعة }} ، ولكن صدق الإيمان غلب الكثرة ، وجعلت الكفار يولون الأدبار، و{{ بدر }} أعظم درس للمسلمين على مرّ الزمان ، خاصة في ظل الظروف التي يعيشونها الآن .

قرر- صلى الله عليه وسلم - أن يترقب قافلة قريش عند عودتها من الشام الى مكة ، وكل المعلومات تقول إنها قافلة ضخمة، واستيلاء المسلمين عليها تعتبر ضربة اقتصادية قوية جدا لقريش ، كما علم أن الحراسة التي على تلك القافلة ضعيفة لا تتناسب مع ضخامتها ، وأنها لا تزيد على سبعين رجلا ، وأنها {{ بقيادة سيد قريش أبو سفيان }} .

وقف - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه وقال لهم : هذه عير قريش فيها أموالهم ، فاخرجوا إليها، لعل الله يجعلها غنيمة لكم ، وكلمة العير تعني [[ الإبل التي تحمل التجارة ]] ، وقال : من كان ظهره حاضرا فليركب معنا ،[[ ومعنى الظهر في اللغة يعني الدابة، أي الناقة أو الحصان، فمن كانت ناقته أو حصانه جاهزا فليأت معنا ]] ، فجعل بعض الصحابة ، يسأذنون النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن يأتوا بدوابهم من خارج المدينة، فلم يأذن لهم النبي وقال : لا ، إلا من كان ظهره حاضرا ،

[[ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان متعجلا ، ويخشى أن تفوته هذه القافلة عند رجوعها من الشام ، فعرف الناس أن الرسول لا يريد قتالا، لأنها عير لقريش فيها سبعون رجلا يعني مش مستاهلة ]] ، وكان ممن لم يخرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - {{عثمان بن عفان}} ، لأن {{ زوجته السيدة رقية }} بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت مريضة مرضا شديدا، فظل معها عثمان بن عفان حتى يرعاها في مرضها .


خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المدينة يوم السبت {{ ١٢ رمضان }} في السنة الثانية من الهجرة ، فخرج معه من المهاجرين والأنصار {{ ٣١٣ رجلا }} ولم يكن معهم من الخيل إلا اثنان ؛أحدهما للزبير بن العوام ، ابن عمة النبي- صلى الله عليه وسلم - ، والثاني للمقداد بن الأسود ، ولم يكن معهم إلا {{ ٧٠ جملا }} ، فكان كل ثلاثة أو أربعة مشتركين على جمل ، حتى النبي - صلى الله عليه وسلم - كان معه علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة [[ يعني رسول الله ركب ثلث الطريق ومشى ثلثيها فوق رمال الصحراء الملتهبة ]] .

. . كان إذا جاء دوره بالمشي يقول له أصحابه : اركب يا رسول الله ونحن نمشي بدلاً عنك ؛ فيقول - صلى الله عليه وسلم : ما أنتما بأقوى مني على المشي ، وما أنا أغنى منكما عن الأجر ، أركب إذا جاءت نوبتي وأمشي إذا جاءت نوبتي ، فكان - صلى الله عليه وسلم - مثله مثل أصحابه ، وهكذا كان أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف ، يشتركون في بعير واحد ، والمسافة لبدر تقريبا {{ ١٥٠ كم }} .
فلما خرج - صلى الله عليه وسلم - والهدف عنده وعند أصحابه عير قريش ليس إلا ... [[ يعني لم يفكروا بالقتال على الإطلاق ]] ، حتى وصلوا الى مكان على طرف المدينة اسمه {{ بيوت السقيا : وهي آبار عذبة على بعد حوالي كيلو ونصف من المدينة }}،فوقف هناك - صلى الله عليه وسلم - يستعرض أصحابه [[ يعني يشوف من هم الصحابة الذين خرجوا معه ، كم عددهم ، ينظمهم ]] فوجد فيهم غلمانا [[ شباب صغار بالعمر يعني ١٤ _ ١٥ سنة ]] كعبدالله بن عمر، وزيد بن ثابت و{{ عمير بن أبي وقاص عمره ١٦ سنة أخو سعد بن أبي وقاص ، الذي كان يتوارى حتى لا يراه رسول الله و يستصغره و يرده عن الخروج }} ،

يقول سعد : فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له : ارجع يا عمير ،فأخذ يبكي بكاء شديدا ، وارتفع صوته بالبكاء، فلما رأه النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الوضع سمح له بالخروج ،لأنه وجد فيه جدية ورجولة مبكرة

( وهذا درس في قوة الإيمان و الشجاعة يجب أن يتعلمه أبناؤنا و شبابنا الصغار ) ، و كان قد استخلف على المدينة في الصلاة على الناس{{ عبدالله بن أم مكتوم : أتذكرون هذا الاسم ؟ عبس وتولى أن جاءه الأعمى }} ، [[ بصراحة بستغرب من البعض الذين يقولون : لا تجوز إمامة الأعمى !! أهم أدرى أم النبي الذي استخلف أعمى للإمامة بالناس ؟؟ ]].

وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعرض أصحابه ، ثم قسمهم فرقتين
ميمنة وعلى رأسها {{الزبير بن العوام }} ، وميسرة وجعل على رأسها {{المقداد بن عمرو }} وهما فقط يمتلكان الخيل ، ثم جعل لهم لواءين ؛ واحدا للمهاجرين حمله {{ علي بن أبي طالب }} ، والآخر للأنصار حمله {{ سعد بن معاذ }} ، وكان لونهما أسود .

ثم قال - صلى الله عليه وسلم - لرجل من أصحابه : قف واحذر أصحابنا [[ يعني شوف عددهم ]] ، فقال: يا رسول الله عددهم ، ثلاثة عشر وثلاثمئة رجل ، فسُرَ بهذا العدد صلى الله عليه وسلم .

ثم مضى الركب على بركة الله ، ونظر الرسول إلى المدينة وبسط كفيه ودعا لها وفي ذلك الموقف جعلها {{ حرما }} ، فقال : {{ اللهم إن نبيك إبراهيم قد دعا لمكة وحرم مكة ، وإني محرم المدينة ، اللهم كما باركت لأهل مكة فبارك لأهل المدينة ضعفي ما باركت لأهل مكة }} ،
ثم دعا لأصحابه و مضى على بركة الله .

ومازال يمشي ويترقب الأخبار حتى وصل إلى ( الروحاء ) ؛ وهو موقع لبئر ماء يبعد عن المدينة المنورة قرابة 60 كيلو مترا ، فلما وصل الروحاء وهو يترقب الأخبار ، علم أن أبا سفيان قد علم بخروجه وأخذ يستنفر قريش لنجدته ،{{ وما في غير المغضوب عليهم ، يهود ومنافقو المدينة من أخبر أبا سفيان بخروج المسلمين ، فهم أصحاب مكر و فتنة }} ،
فقد أرسل أبو سفيان رجلا على الفور يستنجد بقريش واسمه {{ضمضم بن عمرو الغفاري }} ليستنفر قريشا للدفاع عن أموالهم .


يتبع . . .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-08-21, 08:15 AM
هذا الحبيب « 137 »
السيرة النبوية العطرة (( خروج قريش لبدر ))
______
عندما وصل خبر خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي سفيان أرسل رجلاً يستغيث بقريش ، ويستنفرهم لحماية القافلة ، وكان اسم هذا الرجل {{ ضمضم بن عمرو }} وهذا الرجل [[ مثل ما بنحكي شغل دعايات ، كيف لما واحد يدخل انتخابات بيعمل واحد للدعاية الانتخابية ، ضمضم نفس الشي أرسله أبو سفيان لهذه المهمة ]] فماذا فعل هذا الداهية ؟

ما إن وصل إلى مكة حتى شق قميصه ، وجدع أنف بعيره، و وقف تحت رأس البعير ، حتى سالت الدماء على رأسه وملابسه ، ودخل مكة على هذه الهيئة ، ثم أخذ يصرخ :

يااااا معشر قريش ! اللطيمة ، اللطيمةَ [[ اللطيمة يعني القافلة ، ولم يكن أحد في قريش الا وهو مشارك بماله في هذه القافلة ]]، إنّ أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه ، لا أرى أن تدركوها !! الغوث الغوث ؛ فلما رأت قريش ذلك ، اشتعلت وهاجت وماجت وثارت وقالوا : أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟؟ كلا، والله ليعلمن غير ذلك .

وبدأ الناس يتجهزون للخروج سريعا ، فتجمع لقريش {{ ١٣٠٠ مقاتل }} فيها {{ ٢٠٠ }} فارس ، ومعهم عدد كبير من الجمال، وخرجوا سريعا ، والمغنيات يضربن الدفوف لتحميس الرجال ، ويغنين بهجاء المسلمين ، وأخرج أبو جهل - قاتله الله - بعيرا خاصا {{ يحمل إناء الخمر }} يسقي الرجال، ويشجعهم على القتال .

وبالرغم من أن قريشا كانت تعلم بقلة عدد المسلمين ، إلا أن كثيرا من شرفاء قريش ترددوا في الخروج ، ومن هؤلاء {{ أبو لهب زوج حمالة الحطب عم النبي - صلى الله عليه وسلم – فقد خاف من المواجهة، وخاف من الموت لأنه كان متأكداً من صدق ابن أخيه ، فلم يخرج ؛ لكنه استأجر رجلا بـ ٤ آلاف درهم على أن يكون مكانه ، محتجا بأن صحته لا تعينه على الخروج }} .

ومن الذين ترددوا في الخروج أيضا {{ أمية بن خلف }} " لكنه خرج أخيرا " اسمعوا قصته :

عندما انطلق {{سعد بن معاذ }} سيد الأوس بعد الهجرة إلى مكة معتمرا نزل على {{ أمية بن خلف }} وكان صديقا له ، حيث كان أمية إذا ذهب إلى الشام ومر بالمدينة ينزل على سعد والعكس ، فقال له أمية : ننتظر حتى إذا انتصف النهار ، وغفل الناس ؛ طفت بالبيت ، فلما جاء منتصف النهار وبينما سعد بن معاذ يطوف رآه أبا جهل فعرفه ، فقال أبو جهل:

تطوف بالكعبة آمناً ، وقد آويتم محمدا وأصحابه ؟ فصرخ في وجهه سعد وقال : والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت ، لأقطعن متجرك بالشام ،وكان أمية واقفاً معهما،فقال أمية لسعد : يا سعد لا ترفع صوتك على أبي الحكم ، فإنه سيد هذا الوادي ، فأمسك أبو جهل بسعد ، وأمسك سعد بأبي جهل ، فأخذ أمية يبعدهما عن بعضهما ، ويصرخ في وجه سعد : لا ترفع صوتك على أبي الحكم ، و كأنه يدافع عن أبي جهل .

فغضب سعد لأن أمية لم يقف معه ، وكان يجب أن ينصره وهو ضيف عنده وقال لأمية : دعنا عنك [[ يعني أنت ما في منك فائدة ، فوالله لقد سمعت رسول الله أنه قاتلك !!! ]] فخاف أمية واصفر وجهه من الخوف ، وقال :

والله إن محمدا لا يكذب إذا حدّث ، ورجع أمية إلى زوجته مذعورا . فلما جاء النفير إلى بدر، تذكر أمية هذا الموقف ، فأراد أن يتخلف أمية بن خلف ، لأنه يعلم صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأراد أن يرسل مكانه رجلا مثلما فعل أبو لهب ، فسمع أبو جهل بذلك ؛ فجاءه وهو جالس في نادي قومه ومعه عقبة بن أبي معيط ، فكان واحد منهم يحمل مجمرة ، والآخر يحمل مكحلة ، فوضعاها بين يدي أمية بن خلف ، وقال له أبو جهل ساخرا : اكتحل يا سيد قومه واستجمر

[[ اي تطيب بالبخور كالنساء ]] ، فغضب أمية وقال : قبحكم الله وقبح ما جئتم به ، لتعلمان أني أول من يقاتل ، واضطر للخروج معهم لبدر ، وقد قًتل في بدر كما أخبر نبينا وحبيب قلوبنا - صلى الله عليه وسلم - .

وكان ممن خرج مكرها {{ العباس }} عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وصديق طفولته ، وقد كان في مكة ، ويكتم إسلامه ، خرج و وقع في الأسر ، وسيأتي ذكره بالتفصيل ، وكان ممن خرج مكرها أيضا {{ أبو العاص بن ربيع }}

زوج السيدة زينب بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد كانت - رضي الله عنها - لا تزال في مكة مع زوجها ، قبل أن يفرق الإسلام بين الزوجين المؤمن والكافر ، فكان أبو العاص بن ربيع يكره محاربة حماه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكنه خرج مكرها حتى لا يُتهم بالجبن ، أوأن يُتهم من قريش بأنه يخاف من زوجته ، خرج و وقع بالأسر أيضاً ، وسيأتي ذكره بالتفصيل .

وكان ممن خرج كذلك مكرها بعض المسلمين في مكة الذين لم يستجيبوا لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بترك مكة والهجرة إلى المدينة ، لأنهم خافوا على أموالهم وديارهم ، واختاروا الدنيا على الآخرة، وهؤلاء حكم الله تعالى على من قًتل منهم في المعركة بأنه مات على الكفر ،

قال الله تعالى عنهم :
{{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ۖ


قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}} .

و من المواقف التي وقعت في هذه الفترة ، أن {{عاتكة بنت عبد المطلب }}عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - رأت قبل قدوم ضمضم إلى مكة بثلاثة أيام رؤيا عجيبة !!!

رأت راكبا أقبل على بعير حتى وصل مكة ، وهو ينادي بأعلى صوته: ألا تنفروا لمصارعكم يا آل غدر، ثم أخذ صخرة كبيرة فقذف بها ، فأقبلت تهوي ، حتى إذا كانت بأسفل الجبل تفتت فما بقي بيت من بيوت مكة إلا دخلت منه فلقة، إلا بيوت {{ بني زهرة }} ، فزعت عاتكة من هذه الرؤيا فأرسلت الى أخيها العباس وقصت عليه الرؤيا ، فقال لها : والله إن هذه لرؤيا فاكتميها، ولا تذكريها لأحد.

[[ يعني رؤيا عاتكة ، تخبر أن بيوت مكة كلها سيكون منها قتيل ، إلا بني زهرة أخوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعلا بني زهرة لم يشتركوا مع قريش في بدر، وتحققت الرؤية و انهزمت قريش شرّ هزيمة ]] .
خرجت قريش بكبريائها وعدائها لله ورسوله ، وخرج - صلى الله عليه وسلم -بإيمانه وبخشوعه مع أصحابه يريدون أن ينتصروا لدين الله ،

يتبع . . .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-10-21, 08:45 AM
هذا الحبيب « 138 »
السيرة النبوية العطرة (( أبو سفيان يهرب بالقافلة عن طريق الساحل ))
______

لماذا اختار النبي - صلى الله عليه وسلم – بدرا ؟؟ لأن أبا سفيان وقافلة قريش الآتية من بلاد الشام لا بد لها أن تمر إلى بدر، لأن بدرا فيها الماء وهي طريق الشراب للعير ، فكانت خطة النبي - صلى الله عليه وسلم - هي أن يعترض العير عند بدر ، وبدر هو واد يبعد عن المدينة {{ ١٥٠ كم }} ، فيه مجموعة من الآبار ، كانت القوافل التجارية التي تمر بهذا الطريق تتوقف عند بدر، فتشرب الإبل ، ويملؤون أسقيتهم ، ويرتاحون ، وترتاح الإبل ، [[ يعني مثل ما نسميها الآن على طريق السفر استراحة ]]

واسمها بدر؛ لأن في البداية كانت البئر{{ لرجل اسمه بدر }} لذلك سميت آبار بدر . وقبل أن يصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر أرسل اثنين من الصحابة إليها ليستطلعا الأمر، [[ يكتشفان الطريق ، ويعرفان أخبار القافلة متى تصل ]] ،

فلما وصلا إلى ماء بدر، سمعا جاريتين إحداهما تطالب الأخرى بدرهم لها عندها ، وترد عليها الأخرى : بأنها سترد لها الدرهم عند وصول قافلة قريش غدا أو بعد غد ، [[ يعني بس توصل قافلة قريش ونسترزق منهم ، بردلك الدرهم ، فموعد وصولهم اقترب غدا أو بالكثير بعد غد ]] فعرف الصحابيّان أن قافلة قريش تبعد عن بدر مسيرة يوم أو يومين ، فرجعا و أخبرا النبي - صلى الله عليه وسلم - .

الآن ننتقل مباشرة إلى أبي سفيان وقافلة قريش ، أبو سفيان عنده خبر بخروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبدر ، وقد أرسل {{ ضمضم }} ليستنجد بقريش ، وفي نفس الوقت كان أبو سفيان يتقدم بقافلته تجاه بدر بحذر شديد، وقد شك أن يتربص به المسلمون عند بدر، ولذلك عندما اقترب من بدر أوقف القافلة بعيدا عن بدر، وتقدم إلى بدر بنفسه ، فلما جاء أبو سفيان إلى بدرسأل القبائل التي تقيم عند بدر : هل رأيتم جيشاً ؟؟

هل رأيتم محمدا ؟؟ قالوا له : ما رأينا شيئا ، إلا إننا قد رأينا راكبين أتيا إلى هذا المكان

[[ وأشاروا إلى المكان الذي كان به الصحابيان فأناخا به ، ثم استقيا وانصرفا ]] ، فجاء أبو سفيان إلى مكان وقوف خيل الفارسين ، فأخذ من روثها [[ أي براز الخيل ]] ، وفركه في يده ، وفتته فوجد فيه نوى التمر ، فقال : هذه علف يثرب

[[ أرايتم ذكاء العرب ؟؟ ]]، هذه والله عيون محمد وأصحابه، ما أرى القوم إلا قريبا منا .
فرجع أبو سفيان إلى القافلة مسرعا ، وأوقف بالطبع التقدم ناحية بدر ، ثم اتجه بالقافلة على ساحل البحر الأحمر ، وسار بمحاذاة الساحل ، وهو طريق لا تسلكه القوافل لأن فيه صعوبة في السير، وبذلك استطاع أن ينجو بالقافلة و أرسل إلى جيش مكة أنه قد نجا بالقافلة ، وطلب منهم الرجوع إلى مكة ، ولا حاجة لنا بالقتال بصفته {{ زعيم قريش }} في ذلك الوقت .

وصلت رسالة أبي سفيان ونجاة القافلة لجيش قريش وهو بالجحفة ، التي تبعد عن مكة حوالي {{ ١٨٠ كم }} ،

واستعد الناس للرجوع وأعجبهم الرأي، [[ لأنهم خرجوا يحمون تجارتهم ]] ، فقام (( أبو جهل )) وأصر على استكمال السير وقال في كبريائه وغطرسته : والله لا نرجع حتى نرد بدرا ، فنقيم عليها ثلاثا ؛ ننحر الجزور، ونطعم الطعام ، ونسقي الخمر، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا .

وصارت مناقشات بين سادة قريش ، فقام حكيم بن حزام

[[ تذكرون هذا الاسم ؟ تكون خديجة رضي الله عنها عمته ، لما أهداها زيد بن حارثة ]]، حكيم كان من عقلاء قريش ، لم يعجبه كلام أبي جهل ، فذهب إلى عتبة وطلب منه الحديث ، [[ وكان عتبة أكبر رجل في قريش بالعمر وكان سيدا في قومه ]] فخاطب عتبة قريشا قائلا :

أيها الناس قد سمعتم أن تجارتكم في أمان ، وإن الذي أرسل يستنصركم ، أي أبو سفيان هو الذي أرسل إليكم عدم الخروج للحرب ، فإني أرى أن نرجع ولا نرد ماء بدر، فإنها حرب لا أراها إلا قرون ، ينظر الرجل في وجه الرجل يكرهه ، يقول هذا قتل أخي ، وهذا قتل أبي ، وهذا قتل عمي ؛ فإنما هم أهلكم ، واتركوا محمدا ومن معه للعرب ، فإن أصابوه فقد كفيتم منه ، وإن ظهر محمد فعزه عزكم .

فقام أبو جهل وقال كلمات استفز فيها عتبة بن أبي ربيعة ، وأبطل حكمته ، فغضب عتبة ونفخ الشيطان في أنفه ، فأقسم عتبة أنه أول من يخوض الحرب ، فحمي وطيس الحرب ، ووافق أبو جهل غالبية أهل مكة، بينما لم يوافقه {{ بنو زهرة }} و انسحبوا عائدين الى مكة ، فقل عدد جيش قريش ، و أصبحوا قرابة الألف .
يتبع إن شاء الله . . .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-13-21, 07:47 AM
هذا الحبيب « 139 »
السيرة النبوية العطرة (( النبي - صلى الله عليه وسلم - يستطلع خبر قريش ))
______
تقدم جيش قريش إلى بدر لمواجهة المسلمين ، رغم أن قافلة أبي سفيان قد نجت ؛ فوصلت أخبار للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأن أبا سفيان قد هرب بالقافلة من جهة الساحل ، وأنه استنجد بقريش ، وأن قريشا في طريقها إلى بدر . قال تعالى :

{{ إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ }} ، [[ العدوة يعني حافة الوادي ؛ بدر منطقة وادي لها حافتان : العدوة القصوى يعني حافتها القصوى أي البعيدة جهة مكة ، والعدوة الدنيا أي حافتها القريبة جهة المدينة المنورة التي وصل إليها النبي - صلى الله عليه وسلم – الآن ]] .


وصل - صلى الله عليه وسلم - إلى العدوة الدنيا ، وأيضا وصلت قريش للعدوة القصوى وأناخوا بها واستراحوا ، وكان بينهما تلال لا يرى من خلالها أي فريق الآخر . فلما وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - هناك خرج بنفسه ، واصطحب أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - ليستطلع الأخبار بنفسه ، فجاءا على شيخ من شيوخ العرب كبير يقال له {{ الضمري }} ،

وسأله النبي : ماذا عندك من خبر قريش وعيرها ؟ ومحمد وصحبه ؟؟ فقال الشيخ : ممن أنتما ؟ {{ يعني إنتوا من أي فريق مشان يعرف كيف يحكي معهم }} ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أخبرتنا أخبرناك

[[ أول شيء أخبرنا وسوف نخبرك ]] فقال الشيخ : فإني سمعت أن محمدا وأصحابه [[ وهو لا يعرف النبي ]] خرجوا بغية عير قريش ، في يوم كذا وكذا ، فإن كان قد صدق من أخبرني فإن محمدا وأصحابه اليوم في مكان كذا وكذا [[ بالمكان اللي معسكر فيه النبي بالضبط ]]

وسمعت أيضا أن أبا سفيان أرسل يستنصر قريشا ، وخرجت كلها لتحمي عيرها في يوم كذا وكذا ، فإن كان الذي حدثني صدقني ، فإن قريشا اليوم ستكون في مكان كذا وكذا [[ أخبره بالمكان اللي فيه قريش بالتمام وهو العدوة القصوى ]] .
وأما أبو سفيان ، فقد علم الخبر وسلك طريق ساحل البحر ، فلا أعرف أين اليوم كان [[ يعني ما بعرف مكان هروبه ]] ،

قال : ها أنا قد أخبرتكم . فأخبراني ممن أنتما ؟؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم : نحن من ماء .. ومضى . . . يقول أبو بكر : فنظرت إلى الرجل يقلب كفيه !! وضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : يا أبا بكر، قد أجبناه وصدقناه :

{{ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ }} .هذه حكمة نبينا - صلى الله عليه وسلم - .
هكذا علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن قريشا تقترب من ماء بدر، فلما كان المساء أرسل الى بدر {{ كتيبة استطلاعية }} ،

فوجدت عند ماء بدر غلامين لقريش يملآن أسقية ، فقامت الكتيبة بأسرهما ،وذهبت بهما إلى معسكر المسلمين ، واعترف الغلامان أنهما يملآن أسقية لقريش التي هي وراء هذا الكثيب [[ أي عند العدوة القصوى ]]، ثم سألهما النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عدد القوم فقالوا : لا نعلم ؛ ولكنهم ينحرون يوما تسعا ويوما عشرا

[[ اي جمال ]] ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: القوم فيما بين التسعمائة إلى الألف . ثم قال لهما: فمن فيهم من أشراف قريش؟ قالا: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأمية بن خلف، وزمعة بن الأسود ، وغيرهم من سادة قريش ،

فأقبل النبي - صلى الله عليه وسلم -على الناس وقال: هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها ، هنا تأكد للرسول - صلى الله عليه وسلم - أن العير قد فلتت ، وأن جيش مكة قد خرج للقتال، وأن جيش مكة جيش كبير مدجج بالسلاح ، وأن قوامه تقريبا {{ ثلاثة أضعاف }} جيش المسلمين !!.

إنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم – يعلم تماما أنّ الصحابة لم يخرجوا لقتال ، وإنما خرجوا لمهاجمة قافلة تجارية حراستها أربعون رجلا ، [[ تخيلوا مش مجهزين نفسهم لاي معركة ولا قتال وعدد قريش كبير ]]

وهذا درس لتتعلم الأمة جميعها أن نصر الله لا يأتي بالعدة والعتاد ، صحيح هي أسباب يجب الأخذ بها ، ولكن الحقيقة المطلقة أن النصر من {{ الله }} ، فلا يرعبنا العدو بطائراته و صواريخه ومفاعلاته النووية ، فكلها تسقط أمام عظمة الله وقدرته ، هذه هي قوة الإيمان المطلوبة في مواجهة العدو بعد أن نأخذ بالأسباب . [[ إنه الله ، الله ، الله يا أمة محمد ]] ، ثمّ جمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصحابة ليستشيرهم ، ويعرف مدى استعدادهم لهذه المواجهة .

يتبع إن شاء الله

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-13-21, 07:48 AM
هذا الحبيب « 140 »
السيرة النبوية العطرة (( النبي - صلى الله عليه وسلم – يستشير أصحابه ))
___________

عندما أيقن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعداد قريش للقتال ،جمع أصحابه ليستشيرهم في الأمر، جمعهم وصارحهم بالخبر وقال : أشيروا علي أيها الناس! [[ لماذا ؟ لأنهم خرجوا للقافلة وليس للقتال الذي لم يكن بالحسبان على الإطلاق ]] .قال : أيها الناس ، ما ترون في قتال القوم ؟؟

فقال بعض الصحابة : لا والله مالنا طاقة بقتال العدو ، ولكن أردنا العير . وقال البعض : لم تعلمنا أنا نلقى العدو فنستعد لقتالهم . فظهرت الكراهة في وجه النبي- صلى الله عليه وسلم - وقال : ما ترون في قتال القوم ؟

أشيروا علي أيها الناس . فقام أبو بكر فقال خيراً، فأثنى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم – بخير . ثم قام عمر فقال خيراً ، فأثنى عليه النبي بخير. ثم قال : أشيروا علي أيها الناس . ثم قام المقداد بن الأسود وهو أيضا من المهاجرين ، وقال :


يا رسول الله امضِ لما أُمرتَ به فنحن معك ، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : {{ قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }} ولكن نقول : اذهب أَنت وربك فقاتلا إِنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق نبيا ، لنقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك ومن خلفك حتى لو وصلت بنا إلى برك الغماد ،

[[ برك الغماد موقع يقال في أقصى اليمن وقيل إنه عند البحرين تضرب العرب في مكة المثل به في البعد]] ، يعني نقاتل ونقطع المسافات الطويلة ونحن بين يديك ، فأثنى عليه النبي ودعا له بخير . ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: أشيروا علي أيها الناس .

( يكررها - صلى الله عليه وسلم - لأنه يريد أن يعرف رأي الأنصار ، والذين تكلموا الآن كلهم من المهاجرين ) . تذكرون في بيعة العقبة الثانية ، عندما بايع الأنصار النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحموه إذا دخل ديارهم وليس فيها أن يُقاتلوا معه خارج المدينة ، فأراد - صلى الله عليه وسلم - أن يعرف رأيهم ، كذلك الأنصار أكثر عددا فهم فوق ال ٢٠٠ رجل والمهاجرون بضع وسبعون !!


ففطن لذلك {{ الصحابي الجليل سيد الأنصار سعد بن معاذ }} ، ذلك البطل الذي اهتز له عرش الرحمن ، سعد بن معاذ كما قلنا أسلم وعمره ٣٠سنة ، ومات وعمره ٣٦ سنة ! فماذا فعلت يا ابن معاذ في {{ ٦ سنوات }}

كي يهتز عرش الرحمن لموتك ؟؟! لنتأمّل له هذا الموقف :
وثب قائماً وقال سعد : والله لكأنّك تريدنا يا رسول الله! قال له :

أجل . فقال سعد بعد أن حمد الله : يا رسول الله لقد آمنا بك ، وصدقناك ، وشهدنا أنما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، وإنك خرجت تريد أمراً ، ولعل الله أراد غيره أمض يا رسول الله لما أراك الله ، فوالله ما نكره بأن تلاقي بنا عدونا غداً ، ولو استعرضت بنا هذا البحر وخضته لخضناه معك ، وما تخلف منا رجل واحد . يقول الصحابة : فتهلل وجهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : أبشروا وسددوا وقاربوا ، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم .


هل لاحظتم معي كيف ظهر معدن العرب الأصيل ووفائهم بالعهود ، و حبّهم لله و لرسوله ، وشجاعتهم ؟؟ هل رأيتم موقف المقداد و موقف سعد وموقف باقي الصحابة ؟؟ أين هذا من موقف اليهود الذين قالوا لنبيهم موسى :


{{ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }} ، لذلك سنرى لاحقا كيف تآمروا مع المنافقين على المسلمين ، وكيف نقضوا عهودهم مع النبي – صلى الله عليه و سلم .
مضى الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام - رضي الله عنهم - إلى مواجهة قريش وقتالهم ، وهذا ما أرادته حنكة النبي السياسية ، ففي قتال قريش تثبيت لهيبة المسلمين ،

بينما في انسحاب المسلمين إظهار لهيبة قريش ؛والتي من الممكن أيضا أن تتجرأ على المسلمين و تهاجمهم في المدينة فيضعف المسلمون ، وتضعف دعوتهم ، و يصبح موقفهم ضعيف جدا أمام باقي القبائل . . . . وصل - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر، و أمامه الآبار ، وهو في انتظار جيش قريش للمواجهة .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-15-21, 08:20 AM
هذا الحبيب « 141 »
السيرة النبوية العطرة (( المسلمون في بدر ))
______
مضى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد علم أن قريشا وراء التل في بدر بالجهة المقابلة ، فأمر أصحابه أن يأتوا أقرب ماء من بدر ويعسكروا فيه ، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - شاب من الأنصار عمره {{ ٣٣ }} سنة وكان شجاعا وجريئا ومتكلما اسمه

{{ الحباب بن المنذر بن الجموح }} - رضي الله عنه - وهو جندي من الجنود ، جاء وقال: يا رسول الله ،أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه ولا نقصر عنه ؟

أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ [[ هل المكان اللي أمرتنا نعسكر فيه وحي من الله ؟ إذا وحي من الله مالنا حكي ، إذا مجرد رأي منك يمكن يكون لنا فيه رأي ]] فقال له - صلى الله عليه وسلم -: بل هو الرأي والحرب والمكيدة .

[[ النبي المؤيد بالوحي ، سيد خلق الله أجمعين ، وسيد القوم وحاكمهم ، لا يخدع رعيته ، ولا يجد حرجا إذا سمع رأيا من أي شخص من أصحابه ، ما في رتب ولا نجوم على الكتف أيامها ، جندي يا أمة الإسلام ، جندي ]] قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة ، فماذا ترى ؟

قال : ما أراه لك منزلا يا رسول الله ، فإن الماء يلعب دورا في الحرب . أرى أن تمشي بالناس ، حتى نكون أقرب ماء من الجيش [[ يعني من جهة قريش ]] وإني يا رسول الله أعلم هذه البئر وغزارته ، نبني عليه حياضا ثم نغور غيرها من الآبار[[ أي نردم ]] فنشرب ولا يشربون . قال له - صلى الله عليه وسلم - : لقد أشرت بالرأي ، فانهضوا على رأي أخيكم . فقام الجيش كله ونزلوا على رأي الحباب بن المنذر.
أرأيتم حبيب قلوبنا - صلى الله عليه وسلم - طبق ما يريده الله منه قبل أن تنزل عليه الآيات والوحي ؟

بدر أول معركة ، وأنزل الله بعد معركة أحد هذه الآية : {{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }}. تقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - بجيشه، وفعل كما أشار عليه {{ الحباب بن المنذر}} فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - على أغزر بئر فيه ماء في بدر، وجعل كل الآبار خلف ظهره ، وردم كل هذه الآبار

[[ دفنوها بالتراب والحجارة ]] ، ولم يترك إلا بئرا واحد ، وبنى حوضاً على هذه البئر وملأها بالماء [[ حتى يسهل الشرب على المسلمين، وعلى دوابهم ، عشان وقت المعركة يشربوا بسرعة ما يصيروا يسحبوا الماء من البئر أثناء الحرب ]] ووضعوا حولها المغارف [[ مثل الكاسات عشان الجندي مباشرة يشرب ويرجع يقاتل ]] وهكذا تحكم المسلمون في مصدر المياه ، واستخدم النبي- صلى الله عليه وسلم -هذا السلاح الهام جدا وهو سلاح المياه ،

وخصوصا في تلك البيئة الصحراوية، لتحقيق ميزة نسبية كبيرة للمسلمين في مواجهة جيش مكة .
تقدم جيش قريش حتى نزل في الجهة الأخرى من الوادي، وقد صور لنا القرآن العظيم جغرافية ميدان المعركة بصورة رائعة، فقال تعالى :

{{إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ }}

[[ كما أخبرتكم من قبل : العدوة ، أي جانب الوادي فبدر لها حافتين ، وفي هذا الوادي منطقة فاضية مثل ساحة الملعب أطرافه مرتفعة ، نسمي طرف الوادي المرتفع عدوة ، العدوة الدنيا يعني جهة المدينة المنورة ، والعدوة القصوى البعيدة من جهة القادم من مكة ، بين العدوتين بعض التلال ]] ،
ثم يقول تعالى : {{ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ }}أي العير أو الجمال التي تحمل تجارة قريش التي مع أبي سفيان والتي اتجه بها أبو سفيان ناحية مكة بمحاذاة ساحل البحر، وقد قال تعالى :

{{ أَسْفَلَ مِنْكُمْ }} يعني ناحية الجنوب ، وأيضا للتعبير عن ساحل البحر [[ لأن ساحل البحر يكون دائما أسفل من أي أرض يابسة، حتى أنهم اتخذوا سطح البحر الآن مقياسا للارتفاعات والانخفاضات، فيقال هذا ارتفاعه كذا متر أعلى سطح البحر ]] ،

فالآية {{ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ }} قالت لنا بأسلوب معجز وجميل إن العير اتجهت جنوبا بمحاذاة سطح البحر، هكذا رسم لنا القرآن العظيم جغرافية أرض المعركة بدقة شديدة ، وفي كلمات قليلة وبأسلوب معجز رائع
سبحانك ربي ما أعظمك .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-16-21, 09:44 AM
هذا الحبيب « 142 »
السيرة النبوية العطرة (( بدر قبل بدء المعركة ))
______
أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - برأي {{ الحباب بن المنذر }} وتقدم بجيشه ، وجعل كل آبار بدر خلف ظهره، وردم كل هذه الآبار، ولم يترك الا بئرا واحدا، ثم وقف سعد بن معاذ - رضي الله عنه وأرضاه – قائلا : يا رسول الله ، إني أرى أن نبني لك عريشا على هذا التل ، فتكون بعيدا عن ساحة المعركة مشرفاً عليها ، وأن نضع عندك الراحلة ، ثم نلقى عدونا ، فإن أظهرنا الله عليهم كان ذلك ما أحببنا [[ يعني النصر ]] ،

وإن كانت الأخرى [[ شوفوا أدب الصحابة ، لم يقل الهزيمة ]] جلست على الراحلة ولحقت بإخوان لنا بالمدينة ، ما تخلفوا عنك رغبة ، ولو كانوا يعلمون أنك تلقى عدوا ما تخلف منهم رجل قط

[[ شايفين كيف بحفظ إخوانه من الصحابة اللي في المدينة وما خرجوا معهم ،، ما بحكي عليهم ، مش مثل بعض الناس اليوم كل واحد بضرب اسفين للثاني ..وتقارير ]] . استحسن النبي - صلى الله عليه وسلم – هذا الرأي واتخذ صاحبا له في العريش هو أبا بكر الصديق ، وكان سعد بن معاذ هو الحارس على العريش . وموقف سعد بن معاذ يدل على ذكاء عسكري ، فالقيادة يجب أن تكون آمنة ، و التوكل على الله لا يعني عدم الأخذ بالأسباب .

