منتديات مسك الغلا | al2la.com
 


من تاريخ هذا اليوم أي إساءه مهما كان نوعها أو شكلها أو لونها تصدر علناً من عضو بحق عضو أو مراقب أو إداري أو حتى المنتدى سيتم الإيقاف عليها مباشره وبدون تفاهم :: قرار هام ::

موضوع مُغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-23-15, 05:09 PM   #121
برنس وصاب

الصورة الرمزية برنس وصاب

آخر زيارة »  03-08-19 (01:32 PM)
MMS ~

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



وأخيرا وصلا ألى السيارة ,وسرها أن تسترخي في السيارة الفاخرة , وقدّم أليها سيكارة وأدار المحرك قائلا:
" مكان مزعج ! أنني أكره الأزدحام , ما رأيك؟".
" أنا أحب لندن ولكنني أعرف مساؤئها , وأوافقك على أنها تكون مزدحمة للغاية في هذه الساعة".
" مزدحمة ! يا ألهي! شقتي في ليبانون كورت , هل تعرفينه ؟".
وأثارت كلماته من جديد مشكلة العشاء في شقته , فلا تستطيع الأعتذار الآن , ثم أنها لا ترغب حقيقة في ذلك , غير أنها أدركت أنها تتصرف بتهور وقالت:
" لا أعرف هذا الحي بالضبط أما أذا كنت تسكن أحدى العمارات السكنية التي تطل على ريجنت بارك فأعتقد أنني أعرف مكانها".
وأومأ مانويل برأسه وقال:
" نعم , أن نوافذي تطل على ريجينت بارك , غير أن الشقة تشرف على لندن بأسرها".
كان المبنى أحدى العمارات السكنية الجديدة الفاخرة التي تحيط بها الحدائق والنافورات ولها مدخل كمدخل الفنادق الفاخرة و وأمامها حارس خاص يمنع دخول غير المرغوب فيهم .
وقالت جولي بينما أرتفع بهما المصعد ألى الطابق الأخير حيث يوجد المنزل :
" شيء لطيف أن يكون المء ثريا !".
أبتسم مانويل لأن جولي كانت تسخر منه , غير أنها لم تخف أنبهارها الواضح عندما دخلت المنزل من الباب المزدوج وشهدت المنظر الذي يطل عليه , فبدت لندن في شفق الغروب من هذا الأرتفاع , وكأنها أرض الأحلام وأنتشرت في أنحائها الأنوار المتألقة اللامعة , ولم يكن هناك صوت أو ضوضاء بل هدوء زائع زاده المنظر الجميل روعة.
وأضاء مانويل الأنوار فبدا الجو الخيالي ليكشف عن غرفة الجلوس بكل أناقتها البسيطة , وقد فصل بين المدخل والغرفة سلم واسع من درجتين , وغطيت أرضية الغرفة بسجاد من لون العنبر القاتم وأنتشرت المقاعد والأرائك المنخفضة المكسوّة بالجلد الأخضر القاتم وجلد الفهد حول المدفأة الكهربائية المتوهجة , بينما وضع جهاز تلفزيون ضخم في أحد الأركان , وكان هناك أيضا مكتبة على الجانب الآخر من المدفأة ممتلئة بمجموعة منوعة من الكتب.
ونظرت جولي ألى كل ما في الغرفة وقالت:
" جميل جدا , أعتقد أنك تعرف ذلك , أليس كذلك؟".
ساعدها مانويل على خلع معطفها ووضعه على المشجب في المدخل , ثم خلع معطفه هو أيضا ووضعه في نفس المكان وقال:
" يسرني أن المكان يعجبك , أحتفظ بشقة في لندن لأنني أكره الفنادق حيث يغالي الخدم في خدمتي لمجرد شهرتي".
كان والدها يقول لها دائما , أن الرجل الذي يحب الأنفراد بنفسه يكون عادة أما مستريح الضمير , أو لا ضمير له عل الأطلاق , وتساءلت جولي ترى كم أمرأة أحضرها مانويل ألى هذا المكان , لا بد أنه أحضر دولوريس أريفيرا! ولكن من غيرها؟ وقد أيقظتها هذه الفكرة من غفوتها , كان يجب علي أن نتصرف بأتزان فأن مانويل كورتيز رجل ذو خبرة بالحياة وليس صبيّا مثل بول .
ودخل خادم يرتدي ثيابا سوداء من باب يبدو أنه يؤدي ألى المطبخ وقال :
" طاب مساؤك يا سيد , قمت بأعداد ما طلبته , وما عليك ألا أن تأمر لأقدم الطعام في الوقت الذي تريده".
" أمهلنا بعض الوقت لنحتسي بعض الشراب ثم قدّم لنا الطعام".
وأبتسم مانويل بينما أنسحب الخادم ,وبعد أنصرافه قال مانويل :
" أنه جوزيه وهو يعمل عندي منذ سنوات عديدة".
وأبتسمت جولي وأسترخت في مقعد منخفض أقترح أن تجلس فيه قائلا :
" تبدين جذابة هذه الليلة , هذا اللون يناسبك!".
وأضطربت جولي وقالت محاولة أن تغير مجرى الحديث :
" شكرا , هل ذهبت ألى باريس؟".
" نعم , هل ذهبت أنت أليها؟".
" كلا , للأسف".
" ألا تحبين السفر؟".
"بلى أحبه , غير أنني لا أستطيع السفر , أبي يعمل طبيبا , ونحن لسنا أثرياء".
الطبيب رجل له مركز مرموق في بلادي".
ثم أاف:
" أن ما يبدو قليلا بالنسبة أليك يبدو كثيرا بالنسبة ألى أهلي".
" أسرتك ! هل تعيش في المكسيك؟".
" بالطبع , لي سبعة أشقاء وأربع شقيقات".
ورمقها بنظرة متفحصة فأزداد وجهها أحمرار وقال:
" هل يدهشك ذلك؟".
ثم هز رأسه وأستطرد قائلا:
" أن أي شيء صغير يدهشك يا جولي كيندي , يا لها من حياة ضيقة الأفق تلك التي تعشينها".
وأحنت جولي رأسها وقالت:
" لم أدهش لما قلته , فالفقر في حد ذاته مؤلم ولكنه لا يثير الدهشة , نجد أن أسرتك..... ليست فقيرة , أليس كذلك؟".
" كلا , لم تعد فقيرة , ولكنها كانت تعاني من الفقر , والأسرة في المكسيك تتكون من أفراد عدة وهؤلاء المساكين لا يعرفون كيف يتصرفون كما تقولون في بلادكم ,فهم يأخذون ما يعطيهم الله شاكرين , أسرتي أسعدها الحظ أذ صرت أعولها , أما أنا فأنني لم أتعلم القراءة ألا في العاشرة من عمري , وقد تعلمتها وحدي كما تعلمت العزف على الغيتار وحدي أيضا ,وقد أصبحت الآن ثريا , غير أنني لا أنسى الماضي".


