منتديات مسك الغلا | al2la.com
 


موضوع مُغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-01-17, 04:23 AM   #37
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي





قصة يونس عليه السلام



قال الله تعالى في سورة يونس:

{ فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم
عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلي حين } (سورة يونس:98)


و في سورة الأنبياء:


{ وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا
إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم،
وكذلك ننجي المؤمنين } (سورة الأنبياء:87ـ88)



و في سورة الصافات:


{ وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق إلي الفلك المشحون * فساهم فكان من
المدحضين * فالتقمه الحوت وهو مليم * فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في
بطنه إلي يوم يبعثون * فنبذناه بالعراء وهو سقيم * وأنبتنا عليه شجرة من
يقطين * وأرسلناه إلي مائة ألف أو يزيدون * فآمنوا فمتعناهم إلي حين }
(سورة الصافات:139ـ148)


و في سورة نون:


{ فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصحاب الحوت إذ نادى وهو مكظوم * لولا أن تداركه
نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم * فاجتباه ربه فجعله من الصالحين }
(القلم:48ـ50)



قال علماء التفسير: بعث الله يونس ، عليه السلام ـ إلي أهل "نينوي" من أرض
الموصل، فدعاهم إلي الله عز وجل، فكذبوه وتمردوا على كفرهم وعنادهم، فلما
طال ذلك عليه من أمرهم خرج من بين أظهرهم، ووعدهم حلول العذاب بهم بعد
ثلاث.


قال ابن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة، وغير واحد من السلف والخلف:
فلما خرج من بين ظهرانيهم، وتحققوا من نزول العذاب بهم قذف الله في قلوبهم
التوبة والإنابة، وندموا على ما كان منهم إلي نبيهم، فلبسوا المسوح وفرقوا
بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلي الله عز وجل، وصرخوا، وتضرعوا إليه،
وتمسكنوا لديه، وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات والأمهات، وجأرت
الأنعام والدواب والمواشي: فرغت الإبل وفصلانها، وخارت البقر وأولادها،
وثغب الغنم وحملانها، وكانت ساعة عظيمة هائلة.


فكشف الله العظيم ـ بحوله وقوته ورأفته ورحمته ـ عنهم العذاب؛ الذي كان قد اتصل بهم سببه، ودار على رءوسهم كقطع الليل المظلم.


ولهذا :


{ فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها } (سورة يونس:98)



أي: هلا وجدت فيما سلف من القرون قرية آمنت بكمالها، فدل على أنه لم يقع ذلك،


بل كما :


{ وما أرسلنا في قرية من نبي إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون } (سورة سبأ:34)



وقوله:


{ إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلي حين } (سورة يونس:98)



أي: آمنوا بكاملهم. وقد اختلف المفسرون: هل ينفعهم هذا الإيمان في الدار
الآخرة، فينقذهم من العذاب الأخروي كما أنقذهم من العذاب الدنيوي؟ على
قولين:



الأظهر من السياق: نعم، والله أعلم.


كما : (لما آمنوا)


و:

{ وأرسلناه إلي مائة ألف أو يزيدون * فآمنوا فمتعناهم إلي حين } (سورة الصافات:147ـ148)



وهذا المتاع إلي حين لا ينفي أن يكون معه غيره من رفع العذاب الأخروي،
والله أعلم. وقد كانوا مائة ألف لا محالة، واختلفوا في الزيادة، فعن مكحول
عشرة آلاف،



وروى الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث زهير عمن سمع أبا العالية؛
حدثني أبي بن كعب، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله:



{ وأرسلناه إلي مائة ألف أو يزيدون } (سورة الصافات:147)



قال: "يزيدون عشرين ألفا". فلولا هذا الرجل المبهم لكان هذا الحديث فاصلاً في هذا الباب



وعن ابن عباس: كانوا مائة ألف وثلاثين ألفاً، وعنه: وبضعة وثلاثين ألفاً،
وعنه: وبضعة وأربعين ألفا. وقال سعيد بن جبير: كانوا مائة ألف وسبعين
ألفاً. واختلفوا: هل كان إرساله إليهم قبل الحوت أو بعده؟ أو هما أمتان؟
على ثلاثة أقوال، هي مبسوطة في التفسير. والمقصود أنه عليه السلام لما ذهب
مغاضباً بسبب قومه، ركب سفينة في البحر فلجت بهم، واضطربت، وماجت بهم،
وثقلت بما فيها، وكادوا يغرقون على ما ذكره المفسرون.



وقالوا: فتشاوروا فيما بينهم على أن يقترعوا، فمن وقعت عليه القرعة ألقوه
من السفينة ليتخففوا منه. فلما اقترعوا وقعت القرعة على نبي الله يونس فلم
يسمحوا به، فأعادوها ثانية فوقعت عليه أيضاً، فشمر ليخلع ثيابه ويلقي
بنفسه، فأبوا عليه ذلك، ثم أعادوا القرعة ثالثة فوقعت عليه أيضاً، لما
يريده الله به من الأمر العظيم.


قال الله تعالى:

{ وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق إلي الفلك المشحون * فساهم فكان المدحضين * فالتقمه الحوت وهو مليم } (سورة لصافات:139ـ143)


وذلك أنه لما وقعت عليه القرعة ألقى في البحر، وبعث الله عز وجل حوتاً
عظيماً من البحر الأخضر فالتقمه، وأمره الله تعالى ألا يأكل له لحماً، ولا
يهشم له عظماً، فليس لك برزق، فأخذه فطاف به البحار كلها، وقيل: إنه ابتلع
ذلك الحوت حوت آخر أكبر منه.



 


قديم 03-01-17, 04:26 AM   #38
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي






أخر قصة يونس عليه السلام



قالوا: ولما استقر في جوف الحوت حسب أنه قد مات فحرك جوارحه فتحركت، فإذا
هو حي فخر لله ساجداً، وقال: يا رب اتخذت لك مسجداً في موضع لم يعبدك أحد
في مثله. وقد اختلفوا في مقدار لبثه في بطنه؛ فقال مجالد عن الشعبي: التقمه
ضحى ولفظه عشية، وقال قتادة: مكث فيه ثلاثاً، وقال جعفر الصادق: سبعة
أيام، ويشهد له شعر أمية بن أبي الصلت:


وأنت بفضل منك نجيت يونسا وقد بات في أضعاف حوت لياليا


وقال سعيد بن أبي الحسن وأبو مالك: مكث في جوفه أربعين يوماً، والله أعلم كم مقدار ما لبث فيه.