بات النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه تلك الليلة مشرفين على بدر وباتت قريش خلف التلال ، ليلة خميس على جمعة {{ ١٧ رمضان }} ، وكانت الرمال في وادي بدر شديدة النعومة ، والمشي عليها مرهق جدا ، وفي تلك الليلة أصاب بعض الصحابة الحدث [[ يعني الجنابة ]] ،

وهبت ريح ، ودخل الرعب نفوس البعض منهم ، فأنزل الله عليهم المطر ، وكان في الجهة التي فيها النبي وصحبه طلّ [[ يعني ندى ]] فأصبحت الأرض التي يسير عليها المسلمون متماسكة ، يسهل عليها المشي بالنسبة للمسلمين وبالنسبة لدوابهم ، وفي جهة قريش ، كان المطر غزيرا جدا حتى أوحل الأرض تحت أقدام قريش ،

و جعلت السير على الأرض أكثر صعوبة ، وضاقت نفوس قريش بهذا الماء قال تعالى : {{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ }} .

فلما جاء الصباح ، كان الصحابة في نشاط كبير، ونزل الماء وطهرهم وأذهب رجس الشيطان عنهم ، ولبد الأرض تحت أقدامهم .ثم نام جميع الجيش ، وكان في ذلك راحة لأجسامهم ، وكانت هذه آية أخرى من الله تعالى، لأن الإنسان إذا كان قلقا فإن هذا القلق يمنعه من النوم ، أما حبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم – فقد استقبل القبلة مصليا وداعيا ربّه : اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة

(الجماعة من الناس) من أهل الإسلام لا تُعْبد في الأرض، فمازال يهتف بربه ماداً يديه متضرّعا باكيا ، حتى سقط رداؤه عن منكبيه دون أن يشعر به، فأتاه أبو بكر مشفقا ، فأخذ رداءه وألقاه على منكبيه و التزمه من ورائه ، ثم نزل قوله تعالى :

{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} . وطلع فجر يوم الجمعة ١٧من رمضان يوم المعركة ، فنادى في المسلمين: الصلاة عباد الله ، فجاءه الناس فصلى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم – ثم استعدوا لخوض هذه المعركة .

ننتقل الآن مباشرة لمعسكر قريش نلقي نظرة سريعة ، فقد أرسلت قريش رجلا يستطلع لهم أخبار المسلمين اسمه {{ عمير بن وهب الجمحي }} فانطلق وعرف أن عدد المسلمين قرابة ال 300 مقاتل ، وبحث حول بدر إذا كان هناك بقية لجيش المسلمين، فلم ير شيئا فرجع إلى قريش وقال : ما وجدت شيئا غير هذا العدد ، ولكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا ،

[[ قصده المسلمون صحيح عددهم قليل ، ولكن من نظر اليهم يشعر أنهم جاءوا بالمصائب والموت ]] ، و نواضحُ يثرب تحمل الموت الناقع ، [[ اي الدواب التي تحمل المسلمين على ظهرها لا تحمل بشرا، إنما تحمل الموت الناقع أي الكثير ]] قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم ، والله ما أرى أن يُقتل رجلٌ منهم ، حتى يَقتل رجلاً منكم ، [[ من أشكالهم مستلحمين على الموت كل رجل يُقتل منهم سيقتل رجلا منكم ]] ،

فإذا أصابوا منكم أعدادكم ، فما خير العيش بعد ذلك؟؟ فأنظروا رأيكم. [[ يعني المسلمون كما قلنا عددهم ٣١٣ فأقل تقدير أن يَقتل كل رجل منهم رجلا منكم ، يعني رح ينقتل من قريش ٣١٣ ، يعني المعركة معهم مش رح تكون سهلة ابدا ،،،، فكروا منيح ]] .

فقام {{ عتبة بن ربيعة }} وقال : يا قوم أطيعوني في هؤلاء القوم، فإنكم إن فعلتم ، لا يزال ذلك في قلوبكم ، ينظر كل رجل إلى قاتل أخيه وقاتل أبيه، فاجعلوا حقها برأسي وارجعوا . فصاح فيه فرعون هذه الأمة [[ أبو جهل ]] وقال: جبُنت والله حين رأيت محمدا وأصحابه ؟! فقال له عتبة: ستعلم من الجبان المفسد لقومه ، أما والله إني لأرى قوما كأنّ رؤوسهم الأفاعي وكأنّ وجوههم السيوف .

لا ننسى الذي يقود المعركة {{ الله جل في علاه }} فماذا فعل الله بهم ؟؟ {{ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ }} لقد دبّ الله الرعب في قلوبهم ، و وقع الخلاف بينهم ، وتزعزعت صفوفهم الداخلية .

ننتقل الآن لنلقي نظرة على جيش المسلمين ، فقد كانت الروح المعنوية للمسلمين عالية جدا ، هذا هو حبيب القلوب - صلى الله عليه وسلم - يخطب فيهم ويشجعهم ويقول لهم : إن الله تعالى قد وعده إحدى الطائفتين، العير أو النفير. [[ يعني إما تجارة قريش، أو جيش قريش وطالما أن العير قد فلتت فلابد أن يتحقق وعد الله تعالى بالانتصار على الجيش ]] ،
يبشرهم بالنصر ، ويقول لهم : إن عددهم هو نفس عدد جند طالوت عندما هزموا جالوت، وقال تعالى فيهم : {{ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ }}

نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعيد [[ كان عتبة كما قلنا يخطب في قريش أن لا يقاتلوا محمدا وأصحابه ويتجادل مع أبي جهل ، و يمتطي جملا أحمر ]] فقال - صلى الله عليه وسلم - : إن يكن في القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، يا علي قل لحمزة يعلم لنا من صاحب الجمل الأحمر من قريش ؟ فتقدم حمزة ، وكانت العرب رغم كفرها ذات أخلاق

[[ ما في قتال إلا بالمبارزة ، ما في غدر ]] ، فأخبر محمدا أنه هو {{ عتبة بن ربيعة }} . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : ألم أقل لكم فهو أعقل رجل في قريش ؟؟

[[ بس مين اللي ضيّع عقله ؟؟ أبو جهل ]] . . .

( يتبع )

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-17-21, 08:10 AM
هذا الحبيب « 143 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة بدر الكبرى / ج1))
______
طلع فجر يوم ١٧ رمضان ، وصلى المسلمون الفجر في جماعة ، وبدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك يرتب الجيش استعدادا للقتال وجعل جيش المسلمين يقف على هيئة صف ،وكان هذا أسلوبا جديدا تماما لم يكن يُستخدم في الحروب، فقد كان العرب يدخلون المعركة جماعة واحدة ثم بعد ذلك يقاتلون بالكر والفر [[ يعني التقدم والتراجع في ميدان المعركة ]] .

وسبب اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم ، أن يقف جيش المسلمين على هيئة صف هو التفوق العددي الكبير لجيش المشركين ، فهم حوالي ثلاثة أضعاف جيش المسلمين ؛ فقد أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون القتال مع المشركين موزعا وليس مركزا في مكان واحد، فلا يستطيعون حصار المسلمين .

وأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - يسوي صفوف أصحابه الذين علت وجوههم البشرى بالنصر ،وكان بيده - صلى الله عليه وسلم - عصا تشبه العود يقول للصحابة : استقم .. أدخل أنت في الصف ؛وكان رجل اسمه {{ سواد بن غزية }} قد برز من الصف ينظر إلى النبي معجبا مدهوشا ، فقال له النبي : استقم يا سواد وأدخل في الصف ،

[[ ولأنه مشدود إلى النبي لم يسمع ولم ينتبه]] ، فصاح النبي به مرة أخرى ... استقم يا سواد [[ ولم ينتبه سواد ]] . فاقترب منه النبي - صلى الله عليه وسلم - ووكزه بالعود في بطنه ليشدّ انتباهه ، وابتسم و قال : استقم يا سواد . وكان سواد لا يلبس إلا إزارا وعاري الصدر ومستعدا للحرب

[[ يعني بده يحارب . . . أما اليوم ؛ عدة وعتاد ولباس وخوذة ونُهزم هزيمة تلحقها هزيمة ]] فاغتنم الفرصة سواد وقال : يا رسول الله ، قد أوجعتني بعودك هذا فأقدني من نفسك !!

[[ أقدني يعني خليني آخذ حقي منك وأستد .. ليش تدقني بالعود على بطني؟؟ ]] فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - العود وقال له : استقد يا سواد [[ يعني خذ حقك ]] فأخذ سواد العود وقال : يا رسول الله ، لقد وكزتني وأنا عاري الصدر وأنت تلبس الثياب ، فاكشف لي عن بطنك حتى نكون سواء [[متعادلين ]] فتعجب الصحابة !! أيعقل أنه يريد أن يستد من رسول الله ويوكز النبي بالعود في بطنه ؟؟ !!

فكشف النبي عن بطنه حتى بان بياض بطنه - صلى الله عليه وسلم - فرمى سواد العود في الأرض ، وضم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذ يقبل بطنه ويبكي . . و يبكي ويقول : فداك أبي وامي يا رسول الله . فقال له - صلى الله عليه وسلم - : ما حملك على هذا يا سواد ؟!! قال : بأبي وأمي يا رسول الله ، لقد رأيت ما حضر من قريش ، وقد يكون هذا اليوم آخر عهدي بالدينا ، فأحببت أن يكون آخر عهدي بها أن يلقى جلدي جلدك !! {{ وقد فاز بها سواد- رضي الله عنه - ومات شهيدا في بدر }}
هكذا أحب الصحابة رسول الله ، وهكذا أطاعوه ، وهكذا وقفوا معه ، ونحن ندّعي محبة النبي اليوم ، نسأل الله أن يهدينا إلى السبيل ، وكلّي أمل فيكم أنتم يا عشاق السيرة بأنكم تقرؤون و تأخذون الدروس و العبر ، ونقتدي بأخلاق نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – وصحابته الكرام

ثم قام - صلى الله عليه وسلم - بتنظيم صف لرماة الأسهم في مقدمة الجيش ، ثم صف بعده لحملة الرماح وكان الهدف هوصد هجوم الفرسان المتوقع في بداية المعركة ، وإحداث أكبر قدر من الخسائر في صفوف قريش مع بداية المعركة . . .

أطلت قريش وكانت على عطش تريد الماء ، فوجدوا المسلمين قد سبقوهم إلى الماء ، والتفوا حوله ، فذهلت قريش لما صنعه النبي وأصحابه ، وحاول رجال منهم اقتحام حوض المسلمين ليشربوا من الماء ، فرشقهم الصحابة بالنبل فقتلوهم قبل أن يقتربوا من البئر .
وقد بشّر - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بنزول الملائكة ، فتقول بعض الروايات إنه نظر إلى ابنة عمته [[ الزبير بن العوام ]]
وقد اعتم الزبير بعمامة صفراء فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - :

يا زبير، هذه الملائكة قد نزلت على سيمتك واعتموا بعمامتك ، يقاتلون في صفوفكم [[ يعني كل الملائكة لابسين عمائم صفر مثلك ]] . ثم أخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحرض الجيش على القتال ، ويثير حماستهم ، ويعمل على رفع روحهم المعنوية قائلا : والذي نفس محمد بيده ، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا ، مقبلا غير مدبر ، إلا أدخله الله جنة عرضها السموات والأرض .
وكان رجل هناك يقال له {{عمير بن الحمام }} ،

فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم – متعجّبا :
يا رسول الله ، جنة عرضها السموات والأرض ؟!!!! فقال له النبي : نعم يا عمير. وكان بيد عمير تمرات يأكل منها ، فنظر إلى التمرات بيده ، ثم نظر إلى قريش وقال : بخٍ بخٍ ،، ما بيني وما بين دخول الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ، إنها لحياة طويلة حتى آكل تمرات فرماها من يده ، وانطلق داخل صفوف العدو يقاتل بقوة وحمية وشراسة، حتى مات شهيدا في سبيل الله في هذه المعركة .

بهذا الإيمان من الصحابة والثقة بالله ، نشروا دين الله حتى كنتم أنتم ، وأنا ثمار إيمانه


م ، ووصل الإسلام لنا وأصبحنا بفضل من الله نقول :

{{ لا إله إلا الله محمد رسول الله}}.

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-17-21, 08:12 AM
هذا الحبيب « 144 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة بدر الكبرى / ج 2))
______
قال تعالى :
{{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }}.

صف - صلى الله عليه وسلم - أصحابه صفوفا متراصة و ربط المعسكر بالسماء لا بقيادات الأرض ، وناجى ربه ، فالنصر من عند الله وحده ، و إخبار النبي للمسلمين أن الملائكة تقاتل معهم ؛ زاد من عزيمتهم ، وكانت بشرى لهم لتطمئن قلوبهم . . . وقال – صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : لا تحملوا عليهم ، ولا تسلوا السيوف حتى آمركم [[ أي لا تقاتلوهم حتى آمركم ]]
فإن اكتنفوكم [[ أي هجموا عليكم فجأة ]] فانضحوهم النبل ، فان الخيل لا تُقبل على النبل .

بدأت المعركة ، وقد بدأ الهجوم من قبل المشركين ، وكان تحكّم المسلمين في مصدر الماء يغيظ المشركين جدا ، فخرج من قريش أحد فرسانهم المشهورين وهو {{ الأسود بن عبد الأسد}} ،

وكان رجلا شرسا ، سيء الخلق ، وكان شديد العداوة لرسول الله ، وأقسم ليشربنّ من الحوض أو ليهدمنّه ، فانطلق تجاه حوض المسلمين ، فتصدى له {{ حمزة أسد الله ورسوله }} ،وتبارزا ، وضربهُ حمزة ضربة أطاحت ساقه ، فطارت ساقه قبل أن يصل للحوض ، فأخذ الأسود يزحف تجاه الحوض وساقه تنزف دما ،فضربه حمزة ضربة أخرى قضت عليه قبل أن يصل الى الحوض .

وأقبل نفر من قريش حتى وصلوا للحوض ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : دعوهم . فشربوا منه ، وكان من بينهم {{ حكيم بن حزام }}
( أتذكرون هذا الاسم ؟ تكون عمته السيدة خديجة ، الذي أهداها زيد بن حارثة ، والذي كان يُهرب لهم الطعام في حصار شعب أبي طالب ) . كل الذين شربوا من الحوض قُتلوا في معركة بدر ، إلا {{ حكيم بن حزام }} فإنه لم يُقتل ، فقد أسلم بعد ذلك ، وحسن إسلامه ، فكان إذا أراد ان يحلف يمينا يقول : {{ لا والذي نجاني يوم بدر }}

وما إن سقط الأسود حتى خرج ( عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة ) وكان الثلاثة من أبطال قريش ، وكان عتبة مثالا للضخامة، ومن ضخامة رأسه لا يجد خوذة يضعها على رأسه ، فكان يقاتل بلا خوذة ، فلما توسطوا بين الجيشين طلبوا {{ المبارزة }} ، وكانت هذه هي العادة في الحروب في ذلك الوقت : [[ الحرب تبدأ بالمبارزة ، وكان لهذه المبارزة تأثير كبير في رفع أو خفض معنويات الجيش ، وكانوا يتفاءلون أو يتشاءمون بنتيجة المبارزة، ولذلك كان يتصدى لهذه المبارزة دائما الأبطال من كل فريق ]] .

فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار وهم ( عوف بن الحارث وأخوه معوذ بن الحارث وعبد الله بن رواحة ) .فقالوا لهم : من أنتم ؟ قالوا: رهط من الأنصار .فقالوا : كفءٌ كرام [[ أي أنتم قدها وجديرين بالمبارزة ]] ولكن ما لنا بكم حاجة !! يا محمد أخرِج لنا نظراءنا من بني عمنا !! [[ سبحان الله يريدون سفك دماء أولاد عمهم !! الكفر لا يعرف حق قرابة ولا رحم ، لذا عاملهم المسلمون بالمثل ..

السيرة للتأسي لا للتسلي، كما يعاملكم عدوكم عاملوه ]] . فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : قم يا حمزة بن عبد المطلب {{ عمه }} ، وقم يا علي بن أبي طالب {{ ابن عمه }} ، وقم يا عبيدة بن الحارث {{ ابن عمه }} . فقاموا ، وتقدموا إليهم ، واصطف الفريقان ، وقال حمزة : هل نحن نظراؤكم ؟؟ قال عتبة : أجل، نظراء كرام .
فتقدم الثلاثة للمبارزة : بارز حمزة ... شيبة ، وبارز علي ... الوليد ، وبارز عبيدة ... عتبة .

حمزة وعلي لم يمهلا خصميهما طرفة عين ؛ فما هي إلا رفعة سيف ونزلة ، حتى أطاح كل واحد بخصمه ، فضجت ساحة المعركة بالتكبير ، أما عبيدة الذي بارز عتبة ؛ فقد جرح كل واحد صاحبه ، فحمل حمزة على خصم عبيدة ، فأجهز عليه وقتله كما تقول بعض الروايات ،[[ ولذلك انتقمت بنته هند بنت عتبة من حمزة يوم غزوة أحد ، لأنها علمت أن الذي قتل أباها في بدر هو حمزة ]]، وقد رفعت هذه المبارزة من معنويات المسلمين، وأحبطت المشركين . انتهت المبارزة ، وأخذ المشركون قتلاهم ، وحمل حمزة عبيدة جريحاً ، وأتى به إلى معسكر المسلمين، فلما رآه النبي أفرشه قدمه

[[ أي مد قدمه ليضع عبيدة رأسه وخده عليها ، حتى لا توضع على الرمال الحارة ]] ، فنظر عبيدة بن الحارث لوجه النبي - صلى الله عليه وسلم - وذرفت عيناه بالدموع ، و قال : يا رسول الله ، ما بكيت جزعاً من الموت ، وإني لأعلم أنها الشهادة ، ولكن تذكرت أبا طالب ، وقصيدته يوم الشعب إذ يقول :

( كذبتم وبيت الله يُردى محمدٌ *** ولمّا نقاتل دونه ونناضل ) ، وددت يا رسول الله لو أن أبا طالب حي ليرى أني أحق منه بقوله هذا، فلا والله لا يصلون إليك وفينا عين تطرف ، فبشّره النبي بالشهادة ، وفاضت روحه الطاهرة في طريق العودة إلى المدينة .

ورجع الرسول ساجداً باب العريش يقول

: يا حي يا قيوم، ويدعو الله ،حتى جاء علي وقال : يا رسول الله ، لقد اكتنفنا القوم [[ أي هجموا علينا ]] فقال لأصحابه : قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، فوالذي نفسي بيده ، لا يقاتلنهم اليوم رجل فيقتل مقبلا غير مدبر، محتسباً لله ، صابراً ، إلا أدخله الله الجنة . وأخذ - صلى الله عليه وسلم - حفنة من الحصى من الأرض وألقاها في اتجاه المشركين وهو يقول :
{{ شاهت الوجوه }} . وما من رجل من قريش إلا قال بعد المعركة: شعرت الرمال ( الحصى ) تدخل في عينيّ قبل المعركة ، وهذه من بركة سيد الخلق محمد – صلى الله عليه وسلم – و أخذه بالأسباب وتوكله على الله . قال تعالى:

{{ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ }} ، فالنصر يُطلب من الله وليس من الأعداء ( كما يفعل المسلمون اليوم ؛ يستغيثون بالأعداء لينصروهم على اليهود ، وكلهم أصلا يهود !!! ) .

ثم صاح – عليه الصلاة و السلام - بالمسلمين : شدوا [[ يعني اهجموا بقوة ]] ، فانطلق المسلمون كالسيل ، وكان فرسان المسلمين في المقدمة ، فلما اقترب جيش المشركين بفرسانهم ؛ استقبلهم المسلمون بالسهام كما أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم استقبلوهم بالحراب ، وسبّب ذلك إرباكا شديدا لجيش مكة ، وكسر حماسهم . وكان صليل السيوف في كل مكان ، والغبار تغطي أرض المعركة . . .

يتبع

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-18-21, 08:57 AM
هذا الحبيب « 145 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة بدر الكبرى / ج3 ))
______
قال تعالى : {{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ }} أول شيء هو معيّة الله ، [[ إذا معيّة الله مش موجودة حتى الملائكة ما بينفعوا للمعركة ]] ، ودور الملائكة هو تثبيت المؤمنين ، ثم سيُلقي الله الرعب في قلوب الكافرين ، فقد أذهلتهم شجاعة المسلمين . ثم يعلمهم الله أن يضربوا كل بنان [[ أي أصابعهم ]] كي تسقط منهم السيوف ، ثم يأسرهم المسلمون . إذن يا أمة الإسلام : من الذي يدير المعركة ضد أعدائنا ؟؟ إنه الله .. الله ، لذلك علينا أن نلجأ إليه في كل وقت ، عندها لن تُخيفنا دبابات وطيارات و صواريخ الأعداء مهما بلغت قوتها .

تقول بعض الروايات : فما راع أبو بكر إلا والنبي يسل سيفه ، ويثب في درعه [[ أي ينهض إلى المعركة ]] وهو يقول {{ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ }} . يقول أبو بكر : والآية نزلت ونحن في مكة ، فوالذي بعثه بالحق ما علمت تأويلها إلا يوم بدر.

هذه ثقتنا بالنبي ، النصر آت بإذن الله يا أمة الإسلام ، ويوم بدرأعظم درس للأمة كلها ، اليوم نقول: نحن قليل ،نحن ضعاف القوة !! لا يوجد عندنا أسلحة فتّاكة و معدات هائلة مثل العدو !! تذكرون كل هذا ولكن للأسف ، نسيتم {{ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا }} ، لم تعرفوه حق المعرفة، غرتكم الحياة الدنيا ومتاعها ، فنسيتم الله فأنساكم أنفسكم .

وهكذا بدأت معركة بدر بهذا الحماس والإيمان المطلق بالله ، والتوكل عليه والأخذ بالأسباب ، فقاتل الصحابة - رضوان الله عليهم - في بدر بكل شجاعة وإيمان بالله ورسوله ، ولم تمنع القرابات والأرحام أن ينتصر المؤمنون لله ، وأثبتوا أن الحق لا مجاملة فيه ، ففي ظل اشتداد المعركة يلتقي

{{ أبو عبيدة – عامر بن الجراح -}} مع أبيه وجها لوجه ، أبوه مع قريش ، وهو مع المسلمين ، وتحرك الدم في عروق أبي عبيدة بن الجراح ؛ إنه أبي !! فابتعد عنه ، لأنه لا يريد أن يكون هو قاتل أبيه ، فلما ابتعد أبو عبيدة عن والده ؛ سمع أباه يصرخ في المعركة : أين محمد ؟؟ دلوني عليه !! لا نجوت إذا نجا ؟؟ فلما رآه أبو عبيدة ؛ غضب ورجع مسرعاً إلى والده وقال له : يا عدو الله ! تنشد رسول الله ، وتريد قتله ؟! فرفع سيفه وأطاح برأسه ، وقيل نزل فيه قوله تعالى :

{{ لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخِر يُوادّون مَن حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كَتَبَ في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه ويُدخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إنّ حزب الله هم المفلحون }} .

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أوصى أصحابه قبل بدء المعركة قائلا : إن رجالا خرجوا في هذا الجيش مكرهين لا حاجة لهم بقتالنا ،فمن لقي منكم العباس بن عبد المطلب فلا يقتله ، بل يأسره [[ عم النبي ]] ، ومن لقي أبا البختري بن هشام ، فلا يقتله [[ تذكرون هذا الاسم ؟

كان لا يؤذي النبي في مكة ، والذي ضرب أبا جهل يوما على رأسه وشجه عندما كان أبو جهل يمنع حكيما من إدخال الطعام للشعب ، وقال له : ما رأيت في العرب لئيما مثلك ! وقام بنقض الصحيفة ]] لم ينسها له النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنه قُتل في بدر، قتله صحابي اسمه {{ المجذر }} -

رضي الله عنه – فقد أراد أن يأسره ولكن أبا البختري رفض وطلب القتال فقتله المجذر .
و يُروى أنّ أبا حذيفة بن عتبة - رضي الله تعالى عنه – أنه سمع قول النبي - صلى الله عليه وسلم – : " من لقي منكم العباس فلا يقتله ، ومن لقي البختري فلا يقتله " وكان قد قُتل أبوه و أخوه وعمه في المبارزة بداية غزوة بدر، فقال أبو حذيفة : أنقتل آباءنا ، وإخواننا ، وعشيرتنا ، ولا يقتل العباس بن عبد المطلب ؟!!! والله لأن لقيت العباس لألجمنه السيف ألجاماً .

[[ يعني أحط السيف بفمه و أمزع رأسه ]] ، وسمع النبي مقالته ، فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى وجه عمر بن الخطاب قائلا: يا أبا حفص !! أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف؟ يقول عمر : والله إنه لأول مرة يكنيني النبي بأبي حفص !! فقال عمر : يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق . فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا ، لا يا عمر .

يقول أبو حذيفة : ما زلت أتخوف تلك الكلمة. . . [[ المؤمن يخطئ ولو كان صحابياً ، فالعصمة فقط للأنبياء ]] ،

قُتل أبوه في المبارزة ، ولما أرادوا حمله إلى قليب بدر مع القتلى ، نظر النبي - صلى الله عليه وسلم – إلى وجه أبي حذيفة - رضي الله عنه - وإذا هو قد تغير !! فقال له : يا أبا حذيفة ، أدخلك شي من قتل أبيك ؟ قال : لا والذي بعثك بالحق ، ولكن كنت أعلم من أبي رأيا وحلما ، فأحببت أن يكون في الإسلام ، فكرهت ما مات عليه . فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم -لأبي حذيفة بخير .

يقول أبو حذيفة : مازلت أتخوف تلك الذلة ، وأقول : لا يكفّرها إلا شهادة في سبيل الله . فما كانت معركة إلا ويكون أول الصفوف ، حتى مات في معركة الردة يوم اليمامة رضي الله عنه وأرضاه .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-19-21, 09:13 AM
هذا الحبيب « 146 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة بدر الكبرى / ج4 و الأخير ))
______
وفي خضم تلك الغزوة تجلّت معجزات وكرامات الرسول – صلى الله عليه وسلم - ؛ فها هم بعض الصحابة يحملون الصحابي الجليل {{ قتادة بن النعمان }} ويأتون به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد نزل سهم في عينهِ ، فسالت حدقته على خده ، قالوا:

يا رسول الله ، سالت حدقة قتادة من سهم أصابها ، أنقطعها ؟؟ قال : لا ، لا تقطعوها ، قربوه مني . فقربوه إليه فوضع كفه اليمنى على عينه فردها إلى مكانها . يقول قتادة : والله لا أدري أي عينيّ التي أصيبت ؟! ويُحكى أنه قَدْ وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ـ رَحِمَهُ اللّهُ ـ رَجُلٌ مِنْ ذُرّيّة قتادة بعد ذلك – في زمن التابعين - فَسَأَلَهُ عُمَرُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ :

أَنَا ابْنُ الّذِي سَالَتْ عَلَى الْخَدّ عَيْنُهُ ... فَرُدّتْ بِكَفّ الْمُصْطَفَى أَيّمَا رَدّ
فَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ لِأَوّلِ أَمْرِهَا ... فَيَا حُسْنَ مَا عَيْنٍ وَيَا حُسْنَ مَا خَدّ
فأَحْسَنَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللّهُ عنه - جَائِزَتَهُ.

ومن ذلك أيضا ما ذكره أهل السير والغزوات في بعض الروايات أن الصحابي الجليل {{ عكاشة بن محصن الأسدي }} رضي الله عنه انكسر سيفه يوم بدر ، فيأتي إلى النبي قائلا : يا رسول الله ، انقطع سيفي !!

[[ إيش السيوف اللي كانت معهم ؟! معدات بسيطة جدا مقابل جيش قريش أقوى جيش في الجزيرة العربية ! وهم أيضا لم يتجهزوا لخوض معركة ، هم خرجوا بدهم قافلة قريش ، ولم يعدوا العدة لمعركة ]] ،

فدفع إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - عودا ، وقال له : خذ هذا وقاتل به . فأدرك عكاشة بركة النبي – صلى الله عليه وسلم – وأخذ العود؛ فصار في يده سيفا طويلا أبيض شديد المتن ، فقاتل به - رضي الله عنه - ولم يزل عنده يقاتل به أعداء الله حتى استُشهد في حروب الردة، وكان يسمى هذا السيف عونا . وأثبت الله قلة حيلة المسلمين في قوله :

{{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }} .
وفي بدر أيضا كان انتصار الحق على الباطل ، و استعادة هيبة الضعفاء الذين عذّبهم المشركون في مكة ، أصحاب البطش و النفوذ .

فهذا هو
( بلال الحبشي ) الضعيف المعذب على رمضاء مكة ، والذي كان يردد ويقول : أحدٌ أحد ، هو الذي سيقتل الآن سيّده أمية بن خلف الذي أذاقه أشد العذاب ؛ يراه بلال الحبشي - رضي الله عنه - فيقول بلال : رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا ، ويوقعه على رمضاء أرض بدر، صريعا غارقا بدمه بعد أن غرس بلال سيفه فيه .

وهذا هو أيضا ( عبدالله بن مسعود ، أول من جهر بالقرآن ) صاحب الساقين النحيفتين [[ ذكرته لكم في الجزء ( 57 ) من العهد المكي ]] ، ها هو الآن - كما يقول أهل الغزوات و السّير - يقف بساقيه النحيفتين على صدر الطاغية أبي جهل ، والذي كثيرا ما آذى ابن مسعود عندما كان يتلو القرآن في مكة .

قال له أبو جهل : لقد رقيت مرتقاً صعباً يا رويعي الغنم ، فقال له ابن مسعود: هَلْ أَخْزَاكَ اللهُ يَا عَدُوَّ اللهِ؟ قَالَ : وَبِمَا أَخْزَانِي أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ ، أَخْبِرْنِي لِمَنِ الدَّبْرَةُ ( الغلبة ) الْيَوْمَ؟ قُلْتُ: للَّهِ وَلِرَسُولِهِ ، ثمّ أجهز عليه عبد الله بن مسعود .

و كان غلامان يُقال لهما ابنا العفراء ( معاذ و معوّذ ) قد بحثا عنه و حاولا أن يقتلاه قبل وصول ابن مسعود إليه ؛ ذلك أنهما عرفا أن أبا جهل هو أشد الناس عداوة للمسلمين و ضرباه بسيفيهما حتى سقط من أعلى فرسه على الأرض يعاني جراحا بليغة ، ثم قدم ابن مسعود و أجهز عليه .


أرأيتم وعد الله ؟ ! ولكن أين من يستحقه منا ؟؟
انصروا دين الله حتى ينصركم ، قولوا كلمة الحق ، ولا تخشوا في الله لومة لائم ، أقيموا شرع الله في أنفسكم ، وفي بيوتكم وأزواجكم و أولادكم ومجتمعكم ، هنا يكون نصر الله لكم .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-21-21, 09:12 AM
هذا الحبيب « 147 »
السيرة النبوية العطرة (( بعد غزوة بدر ))
______
انتهت غزوة بدر الكبرى وقت الظهر في ١٧ رمضان بانتصار المسلمين على المشركين نصراً ساحقاً ، {{ فقُتل من المشركين 70 و أُسِر 70 }} جُلّهم من سادة قريش ألد أعداء الإسلام ؛ ومنهم : أبو جهل ، الوليد بن المغيرة ،عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، النضر بن الحارث ، عقبة بن أبي مُعَيط ، أمية بن خلف ... وغيرهم من صناديد و وجهاء قريش ، بينما استشهد من المسلمين {{ ١٤ رجلا : ٦ من المهاجرين و ٨ من الأنصار }} . رضي الله عنهم جميعاً .

إذن فقد انهزم المشركون شرّ هزيمة في عدة ساعات فقط ، وأخذت جموع المشركين بالفرار، وأخذ المسلمون يطاردون المشركين ويأسرون بعضا منهم ، وقيل في بعض الروايات إنّ {{ مصعب بن عمير مرّ بأخيه أبي عزيز بن عمير}} وكان يقاتل مع المشركين ، ووقع أسيراً في يد أحد الأنصار ، وهو يقيّد يديه فقال مصعب للأنصاري : شد يديه ، فإن أمّه ذات متاع . [[ يعني أمه ذات مال وثراء .. وهي أم مصعب نفسه وسترسل في فدائه مالا كثيرا ]] ،

فقال له أخوه: يا مصعب ، أهذه وصاتك به ؟ قال مصعب: إنه أخي دونك [[ يعني هذا الأنصاري أخي أكثر منك ]] ((هذه قوة العقيدة ، ولا يوجد نفاق ولا مجاملات ))

وقام المسلمون بدفن شهدائهم ، ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بدفن قتلى المشركين ، فسحبوا جثثهم وألقوها في القليب " أحد الآبار" ، ثمّ تُردم عليهم ، [[ لأن من سنته – صلى الله عليه وسلم - دفن جثة كل آدمي ،
مسلم كان أو غير مسلم ، فهو نبيّ الإنسانية ، ويعلّمنا أيضا الحفاظ على البيئة ]] وهنا ظهرت معجزة أخرى لنبينا الكريم – صلى الله عليه وسلم - ، ففي اليوم السابق لبدر تفقّد أرض المعركة المرتقبة ، وجعل يشير إلى مواضع قتل صناديد المشركين ، ويقول :

( هذا مصرع فلان ) ، قال أنس ـ رضي الله عنه ـ : " فما ماط ( تعدّى ) أحدهم عن موضع يد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .

وأقام - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون في بدر ثلاثة أيام ، وكانت هذه هي عادة العرب في حروبهم : أن المنتصر يظل في مكان المعركة ثلاثة أيام ، ويعتبر أن هذا هو دليل انتصاره [[ بدليل أنه ظل في مكان المعركة بينما انسحب الطرف الآخر ]] .

و روى مسلم أنَّ رَسولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ - تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عليهم فَنَادَاهُمْ، فَقالَ: يا أَبَا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ ، يا أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ ، يا عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ ، يا شيبَةَ بنَ رَبِيعَةَ ، أَليسَ قدْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فإنِّي قدْ وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا ؛ فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ يَسْمَعُوا ؟ وَأنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ما أَنْتُمْ بأَسْمع لِما أَقُولُ منهمْ، وَلَكِنَّهُمْ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا . . .

بعد هذا النصر العظيم أرسل - صلى الله عليه وسلم - عبدالله بن رواحة من الأنصار ، وزيد بن حارثة من المهاجرين ليبشرا المؤمنين في المدينة بالنّصر ، فلما وصلت البشرى بانتصار المسلمين ، ارتجت المدينة بالتهليل والتكبير، بينما وصلت أنباء الهزيمة لقريش ، فنزلت عليهم كالصاعقة، وعلت أصوات النياح في مكة على قتلاهم .