وقدم العشاء في غرفة مفتوحة على الشرفة , وكانت المائدة مستديرة والمقاعد من خشب الورد مما أبرز جمال المفارش الدانتيلا فوق الخشب اللامع , وأضاءت الغرفة ثريّا من الكريستال , غير أن جولي تساءلت كيف تبدو الغرفة في ضوء الشموع؟
وبعد أنتهاء العشاء تنهدت جولي بأرتياح وقالت:
" وجبة هائلة ! يطهو جوزيه الطعام؟".
" نعم سوف أنقل له ثناءك على طهيه".
وأبتسمت جولي وقالت لا بد أنه جوهرة!
" هل أنقل له ذلك أيضا؟".
وأحمر وجه جولي وأشاحت بعينيها فهو يثير أرتباكها دائما , وقدمت القهوة والشراب الخفيف على مائدة منخفضة في غرفة الجلوس وأمسكت جولي بأبريق القهوة و غير أن مانويل فضل الشراب , وجلست جولي على الأريكة الكسوة بجلد الفهد أمام مائدة القهوة , وكانت قد تجنبت الجلوس عليها من قبل وجلس مانويل ألى جوارها وقد فك ياقته وأرخى رباط عنقه , ومال الى الخلف وأغمض عينيه وكأنه متعب , وبدا أصغر سنا , وأحست جولي بضربات قلبها السريعة , ووضعت الفنجان على المنذضدة ,وأشعلت سيكارة وأسترخت في هدوء ثم أدركت أنه يتفحصها بطرف عينيه , فأضطربت فقال:
" أرجوك أن تسترخي , هل يعجبك هذا المكان ؟ أليس أفضل من قاعات الأستقبال في الفنادق؟".
" نعم أنه رائع , هل أنت متعب؟".
" أشعر بقليل من التعب".
" ربما تجهد نفسك في العمل؟".
" أعتقد هذا ولكنني أحب عملي".
وتساءلت جولي في نفسها ترى كم من الوقت يقضيه مع دولوريس أريفيرا وهل تعرف دولورس أنشطته الأخرى...... علاقته معها , على سبيل المثال؟
وفاجأها قائلا:
" فيم تفكرين ؟".
" لا شيء".
وألقى نظرة على ساعة يده الذهبية وقال:
" الوقت يجري , الساعة السابعة وأربعون دقيقة".
" هل تعمل ثانية في هذه الليلة؟".
وتمطى وأستقام في جلسته وقال:
" بالطبع".
ثم أسترخى من جديد على مقعده وواصل تقييمه لها , وأخذت تتحرك بقلق على الأريكة تحت وطأة نظراته المستمرة الساخرة.
وأبتسم فجأة وقال بصوت خافت:
" أنت جميلة جدا يا جولي , هل قلت لك ذلك من قبل؟".
أطفأت جولي السيكارة بدون أن ترد أو تنظر أليه.
فقال بنعومة:
" شعرك يعجبني , وكذلك بشرتك , فهي شديدة البياض وناعمة كالورد , جولي !".
وتظاهرت بأنها لم تسمعه , فلم يمتدحها بول بمثل هذه العبارات , كما لم يذهب ألى أبعد من أن يقول بخجل : أنك فاتنة!
وهب مانويل واقفا مما أثار الهلع في نفس جولي , ولكنه سار فقط ألى المصباح بجوار التلفزيون فأضاءه , ثم أتجه ألى الباب وأطفأ نور الثريا الكريستال , مما أضفى على الغرفة جوا خلابا , وزادت خطورة مانويل وأرتعدت جولي , وجلس بجانبها من جديد , وأقترب منها أكثر هذه المرة , وأزاح مائدة القهوة بقدمه ثم أمسك بخصلة من شعر جولي وأدار وجهها أليه وقال بلهجة آمرة وغاضبة :
" لم هذا الهلع؟ تعلمين جيدا أنك تودين ألمسك , وأنا أريد أن ألمسك".
وأحست جولي بألم في معدتها , وأختنقت أنفاسها , وغلى الدم في عروقها وشعرت وكأنها تتلاشى ,وهو يضغط عليها بعاطفة متقدة , آلمها ظهرها وهي ملتصقة به عاجزة تماما ولا تستطيع أن تنكر هذا الشعور الجارف الذي ثار بداخلها ليستجيب لعاطفته , لم يعانقها أحد مثلما عانقها وعندما حرّك راسه شعرت بأنفاسه تلفح عنقها وكادت تفقد أدراكها في الدقائق الأولى وتغرق في مشاعرها ألا أنها شعرت بأجراس قوية تدق في رأسها وتحذرها , وأدركت أن هذا الرجل لا يحترم المرأة ولا يتردد في السعي ألى تحقيق مآربه.
وخرجت من عالم الأحلام ونعومته ألى عالم الحقيقة , فأبتعدت عنه بحزم , بينما ظل مانويل يراقبها وهو مستلقي فوق الأريكة كما تركته , وأدركت أنه يستطيع أذا أراد , أن يرغمها على البقاء حيث كانت , ولكنه أبتعد عنها فور مقاومتها أياه , ولم تدر ما تقوله أو ما تفعله ,وأدركت أنها تتوق ألى ذراعيه ودفئه , غير أنها تمالكت نفسها مدركة المخاطر التي تواجهها والنتيجة الحتمية لتطور هذه العلاقة .
ولم ينطق مانويل بكلمة ولكن عينيه كانتا جامدتين بدون تعبير ونظرت جولي ألى ساعتها , فوجدت أنها لا تزال الثامنة والربع , وبدا لها وكأن ساعات طويلة مرت بعد أنتهائهما من تناول العشاء.
وهز مانويل كتفيه وهب واقفا أقفل قميصه وأصلح ربطة عنقه وقال بهدوء:
" سوف أصطحبك ألى منزلك".
وسار ألى حيث ترك معطفيهما وساعدها على أرتداء معطفها ثم أرتدى معطفه وأحست جولي بشعور فظيع , كانت تعرف أنه كان يجب أن تشعر بالراحة لأنه لم يؤنبها ولكنها أحست بدلا من ذلك وكأنها مذنبة ولم تستمتع بهذا الشعور.



ونزلا بالمصعد في صمت كما ظلا صامتين طوال الطريق ألى شارع فولكنر , وعندما توقفت السيارة , ألتفت أليها مانويل وهو يضع يده خلف مقعدها , وقال ببساطة وبرود:
"عودي وألعبي مع الصبية الصغار , فأنت ما زلت طفلة".
ضغطت جولي على شفتيها حتى لا ترتعدان وأحست بأنها صغيرة على نحو لا يصدق وغبية على نحو لا يصدق , وقالت بصوت مخنوق:
" أعتقد أنك كريه! هل تتصور أن كل فتاة تخرج معك تكون متلهفة على مطارحتك الغرام؟".
وأبتسم مانويل بسخرية وقال:
"عزيزتي جولي , أنك واضحة وضوح النهار! هل تتصورين أنني لا أقرأ الأفكار التي تدور في رأسك الجميل , كل ما في الأمر أنك ...... كيف أعبر عما أريد قوله , أنك ذات عقلية عتيقة , ثم أنني لا أحب المرأة التي تغيظني".
وأحتجت جولي في فزع:
"لم أكن أغيظك !".
هز كتفيه وقال :
" صحيح؟ حسنا! لنترك الموضوع عند هذا الحد , كانت تجربة في كل حال".
وضعت جولي يدها على مقبض الباب وكأنه نادم :
" لو طلبت أليك الخروج معي ثانية , هل تقبلين الدعوة؟".
وأرتبكت جولي وقالت:
" لا أدري , هل تطلب مني الخروج معك؟".
هزّ كتفيه وقال:
" ربما لن يتسع وقتي في هذا الأسبوع , ولكن قد نستطيع الألتقاء في الأسبوع المقبل في عشاء وداع , لأنني سأعود ألى الولايات المتحدة في نهاية الأسبوع القادم ".
" أحقا؟".
وشرد بفكره دقيقة ثم قال :
" ما رأيك في يوم الثلاثاء المقبل؟ يمكنني أن أمر عليك في المتجر , كما فعلت هذا المساء , ثم نتناول العشاء في مطعم هوايت دراغون".
أومأت جولي برأسها وخرجت من السيارة قائلة:
" حسنا".
ورغم هذا الموعد أحست بالغثيان كما أحست بالتعاسة وكادت تجهش بالبكاء .
وأختفت السيارة , وسارت جولي بخطوات بطيئة حتى منزلها , وعندما لم تجد المفتاح طرقا الباب وفتحته لها أمها , بينما لم تجد أثرا لأبيها.
قالت أمها توضح الأمور:
" أن السيدة كولنز في حالة ولادة , جولي ! ما بك؟ وجهك شاحب! هل أنت مريضة؟ ما الذي حدث؟".
" لا شيء ! أعتقد أنني مريضة!".
ثم ضغطت جولي على معدتها وقالت:
" أعتقد أنني سوف أتقيأ".
وأنحنت مرهقة فوق الحوض في الحمام وتقيأت ووتساءلت ماذا حدث للفتاة التي كانت خالية منذ أسبوعين , وشعرت جولي بالتعاسة ولم ترغب ألا أن تأوي ألى فراشها لتغرق همومها في النوم , غير أنها لم تستطع النوم من كثرة التفكير ألا عندما كان ضوء الفجر الخافت يلمس السماء في حوالي الساعة الخامسة صباحا.