والمقصود أنه لما جعل الحوت يطوف به قرار البحار اللجية، ويقتحم به لجج
الموج الأجاجي، فسمع تسبيح الحيتان للرحمن، وحتى سمع تسبيح الحصى لفالق
الحب والنوى ورب السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهما وما تحت الثرى.
فعند ذلك وهنالك؛ قال ما قال بلسان الحال والمقال، كما أخبر عنه ذو العزة
والجلال؛ الذي يعلم السر والنجوى، ويكشف الضر والبلوى، سامع الأصوات وإن
ضعفت، وعالم الخفيات وإن دقت، ومجيب الدعوات وإن عظمت، حيث قال في كتابه
المبين، المنزل على رسوله الأمين، وهو أصدق القائلين ورب العالمين وإله
المرسلين:



{ وذا النون إذ ذهب } (سورة الأنبياء:87)


{ مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك
إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين }
(سورة القلم:48ـ50)


(فظن أن لن نقدر عليه) أن نضيق عليه، وقيل معناه: نقدر على التقدير وهي لغة مشهورة، قدر وقدر كما قال الشاعر:

فلا عائد ذاك الزمان الذي مضى تباركت، وتقدر يكن، فلك الأمر


(فنادى في الظلمات) قال ابن مسعود وابن عباس وعمرو بن ميمونة وسعيد بن جبير
ومحمد بن كعب والحسن وقتادة الضحاك: ظلمة الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل.
وقال سالم بن أبي الجعد: ابتلع الحوت حوت آخر فصارت ظلمة الحوتين مع ظلمة
البحر.



وقوله تعالى:


{ فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلي يوم يبعثون } (سورة الصافات:143ـ144)


قيل معناه: فلولا أنه سبح الله هنالك، وقال ما قال من التهليل والتسبيح،
والاعتراف لله بالخضوع، والتوبة إليه والرجوع؛ للبث هنالك إلي يوم القيامة،
ولبعث من جوف ذلك الحوت. هذا معنى ما روي عن سعيد بن جبير في إحدى
الروايتين عنه.


وقيل معناه: (فلولا أنه كان) من قبل أخذ الحوت له (من المسبحين) أي:
المطيعين المصلين الذاكرين الله كثيراً، قاله الضحاك بن قيس وابن عباس وأبو
العالية ووهب بن منبه وسعيد بن جبير والسدي وعطاء بن السائب والحسن البصري
وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير.


وشهد لهذا ما رواه الإمام احمد وبعض أهل السنن عن ابن عباس أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال له: "يا غلام إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك،
احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلي الله في الرخاء يعرفك في الشدة"


وروى ابن جرير في تفسيره، والبزار في مسنده من حديث محمد بن إسحاق، عمن
حدثه، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت أوحى
الله إلي الحوت: أن خذه ولا تخدش له لحماً ولا تكسر له عظماً، فلما انتهى
به إلي أسفل البحر سمع يونس حساً، فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله إليه
وهو في بطن الحوت: إن هذا تسبيح دواب البحر، قال: فسبح وهو في بطن الحوت
فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفا بأرض غريبة!
قال: ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، قالوا: العبد
الصالح؛ الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال: نعم، قال:
فشفعوا له عند ذلك، فأمر الحوت فقذفه في الساحل"


كما قال الله:


{ فنبذناه بالعراء وهو سقيم } (سورة الصفات:145)



هذا لفظ ابن جرير إسناداً ومتناً، ثم قال البزار: لا نعلمه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد. كذا قال.


وقد قال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبو عبد الله احمد بن عبد الرحمن
ابن أخي وهب، حدثنا عمي، حدثنا أبو صخر، أن يزيد الرقاشي قال: سمعت أنس بن
مالك، ولا أعلم إلا أن أنساً يرفع الحديث إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: "إن يونس النبي عليه السلام حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في
بطن الحوت قال: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فأقبلت
هذه الدعوة تحت العرش فقالت الملائكة: يا رب صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة،
فقال: أما تعرفون ذاك؟ قالوا: لا يا رب، ومن هو؟ قال: عبدي يونس، قالوا:
عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مجابة؟ قالوا: يا ربنا أو
لا ترحم ما كان يصنعه في الرخاء فتنجيه من البلاء؟ قال: بلى: فأمر الحوت
فطرحه في العراء". ورواه ابن جرير عن يونس عن وهب به


زاد أبي حاتم: قال أبو صخر حميد بن زياد، فأخبرني ابن قسيط وأنا أحدثه هذا
الحديث، أن سمع أبا هريرة يقول: طرح بالعراء، وأنبت الله عليه اليقطينة،
قلنا: يا أبا هريرة وما اليقطينة؟ قال: شجرة الدباء، قال أبو هريرة: وهيأ
الله أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض، أو قال: هشاش الأرض، قال: فتفسخ عليه
فترويه من لبنها كل عشية وبكرة حتى نبت.

وقال أمية بن أبي الصلت في ذلك بيتاً من شعر:


فأنبت يقطينا عليه برحمةٍ من الله لولا الله أصبح ضاويا


وهذا غريب أيضاً من هذا الوجه، ويزيد الرقاشي ضعيف، ولكن يتقوى بحديث أبي
هريرة المتقدم، كما يتقوى ذاك بهذا، والله أعلم. وقد قال الله تعالى:
(فنبذناه) أي: ألقيناه (بالعراء) وهو المكان القفر الذي ليس فيه شيء من
الأشجار، بل هو عار منها، (وهو سقيم) أي: ضعيف البدن، قال ابن مسعود: كهيئة
الفرخ ليس عليه ريش، وقال ابن عباس والسدي وابن زيد: كهيئة الصبي حين يولد
وهو المنفوس عليه شيء. (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) قال ابن مسعود وابن
عباس وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير ووهب بن منبه وهلال بن يساف وعبد الله بن
طاووس والسدي وقتادة والضحاك وعطاء الخراساني وغير واحد: هو القرع. قال
بعض العلماء: في إنبات القرع عليه حكم جمة، منها أن ورقة في غاية النعومة،
وكثير وظليل، ولا يقربه ذباب، ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلي آخره، نياً
ومطبوخاً، وبقشره وببذره أيضاً، وفيه نفع كثير وتقوية للدماغ وغير ذلك.



وتقدم كلام أبي هريرة في تسخير الله تعالى له تلك الأروية التي كانت ترضعه
لبنها وترعى في البرية، وتأتيه بكرة وعشية، وهذا من رحمة الله به ونعمته
عليه وإحسانه إليه، ولهذا : (فاستجبنا له ونجيناه من الغم) أي: الكرب والضيق الذي كان فيه: (وكذلك ننجي المؤمنين) أي: وهذا صنيعنا بكل من دعانا واستجار بنا.