اللهم كما بلّغت نبيك بالنصر في بدر ، بلّغنا بالنصر على اليهود وعلى كل من وقف معهم و نصب العداء للمسلمين .
يتبع أسرى بدر . . .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-22-21, 08:31 AM
هذا الحبيب « 148 »
السيرة النبوية العطرة (( أسرى بدر/ وفاة (( رقيّة )) ابنة النبي
صلى الله عليه وسلم - ))
______
انتهت الغزوة ، ودُفنت أجساد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ، ودُفنت جثث المشركين ، وأخذ الصحابة بجمع الغنائم ، وساقوا الأسرى بين أيديهم مكبلين بالحبال . نظرالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الأسرى وكانوا {{ 70 أسيرا }}فوجد الصحابة قد ربطوهم بالحبال ؛ فقال : فكوا وثاقهم، وأحسنوا صحبتهم ، وقاسموهم زادكم . فقال قائل : يا رسول الله ، لو كنا أسرى بين أيديهم لفعلوا بنا أكثر من ذلك . فقال له النبي - صلى عليه وسلم - :

{{ لسنا كمثلهم }} . فصار الصحابة يعطون للأسرى أطيب طعامهم ، وكانوا يجعلونهم يركبون وهم يمشون إلى جوارهم ، وذلك تطبيقا لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم .
[[ أرأيتم أيها الطغاة من العرب و الغرب كيف يعامل نبينا - صلى الله عليه وسلم - الأسرى ؟ لم يقل لهم : احرقوهم !! عذّبوهم !!هذا نهج نبينا ، فأي نهج تتبعون ؟ إنها الرحمة التي لا تعرف لقلوبكم سبيل ]] .

يقول أحد الأسرى وقد أسلم فيما بعد وهو {{ سهيل بن عمرو }}: كنت مع الأسرى، فلما سمع أصحاب النبي وصيته ؛ كانوا يؤثرونني بطعامهم ، فإذا ما وقعت في يد أحدهم كسرة من خبز إلا نفحني إياها [[ أعطاني إياها ]] ، ويأكل هو التمر . ممكن شخص يسأل هل الخبز أغلى من التمر ؟؟ نعم التمر كان متوفرا عندهم ورخيص ، أما الخبز لا ، لأنه من القمح ، والقمح لا يأتي إلا من الشام في العام مرة واحدة في رحلة الصيف .

(( سبحان الله ! قبل ساعات ضربوا أعناق الكفّار من الآباء والأبناء والأهل والعشيرة ، والآن - بتوجيه النبي - يؤثرونهم على أنفسهم بلقمة وهم كفار أيضاً !!!إنه دين الله ، دين العدل والرحمة ))

عاد - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، وفي الطريق نزلت عليه سورة الأنفال والتي تناولت الكثير من أحداث غزوة بدر كما تناولت كيفية توزيع الغنائم على المسلمين . وصل المسلمون إلى المدينة وسط أجواء من الفرحة والبهجة عمت المدينة كلها ، وفرح المسلمون فرحا شديدا،

حتى إنّ فرحهم غطى عليهم حزنهم بوفاة {{ رقية }} ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان عمرها {{ ٢٢ عاما }} فقد كانت مريضة ، وهذا الذي منع زوجها عثمان بن عفان – رضي الله عنه - من حضور بدر؛ لأن النبي خلّفه عليها للعناية بها . وتركت ابنا لها هو ( عبد الله ) وكان عمره أربعة أعوام فقط .

يا حبيبي يا رسول الله كم تحمّلت !! في قمة سعادته بالنصر على المشركين في يوم الفرقان ؛ يُصاب - صلى الله عليه وسلم - بفاجعة مصيبة فقدان ابنته ، فالدنيا لم نُخلق لنخلد فيها ، هي عبارة عن مرحلة قصيرة نمر بها ، ثم نتركها ونرحل بعدما نقدم فيها أعمالنا .

يوم القيامة يقول الإنسان : يا ليتني قدمت لحياتي ،{{ لحياتي }} ولم يقل {{ في حياتي }} .... فحياتنا لم تبدأ بعد ، ارجعوا إلى الله ، فاليوم تزرعون وغداً تحصدون .

. . . يتبع بإذن الله

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم
_______

عطاء دائم
01-23-21, 07:56 AM
هذا الحبيب « 149 »
السيرة النبوية العطرة (( النبي يستشير الصّحابة في أسرى بدر ))
______
عندما وصل الجيش إلى المدينة المنورة ؛ قام المسلمون بجمع الأسرى في ساحة المسجد النبوي . جلس المسلمون حول النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستشارهم في موضوع الأسرى ، هم سبعون من صناديد قريش ، ولم يكن هناك تشريع يوضح كيفية التعامل مع أسرى الحرب ، فتشاور الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع بعض الصحابة في هذا الأمر قائلا : ماذا تقولون في هؤلاء الأسرى ؟؟ [[ شو رايكم ؟ ]] ، فقال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -:

يا رسول الله ، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان ، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية ، لعل الله أن يهديهم بك ، فإن مننت ( عفوت ) فهو خُلقك ، وإن قبِلت الفداء استغنى به الفقراء ، [[ فمن أسر أسيرا فله فداؤه ]] ، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار ، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا .فكان رأيه فيه جانب الرحمة وجانب القوة ، وقد كانت اختياراته قريبة من اختيارات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

فلما أنهى أبو بكر كلامه ، قال عمر بن الخطاب : والله ما أرى ذلك . [[ يعني عندي رأي ثاني ]] !! يا رسول الله ، هؤلاء أئمة الكفر ، وصناديد قريش كذبوك وآذوك وأخرجوك وقاتلوك ، فإني أرى أن تشرد بهم من وراءهم [[ يعني الفعلة اللي تفعلها فيهم تلقي الرعب في قلوب من وراءهم ]] .

وكان لعمر بن الخطاب ابن عم في الأسرى، فقال للنبي : دعني اضرب عنق ابن عمي فلان ، ثم قل لعمك {{ حمزة }} فليضرب عنق أخيه العباس ، ثم قل لابن أخيك {{ علي }} أن يضرب عنق أخيه عقيل ،حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين . فكان رأي عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - شديد الحسم ، ففي رأيه أن يُقتل الأسرى السبعون - على أن يقتل كل قريب قريبه - حتى يُظهِر كل مسلم حُبه لله، وأنه ليس في قلبه ولاء لأي مشرك مهما كان ، حتى وإن كان أقرب الناس إليه ، وهذا أيضا رأي الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضي الله عنه .

فهذان رأيان ، وكلاهما مبني على الحب الكامل لله تعالى ، ولأمر الدعوة والدولة الإسلامية، لكن كلا منهما له طريقته، وكلاهما مختلف تمام الاختلاف عن الآخر؛ فأحدهما يقول : نأخذ الفدية ، والآخر يقول : نقتل الأسرى ، ولقد نزل القرآن بعد ذلك يؤيد رأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

وجاء في بعض الروايات أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم – تركهم ودخل إلى بيته ، وغاب عنهم قليلا من الوقت ، ثم خرج فقال : إنما مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم - عليه السلام – إذ قال : {{ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }} . وإنما مثلك يا عمر كمثل نوح عليه السلام إذ قال :

{{ وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا }} . فقد شبّه النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجلين بأنبياء من أولي العزم ، ثم قال : أرى أن تقبلوا فيهم الفداء تستعينون به ، ويكن لكم يد في قريش .

وشاع الخبر في قريش بقبول الفداء ، وكان قبول الفداء بنسبة غنى الرجل وفقره ، [[ يعني الأسير الغني ، غير الأسير الفقير ]] ، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن لا يملك لا هذه ولا تلك : ومن لا يجد فداء فليُعلم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة ، ومن كان لا يعرف فهو طليق . . .

مَنَّ عليهم
- صلى الله عليه وسلم - {{ فكان أول من شرع محو الأمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قبل أن تُطالب به حضارات اليوم }} .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-23-21, 07:57 AM
هذا الحبيب « 150 »
السيرة النبوية العطرة (( فداء العباس بن عبد المطلب – رضي الله عنه - ))
______
العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف – رضي الله عنه – هو عمّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولد قبله بسنتين، ويقال إنه أسلم وكتم إسلامه فكان عيناً على المشركين ،

يبعث بأخبارهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد وقف مع النبي في بيعة العقبة الثانية ، إلى جانب خلق العباس وسجاياه التي أحبها الرسول الكريم، فقد كان وَصُولاً للرحم والأهل، لا يضن عليهم بجهد ولا مال، وكان فطناً، وذا مكانة مرموقة في قريش .هاجر قبل الفتح بقليل ، وشهد فتح مكة مع المسلمين ، وشهد غزوة حنين ، وكان ممن ثبت ساعة انهزام المسلمين أول الغزوة ، فكان لصوته الجهوري فضل كبير عندما حض المنهزمين على الثبات .

هو الآن من أسرى بدر ، وكان قد خرج مكرهاً إلى بدر، وقاتل مع المشركين ، والآن يجب أن يدفع الفدية ، فقال للنبي : لقد أُخِذ مني في المعركة 40 أوقية ما بين ذهب وفضة ، ألا تكون فداء لي ؟؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا يا أبا الفضل ، ذلك شيء أنفلنا إياه الله
[[ يعني غنيمة للمسلمين ]] ، فعليك فداء نفسك ، وفداء ابني أخيك : (( نوفل بن الحارث بن عبد المطلب / وعقيل بن أبي طالب أخو علي رضي الله عنه )) .وكان فداء كل رجل {{ 4 آلاف درهم }}

قال : إذن جعلتني أفقر قريش ما حييت ، [[ يعني بس تاخد مني ١٢ ألف درهم ، سأصبح فقيرا ]] ، قال له الرسول : لا يا أبا الفضل ، وأين المال الذي وضعته تحت عتبة الدار ليلة خروجك ؟؟ وأوصيت أم الفضل أن لا تخبر به أحدا؟! وقلت لها : " إن أنا قُتلت ، فهذا يغنيكِ ما حييت أنت وأبناءك ... " ؟ فقال العباس : والذي بعثك بالحق ما علم بهذا الحديث غيرنا ... إلا الله !!

(( يعني معرفتك يا محمد بهذا الأمر دليل نبوّتك )) .

ثم قال العباس : يا رسول الله ، أنت تعلم بأني مؤمن أكتم إيماني ، وما خرجت إلا مُكرهاً ! فقال له النبي : ولكن يا أبا الفضل ، كان سيفك في الظاهرعلينا ، وقد أسرك أصحابنا .
وكان بعض الصحابة من الأنصار قد رقّت قلوبهم للعباس ، فهم يذكرون جيدا موقفه في بيعة العقبة الثانية ، ووقوفه إلى جانب الدعوة ، وتعجّبوا من موقف النبي الآن مع عمّه العباس ، وحاولوا أن يسامحوا العباس من الفدية ؛

لكن بطريقة في غاية اللطف والأدب، فقد كانوا قمة في الأخلاق وفي الإيمان ، حيث قالوا للنبي عليه الصلاة و السلام : يا رسول الله، اسمح لنا ، فلنترك لابن أختنا العباس فداءه ، [[ ابن أختنا !! نعم العباس أبوه عبد المطلب ، شيبة الحمد - تذكرون ذلك - أمه من يثرب من بني النجار، مر معنا بداية السيرة ]] ، ولكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - رفض ذلك تماما ، وأصرعلى أخذ الفداء ، وأعلى قيمة فداء ، وهي 4 آلاف درهم عن كل أسير .

أرأيتم العدل يا أمّة الإسلام ؟أرأيتم كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطبق القانون على الجميع ، حتى لو كان عمّه ؟؟ [[ أنت أسير تدفع الفداء مثلك مثلهم ، ما في عند رسول الله محسوبية ؛ أنا من طرف فلان ، لا يوجد في الإسلام واسطة تقلب بها الحق باطل والباطل حق ، وكل من يتعامل بالواسطة ويظلم غيره فهو آثم ، وسيُحاسب يوم القيامة أشد الحساب ]] .

وفدى العباس نفسه وابني أخيه ، {{ ٤ آلاف و ٤ آلاف و ٤ آلاف }} = ١٢ألف .

قال تعالى : {{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }} . وقد قال بعض المفسرين عن هذه الآية : نزلت تُبشّر العباس - رضي الله عنه – بأنّ الله سيعوّضه خيرا بهذا الفداء ، وهذا ما كان ، حيث بارك الله في تجارة العباس ، وعاد ليكون من أعظم أثرياء قريش .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم
_______

عطاء دائم
01-27-21, 08:10 AM
هذا الحبيب « 151 »
السيرة النبوية العطرة (( قصة فداء أبي العاص بن الربيع زوج " زينب " بنت النبي – صلى الله عليه وسلم – ))
______
نموذج آخر من فداء الأسرى هو (( ابو العاص بن الربيع )) زوج زينب أكبر بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - {{ خالته أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها }} . كان أبو العاص رجلا شهماً مشهورا بالأمانة في قريش ، وقد تزوج من زينب قبل البعثة ، و كان يحب زوجته زينب حباً كبيراً ، كذلك كانت زينب تبادله نفس المشاعر .

وعندما وسّع كفّار قريش في عداوتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم – قالوا : ردوا عليه بناته . فكانت بنتا النبي {{ رقية وأم كلثوم }} مخطوبتين لابني أبي لهب ( عتبة و عتيبة ) ، فأمرت " حمالة الحطب " زوجها أبا لهب و ابنيها أن يطلقا رقية و أم كلثوم ، فتمّ طلاقهما فورا .

وكان أبو العاص زوج ابنة النبي الكبيرة " زينب " في تجارته للشام ، فلما رجع من سفره ، ذهبت قريش كلها إليه كي تقنعه أن يطلق زينب من باب [[ التضييق على النبي ومحاربته ]] ،

فقال لهم أبو العاص : لا وربِ هذه البنية [[ اي الكعبة ]] لا أفارق صاحبتي ، فليس بيني وبينها ما يدعو لذلك، ولم أر من محمد إلا خيراً ، أنا لست على دينه، ولكني لا أفارق ابنته . فقالوا له : فارقها ونحن نزوجك بمن تريد من بنات قريش، فرفض عَرضهم ، [[ يعني عندي زينب بنساء قريش كلها ]] ،

ورجع لبيته فحمل ابنه علي و ابنته أمامة ؛ واقترب من زوجته و حبيبته زينب وقال لها مبتسما : لا عليك ، لن ينالوا مما بيننا يا زينب ، أنت على دين أبيك ، و أنا على ديني . وعندما هاجر أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم – منع أبو العاص زينب من الهجرة {{ محبة بها ، فهو لا يستطيع فراقها }} وبقيت معه في مكة ، ولما كانت غزوة بدر؛ خرج مع قومه مكرهاً ، فوقع في الأسر .
رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الأسرى ، وهو يعرف حسن مصاهرته ولكن ؛ {{ سيف الميزان والعدل قائم }} ، فأمره النبي أن يفدي نفسه ، فأرسل إلى مكة يطلب فداء نفسه . وصل الخبر إلى زوجته زينب ، فقامت - رضي الله عنها - على الفور ، وجمعت ما معها من مال ؛ لكنه لم يكف للفداء ، فنزعت قلادتها من عنقها ، ووضعتها على المال .

(( وهذه القلادة لها تاريخ وقصة )) : زينب كانت أول بنت تتزوج من بنات رسول الله ، وأمها خديجة بنت خويلد سيدة قريش ، وذات مال بسبب تجارتها، فلما حان موعد زفاف ابنتها زينب ، اعتبرتها مناسبة جميلة وجليلة ، فنزعت قلادتها و ألبستها لبنتها
[[ يعني مثل ما بنحكي : أول فرحة ولازم أنقط بنتي شيء مستاهل ]] .
فلما وصل المرسال بالمال ليفدي أبا العاص ، وضع المال بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنظر النبي إلى المال ، فوقع نظره على قلادة خديجة ،فتذكر محبته وشوقه لخديجة - رضي الله عنها - وعرف أيضا مدى حب زينب لزوجها ، ورقّ لها رقّة شديدة بسبب غربتها عنه ، فلم يملك نفسه ، وبكى - صلى الله عليه وسلم - .

فلما عرف الصحابة ذلك ، قالوا : ماذا ترى يا رسول الله ؟؟ قال : إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها ! فقالوا : نعم . [[ يعني خذوا باقي المال وخلوا القلادة هدية لزينب ، هذا إذا وافقتم ]] .

ولاحظوا معي : نبيّنا لا يُحابي أحدا على حساب الدّين ، فقد أخذ الفدية حتى من زوج ابنته ، كذلك ابنة النبي " زينب " لم تطلب شفاعة لزوجها من أبيها ، لأنها تعلم عدل أبيها ، و ما يجري لزوجها يجري على الجميع ؛

إنّه عدل الإسلام .
وقبل أن ينطلق أبو العاص بن الربيع عائدا إلى مكة ، استوقفه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال له : يا أبا العاص ، لقد فرّق الله بين المؤمنين والكافرين فزينب لا تحل لك زوجة بعد اليوم ، فإذا بلغت مكة فأرسلها إلينا ، و أخذ عليه عهدا، فقال له أبو العاص : لبّيك .

ثم قفل أبو العاص عائدا إلى مكة ، وهو لا يدري كيف له العيش بدون زينب ؟! ولمّا وصل جهز لها زادها وراحلتها ، وأخبرها بأن رسل أبيها ينتظرونها غير بعيد عن مكة . ومن شدة حبه لها ، لم يتمالك نفسه بأن يوصلها إلى أطراف البادية ويودعها ،

فطلب من أخيه عمرو أن يرافقها ويسلمها في أطراف البادية لرسل أبيها ، وكان أبو سفيان قد طلب من عمرو أن لا يخرج بزينب علانية على رؤوس الناس ،[[ يعني الناس لسه في مكة تبكي وتنوح على قتلى بدر وأنت ستخرج أمامهم بزينب بنت محمد عدوهم !! راعي مشاعرهم يا أخي ]] ، فنزل عمرو عند رغبة أبي سفيان ، وخرج بها ليلاً بعد أيام معدودات ، وأسلمها إلى رسل أبيها يدا بيد كما أوصاه أخوه .

ظلت زينب ترفض الخطّاب لمدة ست سنوات ،على أمل أن يعود إليها زوجها وأبو ولديها مسلما . وكان أبو العاص يوما في تجارة لقريش إلى الشام ، وعند عودته التقته سرية من المسلمين ، فأصابوا كل ما معهم وهرب هو منهم ، وتسلل ليلا حتى وصل إلى بيت زينب ، فقال لها : ج


ئت هارباً مستجيراً ، ولمّا خرج المسلمون لصلاة الفجر صرخت زينب وقالت : أيها الناس ،{{ أنا زينب بنت محمد، وقد أجرت أبا العاص فأجيروه }} ، فلما سلم النبي وانتهى من الصلاة ، التفت إلى الناس وقال: هل سمعتم ما سمعت؟! أما والذى نفس محمد بيده ، ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم ، وإن هذا الرجل ما ذممته صهرا ، وإن هذا الرجل حدثني فصدقني ، ووعدني فوفّى لي ، فإن قبلتم أن تردوا إليه ماله ، وأن تتركوه يعود إلى بلده ، وإن أبيتم فالأمر إليكم .

فقال الناس: بل نعطه ماله يا رسول الله . فقال النبي: قد أجرنا من أجرتِ يا زينب . فلما رجع أبو العاص إلى مكة ، وقف أمام الكعبة يوزع أموال التجارة الرابحة على أصحابها ، ثم قال : يا معشر قريش ، هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ فقالوا: لا . فرفع صوته قائلا : إذن فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . ثم عاد إلى النبي ، و أخبره بإسلامه ، واستأذن زينب أن ترجع إليه ، فوافقت .


لم تعِش زينب - رضي الله عنها - طويلاً بعد إسلام زوجها والتقائها به، إذ توفِّيت في العام الثامن من الهجرة النبوية ، وبكاها زوجها بكاء شديدا، والذي توفاه الله في العام الثاني عشر من الهجرة ، رضي الله عنهما و أرضاهما .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-29-21, 07:35 AM
هذا الحبيب « 152 »
السيرة النبوية العطرة (( فداء الأسرى: سهيل بن عمرو// أبو عزّة الجمحي ))
______
وكان من بين الأسرى {{ سهيل بن عمرو }} خطيب مكة ، وأشدهم عداوة للإسلام ، وجاء في بعض روايات كتب السيرة أنّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : يا رسول الله دعني انتزع ثنيتيه [[ أسنانه ]] حتى لا يقوم عليك خطيباً بعد اليوم ؛ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا يا عمر، لا أمثّل بأحد فيمثّل الله بي ولو كنت نبياً، وما يدريك لعل سُهيلا يقف في يوم من الأيام موقفاً تُثني عليه فيه ، فقبل المسلمون فداءه .

وتمضي الأيام ، ويسلم سهيل بعد فتح مكّة ، ثمّ ينتقل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى ، ويستخلف أبا بكر الصّدّيق ، وطار الخبر إلى مكة ، فقام بعض الناس يدعون إلى الرّدّة عن الإسلام ، وهُنا قام سهيل بن عمرو متوشحاً سيفه ، وخطب بالناس ، فحمد الله و أثنى عليه ، وصلى على رسوله ، ثم قال : أما والله إني لأعلم بأن دين الله سيبلغ مشرقه ومغربه ، وأن الله متم نوره ، ولقد جمع الله أمركم على خيركم ألا وهو " الصدّيق " الذي أثبت الله صحبته لنبينا بنص قرآني ، ألم تقرؤوا قول الله تعالى :

{{ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا }} ، ففاز بمعية الله ورسوله ، من دون أصحاب النبي ، فامضوا على ما أنتم عليه [[ أي على دين الإسلام ]] فوالله الذي لا إله إلا هو، ومن بعث محمداً نبياً ؛ما أرتد رجل في مكة إلا ضربت عنقه . فأجمعت مكة كلها على الإسلام . [[ أرأيتم أثر تسامح الإسلام في قلب سُهيل ؟؟ أصبح سيفا للإسلام بعد أن كان أشد أعدائه !!! ]] .

وكان في الأسرى أيضا {{ الشاعر أبوعزة الجمحي }} ، رجل من شعراء قريش ، وكان يؤذي المسلمين كثيراً ، وقع في الأسر يوم بدر ولكنه فقير، فنظر للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : يا محمد ، تعلم عيلتي وكثرة عيالي [[العيلة هي الفقر ]] من للصبية يا محمد ؟؟

فأمنن جُزيت خيراً . فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: نمُن عليك [[ أي أن يُطلق بلا فداء ]] شريطة ألا تحرك علينا بشعرك أبداً [[ لا تستعمل شعرك بالعداوة للإسلام و المسلمين ]] ، ولا تسل سيفك في وجهنا بعد اليوم ابداً . قال : لك ذلك ، يا محمد .
و بعد أن عفا النبي عنه، أخذ يحدث عنه أهل مكة ، و مدحه قائلا :

مَنْ مبلغ عني الرسول محمدًا **** بأنك حق والمليك حميدُ
وأنت امرؤ تدعو إلى الحق و الهدى **** عليك من الله العظيم شهيد

ولكن هذا الشاعر سرعان ما خان عهده للنبي و للمسلمين!! فبعد عام تقريبا خرجت قريش لأخذ ثأرها يوم غزوة أحد ، فكان الشاعر أبوعزة أول من حرك الناس بشعره ضد المسلمين ، حيث قال :

يا بني عبد مناة الرزام * * * أنتم حماة وأبوكم حام

لا تعدوني نصركم بعد العام * * * لا تسلموني لا يحلّ إسلام

انتهت المعركة ، وفي اليوم التالي استطاع الصحابة أن يأسروا هذا الشاعر في حمراء الأسد ،عندما كانوا يلاحقون فلول قريش ، فأتوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

تقول بعض روايات كتب السيرة : فنظر إليه النبي قائلا : أين عهدك يا أبا عزة ؟؟ !! ألم نمنن عليك لقاء عهد بأن لا تحاربنا ولا تحرض علينا ؟؟ قال : معذرةً وعفواً يا محمد ، أمنُن ولن أعود إليها أبداً . فقال النبي : لا والله لا تمسح عارضيك بمكة ، وتقول خدعت محمداً مرتين ، {{ لا يُلْدَغُ المؤمِنُ مِن جُحْرٍ مَرّتَين }} و أمر بضرب عنقه .

وهذا درس لنا في التعامل مع الأعداء ، لا أمان لهم ، لا ثقة بهم ولا بمعاهداتهم ، ضاعت البلاد و انتشر الفساد من وراء كلامهم المعسول ، والمشكلة أنهم لا زالوا يخدعوننا ، ولا زلنا نصدّقهم !!! ليتنا نفهم من دروس السيرة كيف يجب التعامل معهم .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-30-21, 08:01 AM
هذا الحبيب « 153 »
السيرة النبوية العطرة (( محاولة قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - أثناء فداء الأسرى ))
______
ومن الأحداث التي ترويها كثير من كتب السّيرة هي محاولة قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - أثناء فداء الأسرى ؛ فقالوا : كَانَ ((عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الجمحي )) شَيْطَانًا مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ، وَمِمّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ، [[ أتذكرون ؟ هو الذي جال بفرسه يوم بدر فحزر عدد المسلمين فقال ٣٠٠ ينقصون قليلا ، أو يزيدون قليلا فكانوا ٣١٣ ]]، وقد جلس عمير مع (( صفوان بن أمية ))

بعد هزيمة قريش في بدر ، وكانا حزينين لفقد أحبتهما ، فعُمير" ابْنُهُ وَهْبُ " فِي أُسَارَى بَدْرٍ، وكان أيضا والد صفوان " أمية بن خلف " قد قُتل في المعركة ، فكلاهما يحمل في قلبه الحقد للنبي و للمسلمين . فَقَالَ صَفْوَانُ: وَاَللهِ ما فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ خَيْرٌ ؛ قَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: صَدَقَتْ وَاَللهِ، أَمَا وَاَللهِ لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ لَيْسَ لَهُ عِنْدِي قَضَاءٌ، وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمْ الضّيْعَةَ بَعْدِي، لَرَكِبْتُ إلَى مُحَمّدٍ حَتّى أَقْتُلَهُ ،[[ أرأيتم !!! كافر و خايف يموت ولم يسد دينه !! هكذا كانت العرب رغم كفرها معدنهم أصيل ، أما اليوم - نسأل الله العافية – البعض لا يحلو له إلّا أن يأكل مال أخيه المسلم مع أنه يصلي ويصوم !! ]] .
قَالَ : فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ وَقَالَ: عَلَيّ دَيْنُك، أَنَا أَقْضِيهِ عَنْك، وَعِيَالُك مَعَ عِيَالِي أُوَاسِيهِمْ مَا بَقُوا، لَا يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَعْجِزُ عَنْهُمْ، [[ يعني أولادك طول ما فيهم واحد عايش نفقته علي ]]

فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: فاكتم شأني وشأنك؛ قال: أفعل .

[[ هم كفار وسفهاء وكانوا يستعينون على قضاء حوائجهم بالكتمان ، ديننا يحثّنا على قضاء الحوائج بالكتمان ؛ ولكن البعض منّا ما بحب غير ينشر خصوصياته على الفيس بوك !!! ]]. قَالَ : ثُمّ أَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ، فَشُحِذَ لَهُ وَسُمّ، ثُمّ انْطَلَقَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ؛ فَبَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ؛ إذْ نَظَرَ إلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ حِينَ أَنَاخَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مُتَوَشّحًا السّيْف، فقال : هذا عدوّ الله عميربن وَهْبٍ، وَاَللهِ مَا جَاءَ إلّا لِشَرّ، وَهُوَ الّذِي حَرّشَ بَيْنَنَا، وَحَزَرْنَا لِلْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ. ثُمّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا نَبِيّ اللهِ، هذا عدوّ الله عمير بن وهب قد جاء متوشّحا سيفه؛

قَالَ: فَأَدْخَلَهُ عَلَيّ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتّى أَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَلَبّبَهُ بِهَا، وَقَالَ لِرِجَالٍ مِمّنْ كَانُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ: اُدْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاجْلِسُوا عِنْدَهُ، وَاحْذَرُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ، فَإِنّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ؛ ثُمّ دَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ، قَالَ: أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ، اُدْنُ يَا عُمَيْرُ؛ فَدَنَا ثُمّ قَالَ:

انْعَمُوا صَبَاحًا، وَكَانَتْ تَحِيّةُ أَهْلِ الْجَاهِلِيّةِ بَيْنَهُمْ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : قَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ بِتَحِيّةِ خَيْرٍ مِنْ تَحِيّتِك يَا عُمَيْرُ، وهي السّلَامِ - تَحِيّةُ أَهْلِ الْجَنّةِ – فَقَالَ : أَمَا وَاَللهِ يَا مُحَمّدُ إنْ كُنْتُ بِهَا لَحَدِيثُ عَهْدٍ؛ قَالَ : فَمَا جَاءَ بِك يَا عُمَيْرُ؟ قَالَ : جِئْت لِهَذَا الْأَسِيرِ الّذِي فِي أَيْدِيكُمْ فَأَحْسِنُوا فِيهِ ( يقصد ابنه ). قَالَ : فَمَا بَالُ السّيْفِ فِي عُنُقِك؟ قَالَ: قَبّحَهَا اللهُ مِنْ سُيُوفٍ، وَهَلْ أَغْنَتْ عَنّا شَيْئًا؟ [[ أي في غزوة بدر ]] قَالَ: اُصْدُقْنِي، مَا الّذِي جِئْتَ لَهُ؟ قَالَ : مَا جِئْتُ إلّا لِذَلِك.

فقَالَ – صلى الله عليه وسلم - : بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ قُلْت: لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ وَعِيَالٌ عِنْدِي لَخَرَجْتُ حَتّى أَقْتُلَ مُحَمّدًا، فَتَحَمّلَ لَك صَفْوَانُ بِدَيْنِك وَعِيَالِك، عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي لَهُ، وَاَللهُ حَائِلٌ بَيْنَك وَبَيْنَ ذَلِكَ .

قَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ الله، وقد كُنّا يَا رَسُولَ اللهِ نُكَذّبُك بِمَا كُنْت تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السّمَاءِ، وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْك مِنْ الْوَحْيِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إلا أنا وصفوان، فو الله إنّي لَأَعْلَمُ مَا أَتَاك بِهِ إلّا اللهُ، فَالْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ، وَسَاقَنِي هَذَا الْمَسَاقَ، ثُمّ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : فَقّهُوا أَخَاكُمْ في دينه ،

وأطلقوا له أسيره، ففعلوا. وكان صفوان ابن أُمَيّةَ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، يَقُولُ: أَبْشِرُوا بِوَقْعَةٍ تَأْتِيكُمْ الْآنَ فِي أَيّامٍ، تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرّكْبَانَ، حَتّى قَدِمَ رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ إسْلَامِهِ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلّمَهُ أَبَدًا، وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعِ أَبَدًا. واستمر عُمير يدعو الناس إلى الإسلام ؛ فسُبحان مُقلّب القلوب !
_______

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
01-31-21, 08:44 AM
هذا الحبيب « 154 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة بني قينقاع ))
______
أصبح للدولة الإسلامية بعد غزوة بدر هيبة كبيرة في قلوب العرب ، فقريش التي هزمها المسلمون {{هي واحدة من أكبر قبائل الجزيرة العربية }} ، كما أنّ الغزوة رفعت جداً من الروح المعنوية للمسلمين ، سواء الذين شاركوا في المعركة أم لم يشاركوا .
ولكنّ آثار هذا النصر الذي فرح به المسلمون انعكس على غيرهم ألماً وغمة وقهرا ، أتعرفون من ؟ نعم . إنهم اليهود ، فهم يشغلون العالم في الماضي و في الحاضر، وشغلهم الشاغل هو العداء للإسلام و المسلمين . أتذكرون عندما قلنا إن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد جعل بينه و بينهم عهد عند دخوله المدينة ، وهم ( بني قينقاع و بني النضير و بني قريظة ) ،

ولكن [[ عهود ويهود ضدان لا يجتمعان أبداً بداً ، منذ أن خلقهم الله إلى أن تقوم الساعة ]]، أتذكرون أيضا قول " حيي بن أخطب سيّد يهود بني النضير" لأخيه ياسرعندما سأله أخوه عند وصول نبيّنا إلى المدينة : أهو النبي محمد الذي صفاته في كتابنا ؟؟ قال : أجل هو، وربِ موسى إنه هو، وإني أعرف أنه نبي أكثر من معرفتي بابنتي هذه ، ولكني سأعاديه ما حييت !!



وماهي إلا أول فرصة ، حتى كُشف النقاب عن حقيقة يهود بني قينقاع ، فلم يستطيعوا كتم كرههم لنصر المؤمنين في بدر، وهزيمة المشركين ، فأخذوا ينالون من المسلمين بألسنتهم ، ويحاولون أن يوقعوا الفتنة بينهم ، ومثال ذلك ما قام به اليهودي " شاس بن قيس " عندما جلس بين الصحابة من الأوس و الخزرج وهم يتبادلون أطراف الحديث بكل محبة وود ، فذكّرهم بحرب كانت بينهم {{ يوم بعاث }} ، فأشعل الفتنة بينهم حتى ثاروا إلى السلاح ، وكادوا يقتتلون لولا تدخل النبي - صلى الله عليه وسلم بينهم – حيث قال لهم غاضبا : أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به وقطع عنكم أمر الجاهلية ؟؟!!

فألقوا السلاح ، وبكوا ، وعانق بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس . ونزل قوله تعالى :

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " .
أدرك النبي القائد أن اليهود يريدون غدرا ، فهو قائد المسلمين ، ويجب على القائد حل المشاكل التي تصيب شعبه قبل أن تتفاقم ، واحتار في أمرهم لأن بينه وبينهم عهود ، وهو خيرمن وفىَّ بعهد ، والمدينة المنورة الآن في أمس الحاجة للاستقرار الداخلي ، فأنزل الله عليه آيات تزيل عنه هذه الحيرة قال تعالى :

{{ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ }} . [[ قلق مش مرتاح ، يرسلون رسائل إنهم هم مش ملتزمين بالعهد ، شغلة بسيطة ]] اجمعهم ، وانبذ إليهم عهدهم علناً أمام الجميع بعد أن تحاججهم ، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنك قد فسخت العهد بينك وبينهم ، بما كان منهم من ظهور أمارات الغدر والخيانة منهم ، حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب ، فيأخذوا للحرب آلتها ، وتبرأ من الغدر.

أرسل - صلى الله عليه وسلم - إلى سادتهم ، واجتمع بهم في سوقهم ، وكانت قينقاع تسكن وسط المدينة ، وهم أشجع يهود

[[ يعني رجال حرب ]] وأكثرهم عددا وعدة ، وأكثرهم ملكاً للمال ؛ فقد كانوا يملكون سوق الذهب في المدينة المنورة ، أما بني النضير و بني قريظة فيسكنون في أطراف المدينة . وبعد أن سلم عليهم وحياهم بأدب واحترام – صلى الله عليه وسلم - ذكر لهم إساءة بعضهم للمسلمين و تأسفهم على قتلى قريش في بدر، وهذا ليس العهد الذي بيننا وبينكم ، فقالوا له بلسان فظ وسوء أدب : يا محمد ، أرأيتنا مثل قومك ؟!! [[ يعني بتفكرنا مثل قريش ؟؟ ]] والله لإن حاربناك ، لتعلمنّ أنّا نحن أهل السلاح و العدة – إشارة إلى إمكانية محاربة المسلمين ، فأنزل الله على نبيه :

{{ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ }} .

فقاموا من مجلسه وتركوه يتكلم !!هل رأيتم أخلاق المغضوب عليهم ؟؟ [[ بمعنى أننا لا نسمع لك ، والعداء قائم بيننا وبينك ]] .