 


قديم 09-23-15, 05:10 PM   #122
برنس وصاب

الصورة الرمزية برنس وصاب

آخر زيارة »  03-08-19 (01:32 PM)
MMS ~

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



4- قناع الرطوبة

وفي الصباح كان الجو رطبا والأمطار تتساقط عندما دخلت أمها ألى غرفتها حاملة فنجان الشاي , وقالت:
" هل تشعرين بأنك في حالة جيدة تسمح لك بالذهاب ألى العمل اليوم , أم تفضلين البقاء ! أستطيع الأتصال تلفونيا بالآنسة فترستون وأبلغها بمرضك؟".
فهزت جولي رأسها وشربت الشاي وسرها أن ذهبت ألى العمل , فقد تغيبت دونا عن الحضور لأصابتها ببرد شديد , ولولا حضورها لكان على مارلين القيام بمهام الثلاثة.
ومر اليوم ببطء , وشعرت بسعادة كبيرة عندما حل موعد الخروج , فبول يحضر مساء كل يوم خميس , وهما يلعبان البريدج مع والدها أذا كان مودودا بالمنزل , كانت جولي تجد متعة في هذه الأمسيات , وهي تحب لعبة البريدج وتتقنها , وفي مساء يوم الجمعة غسلت جولي شعرها بينما خرك الدكتور كيندي وزوجته لتناول العشاء عند أصدقاء لهما , ثم خرجت في يوم السبت بصحبة بول , وذهبا ألى حفل في منزل سامنتا , كان أصدقاء أسرة باولو من أهل الفن , فهم رسامون أو نحاتون أو ممثلون وكان الذهاب ألى أسرة باولو شيئا مثيرا أذ لا يعرف المرء من سيلقاه عندهم.
وعند وصولهما وجدا المكان غاصا بالناس , غير أن سامنتا رحبت بجولي وكأنها قريبة لها أفتقدتها منذ وقت طويل , فقالت:
" أين كنت طوال الأسبوع يا عزيزتي؟ أنتظرتك كالمعتاد يوم الأربعاء ,ولكنك لم تحضري , ثم خطر لي أنك قد تتصلين بي تلفونيا , ولكنك لم تفعلي!".
وكان بنديكت قد أصطحب بول ليعرفه على مغن ناشىء أكتشفه مؤخرا , لذلك قالت جولي لصديقتها:
" يا عزيزت سام؟ هل لي أن أحدثك على أنفراد ؟ أنني في حاجة لأن أتحدث مع أحد وألا أصبت بالجنون".
ورمقت سامنتا صديقتها بقلق وقالت:
" بالطبع يا عزيزتي , بن أرجو أن تعتني بالضيوف , لأنني أريد أن أتحدث مع جولي قليلا في غرفة النوم".
وأومأ زوجها بن ذو الجسم الضخم والشارب الذي على طراز فان دايك , وصاح قائلا:
" حسنا يا حبيبتي".
وذهبت الصديقتان ألى غرفة النوم.
وجلست الأثنتان على السرير وقالت سامنتا بحرارة:
" هيا يا عزيزتي , أفتحي قلبك لأمك".
وتنهدت جولي وروت لسامنتا كل شيء بالتحديد وبكل صدق منذ لقائهما الأخير , وأستمعت سامنتا ألى جولي , وبدت الدهشة ثم الأرتياب على وجهها , وحدقت في جولي وقالت:
" كيف يا حبيبتي؟ مانويل كورتيز! يا له من شيء مذهل ! غير أنك شديدة الجاذبية يا حبيبت وأنا أعلم أن مانويل يتحيز جدا للنساء الجميلات".
وقالت جولي بشيء من المرارة:
" أعرف ذلك , في أية حال لقد بحت لك بما في صدري , كدت أفقد صوابي في الأيام الأخيرة".
" هل ستلتقين به يوم الثلاثاء؟".
" أعتقد ذلك , لو حضر في الموعد المحدد وأذا لم يفعل فلن أنتظره طويلا كما فعلت يوم الأربعاء , بل أنني متأكدة من أنني أتصرف تصرفا سليما بالذهاب لمقابلته".
وقالت سامنتا وهي تتنهد:
" يا حبيبتي ! لا أدري ما أقوله لك! فهو طبق شهي ولكنه شديد السخونة".
ثم هزت كتفيها وأستطردت تقول:
" أنه كما تقولين لا يحترم الجنس الناعم , ولماذا يحترم أذا كانت كل أنثى في كل مدينة في العالم المتحضر تجن به جنونا".
ووضعت يدها في جيب قميصها وأخرجت علبة السكائر وقدمت سيكارة ألى جولي وقالت:
" لقد أخفق زواجه أخفاقا ذريعا بطبيعة الحال.........".
وقاطعتها جولي التي أمتقع وجهها فجأة :
" زواجه؟".
" نعم زواجه يا جولي , قرأت تاريخ حياته في أحدى المجلات في وقت ما , ربما في مجلة لايف , تزوج وهو في السادسة عشرة من عمره بفتاة مكسيكية , وأنجبا طفلة لا أذكر أسمها الآن , غير أنه أنفصل عن زوجته بعد فترة وجيزة وذهب ألى سان فرانسيسكو وعندما ذاع صيته طلقها".
قالت جولي بصوت مكتوم:
" وماذا عن الطفلة؟".
" أعتقد أنها في حضانته , فله من الأمكانيات المادية ما يمكّنه من ذلك , وهي في السادسة عشرة من عمرها الآن , أما كورتيز فأظن أنه قد بلغ من العمر الثالثة أو الرابعة والثلاثين".
وهزّت كتفيها وواصلت حديثها قائلة:
" أظن أنه أضطر ألى الزواج , تعرفين ما يحدث في هذه الحالات ..... الحمل وما ألى ذلك........ وهذه الزيجات لا تنجح أبدا ....... أو على الأقل , قلّما تنجح".


وبلعت جولي ريقها وقالت:
" بالفعل , لم أكن أعرف أنه تزوج أو أن له أبنة بالطبع".
" قليلون هم الذين يعرفون ذلك , فهو يبتعد بحياته الخاصة عن الأضواء بقدر ما يستطيع , ولا يسعى ألى الأعلان عن نفسه كغيره من النجوم".
وتذكرت جولي عشاءهما في مطعم وايت دراغون وقالت:
" أعرف ذلك , فهو لا يحب ألأماكن المزدحمة , وشقته رائعة وهي في أعلى عمارة سكنية , وتطل على منظر بديع".
وربتت سامنتا على كتفها بحنان وقالت:
"جولي , لو كنت مكانك لحاولت أن أنسى مانويل كورتيز , فهو لا يصلح لك ,وأن تصورت عكس ذلك أنت تعلمين تماما , من معاملته لك , أنه ليس جادا في علاقته بك , فلا يسعى ألى التغرير بفتاة أذا كان يحبها بأخلاص , ويحترمها ".
وتنهدت جولي وقالت:
" أعلم أن ما تقولينه صحيح يا سامنتا , غير أنني لا أستطيع أن أنساه , ويبدو أن حياته كانت قاسية جدا قبل أن يصل ألى مكانته الحالية , ولا يسعني ألا أن أعتقد أن هذا هو سبب قلة أحترامه للنساء , ثم هذا الزواج أيضا........".
وهزّت رأسها وواصلت حديثها قائلة:
" من الذي يعلم حقيقة هذا الزواج ؟ من الغريب يا سامنتا ,أشعر بأنه وحيد برغم كل ثروته وذيوع صيته!".
وصاحت سامنتا بدهشة :
" ماذا تقولين ؟ قد يكون مانويل كورتيز أشياء كثيرة , ولكنه بكل تأكيد لا يثير الشفقة".
ووقفت جولي وسارت في أتجاه النافذة , ونظرت ألى الخارج بدون أن ترى شيئا , أن سامنتا قد تكون أكثر فهما للرجال , ولكنها لا تعرف مانويل , فهي لم تر الرجل خلف القناع الأجتماعي .
ورفعت سامنتا حاجبيها وقالت:
" الأمر متروك لك يا جولي , ولكن أعتقد بأنني أكثر منك معرفة بالرجال ".
وأبتسمت جولي قائلة:
" حسنا يا سام , أصدقك , ولكن ليت لي خطة واضحة أتبعها ".
ولم تستطع سامنتا معاونتها في هذا الموضوع , فقد عبّرت لها عن رأيها , وهو أن مانويل لا يناسبها , ولا أخلاق له وقد سبق له الزواج والطلاق , وله أبنة في سن المراهقة لا تصغرها بكثير , غير أن ذلك كله لم يساعدها في شيء , فقد ظل بنفس الجاذبية ونفس الخطورة على راحة بالها .
وكانت النتيجة أن بول بدأ يزعجها بسلوكه المهذب , فكرهت قيادته المتزنة والحريصة للسيارة , وطريقة وضعه للسيكارة بين أصبعيه , ورفضه أي شراب , يا له من شعور فظيع , أن يدي بول الناعمتين تختلفان تماما عن أصابع مانويل الخشنة , كما أن جسم بول البدين يختلف أيضا عن جسم مانويل النحيف بحيث لم يعد فمه الرقيقي سوى مبعث لأشمئزازها .
وفي يوم الأحد أعتذرت عن الغداء عند والدي بول وتظاهرت بالمرض وقضت اليوم بأكمله بالمنزل , وأحست بالملل والكآبة , ولكنها لم تكن تستطيع أحتمال تبادل الحديث في منزل بول.
وخرج أبواها في المساء , فقرأت كتابا وشاهدت وبدت كل حياتها موجهة نحو يوم الثلاثاء .......... ورفضت التفكير فيما بعد ذلك .
وبحلول يوم الثلاثاء أصبحت قلقة كالنهر , وعجزت عن الأكل أو التفكير في أي شيء آخر ألا مانويل , وأدركت أنها تقترب من حالة لا تهتم فيها بشيء ألا بالحاضر , وأنها يجب أن تأخذ ما يقدم لها , وتقبض عليه بكلتا يديها قبل أن يتسلل بعيدا عنها ألى الأبد.