قال ابن جرير: حدثني عمران بن بكار الكلاعي، حدثنا يحيى بن صالح، حدثنا أبو
يحيى بن عبد الرحمن، حدثني بشر بن منصور، عن علي بن زيد، عن سعيد ابن
المسيب قال: سمعت سعد بن مالك ـ وهو ابن أبي وقاص ـ يقول: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: "اسم الله الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به
أعطى، دعوة يونس بن متى"، قال: فقلت يا رسول الله هي ليونس خاصة أم لجماعة
المسلمين؟ قال: "هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا بها، ألم تسمع قول
الله تعالى: (فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) فهو شرط من
الله لمن دعاه به"


وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن كثير
ابن زيد، عن المطلب بن حنطب قال: قال أبو خالد: أحسبه عن مصعب ـ يعني ابن
سعد ـ عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دعا بدعاء يونس
استجيب له"


قال أبو سعيد الأشج: يريد به: (وكذلك ننجي المؤمنين). وهذان طريقان عن سعد.


وثالث أحسن منهما، قال الإمام احمد: حدثنا إسماعيل بن عمير، حدثنا يونس ابن
أبي إسحاق الهمداني، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سعد، حدثني والدي محمد، عن
أبيه سعد ـ وهو ابن أبي وقاص رضي الله عنه ـ قال: مررت بعثمان بن عفان في
المسجد فسلمت عليه، فملأ عينيه مني ثم لم يردد علي السلام، فأتيت عمر بن
الخطاب، فقلت: يا أمير المؤمنين؛ هل حدث في الإسلام شيء؟ قال: لا، وما ذاك؟
قلت: لا، إلا أني مررت بعثمان آنفاً في المسجد فسلمت عليه فملأ عينيه مني
ثم لم يرد علي السلام، قال: فأرسل عمر إلي عثمان فدعاه فقال: ما منعك أن لا
تكون رددت على أخيك السلام؟ قال: ما فعلت، قال سعد: قلت: بلى، حتى حلف
وحلفت.



قال: ثم إن عثمان ذكر فقال: بلى، واستغفر الله وأتوب إليه، إنك مررت بي
آنفاً، وأنا أحدث نفسي بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا
والله ما ذكرتها قط إلا تغشي بصري وقلبي غشاوة.


قال سعد: فأنا أنبئك بها، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لنا أول
دعوة، ثم جاء أعرابي فشغله حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته،
فلما أشفقت أن يسبقني إلي منزله ضربت بقدمي الأرض، فالتفت إلي رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: "من هذا؟ أبو إسحاق" قال: قلت: نعم يا رسول الله،
قال: "فمه؟" قلت: لا والله، إلا أنك ذكرت لنا أول دعوة، ثم جاء هذا
الأعرابي فشغلك، قال: "نعم، دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت (لا إله إلا
أنت سبحانك إني كنت من الظالمين). فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا
استجاب له".

ورواه الترمذي والنسائي من حديث إبراهيم بن محمد بن سعد به



 


قديم 03-01-17, 04:28 AM   #39
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي





قصة موسى الكليم عليه السلام



وهو موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لأوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.


{ واذكر في الكتاب موسى، إنه كان مخلصا وكان رسولاً نبياً * وناديناه من
جانب الطور الأيمن وقربناه ونجيا * ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا }
(سورة مريم:51ـ53)


(إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً) أي: تجبر وعتا وطغى وبغى، وآثر
الحياة الدنيا، وأعرض عن طاعة الرب الأعلى، (وجعل أهلها شيعاً) أي: قسم
رعيته إلي أقسام، وفرق وأنواع، يستضعف طائفة منهم، وهم شعب إسرائيل الذين
هم من سلالة نبي الله يعقوب ابن نبي الله ابن خليل الله، وكانوا إذ ذاك
خيار أهل الأرض، وقد سلط عليهم هذا الملك الظالم الغاشم الكافر الفاجر،
ويستعبدهم ويستخدمهم في أخس الصنائع والحرف وأردئها وأدناها، ومع هذا (يذبح
أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين).


وكان الحامل له على هذا الصنيع القبيح أن بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما
بينهم ما يأثرونه عن إبراهيم عليه السلام، من أنه سيخرج من ذريته غلام يكون
هلاك ملك مصر على يديه. وذلك ـ والله أعلم ـ حين كان جرى على سارة امرأة
الخليل من ملك مصر، من إرادته إياها على السوء وعصمة الله لها. وكانت هذه
البشارة مشهورة في بني إسرائيل، فتحدث بها القبط فيما بينهم، ووصلت إلي
فرعون فذكرها له بعض أمرائه وأساورته وهم يسمرون عنده، فأمر عند ذلك بقتل
أبناء بني إسرائيل، حذراً من وجود هذا الغلام، ولن يغني حذر من قدر.


وذكر السدي عن أبي صالح وأبي مالك، عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن
أناس من الصحابة: أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً قد أقبلت من نحو بيت
القدس، فأحرقت دور مصر وجميع القبط، ولم تضر بني إسرائيل، فلما استيقظ هاله
ذلك، فجمع الكهنة والحذقة والسحرة، وسألهم عن ذلك، فقالوا: هذا غلام يولد
من هؤلاء، يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه، فلهذا أمر بقتل الغلمان وترك
النسون.

والمقصود أن فرعون احترز كل الاحتراز ألا يوجد موسى، حتى جعل رجالاً وقوابل
يدورون على الحبالى، ويعلمون مقيمات وضعهن، فلا تلد امرأة ذكراً إلا ذبحه
أولئك الذباحون من ساعته. وعند أهل الكتاب: أنه إنما كان يأمر بقتل
الغلمان، لتضعف شوكة بني إسرائيل، فلا يقاومونهم إذا غالبوهم أو قاتلوهم.
وهذا فيه نظر، بل هو باطل، وإنما هذا الأمر بقتل الولدان بعد بعثة موسى،


كما :

{ فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم } (سورة غافر:25)


ولهذا قالت بنو إسرائيل لموسى:


{ أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا } (سورة الأعراف:129)


فالصحيح أن فرعون إنما أمر بقتل الغلمان أولاً، حذراً من وجود موسى.