وكان هذا الاجتماع في شوال بعد غزوة بدر التي كانت في رمضان ، فحذر النبي المسلمين منهم ، وأمرهم أن يأخذوا حذرهم من بني قينقاع .
. . . و تأتي امرأة مسلمة بلباسها المحتشم إلى سوق الصاغ


ة في بني قينقاع تريد أن تبيع أو تشتري، فأخذوا يسخرون منها، وقام الصائغ بغفلة منها فشكل ثوبها [[ لان لباس المرأة العربية قديما له أطراف وثنيات كثيرة ، شكل ثوبها من الذيل بين كتفيها ]] حتى إذا ما قامت انكشفت عورتها وضحكوا منها ، فسدلت ثوبها وصاحت تستغيث . . . سمعها رجل مسلم من الأنصار ، فانقض بسيفه على الصائغ فقسمه نصفين

[[ هؤلاء هم الرجال . . . ]] ، وتجمع اليهود وتكاثروا على المسلم وقتلوه .
وصل الخبر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ قراراً سريعاً وحاسماً، وهو ضرورة قتال يهود بني قينُقاع [[ الرد عملي ، ليس شجب و استنكار !! ]] فنادى في المسلمين لحصار يهود ، فتحصنوا في حصونهم ،

{{ لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ }} ، هم جُبناء دائما . واستمر هذا الحصار أسبوعين دون مدد لا بماء ولا طعام ، فاستسلموا ، وكانت شروط الاستسلام هي أن ينزلوا على حكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكان قرار النبي هو قتل جميع الرجال المحاربين ؛ ليس عقابا فقط على هتك عرض المرأة المسلمة وقتل الرجل المسلم ، ولكن لأنهم أيضا نقضوا العهد ، وأيضا كرههم للمسلمين لن يتوقف . وسرعان ما تدخّل زعيم المنافقين

{{ عبدالله بن أبي سلول }} وبعد أن ترجّى النبي كثيرا في أمرهم ، أرسل – صلى الله عليه وسلم – إلى بني قينقاع عبادة بن الصامت أن انزلوا على حكم رسول الله خير لكم ، تخرجون من المدينة بأنفسكم فقط دون مال ولا سلاح ، فخرجوا إلى أذرع في جنوب سوريا ، وغنم المسلمون أموالهم وسلاحهم في المدينة .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-01-21, 08:03 AM
هذا الحبيب « 155 »
السيرة النبوية العطرة (( زواج علي بن أبي طالب من فاطمة بنت رسول الله رضي الله عنهما / ج1 ))
______
ولد عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه – قبل البعثة، وتربى في بيت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، وهو أول من أسلم من الصّبيان ، و هو من المبشّرين بالجنة . وصفه أهل السّير بأنه أسمر اللون، حَسَنَ الْوَجْهِ، ضَحُوكَ السِّنِّ، غزير العلم، زاهداً ورعاً متواضعاً شجاعاً، فهو البطل إذا عُدّ الأبطال، وهو الشجاع المِقدام، والبطل الهُمام ، وقد رأينا كيف اعتمد عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – ليلة الهجرة ؛ اشتهر بالفروسية والشجاعة و التضحية والإقدام ، وكان اللواء بيد علي - رضي الله عنه - في أكثر المشاهد، ففي غزوة خيبر قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - :


((لأعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَداً رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)) فكان علي - رضي الله عنه - هو المقصود ، وفُتِحَت خيبر على يديه. وكان له أيضا دورٌ بارزٌ في غزوة بدر كما رأينا ؛ فقد كان أحد الثلاثة الذين بدأوا المعركة بالمبارزة، وقد بارز الوليد بن عتبة بن ربيعة، وقتله . (( وننبه هُنا إلى أن بعضا مما يُنقل عن أمير المؤمنين علي ـ رضي الله عنه ـ لا يثبت ، ومنه ما لا يليق بحقه، وذلك بسبب التزوير و الأهواء و الاتّجاهات الشخصية عند من يكتبون ، لذلك عليكم التحقق دائما مما يصلكم عنه وعن آل بيته الكرام )) . نحن الآن في السنة الثانية للهجرة ويبلغ علي بن أبي طالب قرابة الثانية والعشرين من العمر .

أمّا فاطمة بنت الرسول – صلى الله عليه وسلم – فقد ولدت كما جاء معنا أثناء تجديد بناء الكعبة ، و قبل نزول الوحي على رسول الله ، وهي أصغر بنات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، معروفة بالصدق الشديد ، وكانت - رضي الله عنها - شديدة الحياء ، [[ لدرجة أنها كانت تخشى أن يصفها الكفن بعد الموت، فطلبت أن يوضع جثمانها بعد موتها في نعش ]] ، وهي من خير نساء العالمين لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

{{ خيرُ نساءِ العالمينَ أربعٌ : مريمُ بنتُ عمرانَ ، وآسيةُ بنتُ مزاحمٍ امرأةُ فرعونَ ، وخديجةُ بنتُ خويلدٍ ، وفاطمةُ بنتُ محمدٍ }} . ومن صفاتها - رضي الله عنها - أنّها كثيرة الخير، قنوعة، صابرة، شاكرة لله، وقد بشّرها الرسول بأنّها سيّدة نساء المؤمنين، حيث قال لها عند وفاته : " . . . يا فَاطِمَةُ، ألَا تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ، أوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هذِه الأُمَّةِ ؟ " .

وكانت شديدة الرعاية للرسول - صلى الله عليه وسلم - والسهر لخدمته وكأنها أمه ، وكانت تشبه في مشيتها مشية والدها عليه أفضل الصلاة و أتمّ التسليم . ونحن الآن في بداية السنة الثانية من الهجرة ، فهي الآن في الثامنة عشرة من العمر تقريبا .

وفي هذه السنة - الثانية للهجرة - تم الزواج المبارك بين علي و فاطمة - رضي الله عنهما – وهذا الزواج يقدم نموذجا ومثالا رائعا، ويعطي رسالة يُحتذى بها في وقتنا الحاضر لكيفية تعامل الأب عند تقدم شاب لخطبة ابنته خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي يمر بها الشباب هذه الأيام ، و أيضا فيه دروس في كيفية تعامل الأب في إقامة المحبة و الألفة بين ابنته و زوجها .

قصة خِطبة وزواج علي من فاطمة - رضي الله عنهما - كما ذَكرَت بعض كتب السِّيَر والتراجم
ورد أنّهم قالوا لعلي : ما يمنعك أن تأتي رسول الله فيزوجك من فاطمة ؟
[[ وكان قد تقدم لخطبتها الكثير ؛ لكن النبي لم يوافق ]] فقال لهم : أوعندي شيء أتزوج به ؟ [[ يظن أن مهرها سيكون مرتفعا ، وهو فقير ]]

فقالوا: إنك إن جئتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم – زوّجك . فقال علي : فلما أن قعدت بين يدي نبي الله أُفْحِمْتُ، فوالله ما استطعت أن أتكلم جلالة وهيبة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما جاء بك يا علي ؟ ألك حاجة؟ [[ جاي قاعد وساكت شو بدك ]] ؟؟ فسكت علي . فقال له - عليه الصلاة و السلام - : لعلك جئت تخطب فاطمة ؟ فقلت: نعم، فقال: وهل عندك من شيء تستحلها به؟
فقلت: لا والله يا رسول الله! فقال: فأين دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّة ؟ [[ طلعله من الغنائم في بدر درع ]] قلت: فوالذي نفس علي بيده إنها لحُطَمِيَّة ( نسبة إلى صانعيها ) ما قيمتها أربعة دراهم ! فقال: قد زوجتكها . وكانت هذه الدرع صداق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأما جهاز وأثاث زواجهما فعن علي - رضي الله عنه - قال: (جهَّز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة في خميل (قماش مخمل نسميه لحاف)، وقِرْبة ( هي ما يُتّخذ للسقاء )، ووسادة أدم (جلد ، ونسميه جاعد ) " الوسادة :

هُوَ مَا يتوسد عَلَيْهِ عِنْد النّوم ، وَيجْعَل عَلَيْهِ الرَّأْس " حشوها إذخر ( وهو نبات رائحته طيبة) ، وفي رواية أخرى : ( وأمرهم أن يجهزوها، فجعل لها سريراً مشرطاً بالشرط، ووسادة من أدم حشوها ليف ( هُو

َ مَا يخرج من أصُول سعف النّخل يحشى بهَا الوسائد).

أرأيتم أيها الآباء و الأمهات !!هذا كل ما جاء عن مهر وجهاز فاطمة بنت رسول الله !! بهذه البساطة تم تجهيز العروس ، وأي عروس ؟ هي بنت رسول الله " أعظم إنسان في تاريخ البشرية " ، والذي تسقط عنده كل الألقاب و الطبقات و المسمّيات الزائفة . علي - رضي الله عنه - كان فقير الحال ، متواضع الجمال ، وكان باستطاعته – صلى الله عليه و سلم - أن يزوج ابنته لرجل غني و وسيم (( كما يبحث البعض في عصرنا )) ؛ لكنّ هذا الزواج درس لنا جميعا في الوقوف إلى جانب شباب و شابات هذا الجيل ،[[ فالسيرة للتأسي لا للتسلي ]] وهي ليست قصصا تُروى فقط ؛ ولكنها منهج يُقتدى به .

فأين هذا الزواج من زواجنا اليوم أيها الآباء و الأمهات ؟!! كم في بيوتكم من العوانس ؟؟!! كم عندكم شباب عاجزون عن الزواج ؟؟ وكم هناك من شباب و شابات وقعوا في الزنا ودروب الفتن ؟؟ ما سبب ذلك كله؟؟ بالتأكيد فإن السبب الرئيس هو المغالاة في المهور .

[[ قال ايش ... مثلها مثل الناس !! ]] لماذا لا تكونون في ذلك مثل بنت خير الناس - صلى الله عليه وسلم - ؟؟ لماذا لا نخفّف على بعضنا ؟؟ و تأكدوا تماما [[ مثل ما تُطلب لبنتك سيُطلب من ابنك ، واللي بتطلبه مهر لبنتك اليوم استعد لدفعه مهر لزوجة ابنك بكرة ]] ،

فأعظم النساء بركة أيسرهن صداقا كما جاء في الحديث النبوي . ونصيحة أخرى للشباب والشابات و أهلهم : لا تبحثوا في الزواج إلا عن الدّين والأخلاق ، اسمعوا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَلِجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) . وقوله أيضا : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ؛ إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-01-21, 08:04 AM
هذا الحبيب « 156 »
السيرة النبوية العطرة (( زواج علي بن أبي طالب من فاطمة بنت رسول الله رضي الله عنهما / ج2 ))
______
. . . و تم الإيجاب و القبول ، و دُفع المهر ، وبذلك تم عقد الزواج ، ثمّ قال - صلى الله عليه وسلم - : يا علِيُّ إِنَّه لا بد للعروسِ من وليمةٍ ، فقال سعد : عندِي كبشٌ ،وجمعَ لَهُ رهطٌ من الأنصارِأصوُعًا من ذُرَةٍ ، فلما كانتْ ليلَةُ البناءِ ، قال عليه الصلاة و السلام لعلي : لا تُحْدِثْ شيئًا حتى تلقانِي ، فدعا رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - بماءٍ فتوضَّأَ فيه ، ثُمَّ أفرغَهُ على علِيٍّ ، وقال : اللهم بارِكْ فيهما ، وبارِكْ لهما في بنائِهِما .

مضى زواج علي من فاطمة وهنا لا بد أن يكون بين الزوجين ، أي زوجين في الدنيا شيء من الخلاف خاصة في بداية الزواج ، فإن الناس خلقهم الله بطباع وأمزجة وعقول ، تتفق أحيانا وتختلف أحياناً ، {{ وإن كانت العروس فاطمة بنت محمد ، وإن كان الزوج علي بن ابي طالب }} .

يُروى أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - زار ابنته فاطمة في بيتها يوماً ، فلما رأى فاطمة علم أن هناك خلاف بينها وبين علي ، فقال لفاطمة : أين ابن عمك ؟؟ قالت: كان بيني وبينه شيء، فغاضبني وخرج ، فلم يُقِل عندي .[[ يعني تزاعلت معه ، وخرج ولم يقِل ، أي لم ينم القيلولة في وسط النهار عندي ]] ، فخرج - صلى الله عليه وسلم - وقال لأحد أصحابه : انظر أين هو علي ؟ فجاءه قائلا : يا رسول الله ، هو في المسجد [[ نايم ]] ،

فجاء إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقِّه [[ أي جانبه ]] فأصابه التراب [[ لأن أرضية المسجد النبوي من تراب ]] ، فجلس عليه الصلاة و السلام بجانبه ، وأخذ يمسح التراب عنه وهو يقول لعلي : " قُمْ أبَا تُرَابٍ، قُمْ أبَا تُرَابٍ" ، فنظر علي فإذا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فوق رأسه يبتسم في وجهه ، ثم تركه النبي ومضى . ففهم الرسالة علي وانطلق ودخل إلى بيته ، وتصالح مع فاطمة .

[[ ما أجملها من رسالة !! مسح عنه التراب !! أنت يا علي زوج ابنتي وتعتبر بمنزلة ولدي ، خلص بيكفي زعل ،، قم يا أبا تراب ؛ يمازحه - صلى الله عليه وسلم - ليرجع إلى بيته ]] .

ورُوي أنّ عليا – رضي الله عنه – كان يقول : ما كانَ لِي اسْمٌ أحَبَّ إلَيّ مِن أبِي تُرَابٍ، وإنْه كانَ يَفْرَحُ إذا دُعي به .

تأمّلوا معي يا إخوتي كيف يُعالج الأب مشاكل ابنته مع زوجها !! إنها الحكمة و التروّي و البعد عن الغضب ، لاحظوا معي أن النبي لم يدخل في دائرة سبب الخلاف بينهما ، حتى لا تتّسع ؛ [[ أنا حكيتلو ، هو حكالي ، ... ]] ،

و أيضا فاطمة – رضي الله عنها – كتمت سرّ بيتها [[ وما عملت قصة كبيرة وصياح و بكاء، لتستميل قلب أهلها و تقسّي قلوبهم على زوجها كما تفعل بعض النساء ]] ، ففي نهاية المطاف يجب أن ترجع الأمور إلى نصابها ، ومن الحكمة أن الأب يتعامل مع زوج ابنته ، بلطف وإحسان ، وعدم المعاتبة مما يجعل زوج البنت يخجل من عمه لأنه يحبه ويحترمه ويشعر أنه بمقام والده .

وفي رجوع علي – رضي الله عنه – إلى بيته مباشرة وعدم استمرار الغضب و الزعل تصرف رجولي ، هكذا هم الصحابة – رجال في كل موقف – [[ ما ركب راسه مثل بعض الأزواج اليوم ويقول : ما برجع إلها غير تيجي هي و أهلها أذلاء عند قدمي !! ]] ، فالرجولة أن تحفظ بيتك و أولادك من الضياع ، وما حالات الطلاق الكثيرة اليوم، و تشتت الأبناء و البنات إلا من وراء العناد و قسوة القلوب من الزوجين و الأهل .

هذا هو الهدي النبوي في التعامل مع المشاكل الأسريّة ، وهكذا كانت علاقة النبي - صلى الله عليه وسلم - ببناته وأزواجهن ،علاقة قائمة على الحب و الحنان والاهتمام والمودة ، و زيارتهن ، والاطمئنان عليهنّ وعلى أزواجهنّ ، دون التدخل في أسرار بيوتهنّ .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-03-21, 08:22 AM
هذا الحبيب « 157 »
السيرة النبوية العطرة (( زواج علي بن أبي طالب من فاطمة بنت رسول الله رضي الله عنهما / ج3))
______
. . . مضت السنوات ، وكانت مشيئة الله - سبحانه و تعالى - أن رَزق علي و فاطمة (( الحسن و الحسين ومحسن " مات بسن الرضاعة صغيرا " و زينب و أم كلثوم )) .
وكان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يولي أحفاده عناية خاصة، يستشعر من خلالها الأبناء والأحفاد والأسرة كلها جو الرحمة والألفة، والحنان والمحبة، فكان - صلوات الله وسلامه عليه - يُسمّي أحفاده أحسن الأسماء ؛ فقد سمّى الحسن و الحسين و محسن بهذه الأسماء ، بعد أن كان علي - رضي الله عنه – يرغب في اسم ( حرب ) ،

وكان – صلى الله عليه و سلم – يلاطف أحفاده ويداعبهم، ويحملهم ويقبلهم، ويركبهم على ظهره، حباً لهم، وتلطفاً معهم، ويأخذهم معه إلى المسجد، بل ويحملهم في صلاته، ويُرقيهم ، ويدعو لهم، ويهديهم لما للهديّة من أثر في قلب الحفيد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

" خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه الحسن والحسين، هذا على عاتقه (ما بينَ مَنْكِبه وعُنُقِه) وهذا على عاتقه، وهو يلثم (يُقَبِّل)هذا مرة وهذا مرة، حتى انتهى إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله ، إنَّك لَتُحِبُّهُما؟

قال: من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني " . رواه أحمد وصححه الألباني. هكذا هو نبينا أسوة حسنة في التعامل مع الناس صغيرهم وكبيرهم، مؤمنهم وكافرهم، قال الله تعالى: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } .

وساد بيتهم المودة المحبة ، وكان عليه الصلاة و السلام يُكثر من زيارته لهما ، فيعمّ الفرح أرجاء البيت ، وكانوا يُبادلونه مشاعر المحبة و السرور .
عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت :

(( كانت إذا دخلت فاطمة على النبي قام إليها فأخذ بيدها وقبّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبّلته وأجلسته في مجلسها )) . [[ يا آباء ، هل تقومون بذلك عندما تأتي ابنتكم لزيارتكم ؟ اجبر بخاطر بنتك ولا تنشغل عنها ، واستقبلها حسن الاستقبال حتى تنسى همومها ، وعشان تشعر بالأمان و الرعاية و العطف أكثر ، وعشان تعلي من قيمتها أكثر قدّام زوجها ، و يصير يحترمها أكثر ]] .انسوا التلفونات و المسلسلات و اهتموا ببعض أكثر .


و رُوي أنَّ فاطمةَ - رضِي اللهُ عنها - شَكَتْ لزوجها ما تَلْقَى في يدِها مِن أثَر الرَّحى ممَّا تَطحَنُ، فأتى النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - سَبْيٌ، فانطلَقتْ إليه فاطمةُ - رضِي اللهُ عنها - تسألُه خادِمًا، فلم تَجِدْه، فوجَدتْ عائشةَ - رضِي اللهُ عنها - فأخبَرَتْها بذلك، فلمَّا جاء - صلَّى الله عليه وسلَّم - أخبَرتْه عائشةُ - رضِي اللهُ عنها - بمجيء فاطمةَ إليه لتسألَه خادمًا، قال عليٌّ رضِي اللهُ عنه: فجاء النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلينا وقد أخَذْنا مَضاجعَنا، فذهَبتُ لأقومَ ، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - :

على مكانِكما، أي: الْزَمَا مكانَكما، فقعَد بيننا حتَّى وجَدتُ بَرْدَ قدمَيْه على صدري، وقال: ألَا أُعلِّمُكما خيرًا ممَّا سألتُماني؟ إذا أخَذتُما مضاجعَكما مِن اللَّيل تُكبِّرا أربعًا وثلاثينَ، وتُسبِّحَا ثلاثًا وثلاثينَ، وتَحمَدَا ثلاثًا وثلاثينَ؛ فهو خيرٌ لكما من خادم . قالَ عَلِيٌّ: ما تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنَ النبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ - قيلَ له: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قالَ : وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ .

[[ هذه رسالة إلى كل إنسان يعاني ويتعب في عمله وفي حياته ، فهذه الأذكار تكفير للذنوب و رحمة من الله لعباده " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " ]] .
ولم يمنع حُب النبي - صلى الله عليه وسلم – لفاطمة وزوجها من الإعلان بكل صراحة ووضوح أنه [[ لا مُحاباة على حساب الدّين ]] ؛

فيُروى أنَّ قُرَيْشًا أهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتي سَرَقَتْ، فَقالوا: ومَن يُكَلِّمُ فِيهَا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فَقالوا: ومَن يَجْتَرِئُ عليه إلَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - : أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ؟! ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قالَ:
إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا.

وفي حديثنا عن فاطمة وعلي - رضي الله عنهما و أرضاهما - لا بدّ أن نذكر أمورا اختلطت على أذهان بعض الناس ، فكان لا بُدّ من الإشارة إليها . فعن عمر بن أبي سلمة قال : لمَّا نزلت هذِهِ الآيةُ على النَّبيِّ - صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ – " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ


الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا " في بيتِ أمِّ سلمةَ، دعا رسول الله فاطمةَ وحَسنًا وحُسينًا فجلَّلَهم بِكساءٍ ،وعليٌّ خلفَ ظَهرِهِ فجلَّلَهُ بِكساءٍ، ثمَّ قالَ : اللَّهمَّ هؤلاءِ أَهلُ بيتي فأذْهِب عنْهمُ الرِّجسَ وطَهِّرْهم تطْهيرًا . فقالت أمُّ سلمةَ زوجة النبي : وأنا معَهُم يا نبيَّ اللَّهِ ؟؟ قالَ : أنتِ على مَكانِكِ وأنتِ على خيرٍ. وفي رواية قال لها : بلى إن شاء الله " . وهذا حديث صحيح .

[[ أي لا حاجةَ لكِ في الدُّخولِ تَحتَ الكِساءِ يا أم سلمة ، يا زوجة رسول الله ؛ فأنت من أهل البيت ، وهذا لا يَدُلُّ على أنَّ غيرَها مِن زوجات النَّبيِّ - صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم – لسن من أهلِ البيتِ، وإنَّما خصَّ النَّبيُّ علي و فاطمة وابنيهما بالدُّعاءِ لتَكْريمِهم؛ و حتَّى لا يُتَوهَّم أنَّهم ليسوا مِن أهلِ البيتِ؛ لأنَّهم يَسكُنون في غيرِ بيتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ]] والله أعلم .

ودائما نقول : إنّ حُبَّ آلِ بَيتِ النَّبيِّ - صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم - يُقرِّبُ العبدَ إلى ربِّه سبحانه وتعالى، فبِحُبِّ النَّبيِّ - صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم - نُحِبُّهم، ونُنزِلُهم مَنازِلَهم كما أنَزلهم اللهُ ، دون غُلوٍّ فيهم ولا تفريطٍ في حُبِّهم كما تفعل بعض المذاهب ، والتي اقتصرت آل البيت على علي وفاطمة وأبناءهما فقط ، حتى إنهم استثنوا زوجات النبي عليه الصلاة و السلام!!

وهنا نبيّن للقارئ الكريم إنّ مصطلح [[ آل البيت ]] وردت فيه أقوال كثيرة ، وأكثر الأقوال في المُراد بآل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّهم : أزواجه وذريته وبنو هاشم وبنو المطلب ومواليهم ، بمعنى " من حُرّمت عليهم الصدقة " ، شريطة الاتباع لدين لمحمد – صلى الله عليه وسلم - ، فلو كانت بالنسبة الدموية فقط ؛ لما نزل قول الله تعالى " تبت يدا أبي لهب وتب " وهو عم النبي عليه الصلاة و السلام .

فعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث أنّ النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - رفض أن يمنحه شيئاً من الصدقات، وكذلك الفضل بن عبّاس، وقال لهما: (( إنَّ هذِه الصَّدَقاتِ إنَّما هي أوْساخُ النَّاسِ،

[[ أي: إنَّها تطهيرٌ لأموالِ الناس وأنفُسِهم ]] وإنَّها لا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، ولا لِآلِ مُحَمَّدٍ )) . المصدر : صحيح مسلم . وهذا من الدلائل على أن المقصود بآل البيت جميع من حُرّمت عليهم الصدقة ، وليس فقط ذرية علي وفاطمة - رضي الله عنهما – كما يقول البعض .

وقال تعالى : " يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا . وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا . وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا " [ الأحزاب:32-34]

هذه الآية تسمى آية التطهير، وقد نزلت في نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - فالذي يراعي سياق هذه الآيات يوقن أنها في نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة. وأما قوله تعالى:

" إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا " ، فقد قال البعض إنها خاصة في علي و زوجته فاطمة و ابنيهما ، وهم فقط آل البيت !! وهذا تفسير مبتور، إذ لا يمكن تفسير الآية بمعزل عن الآيات الأخرى، فكل الآيات تتحدث عن نساء النبي ، وما ورد من دُعاء النبي لعلي و فاطمة و ابنيهما في الحديث السابق الذي رواه عمر بن أبي سلمة ؛ هو بعد نزول هذه الآيات ، وكان دعاء النبي لعلي و زوجته و أبنائهم – رضي الله عنهم جميعا - تعقيبا واقتباسا من الآيات ، وليس بسببهم نزلت .

أما قوله تعالى { لِيُذْهِبَ عَنكُمُ } ولم يقل: (عَنْكُنَّ) وقوله تعالى:{ وَيُطَهِّرَكُمْ } ولم يقل: (وَيُطَهِّرَكُنَّ) ؛ ذلك لأن النساء دخل مَعهنَّ لفظا مذكّرا وهو " النبي " وهو رأس أهل بيته . ولهذا الأسلوب أمثلة في كتاب الله تعالى ، منها : ما جاء عن زوجة إبراهيم - عليه الصلاة السلام - : { قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} ، فالمراد هنا بأهل البيت إبراهيم عليه السلام وزوجته ، والله أعلم .

. . . يتبع " غزوة السّويق وغزوة غطفان "

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-04-21, 07:49 AM
هذا الحبيب « 158 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة السويق ))
______
كانت قريش بعد غزوة بدر تعيش في صدمة، كأنها غير مصدقة ما حدث ، فكان من ردود فعلها أن سيد قريش وزعيمها {{ أبو سفيان بن حرب }} أقسم ألا يمس امرأة إلا بعد أن يغزو المدينة .

فجمع [[ 200 مقاتل ]] من قريش ، وانطلق بهم إلى المدينة ليبر يمينه ، حتى أتى بني النضير تحت الليل ، فأتى حيي بن أخطب ، فضرب عليه بابه ، فأبى أن يفتح له بابه وخافه ، فانصرف عنه إلى [[ سلام بن مشكم ]] ، وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك ، وصاحب كنزهم ، فاستأذن عليه ، فأذن له ، فقراه وسقاه [[ يعني أحسن ضيافته ]] ، وبطن له من خبر الناس [[ يعني حكالو شو ناوي يعمل ، و أخذ فكرة عن وضع المسلمين ]] ، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه ، فبعث رجالا إلى أطراف المدينة، فأتوا ناحية منها ، يقال لها : العريض ؛ فحرقوا بعض النخيل ، وقتلوا اثنين من الصحابة .

فوصل الخبر الى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فخرج في طلبهم في {{٢٠٠ }} من الصحابة ، ولكن جيش قريش فرّ هاربا منهم ، وفي الطريق أمر أبو سفيان جيشه أن يلقوا الطعام الذي يحملونه حتى يتخففوا من أحمالهم ، ويستطيعوا الهرب سريعاً .

[[ وهذا يدل على كمية الخوف والرعب في قلوب قريش من المسلمين ]] ، وجمع المسلمون هذا الطعام ، وأخذوه كغذاء لهم في المدينة المنورة .

لذلك كان اسم هذه الغزوة {{ غزوة السويق ؛ والسبب الطعام الذي كانت قريش تلقيه في الطريق }} ، وهو عبارة عن قمح وشعير مطحون يسمى سويق ، فالذي يأكله ينساق في حلقه بسهوله ، يعني سهل بلعه .

وسأل الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يا رسول الله ، أنطمع أن تكون هذه لنا غزوة؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : أجل .

كانت غزوة السويق دليلا على حالة التخبط والهزيمة النفسية التي كانت عليها قريش بعد بدر ، فقد تسللوا إلى أطراف المدينة في الظلام (( وهذا دليل خوفهم و جُبنهم )) وحرقوا بعض النخيل وقتلوا اثنين ، ثم فروا من أمام المسلمين ، مع أن عددهم كان مساويا لعدد المسلمين ، ومع ذلك فروا بهذه الطريقة المهينة، وبدلا من أن يرفع أبو سفيان من معنويات قريش بهذا التصرف ، وأن يرجع هيبة قريش المفقودة في الجزيرة العربية ؛ كانت النتيجة عكسية ؛ فقد ظهر فيها خوف وجبن قريش في مواجهة المسلمين .

والظاهر أن أبا سفيان أراد بهذه الغزوة أن يبر بيمينه فقط !!! لأنه لا يُتصور أنه كان يريد بهذه القوة الصغيرة ( 200 ) مقاتل أن ينتصر على المسلمين ، خاصة بعد أن شاهد قوتهم في غزوة بدر، لذلك كانت هذه مناوشة لا قيمة لها .

. . . يتبع غزوة غطفان

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم
_______

عطاء دائم
02-05-21, 08:46 AM
هذا الحبيب « 159 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة غطفان وإسلام دعثور بن الحارث ))
________
وفي بداية السنة الثالثة من الهجرة أخذت قريش تكيد للمسلمين ، لم تنس بدرا، وقد علمت قريش أن تجارتها للشام ، أصبحت في خطر فقامت قريش بعمل {{ تحالف }} مع بعض القبائل العربية حول المدينة المنورة ، من أجل أن تحمي هذه القبائل تجارتها من المسلمين ، فالمسلمون الآن هم عدو قريش الأوّل . و النبي - صلى الله عليه وسلم - هو رسول الله و قائد المسلمين ، فهل يترك القائد بلاده للمؤامرات ؟ وهل يترك القبائل من حول المدينة تتحالف مع قريش على المسلمين ولا يحرك ساكناً ؟؟ لا .... إنه رسول الله القائد المُحَنّك ، و الذي يُدرك تماما مقولة " {{ ما غزي قومٌ في عقر دارهم إلاّ ذلّوا }} .

فما إن سمع عن تحالف القبائل حول المدينة لعداء المسلمين ؛ حتى قام إلى أكبر قبيلة في هذه القبائل واسمها {{ غطفان }} ، وقائدها اسمه {{ دعثور بن الحارث }} ، فخرج - صلى الله عليه وسلم - على رأس {{ ٢٠٠ مقاتل }} من أصحابه ، وتوجه إلى قبيلة غطفان التي حالفتها قريش ، وباغتها في عقر دارها ، ولكن كانت الأخبار قد تسربت إليهم أن محمدا وصحبه قد توجهوا إليكم ، فعندما وصلها لم يجد فيها رجالا {{ هربوا }} ، فذهب دعثور زعيمهم إلى القبائل المجاورة ، وجمعهم لغزو المدينة، فسمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحملته ، فخرج إليه مرة أخرى في نحو {{ ٤٥٠ مقاتل }} . فلما سمعت القبائل بقدوم جيش محمد ، تزلزلت قلوبهم من الخوف والفزع ، وتفرقت القبائل عنه ، فهرب دعثور ومن معه إلى الجبال ، وتركوا أهلهم و أموالهم ، فلم يجد النبي - صلى الله عليه وسلم – حرباً .

عسكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أيّاما عند بئر يطلق عليه {{ ذو أمر، ولذلك يطلق على هذه الغزوة غزوة غطفان أو غزوة ذو أمر وهي أكبر غزوة قادها النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل غزوة أحد }} .

وبينما المسلمون هناك ، نزل عليهم مطر كثير فابتلت ثيابهم ، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - طريقه إلى شجرة بعيدا عن أعين من حوله يعصر ثيابه حتى تجف ، فجلس إلى تلك الشجرة ، ووضع سلاحه ، وجلس يستريح تحت الشجرة ، بينما تفرق المسلمون لشئونهم .

وكان المشركون يراقبون المسلمين من رؤوس الجبال ، فلما أبصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة لوحده - وليس حوله أحد - قال دعثور " وهو قائدهم وأشجعهم و هو الذي جمعهم " :

قتلني الله إن لم أقتل محمداً !! و أخذ يتسلل خلسة ، ومشى بكل خفة حتى اقترب من النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو غافل عنه ، ثم أشهر سيفه على رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال له في نشوة المتكبّر المتفاخر بالنصر : يا محمد ، أنا دعثور الذي قدمت لتغزوه !! قل لي : من يمنعك الآن مني ؟؟ [[ يعني سيفك مش معك ، و أصحابك بعيدين عنّا ، وأنا سيفي بأيدي وعلى راسك ]] ، فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه وقال : {{{ الله }}} ،

فارتعد دعثور ، وسقط السيف من يده ، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - السيف ، ورفعه في وجهه وقال : أنت يا دعثور من يمنعك الآن مني ؟؟ قال : لا أحد . فأنزل النبي السيف من يده ، وقال لدعثور: قد انتصرت عليك وعفوت عنك ، خذ سيفك وانطلق . نظر دعثور للنبي - صلى الله عليه وسلم - مذهولا وقال : من أنت يا محمد ؟!!!! قال : أنا محمد رسول الله . فقال دعثور : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، و أنك يا محمد رسول الله ،، فلو كان هناك آلهة غير الله ربك يا محمد لنفعتني الآن .

أسلم دعثور ، وانطلق يدعو قومه للإسلام ،

[[ جاء يريد قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأصبح داعياً إلى الله وذلك لمكارم أخلاق رسول الله ]] ، {{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }} ، وقد ترك هذا العفو النبوي الكريم أثراً كبيراً في أعراب هذه المنطقة ، فقدموا وبايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-05-21, 08:48 AM
هذا الحبيب « 160 »
السيرة النبوية العطرة (( أحداث اجتماعية في السنة الثالثة للهجرة ))
______
كما نعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صاهر قبل الهجرة أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - فخطب ابنته عائشة الصديقة ، وبنى بها بعد الهجرة ، وبعد بدر توفي زوج [[ حفصة ]] بنت عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما – وهو الصحابي خنيس بن حذافة السهمي وقد شهد بدراً ، وأصيب بجراحه ، وبعد أشهر من بدر وافاه الأجل ، فأصبحت حفصة بنت عمر، أرملة ولم تتجاوز الثامنة عشرة من العمر ، ولم تنجب منه أولادا .

وانتظر عمر حتى انقضت عدتها ، وأراد أن يبحث عن زوج صالح لابنته حفصة ، التي ما زالت في سن الشباب [[ وهذا ما يستعصي على عقول الكثيرين في زماننا !! إن الرجل يبحث عن زوجة صالحة لابنه ولكن ابنته . . . لا !! مع أنّ البحث عن زوج صالح للبنت هو الأوجب ، فالكثير من الآباء يستهجن البحث عن زوج لابنته ويعتبره عيبًا وعارًا ولو أدّى الامتناع منه إلى عنوسة ابنته وإلى حرمانها من الزواج ، أو الوقوع في المعاصي – لا قدّر الله - فما المانع من ذلك ما دام الرجل المعروض عليه الزواج من أهل التقى والصلاح والعقل والحكمة ، وممّن يقّدرون للوالد صنيعه ولا يتاجرون بهذا العرض، وما دام مُراد الوالد من هذا العرض طلب العفّة بالحلال لا طلب الجاه أو المال ؟؟؟؟ ]] .