وأرتدت ثوبا ضيقا باللون الكحلي , وألقت فوقع معطفا من الجلد الأحمر , وبدت صغيرة السن غير مدركة لجمالها .
مرة ثانية خاب أملها , فلم تشاهد عند وصولها ألى الشارع مانويل كورتيز أو سيارته , وكان الجو باردا , كما كسا الضباب كل شيء بظلال رمادية .
كانت أقسمت ألا تنتظر , ولكنها ظلت في مكانها لا حول لها ولا قوة , وأخذت تدعو الله أن يعينها , وجاء العون في شكل رجل صغير الحجم يرتدي معطفا رماديا وقبعة رمادية .
قال وعيناه تبتسمان :
" أخيرا عثرت عليك يا آنسة كيندي , آسف لأنتظارك , غير أن السيد مريض , ولن يستطيع الحضور الليلة , وقد طلب مني أن أوضح لك الأمر".
ولم يكن يتقن الكلام باللغة الأنكليزية مثل كورتيز , غير أن جولي لم تهتم بذلك , فقد ركزت كل تفمكيرها على ما يقوله , ثم قالت:
" مريض؟ هل حالته سيئة ؟ هل حضر الطبيب؟".
وهز جوزيه رأسه وقال :
"ليست وجوزيه يعرف كيف يعالجه".
وحملقت جولي فيه وأردفت :
" أقصد.... ألا تظن أن ....... هل يمكنني أن أعود معك ألى الشقة؟".
وهز جوزيه كتفيه قائلا:
" لا أعتقد أن السيد يروق له ذلك ".
وأتخذت قرارا وقالت :
" ما لنا وما يقوله السيد , فأنا ذاهبة معك , أين السيارة؟".
" لم أحضر السيارة يا آنسة كيندي , بل ركبت مترو الأنفاق".
وهز جوزيه كتفيه من جديد , وبدا واضحا أنه غير مسرور بقرارها , غيرأنه لم يكن ليستطيع منعها من مصاحبته , وسارا من المحطة حتى لينانون كورت , ولم يسمح الحارس لجولي بدخول العمارة ألا بعد أن ضمنها جوزيه.
وما أن وصلا حتى بدأت عزيمتها تضعف , فما عساها أن تفعله أذا أتضح أن مانويل أرسل جوزيه بأعتذاره لمجرد أنه يريد الخروج معها , ولم تكن هذه الفكرة قد خطرت على بالها من قبل , ونظرت ألى جوزيه بعصبية بينما صعد بهما المصعد , غير أنه بدا شارد الذهن.
وأذ دخلت الشقة خلعت معطفها بسرعة قبل أن تخونها شجاعتها وسألت جوزيه:
" أين هو ؟ هل هو في غرفته؟".
وحاول جوزيه الأحتجاج , ثم أتجه , وكأنه قد أعترف بهزيمته , ألى باب الغرفة وفتحه وقال بصوت خافت:
" غرفة السيد , غير أنني.......".
ألا أن جولي تخطته ودخلت ألى الغرفة وسمعته يغلق الباب بهدوء , وألقت نظرة خاطفة ألى الوراء ورأت نه قد دخل خلفها ,وتساءلت هل تصور أنها تعتزم أيذاء مانويل.
كان أثاث الغرفة من الخشب القاتم والأألوان القاتمة بأستثناء السجاد الذي أختير من اللون البرتقالي الزاهي , وقد أدفأ جهاز التكييف الغرفة بالقدر المناسب , غير أن الرجل في السرير الضخم الذي بلغ طوله ستة أقدام تحرك بقلق , وقد تغطى جزئيا فقط بملاءة حريرية وبطانيتين وتصبب العرق من جبينه وصدره الأسمر العاري.
وأتجه جوزيه أليه مسرعا ووضع الغطاء عليه من جديد , متمتما بلغة أجنبية , وأتجهت جولي ببطء ألى الجانب الآخر من السرير , وبدا واضحا أن مانويل لم يحلق منذ يومين , فقد نمت له لحية صغيرة وبدا وجهه شاحبا .وهمست جولي:
" جوزيه , هل أنت واثق من سلامة علاجك له؟".
ولمعت عينا جوزيه ورد:
" أنني أحب السيد يا آنسة كيندي , وألا ما بقيت معه , أعطيته جرعة الدواء وسوف يتحسن , ولكن هذا يستغرق بعض الوقت".
" كم من الوقت يستلزمه ذلك؟".
وتنهدت عندما أبدى جوزيه تعبيرا متعاليا وقالت:
" هل جففت العرق الذي يبلل جسمه ؟ هل غيرت الملاءات؟".
" بالطبع يا آنسة كيندي , لقد غيرت الملاءات هذا الصباح".
وأمسكت جولي الملاءة , فوجدتها رطبة , وحرارة مانويل مرتفعة فقالت :
" أعتقد من الأفضل تغيير الملاءة من جديد ".
" حسنا سوف أفعل ذلك".
" سوف أساعدك".
وتأوه مانويل فجأة وقال :
" جوزيه؟ هل ذهبت ألى متجر فوردهامز ؟ هل رأيت جولي؟".
" نعم يا سيدي , وأبلغتها رسالتك".
" حسنا".
وفتح مانول عينيه برهة ثم أغمضهما من جديد .
نظرت جولي ألى جوزيه الذي هزّ كتفيه وقال :
" أنه يفيق من حين ألى حين , ولكنه يفقد وعيه عندما تلازمه الحمى".
وهزت جولي رأسها معربة عن عدم رضاها , وأتجهت ألى الباب الذي أعتقدت أنه يؤدي ألى الحمام , وعثرت فيه على قطعة من الأسفنج , ففتحت حنفية الماء البارد , وبللتها وعصرتها ثم عادت بها ألى غرفة النوم, ووضعتها على جبين مانويل , كانت باردة كالثلج فتحرك مانويل من مكانه لحظة.