وقد ذكر غير واحد من المفسرين: أن القبط شكوا إلي فرعون قلة بني إسرائيل،
بسبب قتل ولدانهم الذكور، وخشي أن تتفانى الكبار مع قتل الصغار، فيصيرون هم
الذين يلون ما كان بنو إسرائيل يعالجون، فأمر فرعون بقتل الأبناء عاماً
وأن يتركوا عاماً، فذكروا أن هارون عليه السلام ولد في عام المسامحة عن قتل
الأبناء، وأن موسى عليه السلام ولد في عام قتلهم، فضاقت أمه ذرعاً واحترزت
من أول ما حبلت، ولم يكن يظهر عليها مخايل الحبل، فلما وضعت ألهمت أن
اتخذت له تابوتاً، فربطته في حبل وكانت دارها متاخمة للنيل فكانت ترضعه،
فإذا خشيت من أحد وضعته في ذلك التابوت، فأرسلته في البحر، وأمسكت طرف
الحبل عندها، فإذا ذهبوا استرجعته إليها به.


{ وأوحينا إلي أم موسى أن أرضعيه، فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي
ولا تحزني، إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين * فالتقطه آل فرعون ليكون
لهم عدواً وحزنا، إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين * وقالت امرأة
فرعون قرت عين لي ولك، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا
يشعرون } (سورة القصص:7ـ9)


قال السهيلي: واسم أم موسى "أيارخا" وقيل: "أياذخت"، والمقصود أنها أرشدت
إلي هذا الذي ذكرناه، وألقى في خلدها وروعها ألا تخافي ولا تحزني فإنه إن
ذهب فإن الله سيرده إليك، وإن الله سيجعله نبياً مرسلا، يعلي كلمته في
الدنيا والآخرة، فكانت تصنع ما أمرت به، فأرسلته ذات يوم وذهلت أن تربط طرف
الحبل عندها فذهب في النيل، فمر على دار فرعون (فالتقطه آل فرعون)، قال
الله تعالى: (ليكون لهم عدواً وحزناً) قال بعضهم: هذه لأم العاقبة، وهو
ظاهر إن كان متعلقا بقوله: (فالتقطه). وأما إن جعل متعلقاً بمضمون الكلام،
وهو أن آل فرعون قيضوا لالتقاطه ليكون لهم عدواً وحزناً، وصارت اللام معللة
كغيرها، والله أعلم. ويقوي هذا التقدير الثاني قوله: (إن فرعون وهامان
وجنودهما كانوا خاطئين) أي: هم أهل لهذا التقييض، ليكون أبلغ في إهانتهم
وأقوى في حسرتهم، أن يربوا عدوهم في دارهم، ولهذا قال: (ليكون لهم عدواً
وحزناً).


وذكر المفسرون: أن الجواري التقطنه من البحر في تابوت مغلق عليه، فلم
يتجاسرن على فتحه، حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون "آسية" بنت مزاحم بن عبيد
بن الريان ابن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف. وقيل: إنها كانت من
بني إسرائيل من سبط موسى. وقيل: بل كانت عمته، حكاه السهيلي، فالله أعلم.
فلما فتحت الباب وكشفت الحجاب، رأت وجهه يتلألأ بتلك الأنوار النبوية
والجلالة الموسوية، فلما رأته ووقع نظرها عليه أحبته حبا شديداً جداً، فلما
جاء فرعون قال: ما هذا؟ وأمر بذبحه، فاستوهبته منه ودفعت عنه، وقالت: (قرة
عين لي ولك) فقال لها فرعون: أما لك فنعم وأما لي فلا أي لا حاجة لي به.
و"البلاء موكل بالمنطق"!.



 


قديم 03-01-17, 04:30 AM   #40
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي






تابع قصة موسى الكليم عليه السلام



قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو عبيدة والحسن وقتادة الضحاك
وغيرهم (وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً) أي: من كل شيء من أمور الدنيا إلا من
موسى (إن كادت لتبدي به) أي: لتظهر أمره وتسأل عنه جهرة (لولا أن ربطنا على
قلبها) أي: صبرناها وثبتناها (لتكون من المؤمنين) وقالت لأخته، وهي ابنتها
الكبيرة (قصيه)


أي: اتبعي أثره، واطلبي لي خبره (فبصرت به عن جنب) قال مجاهد: عن بعد. وقال
قتادة: جعلت تنظر إليه وكأنها لا تريده، ولهذا قال: (وهم لا يشعرون) وذلك
لأن موسى عليه السلام لما استقر بدار فرعون أرادوا أن يغذوه برضاعة فلم
يقبل ثدياً ولا أخذ طعاماً، فحاروا في أمره، واجتهدوا على تغذيته بكل ممكن
فلم يفعل؛ كما :
(وحرمنا عليه المراضع من قبل) فأرسلوه مع القوابل والنساء إلي السوق؛
لعلهم يجدون من يوافق رضاعته، فبينما هم وقوف به والناس عكوف عليه إذ بصرت
به أخته، فلم تظهر أنها تعرفه بل قالت: (هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم
وهم له ناصحون) قال ابن عباس: لما قالت ذلك، قالوا لها: ما يدريك بنصحهم
وشفقتهم عليه؟ فقالت: رغبة في سرور الملك ورجاء منفعته.


فأطلقوها وذهبوا معها إلي منزلهم، فأخذته أمه، فلما أرضعته التقم ثديها
وأخذ يمتصه ويرتضعه، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً، وذهب البشير إلي "آسية"
يعلمها بذلك، فاستدعتها إلي منزلها وعرضت عليها أن تكون عندها، وأن تحسن
إليها، فأبت عليها، وقالت: إن لي بعلاً وأولاداً، ولست أقدر على هذا إلا أن
ترسليه معي، فأرسلته معها، ورتبت لها رواتب، وأجرت عليها النفقات والكساوي
والهبات، فرجعت به تحوزه إلي رحلها، وقد جمع الله شمله بشملها.


قال الله تعالى: (فرددناه إلي أمة كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد
الله حق) كما وعدناها برده ورسالته، فهذا رده، وهو دليل على صدق البشارة
برسالته (ولكن أكثرهم لا يعلمون). لما ذكر تعالى أنه أنعم على أمه برده لها
وإحسانه بذلك، وامتنانه عليها، شرع في ذكر أنه لما بلغ أشده واستوى، وهو
احتكام الخلق والخلق، وهو سن الأربعين في قول الأكثرين، آتاه الله حكماً
وعلماً، وهو النبوة والرسالة التي كان بشر بها أمه حين قال: (إنا رادوه
إليك وجاعلوه من المرسلين).