جاء في بعض الروايات إنّه بعد انقضاء عدة حفصة - رضي الله عنها - عرَضها عمرُ على أبي بكرٍ فسكتَ ، فعرضَها على عثمانَ حين ماتَتْ رقيَّةُ بنتُ النَّبِيِّ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ - فقال : ما أريدُ أن أتزوَّجَ اليومَ ، فذكر ذلك عمَرُ لرسولِ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ - " فقالَ – كما جاء في بعض الروايات - : يتزوَّجُ حفصةُ من هو خيرٌ من عثمانَ ، ويتزوَّجُ عثمان بمن هي خيرٌ من حفصَةَ "، ففهم عمر الرسالة اللطيفة من النبي – صلى الله عليه وسلم - فمن هو الذي خير من أبي بكر وعثمان غير الرسول عليه الصلاة و السلام ؟؟ ثم لقِيَ أبو بكرٍ عمرَ فقال : لا تجِدْ عليَّ [[ يعني لا تزعل منّي ]] فإنَّ رسولَ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم - ذكَر حفصَةُ ، فلم أكُنْ أفشِي سرَّ رسولِ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ - ولو تركها لتزوَّجتُها .

إذن فقد تزوج النبي – صلى الله عليه وسلم – ب [[ حفصة ]] على مثل صداق زوجاته ، و زوّج عثمان بن عفّان بابنته [[ أم كلثوم ]] على مثل صداق أختها رقية – رحمة الله عليها –، وكان هذا الزواج بعد حوالي ستة أشهر من وفاة رقيّة [[ و البعض اليوم بعمل حداد وبلغي الأفراح مدة طويلة بحجة الحزن على الميت !! وليتنا نرجع إلى هدي نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، فما أخذنا من العادات والتقاليد إلا الجهل والتخلف ]] ، وقد فرح عثمان بن عفان كثيرا بهذا الزواج ، و أصبح يُسمّى ب (( ذي النّورين ))؛ فقد نال شرف الزواج بابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وكما أخبرتكم في بداية السيرة كانت رقيّة قد خُطبت فقط لعتيبة بن أبي لهب، ثم فسخت الخطبة بطلب من زوجة أبي لهب ، وكان عثمان له ولد من رقية اسمه {{ عبدالله بن عثمان }} فكانت أم كلثوم هي التي تتولى تربية ابن أختها ورعايته ، ولم تنجب أم كلثوم ، فكانت قد ركزت كل عواطف الأمومة بداخلها على ابن اختها اليتيم ، وقد تُوفّي وعمره ست سنوات .

وفي هذه الأحداث قيل :

وأُنكحت رقية عتيبة وأم كلثوم أخاه عتبة
فطلقاهما معاً إذ نزلا تبت فتبَّاً لهما إذ فعلا
ثم تزوج ابن عفان الرضى رقية أتت بنجل فقضى
وهو ابن ست بعد موت الأم في سنة اثنين بغير وهم
وأنكح الأخرى بدون مين ومن هنا لقب ذا النورين
وفدت أم المؤمنين حفصة على بيت النبي - عليه الصلاة والسلام - وهي مملوءةٌ شوقًا وطموحًا ورغبة في تعلم كل ما تستطيعه من علوم الدين ، و عُرفت بالصيام والقيام، والعلم ونقل الأحاديث عن النبي عليه السلام، وقد كانت هي وحدها من اختيرت لتُحفظ في بيتها النُسخة الخطيّة للقرآن الكريم ، قبل أن يطلبها منها عثمان - رضي الله عنه – لتُنسخ و تُوزّع على الأمصار . وتوفّيت في آخر خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعاً.

كانت حفصة تحتل مكانة عالية في قلب زوجها النبي، تقول في هذا أم المؤمنين عائشة عن حفصة : هي التي كانت تساميني [[ أي تباريني ]] من أزواج النبي عليه الصلاة والسلام . ولم لا تساميها وهي ابنة أبيها عمر بن الخطاب في الذكاء وقوة الشخصية ؟؟ عائشة نفسها كثيرًا ما تصف حفصة بأنها ابنة أبيها. ولا شك أن عائشة - رضي الله عنها - كانت من أحب نساء النبي إليه، ولهذا سأل الله تعالى ألا يؤاخذه في الميل العاطفي لأنه لا يملكه، فكان يقول عليه الصلاة و السلام : " اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " ، عائشة وحفصة كانتا صغيرتين بالعمر

[[ بنات عندهن الغيرة ، طبيعة بشرية ، هكذا خلق الله - عزوجل - الإناث وفطرهنّ على ذلك ]] ، لذلك كان يقع بينهما أحيانا بعض المواقف . وجاء في بعض الروايات أن النبي – صلى الله عليه وسلم – طلّق حفصة وراجعها إليه في نفس اليوم وهي في بيته ، [[ لأن الأصل أن تبقى المطلقة في بيت زوجها لعلّ القلوب تتصافى ، على عكس ما يحدث اليوم ، حيث تذهب البنت إلى بيت أهلها مباشرة ]] .

و بعد الزواج من حفصة – رضي الله عنها - بشهر واحد وفي رمضان من السنة الثالثة من الهجرة ؛ تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - من السيدة {{ زينب بنت خزيمة }} ، وكانت قد تزوجت مرتين ، مرة في الجاهلية ومات زوجها ، ثم تزوجت عبيدة بن الحارث ومات أثناء المبارزة في بدر ، و كانت طيبة القلب، شديدة العطف على الفقراء والمساكين، و لم تألُ جهداً في رعاية الأيتام والأرامل فاستطاعت بذلك أن تزرع محبتها في قلوب الضعفاء والمحتاجين ، حتى أطلق عليها {{ أم المساكين }} ،

وكان زواجه - صلى الله عليه وسلم - من زينب بنت خزيمة جبراً لخاطرها ، ومواساة لها، كما كان زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من السيدة سودة بنت زمعة ، وفي هذا إشارة لكل الصحابة حتى يكون لهم دور اجتماعي في الزواج من الأرامل اللاتي يفقدن أزواجهن ، خصوصاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم بحسه السياسي أن الدولة الإسلامية مقبلة على عدد كبير من المواجهات والحروب ، وستنشأ في المدينة مشكلة اجتماعية خطيرة إذا أهملها الصحابة ..

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-06-21, 08:02 AM
هذا الحبيب « 161 »
السيرة النبوية العطرة (( مقدمة غزوة أُحد ، سرية زيد بن حارثة ))
______
نحن الآن في {{ السنة الثالثة للهجرة }} ، لم تكن مشكلة بدر بالنسبة لقريش هو فقط الهزيمة المدوية التي هزت هيبتها في كل الجزيرة العربية ، ولكن المشكلة الأكبر هي أن المسلمين قد نجحوا في قطع طريق تجارة قريش إلى الشام ، وقريش تعيش على التجارة ،لأنها {{ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ }} ،

فإذا لم يكن لديها تجارة فقد قُتلت وخُنقت اقتصادياً ، وعندما تتأثر تجارة قريش إلى الشام ، فإن تجارتها إلى اليمن تتأثر أيضاً ، لأن التجارة التي تأتيها من اليمن تقوم هي بحملها إلى الشام والعكس .

ولذلك كان انتصار المسلمين في بدر ، ومن ثم نجاحهم في قطع طرق تجارة قريش، كارثة اقتصادية على قريش ، وفكرت قريش ؛ كيف يمكن مواجهة هذه المشكلة ؟؟ فقررت أن تبحث عن طريق آخر للتجارة ، وهو أن تسلك طريقاً جديداً تماما ، وهي أن تتجه إلى منطقة {{ نجد }} شرقاً ، ثم إلى العراق شمالا، ثم بعد ذلك تتجه إلى الشام غرباً، [[ يعني يأتون الشام من مكة عن طريق العراق ]] ، وكان هذا الطريق طريق طويلا جدا، وفيه مخاطر كثيرة، وتكلفته كبيرة، وهذا يعني أن تقل أرباح قريش من تجارتها، ومع ذلك لم تجد قريش حلاً غير هذا لاستمرار تجارتها .

وبالفعل انطلقت تجارة ضخمة لقريش فيها كثير من المال بقيادة {{ أبو سفيان بن حرب }} ، وسلكت هذا الطريق ، وفي هذا الوقت كان النبي- صلى الله عليه وسلم - يبث العيون ترقب قريش في حركاتها وتجارتها ، فبلغه خروج أبو سفيان وصفوان ابن أمية ، فعقد لواء لمولاه {{ زيد بن حارثة }} وأرسل معه عددا 100 مقاتل من الصحابة . ولمّا دنت دنت القافلة أحاطوا بها، ففرّ أبو سفيان وصفوان ومن معهم ، وغنم زيد و أصحابه ما فيها من أموال ، وكانت تلك التجارة أعظم تجارة لقريش بعد بدر.

وهكذا قطع الرسول - صلى الله عليه وسلم - على قريش كل طرق التجارة ، بمعنى [[ أمسك النبي بعصب قريش الاقتصادي ]] ، ولذلك فإن هذه السرية كانت سبباً مباشراً لوقوع غزوة أحد .

و بعد هذه السرية ، فكرت قريش جدياً في السير إلى المدينة لحرب المسلمين ، و استعادة هيبتها و إنقاذ تجارتها و اقتصادها من الانهيار . وكانت قريش أصلا قد اتخذت قرارها بعد غزوة بدر بأن جعلت أرباح القافلة التجارية الضخمة التي قامت بسببها معركة بدر، عندما هرب بها أبو سفيان عن طريق الساحل قبل غزوة بدر ، جعلتها لتجهيز جيش ضخم لحرب المسلمين والثأر لهزيمتهم المُرة في بدر ، وقد حان الوقت لذلك بعد مهاجمة زيد و أصحابه لقافلة قريش الآن .

ونزل في ذلك قول الله تعالى :
{{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ‏ }}

. . . يتبع تجهيز قريش لغزو المدينة

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-06-21, 08:03 AM
هذا الحبيب « 162 »
السيرة النبوية العطرة (( تجهيز قريش لغزوة أحد ))
______
إذن ، فقد قررت قريش غزو المدينة المنورة ، وكانت قريش طوال عام – منذ غزوة بدر إلى سرية زيد – وهي تستعد للانتقام و الثأر من هزيمتها في بدر، و تشجع القبائل على قتال المسلمين ، وتشن حربا إعلامية مكثفة في كل أنحاء الجزيرة لتشويه صورة المسلمين .

وبدأت قريش بعد ذلك في حشد قواتها من داخل مكة وأيضا من القبائل المتحالفة معها وهي قبائل : كنانة ، ثقيف ، والأحابيش ، [[والأحابيش هم مجموعة من القبائل المتحالفة مع بعضهم البعض، وقد أطلق عليهم الأحابيش لتحبشهم أي تجمعهم وقائدهم اسمه " الحليس " ]] ، وهكذا استطاعت قريش أن تحشد[[ ٣ آلاف مقاتل ]] ، منهم ١٠٠٠ مقاتل من قريش ، و ٢00٠ مقاتل من خارج قريش ، وكان في الجيش ٣ آلاف بعير ، و 200 فرس ،و ٧٠٠ دارع [[ والدارع هو الذي يلبس لباس الحرب كامل ]] ، وخرج جيش قريش بالفعل في أواخر شهر رمضان من السنة الثالثة للهجرة، أي بعد بدر بعام كامل .

كانت القيادة العامة للجيش لسيد قريش{{ أبو سفيان بن حرب }} ، الذي نظم جيشه تنظيماً جيداً فوضع {{ خالد بن الوليد على ميمنة الفرسان }} وعكرمة بن أبي جهل على ميسرة الفرسان ، وصفوان بن أمية على المشاة ، ووضع عبد الله بن ربيعة على رماة السهام ، وأعطي اللواء لبني عبد الدار، فكانوا هم الذين يحملون اللواء لقريش ، وخرج مع الجيش {{ ١٥ امرأة على رأسهن سيدة مكة هند بنت عتبة }} زوج أبي سفيان، وقد فقدت أباها وعمها وولدها يوم بدر ، وأخذت على عاتقها أن تلهب مشاعر قريش وتحمّس الجيش ، للثأثر بهذا اليوم وخرجن ومعهن الدفوف يضربن بها.

وكان من ضمن الجيش عبد حبشي اسمه {{ وحشي بن حرب }} ، ووحشي هذا كان ممن يتقنون الرمي بالحراب ، وكان رامياً ماهراً قلّما يخطئ ، وكان عبدًا لرجل من قريش اسمه {{ جبير بن مطعم بن عدي ، والده الذي استجار به النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم رجوعه من الطائف ، تذكرون ذلك ؟ }} ، وقد قُتل (( طعيمة )) عمّ جبير في غزوة بدر ، أما والد جبير {{المطعم }}

مات قبل بدر ، فقال جبير لوحشي [[ وكان وحشي يكنى أبا دسمة ]] : يا أبا دسمة ، إن أنت أصبت حمزة بن عبدالمطلب عم محمد بعمي طعيمة فأنت حر، [[ اقتل حمزة بحربتك يا وحشي واعتبر نفسك حر طليق ]] ، فخرج وحشي لمهمة واحدة فقط ، مهمة خطيرة ؛ وهي قتل أقوى فارس في صفوف المسلمين وهو {{ حمزة بن عبد المطلب أسد الله ورسوله }} رضي الله عنه وأرضاه .

وكان هناك في قريش مراسيم تعدها قريش ليالي ، يضربون فيها على الدفوف ويرقصون فيها رقص الحرب تحميسا للجيش، وأخذ الأحابيش يرمون بالحراب فلما رأت (( هند )) وحشي ومهارته ، وقفت تزيده حماسا على حماسه وتقول له :يا أبا دسمة ، إن كان جبير قد وعدك بالعتق ، فأنا أعدك بوزنك ذهباً وفضة ، إن أنت مكنتني من كبد حمزة !!


وانطلق جيش قريش ، فلما وصلوا إلى الأبواء [[ عند قبر أم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، آمنة بنت وهب ]] تقول بعض الروايات إن هندا قالت للجيش : لو بحثتم قبر أم محمد [[ أي انبشوا قبرها ]] فإن أسر منكم محمداً أحدا فديتم كل أسير بجزء من أجزائها [[ شوفوا الحقد و الدهاء ]] ،

فرفض أبو سفيان رأيها وكذلك سادة قريش وقالوا : لا يُفتح هذا الباب ، وإلا نبشوا موتانا عند مجيئهم [[ يعني رح تفتحي علينا باب عواقبه وخيمة ]] . بهذه المعنويات الحاقدة والتي عنوانها الأخذ بالثأر ، خرجت قريش وهي تعتقد أنها ستباغت المسلمين في المدينة . . .

يتبع

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم
_______

عطاء دائم
02-08-21, 07:44 AM
هذا الحبيب « 163 »
السيرة النبوية العطرة (( خروج المسلمين إلى أحد ))
______
عزمت قريش على غزو المسلمين في المدينة ، وهنا أحسّ العباس بن عبدالمطّلب بخطورة الموقف فبعث برسالة عاجلةٍ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبره فيها بخبر القوم ، ويبيّن له إمكانات الجيش وقدراته الحربية ، لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد الاستيثاق أكثر مما ورد في هذه الرسالة ، فأرسل الحُباب بن المنذر بن جموح - رضي الله عنه - ليستطلع الخبر ، فعاد إليه مؤكّدا ما ورد في الرسالة .

واجتمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه ، وشاورهم في الخروج من المدينة للقاء العدو ، أو البقاء فيها والتحصّن بداخلها ، وذلك في ضوء التفوق الكبير لجيش قريش على جيش المسلمين، سواء من ناحية العدد أو العدة ، وكان ذلك في صباح يوم الجمعة بعد صلاة الفجر{{ السادس من شوال من السنة الثالثة من الهجرة }} ،

فاختار بعضهم البقاء في المدينة ، ومنهم عبد الله بن أبي سلول سيد الخزرج ورأس النفاق ، ومال النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الرأي ، بناءً على أن جموع قريش لن تقوى على القتال بين الأزقة والطرقات ، ويمكن للنساء والأبناء المشاركة في الدفاع عن المدينة من شرفات البيوت وأسطحها ، كما أنّ التحصّن فيها سيتيح فرصة استخدام أسلحةٍ لها أثرها على الأعداء، كالحجارة ونحوها ، فإذا أقامت قريش في مكانها فهي المتضررة ، وإذا رجعت بلا قتال فقد رجعت خائبة لم تصنع شيئاً ،وإذا دخلت المدينة، تفرقت في شوارعها وقاتلها المسلمون قتال شوارع .

بينما اختار الخروجَ إلى العدوّ الشباب والرجالُ المتحمّسون ، خاصة الذين حُرموا من غزوة بدر ، وتاقت نفوسهم إلى الجهاد في سبيل الله ، وطمعوا في نيل الشهادة ، فألحّوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخرج لقتالهم ، وقالوا له :

" يا رسول الله ، كنّا نتمنّى هذا اليوم وندعو الله ، فقد ساقه إلينا وقرب المسير ، اخرج بنا إلى أعدائنا ، لا يرون أنا جبنّا عن لقائهم " ، فكان رأي من يريدون الخروج وملاقاة قريش الأغلبية ، والشورى هي رأي الأغلبية
فنزل عند رأيهم – عليه الصلاة و السلام - ، بالرغم من أنه كان لا يريد هذا الرأي ، [[ وهذا رد قوي على من يقول إن الشورى ليس ملزما فيها ولي أمر المسلمين ]] .

فلما كان وقت صلاة الجمعة نفس اليوم ، خطب فيهم – صلى الله عليه وسلم - وحثهم في خطبته على الجهاد والصبر عند لقاء العدو ، ثم أمرهم بالتهيؤ لعدوهم ، ففرح الناس وانصرفوا بعد الصلاة يستعدون للقتال ، ودخل – صلى الله عليه وسلم - بيته ولبس عدّة الحرب .

ولما أفاق الصحابة من نشوة حماسهم ، بدا لهم أنهم أكرهوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمر لم يرده ، وشعروا بحرج بالغ ، تلاوموا فيما بينهم ، وأرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمزة بن عبدالمطلب ليعتذر عن ذلك ، لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى أن من الحزم المضيّ قدماً في اختياره ، فقال :

( إنه لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته [[ أداة الحرب ]] أن يضعها حتى يحكم الله ) .
وورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم – أنّه قال : " رَأَيْتُ في رُؤْيَايَ أنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هو ما أُصِيبَ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَومَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أحْسَنَ ما كَانَ، فَإِذَا هو ما جَاءَ به اللَّهُ مِنَ الفَتْحِ واجْتِمَاعِ المُؤْمِنِينَ، ورَأَيْتُ فِيهَا بَقرًا[[ البقر بسكون القاف ]] واللَّهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ المُؤْمِنُونَ يَومَ أُحُدٍ ". البقر (( بسكون القاف )) :

أصحاب عِلم ،تُبقر بطونهم في المعركة .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-08-21, 07:46 AM
هذا الحبيب « 164 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة أحد ، انسحاب ثلث الجيش ، وخطة النبي للمعركة ))
______
خرج جيش المسلمين بقيادة النبي - صلى الله عليه وسلم - لملاقاة جيش قريش في أحد بعد صلاة الجمعة ،وكان عددهم (( ١٠٠٠ مقاتل )) ، فلما سار الجيش قليلاً وجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بين صفوف المسلمين كتيبة خشنة [[ أي كثيرة السلاح ]] عددهم حوالي ١٠٠ مقاتل ، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم : من هؤلاء ؟؟

فقال له الصحابة : إنهم حلفاء من اليهود لعبد الله بن سلول ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : هل أسلموا ؟؟ قالوا : لا . فقال عليه الصلاة و السلام : " إنا لا ننتصر بأهل الكفر على أهل الشرك "
[[ استخدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في وصف اليهود كلمة كفر لأنهم حرّفوا كتابهم ، أما أهل الشرك فهم عبدة الأوثان من أهل قريش وغيرهم ]] وردّهم ، ورفض الاستعانة بهم .

غضب لرجعتهم ابن سلول وقال : عصاني وأطاع الولدان [[ يقصد الشباب من الصحابة المتحمسين للقتال ]] ، و ما ندري علام نقتل أنفسنا ها هنا ؟! ارجعوا أيها الناس ، وأعلن عبد الله بن أبي بن سلول أنه سيعود إلى المدينة، بل دعا الجيش كله إلى الانسحاب والعودة للمدينة ، واستجاب له ٣٠٠ من جيش المسلمين من المنافقين ، [[ هل رأيتم عدد المنافقين بالمدينة ؟؟ من ألف مسلم فقط ، خرج ٣٠٠ منافق !! ]] ،

فقام لهم أحد الصحابة فقال :يا قوم أذكركم الله أن تخذُلوا قومكم ونبيكم !! فقالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ، ولكن لا نرى أنه يكون قتالا [[ أي لن يكون هناك قتال حكي فاضي لو في قتال نبقى معكم ]] وأصروا على الانسحاب ، فلما يئس منهم قال لهم: أبعدكم الله ، أعداء الله ، فسيغني الله تعالى عنكم نبيه ، فأنزل الله فيهم قرآنا يتلى إلى يوم القيامة ،

قال تعالى : {{ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ }} .

ولم يقتصر الأمر على المنافقين فقط ، بل كاد أن يتأثر بانسحاب هذا العدد الكبيرمن الجيش ، عدد آخر من المؤمنين ، ولكن الله تعالى أنزل السكينة في قلوبهم وتولى أمرهم ، وثبتهم ، يقول تعالى : {{ إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏ }} .

إذن عدد جيش المسلمين[[ 1000 مقاتل ]] انسحب منهم [[ 300 مقاتل ]] فأصبح عدد جيش المسلمين[[ ٧٠٠ ]] وعدد جيش قريش[[ 3 آلاف مقاتل ]] تخيلوا!! يعني أربعة أضعاف جيش المسلمين ، ومجهز بالعدة والعتاد والفرسان والدروع .

وفي استعراض النبي - صلى الله عليه وسلم - للجيش ، وجد بين الصفوف صغارا في العمر ، فردهم ولم يسمح لهم بالمشاركة ، ومنهم أسامة بن زيد و عبد الله بن عمر ، وكان هناك غلامان ؛ أحدهما اسمه {{ سمرة }} والآخر اسمه {{ رافع }} ، فلما ردهما قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله ،إن رافع رام جيد ، قل أن يخطئ فلا بأس يا رسول الله لو أنك أجزته ، [[ بشهادة الصحابة علم النبي أنه رام جيد ، والحرب بحاجة لرامي يقف في مكانه فيرمي بالنبل ، فسمح له ]] فبكى سمرة ، وكان يتيماً وقال :

أنا أقوى من رافع في المصارعة ، قال له النبي : أأنت تصرعه ؟!!! فكفكف دموعه سمرة وقال : نعم يا رسول الله . قال لهما النبي :

تصارعا أمامي ، فتصارعا فصرع سمرة رافع، فسمح له النبي - صلى الله عليه وسلم – أن يشارك أيضا في المعركة .

فرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - من استعراض الجيش وسار به إلى أن وصلوا فجرا جبل أحد، وهو يبعد عن المدينة حوالي {{ ٥ كم }} ، وتمركز بجيشه بحيث أصبحت المدينة في وجه الجيش ، وجبل أحد في ظهر الجيش وعلى يمينه ، وجزء من الجبل على يسار الجيش [[ حتى لا يستطيع جيش قريش تطويق المسلمين ]]، وهو الجزء من الجبل الذي سيقف عليه الرماة ، وجيش مكة أصبح فاصلا بين المسلمين والمدينة .

فلما نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - ورأى جيش قريش أمامهم تفحص ساحة المعركة بذكاء وبصيرة القائد المحنّك ،

و بدأ بوضع خطّته، فرأى أن في جيش قريش {{ ٢٠٠ }} فارس يقودهم خالد بن الوليد ، وعكرمة بن أبي جهل ، تنحوا عن الجيش [[ أي ليست مهمتهم القتال ، فوقفوا على جانب ]] ، فعلم النبي بفراسته الحربية أن هؤلاء الفرسان مهمتهم فقط تطويق المسلمين والالتفاف حولهم ، فجعل عددا من الرماة على الجبل على يسار المسلمين ، يقومون برمي السهام في اتجاه خيل المشركين ، وبذلك يقلل من آثار امتلاك قريش لعدد كبير من الفرسان، لأن الخيل تخاف وتتراجع أمام النبل ، وكان عدد الرماة {{ ٥٠ }} رجلا من الصحابة و جعل{{ عبد الله بن جبير }} قائدا عليهم ،

وأوصاهم أن لا يتركوا المكان إلا إذا سمح لهم النبي بذلك ، حتى لو رأوا المسلمين قد انتصروا و فازوا بالغنائم . ثم ختم كلامه – صلى الله عليه وسلم - بقوله {{ لا نؤتينّ اليوم من قبلكم }} [[ يعني لو في ثغرة والعدو رح يستغلها ورح نخسر المعركة من بابكم بس ]]

ووجّه المسلمين بالوقوف صفا واحدا في أضيق مسافة بين جبل الرماة وجبل أحد ، وهي مسافة حوالى {{ ٦٥٠ متر }} وبذلك تحارب قريش المسلمين بنفس عددهم تقريبا، ويستطيع النبي - صلى الله عليه وسلم - التقليل من آثار التفوق العددي لجيش قريش ، ويكون أيضا هناك مكان آمن في الجبل

{{ وهو الشعب }} يمكن أن ينسحب إليه المسلمون إذا وقعت بهم الهزيمة ، ولا يلجئون إلى الفرار من أمام العدو، فيتعرضون للقتل أو الأسر . وهكذا تمركز الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أفضل مكان في أرض المعركة ، مع أن قريش وصلت إلى أحد قبل جيش المسلمين ، وفيها خبراء عسكريون ، ومع ذلك تفوق عليهم النبي – صلى الله عليه وسلم - .


اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-11-21, 07:54 AM
هذا الحبيب « 165 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة أحد ))
______
في صباح {{ يوم السبت 7 شوال من السنة الثالثة للهجرة }} أصبح الجيشان يرى بعضهم البعض، وقف - عليه الصلاة و السلام - يحث المسلمين على الجهاد ، و الصبر على قتال المشركين ، ويبث فيهم الحماسة ، و يدعو الله ، ويَعد المسلمين بالجزاء العظيم يوم القيامة .

وفي الجانب الآخر كان أبو سفيان يحاول تعبئة جيش قريش ، وقال لحملة اللواء من بني {{ عبد الدار }} : يا بني عبد الدار ! قد وليتم لواءنا يوم بدر، فأصابنا ما قد رأيتم ، فإما أن تكفونا لواءنا، وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه‏ ، [[ يعني إذا مش قدها لا تحملوها ]] ، ونجح أبو سفيان في استفزاز بني عبد الدار وإثارة حميّتهم ، لأن سقوط اللواء يعني خسارة المعركة.

وحاول أبو سفيان أيضا أن يعمل فتنة في صفوف المسلمين ، فاقترب من جيش المسلمين ونادى : يا معشر الأوس والخزرج ، خلوا بيننا وبين بني عمنا وننصرف عنكم ، فلا حاجة لنا إلى قتالكم ، فقام الصحابة من الأنصار و ردّوا عليه كلامه . وقامت نساء قريش بدورهن في تحريض رجالهنّ على قتال المسلمين ، وكانت تقودهن {{ هند بنت عتبة }} ، فأخذن يتجولن بين الصفوف ، وهن يضربن الدفوف ، وينشدن الشعر ، تقول هند :

نحن بنات طارق ( تقصد النّجم، لعُلو مكانتهن ومكانة آبائهن )
نمشي على النمارق ( وسائد فارهة للاتّكاء عليها )
مشي القطا النواتق ( مدح للمرأة أنها كثيرة الولادة )
والمسك في المفارق ( عطر طيب تشم رائحته في مفارق الشعر )
والدر في المخانق ( يتزيّنّ بالحُلي والجواهر )
إن تقبلوا نعانق ( إن تقبلوا على قتال العدو، فنحن لكم معانقون)
أو تدبروا نفارق ( إن تهربوا وتنهزموا عن لقاء العدو، فسنفارقكم )

أصبحت المعركة على الأبواب ، وكان أول وقودها حين خرج رجل من بني عبد الداراسمه {{ طلحة بن أبي طلحة }} يدعو إلى المبارزة وهو راكب على جمله ، وكان من أقوى فرسان قريش وقال : من يبارز ؟؟؟

فخرج إليه على قدميه {{ الزبير بن العوام حواري رسول الله : بمعنى ناصري وخاصتي من أصحابي }} رضي الله عنه، وكان شجاعا طويلا ، فوثب الزبير من الأرض وثبة واحدة فجلس معه على بعيره ، وقتله ، فكبّر النبي ، و كبّر المسلمون ، وبدأ القتال بين الفريقين ، واشتعلت نيران المعركة في كل نقطة من ميدان القتال .
وانطلق المسلمون خلال جنود المشركين كالسيل ، وقاتلوا المشركين بكل بقوة وضراوة وشراسة . وكان ثقل المعركة في أولها يدور حول لواء المشركين ، والذي كان يحمله {{ بنو عبد الدار }}

فبعد سقوط قائدهم طلحة بن أبي طلحة في المبارزة، سقط اللواء ، فحمله أخوه {{ عثمان بن أبي طلحة}} فجاء إليه {{حمزة بن عبد المطلب }} وضربه ضربة بترت يده مع كتفه ، فرجع حمزة وهو يقول :أنا ابن ساقي الحجيج [[ يعني أبوه عبد المطلب جد النبي كان يسقي الحجيج ]] ، ثم رفع لواء قريش {{ أبو سعد بن أبي طلحة }} فأخذ {{ سعد بن أبي وقاص }} قوسه ورماه بسهم ، فوقع السهم في حنجرته ، فمات من فوره . ثم رفع اللواء {{ مُسافع بن طلحة بن أبي طلحة }} فرماه {{ عاصم بن ثابت }} بسهم فقتله ، ثم رفع اللواء {{ كِلاب بن طلحة بن أبي طلحة}} ، فانقض عليه {{ الزبير بن العوام }} وقاتله حتى قتله .

هكذا حتى قُتل من بني عبد الدار {{ ١٠ }} ، ولم يبق منهم أحد يحمل اللواء فتقدم غلام لهم حبشي، اسمه {{ صواب }} فقاتل عن اللواء حتى قتل ، وهكذا سقط لواء المشركين على الأرض من بداية المعركة ، ولم يبق أحد يحمله ، فبقي ساقطاً ، واستبشر النبي - صلى الله عليه وسلم - واستبشر المسلمون، بينما انهارت معنويات جيش قريش ، وتفرقوا في كتائب متباعدة .

كان من أبرز المقاتلين في ذلك اليوم الفارس القوي {{ أبو دجانة }} . . .قبل بدء المعركة أمسك النبي - صلى الله عليه وسلم - بسيف وقال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟؟ فقام إليه أبو دجانة وقال : وما حقه يا رسول الله ‏؟‏ قال‏:‏ ‏أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحني [[ يتطعج ]] ،

قال‏:‏ أنا آخذه بحقه يا رسول الله، فأعطاه إياه . فلما بدأت المعركة يقول الزبير بن العوام – وقد كان يراقب ماذا سيفعل أبو دجانة بالسيف الذي منعه النبي عنه وعن الصحابة وأعطاه فقط لأبي دجانة - يقول : أخرج أبو دجانة عصابة له حمراء فعصب بها رأسه ، فقالت الأنصار:‏ أخرج أبو دجانة عصابة الموت

[[ أهل المدينة يعرفون أبو دجانة إذا أراد أن يبلي بلاء حسنا في الحرب - وكانت لهم حروب من قبل الاسلام - كان يعصب رأسه عصابة حمراء ]] ، وقد ورد في بعض الروايات أن أبا دجانة أخذ يمشي على رؤوس أصابع قدميه ، وهو يتبختر بين الصفوف ويهز سيف النبي في يده ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنها لمشيةٌ يبغضها الله ورسوله، إلّا في هذا الموطن " . يقول الزبير : لقد أبلى أبو دجانة بلاءً حسناً ، فكان يهد الناس في سيفه هداً كأن السيف في يده منجل يحصد به قريش حصداً ، و يقصّهم فيه قصّا ، وكان يُنشد قائلا :

أنا الذي عاهدني خليلي*** ونحن بالسفح لدى النخيل
ألا أقوم الدهر في الكيول *** أضرب بسيف الله والرسول

[[ الكيول : هي آخر الصفوف ]] ، ثم أمعن في الصفوف، فإذا هي هند بن عتبة تحمس الجيش وتحاول أن تجهز على الجريح من المسلمين ، فلما حمل عليها السيف قالت : يا ويلاه !! وصرخت تستغيث ، فلم يجبها أحد ؛ فكره أن يَقتل بسيف رسول الله امرأة لا ناصر لها ، وانصرف عنها

[[ هل سمع ذلك دعاة حقوق الإنسان ومكارم الأخلاق ، نحن أصحاب مكارم الأخلاق ، وحقوق الإنسان منذ بزغ فينا نور الإسلام ، والحمد لله ]] . هؤلاء هم رجال الله الذين قال عنهم :


{{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا }} .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-11-21, 07:56 AM
هذا الحبيب « 166 »
السيرة النبوية العطرة (( استشهاد حمزة – رضي الله عنه - / مخالفة الرماة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ))
______
وكان أبرز أبطال غزوة أحد أيضا ، أسد الله وأسد رسوله {{حمزة بن عبد المطلب }} عم ّ رسول الله ، و أخوه في الرضاعة ، والذي اندفع في قلب جيش المشركين بشجاعة و استبسال ، وكان حمزة بعد الرسول بيت القصيد وهدف المعركة، ولقد اختارت قريش قبل خروجها ، الرجل الذي وكلوا إليه أمر حمزة كما أخبرتكم ، وهو [[ وحشي الحبشي ]] صاحب المهارة الخارقة في قذف الحربة، جعلوا كل دوره في المعركة أن يقتل حمزة ، ووعده سيده جبير بن مطعم أن يعتقه ، ووعدته هند بالذهب و المال .

ويروي لنا وحشي - وقد أسلم لاحقا - : كان حمزة لا يمر من أمامه عدو إلا قطع رأسه بسيفه، وكان يضرب يمينا و شمالا ، و أنا أرقبه ، فأخذت أهرب منه حتى اختبأت خلف شجرة وكانت معي حربتي ، حتى إذا استمكنت منه ، هززت حربتي حتى رضيت عنها ، فأرسلتها ، فوقعت في بطنه وخرجت من ظهره . وقام متجها نحوي فلم يستطع ، فلما مات ، أتيته وأخذت حربتي ، ثم رجعت إلى العسكر فقعدت فيه ، ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته لأعتق . وعندما روى ذلك للنبي – عليه الصلاة و السلام – بعد أن أسلم ،

قال له النبي : ويحك ، غيّب عني وجهك فلا أرينّك! فكنت أبتعد بوجهي عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لئلا يراني ، حتى قبضه الله . وظل وحشي نادماً طوال حياته على قتل حمزة ؛ فلما كانت حروب الردة ، اشترك فيها وقتل {{ مسيلمة الكذاب }}، فقال وحشي : " قتلت خير الناس وشر الناس " .

استشهد حمزة - رضي الله عنه - إلا أن المسلمين ظلّوا مسيطرين على المعركة ومتفوقين على جيش مكة ، وقد قامت الكتيبة التي عينها الرسول - صلى الله عليه وسلم - على {{ جبل الرماة }} بدورها المطلوب منها ، في صد هجوم الفرسان ، حيث حاولت كتيبة فرسان قريش بقيادة {{ خالد بن الوليد }} أن تتسلل إلى ظهر المسلمين ، ولكن في كل مرة كان فريق الرماة يرمونهم بالسهام حتى فشلت هجماتهم .


وأصبحت المعركة واضحة ، و{{ سيناريو بدر يتكرر }}، والمسلمون الآن مقبلون على نصر ساحق آخرعلى قريش ، لا يقل روعة عن نصر بدر ، وأخذت صفوف قريش تتراجع وتنسحب بعد أن سقط لواؤهم ، يقول الزبير بن عوام رضي الله عنه : وإني لأنظر إلى هند بنت عتبة ، ونساء سادة قريش يجرين مشمرات ، وما هو إلا قليل و نمسك بهنّ سبايا . وبدأ المسلمون يتتبعون المشركين ، يقتلونهم ويجمعون الغنائم‏ ، و استطاع المسلمون – مع قلة عددهم – أن يهزموا ال 3000 آلاف مقاتل .