وضغط جوزيه على شفتيه وقال :
" يجب ألا تتدخلي في عملي يا آنسة كيندي , أرجو أن تغادري الغرفة , حتى أغير الملاءة ".
" سوف أساعدك".
" طلا!".
ورمقته جولي في دهشة :
" لم لا أساعدك؟ أستطيع أن أعاونك بكل تأكيد !".
" كلا! فلن يروق ذلك للسيد".
" حسنا".
وخرجت جولي ألى غرفة الجلوس وأغلقت الباب .
ومرت بضع دقائق , ثم خرج جوزيه وقال :
" لقد أنتهيت من تغيير الملاءة , والسيد ينام الآن".
وعقدت جولي حاجبيها وقالت:
" أعتقد أنك تتوقع أنصرافي الآن ".
" الأمر متروك لك يا آنسة كيندي ,فلن يتعرف عليك السيد في هذه الليلة".
" هل يمكنك أن تقدم لي شطيرة أذا بقيت؟ فلم أضع شيئا في فمي منذ أن تناولت وجبة الغداء".
وهز جوزيه كتفيه بأزدراء واضح , وسار في أتجاه المطبخ بعد أن قال:
" حسنا".
ودخلت جولي ألى غرفة النوم من جديد , ووجدت مانويل مستغرقا في النوم كما قال جوزيه , وبدا أصغر سنا , جلست في مقعد منخفض بجوار السرير وأخذت تراقبه , شعرت بلذة مشوبة بالألم وهي أمامه , فهو قريب منها وبعيد عنها في نفس الوقت , وبدت درجة حرارته أقل الآن , وكان جوزيه قد أبعد قطعة الأسفنج ووضع مكانها كيس ثلج لا بد وأنه كان في الغرفة , ولكنها لم تره.مسكين جوزيه لا شك أنها قلبت برنامجه رأسا على عقب.
عاد جوزيه وهو يحمل صينية وأشار أليها بيده أن تخرج ألى غرفة الجلوس لتأكل , ونهضت جولي وهي تتنهد لتنفذ طلبه.
ووجدت على الصينية نصف دجاجة وطبق سلاطة وبعض الخضر وشرائح من البطاطا المحمرة , كما وجدت أيضا كعكة بالفاكهة الطازجة والمثلجات , وصاحت بدهشة :
" جوزيه! لم أتوقع كل هذا الطعام , أنني آسفة جدا , فلم يكن ما يدعو ألى كل هذا التعب".
وأبتسم جوزيه وقال :
" ذلك أقل ما يمكنني فعله يا آنسة كيندي , أرجو أن يعجبك الطعام , وأن تناديني عندما تنتهين حتى أقدم أليك القهوة".
وفتح جهاز التلفزيون وهو في طريقه ألى الخروج من الغرفة , وأخذت جولي تراقب البرامج وهي شاردة الذهن , وعندما عاد أليها جوزيه بعد أن أنتهى من غسل الأطباق سأل:
" هل أستطيع أن أطلب منك خدمة يا آنسة كيندي؟".
" بالطبع يا جوزيه , ماذا تريد؟".
" تواعدت وصديق لي على الخروج اليلة , وكما ترين لا أستطيع , فهل تستطيعين الذهاب أليه لتبلغيه رسالة مني , المكان الذي أتفقنا على اللقاء فيه لا يبعد كثيرا عن المنزل , ولا أريد أن أتركه ينتظرني في الشارع".
وعقدت جولي حاجبيها وقالت:
"لم لا تذهب أليه يا جوزيه؟ يمكنك أن تفعل ذلك بسهولة , فسوف أبقى هنا ساعة أو أكثر , حافظ على موعدك معه , في أية حال ليس ثمة ما يمكن أن تعمله للسيد كورتيز , فمن المرجح أنه سينام بعض الوقت كما تقول".
وظهرت الدهشة على وجه جوزيه , وبدا واضحا أنه لم يفكر في هذا الحل , وربما رأى أن عليه التخلص من جولي وأبعادها عن المنزل , فقال:
" لا أدري , فقد يحتاج السيد ألى........".
قالت جولي بحزم:
" هراء ! أنني أبنة طبيب وعلى علم بمبادىء الأسعافات الأولية , وأنا على يقين من أنني أستطيع مواجهة الأحتمالات".
وهز جوزيه كتفيه وقال:

" حسنا يا آنسة كيندي, سوف أذهب ألى صديقي , ولكنني لن أمكث طويلا , سأعتذر أليه فقط ثم أعود, ولا أعتقد أن ذلك سيستغرق أكثر من نصف الساعة".
وأبتسمت جولي وقالت:
" أفعل ما يروق لك , فأنني لن أسرق الأواني وألوذ بالفرار".
وأبتسم جوزيه هو أيضا وقال:
" هل أةصيك بذلك؟ أنني آسف و وأشعر بقلق كبير بشأن السيد , هل تفهمينني؟".
" بالطبع , وأنصحك أن تخرج مع صديقك يا جوزيه , فلا يهمني أن أمكث وحدي بالشقة".
وقال جوزيه ببطء:
" ربما فعلت ذلك , سوف أذهب لأرتداء معطفي".


وبعد خروجه شعرت جولي بالأسترخاء الكامل , وأسعدها أن تتصور أنها صاحبة الدار لبعض الوقت على الأقل و ورقدت على الأريكة وأمسكت بكتاب عش وأترك الآخرون يموتون , للروائي ( أيان فلمنغ) , الذي وجدته على أحد رفوف المكتبة , وأخذت تقرأ فيه , وأحست بالدفء والنعاس , كما أسعدها أن تشعر أنها على مقربة من مانويل.
ويبدو أن النعاس قد غلبها , فأستغرقت في النوم , أذ أستيقظت على جرس الباب وشخص ما يطرق على الباب بعنف , وتركت الأريكة بسرعة وبدون أن تلبس حذاءها وأتجهت ألى الباب متوقعة أن تجد جوزيه , غير أنها دهشت أذ رأت أمرأة واقفة , كانت مخلوقة قصيرة القامة , ناعمة جميلة ,لها شعر أحمر ذهبي وعينان سوداوان لامعتان , عينان أسبانيتان كما قال بول , لا بد أنها دولوريس أريفيرا !
وكانت دهشة جولي كبيرة لا تفوقها ألا دهشة دولوريس أريفيرا نفسها , التي رمقتها بنظرة وقحة وتفحصت ملابسها غير المرتبة , ثم نحتها جانبا ودخلت الشقة وسألت:
" مانويل! أين مانويل؟".
وشبكت جولي أصابعها وقالت بشيء من الحرج :
" أنه في السرير , فهو مريض".
" مريض! مانويل؟".
وشدت دولوريس أريفيرا المعطف حول جسمها وأتجهت مباشرة ألى باب غرفة نوم مانويل , وأدركت جولي وقد خانتها شجاعتها أن دولوريس تعرف مكان غرفة مانويل.
ومدت جولي يدها ألى الأمام وقالت:
" أرجوك , أنه نائم , لا توقظيع ....كنت أرقد على الأريكة فغلبني النوم".
توقفت دولوريس لحظة , ووضعت يدها على مقبض الباب قائلة بصوت لاذع:
" من أنت؟".
" جولي كيندي, أعتقد أنك الآنسة أريفيرا , أليس كذلك؟".
" هل حدثك مانويل عني؟".
" كلا ....... أنا أعرف".
أبتسمت دولوريس أبتسامة صفراء وتركت مقبض الباب وسارت عدة خطوات في أتجاهها وقالت بصوت حاد:
"وما سبب وجودك هنا؟ هل أنت الممرضة؟".
أحمر وجه جولي وأجابت:
" كلا , رغب جوزيه في الخروج , فأخبرته أنني أستطيع البقاء هنا ".
" أحقا ذلك؟ أنت صديقة جوزيه أذا؟".
" يمكنك أن تعتقدي ذلك , أقترح أن تأتي غدا أذا أردت مقابلة سيد كورتيز ".
" أتعتقدين ذلك؟".
وفتح باب غرفة النوم فجأة ووقف مانويل بجانبه وقد أرتدى رداء منزليا من الحرير الكحلي , قال وهو يترنح بضعف:
" لم هذه الضوضاء ؟ دولوريس! جولي! لماذا جئت ألى هنا؟".
وجرت دولوريس أليه أحتضنته وهي تتمتم بحنان:
" يا حبيبي , هل أنت مريض؟ لماذا لم تخبرني بمرضك؟ لو عرفت لأسرعت أليك لأمرضك".
وألتقت عينا مانويل بعيني جولي من فوق رأس دولوريس , وبرغم أن نظرته كانت جامدة نتيجة الحمى التي يعاني منها , ألا أن جولي أيقنت أنه سعيد برؤيتها , وأزاح بضعف دولوريس بعيدا عنه وقال:
" أرجوك يا دولوريس , أين جوزيه؟".
قالت جولي :
" ذهب لمقابلة صديق له , وأبلغته أنني سوف أنتظر حتى يعود ".
وأتجهت دولوريس أليها وقالت :
" حسنا , هذا لم يعد ضروريا! فقد جئت الآن , وسوف أقوم بتمريض مانويل المسكين".
وهز مانويل رأسه وقال :
" كلا , أذهبي أنت يا دولوريس , لماذا حضرت ؟ لقد أنتهى كل شيء بيننا".
وأرتجفت جولي , فلو أن مانويل تحدث أليها بهذه اللهجة لماتت من شدة الأسى , ولكن كان واضحا أن دولوريس أعتادت تلك اللهجة فلم تتحرك شعرة منها ,بل نظرت بسخرية وقالت:
" أرى أنك لا تزال غاضبا مني ولكنك ستنسى..... سوف أنصرف الآن ولكنني سأعود!".
وضحكت قليلا فرمقها بنظرة باردة , وأتجهت ألى الباب ببطء ثم ألتفتت ورمقته بنظرة ساخرة.
وعندما أدار مانويل وجهه , أسرعت ألى الخارج غاضبة وصفقت الباب وراءها ,ثم مال مانويل على باب غرفته .
وقد بدا عليه الوهن , فأندفعت جولي نحوه بدون تفكير وأحاطته بذراعها حتى يستند أليها وقالت:
" يجب أن تعود ألى السرير , فما كان ينبغي أن تغادره أصلا".
وقال مانويل بصوت جاف:
" لست مريضا ألى هذا الحد".
غير أنه أتكأ عليها بينما أتجهت به ألى السرير حيث كانت الملاءة غير مرتبة ,وساعدته على الجلوس بجوار السرير وقالت:
" سوف أصلح الفراش حتى تشعر براحة أكثر".