ثم شرع في ذكر سبب خروجه من بلاد مصر، وذهابه إلي أرض مدين، وإقامته هنالك
حتى كمل الأجل وانقضى الأمد، وكان ما كان من كلام الله له، وإكرامه بما
أكرمه به، كما سيأتي. ف:
(ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها) قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة
وقتادة والسدي: وذلك نصف النهار، وعن ابن عباس: بين العشاءين. (فوجد فيها
رجلين يقتتلان) أي: يتضاربان ويتهارشان (هذا من شيعته) أي: إسرائيلي. (وهذا
من عدوه)


أي: قبطي، قاله ابن عباس وقتادة والسدي ومحمد ابن إسحاق.


(فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) وذلك أن موسى عليه السلام، كانت
له بديار مصر صولة، بسبب نسبته إلي تبني فرعون له وتربيته في بيته، وكانت
بنو إسرائيل قد عزوا وصارت لهم وجاهة، وارتفعت رءوسهم بسبب أنهم أرضعوه،
وهم أخواله أي من الرضاعة، فلما استغاث ذلك الإسرائيلي موسى عليه السلام
على ذلك القبطي أقبل إليه موسى (فوكزه) قال مجاهد: أي طعنه بجميع كفه، وقال
قتادة: بعصاً كانت معه (فقضى عليه) أي: فمات منها.


وقد كان ذلك القبطي كافراً مشركاً بالله العظيم، ولم يرد موسى قتله
بالكلية، وإنما أراد زجره وردعه، ومع هذا (قال) موسى: (هذا من عمل الشيطان
إنه عدو مضل مبين * قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور
الرحيم * قال رب بما أنعمت علي) أي: من العز والجاه (فلن أكون ظهيراً
للمجرمين).


يخبر تعالى أن موسى أصبح بمدينة مصر خائفاً ـ أي: من فرعون وملئه ـ أن
يعلموا أن هذا القتيل الذي رفع إليه أمره، إنما قتله موسى في نصرة رجل من
بني إسرائيل، فتقوى ظنونهم أن موسى منهم، وترتب على ذلك أمر عظيم. فصار
يسير في المدينة في صبيحة ذلك اليوم (خائفاً يترقب) أي: يتلفت، فبينما هو
كذلك، إذا ذلك الرجل الإسرائيلي الذي استنصره بالأمس يستصرخه، أي: يصرخ به
ويستغيثه على آخر قد قاتله، فعنفه موسى ولامه على كثرة شره ومخاصمته، قال
له: (إنك لغوي مبين) ثم أراد أن يبطش بذلك القبطي، الذي هو عدو لموسى
وللإسرائيلي، فيردعه عنه ويخلصه منه، فلما عزم على ذلك وأقبل على القبطي
(قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس أن تريد إلا أن تكون
جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين).


والمقصود أن فرعون بلغه أن موسى هو قاتل ذلك المقتول بالأمس فأرسل في طلبه،
وسبقهم رجل ناصح من طريق أقرب (وجاء رجل من أقصى المدينة) ساعياً إليه،
مشفقاً عليه، فقال (يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج) أي: من هذه
البلدة، (إني لك من الناصحين) أي: فيما أقوله لك. قال الله تعالى: (فخرج
منها خائفاً يترقب)، أي: فخرج من مدينة نصر من فوره على وجهه لا يهتدي إلي
طريق ولا يعرفه، قائلاً:


{ رب نجني من القوم الظالمين * ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني
سواء السبيل * ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من
دونهم امرأتين تذودان، قال ما خطبكما، قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء
وأبونا شيخ كبير * فسقى لهما ثم تولى إلي الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي
من خير فقير } (سورة القصص:21ـ24)


يخبر تعالى عن خروج عبده ورسوله وكليمه من مصر خائفاً يترقب، أي: يتلفت،
خشية أن يدركه أحد من قوم فرعون، وهو لا يدري أين يتوجه، ولا إلي أين يذهب،
وذلك لأنه لم يخرج من مصر قبلها. (ولما توجه تلقاء مدين) أي: اتخذ له
طريقاً يذهب فيه: (قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) أي: عسى أن تكون هذه
الطريقة موصلة إلي المقصود، وكذا وقع، فقد أوصلته إلي المقصود وأي مقصود.
(ولما ورد ماء مدين) وكانت بئراً يستقون منها، ومدين هي المدينة التي أهلك
الله فيها أصحاب الأيكة، وهم قوم شعيب عليه السلام، وقد كان هلاكهم قبل زمن
موسى عليه السلام في أحد قولي العلماء.


ولما ورد الماء (وجد عليه أمة من الناس يسقون * ووجد من دونهم امرأتين
تذودان) أي: تكفكفان عنهما غنمهما أن تختلط بغنم الناس. وعند أهل الكتاب
أنهن كن سبع بنات، وهذا أيضاً من الغلط، ولعلهن كن سبعاً ولكن إنما كان
تسقى اثنتان منهن، وهذا الجمع ممكن إن كان ذاك محفوظاً، وإلا فالظاهر أنه
لم يكن له سوى بنتين.


(قال ما خطبكما، قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير) أي: لا
نقدر على ورود الماء إلا بعد صدور الرعاء لضعفنا، وسبب مباشرتنا هذه الرعية
ضعف أبينا وكبره، قال الله تعالى: (فسقى لهما). قال المفسرون: وذلك أن
الرعاء كانوا إذا فرغوا من وردهم، وضعوا على فم البئر صخرة عظيمة فتجئ
هاتان المرأتان فيشرعان غنمهما في فضل أغنام الناس، فلما كان ذلك اليوم جاء
موسى فرفع تلك الصخرة وحده، ثم استقى لهما وسقى غنمهما، ثم رد الحجر كما
كان، قال أمير المؤمنين عمر: وكان لا يرفعه إلا عشرة، وإنما استقى ذنوباً
واحداً فكفاهما.


ثم تولى إلي الظل، قالوا: وكان ظل شجرة من السمر، وروي ابن جرير عن ابن
مسعود: أنه رآها خضراء ترف (فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير). سمعته
المرأتان فيما قيل، فذهبتا إلي أبيهما، فيقال إنه استنكر سرعة رجوعهما،
فأخبرتاه بما كان من أمر موسى عليه السلام، فأمر إحداهما أن تذهب إليه
فتدعوه (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) أي: مشي الحرائر، (قالت إن أبي
يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) صرحت له بهذا لئلا يوهم كلامها ريبة، وهذا
من تمام حيائها وصيانتها (فلما جاءه وقص عليه القصص) وأخبره خبره، وما كان
من أمره في خروجه من بلاد مصر فراراً من فرعون، (قال) له ذلك الشيخ (لا تخف
نجوت من القوم الظالمين) أي خرجت من سلطانهم فلست في دولتهم.


