الحقيقة لا بد من تمهيد ومقدمة ومدخل لموضوعنا اليوم وهو ـ كلمة الكفر ، ومتى تكون قد وجبت في من قالها على اطلاقها ، او في من هو قيدها بظروف مكانية او زمانية ، او ظروف قهرية .
قد أصلّ الفقهاء ، قاعدة تقول : (ناقل الكفر ليس هو بكافر) ، نعم صحيح ولكن هذه القاعدة تتكلم عن من ينقله متفوهاً به متخذه طريقاً للسخريّة ، لا معجباً بتلك الكلمة أو داع لها مجتلب من يستطيع من المعجبين بها .
لقد أحزنني كثيراً ، مما رأيته ومما قرأته من مناقاشات وافكار تطرح بين كثير من أخواننا واخواتنا بالمجتمع الاسلامي الكبير ، افكار ومناقشات تحمل في طياتها الكثير من الاغاليط العقدية والفكرية الخاطئة بل والخطيرة ، وربما أنها تتعدى الخطوط الحمراء في امور المعتقد الاسلامي عند هؤلاء الشباب والشابات .
قبل الدخول في صميم هذا الموضوع ، نخرج الى سبيل آخر وهو مهم بل هو الأهم ، ما هو ؟
لا بد أولا للمسلم أو من يريد معرفة حقيقة الدين الاسلامي واسراره ومعتقداته ، من أن يدلف الى المجتمع الذي عرف به هذا الدين وبعث بين أهله من العرب ، ويغوص في حياة ذلك المجتمع العربي ، ويفهم منه كما فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حينا ما خاطبه ربه بالحديث القدسي ((انني باعثك بالذبح يا محمد الى قومك وان تدعوهم الى عبادتي وحدي لا شريك لي )) منها جاوب النبي الكريم ربه بعد معرفتة بكنه ذاك المجتمع العربي والذي سبره وغبره رسول الله قائلاً : إذً يفضخوا رأسي يا رب ـ قال الرب عزّ وجل : انني مبتليك ومبتليهم بك )) هنا سلّم النبي الكريم لأمر ربه ، وعلم أن أصل الرسالة النبوية هو الإبتلاء ، فصبر بأبي هو وامي وقدر .
فمن هنا نفهم أن هذا الدين الاسلامي ، هو دين ابتلاء بالدرجة الاولى ، ولم يكن دين رفاهية وصناعات ومباحات وتجارات وعمارات ، إلا بعد تحقيق مراد الله تعالى ، وأقامة المجتمع الإسلامي على منهج الله تعالى وتثبيت الدعوة ومسارها على المنهج الرباني .
الأمر الآخر والمهم هو : أن هذا الدين قد خُصّ به العرب دون غيرهم من الأمم ، وجعلت الرسالة الخاتمة بهم ، وجاء بلسانهم ، لسان عربي مبين ، من هنا نفهم ، أن هذا الدين لا يقوم ولا يقوّم الا بالعرب وبطريقتهم لتوصيل هذا الدين الى شعوب المعمورة ، ولا يكون ديناً اسلامياً حقيقياً كما نزل الا بثوب عربيّ مبين ، قال الفاروق : ان لم ننصر نحن العرب هذا الدين ، يكاد الا ينصر ، وقال رضي الله عنه : حافظوا على العرب ، فإنهم مادة الاسلام ، فالمسلم المؤمن الحقيقي والعربي على الخصوص مهمته الاولى بعد فهمه العميق لدينه ، هي الدعوة له والثبات عليه ، والولاء لله ولرسوله ، والولاء لمن يوالي هذا الدين ، والبراء ممن يبغض هذا الدين ، ولو كانوا الآباء والأمهات والأبناء والبنات ، فضلاً عن من قد بين الله في كتابه العزيز بغضهم ولعنم من أهل الكتاب وغيرهم .
هناك أمر مهم للمسلم ينبغي له الأنطلاق منه في فهم دينه ومعتقده ، وهو قول النبي الكريم : ((إنّ هذ الدين لعميق فاوغلوا به برفق)) .
ماذا نفهم من هذا الحديث ، النبي الكريم هو أفصح وأبلغ العرب وأُوتي جوامع الكلم ، فعندما يضرب مثلاً بالإيلاغ بهذا الدين وبرفق ، ويصفه بالعمق ، بكلمة عميق ، فكأنه مدّ صوته بها ، وذلك لعمق البحر او المحيط ، وهو المقصود هنا وهو المضروب به في المثل ، فعندما يأتي أحدهم الى البحر ليسبح وهو لا يُجيدُ السباحة ويوغل فيه بلا رفق ، فبالتأكيد سوف يغرق ، فلا يجوز له الهبوط الى البحر بدون علم السباحة والّا غرق ومات ، وأصبح كقاتل نفسه ، وما أكثرهم اليوم قاتل أنفسهم بالمفخخات والاحزمة الناسفة ، والسبب انهم لم يوغلوا بهذا الدين برفق .