وهز مانويل كتفيه ولكنه لم يعترض ثم ساعدته على اوقوف وقالت :
" أخلع الرداء".
ونظر أليها وكاد يضحك وقال:
" أعتقد من الأفضل ألا أفعل ذلك".
وأحمر وجه جولي وقالت:
" تعني....... أنت".
وفهمت سبب رفض جوزيه أن تساعده في تغيير الملاءة , وقالت :
" في أية حال ألى السرير".
وأطاع مانويل أمرها وتابعت جولي:
" لن يطول غياب جوزيه , هل تريد شيئا".
وتمتم بصوت خافت وهو يجذبها أليه:
"أ نت".
وأحست بدفء يديه وبالحنين أليه , فذلك هو مانويل وهاتان العينان المتسلطتان عيناه و أن أحدا لم يعانقها كما يفعل مانويل , وقاومته بشيء من التردد ثم قالت:
" يجب أن تستريح ,هذا جنون".
" أنني مستريح وأنت مخطئة يا جولي فهذا ليس جنونا".
ووضعت راحتيها على وجنتيها وتمتمت:
" يجب أن أذهب".
أنتبهت جولي فجأة ألى أنهما وحدهما في الشقة وأنها تحت رحمته , فهل يتمالك نفسه مثلما فعل في الأسبوع الماضي فيتركها تغادر المكان ؟ كانت قد تصرفت بغباء عندما حضرت أليه , فهو يجذبها كما يجذب النار الفراشة , ولا تستطيع مقاومته.
وشدّها أليه ثانية وتمتمت وهي تعترض بضعف وأذا باباب يفتح ويقف به جوزيه وقد أحمر وجهه.
وصاح وهو يضع يده على فمه :
" آسف يا سيد , أعتقدت أن الآنسة كيندي قد غادرت الشقة".
ونهضت جولي واقفة , وأدركت أن جوزيه يرمقها بحذر , ترى ما هو هذا الشيء في مانويل الذي يجعلها تتناسى كل مخاوفها اطبيعية وتتصرف بمثل هذا الشكل؟
ووقف مانويل وقال بشيء من السخرية:
" لقد تصرفت تصرفا سليما يا جوزيه , فمن المرجح أنك منعتنيمن عمل كنا سنندم عليه".
ونظر ألى جولي برهة ثم تنهد وقال:
" لقد حان وقت عودتك ألى منزلك".
ثم أتجه ألى جوزيه وقال :
" أخرج السيارة وأصطحبها ألى منزلها".
" نعم يا سيد".
وقالت جولي وهي تهز رأسها:
" لا داعي لذلك , من الأفضل لي أن أركب الباص وأستطيع أستنشاق بعض الهواء".
وخرجت مسرعة من غرفة النوم وأرتدت معطفها , ولم تنتظر لتسمع الرد بل جرت ألى خارج الشقة وهي تقول:
" وداعا".
وجرت حتى محطة الباص وركبت أول سيارة بدون أن تستفسر عن وجهتها , وأخيرا أدركت أنها في شارع مارنغتون وأنها تبعد أميالا عن منزلها.


 


قديم 09-23-15, 05:11 PM   #123
برنس وصاب

الصورة الرمزية برنس وصاب

آخر زيارة »  03-08-19 (01:32 PM)
MMS ~

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



5- حبيبتي الحمقاء

أحست جولي بتعب شديد في الصباح يوم الأربعاء بعد ليلة من الأرق , ولاحظت الفتيات في المتجر شجوب وجهها وتوتر أعصابها الذي بدا في حركاتها القلقة , غير أنهن أمتنعن عن أبداء أية ملاحظة , وشعرت جولي بالأمتنان أزاء هذا التصرف , فقد أثارت فضولهن , ولكنهن تصورن أن أكتئابها يرجع ألى ما عرفته دونا , وهو أن جولي رفضت موعدين لبول , فأعتقدن أنها أختلفت معه وأن ذلك قد أحزنها , وتوقعت صلحا وشيكا بينهما ينتج عنه أعلان خطبتهما , وكان ذلك أبعد ما يكون من الحقيقة.
وفي مساء يوم الأربعاء , قررت جولي الذهاب رأسا من المنجر ألى سامنتا كما أعتادت أن تفعل وأن تبلغ أبويها ذلك بالتلفون , فسوف يريحها أن تقضي بعض الوقت مع صديقة تعرف كل شيء عن علاقتها بمانويل , بدون الحاجة ألى التهرب من الأسئلة والسكوت المحرج.
وبعد تناول وجبة شرب بنديكت وسامنتا وجولي القهوة في غرفة الجلوس , وجلسوا على مقاعد منخفضة مريحة بجانب مدفأة كهربائية , فأحست جولي بالدفء والأسترخاء.
وتفحصها بن بعمق ثم قال :
" تقول سام أنك تعرفين مانويل كورتيز ".
وقالت جولي وهي تتنهد :
" بالفعل , هل تعرفه ؟".
" يا ألهي ! كلا! بل أثارت سام فضولي بشأن رأيك فيه".
ثم هز كتفيه وتابع:
" يا عزيزتي جولي! أنني أنظر ألى كل شيء من خلال فرشاة رسمي , وقد خطر ألى أن وجه مانويل كورتيز من النوع الذي أحب أن أرسمه , فهناك شيء ما في وجهه .....لا أستطيع تحديده بالضبط غير أنني أتخليه واحدا من غزاة الأسبان أو مصارعي الثيران من يدري!".
وقالت سامنتا :
" ما لنا ومناقشة هذا الموضوع الآن ! لقد قلت لك ........".
وقالت جولي وهي تبتسم :
" لا تقلقي يا سامنتا ! فلن أنهار , والواقع أنني أحس براحة كبيرة في الحديث عن مانويل , فقد قل الألم الذي شعرت به طوال االيوم ".
في بداية اليوم شعرت بأنه سيحاول الأتصال بها , فهو يعلم أين تعمل كما يعرف عنوان مسكنها ,وأذا لم يستطع الأتصال هو نفسه فأن جوزيه يستطيع أن يفعل ذلك , غير أنها أيقنت الآن أنه لن يفعل , وواصلت حديثها قائلة:
" أعرف ما تعنيه , تعرفت على رجال عديدين يتسمون بالوسامة ,ولكن مانويل يتميز بما يفوق مجرد الشكل الجميل , وأرى أنك على حق و فأنه يتصف بهيمنة من نوع ما ".
وعقدت حاجبيها وأضافت:
" لم تكن حياته سهلة , غير أنه أنتصر وقد لا يستطيع أحتمال الخسارة الآن ".
وقالت سامنتا :
" أنه لا يبدو على هذا النحو , رأيت فيه دائما رجلا كبير الثقة في نفسه".
وقال بنديكت بلهجة حادة :
" هو كذلك , غير أنه ليس من السهل أن يصل شخص من بيئته ألى ذيوع الصيت في هذه السن المبكرة".
وعلّقت سامنتا على الحديث قائلة:
" أنكما مملان , ثم أنك لا تحتاج ألى نموذج موديل للصور من النوع الذي تشهد أليه , فهناك صور عديدة رسمت بالفعل للأسبان المتعالين".
وهزّ بنديكت رأسه وقال :
" يا لك من حمقاء يا حبيبتي , أن كل صورة أرسمها ملكي , تحمل توقيعي وتكشف عن شخصيتي ألى حد ما , أنني أرسم ما أرى , وأنا أرغب في رسم كورتيز".
وقالت سامنتا بزهو:
" لن يحالفك الحظ , فأن كورتيز سيغادر ألى الولايات المتحدة غدا , قرأت ذلك في صحيفة ستاندرد لهذا المساء".
وأصفر وجه جولي وأنقبض قلبها , وكادت كلمات سامنتا أن تصيبها بالشلل من فرط ألمها , لا يمكن أن يحدث هذا , لا يمكن أن يغادر البلاد بدون أن يتصل بها!
كانت الأضاءة خافتة بالغرفة فلم يلاحظ بنديكت وسامنتا أضطرابها , مما أراح جولي , فهي لن تحتمل تعاطفهما كما لا تستطيع أن تتصوّر العودة ألى منزلها في المساء لتستأنف حياتها وكأن تغييرا لم يحدث في حياتها.
وسألتها سامنتا أذا كانت تريد مزيدا من القهوة , وأومأت جولي برأسها , أن قدحا من القهوة وسيكارة يمكن أن يعطياها القوة اللازمة لمغادرة الشقة بدون أن تجهش بالبكاء.
وفي مساء يوم الخميس , شاهدت جولي على شاشة التلفزيون مانويل وهو يغادر مطار لندن , وذكر المعلق أن كورتيز ألغى بعض عروضه في الأسبوع الماضي نظرا لأصابته بفيروس ,وأنه يأمل بالعودة في فترة لاحقة من هذا العام ليفي بألتزامتاته.
وتألمت جولي عندما رأته يصعد ألى سلم الطائرة , ثم يلوح بيده لمجموعة من المعجبين الذين جاءوا ليودعوه , وبدت كأنها لا تصدق , ولا تتصور أنها كانت بين ذراعيه , وأخذت تتذكر كلامه الدافىء وأهتمامه بها........ لا فائدة من أن تقول لنفسها أنه لم يكن حسن النية , فتلك كلمات قديمة لا تساير العصر , كانت علاقتهما حلقة في حياتها سوف تختفي من الواقع وكلما قبلت هذه الحقيقة بسرعة كلما كان هذا أفضل.