وقد اختلفوا في هذا الشيخ من هو؟ فقيل: هو شعيب عليه السلام، وهذا هو
المشهور عند الكثيرين، وممن نص عليه الحسن البصري، ومالك بن أنس، وجاء
مصرحاً به في حديث، ولكن في إسناده نظر.



 


قديم 03-01-17, 04:33 AM   #41
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي







تابع قصة موسى الكليم عليه السلام



والمقصود: أنه لما أضافه وأكرم مثواه، وقص عليه ما كان من أمره بشره بأنه
قد نجا، فعند ذلك قالت: إحدى البنتين لأبيها: (يا أبت استأجره) أي: لرعي
غنمك، ثم مدحته بأنه قوي أمين. قال عمر وابن عباس وشريح القاضي وأبو مالك
وقتادة ومحمد بن إسحاق وغير واحد لما قالت ذلك، قال لها أبوها: وما علمك
بهذا؟ فقالت: إنه رفع صخرة لا يطيق رفعها إلا عشرة. وإنه لما جئت معه تقدمت
أمامه، فقال: كوني من ورائي، فإذا اختلف الطريق فاحذفي لي بحصاه أعلم بها
كيف الطريق.


(قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج، فإذا
أتممت عشراً فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من
الصالحين). ثم :
(ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول
وكيل)، يقول: إن موسى قال لصهره: الأمر على ما قلت، فأيهما قضيت فلا عدوان
على والله على مقالتنا سامع وشاهد، ووكيل علي وعليك، ومع هذا فلم يقض إلا
أكمل الأجلين وأتمهما وهو العشر سنين كوامل تامة.

فلما أراد فراق شعيب سأل امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون
به، فأعطاها ما ولدت غنمه، من ما له لون من ولد ذلك العام، وكانت غنمه
سوداء حساناً، فانطلق موسى عليه السلام إلي عصا قسمها من طرفها ثم وضعها في
أدنى الحوض، ثم أوردها فسقاها. قالوا: واتفق ذلك في ليلة مظلمة باردة،
وتاهوا في طريقهم فلم يهتدوا إلي السلوك في الدرب المألوف، وجعل يوري زناده
فلا يوري شيئاً، واشتد الظلام والبرد.


فبينما هو كذلك إذ أبصر عن بعد ناراً تأجج في جانب الطور ـ وهو الجبل
الغربي منه عن يمينه ـ (فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً) وكأنه، والله
أعلم، رآها دونهم؛ لأن هذه النار هي نور الحقيقة، ولا يصلح رؤيتها لكل أحد،
(لعلى آتيكم منها بخير) أي: لعلى استعلم من عندها عن الطريق (أو جذوة من
النار لعلكم تصطلون) فدل على أنهم كانوا قد تاهوا عن الطريق في ليلة باردة
ومظلمة. لقوله: في الآية الأخرى:


{ وهل أتاك حديث موسى * إذا رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً
لعلى آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى } (سورة طه:9ـ10)

فدل على وجود الظلام وكونهم تاهوا عن الطريق، وجمع الكل في قوله في النمل:


{ إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون } (سورة النمل:7)

وقد أتاهم منها بخبر وأي خبر، ووجد عندها هدى وأي هدى، واقتبس منها نوراً وأي نور؟!.

قال الله تعالى:

{ فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين }


أي: أنا رب العالمين الذي لا إله إلا هو، الذي لا تصلح العبادة وإقامة
الصلاة إلا له. ثم أخبره أن هذه الدنيا ليست بدار قرار، وإنما الدار
الباقية يوم القيامة، التي لابد من كونها ووجودها (لتجزي كل نفس بما تسعى)
أي: من خير وشر، وحضه وحثه على العمل لها ومجانبة من لا يؤمن بها ممن عصى
مولاه واتبع هواه، ثم قال مخاطباً ومؤانساً ومبيناً له أنه القادر على كل
شيء، الذي يقول للشيء كن فيكون:


{ وما تلك بيمينك يا موسى } (سورة طه:17)


أي: أما هذه عصاك التي تعرفها منذ صحبتها


{ قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى } (سورة طه:18)


أي: بلى هذه عصاي التي أعرفها وأتحققها،


{ قال ألقها يا موسى * فألقاها فإذا هي حية تسعى } (سورة طه:19ـ20)


فلما رجع أمره الله تعالى أن يمسكها (قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها
الأولى) فيقال: إنه هابطها شديداً، فوضع يده في كم مدرعته، ثم وضع يده في
وسط فمها. وعند أهل الكتاب: أمسك بذنبها، فلما استمكن منها إذا هي قد عادت
كما كانت عصاً ذات شعبتين، فسبحان القدير العظيم، رب المشرقين والمغربين!.
ثم أمره تعالى بإدخال يده في جيبه، ثم أمره بنزعها فإذا هي تتلألأ كالقمر
بياضاً من غير سوء، أي: من غير برص ولا بهق،

ولهذا قال:

{ اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم يدك إلي جناحك من الرهب } (سورة القصص:32)


قيل معناه: إذا خفت فضع يدك على فؤادك يسكن جأشك. والمقصود أن الله سبحانه وتعالى لما أمر موسى عليه السلام بالذهاب إلي فرعون


{ قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون * وأخي هارون هو أفصح مني
لساناً فأرسله معي ردءاً يصدقني، إني أخاف أن يكذبون * قال سنشد عضدك بأخيك
ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون }
(سورة القصص:33ـ35)


قال الله تعالى مجيباً إلي سؤاله: (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً)
أي: برهاناً (فلا يصلون إليكما) أي: فلا ينالون منكما مكروهاً بسبب قيامكما
بآياتنا، وقيل ببركة آياتنا (أنتما ومن اتبعكما الغالبون).


وقال في سورة طه:

{ اذهب إلي فرعون إنه طغى * قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * وأحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي } (سورة طه:24ـ28)


قيل: إنه أصابه في لسانه لثغة، بسبب تلك الجمرة التي وضعها على لسانه،
والتي كان فرعون أراد اختبار عقله، حين أخذ بلحيته وهو صغير، فهم بقتله،
فخافت عليه آسية، وقالت: إنه طفل، فاختبره بوضع تمرة وجمرة بين يديه فهم
بأخذ التمرة فصرف الملك يده إلي الجمرة، فأخذها فوضعها على لسانه فأصابه
لثغة بسببها؛ فسأل زوال بعضها بمقدار ما يفهمون قوله: ولم يسأل زوالها
بالكلية.

