يُقال إن الزمن لا يعود إلى الوراء، لكن بعض اللحظات يصعب تجاوزها، وثمة أماكن تغادرها غير أنها تبقى قابعة فيك، بما لها من معانٍ قد ملكت شغاف القلب، فتظل الروح عالقة عندها حتى وإن ناءت الأجساد، تغمرك ذكراها بمشاعر يحار الكلم في وصفها، وتجدد الشوق الذي لا يسكن، ولا حيلة للمشتاق إلا الرجاء، على أمل العودة يوما ما..

في مثل هذه الأوقات (فصل الشتاء)، كنت في الكويت في أوائل 2013م، كنت حريصًا على صلاة الفجر في المسجد (أظن اسمه مسجد سعد بن عبادة)
في الشتاء مع بردة الجو أخرج من السّكن، وأمشى حتى أصل إلى المسجد (برد شديد)، أول ما أدخل المسجد أحس بالدفء، جمال وهدوء ودفء غير عادي
اكتشفت أن سبب الدفء (التكييف)، كنت أظن أن التكييف يعمل في فصل الصيف فقط - للتبريد-، طلع كمان في الشتا
المسجد جديد، وجميل، ونظيف، وفيه عطر - لونه أبيض، كاللبن، اكتشفت بأخرة أنها خليط من العود.

إمام المسجد اسمه أبو خالد (سوري)، والمؤذن نسيت اسمه (مصري)، تعرّفت عليه لاحقًا، وطلبت منه أسمّع معاه قرآن كل يوم بعد المغرب في مكتبة المسجد.

كنت برجع من الشغل قبيل المغرب ، فأغير هدومي، وأصلي المغرب، وأحيانا أجد فيه درسًا لشيخ لا أعرفه
جلست مرة، وبعدين عرفت أن اسمه: ش سالم الطويل
لما خرجت لحقني في الطريق رجل من جيران المسجد، وقال: دا الشيخ سالم الطويل، هو بيدي درس هنا، وكان إمام المسجد

ذكرياتي في المسجد كلها جميلة
من المواقف:
كنت بصلّي دايما في الصّف الأول، وكان فيه أحد الآباء - كبار السن- يصلي بجواري، ودومًا يسألني بعد الصلاة: أبو فيصل هُون؟
الحقيقة أنا مش أعرف أبو فيصل
فكنت أجيبه، مش أعرف

يمكن لو كنت طوّلت شوي، كنت هعرف الأشخاص والناس، كان فيهم رجل في الأربعين أو في الخمسين، وسيمًا وفيه علامات الصلاح، كنت أمنّي نفسي أن أحدثه في أمري، وأتعرّف عليه، بس لم أستطع..

بعد شوي بسبب ظروف ، كنت لا أستطيع أن أصلي في المسجد الصلوات الخمس، فقط أصلي الجمعة، وباقي الفروض أصليها في الغرفة..
أو فوق السّطح
مازالت أذكر المؤذن - كان يؤذن- هو من جيران المسجد لم يكن موظفا، كان صوته طيبًا رقيقا فيه دفء.
حاولت مرارًا أن أستخدم Google Earth ، لكي أصل إلى المسجد والمنطقة، بس مش قدرت أوصل بشكل صحيح.

ثمة أشياء باقيّة في الغيب
الله يعلمها..

”من الواضح أن العالم ليس مصنعاً لتحقيق الأمنيات.“
- The Fault in Our Stars (2014) 🎬🖤

علي عزّت بيغوفيتش، هروبي إلى الحرية

الإنسان كائن هش ضعيف جداً، لكنه للأسف لا يشعر بهشاشته هذه إلا حين يمرض أو يقع في ضائقة أو تحل به مصيبة.
أما سوى ذلك= فإن الإنسان يطغى ويغفل وينسى ويجحد.
وقدرة الإنسان على استحضار هشاشته وضعفه وافتقاره إلى مولاه في السراء لا في الضراء= هي أحد الموازين المهمة التي يقاس بها إيمان القلب.

ذكر الجاحظ في " الحيوان " أن الخيل دقيق الحِسّ جدا، حتى إنه يسمع سقوط الشعرة من جسمه!
وفي المثل: " فلان أسمَعُ من فَرَس ".

يا حيُّ يا قيّوم، برحمتكَ أستغيث، أصلح لي شأني كلّه، ولا تَكِلْني إلى نفسي طرفةَ عين!
وإنّكَ إنْ تَكِلْني إلى نفسي تَكِلْني إلى ضَعْفٍ وعورةٍ وذنبٍ وخطيئةٍ، وإنّي لا أثقُ إلّا برحمتك!
اللهمّ ألهمنِي رُشدي، وقِني شرّ نفسي!