وعاد بول بانستر , الذي لم يعرف شيئا عن علاقتها بمانويل كورتيز ,دخل حياتها من جديد , ولم توجه لها أمها أسئلة غير ضرورية عندما أصبح واضحا أن جولي لم تعد تخرج مع رجل آخر , فقد تفهمت الوضع منذ البداية , وكانت سامنتا وحدها هي التي عرفت حقيقة الوضع غير أنها تجنبت الحديث فيه .
وبعد ثلاثة أسابيع أكتشفت جولي أن حياتها أكتسبت من جديد شكلا طبيعيا , ففي غياب مانويل , أصبح بول مرة أخرى شابا لطيفا , وأدركت جولي أنها تستطيع ,أذا بذلت مجهودا كبيرا , نسيان مانويل وهي في صحبة بول , فهي شابة ويمكنها بما لها من مرونة الشباب , التغلب على حالة الأكتئاب التي من شأنها أن تحطم حياتها وتقضي على جمالها.
وأقترب موعد عيد الميلاد , وأنشغل العاملون في المتجر بأقامة الزينات ,وذهب بول وجولي ألى الحفلات الراقصة والدعوات وأعد الترتيبات لقضاء ليلة العيد.
فقد أتفق بول وجولي على قضاء اليوم في صحبة سامنتا وبنديكت , بينما أحتفل أفراد أسرتهما بالعيد سويا , وقالت جولي لسامنتا أنها تتصرف تصرفا أحمق أذ تقيم حفلا بمنزلها يوم العيد , في حين أن موعد ولادتها كان اليوم التاسع والعشرين من دسمبر , ولكن سامنتا ضحكت وهزّت كتفيها وقالت أنها لا تريد أن تقضي يوما كئيبا في أنتظار يوم الولادة , ولم تستطع جولي أن تثنيها عن رأيها , وعلى كل حال حدث شيء وهي عند سامنتا تستطيع على الأقل مساعدتها ., وهكذا قضت جولي يوم عيد ال
غير أن سامنتا لم تنتظر مرور يوم العيد لتضع طفلها , بل وضعته في ليلة عيد الميلاد , في مستشفى سانت ديفيد للولادة , وشاهدت لأول المولود , وشعرت بألم في معدتها وهي تنظر ألى وجه المولود الصغير الذي أمسك بأصابعه الصغيرة القوية أصابعها ,وفكرت أنه شيء رائع أن تتزوج الفتاة من الرجل الذي تحبه وأن تنجب طفله.
وقالت سامنتا التي كانت منهمكة في قراءة برقيات التهنئة :
" ما بك يا عزيزتي , مرّت ستة أسابيع على سفر مانويل كورتيز ألى الولايات المتحدة ,ولا أتصور أنك لا تزالين تفكرين فيه".
وأعتدلت جولي في جلستها وهزت كتفيها وأجابت:
" أنني أفكر به في بعض الأحيان , أنا أحسدك يا سام , فعندك كل شيء , لا بد أنك في غاية السعادة".
" أنني سعيدة بالفعل".
ونظرت سامنتا بقلق ألى صديقتها وقالت:
" أن الأمر يقتضي حسم الموقف , تزوجي من بول , فلو تزوجت وأنجبت أطفالا فستنسين مانويل كورتيز ".
" أن هذا غير أكيد , لا أستطيع أن أخدع بول وأتزوجه لأكتشف بعد بضعة أعوام أنني أرغب في الطلاق".
" هذا صحيح , حسنا أذا , ربما تحتاجين ألى تغيير للبيئة , لم لا تغيرين عملك؟ لم لا تبحثين عن عمل يتصل بالأطفال ؟ فأنت دائمة القول بأن ذلك ما تريدينه , ويمكنك أيضا أن تتدربي على التمريض , فهناك نقص في عدد الممرضات".
وهزّت جولي رأسها وقالت:
" لا تكوني حمقاء يا سامنتا , أنني على ما يرام , وأتوقع أن أتزوج بول يوما ما , ولكنني لن أفعل ذلك الآن , فلا أريد أن أرتبط بهذه السرعة".
وردت سامنتا:
" لو كنت تحبين لرغبت في الزواج منه غدا".
أجابت جولي:
" هذا كلام غير واقعي".
وهزّت سامنتا كتفيها وقالت:
" ربما".
ثم غيرت الموضوع.
كان بول قد أشترى لجولي سوارا من الفضة بمناسبة عيد الميلاد وساور جول الشك في سلامة قبولها هذه الهدية , غير أن سعادته بمفااجأتها , أبعدت عنها هذه الأفكار , فشكرته بحرارة ,ووضعت ذراعيها حول عنقه وقبلته قبلة سريعة.
أما هي فقد أشترت له بعض الأسطوانات وأستمعا أليها في ظهر يوم عيد الميلاد.
وأحست جولي بالهدوء التام وهالها أن يقول بول لها بصوت خافت :
" جولي , لم لا نتزوج في الربيع المقبل؟ لا يوجد أي سبب لتأجيل ذلك و دخلي يكفي شقة مناسبة لنبدأ حياتنا".
ردت جولي بشيء من الحرج:
" بول! تعرف أنني أستلطفك ,غير أنني لست واثقة من حبي لك".
ووضع بول ذراعه على كتفيها وأدارها أليه وقال :
" لماذا؟ ما هي المشكلة التي تواجهينها؟ يمكننا مناقشة هذا الموضوع نظرا للعلاقة الطويلة بيننا".
وقالت جولي وقد بدا الشك في صوتها :
" لا أعتقد ذلك . هل كانت لك ........ أعني.......هل كانت لك في يومما علاقة بأمرأة أخرى؟ يا ألهي! لقد أسأت التعبير بول! هل رغبت في أمرأة بدون أن تريد الزواج منها؟".
ونهض بول فجأة وقال:
" جولي!".
تابعت جولي وهي تتنهد :
" هل حدث ذلك؟ يا بول! لا شك تستطيع أن ترى أنني لا أسألك بدافع الفضول ".
" لماذا تسألين أذا؟".
" يهمني أن أعرف ذلك".
" حسنا أذا , فقد أجتذبتني النسلء قبل أن أعرفك , غير أنني منذ عرفتك لم أفكر في سواك , لم هذا السؤال ؟ هل أجتذبك رجل آخر؟".
وأحمر وجه جولي وقالت :
" أن الرد على هذا السؤال ليس بالأمر السهل ولكن العلاقة بيننا كانت دائما ......علاقة الزميل بالزميلة , وقد تساءلت في الفترة الأخيرة عما أذا كنا قد أنحرفنا ألى شيء لم لم يكن موجودا أصلا!".
وقال بول بدهشة :
" جولي ! أنا واثق من شعوري نحوك!".
" كيف يمكنك أن تكون واثقا من ذلك؟".
" أن لنا ميولا مشتركة , أن كلا منا يريد منزلا وأسرة ,أن لنا أحلاما مشتركة كثيرة.....".
" هل هذا هو الحب؟ أعني أن تأسيس منزل وأسرة يستوجب أكثر من مجرد الصداقة بين شخصين , كيف تستطيع أن تتأكد من أننا سنكون سعيدين".
وبدا الضجر على بول الذي قال:
" أنك مزعجة يا جولي , ربما لأنك مرهقة قليلا ........فلم يسبق أن تحدثت من قبل بهذا الشكل ,وأنا من ناحيتي لا أرغب في مواصلة الكلام".