فأتياه فقالا له ذلك، وبلغاه ما أرسلا به من دعوته إلي عباد الله تعالى
وحده لا شريك لك، وأنه يفك أسارى بني إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته،
ويتركهم يعبدون ربهم حيث شاءوا، ويتفرغون لتوحيده ودعائه والتضرع لديه.
فتكبر فرعون في نفسه وعتا وطغى، ونظر إلي موسى بعين الازدراء والتنقص
قائلاً له: (ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين؟) أي: أما أنت
الذي ربيناه في منزلنا، وأحسنا إليه، وأنعمنا عليه مدة من الدهر؟.

وقوله:


{ وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين } (سورة الشعراء:19)


أي: وقتلت الرجل القبطي، وفررت منا، وجحدت نعمتنا.


{ قال فعلتها إذا وأنا من الضالين } (سورة الشعراء:20)


أي: قبل أن يوحي إلي وينزل على


{ فقررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين } (سورة الشعراء:21)


ثم قال مجيباً لفرعون عما امتن به من التربية والإحسان إليه:


{ وتلك النعمة تمنها على أن عبدت بني إسرائيل } (سورة الشعراء:22)


أي: وهذه النعمة التي ذكرت؛ من أنك أحسنت إلي وأنا رجل واحد من بني إسرائيل
تقابل ما استخدمت هذا الشعب العظيم بكماله، واستعبدتهم في أعمالك وخدمتك
وأشغالك.


{ قال فرعون وما رب العالمين * قال رب السماوات والأرض وما بينهما، إن كنتم
موقنين * قال لمن حوله ألا تستمعون * قال ربكم ورب آبائكم الأولين * قال
إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون * قال رب المشرق والمغرب وما بينهما، إن
كنتم تعقلون } (سورة القصص:21ـ24)


 


قديم 03-01-17, 04:36 AM   #42
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي






تابع قصة موسى الكليم عليه السلام



فلما قامت الحجج على فرعون، وانقطعت شبهه، ولم يبق له قول سوى العناد، عدل إلي استعمال سلطانه وجاهه وسطوته.


{ قال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين * قال أو لو جئتك بشيء
مبين * فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين * ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين }
(سورة الشعراء:29ـ33)


وهذان هما الرهانان اللذان أيده الله بهما، وهما العصا واليد، وذلك مقام
أظهر فيه الخارق العظيم، الذي بهر العقول والأبصار، حين ألقى عصاه، فإذا هي
ثعبان مبين، أي: عظيم الشكل، بديع في الضخامة والهول، والمنظر العظيم
الفظيع الباهر، حتى قيل: إن فرعون لما شاهد ذلك وعاينه، أخذه رعب شديد وخوف
عظيم، بحيث إنه حصل له إسهال عظيم أكثر من أربعين مرة في يوم، وكان قبل
ذلك لا يتبرز في كل أربعين يوماً إلا مرة واحدة، فانعكس عليه الحال.

وهكذا لما أدخل موسى عليه السلام يده في جيبه واستخرجها، أخرجها وهي كفلقة
القمر تتلألأ نوراً يبهر الأبصار، فإذا أعادها إلي جيبه واستخرجها رجعت إلي
صفتها الأولى. ومع هذا كله لم ينتفع فرعون ـ لعنة الله عليه ـ بشيء من
ذلك، بل استمر على ما هو عليه، وأظهر أن هذا كله سحر، وأراد معارضته
بالسحرة، فأرسل يجمعهم من سائر مملكته، ومن هم في رعيته وتحت قهره ودولته،
ثم حضوا بعضكم بعضاً على التقدم في هذا المقام؛ لأن فرعون قد وعدهم ومناهم
وما يعدهم الشيطان إلا غروراً.


{ قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا،
فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس في نفسه خيفة
موسى * قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا، إنما
صنعوا كي ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى } (سورة طه:65ـ69)


لما اصطف السحرة، ووقف موسى وهارون عليهما السلام تجاههم، قالوا له: إما أن
تلقي قبلنا، وإما أن نلقي قبلك (قال بل ألقوا) أنتم، وكانوا قد عمدوا إلي
حبال وعصى فأودعوها الزئبق وغيره من الآلات التي تضطرب بسببها تلك الحبال
والعصي اضطراباً يخيل للرائي أنها تسعى باختيارها، وإنما تتحرك بسبب ذلك،
فعند ذلك سحروا أعين الناس واسترهبوهم، وألقوا حبالهم وعصيهم، وهم يقولون:


{ بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون } (سورة الشعراء:44)


وذلك أن موسى عليه السلام لما ألقاها، صارت حية عظيمة ذات قوائم، فيما ذكره
غير واحد من علماء السلف، وعنق عظيم وشكل هائل مزعج، بحيث إن الناس
انحازوا منها وهربوا سراعاً، وتأخروا عن مكانها وأقبلت هي على ما ألقوه من
الحبال والعصي، فجعلت تلقفه واحداً واحداً في أسرع ما يكون من الحركة،
والناس ينظرون إليها ويتعجبون منها، وأما السحرة فإنهم رأوا ما هالهم
وحيرهم في أمرهم واطلعوا على أمر لم يكن في خلدهم ولا بالهم ولا يدخل تحت
صناعتهم وأشغالهم، فعند ذلك وهنالك تحققوا بما عندهم من العلم أن هذا ليس
بسحر ولا شعوذة، ولا محال ولا خيال، ولا زور ولا بهتان ولا ضلال؛ بل حق لا
يقدر عليه إلا الحق؛ الذي ابتعث هذا المؤيد به بالحق، وكشف الله عن قلوبهم
غشاوة الغفلة، وأنارها بما خلق فيها من الهدى، وأزاح عنها القساوة، وأنابوا
إلي ربهم وخروا له ساجدين، وقالوا جهرة للحاضرين، ولم يخشوا عقوبة ولا
بلوى: (آمنا برب هارون وموسى).


قال سعيد بن جبير وعكرمة والقاسم بن أبي بردة والأوزاعي وغيرهم: لما سجد
السحرة رأوا منازلهم وقصورهم في الجنة تهيأ لهم، وتزخرف لقدومهم، ولهذا لم
يلتفتوا إلي تهويل فرعون وتهديده ووعيده.