وهنا وقع الرماة في خطأ كبير جدا ، قلب الوضع تماماً ، فقد قلنا إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أصدر أوامر مشددة ، وكرر الأمر أكثر من مرة للرماة بعدم ترك أماكنهم تحت أي ظرف، حيث قال لهم : [[ إن رأيتمونا هزمنا القوم فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم ]]

حيث أن نصر المسلمين جعل الرماة يطيشون فرحاً ، وقالوا : نشارك إخواننا في جمع الغنائم ، ولكن قائدهم {{ عبد الله بن جبير }} ذكرهم بأوامر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدم ترك أماكنهم ، فصاح بهم وقال : اتقوا الله ، واتقوا وصية رسول الله ، ولكن لم يستجب لعبد الله بن جبير غير قلة قليلة فقط ، بينما ترك الأغلبية مواقعهم من الجبل ، ونزلوا إلى أرض المعركة ليشاركوا بقية الجيش في جمع الغنائم .

فلما نزل الرماة وتركوا أماكنهم ، شاهد (( خالد بن الوليد )) ذلك ، وكان لا يزال على فرسه في أرض المعركة ، فانتهز الفرصة ، وأخذ قراره السريع ، فهاجم بكتيبته من بقي من الرماة ؛ فقتلهم جميعا مع أميرهم " عبدالله بن جبير " ودار بفرسانه خلف جبل الرماة ، وأحاط بالمسلمين وانقض عليهم من خلفهم .
ثم أخذ فرسان المشركين ينادون بقية الجيش :

يا للعزى!! يا لهبل !! وشعر المشركون المنهزمون بالتطور الجديد ، فقاموا بهجوم مضاد ضد المسملين ، وهكذا [[ أحيط بالمسلمين من الأمام والخلف ]] ،

ووقعوا بين شقي رحى ، وجاءت امرأة من المشركين فرفعت لواء قريش من التراب مرة أخرى ، فلما رفعته تجمع جيش قريش مرة أخرى حول لوائهم ، وكان المسلمون في هذه اللحظات ، يجمعون الغنائم ويجرون خلف قريش ، فجاءهم خالد من الوراء و وضع السيف فيهم ؛ فذهلوا [[ لأن الذي يجمع الغنائم ويمسك الأسرى ، ويوثقهم بالحبال يكون قد أغمد سيفه ]] ، فألقوا ما بأيديهم من غنائم وشرعوا بالسيوف مرة أخرى ، ولكن هيهات ؛؛ لقد تفرقت صفوف المسلمين .

هنا أصبح القتال في ساحة المعركة في مكانين {{ المكان الأول }} جيش المسلمين المحاصرين أمام جبل أحد من الأمام ومن الخلف ، وقد سادت الفوضى فيه والارتباك والاضطراب ، حتى تاهوا وسط المشركين ، وأخذ بعض المسلمين يضربون بعضهم بعضا بلا وعي ، يظنونهم من قريش .
و في وسط هذا الارتباك حصل هذا الموقف : كان هناك صحابي اسمه {{ اليمان " حسيل بن جابر العبسي " }}

وهو والد الصحابي
الجليل حذيفة بن اليمان ، وهو شيخ كبير في العمر، لحق بجيش المسلمين لتوّه قادما من المدينة ، فدخل في المعركة من جهة المشركين ، وأحاط المسلمون باليمان يقاتلونه ، وهم يعتقدون أنه من المشركين فصاح بهم ابنه حذيفة : أي عباد الله ، أبي أبي ، إنه أبي [[ يقول للصحابة لا تقتلوه ، فهو ليس من قريش !! إنه أبي ! ]]

ولكنهم لم يسمعوه وقتلوه . فلما علم المسلمون أن الذي قتلوه والد حذيفة بن اليمان ، حزنوا حزنا كبيرا ، فقال لهم حذيفة : يغفر الله لكم ، وهو أرحم الراحمين . ثم انطلق بسيفه واستكمل القتال . وهمّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد المعركة أن يدفع له الدية ، فأبى أن يأخذها حذيفة ، وجعلها صدقة على من قتله من المسلمين .


[[ لذا كان حذيفة من خيار الصحابة وصاحب سِر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أنّ النّبي أسرّ له يومًا بأسماء جميع المنافقين في المدينة المنوّرة ، ولم يسرّها إلى أحدٍ من صحابته ، فسمّي حذيفة لذلك - صاحب سر رسول الله - وقد بقي حذيفة محافظًا على هذا السّرّ ، حتّى توفي رضي الله عنه وأرضاه ]] . وقد ألحّ عمر يومًا عليه بقوله : أنشدك الله أذكرني الله في المنافقين ؟؟ ولما رأى حذيفة حرصه وخشي عليه قال له، لا ، ولا أقولها لأحدٍ من بعدك . سبحان الله ! إذا كان خليفة المسلمين يخاف على نفسه من النفاق ؟ فماذا نقول عن حالنا ؟؟


اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-14-21, 08:10 AM
هذا الحبيب « 167 »
السيرة النبوية العطرة (( استبسال الصحابة في الدفاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم – في غزوة أحد / ج1 ))
______
أمّا المكان الثاني الذي تركز فيه القتال ، فقد كان حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فهو الآن قد بلغ من العمر {{ ٥٧ عاما }} ، و المعركة الآن انقلبت موازينها لصالح قريش ، و انكشف المسلمون ودخلهم الرعب، وأوجع المشركون فيهم قتالاً شديداً، حتى وصلوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وطمعوا في القضاء عليه وقتله.

وفي هذا الموقف الشديد ثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - كالجبل الأشم ، يدافع جموع المشركين المحيطين به من كل ناحية، وهو يقول للمسلمين: إليَّ عباد الله، إليَّ عباد الله، فاجتمع إليه نحو ثلاثين رجلاً من أصحابه، فدافعوا عنه بأجسادهم وأرواحهم، في صور رائعة من الحب والتضحية، فقام [[ أبو طلحة ]] رضي الله عنه - يُسوِّر نفسه بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ويرفع صدره ليقيه من سهام العدو، ويقول : " نحري دون نحرك يا رسول الله"، حتى أثخنته الجراح . أمّا [[ أبو دجانة ]]

رضي الله عنه ، فكان يحمي ظهره - صلى الله عليه وسلم - والسهام تقع عليه ولا يتحرك ، يقول الراوي : حتى أصبح ظهر أبو دجانة مثل القنفذ من كثرة السهام ، فكان كلما نزل في ظهره سهم تألم فقال : آه ... آه ، وكلما قال آه ينظر في عيني النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول : ( ما أطيبها فيك يا رسول الله !! ) .
أمّا [[ طلحة بن عبيد الله ]] أحد المبشّرين بالجنّة ؛ فقد وقى رسول الله بيده حتى أصابها الشلل ، وكان أيضا يجعل من نفسه سَلَّمَاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - يصعد عليه ليرتقي إلى صخرة بالجبل ليحميه من المشركين . فقال له عليه الصلاة و السلام :

( أوجَب طَلحةُ ) أي : وجبت له الجنة .
ورغم استبسال الصحابة - رضوان الله عليهم - في الدفاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن بعض المشركين وصلوا إلى رسول الله، وجرحوه جراحات عديدة، إذ رماه " عتبة بن أبي وقاص " بالحجارة فكسر رباعيته ، وجرح شفته السفلى، وتقدم " عبد الله بن شهاب الزهري" إليه فشجّه في جبهته، وضربه " عبد الله بن قمئة " على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة، شكا لأجلها أكثر من شهر، ثم ضُرب على وجنته - صلى الله عليه وسلم - ضربة أخرى عنيفة كالأولى، حتى دخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، وأصيب النبي - صلى الله عليه وسلم - إصابات عديدة .

عن أنس رضى الله عنه:
(( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كُسِرَتْ رَباعيتُه يوم أُحُدٍ، وشُجَّ في رأسه، فجعل يسلت الدم عن وجهه ويقول: كيف يُفلحُ قوم شجّوا نبيّهم وكسروا رباعيته [[ السن التي تلي الثنية من كل جانب ]] وهو يدعوهم إلى الله؟!، فأنزل الله عز وجلّ قوله: " لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ " ))

ومن الذين استبسلوا في الدفاع عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في غزوة أحد

[[ أم عمارة : نسيبة بنت كعب الأنصارية ]] ، كانت تحمل الماء للمجاهدين ولكنها حين رأت المسلمين ينهزمون ، حملت سيفا واقتربت من الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبدأت تدفع عنه الأذى بالسيف والقوس هي وابناها عبدالله وحبيب وزوجها زيد بن عاصم ، وقد أصابها " ابن قمئة " في كتفها ، فأزال كتفها عن موضعه ، بعد أن وجّهت له عدة ضربات بسيفها . [[ لم تمت في أحد عاشت - رضي الله عنها - وشهدت حروب الردة ، وكانت ممن أسهم في قتل مسليمة الكذاب ]] .

وفي غزوة أحد أبلى [[ سعد بن أبي وقّاص ]] بلاءً حسناً أيضا، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يناوله السهام، ويرمي بها الأعداء ويقول: ارم سعد فداك أبي وأمي، وقد كان ماهراً في رميه دقيقاً في إصابته .

أمّا [[ عليّ بن أبي طالب ]] رضي الله عنه ؛ فقد حمل لواء المسلمين في الغزوة بعد استشهاد مُصعب بن عُمير - رضي الله عنه – وأُصِيب بعدّة ضربات وهو يدافع عن الرسول في نهاية الغزوة ، رضي الله عنهم و أرضاهم جميعا . أرأيتم شجاعة و استبسال نبينا و أصحابه في سبيل الدّفاع عن دين الله ؟؟

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-14-21, 08:12 AM
هذا الحبيب « 168 »
السيرة النبوية العطرة (( استبسال الصحابة في الدفاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم – في غزوة أحد / ج2))
______
دافع الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم – بكل شجاعة و صبر ، فها هو {{ عبد الرحمن بن عوف }} قد قاتل حتى أصيب بعشرين جرحاً ، وكانت إحدى هذه الإصابات في فمه حتى تكسرت أسنانه ، وكان بعضها في رجله فكان يعرج بعد غزوة أحد . وحاول {{ سعد بن أبي وقاص }}أن يقتل أخاه عتبة الذي كسر رباعية الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكنه لم يظفر به ، فتبعه الصحابي {{ حاطب بن أبي بلتعة }} حتى ضربه بالسيف ضربة أطاحت رأسه، ثم أخذ فرسه وسيفه .

وجاء {{ مالك بن سنان }} فأخذ يمص الدم من جروح النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى ينقيها ، ثم ذهب يقاتل حتى مات شهيدا .
وقاتل {{ مصعب بن عمير }} قتالا شديدا ، وكان اللواء بيده ، ثم استشهد ، وكان الذي قتله هو ابن قمئة ، وكان مصعب بن عمير يشبه الرسول - صلى الله عليه وسلم- فاعتقد ابن قمئة أنه قتل الرسول - صلى الله عليه وسلم - فانصرف وهو يصيح ويصرخ : إن محمداً قد قتل .

شاع خبر مقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - فانهارت معنويات المسلمين المعنوية، فأصابتهم المصيبة العظمى [[ قُتل النبي !!! ]] وبدأ البعض في الفرار ، بينما توقف عن القتال البعض ، فقال لهم [[ أنس بن النضر]] :‏ ما بكم ‏؟‏ فقالوا :‏ قتل رسول الله . قال: فإن كان قد قتل النبي ، فإن دين الله باق ، قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ونادى بهم أيضا {{ ثابت بن الدَحْدَاح }} فقال :‏ إن كان محمد قد قتل ، فإن الله حي لا يموت ، قاتلوا على دينكم ، فإن الله مظفركم وناصركم .‏فعادت للجنود معنوياتهم في المعركة ، و عادوا يقاتلون و يلتفون حول النبي عليه الصلاة و السلام .

أمّا عن بطولة أنس بن النضر في الغزوة ، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: (( غاب عمِّي أنسُ بنُ النضرِ عن قتالِ بدر، فقال: يا رسول الله، غِبْتُ عن أولِ قتالٍ قاتلتَ المشركينَ، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليَرَيَنَّ اللهُ ما أصنع . فلما كان يوم أُحُد، وانكشف المسلمون، قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني أصحابه ـ ، وأبرأ مما صنع هؤلاء ـ يعني المشركين ـ ، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ ، فقال: يا سعد ؛ الجنة وربِّ النضر، إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعتُ يا رسول الله ما صنع )) .

قال أنس: " فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتِلَ وقد مَثَّلَ به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه (اصبعه)، وقال : كنا نرى ـ أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } .

بدأ الرسول – صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك في الانسحاب المنظم إلى شعب من شعاب جبل أحد [[ وقد قلنا إن الشعب هو الطريق بين الجبلين ، وكان من أسباب اختيار الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهذا الموضع في أحد، هو أن يكون في الجبل مكان آمن يمكن أن ينسحب إليه المسلمون إذا وقعت الهزيمة بهم، ولا يلجئون إلى الفرار من أمام العدو، فيتعرضون للقتل أو الأسر]] .
أخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون يشقون طريقهم بين المشركين المهاجمين ، وحاول المشركون عرقلة هذا الانسحاب، واشتد هجومهم إلا أنهم فشلوا أمام بسالة الصحابة ، فانسحب النبي والصحابة إلى الشعب .

وفي الطريق إلى سفح الجبل لحق بالنبي [[ أبي بن خلف شقيق أمية بن خلف ]] حيث كان يقول للنبي في مكة : يا محمد ، أنا أقتلك متى شئت [[ من باب الاستهزاء والاستخفاف ، يعني أنت في متناول اليد متى أردت قتلك ]] فيردّ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - : بل أنا أقتلك إن شاء الله . فرماه النبي بحربة أصابت عنقه ، ثم قال عليه الصلاة و السلام : " اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ "

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-16-21, 08:55 AM
هذا الحبيب « 169 »
السيرة النبوية العطرة (( تمثيل قريش بشهداء أحد ))
______
استطاع جيش المسلمين أن يشق طريقه إلى شعب الجبل ، واستقر الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسملون في الشعب ، و حاول أبو سفيان و خالد بن الوليد و من معهما من جنود قريش أن يصعدوا الجبل ، فأخذ سعد يرميهم بالسهام ، وانطلق إليهم عمر بن الخطاب ومعه مجموعة من المسلمين حتى أهبطوهم من الجبل .

رجع المشركون إلى معسكرهم لاعتقادهم أنهم قد حققوا هدفهم ، وبدأوا يستعدون للعودة إلى مكة ، واشتغل رجالهم ونساؤهم بالتمثيل بقتلى المسلمين . وفي هذه الأثناء ألقى الله النعاس على الصحابة ، رحمة بهم ، وحتى لا يروا ما تصنعه قريش بتشويه أجساد الشهداء ، فتأخذهم الحمية فيجددوا المعركة من جديد ، وهم الآن مثقلون بالجراح و النتيجة ستكون غير محمودة العُقبى . النعاس: الفتور في أوائل النوم ، ومن شأنه أن يزيل عن الإنسان بعض متاعبه ولا يغيب صاحبه ، فلذلك كان أمنة لهم : لأنه لو كان نوما ثقيلا لهاجمهم المشركون .

[[ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ ]] .

لقد فعلت قريش في أحد العجب العجاب ، فعلوا أشياء لم تعرفها العرب من قبل ، فقد أخذوا يتفقدون شهداء المسلمين ، وما وقفوا على جثة شهيد من المسلمين إلا ومثلوا بها [[ التمثيل أي تشويه الجثث ]] ، فجاءت هند بنت عتبة إلى جثة حمزة ، عم النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قتله وحشي بحربته ، حيث دلها وحشي على مكانه ، فقالت له :

[[ شق بطنه و أخرج كبده ... لتشفي غليلها و حقدها ]] ، وحاولت أن تمضغها وتبتلعها ، فلم تستطع . لم يكفها ذلك فقطعت أذن حمزة وأنفه ، وأنوف وآذان عدد من كبار الشهداء كمصعب ، وعبدالله بن جحش ، وغيرهم ، وجعلت منها قلادة في عنقها لتدخل بها مكة مفتخرة بالنصر . ولم يكن أبو سفيان أحسن حالا من زوجته هند ، فقد أخذ حربته وعكسها ، فجعل كعبها في الأرض ، وأخذ يدق فك حمزة ويقول له : [[ ذق عقق ]] يعني : ذق القتل يا عاق قومه ، كما قتلت يوم بدر من قومك ، [[ يعني كفار قريش ]] .

فرأه سيد الأحابيش ( حليس ) وقال له : ما رأيت اليوم أعجب من سيد بني كنانة و سيد قريش يفعل هذا بابن عمه لحماً ؟!!!

[[ يعني جسد قد مات لا يستطيع أن يدافع عن نفسه جاي تستقوي عليه ]]
فقال له أبو سفيان : ويحك لا ترفع صوتك ، اكتمها عني فقد كانت زلة [[ لأن هذا التصرف مشين وعيب، لا يفعله إلا الجبناء ]] ، وأخذ باقي جيش قريش أيضا يقطعون الآذان والأنوف ويشقون البطون و يمثّلون بالشهداء .

بعد ذلك تهيأ المشركون للانصراف ، وكانوا يعتقدون أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد قًتل ، فأراد أبو سفيان أن يستوثق من الأمر ، فاقترب من الجبل ومعه مجموعة من المشركين ونادى : أفيكم محمد ؟ أفيكم ابن أبي قحافة [[ اي أبو بكر ]] ؟ أفيكم عمر بن الخطاب ؟ . . .

فلم يجبه أحد ، فاعتقد أبو سفيان أنهم قد قتلوا ؛ فصاح في سعادة وفرح : لقد انتصرنا . . . لأن نهاية هؤلاء تعني نهاية الدّين .

وهنا لنا وقفة : فقريش خرجت بجيشها لهدف واحد من البداية وهو كما قلنا قتل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وانتصارها يعني تحقيق هدفها ، هم صحيح أصابوا من المسلمين ، ولكنهم لم ينتصروا على الإطلاق ، والنصر عند العرب قديماً كان يعتمد على بقاء المنتصر في موقع المعركة ثلاثة أيام دليلا على سيطرته ، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر ، وقد ذكرتها لكم ، ولكن قريشا انسحبت في نفس الساعة ورجعت لمكة ، فشروط النصر جميعها لم تتحقق لقريش ، لذلك لا نقول هزيمة المسلمين في أحد ، بل إصابة المسلمين في أحد ، وهذا هو التعبير الأدق . وللأسف أتألم عندما أقرأ بعض كتب السيرة ، وأسمع بعض الدعاة يقولون : هزيمة المسلمين في أحد !!! .


ثم صاح عمر بأبي سفيان : يا عدو الله ، إن الذين ذكرتهم أحياء ، وقد أبقى الله ما يسوؤك ‏.‏ ثم قال أبو سفيان :‏ أعل هُبَل ‏.‏ فقال ‏المسلمون ما أخبرهم به النبي : الله أعلى وأجل‏ . ثم قال‏ :‏ لنا العُزَّى ولا عزى لكم ‏. فقال المسلمون ‏:‏ ‏الله مولانا ، ولا مولى لكم . ثم قال ‏:‏ يوم بيوم بدر ، والحرب سجَال ‏. فقال المسلمون : لا سواء ، قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار‏ .‏ ثم قال :‏ هلم إلي يا عمر بن الخطاب .

فقال صلى الله عليه وسلم: اذهب فانظر ما شأنه ‏؟ فقال له أبو سفيان ‏:‏ أنشدك الله يا عمر ، أقتلنا محمداً‏ ؟‏ قال عمر‏:‏ اللهم لا، وإنه ليستمع كلامك الآن . فقال أبو سفيان‏:‏ أنت أصدق عندي من ابن قمئة ، [[ لأن ابن قمئة الذي أشاع قتل رسول الله ]] .

وقبل أن ينصرف أبو سفيان ومن معه ، نادى ‏:‏ إن موعدكم بدر العام القابل ‏[[ وهذا ما أشرت إليه طلب أبو سفيان مواجهة ثانية ليحقق النصر الذي لم يحققه في أحد ، لذلك قلت لكم لا نقول هزيمة المسلمين في أحد ]] . فقال رسول الله لرجل من أصحابه ‏: قل‏ له : نعم ، هو بيننا وبينك موعد ‏.

فلما ولّت قريش ورجعت أدبارها ، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب ، وقال‏ له : اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون‏ ؟‏ وما يريدون ‏؟‏ فإن كانوا قد جنبُوا الخيل ، وامتطُوا الإبل ، فإنهم يريدون مكة .


[[ يعني إذا ركبوا على الجمال فهذا يعني انهم راجعين إلى مكة ، لأن النبي خشي أن ترجع قريش وتدخل المدينة ، ففيها النساء والأطفال ، وفي المدينة يهود ومنافقون ، سيجدونها فرصة لينقلبوا على المسلمين ويقفوا مع قريش ]]
وإن كانوا قد ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة. قال علي ‏:‏ فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون ، فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل ، ووجهوا إلى مكة ‏.‏ ثم قام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك يتفقد القتلى والجرحى ، وهنا كانت المصيبة العظمى . . .

يتبع

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-17-21, 08:01 AM
هذا الحبيب « 170 »
السيرة النبوية العطرة (( تفقد شهداء أحد / ج1))
______
قال تعالى :
{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} .

عادت قريش إلى مكة ، بعد أن قامت كما ذكرنا بعمل لم تعهده العرب من قبل ، وهو التميثل بجثث الشهداء . وقام - صلى الله عليه وسلم - يتفقد أصحابه ، فالتفت يميناً وشمالاً يسأل : أين عمي ؟ أين أسد الله حمزة ؟؟ فسكت الصحابة [[ مع أن عددا منهم يعلم أن حمزة قد استشهد ، ولكن بماذا يجيبونه وهو يسأل عن عمه أقرب الناس إليه ؛ وأخوه في الرضاعة وصديق الطفولة ، ماذا يجيبونه ؟

]] ، وكانوا أيضا قد رأوا حمزة وقد مثّلت قريش بجسده ، فقالوا : يا رسول الله ، احتسب عمك عند الله . ثم أخذوا النبي عند جثة حمزة ، فوقف عنده – صلى الله عليه وسلم - ، وكانت صدمة ما بعدها صدمة !! نظر إليه ، وسكت طويلاً ، ثم أخذ ينادي بأعلى صوته ، عمااااااه ، وبكى بكاء شديداً . يقول الصحابة : ما رأيناه باكياً قط أشد من بكائه على حمزة بن عبد المطلب .

ثم نظر عليه - الصلاة و السلام - إلى مقربة من حمزة فإذا هو {{ مصعب بن عمير }} و قد مُثّل به أيضاً ، فجاء ووقف عند جثته ،و بكى حتى ابتلت لحيته ، وأخذ يقول : لقد رأيتك يوما في مكة ، وأنت أنعم فتى في مكة [[ ليس أنعم من النعومة التي تعرفونها اليوم كريمات ومكياج !! لا ، أنعم أي أكثر شاب كان معه فلوس و مرفّه، فكان ينفق على شباب مكة كلهم في جلساتهم قبل الإسلام ]] ، وأنت أنعم فتى وأجملهم حلة

[[ أي أغلاهم ثياب ]] وأطيبهم ريحاً ، [[ لأن الدنيا كانت بين يديه ، والذي تنفق عليه أمه ، فلما أسلم حرمته أمه من المال حتى يرتد عن هذا الدين ؛ فقال لا حاجة لي للمال ، فترك كل هذا لله ، حتى أصبح أفقر شاب ، ويلبس الخشن ، فكان يلبس كيس خيش في مكة ]] ،

وهو أول سفير في الإسلام ، فقد أرسله النبي ليعلّم المسلمين في المدينة ، ثم يقول له النبي : واليوم أراك أشعث أغبر بثوبك الخشن وقد زهدت في الدنيا .
ثم لمح النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف امرأة آتية من بعيد، تشق صفوف القتلى باحثة ، فلما تبّصرها ، علم أنها عمته صفية بنت عبد المطلب - أخت حمزة - فنادى النبي على الزبير ولدها ، دونك المرأة ، المرأة !!!

[[ اي رد أمك كي لا ترى ما فعل بأخيها ]] فأسرع الزبير وقال : يا أماه إن رسول الله يأمرك أن ترجعي . فضربت بيدها صدره وقالت : لقد بلغني ما وقع من أخي من مثلة ، وإني أحتسبه عند الله ، الحمد لله أن رسول الله سالم ، ولا نبالي بعده بمن قُتل . ثمّ اقتربت من أخيها ونظرت إليه باكية ، واحتسبته عند الله ، و قالت : هذان ثوبان وقد بلغني ما فعل بحمزة ، فجئت بثوبين تجمع أشلاءه بهما

[[ لأن الشهيد لا يكفن ، يدفن بثيابه ، فالثوبان حتى يردوا أعضاءه لبعضها فقد بُقر بطنه ]] .
فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم – إلى الثوبين وبكى ، ثم قال : ما كان لمحمد رسول الله ، أن يكفن عمه بثوبين ويترك مصعب لا ثوب له ، أعطوا ثوبا لحمزة ، وثوبا لمصعب ، وادفنوهما في قبر واحد .

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول : أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير له إلى واحد قدمه في اللحد [[ شق في جانب القبر]] وقال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم، ولم يغسّلوا ، وكان يقول " ما من مجروح جرح في الله - عز وجل - إلا بعثه الله يوم القيامة، وجرحه يدمي، اللون لون الدم، والريح ريح المسك " .

وقد توعد بعض المسلمين المشركين بالانتقام منهم ، والتمثيل بهم كما فعلوا بأصحابهم، فنزل قول الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} ، القتال هو الرد عليهم ، أمّا التمثيل فليس من الإسلام في شيء ، و الصبر على المصائب هو خير وأبقى عند الله .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-17-21, 08:02 AM
هذا الحبيب « 171 »
السيرة النبوية العطرة (( تفقد شهداء أحد / ج2 ))
______
ونقف أيضا مع شهيد آخر، وهو {{ عمرو بن الجموح }} - رضي الله عنه – فهو لم يشهد غزوة بدر ، ولما نودي لغزوة أحد أحب الخروج للجهاد ، فمنعه أبناؤه من الخروج للقتال ، وقالوا : إن الله قد عذرك ونحن نكفيك [[ لأنه أعرج ، قالوا نحن نسد مكانك ]] وكان أيضا طاعنا في السن ، إلا أنه أبى إلا أن يشهد المعركة مع أبنائه الخمسة .

وذهب إلى رسول الله ، فقال له النبي: أما أنت فقد عذرك الله، ولا جهاد عليك وألح عمرو بن الجموح في الخروج ، وبكي بين يدي رسول الله قائلا : إني لأرجو الله أن أطأ بعرجتي الجنة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم – لأبنائه : لا عليكم، لا تمنعوه ، لعل الله يرزقه الشهادة· وهذا ما حدث معه رضي الله عنه ، فقد استشهد في غزوة أحد رحمة الله عليه ، فمرَّ عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد مثّلت قريش به ، فبكى وقال : ((كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنّة )) .

أريتم كيف كانت بداية عمرو بن الجموح ؟؟ يعبد صنما من خشب اسمه مناف ، يلجأ إليه عند المصائب ، كان يحبه أكثر من أهله وماله ، وكان شديد الإسراف في تقديسه .. وتزيينه ، وتطييبه ، وتلبيسه !!! وكيف كانت نهايته ؟؟ شهادة في سبيل الله ... اللهم إنّا نسألك الشهادة في سبيلك .

وكان صديقا ل {{ عبدالله بن حِرام }} بكسر الحاء ، الذي استشهد هو الآخر ، فقال أبناء عمرو بن جموح : يا رسول الله ، كان قد تواعد مع صديقه عبدالله بن حِرام قبل الخروج ، هذا الصحابي يكون [[ والد جابر بن عبد الله الذي له روايات بالحديث ؛عندما تسمعوا حديث نبوي عن جابر بن عبدالله ]] ، تواعدا أن يلتقيا في الجنة إذا فرقهم الموت ، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : اجعلوهما في لحد واحد ، ولفوهما في ثوب واحد ، ولا تفرقوا بينهما . انظروا ما أجمل هذا الأخوة في هذا الدين !!!

ووقف النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا على جثة شاب اسمه {{ حنظلة بن أبي عامر الملقب فيما بعد بغسيل الملائكة }} ، والده كان مع المشركين في قريش ، وحنظلة شاب مؤمن صادق الإيمان من المهاجرين ، أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يزوجه في المدينة من الأنصار ، [[ فكان النبي كولي أمره ، فجاء رئيس المنافقين ( ابن سلول ) فقال : إن بنتي زوجة لمن يخطب له النبي - طبعا نفاقاً لا إيماناً - فهكذا هم المنافقون في كل زمان ]] .

وتمت الخطبة ، وبنى حنظلة بعروسه بعد أن استأذن النبي عليه الصلاة و السلام . وقبل أن يغتسل ويصلي ، سمع منادي النبي يدعو للخروج للجهاد إلى أحد ، فتعجل ، وأخذ سلاحه وأسرع بالخروج فلحقته زوجته للباب وقالت له : إنك لم تغتسل !! قال لها : الجنابة لن تحول بيني وبين الجهاد في سبيل الله ، فإني أخشى إن بقيت حتى أغتسل ، أن يفوتني موقفاً مع رسول الله .

فخرج والمسلمون لا يعلمون بأمره ، وأنه بنى بزوجته . و عندما خرج أرسلت زوجته تستدعي أربعة من رجال قومها ، فلما حضروا ، أخذت تشهدهم أن حنظلة قد بنى بها قبل أن يخرج للجهاد ، ولعلي قد علقت بحمل منه ، فإني أريد أن أغلق باب الغيبة والريبة . [[ يعني عملت بقاعدة : رحم الله امرءا جب الغيبة عن نفسه ]] . وقد أبلى حنظلة لاء حسنا في الغزوة ، إلى أن سقط شهيدا . فلما نظر النبي إلى جثته ، أشار إليه قائلا : هذا صاحبكم رأيت الملائكة تغسله بين السماء والأرض بأطباق من الفضة ، فسمي {{ حنظلة الغِسّيل }} .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-18-21, 08:57 AM
هذا الحبيب « 172 »
السيرة النبوية العطرة (( تفقد شهداء أحد / ج3))
______
وكان من بين الشهداء أيضا {{ سعد بن الربيع‏ }} [[ كان ممن بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - بيعة العقبة الثانية ، وكان أحد نقباء الأنصار . ولما هاجر آخى النبي بينه وبين عبد الرحمن بن عوف ]] .

و كان أيضا من بين الشهداء {{ الأُصيرم عمرو بن ثابت }} ، و الذي أسلم لتوّه في غزوة أحد وكانوا من قبل يعرضون عليه الإسلام وهو يرفضه ، فسألوه وقد أثقلته الجراح : ما الذي جاء بك ؟ مناصرة لقومك ؟ أم رغبة في الإسلام‏؟‏

فقال : رغبة في الإسلام ، فأنا آمنت بالله ورسوله ، ثم قاتلت مع رسول الله - صلى الله عليه - حتى أصابني ما ترون ، ثم فاضت روحه . فذكروه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:‏ ‏هو من أهل الجنة .
وكان عدد شهداء المسلمين [[ سبعين شهيدا ]] ، أما عدد قتلى المشركين ، فلم يُعرف بالتحديد ، والرأي الأرجح أنهم فوق المئة .

رضي الله عن صحابة رسول الله ، رجال ، رباهم النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقوا مع الله - عز وجل - فباعوا الدنيا واشتروا الآخرة، وهم أحياء عند ربهم يرزقون .

وبعد انتهاء غزوة أحد ، كان مشهد دفن الشهداء ، ووصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - بدفنهم في أماكنهم وعلى حالتهم ، وكان أناس من الصحابة قد نقلوا قتلاهم إلى المدينة ، فأمرأن يردوهم، فيدفنوهم في مضاجعهم ، وألا يغسلوا، وأن يدفنوا كما هم بثيابهم بعد نزع الحديد وعدة السلاح‏ .‏
وكان يدفن الاثنين والثلاثة في القبر الواحد، ويجمع بين الرجلين في ثوب واحد، ويقول‏:‏ ‌‌‏أيهم أكثر أَخْذًا للقرآن‏؟‌‌‏
فإذا أشاروا إلى الرجل قدمه في اللحد، ثم قال للصحابة : ‏أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة،

" ما من مجروح جرح في الله - عز وجل - إلا بعثه الله يوم القيامة، وجرحه يدمي، اللون لون الدم، والريح ريح المسك " .
ودفنوا بعيدا أيضا ما تبقى من جثث المشركين ، [[ فلم يُمثل بجثثهم ، ولم يتركها للطير والسباع ، أسمعتم يا من تدعون حقوق الإنسان هذا هو ديننا ]] .

ثم قال - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : استووا حتى أثني على ربي - عز وجل - فوقف الصحابة خلفه صفوفاً ، ثم رفع يديه - صلى الله عليه وسلم - وقال :-
(( اللهم لك الحمدُ كلُّه ، اللهم لا قابضَ لما بسطتَ ، و لا مُقَرِّبَ لما باعدتَ ، و لا مُباعِدَ لما قرَّبتَ ، و لا مُعطِيَ لما منعْتَ ، و لا مانعَ لما أَعطيتَ اللهم ابسُطْ علينا من بركاتِك و رحمتِك و فضلِك و رزقِك ، اللهم إني أسألُك النَّعيمَ المقيمَ الذي لا يحُولُ و لا يزولُ ،
اللهم إني أسألُك النَّعيمَ يومَ العَيْلَةِ ، و الأمنَ يومَ الحربِ ، اللهم عائذًا بك من سوءِ ما أُعطِينا ، و شرِّ ما منَعْت منا، اللهم حبِّبْ إلينا الإيمانَ وزَيِّنْه في قلوبِنا ، وكَرِّه إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ واجعلْنا من الراشدين اللهم توفَّنا مسلمِين ، و أحْيِنا مسلمِين و ألحِقْنا بالصالحين ، غيرَ خزايا و لا مفتونين ، اللهم قاتِلِ الكفرةَ الذين يصدُّون عن سبيلِك ، و يُكذِّبون رُسُلَك ، و اجعلْ عليهم رِجزَك و عذابَك . . . إلهَ الحقِّ )) .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-19-21, 07:50 AM
هذا الحبيب « 173 »
السيرة النبوية العطرة (( الرجوع إلى المدينة بعد غزوة أحد ))
______
دفن الشهداء ، ورجع النبي - صلى الله عليه وسلم – و أصحابه إلى المدينة ، وكانت قد وصلت الأخبار للمدينة بأن النبي قد قتل ، فضاجت ، وارتفع صوت البكاء فيها ، وخرج الجميع نساء و أطفالا ، صغارا وكبارا ، الكل خرج يستطلع الخبر . فما إن دخل الموكب المدينة ، حتى أخذت تتلاقهم طلائع النساء ، فكان أول من تلقاهم من النساء {{ حمنة بنت جحش ، أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش }} ، فلقيتهم وهي تسأل :

أرسول الله بخير ؟؟ فلقيها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لها : يا حمنة احتسبي . قالت : من يا رسول الله ؟ قال : خالك حمزة أسد الله ورسوله [[ قالها وهو يبكي ]] فاحتسبت وقالت : إنا لله و إنا إليه راجعون . قال: يا حمنة احتسبي أيضاً . قالت : من يا رسول الله ؟ قال: أخوكِ عبدالله بن جحش . فاحتسبت وقالت :إنا لله و إنا إليه راجعون . وكانت حمنة زوجة {{ لمصعب بن عمير }} فقال لها النبي : احتسبي يا حمنة أيضاً. قالت : من يا رسول الله ؟ قال : زوجك مصعب .