فليعلم المسلم أنه في فسحة من دينه ما لم يقترف دم معصوم ، كذلك دم معاهد سواء من أهل الكتاب او سواهم .
الشيء الثاني والمهم ايضاً ، أنك أخي المسلم لا تزال في فسحة من دينك أيضاً إن لم ياخذك الله حجة على هذه الأمة ، وذاك بعلمك وحفظك كتاب الله والسنن النبوية ، فإن كنت من هذا الضرب فقد قامت عليك الحجة بأن تؤدي زكات علمك ، وإن كنت ممن لم تقوم عليه الحجة الربانية بذلك ، فأنت في فسحة من دينك ودنياك ، وقم فقط بواجباتك تجاه رعيتك المصغّرة وهي عائلتك ومن تقوم الحجة عليكبهم ، ومن هنا لا تجعل لله عليك حجة وتقوم وتناقش بما لم تتخذ به حجة على غيرك عند الله يوم القيامة ، فيُتخذ به ضدك حجة ، وتكون قد تفوهت بما يغضب الله عز وجل ، وهو لم يبتليك بالحجة بذلك ، فيكون عملك سيئة ووزر عليك لا لك .
فمن هنا يبد لي أخي القارئ انك قد فهمت عني ما قصدته بهذه المقدمة ، وهو الوصول للفهم الحقيقي لدين الاسلام ، ومن ثم لا يمنع الانسان أن يبحر كيفما شاء بهذ العلم ، ولا يكون أمعة ان أحسن الناس أحسن ، وإن هم أساءوا أساء تقليداً لهم ، فهذ هو الأحمق الهالك ، وقديماً قيل ((الحماقة أعيت من يداويها)) .
أخيراً فليعلم من لم يعلم ، أن كل من على الأرض من أهل الكتاب قد علم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقد علموا وقامت به عليهم الحجة ولم يؤمنوا به ، أنه حقٌ على الله عزّ وجل أن يدخلهم النار ، أو كما قال : عليه السلام .
الامر الاخر كذلك والمهم ـ بل هو الأهم ، أن كل من على وجه الأرض من أهل الكتاب ، كفّارٌ بصريح القرآن ، وأحد الشروط الناقضة للاسلام عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وكذلك غيره من مجمع أمة العلاماء ، هو ان من لم يكفّر كافراً ثبت كفره بصريح القرآن فهو كافر ، أقول انا كلذين يقولون اليوم بأن القرآن محرف ، وهم يدّعون الاسلام ، فهم يردون صريح القرآن بقوله تعالى : (ان نحن نزّلنا الذكر وان له لحافظون) . فالله تعالى قد أنزل قرآناً يتلى الى يوم الدين فيهم أي أهل الكتاب فقال تعالى : (وقالت اليهود عزيرٌ ابنُ الله ، وقالت النصارى المسيحُ ابنُ الله ، ذلك قولهم بأفواههم ، يضاهئون قول الذين كفروا من قبلُ ، قاتلهم الله أنّى يؤفكون) التوبة ـ 30 .
وقال تعالى : (اتخذوا أحبارهم ورُهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم ومآ أُمروا إلّا ليعبدوا إلهاً واحدا ، لا إله إلّا هو ، سبحانهُ عمّا يشركون) التوبة 31 .
يُريدون أن يثطفئوا نور الله بأفواههم ، ويابى اللهُ إلّا أن يُتمّ نورهُ ولو كره الكافرون) التوبة 33 .
فهنا ثلاث آيات تنطق وتشهد على كفره ، لا سيّما الأخيرة فكانت للتاكيد على ذلك الكفر ودليل وحجة للمشككين في ذلك .
أرجوا أن قد جئت بشيء مما يُزيلُ اللبس في مثل هذا الموضوع ، فهو جهد المقل ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم الغفور الرحيم ـ والحمد لله رب العالمين والسلام على المرسلين .

جزاك الله خيرا ونفع بك


احترامي وتقديري

وانت كذلك لك من الله جزيل المثوبة ومضاعف الدعوة ـ جزيت خيراً وأحسن الله لك .

جزاك الله الجنه اشكرك

كلنا في الجنة ان شاء الله نلتقي على سرر متقابلين ـ شاكر مرورك اختي الماسة الزرقاء ـ تحياتي .