وذلك لأن فرعون لما رأى هؤلاء السحرة قد أسلموا وأشهروا ذكر موسى وهارون في
الناس على هذه الصفة الجميلة، أفزعه ذلك، ورأى أمراً بهره، وأعمى بصيرته
وبصره، وكان فيه كيد ومكر وخداع، وصنعة بليغة في الصد عن سبيل الله، فقال
مخاطباً للسحرة بحضرة الناس: (آمنتم له قبل أن آذن لكم) أي: هلا شاورتموني
فيما صنعتم من الأمر الفظيع بحضرة رعيتي؟! ثم تهدد وتوعد وأبرق وأرعد، وكذب
فأبعد قائلاً: (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر). والمقصود أن فرعون كذب
وافترى وكفر غاية الكفر في قوله: (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر) وأتى
ببهتان يعلمه العالمون بل العالمون في قوله:

{ إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون } (سورة الأعراف:123)

وقوله: (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) يعني: يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وعكسه،

{ ولأصلبنكم أجمعين } (سورة الأعراف:124)

أي: ليجعلهم مثلة ونكالاً لئلا يقتدي بهم أحد من رعيته، وأهل ملته، ولهذا
قال: (ولأصلبنكم في جذوع النخل) أي: على جذوع النخل، لأنها أعلى وأشهر


{ ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى } (سورة طه:71)

يعني: في الدنيا.

{ قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات } (سورة طه:72)


أي: لن نطيعك ونترك ما وقر في قلوبنا من البينات والدلائل القاطعات (والذي
فطرنا) قيل: معطوف، وقيل قسم (فاقض ما أنت قاض) أي: فافعل ما قدرت عليه
(إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) أي: إنما حكمك علينا في هذه الحياة الدنيا،
فإذا انتقلنا منها إلي الدار الآخرة صرنا إلي حكم الذي أسلمنا له واتبعنا
رسله،


{ إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى } (سورة طه:73)


أي: وثوابه خير مما وعدتنا به من التقريب والترغيب، (وأبقى) أي: وأدوم من هذه الدار الفانية، وفي الآية الأخرى:


{ قالوا لا ضير إنا إلي ربنا منقلبون * إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا } (سورة الشعراء:50ـ51)


أي: ما اجترمناه من المآثم والمحارم


{ أن كنا أول المؤمنين } (سورة الشعراء: 51)


أي: من القبط، بموسى وهارون عليهما السلام.


والظاهر من هذه السياقات أن فرعون ـ لعنه الله ـ صلبهم وعذبهم رضي الله
عنهم قال عبد الله بن عباس وعبيد بن عمير: كانوا من أول النهار سحرة،
فصاروا من آخره شهداء بررة!. ويؤيد هذا قولهم:


{ ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين } (سورة الأعراف:126)


قال المفسرون وغيرهم من أهل الكتاب: استأذن بنو إسرائيل فرعون في الخروج
إلي عيد لهم، فأذن لهم وهو كاره، ولكنهم تجهزوا للخروج وتأهبوا له، وإنما
كان في نفس الأمر مكيدة بفرعون وجنوده، ليتخلصوا منهم ويخرجوا عنهم. وأمرهم
الله تعالى ـ فيما ذكره أهل الكتاب ـ أن يستعيروا حلياً منهم، فأعاروهم
شيئاً كثيراً، فخرجوا بليل فساروا مستمرين ذاهبين من فورهم، طالبين بلاد
الشام، فلما علم بذهابهم فرعون حنق عليهم كل الحنق، واشتد غضبه عليهم، وشرع
في استحثاث جيشه وجمع جنوده ليلحقهم ويمحقهم.


قال الله تعالى:

{ وأوحينا إلي موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون * فأرسل فرعون في المدائن
حاشرين * إن هؤلاء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائظون * وإنا لجميع حاذرون
فأخرجناهم * من جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم * كذلك وأوروثناها بني
إسرائيل * فأتبعوهم مشرقين * فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا
لمدركون * قال كلا، إن معي ربي سيهدين * فأوحينا إلي موسى أن أضرب بعصاك
البحر، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم * وأزلفنا ثم الآخرين * وأنجينا
موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين * إن في ذلك لآية، وما كان أكثرهم
مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم } (سورة الشعراء:52ـ68)


قال علماء التفسير: لما ركب فرعون في جنوده، طالباً بني إسرائيل يقفو
أثرهم، كان في جيش كثيف عرمرم ، حتى قيل: كان في خيوله مائة ألف فحل أدهم،
وكانت عدة جنوده تزيد على ألف ألف وستمائة ألف. فالله أعلم. والمقصود أن
فرعون لحقهم بالجنود، فأدركهم عند شروق الشمس، وتراءى الجمعان ولم يبق ثم
ريب ولا لبس، وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه ورآه، ولم يبق إلا
المقاتلة والمجادلة والمحاماة، فعندها قال أصحاب موسى وهم خائفون: (إنا
لمدركون) وذلك لأنهم اضطروا في طريقهم إلي البحر فليس لهم طريق ولا محيد
إلا سلوكه وخوضه، وهذا ما لا يستطيعه أحد ولا يقدر عليه، والجبال عن يسرتهم
وعن أيمانهم وهي شاهقة منيفة، وفرعون قد غالقهم وواجههم، وعاينوه في جنوده
وديوشه وعدده وعدته، وهم منه في غاية الخوف والذعر، لما قاسوا في سلطانه
من الإهانة والمكر.



 


موضوع مُغلق

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are معطلة
Pingbacks are معطلة
Refbacks are معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع : قصص بعض الأنبياء والرسل عليهم السلام ...!!
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معلومات عن الأنبياء آميرآلشوق مواضيع إسلاميه - فقه - أقوال ( نفحات ايمانيه ) •• 6 12-19-16 05:38 AM
فن الدمج بين التصوير والرسم شموخ عزي قسم الصور والرسوم العامه 6 03-15-15 07:12 PM
(أنواع المناكير والرسم على الاضافر ) (قيثار الحب) قسم الملابس والمستلزمات النسائيه ( حواء ) 15 09-30-14 03:51 PM
معاني أسماء الأنبياء والرسل M.ahmad مواضيع إسلاميه - فقه - أقوال ( نفحات ايمانيه ) •• 2 09-30-10 05:47 AM


| أصدقاء منتدى مسك الغلا |


الساعة الآن 02:22 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.1 al2la.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
بدعم من : المرحبي . كوم | Developed by : Marhabi SeoV2
جميع الحقوق محفوظه لـ منتديات مسك الغلا