فناحت و ولولت . فقال - صلى الله عليه وسلم - : سبحان الله ! ! إن الرجل من زوجته لبمكان !!

[[ لقد نعي إليها خالها وأخوها ولم تولول ونعي لها زوجها فصاحت وبكت ]] قال لها النبي : يا حمنة ، لم فعلت هذا ؟ قالت : يا رسول الله، تذكرت قوله تعالى : {{ ولا تنسوا الفضل بينكم }} ، فهو زوجي ، وإن له أيتاما أيضا . فقال : اللهم اخلفها في أيتامه خيراً . [[ أكبر مصيبة تصيب المرأة هو فقد زوجها ، خاصة إذا رزقهم الله بالسكينة والمودة والرحمة بينهم ]]

ومضى - صلى الله عليه وسلم - واذا بامرأة مسنة كبيرة بالعمر ، تكون {{ والدة سعد بن معاذ }} وهي تسأل الجموع : أين رسول الله ؟؟ لقد بلغنا أنه قُتل .قالوا لها : هو بخير . فلما دنا النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا بسعد ولدها هو الذي يقود فرس النبي – عليه الصلاة و السلام - فقال سعد : يا رسول الله هذه أمي . قال صلى الله عليه وسلم :

أهلاً بها ومرحباً ، فقال لها رسول الله : يا أم سعد ، احتسبي. قالت : من يا رسول الله ؟ قال : ولدك عمرو بن معاذ . قالت : إنا لله و إنا إليه راجعون ، مادمت عدت لنا سالماً يا رسول الله ؛ لا نبالي بعد ذلك . فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن بكت وهي تعانق ابنها سعد : أبشري يا أم سعد وبشري من وراءكِ :

" إنّ الله جعل أرواحَ الشهداء في جوفِ طيرٍ خضرٍ تَرِدُ أنهارَ الجنةِ ، تأكلُ من ثمارِها ، وتأوي إلى قناديلَ من ذهبٍ معلقةٍ في ظِلِّ العرشِ ، فلمَّا وجدوا طِيبَ مأكلِهم ومشربِهم ومَقِيلِهم ، قالوا : من يُبلِّغَ إخوانَنا عنَّا أنَّا أحياءٌ في الجنةِ نُرزقُ؛ لئلا يزهدوا في الجهادِ ولا ينكلوا عن الحربِ؟ فقال اللهُ سبحانه : أنا أُبلِّغُهم عنكم ، ثم قرأ قوله تعالى :

{{ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ }} . "

هذه بشارة نبنا محمد من رب العالمين إلى أمهات الشهداء وذويهم ، وإلى كل من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-19-21, 07:51 AM
هذا الحبيب « 174 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة أحد ، و البكاء على الميت ))
______
. . . ثم مضى - صلى الله عليه وسلم - إلى بيته ، فسمع بكاء النساء على الشهداء ، وهنّ يذكرن مأثرهم [[ خصالهم الحميدة ]] ،

وورد في بعض الروايات أنه قال : لكنْ حمزةُ لا بَواكِيَ له ! فبَلَغ ذلك نِساءَ الأَنصارِ، فجِئْنَ يَبكِينَ على حمزةَ، قال : ودخل عليه الصلاة و السلام إذ غلبته عيناه فنام ، وقد كان متعبا - صلى الله عليه وسلم - فانتَبَهَ مِنَ اللَّيلِ ، فسَمِعَهُنَّ وهُنَّ يَبْكِينَ، [[ اي من قبل المغرب إلى الليل ]] ،

فقال: لم يَزَلْنَ يَبكِينَ بَعْدُ مُنذُ اللَّيلةِ؟! مُرُوهُنَّ فلْيَرْجِعْنَ، ولا يَبكِينَ على هالكٍ بعْدَ اليَومِ . [[ يعني بعد اليوم ما في نواح بالإسلام ]] . ومن ذلك اليوم لم تبك مؤمنة على ميت بندب ونواح .

ولنا وقفة هنا لنربط الكلام ببعضه ، فقد ورد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكى على إحدى بناته ، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ . كذلك عندما مات إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - حزن عليه كثيراً وقال : إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ .

فالبكاء الممنوع هو النياحة وشق الثوب ولطم الخد، يقول النبي عليه الصلاة و السلام :" ليس منا من لطم الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية " . ويقول أيضا :

" أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة " . [[ الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة، والحالقة : تحلق شعرها عند المصيبة أو تنتفه ]] هذا هو الممنوع، أما دمع العين والبكاء بدمع العين هذا ليس به بأس .

والإسلامِ، حَضَّ على الصَّبرِ عندَ المصائبِ، واحتِسابِ أجْرِها على الله، وتفويضِ الأمورِ كلِّها إليه؛ فقال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} .

فالبكاء على الميت مشروع ما دام من غير نياحة و شق و لطم ، وهذا درس من السيرة للعوام من المسلمين الذين يقفون بكل عزاء ، يريدون أن يمنعوا الناس من البكاء على ميتهم !! فهذا أمر من فطرة البشر ، وهو رحمة جعلها الله في قلوب عباده كما قال عليه الصلاة و السلام .

وكم أستغرب أيضاً من الناس عندما تريد امرأة توديع زوجها الميت بعد غسله وتكفينه ، فتسمع صياحا من هنا وهناك ، وعلى غير علم بالدين : اتقي الله !! دموعك هذه تحرقه !! سبحان الله !!

[[ كيف لكم أن تحبسوا دموعها عن حبيبها و أبو عيالها ؟؟ ]] ، ومن قال أن الدموع تحرقه ؟! هذا كله من الجهل بالدين ، وجميل أن تكون السيرة للتأسي لا للتسلي ، و أن نعالج هذه الظواهر السلبية في مجتمعنا .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-21-21, 07:55 AM
هذا الحبيب « 175 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة حمراء الأسد / ج1))
______
مازلنا في أعقاب غزوة أحد ، ومن آثار غزوة أحد في المدينة ، وبعد المصاب الذي أصيب به المسلمون ، قامت إشاعات من اليهود والمنافقين ، فأخذ اليهود يشككون في الدين ويقولون لأهل المدينة : لو كان محمد نبياً لما أصيب !!!!! وضعاف النفوس يتأثرون بهذا الكلام .

ولي وقفة مع المغضوب عليهم (( اليهود )) ، لقد كان من وقاحتهم أن تكلموا عن الله – عزوجل - وقالوا : يد الله مغلولة !! فهل سيسلم من ألسنتهم النبي و المسلمون ؟؟ لقد شق لهم الله البحر ، ونجاهم من فرعون ، ولم تجف ثيابهم من ماء البحر بعد ، فعبدوا العجل !! الذين يبدلون كلام الله ويحرفونه !! الذين ينقضون العهود !! الذين قالوا لنبيهم موسى : سمعنا وعصينا !!!

ماذا ترجون منهم بعد ذلك ؟! هل سيتركون لكم فلسطين على طبق من ذهب ؟! هل سيتركون أمتنا و شبابنا و بناتنا من غير فتنة و أذى ؟؟

فالسيرة تبين لكم حقيقة خِسّة اليهود ، وكيف كانوا يريدون الإيقاع بالنبي و المسلمين في المدينة ، فعداوتهم لله و رسوله أكبر من أن توصف .

فلما سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - شائعاتهم ، عزم للخروج ومطاردة جيش قريش ، وكان ذلك يوم الأحد بعد صلاة الفجر من اليوم التالي لغزوة أحد ، وكان هذا القرار يهدف إلى رفع معنويات المسلمين ، و ليرد على كيد هؤلاء اليهود والمنافقين ، و ليُشعر قريشا أن في المسلمين قوة؛ خشية عودة قريش لغزو المدينة ، خصوصا أن الدولة الاسلامية الوليدة في الجزيرة العربية محاطة بعشرات القبائل التي تضمر الكراهية والعداوة للمسلمين .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-21-21, 07:56 AM
هذا الحبيب « 176 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة حمراء الأسد / ج2))
______
إذن فقد عزم النبي - صلى الله عليه وسلم - على اللحاق بجيش قريش ، وكانت هذه رسالة قوية للمشركين ومن حالفهم : فإن خروج النبي - صلى الله عليه وسلم – بجيشٍ مُثقل بالجراح و الإصابات يعني أن المسلمين لا يزالون أعزّة ، قادرين على المواجهة ، وأن جراحهم وآلامهم لا يمكن أن تعوقهم عن مواصلة الجهاد والقتال ، وأنّ فرح المشركين لن يدوم طويلاً .

فلما انتهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - من صلاة فجر يوم الأحد ، أمر بلال أن ينادي : إن رسول الله يأمركم بطلب عدوكم، ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس !! {{ يعني من شهد أحد فقط }} ،

أما هؤلاء ال ٣٠٠ الذين انسحبوا من منتصف الطريق إلى أحد فلا يخرجون معهم ، فقد أصبح الصحابة في المدينة يفرقون بين جماعة المؤمنين وبين المنافقين ، وكان هذا من مكاسب غزوة أحد ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يريد أن يكون معه غير المؤمنين لأن هؤلاء المنافقين يخذلون الجيش ، ويكون ضررهم أكثر من نفعهم .

وجاء رأس المنافقين - عبد الله بن أبي بن سلول - وقال : أنا خارج معك يا رسول الله ، فرفض الرسول وقال : لن يخرج إلا من خرج معنا بالأمس .
استجاب الصحابة لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - [[ مع أنهم جميعا يعانون من الجروح والإصابات البليغة ، لم يأت صحابي واحد يعتذر للرسول في عدم الخروج رضي الله عنهم جميعا ]] . وامتدح الله تعالى هذا الموقف العظيم من الصحابة ، قال تعالى :

{{ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ }} .


وهذا رجل من بني عبد الأشهل يصور حرص الصحابة على الخروج للجهاد فيقول : " شهدت أحداً أنا وأخ لي فرجعنا جريحين، فلما أذن مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخروج في طلب العدو ، قلت لأخي وقال لي : أتفوتنا غزوة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟

والله مالنا من دابة نركبها، وما منا إلا جريح ثقيل، فخرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكنت أيسر جرحاً منه، فكان إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة (نوبة)، حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون " .

وخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو أيضا مجروح في وجنته ، من أثر الحلقتين ومجروح أيضاً في جبهته وباطن شفته السفلي ، ومجروح في ركبتيه ، ومتألم من عاتقه الأيمن من أثر ضربة ابن قمئة ، يقول طلحة: [[ و أنا مهموم بجراح رسول الله أكثر من جراحي ، فرسول الله مازال خده ينزف من آثار الحلق التي دخلت في وجهه بالأمس ]] .

سار – صلى الله عليه وسلم - بجيشه حتى وصل إلى منطقة يطلق عليها {{ حمراء الأسد }}على بعد حوالي [[ ٢٠ كم ]] جنوب المدينة ، وعسكر بجيشه هناك ، وعندما وصلوا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجمعوا الحطب بالنهار ، ولما جاء الليل أمرهم أن يوقدوا النار ،

حتى إذا نظر أحد إلى معسكر المسلمين من بعيد ، اعتقد أن عددهم كبير . [[ وبالفعل انتشر ذكر معسكر المسلمين ونيرانهم وعددهم الكبير في كل مكان في الجزيرة ]]

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-22-21, 07:59 AM
هذا الحبيب « 177 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة حمراء الأسد / ج3 ))
______
عسكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته في حمراء الأسد ، وأرسل العيون تستطلع أخبار جيش أبي سفيان ، فمر بهم رجل اسمه {{ معبد بن أبي معبد الخزاعي }} أتعرفون هذا الرجل ؟؟ [[ أمّه أم معبد التي ذكرنا حديثها يوم الهجرة إذ مر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وسألها الزاد وحلب شاتها ... ووصفت النبي لزوجها ... أتذكرون ؟؟ ]]

أقبل مَعْبَد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم ـ ويقال : بل كان على شركه، ولكنه كان ناصحاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان بين خزاعة وبني هاشم من الحلف ـ فقال : يا محمد، أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله عافاك ، فكيف لي أن أخدمك ؟ فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يلحق أبا سفيان فَيُخَذِّلَه .
ولم يكن ما خافه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تفكير المشركين في العودة إلى المدينة إلا حقاً، فإنهم لما نزلوا [[ بالروحاء على بعد 47 كم ]] من المدينة تلاوموا فيما بينهم، قال بعضهم لبعض : لم تصنعوا شيئاً، أصبتم شوكتهم وحدهم، ثم تركتموهم، وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم،[[ يقصدون محمدا و أبا بكر و عمر و علي ... ]]

فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم .
ويبدو أن هذا الرأي جاء سطحياً ممن لم يكن يقدر قوة الفريقين ومعنوياتهم تقديراً صحيحاً ؛ ولذلك خالفهم [[ صفوان بن أمية ]] قائلاً : يا قوم، لا تفعلوا فإني أخاف أن يجمع عليكم من تخلف من الخروج من المسلمين في غزوة أحد فارجعوا، والدولة لكم، فإني لا آمن إن رجعتم أن تكون الدولة عليكم . إلا أن هذا الرأي رفض أمام رأي الأغلبية الساحقة، وأجمع جيش مكة على المسير نحو المدينة .

ولكن قبل أن يتحرك أبو سفيان بجيشه من مقره ، كان قد وصل إليه معبد بن أبي معبد الخزاعي ، فقال له أبو سفيان : ما وراءك يا معبد ؟ [[هكذا كانت العرب تتلقط الأخبار ، من الركبان ]] فقال معبد ـ وقد شن عليه حرب أعصاب دعائية عنيفة - : محمد قد خرج في أصحابه، يطلبكم في جمع لم أر مثله قط ، يتحرقون عليكم تحرقاً، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما ضيعوا، فيهم من الحنق عليكم [[ الحنق :

الغيظ الشديد ، يعني مخنوقين من الغيظ مستلحمين عليكم ]]، شيء لم أر مثله قط . وتعاهدوا على أن لا يرجعوا حتى يلقوكم فيثأروا . قال أبو سفيان : ويحك، ماذا تقول ؟ قال : والله ما أري أن ترتحل حتى تري نواصي الخيل ـ أو ـ حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه الأكمة

[[ يعني قرّب جيش المسلمين يصلكم ]] . فقال أبو سفيان : والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم . قال معبد : فلا تفعل، فإني ناصح . فَوَاللَّهِ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ عَلَى أَنْ قُلْتُ فِيهِ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ [[ حرب إعلامية على جيش قريش ]] ،
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَاذَا قُلْتَ؟ قَالَ مَعْبَدٌ:

كَادَتْ تُهَدُّ مِنَ الأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي إِذْ سَالَتِ الأَرْضُ بِالْجُرْدِ الأَبَابِيلِ
تَرْدِي بِأُسْدٍ كِرَامٍ لا تَنَابِلَةٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَلا خُرْقٍ مَعَازِيلِ
(( يعني من صوت السلاح والجيش الذي مع محمد راحلتي كانت رح تسقط على الأرض ، و لم أر الأرض ، ولم أر لونها ، من كثرة الجيش الذي خرج مع محمد و غطاها [[ والجرد الأبابيل ]] وصف الخيل ، تجري خيولهم نحوكم ، كأنها أسود من سرعتها ، وهم مدجّجون بالسلاح غير عُزّل )) .

وحينئذ انهارت عزائم الجيش المكي وأخذه الفزع والرعب، فلم ير العافية إلا في مواصلة الانسحاب والرجوع إلى مكة . بيد أن أبا سفيان قام بحرب أعصاب دعائية ضد الجيش الإسلامي، لعله ينجح في كف هذا الجيش عن مواصلة المطاردة، فقد مر به ركب من عبد القيس يريد المدينة، فقال : هل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة، وأوقر لكم راحلتكم هذه زبيبًا بعكاظ إذا أتيتم إلى مكة ؟
قالوا : نعم . قال : فأبلغوا محمداً أنا قد أجمعنا الكرة ؛ لنستأصله ونستأصل أصحابه .
فمر الركب برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وهم بحمراء الأسد، فأخبروهم بالذي قال لهم أبو سفيان، ولكن هذا لم يؤثر في المسلمين، بل زادهم إيمانا وثباتا وتوكلًا على الله .

قال تعالى : {{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }} .

بقي المسلمون في {{ حمراء الأسد }} ثلاثة أيام ، ثم عادوا إلى المدينة ، ووقع في أسر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل رجوعه إلى المدينة أبو عزة الجمحي، وكان شاعراً أسره المسلمون يوم بدر، ثم أطلقه الرسول - صلّى الله عليه وسلم ـ بغير فداء، رحمةً ببناته، واشترط عليه ألا يقف ضد المسلمين، فلم يحترم الرجل العهد، فهجا المسلمين وحرّض عليهم بشعره ، وقاتل مع المشركين في أحد، فوقف بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم ـ


يطلب عفوه مرة ثانية، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم ـ أمر بقتله كما تقول بعض كتب السيرة .

وقد حققت هذه الغزوة كل أهدافها التي أرادها ، الرسول - صلى الله عليه وسلم - من تخويف قريش وتراجعها عن مهاجمة المدينة ، وإعادة الهيبة و الروح المعنوية لجيش المسلمين .

هل رأيتم ؟؟ هذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النبي القائد ، وهؤلاء هم أصحابه الذين لبّوا النداء رغم أنهم مثخنون بالجراح ، و هذه هي مدرسة محمد – صلى الله عليه وسلم – وتلك هي الشخصيات التي تربّت في هذه المدرسة على يديه ، واستطاع في زمن قياسي أن يغير بها وجه التاريخ ، فكنا نحن – عُشّاق سيرة محمد - ثمرة هذه الشخصيات ،فقد أوصلوا لنا مفتاح الجنة ومفتاح الفوز والنجاة ، فنطقنا ب

{{ لا إله إلا الله ، محمد رسول الله }} ، فالحمد لله على نعمة الإسلام .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-22-21, 08:01 AM
هذا الحبيب « 178 »
السيرة النبوية العطرة (( تحريم الخمر ))
______
نحن الآن مازلنا في السنة الثالثة للهجرة بعد غزوة أحد ، وكما قلنا السيرة ليست فقط غزوات وحروب ، إنما هي منهاج حياة ، ففي السنة الثالثة من الهجرة ، وبعد غزوة أحد نزل تحريم الخمر، لم يأت تحريم الخمر فجأة ، بل كان بالتدريج ، وكثير من التشريعات جاءت بالتدريج مثل الصلاة والصيام ...،

فالتدرج في التشريع من أسس وركائز التشريع الإسلامي، لأنه ليس من الممكن أن ينقلب المجتمع الجاهلي إلى مجتمع صالح بين عشية وضحاها ، وكانت الخمر عند العرب لها شأن كبير، وكانوا ينشدون فيها الأشعار، وتقع لهم فيها العجائب والغرائب والبلايا، ومن حكمة الله أنه أخّر تحريمها ؛ لأن كثيرًا من الناس لو حُرمت في أول الأمر فربما امتنع عن دخوله الإسلام من أجلها، فمن رحمة الله أن أخّر تحريمها حتى دخل الناس في دين الله، وحتى كثر المسلمون، وحتى عرفوا الإسلام واطمأنوا إليه ، وأدركوا الحكمة من تحريمها .

فكانت المرحلة الأولى هي قول الله تعالى : {{ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }} ، يعني ثمرات النخيل والأعناب إذا أخرجناها عن طبيعتها تصبح (( سكرا : بمعنى شراب غير مقبول )) ، و إذا لم نتدخل في طبيعتها ؛ فهي رزق حسن طعاما وتجارة ، وكأنه يقول أن ( السكر ) أمر قبيح .

أمّا المرحلة الثانية هي قوله تعالى : {{ يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا }} الخمر معناه الستر [[ أي توارى واختفى ]] ، وذلك أنّ الخمر يستر العقل ، ويغيب الإنسان عن وعيه إذا شربه . وهنا الله – عزوجل – يبيّن لنا أنه قد يكون في الخمر فوائد دنيوية مادية في البيع والشراء ، لكنّ شربه ينتج عنه أكبر بكثير . فهذه مرحلة النصح و الإرشاد . فما فائدة الإنسان بدون عقل ؟ فربما يقتل أو يسرق ، وربما يرتكب الفاحشة حتى مع محارمه – لا قدّر الله – لأنه بدون عقل ، بحجة أنه يريد نسيان الهموم !!! فيقع في مصائب لا تُحمد عقباها .

أمّا المرحلة الثالثة فهي قوله تعالى : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ }} ، فقد جاء أحد المسلمين و شرب الخمر قبل أن تحرم نهائيا ، وكان في الصلاة ، وأخطأ أثناء القراءة في ترتيب آيات سورة (( الكافرون )) ، فلم يُحسن قراءتها ، فنزلت الآية السابقة تأديباً ، فأمر – صلى الله عليه وسلم - بلالا لينادي في الناس : ألا لا يقربن الصلاة سكران ، وهكذا تضاءل جدا الوقت الذي يمكن أن تُشرب فيه الخمر، لأن أوقات الصلاة متقاربة .
أمّا المرحلة الرابعة والأخيرة فهي تحريم الخمر ، قال تعالى :

{{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }} . وعندما نزلت هذه الآية كان البعض يشرب الخمر ، فتوقف فورا ، وكسر الآنية التي يشرب منها ، وألقي الصحابة الخمور في الطرقات، حتى أصبحت المدينة موحلة كأن مطرا قد نزل عليها .

وجاءت السنة النبوية لتؤكد هذا التحريم ، ففي الحديث النبوي " لعنَ اللهُ الخمرَ وشاربَها وساقيَها وبائعَها ومُبتاعَها وعاصرَها ومُعتصِرَها وحاملَها والمحمولةُ إليهِ " . وقال أيضا – صلى الله عليه وسلم - :

" كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ " . وهذا يعم كل شيء، فالمخدرات و الحشيشة وكل شيء يحصل به هذا المعنى من إسكار ومضرة على متعاطيه فإنه محرم ، لقول النبي عليه الصلاة و السلام : " لا ضرر ولا ضرار " . فالله حرم علينا ما يضرنا ويضر عقولنا وأبداننا قال تعالى : " وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ " . و من أهم طرق العلاج التوبة و الاستغفار و الرجوع إلى الدين و ذكر الله تعالى و الشعور بالندم على تلك المعصية .

نسأل الله العفو و العافية ، اللهم اهد شبابنا و بناتنا لما تحبه و ترضاه .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم
_______

عطاء دائم
02-23-21, 08:53 AM
هذا الحبيب « 179 »
السيرة النبوية العطرة (( سرية أبي سلمة ، ومهمة عبد الله بن أنيس ))
______

وصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد غزوة أحد بثلاثة أشهر تقريبا ، أن قبيلة بني أسدِ تستعد للإغارة على المدينة ،[[ فظنوا أن كل من يريد أن يغزو المدينة يمكن له أن ينال من المسلمين !! ]] ،

فلما بلغ النبي ذلك ؛ لم يمهلهم ، وإنما أرسل اليهم سرية قوامها {{ ١٥٠ }} من الصحابة ، وجعل عليهم أميرا هو [[ أبو سلمة : هذا الصحابي الجليل يكون ابن عمة رسول الله ، وأمه برة بنت عبد المطلب ، ويكون أخو النبي في الرضاعة، فلقد أرضعته وأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم ، ثويبة مولاة أبي لهب ]] .

فعقد له لواء وقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : امض على بركة الله ، وانزل خيلك قوم بني أسد ، فإنهم يجمعون للإغارة على المدينة ، وسر ليلاً وأكمن نهاراً كي يأخذ القوم على حين غرة [[ فجأة ]] ،

فسار على بركة الله ، حتى فاجأ القوم وهم مجتمعين عند ماء لهم ، ففروا منه فأخذ جميع ما يملكون من إبل ، وشاة ، وغنائم ورجع خلال سبعة أيام إلى المدينة المنورة .

ومن الذين أرادوا أن يستغلوا حالة الكراهية الموجودة في الجزيرة العربية ضد المسلمين فارس مغامر ، من أشد وأقوى وأشرس المقاتلين العرب اسمه

{{ خالد بن سفيان الهذلي }} ، فبدأ يدعو لغزو المدينة ، واتخذ لنفسه مقرا في وادي{{ عرنة }} وهو مكان قريب من مكة ، يبعد عن الحرم حوالي 20 كم ، وبدأ بالفعل يتجمع عنده المقاتلين من المرتزقة الذين طمعوا في نهب خيرات المدينة . وصلت هذه الأخبار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرر ألا يمهل هذا الرجل حتى يكثر جمعه، وأن يرسل له من يقتله، وكان ذلك أيضا في السنة الثالثة للهجرة و بعد غزوة أحد بأشهر .

واختار – عليه الصلاة و السلام - لهذه المهمة الصعبة {{ عبد الله بن أنيس الجهني }} وهو شاب عمره ٢٨ عاما ، و الذي يتمتع بالشجاعة والفدائية . فكان من عادة النبي أن يختار من أصحابه من يكون مناسبا أكثر للمهمة ،،، فيختار للقيادة من يتمتع بسداد الرأي وحسن التصرف، ويختار للدعوة والتعليم من يتمتع بغزارة العلم والمهارة في اجتذاب الناس ، ويختار للوفادة على الملوك والأمراء من يتمتع بحسن المظهر وفصاحة اللسان ... وهكذا .

وقد أخرج ابن حبان في صحيحه وابن خزيمة في صحيحه وأحمد في مسنده وأبو داود في سننه وأبو يعلى في مسنده عن ابن عبد الله بن أنيس عن أبيه قال :
دعاه رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - فقال :

( إنَّه قد بلَغني أنَّ ابنَ سُفيانَ بنِ نُبَيحٍ الهُذَليَّ جمَع لي النَّاسَ لِيغزوَني وهو بنَخْلةَ أو بعُرَنةَ فَأْتِه ) قال : قُلْتُ : يا رسولَ اللهِ انعَتْه لي حتَّى أعرِفَه . قال : ( آيةُ ما بَيْنَك وبَيْنَه أنَّكَ إذا رأَيْتَه وجَدْتَ له إِقْشَعريرةً ) [[ يعني يقشعر جسمك رعبا من شكله ]] قال : فخرَجْتُ متوشِّحًا بسيفي حتَّى دُفِعْتُ إليه وهو في ظُعُنٍ (( زوجاته )) يرتادُ لهنَّ منزِلًا حينَ كان وقتُ العصر .

فلمَّا رأَيْتُه وجَدْتُ ما وصَف لي رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - مِن الإِقْشَعريرةِ ، فأخَذْتُ نحوَه ، وخشيتُ أنْ يكونَ بَيْني وبَيْنَه محاولةٌ تشغَلُني عنِ الصَّلاةِ ،[[ وهذا يدل على شدة حرصه على الصلاة في وقتها ]]،

فصلَّيْتُ وأنا أمشي نحوَه وأُومئُ برأسي (( يعني صلّى و هو يمشي إليه )) ، فلمَّا انتهَيْتُ إليه ، قال : ممَّنِ الرَّجُلُ ؟ قُلْتُ : رجُلٌ مِن العرَبِ سمِع بكَ وبجَمْعِكَ لهذا الرَّجُلِ فجاء لذلكَ . [[ يعني أنا جاي أحارب معك محمد و أصحابه ]] . فقال :

أنا في ذلكَ . فمشَيْتُ معه شيئًا حتَّى إذا أمكَنني حمَلْتُ عليه بالسَّيفِ حتَّى قتَلْتُه . ثمَّ خرَجْتُ وترَكْتُ ظعائنَه مُنكبَّاتٍ عليه

(( يعني زوجاته يبكين عليه )) ، فلمَّا قدِمْتُ على رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - ورآني قال : ( قد أفلَح الوجهُ ) قُلْتُ : قتَلْتُه يا رسولَ اللهِ قال : ( صدَقْتَ ) قال : ثمَّ قام معي رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - فأدخَلني بيتَه وأعطاني عصًا ، فقال : ( أمسِكْ هذه العصَا عندَكَ يا عبدَ اللهِ بنَ أُنَيْسٍ ) .

قال : فخرَجْتُ بها على النَّاسِ فقالوا : ما هذه العصَا ؟ قُلْتُ : أعطانيها رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - وأمَرني أنْ أُمسِكَها . قالوا : أفلا ترجِعُ إلى رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - فتسأَلَه : لِمَ ذلكَ ؟ قال : فرجَعْتُ إلى رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - فقُلْتُ : يا رسولَ اللهِ ، لِمَ أعطَيْتَني هذه العصَا ؟ قال :

( آيةٌ بَيْني وبَيْنَكَ يومَ القيامةِ إنَّ أقلَّ النَّاسِ المُتخِّصرونَ يومَئذٍ ) فقرَنها عبدُ اللهِ بسَيفِه ، فلَمْ تزَلْ معه حتَّى إذا مات أمَر بها فضُمَّتْ معه في كفنِه ثمَّ دُفِنا جميعًا .
[[ المتخصرون : من لهم أعمال صالحة يتكئون عليها يوم القيامة كما يتكئ الإنسان على عصاه ]] .

سرية أبي سلمة ، ومهمة عبدالله بعد غزوة أحد تدل على مدى يقظة النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة ، وتدل على حزم وحسم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في التعامل مع الأخطار التي يمكن أن تتعرض لها المدينة ، وكيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعامل مع المشكلة في بدايتها حتى يستطيع السيطرة عليها ، وهذه من مميزات القائد الناجح .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-24-21, 08:46 AM
هذا الحبيب « 180 »
السيرة النبوية العطرة (( حادثة أهل الرَّجيع ))
______
علمت القبائل العربية أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - كلما اجتمعوا لمحاربته باغتهم في أرضهم ، ودفن تلك الفكرة في أرضها ، لإنه يحكم المدينة تحت شعار {{ ما غُزي قوم في عقر دارهم إلا ذَلّوا }}

وهو لا يقبل الذل للمسلمين . وكانت بعض قبائل العرب تريد الثأر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطريقة غير مألوفة، وهو أسلوب الغدر والخيانة، وبدا ذلك على قبيلة ((هذيل )) التي سعت بجهدها للثأر من المسلمين، فلجأت إلى إرسال رجال ضعاف النفوس من قبيلتي [[عضل والقارة ]] إلى رسول الله ليطلبوا منه من يخرج معهم من دعاة الإسلام، ذلك لأن القبيلتين مقربتين من الرسول -عليه الصلاة و السلام - وجعلت قبيلة هذيل لأولئك الرجال جُعلاً [[ مالا ]] لهم إن هم حققوا الهدف المنشود وهو الغدروالخديعة.

فعندما وصل رجال القبيلتين إلى المدينة ، ذهبوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا له : " إن فينا إسلاماً [[ تظاهروا بالإسلام ولذلك فلن يشك النبي - صلى الله عليه وسلم - في أنهم يضمرون له الغدر!! ]] ، فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهوننا ويقرئوننا القرآن، ويعلمونا شرائع الإسلام " . فاستجاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطلبهم، وأرسل معهم عشرة من الصحابة، وأمّرعليهم [[ عاصم بن ثابت الأنصاري ]] رضي الله عنه .

[[ والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم الغيب ، فعلم الغيب لله - عزوجل - وحده ، والله لم يُطلع النبي على ذلك ؛ فهو بشر مثلنا ، و إنما يخبرنا - عليه الصلاة و السلام - بما يُخبره الله به ]] .

فلما وصل الصحابة إلى الرجيع - وهو موضع ماء لهذيل بالحجاز - غدر القوم بهم، واجتمع عليهم نفرٌ من هذيل، يقال لهم بنو لحيان، وكانوا نحواً من مائتي رجل، كلهم يحسن الرماية، فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى مكان مرتفع، وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم : انزلوا وأعطونا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدا، [[ يعني نريد أن نبيعكم لقريش ،
وهم يريدون المال فقط ]] ، فقال عاصم أمير السرية، أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، ولا تمس يدي يد مشرك كما عاهدت الله ورسوله في البيعة . [[ وكان عاصم في غزوة أحد قد قتل ابني امرأة مشركة اسمها سلافة ، وقد نذرت ١٠٠ ناقة مكافئة لمن يأتيها برأس عاصم ، وأنها ستجعل جمجمته وعاء لتشرب به الخمر ]] ، فجعل عاصم يقاتلهم وهو يقول: " اللهم حميتُ دينك أول نهاري، فاحمِ لي لحمي آخره، فهو يعلم أنّه سيُمثّل بجسده إن هو قُتل .

ثم قاتل - رضي الله عنه - حتى قُتل هو و سبعة من أصحابه ، واستجاب الله دعاء عاصم ، فقد حاولوا قطع رأسه ليذهبوا به إلى قريش ، فلم يتمكنوا منه ، حيث أرسل الله عليهم الدَّبر(( ذكور النّحل ، وهي حشرة أليمة اللسع)) ، فلم يستطيعوا الاقتراب منه ، فتركوه إلى الليل ، فجاء مطر وسيل ، فلم يجدوا جثته ، وهكذا حمى الله جسد عاصم - رضي الله عنه - وهذه كرامة لعباده الصالحين .
وأما البقية وهم خبيب بن الدثنة الأنصاري وزيد بن الدثنة و عبدالله بن طارق ، فقد نزلوا إليهم بالعهد والميثاق [[ وافقوا ]] ،

فلما استمكنوا منهم، غدروا بهم فربطوهم وأوثقوهم ، ثم قتلوا عبد الله بن طارق ،لأنه أبى وامتنع عن المسير معهم لما رأى الغدر والخيانة . وانطلقوا بخُبيب ، و زيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة، فاشترى خُبيبا بنو الحارث بن عامر، وكان خُبيب قد قتل أباهم الحارث بن عامر في بدر ، فلبث خبيب عندهم أسيراً .

وكان ذلك في الشهر الحرام ، فقالوا : ابقوه على قيده ، ثم نقتله شر قتلة خارج الحرم عند التنعيم [[ مسجد عائشة الآن ]] ، وجعلوا بنات الحارث يرقبنه ويطعمنه ويسيقينه حتى يبقى على قيد الحياة ، فأسندن ذلك الأمر إلى ( زينب بنت الحارث ) و جارية اسمها {{ ماوية }} ، فكانت تحضرله الطعام ، وتراقبه وتنظف حجرته حتى ينتهي الشهر الحرام .

وقد شهدت له بنت الحارث بالخيرية، فقالت: والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب ، لم يغدر بغلام لنا حين تمكن منه ولم يقتله!! ،

وكان لطيفا وصبورا في معاملته ، والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده، وإنه لموثق في الحديد!! وما بمكة من ثمر، وكانت تقول إنه لرزق من الله رزقه خبيبا ،[[ وهذه من كرامات الله تعالى لعباده الصالحين ]] . ثم قالت : يا خبيب أنت رجل مبارك ، ولكنكَ أسيرُنا فلا أستطيع أن أفك قيدك ، فأنا امرأة ، فهل من خدمة نسديها لك في أي وقت ؟؟ قال : نعم . إذا انتهى الشهر الحرام ، وعلمتِ أنهم قاتلي غداً أريد حديدةً ، أستعد بها للقاء ربي ، وماء أغتسل به .

[[ يريد إزالة الشعر و الاغتسال للقاء الله تعالى ، انظروا حرص الصحابة على النظافة والطهارة ، و تطبيق سنة النبي حتى في أصعب المواقف !!! ]] .
فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل [[ منطقة التنعيم ]] ، قال لهم خبيب : ذروني أركع ركعتين، فتركوه فركع ركعتين، ثم قال: لولا أن تظنوا أنني خائف لطولتها . ثم دعا : " اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا " و أنشد يقول :

ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله و إن يشـأ يبارك على أوصال شلو ممــزع

وكان خبيب أول من سن الركعتين لكل امرئ مسلم قُتل صبرا . يقول معاوية : كنت واقفاً مع والدي أبا سفيان ، فلما دعا خبيب هذا الدعاء ألقاني أبو سفيان على الأرض ، واضطجع كي لا تصيبنا دعوة خبيب !! بعدها أطلقوا أربعين من الصبية يرمون عليه الرماح ليزيدوه عذابا عند القتل وقالوا لهم : هذا قاتل آبائكم يوم بدر ، عليكم به ، فقتلوه ، وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها .

وأما زيد بن الدثنة - رضي الله عنه - فاشتراه صفوان بن أمية ، فقتله بأبيه يوم بدر وهو أمية بن خلف ، وعندما أخرجوا زيداً من الحرم إلى التنعيم ليقتلوه، قام رهط من قريش واجتمعوا عليه وكان فيهم أبو سفيان ، فقال أبو سفيان عندما أقبل على زيد : " أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك تضرب عنقه، وأنك في أهلك ؟؟

قال : والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وإني جالس في أهلي. فقال أبو سفيان :

(( ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً )) . ثم قام مولى لصفوان بقتل زيد رضي الله عنه. هؤلاء هم من عرفوا طريق الصبر، وتحمل المحن في سبيل الله . قال تعالى: { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-25-21, 07:59 AM
هذا الحبيب « 181 »
السيرة النبوية العطرة (( الصحابي مرثد بن أبي مرثد الغنوي ))
______
هذا الصحابي كان من ضمن العشرة من الصحابة الكرام في حادثة الرجيع التي ذكرناها ، وقد قاتل قوم هذيل مع الصحابة حتى استشهد رضي الله عنه . وقد شهد غزوتي بدر و أحد ، وقاتل بكل شجاعة . كان قوي البنية ، شجاع القلب ، له القدرة على التحكم بمشاعره ، واسم [[ مرثد يعني الرجل الكريم و القوي كالأسد ]] .

وقد قلنا من قبل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت عنده فراسة عظيمة في اختيار الرجال ، فكان يختار لكل مهمة ما يناسبها ، ولذلك ظهر من بين الصحابة مواهب عظيمة وعبقريات فذة ، استطاع النبي – عليه الصلاة و السلام – صقلها و توظيفها في مواقف كثيرة .

ولذلك اختار - صلى الله عليه وسلم - ( مرثد ) لأمر عظيم ، ومهمة خطيرة وصعبة جداً ، وهي تخليص أسرى المسلمين في مكة المكرمة ، والمجيء بهم إلى المدينة المنورة ، ليعيشوا عز الإسلام وعدل الإسلام ، فقد كان المشركون يحتجزون المسلمين ، و يمنعونهم من الهجرة إلى المدينة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا .

فكان {{مرثد }} يتسلل إلى داخل مكة ليلاً ، ويذهب إلى المكان المحتجز فيه المسلم ، ويحمله إذا كان مقيدا ، ثم يخرج به خارج مكة ، ويفك قيوده ، وينطلق به إلى المدينة .

وذات مرة دخل مكة في ليلة مقمرة ، و استطاع أن يصل إلى الأسير، وكان ثقيلاً ومقيّدا، فمشى به ، ثم وقف ليرتاح ، فرأته امرأة من بغايا مكة اسمها {{ عناق }} ، وكانت عناق لها معرفة قديمة به ، قبل إسلامه ، فلما اقتربت منه عرفته وقالت : مرثد ؟ !!! مرحباً وأهلاً ، تعال فبت عندنا الليلة‏ [[ وكانت تحبه ]] ، فقال لها : يا عناق، إن الله حرم الزنا ‏،‏ ورفض طلبها ، فغضبت من رده وصاحت :‏ يا أهل مكة ، يا أهل الخيام ، إن هذا الذي يحمل الأسرى من مكة ‏!‏

فترك مرثد الأسير، وفر هاربا إلى جبل {{ الخندمة }} وهو أحد الجبال المحيطة بمكة ، حتى دخل في أحد كهوفه واختبأ فيه .

وخرج يتبع مرثد ثمانية من رجال قريش ، فوصلوا إلى مكانه ، ولكن الله تعالى أعمى أبصارهم فلم يروه . والعجيب أن مرثد لم يعد إلى المدينة بعد ذلك، بل عاد مرة أخرى إلى الأسير الذي تركه بمكة ، ثم حمله حتى خرج به من مكة ، ثم فك وثاقه ، وانطلقا عائدين إلى المدينة .

الصحابة الكرام بشر من لحم ودم ، لهم مشاعر وعواطف مثل جميع البشر، فعندما رجع مرثد للمدينة ، شعر بالعاطفة تجاه عناق ، فذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال له: يا رسول الله، أنكح عناق ؟ [[ يعني تسمح لي أن أتزوج عناق ]] ؟

وهذا يدل على شعور مرثد أن زواجه من عناق ليس أمرا طبيعياً ، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يرد عليه ، واستقبل الأمر بهدوء . وكانت هذه القصة هي سبب نزول الآية التالية كما جاء في بعض الروايات :

{{ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }} .

فيجب على الشاب أو الفتاة حُسن الاختيار في الزواج ، وعلينا – نحن الأهل - أن نعالج ميولهم للزواج بكل مودة و لطف ، فلا حاجة للعصبية و الظلم ، ولا بد من النقاش و المحاورة حتى نُبيّن لهم طريق النجاح في حياتهم الزوجية ، و التي أساسها :

" إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ؛ إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير " .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-27-21, 08:14 AM
هذا الحبيب « 182 »
السيرة النبوية العطرة (( مأساة بئر معونة ))
______
ذكرنا غدر قبيلتي عضل و القارة وهو ما عرف بفاجعة {{ الرجيع }} ، وقد استشهد الصحابة بعد أن غدروا بهم وكان من أمرهم ما كان ، وقبل أن يخرج هؤلاء الصحابة الذين استشهدوا كان أيضاً قد قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبلها بيوم أو بعدها بيوم رجل آخر من {{ بني عامر }} من أهل نجد هو عامر بن مالك ، و كنيته {{ أبو البراء }} ، [[ قبيلتا عضل والقارة ، وأبو البراء قدموا للمدينة في نفس الوقت ، فذكرنا فاجعة الرجيع ، والآن سنذكر مأساة بئر معونة ]] .


قدم أبو البراء إلى المدينة ، وكان يلقّب {{ مُلاعبِ الأسنَّة }} لأنه كان ماهرا جداً في القتال ، وكان قد شاخ وتقدم بالعمر ، فأخذ الزعامة منه ابن أخيه {{ عامر بن الطفيل }} وقدّم أبو البراء هدية إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فدعاه - عليه الصلاة و السلام – إلى الإسلام ، فلم يسلم ،ولم يرفض الإسلام خوفاً على مكانته في قبيلته لأنه من سادة قومه . ثم قال :

يا محمد إني أرى أمرك هذا حسنا شريفا ، فلو بعثت رجالاً من أصحابك الى أهل نجد يدعونهم إلى أمرك ، فإني أرجو أن يستجيبوا لك [[ لأنه يريد لقومه أن يسلموا ويسلم معهم هو أيضاً ]] ،فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : إني أخشى عليهم أهل نجد . فقال له أبو البراء : أنا جارٌ لهم [[ لأنه كبير قومه وله كلمة مسموعة قال :هم في حمايتي فالجوار من العار عند العرب أن ينتهك ]] .
استجاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأبي البراء ، فانطلق أبو البراء إلى نجد ، وأخبر ابن أخيه سيد قومه عامر بن الطفيل ، وقال له : يا ابن أخي سيحضر أصحاب محمد وإني قد أجرتهم حتى يبلغوا دعوته .

واختار النبي - صلى الله عليه وسلم – سبعين من أصحابه – في أغلب الروايات - ليخرجوا إلى نجد داعين إلى الإسلام ، وهؤلاء الصحابة يطلق عليهم (( القرّاء )) لماذا ؟؟ {{ لأنهم اتخذوا معلّما لهم للقرآن من كبار الصحابة ، فيتعلمون و يحفظون القرآن على يديه و يتفقّهون في الدين }} ، فانتدب الرسول هذه الفئة الطيبة ، التي تقوم الليل وتتعلم القرآن ليكونوا خير دعاة

{{ لبني عامر }} ، و أرسل معهم كتابا لعامر بن طفيل . [[ فخرجوا في الوقت الذي خرج به أصحاب عضل والقارة ، فأصحاب عضل والقارة خرجوا إلى جهة مكة وحصلت لهم حادثة الرجيع ، وهؤلاء القراء أخذوا طريق نجد إلى بني عامر ]] ، وكان أبو البراء قد سبقهم وأخذ لهم العهد عند قومه .

وعندما وصلوا إلى بئر يطلق عليه {{ بئر معونة}} ، وقفوا عنده وأرسلوا حامل الكتاب {{ حِرام بن ملحان رضي الله عنه }} إلى سيد القوم عامر بن الطفيل وكان عامر هذا سيء الخلق ، فلما دخل عليه ، وعرّف بنفسه ومد الكتاب إليه لم يلتفت إليه ابن طفيل ، وقال : ما حاجتكم ؟؟ قال له : لسنا أصحاب حاجة !! ولكننا أرسِلنا بأمر من نبينا إلى قومكم ندعوهم إلى هذا الدين ، وإلى لا إله إلا الله ، محمد عبده ورسوله ، وقد أخذ لنا عمك - أبو البراء -عهداً وجوارا . فبينما هو يتكلم معه ، أشار ابن الطفيل إلى أحد رجاله فطعنه بالحربة في ظهره وخرجت من بطنه .

كان هذا من سوء أخلاق عامر بن طفيل [[ لأنّ الرسل لا تُقتل ]]، إضافة إلى ذلك فقد رد جوار عمه أبي البراء ، وكانت كل القبيلة تحترم عمه.

ثم طلب عامر بن طفيل من قومه أن يذهبوا معه إلى بئر معونة ليقتلوا أصحاب محمد ، فرفضوا الخروج معه [[ لأنهم يحترمون عمه ولا ينقضون جواره ]] .

فلما رفضوا دعوته لقتال المسلمين ، ذهب إلى القبائل حوله وجمع ثلاث قبائل معه وانطلقوا إلى المسلمين عند بئر معونة ، وأخذوا يقاتلونهم وأخذ المسلمون سيوفهم ودافعوا عن أنفسهم، ولكنهم استشهدوا جميعا ، و لم يبق إلا {{ كعب بن زيد رضي الله عنه }} ، الذي جرح وظنوه قد قتل ، ولكنه عاش، ثم مات شهيدا بعد ذلك بعام واحد في غزوة الخندق .

وكان اثنان من الصحابة قد تأخرا عنهما في الطريق وهما : {{ المنذر بن عقبة ، وعمرو بن أمية }} ، وعندما وصلا أخذا يقاتلا عامر بن طفيل و من معه ، فقُتل المنذر بن عقبة ، ووقع عمرو بن أمية في الأسر، ثم أعتقه عامر بن طفيل ولم يقتله ، [[ لأن أمه كان عليها عتق رقبة ، فأعتق لها عمرو بن أمية ]]

وانطلق عمرو بن أمية - رضي الله عنه - راجعاً الى المدينة ، وفي الطريق لقي رجلين من بني عامر نزلا تحت ظل شجرة ، فلما ناما قتلهما عمرو بن أمية ثأرا للصحابة ، ولكن هذين الرجلين ، كان معهما عهد من النبي - صلى الله عليه وسلم – وعمرو بن أمية لا يعلم بذلك، فلما وصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره قال له النبي :

قد قتلت قتيلين لأدينَّهما [[ أي سأدفع ديتهما ]] وكان ذلك من مكارم أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - فقد جاءه خبر هذين القتيلين مع خبر استشهاد السبعين من صحابته ، ومع كل هذا أراد أداء الدية لهذين القتيلين اللذين قُتلا عن طريق الخطأ .

وصل خبر استشهاد الصحابة عند بئر معونة لرسول - صلى الله عليه


وسلم - في المدينة فكانت فاجعة ومأساة : {{ الرجيع ، وبئر معونة ، في نفس التوقيت !!}} وغلب الحزن الشديد على النبي وعلى المسلمين . و ربما كان حزنهم أكثر من أحد ؛ لأن في أحد كانت هناك مواجهة ، وكان هناك قتلى من المشركين وجرحى ،ولكن هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم قتلوا غدرا .

ومن شدة حزن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخذ يدعو عليهم شهرا كاملاً يرفع يديه في الدعاء ، حتى يسقط رداؤه عن منكبيه ، ومن هنا شُرع دعاء القنوت ؛ ويكون بعد الرفع من الركوع في الركعة الأخيرة . وهنا نقول : يجب أن نحرص على [[ دعاء القنوت ]] خاصة في أيامنا هذه ، فالأمة الإسلامية تمر بالكثير من المصائب والويلات، فالمسلمون يُقتلون في كل أنحاء العالم ، ومن السنة الدعاء وطلب الفرج و النصر من الله ، ويجب أن نبدأ الدعاء ونختمه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .

أما أبو البراء – عم عامر بن طفيل – فقد أصابه غيض شديد فقد انتُهك جواره من ابن أخيه ، وهناك روايتان : منهم من قال إنه رجع إلى - النبي صلى الله عليه وسلم - يعتذر عما فعله ابن اخيه فقبل النبي اعتذاره ، ثم أسلم . ومنهم من قال إنه أرسل من طرفه رسولاً يعتذر ويعلن إسلامه ، ثم مات غيظاً وقهراً لأنه انتُهك جواره مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
02-28-21, 08:44 AM
هذا الحبيب « 183 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة بني النضير ج1 ))
______
قلنا من قبل إن اليهود في المدينة كانوا ثلاث قبائل : بني قينقاع [[ وقد أجلاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكرنا قصتهم ]]

وبني النضير و بني قريظة ، وجميعهم عقد معهم - صلى الله عليه وسلم – عهوداً . وقلنا أيضا : {{ يهود وعهود ضدان لا يجتمعان أبداً أبداً }} ، لم يصبر اليهود على العهود فكل قبيلة نقضت عهدها . وقلنا إنه منذ هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة واليهود لا يتوقفون لحظة واحدة عن إثارة المشاكل في المدينة حتى انتهى الأمر بطرد يهود بني قينقاع من المدينة في السنة الثانية من الهجرة .

وبعد طرد بني قينقاع خاف اليهود على أنفسهم ، فالتزموا الهدوء ، ولكن بعد غزوة أحد ثم مأساة الرجيع ، وفاجعة بئر معونة ؛عادوا إلى سابق عهدهم من حيث إثارة الشائعات المغرضة ونشر الفتن ، والتشكيك في الإسلام ، وفي نبوة النبي- صلى الله عليه وسلم - يقولون : ما أصيب بمثل هذا نبي قط !! كما عادوا مرة أخرى إلى الاتصال بالمنافقين في المدينة، والمشركين في مكة، والعمل معهم ضد المسلمين . فكانوا في المدينة مثل ما يطلق عليهم الآن [[ الطابور الخامس أو الجواسيس ]] .

وقد تحدثنا عن فاجعة بئر معونة ، والتي فقد فيها المسلمون سبعين من خيرة الصحابة ، وقلنا إن من أحداث هذه الفاجعة أن عامر بن طفيل أعتق عمرو بن أمية الذي لقي رجلين من بني عامر في طريق عودته إلى المدينة فقتلهما ثأرا للصحابة ، ولكن هذين الرجلين ، كان معهما عهد من النبي - صلى الله عليه وسلم – وعمرو بن أمية لا يعلم بذلك ، فأراد النبي – عليه الصلاة و السلام - أداء الدية لهذين القتيلين اللذين قُتلا بالخطأ .

وكانت دية القتل الخطأ تبلغ أكثر من ٤ كيلو وربع من الذهب أو 100 من الأبل لكل رجل ، وهذا مبلغ كبير ، فذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يهود {{ بني النضير}} حتى يتحملوا معه جزءا من أموال هذه الدية ، والسبب أنّ بينهم عهد وموثق حسب بنود {{ وثيقة المدينة }} التي وضعها - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة ، والتي نظمت العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين في المدينة .
[[ في القتل الخطأ يشترك الجميع بدفع دية المقتول لأنهم سكان مدينة واحدة ]]
ذهب إلى يهود بني النضير في نفر من أصحابه - قيل عشرة رجال - توجه إلى كبيرهم [[ حيي بن أخطب ]]

والذي ذكرنا خبره أول الهجرة ، هو والد صفية إحدى أمهات المؤمنين حيث تزوجها بعد غزوة خيبر، والتي تحدثت هي للنبي - صلى الله عليه وسلم - بخبر أبيها مع عمها عند وصول النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة ، بعد أن أصبحت أما للمؤمنين .

وأذكّركم ببعض ما قالت : وقتها : " سمعت عمي أبا ياسر ، يقول لوالدي حيي بن أخطب وكان أعلم منه بالتوارة : أهو هو الذي أخبرتنا به التوراة ؟؟ قال أبي : وربِّ موسى وعيسى هو هو . و أعرفه بصفاته أشد من معرفتي بابنتي هذه ، وأشار لصفية . قال : فماذا في نفسك منه ؟ قال : عداوته ما حييت . . . " .
ودخل النبي و أصحابه على حيي وهو في مجلسه ، فرحب بهم ، ثم قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : جئتك يا حيي للمشاركة في دفع دية . . .

و بيننا و بينكم عهد . . . ، فقال حيي : حباً وكرامة يا أبا القاسم ، نفعل ، ولكن اجلس ها هنا حتى نقدم لكم طعام الضيافة أنت و أصحابك ، ونقضي حاجتك .
فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - خارج البيت ، وجعل ظهره لجدار البيت وأصحابه حوله ، فذهب حيي إلى رجاله وقال : إنها فرصتكم ، فلن تجدوا الرجل بمثلها بعد الآن قط !! فليصعد أحدكم على ظهر البيت ، ويلقي حجرا ضخما على رأس محمد فيريحنا منه إلى الأبد . . . .

يتبع

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم
_______

عطاء دائم
02-28-21, 08:46 AM
هذا الحبيب « 184 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة بني النضير ج2 ))
______
أراد حيي بن أخطب أن يغتال النبي - صلى الله عليه وسلم - فوافقه الجميع وعارضهم كبيرهم من الأحبار واسمه {{ سلّام بن مشكم }} وكان من أكبر علمائهم‏ . قال سلّام : يا حيي ألست تعلم أن محمدا رسول الله ؟؟

قال : لا . قال : وربِ موسى وعيسى إنك لتعلم إنه نبي ، وكنا نرجو أن يكون منا من نسل هارون ، لا تفعلوا [[ لا تقتلوه ]] ، فوالله ليأتينه الخبر من السماء ، ولتكوننّ بعد ذلك ناقضاً عهدك معه .

وأصر حيي على خطته في قتل النبي ، وصعد أحدهم وهو {{ عمرو بن جحاش}} - وكان من رؤسائهم - ليلقي صخرة ضخمة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهبط جبريل وأخبر النبي بمكر اليهود ، فنهض النبي وغادر المكان بسرعة ، ولمّا طالت عودته لحقه أصحابه وهم مستغربون من مغادرته المكان بهذه الطريقة وهذه السرعة !!

لحقوا به عند المسجد ، فما إن سلموا عليه حتى قال لهم : همت يهود بغدر ونقضوا عهدهم معنا ،فلقد أوكل حيي بن أخطب لرجل منهم أن يصعد على سطح الدار ، وأن يلقي علي حجرا ليقتلني ؛ فأتاني جبريل وأخبرني . ثم قال : إليَّ بمحمد بن مسلمة ،

[[ ومحمد بن مسلمة من الأنصار، و بينه وبين يهود العهود والعقود قبل أن يهاجر النبي للمدينة ]] ، فلما حضر، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : اذهب إلى بني النضير وقل لهم : لقد هممتم بالغدر ورتبتم كذا ، وكذا ، وكذا ، ولقد جاء خبركم من السماء لرسول الله ، لذلك لا عهد بيننا وبينكم ، ومعكم عشرة أيام للخروج من المدينة ، فمن وجدته منكم بعد ذلك ضربت عنقه‏ .

فلمّا وصل إليهم محمد بن سلمة ، قال له حيي بن أخطب : مرحباً بابن مسلمة ،[[ فهو حليفهم وكان صديقهم قبل الإسلام ]] ،

ادخل فاجلس يا ابن مسلمة . قال : لا جلوس لي بينكم ، إنما أنا رسول رسول الله إليكم ، أبلغكم رسالته . و أردف قائلا : يا حيي ويا سلام بن مشكم . قالا : نعم . قال : قد هممتم بالغدر ، وكان من أمركم [[ كذا وكذا . . . ]]

وجاء جبريل بالخبر من السماء إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - والآن يقول لكم رسول الله : لا عهد بيننا ، هو لا يريد قتالكم ، فاخرجوا من دياره ، ولا تجاوروه أبداً ، وقد أمهلكم عشرة أيام تجمعون أموالكم . فقال كل من سلام وحيي بن أخطب : نعم ، نوافق على الجلاء [[ وقد أخبر قبلها الحبر - سلام - حيي بن أخطب قائلا له : إن محمدا يوحى له من السماء و سيكشف أمرك ، فإما أن تسلِم و إمّا أن تغادر المدينة ، فاختار حيي مغادرة المدينة إن حدث ذلك ... وقد حدث فعلا ]] .

وسمع بالخبر رأس المنافقين {{ عبد الله بن أبي بن سلول }} فأصيب بصدمة كبيرة!! قبل أشهر أجليت قينقاع وهم حلفاؤه ، واليوم ستُجلى قبيلة بني النضير!! فمن يبقى ؟؟ فأرسل رسولاً من طرفه فوراً إلى بني النضير ...

[[ اللهم طهّر صفوفنا من الخونة ، اللهم نقّنا من المنافقين ، اللهم عليك باليهود و المتآمرين معهم ، اللهم عليك بأعداء الدين في كل مكان يا رب العالمين ]] .

يتبع . . .
اللهم اجمعنا به - صل الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم
_______

عطاء دائم
03-01-21, 08:42 AM
هذا الحبيب « 185 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة بني النضير ج3))
______
أرسل رأس المنافقين {{ عبد الله بن أبي بن سلول }} رسولاً من طرفه فوراً إلى حيي بن أخطب زعيم بني النضير : يقول لك ابن سلول إياك أن ترحل ، اثبتوا وتمنَّعُوا ، ولا تخرجوا من دياركم ، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم ، فيموتون دونكم ، وإن لي حلفاء من غطفان ، وهذه قبيلة بني قريظة معكم أيضا ، كلنا نجتمع عندكم في الحصن ، ونقاتل معكم ، حتى نخلص من محمد ومن صحبه ومن دينه ، وإن أجلاكم جلينا معكم .

ثم ذهب وجلس بالمسجد [[ كأنه لم يفعل شيئا !! هكذا المنافقون والعملاء على نفس النهج ، في العلانية معنا وضد العدو ، وفي السرّ هم أخوة متحابون مع بعضهم البعض ضد المسلمين !!! ]] . فجاء الخبر إلى حيي وهو يستعد للجلاء ؛ فسُرّ بالخبر وقال : لن نرحل . وفي ذلك نزل قوله الله تعالى :
{{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }} .

هل سمعتم قول الله عزوجل يا خير أمة ؟؟{{ يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ }} ، فالمنافقون الخونة هم إخوة المغضوب عليهم – اليهود - في الفساد وفي العداوة لدين الله – عز وجل – ولرسوله و للمؤمنين .

و تكملة الآيات تقول : {{ لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ * لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ }} .

لأنتم اشدُ رهبةً في صدورهم من الله ، نعم ؛ فالمؤمن الصادق يهز قلوب أعداء الله خوفا و رعبا .
بعث حيي بن أخطب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنَّا لا نخرج من ديارنا ، فاصنع ما بدا لك !! وكان - عليه الصلاة و السلام – جالسا مع أصحابه في المسجد ، فكبّر وقال :

الآن حاربت بني النضير [[ يعني أنا لا أريد أن أحاربهم ، هم طلبوا الحرب بأنفسهم !! ]] . ثم قال : قم يا بلال وأذن للجهاد . فهب الصحابة - رضوان الله عليهم - كالأسود استعداداً للقتال وهم يقولون : الله أكبر . وقام ابن سلول إلى داره كأنه يريد أن يستعد !!! وسبحان الله !!

زعيم المنافقين ابن سلول له ابن اسمه [[عبدالله بن عبدالله بن أبي سلول ]] - رضي الله عنه - كان من خيار الصحابة ، وشهد الغزوات مع النبي ، واستشهد يوم اليمامة ، وها هو الآن يلبس لباس الحرب ، استعدادا للقاء بني النضير .

خرج المسلمون إلى بني النضير ، وكان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - هو الذي يحمل اللواء ، وكانت المسافة من المدينة إلى بني النضير [[ حوالي ٣ كم ]] .

يتبع . . .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
03-01-21, 08:43 AM
هذا الحبيب « 186 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة بني النضير ج4))
______
لما رأت قبيلة بني النضير جيش المسلمين ، خافوا منهم ودخلوا إلى حصونهم وكان عددهم تقريبا {{ ١٥٠٠ }} ، وفي ذلك يقول تعالى :
{{ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ۚ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ }} .

وتخلى عن بني النضير رأس المنافقين عبد الله بن أبي سلول ، والذي كان قد وعدهم بأن يقاتل معهم في ألفين من المنافقين ، وتخلى عنهم أيضا حلفاؤهم من غطفان وإخوانهم من بني قريظة .

دخل بنو النضير في حصونهم، وحاصرهم المسلمون ، فأخذوا يرمون المسلمين بالسهام وبالحجارة ، ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ، أن يقطعوا نخيلهم [[ ليدخل الرعب في قلوبهم و يزيدهم خزيا وحسرة ]] قال المُسلِمونَ : قطَعْنا بعضَها وترَكْنا بعضَها ، فلَنسأَلَنَّ رسولَ اللهِ : هل لنا فيما قطَعْنا مِن أجرٍ؟ وهل علينا فيما ترَكْنا مِن وِزْرٍ؟ ثمّ نادى اليهود من فوق حصونهم وقالوا: يا محمد ، ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح ؟؟!! ، أفمن الصلاح قطع النخل ؟ فأنزَل اللهُ عزَّ وجلَّ (( مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ)) . لِينَةٍ : [[ هي النخيل ، لأن التمر وهو ثمرة النخيل ، لين وسهل الأكل وسهل الهضم ]] .

واستمر الحصار ست ليال فقط ، فلما قذف الله تعالى في قلوبهم الرعب ، خرج حيي من على رأس الحصن وقال : يا محمد سننفذ مطلبك ونرحل كما طلبت . فقال – صلى الله عليه وسلم - : لا ، اليوم لا أقبله . فقال حيي : وماذا تريد يا أبا القاسم ؟ فقال له – عليه الصلاة و السلام - : أن تنزلوا على حكم الله ورسوله . [[ ما هو الحكم ؟ أن يُقتل المقاتل وتُسبى النساء والأطفال ]] ، فأخذوا يستغيثون ويستجيرون ، وأرسلوا بالصبية والنساء يبكون بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فرَّق قلبه عليهم [[ على الرغم من غدرهم و حقدهم ]]

فوضع لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - شروط الجلاء و الاستسلام .
أمرهم – عليه الصلاة و السلام- : اخرجوا من المدينة جميعكم ، ولا تحملوا معكم إلا ما تحمل إبلكم فقط، ولا تحملوا معكم السلاح . قال حيي : يا أبا القاسم ، إنا لنا أموالا وديونا عند الناس !؟

فقال له - صلى الله عليه وسلم - : تعجل وضع .[[ يعني خذ ما أمكن ، اعمل مفاوضة مع اللي إلك معه دين ، يعني ايش ما يعطيك خذ ، و اكسب الوقت للجلاء بسرعة ]] هكذا هو القائد المسلم ، جعل أنوف الأعداء في الأرض ، وجعلهم يستجدون الوقت للنجاة .

أخذ بنو النضير معهم ما عز من أموالهم ، كالذهب ، والفضة ، والديباج ،والحرير وطعام الطريق ، [[ لأن ليس لهم إلا ما حملته الإبل ، وكان عدد إبلهم ٦٠٠ ]] فأرادوا أن يستعيروا أبلا فمنعهم النبي من ذلك ، وتركوا سلاحهم غنيمة للمسلمين . ((هذه هي قوة الإسلام و عِزّة المسلمين )) .

وقد عزّ على بني النضير أن يتركوا بيوتهم عامرة، [[ معتقدين أن الصحابة سيأخذونها ويسكنونها ]] ، فأخذوا يهدمون بيوتهم لكي لا يستفيد منها المسلمون ، فلما رآهم النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعلون ذلك ؛ قال لأصحابه : ساعدوهم في هدم بيوتهم . [[يعني احنا مش طمعانين في بيوتكم ]] ، وفي ذلك نزل قوله تعالى سورة الحشر :

{{ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}} .

وفي أثناء خروجهم قال حيي بن أخطب لقومه - والخزي في وجهه - :
لا نريد أن نخرج أذلة صاغرين ، حتى لا يشمت بنا المسلمون ، قالوا له : ماذا نصنع ؟ قال : أخرجوا الدفوف، ولتلبس النساء زينتهن من ذهب و حرير ، و ليغنّين ، ونحن الرجال نضرب الدفوف ، و الصغار يصفّقون ، ونغادر من ديارنا و نحن فرحين لا غاضبين ولا نادمين

[[ طبعاً هذا العمل لا ينفع بشيء ، يعني اليهود بحبوا المكابرة ، و بحبوا الإعلام الكذاب ، و اليوم مثل زمان : بشتروا قنوات خاصة إلهم ، وعندهم أقلام مأجورة !!! ]] .

فخرجت النسوة وهن يغنّين ، وكان الرجال يضربون الدفوف ؛ ولكنّ الغيظ يقطع قلوبهم ، ولا يملك رجل منهم أن يحمل سيفاً واحدا . وقد وقف محمد بن مسلمة ومعه ١٠٠ رجل يفتشونهم ، حتى لا تخرج معهم قطعة سلاح واحدة ، مع أنهم كانوا أكثر يهود المدينة سلاحا !! .

اتجه يهود بني النضير إلى الشام ، فهي أول الحشر لهم لآخر الزمن ، فيتجمعون في بيت المقدس للقضاء عليهم بإذن الله . قال تعالى : {{ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ }} .
فأول الحشر كان في ذلك اليوم ، فمنذ أن خرجوا من المدينة ما خرجوا قبلها أبداً ، وما جرى عليهم جلاء من أيام م


وسى وهارون - عليهما السلام - لذلك قال لهم الله تعالى في سورة الاسراء : {{ وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا }} .

وها نحن نشهد تجمعهم من جميع أنحاء الأرض في بيت المقدس ، كما وعدهم الله تماما ، ليأتي اليوم الذي يطهّر به الله الأرض من رجسهم ، إن الله لا يخلف وعده أبداً .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم

عطاء دائم
03-02-21, 08:45 AM
هذا الحبيب « 187 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة بدر الآخرة ))
______
ذكرنا سابقا إن آخر مشهد في غزوة أحد كان عندما قال أبو سفيان - سيد قريش - قبل أن ينصرف هو ومن معه من ساحة أحد : إن موعدكم بدر العام القابل [[ يعني العام المقبل ، يأتي جيش المسلمين وجيش قريش ، إلى بدر ويكون هناك قتال ]] فقال الرسول الله - صلى الله عليه وسلم – : قولوا له‏ نعم ، هو بيننا وبينك موعد ، إن شاء الله تعالى .
وجاء موعد اللقاء عند بدر ، أخذ المسلمون يتهيئون للخروج إلى بدر، وعلى الجانب الآخر في مكة كان أبو سفيان لا يريد مواجهة المسلمين ، ويخشى هذه المواجهة ، وفي نفس الوقت – إن فعل ذلك - تسقط هيبته عند المسلمين وفي الجزيرة كلها .

وكان في مكة رجل اسمه {{ نعيم بن مسعود }} من قبيلة غطفان ، فاتفق معه أبو سفيان أن يذهب إلى المدينة ، ويخوف المسلمين من قوة جيش قريش، ووعده بعشرين من الإبل إن نجح في مهمته . وصل نعيم بن مسعود إلى المدينة فوجد المسلمين يتهيئون للخروج ، فبدأ في أداء مهمته ؛ وأخذ يطوف بالمسلمين ، ويتحدث عن كثرة جموع قريش محاولا بث الخوف في قلوب المسلمين . وأخذ المنافقون يخوفون المسلمين أيضا من قول نعيم ، فيقول لهم المسلمون : {{ حسبنا الله ونعم الوكيل }} .

على الجانب الآخر خرج أبو سفيان بجيش قريش وهو يعتقد أن نعيم بن مسعود قد نجح في إخافة المسلمين ، وأن المسلمين لن يخرجوا ، فخرج بجيشه حتى يبدوا أمام المسلمين وأمام كل العرب أنه قد خرج للقاء المسلمين ، وأن المسلمين خافوا وجبنوا ولم يخرجوا ، وكان عدد جيش قريش {{ ٢٠٠٠ }} مقاتل .

سار جيش قريش لمدة يومين فقط حتى وصل إلى {{ مجِنَّة }} وهي سوق معروفة تبعد عن مكة حوالى ٨٠ كم ، حتى وصلت إلى أبي سفيان الأخبار أن المسلمين قد وصلوا بالفعل إلى بدر وعدد المسلمين {{ ١٥٠٠ }} مقاتل .
فخاف أبو سفيان من مواجهة المسلمين مرة أخرى ، فقال : يا معشر قريش ، لا يصلحكم إلا عام خصب ، وإن عامكم هذا عام جدب ، وإني راجع فارجعوا . فرجع جيش قريش ، و أصبح أبو سفيان مثار سخرية في الجزيرة كلها ، حتى أن أهل مكة أخذوا يقولون له و لجيشه ساخرين: {{ أنتم جيش السويق }}. بمعنى أنكم ذهبتم للأكل و تناول الطعام فقط !!

[[ والسويق هو طعام اعتاد العرب أكله في السفر، وهو مدقوق القمح والشعير، سمي سويقا لانسياقه في الحلق ]] .

أقام المسلمون في بدر ثمانية أيام ، وقد أطلق على هذه الغزوة {{ غزوة بدر الآخرة }} وكانت هامة جدا بالنسبة للمسلمين ، فمن نتائجها أنها أعادت للمسلمين كثيرا من الهيبة خاصة بعد أحداث أحد وبئر الرجيع وبئر معونة ، كما أعادت لجيش المسلمين ثقته بنفسه ، بينما أحبطت المشركين، وأصبحوا مثار سخرية داخل مكة و خارجها ، وكانت هذه الغزوة في السنة الرابعة للهجرة .

وضمن أحداث هذه السنة تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - من أم المؤمنين {{ أم سلمة }} - رضي الله عنها – وقد ذكرنا سابقا أنّ أبا سلمة و زوجته هما من أول المهاجرين إلى الحبشة ، وذكرنا أيضا أنه هاجر وحيدا إلى المدينة المنورة بعد أن منعه أهل أم سلمة أن يأخذ معه زوجته و ابنها ، ثم أشفق قومها عليها وعلى ولدها و زوجها فسمحوا لها بالهجرة . . .

توفي أبو سلمة متأثرا بجراح أصيب بها في أحد ، وكان أبو سلمة - رضي الله عنه - أخو النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرضاعة ، فلما مات قال النبي لأم سلمة : قولي إنا لله وإنا اليه راجعون ، اللهم اغفر له ، اللهم أجرني في مصيبتي وأبدلني خيرا منها . فاستجاب الله دعاءها ، وبعد انقضاء عدتها تزوجها – صلى الله عليه وسلم – .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم


SEO by vBSEO 3.6.1