وأحنت جولي كتفيها , فلم تكن تريد أزعاجه , بل كانت ترغب في زواج يدوم مدى الحياة كلها , ولم تكن تريد أن تتزوج ثم تضطر ألى طلب الطلاق لعدم وجود تكافؤ بينها وبين بول , فهناك علاقة حب تربط بين أبويها بعد مضي خمس وعشرين سنة على زواجهما وهي تعتزم أن يكون زواجها على هذا انحو.
ونهض بول واقفا وقال بقلق:
" لماذا الحديث على هذه الصورة في هذا اليوم بالذا ؟ لقد أخبرت والدي أنني سوف أعرض الزواج في هذه الليلة , ولا بد أنهما قد أخبرا والديك بذلك".
" بول , ما كان يجب أن تفعل ذلك".
" لماذا؟ كيف لي أن أعرف أنك سوف تتصرفين كفتاة مراهقة؟ لقد تصورت أنك في نفس حماسي".
وهزّت جولي رأسها وقالت:
" بول لا أستطيع الرد عليك الآن , قد أكون أصبت بشيء , غير أنني قد أتغلب عليه , في أية حال لا يمكنني الموافقة على الزواج منك الآن , فأذا رأيت أنك لا تقبل تأجيل ردي تستطيع أن تقترن الآن وينتهي الأمر فليس من الصواب أن تنتظر أن تأخذ قرارا , أن لك مطلق الحرية في أن تعيش حياتك على النحو الذي تريده , وسوف أتفهم الأمر أذا رغبت في أن نفترق الآن".
وضغط بول على شفتيه وقال :
" جولي! جولي! لا أريد أن نفترق , فأنت الفتاة الوحيدة في حياتي , أنت تعلمين ذلك , وسوف أنتظر حتى تصلي ألى قرار".
شعرت جولي بالندم لما أقدمت عليه , ونهضت واقفة ووضعت ذراعها في ذراع بول وقالت:
" بول أنني شديدة الأسف ! ليتني أستطعت أن أجيبك ألى طلبك".
" سوف تفعلين بعد قليل , أنني واثق من ذلك".
وأومأت جولي برأسها غير أنها تمنت لو كانت لها نفس الثقة وتمنت من كل قلبها لو أنها هي وبول لم يحضرا الحفل الراقص , كما تمنت لو أنها لم تقابل مانويل كورتيز , لولا أثره المزعج لتزوجت بول في الربيع القادم ,وكان يمكن أن يكون لهما طفل بعد عام آخر , وهكذا تستطيع أن تنعم بالسعادة التي تتحقق بعد أن تصبح أما.
وأنحنى بول وعانقها فأستجابت له بحرارة لأنها كانت ترغب في أن تعود علاقتهما ألى ما كانت عليه من قبل.
قضت سامنتا ثلاثة أسابيع بالمستشفى وأبان هذه الفترة عادت العلاقة بينها وبين جولي ألى ما كانت عليه قبل زواج سامنتا وكانتا قد تباعدتا قليلا بعد زواج سامنتا من بنديكت , كان عمل بنديكت يحول دون قضائه وقتا طويلا مع سامنتا في المستشفى ,لذلك أتجهت أكثر فأكثر ألى جولي , مما أتاح لجولي الفرصة للأبتعاد عن بول , وقصّت على سامنتا ما حدث بينها وبينه , وحاولت سامنتا جاهدة أن تصل ألى حل لمشكلة جولي وقالت:
" لعتة الله على مانويل كورتيز , فهو يشكل العقبة الحقيقية , أليس كذلك؟".
" أعتقد ذلك".
" هل تعرفين رأيي؟ عليك أن تقابلي مانويل كورتيز مرة ثانية حتى يتبدد الجو الأسطوري السحري الذي تحيطينه به؟ كم مرة ألتقيت به؟ أربع مرات؟ لا شك أنك لا تعرفينه جيدا , أعني أن المرء يرى مثل هذه المواقف بحجم أكبر من حجمها الطبيعي . فقد بدا لك في صورة الأمريكي اللاتيني الخلاب وأفقدك رشدك".
وأبتسمت جولي وقالت:
" هذا غير صحيح يا سامنتا ,وأنت تعرفين ذلك, ذلك أن بنديكت نفسه قال أنه رجل جذاب, أوه ...... دعينا ننساه".
وغيّرتا موضوع الحديث , ولبضع أسابيع , نسي الموضوع قرب نهاية شهر يناير , وفي مساء أحد الأيام أبلغت سامنتا صديقتها خبرا مثيرا.....
" لن تصدقي يا عزيزتي ما سوف أقوله لك ! فقد أتيحت لبنديكت فرصة ألقاء محاضرات في الولايات المتحدة لمدة ستة أسابيع , أليس ذلكرائعا؟ والمصروفات مدفوعة بما في ذلك النفقات الخاصة بي وبتوني".
كان توني هو الطفل الجديد.


" رائع أن هذا ما تحتاجين أليه بعد الولادة".
" أعرف ذلك يا عزيزتي".
ثم نظرت أليها وقالت:
" ما رأيك لو سافرت معنا؟".
وقالت جولي وهي في غاية الدهشة:
" أنا؟ ليست لي أمكانيات مادية تسمح لي بالقيام بمثل هذه الرحلة!".
" أعلم ذلك , غير أنني أعتقد أنك تستطيعين أن تجعلي منها رحلة عمل , فسوف أحتاج لمن يرعى توني أذا خرجت مع بن , ثم هناك غسيل ملابس الطفل وما ألى ذلك , وأنت دائمة القول بأنك تحبين العمل المتصل بالأطفال , فهذه فرفصتك".
وهزت جولي رأسها وقالت وقد وضعت يدها على عنقها:
" فرصة هائلة ! ولكن لن أستطيع أن أقوم بهذا العمل..... أقصد أنني لا خبرة لي في العناية بالأطفال".
" كذلك أنا لم أكن على دراية بذلك , ألا أنني سرعان ما أكتسبت الخبرة اللازمة , وبصراحة أنا أفضّلك على شخص غريب أرجوك أن تفكري في الموضوع".
ولكن جولي هزت رأسها مرة ثانية وقالت:
" أنني آسفة يا سامنتا , فأن الفكرة غير معقولة".
" لماذا؟ فسوف ندفع لك راتبا صغيرا كما سيدفع نفقات أقامتك بالطبع , السفر سيعطيك فرصة للأبتعاد عن بول بانستر ومن ثم ستعرفين أذا كانت مشاعرك نحوه كانت صادقة فعلا أم أنها تتبلور في عاطفة جامحة".
كانت الفكرة مغرية للغاية , فجولي تتوق ألى تغيير بيئتها لفترة قصيرة,لكنها قد تفقد عملها , وعندما ذكرت ذلك لسامنتا قالت لها:
" أعتقد أنك تستطيعين العودة ألى عملك بعد عودتك , ثم أنك قد ترغبين في تغيير عملك , فالتغيير مفيد تماما مثل الراحة , وبصراحة لقد بدأت تبدين مرهقة".
" تعلمين أنني أريد أن أقبل عرضك يا سام..... ولكنني سوف أناقش العرض مع والديّ , هل توافقين؟".
ودهشت جولي لموافقة أبويها على سفرها مع أسرة باولو وقال أبوها:
" أنك مكتئبة منذ فترة , ربما يرجع ذلك ألى بول , فهو شاب لطيف , غير أنه لا يهملك بل يضغط عليك حتى توافقي على طلبه , لذلك قد يكون من الأفضل أن تبتعدي عنه لفترة من الزمن".
وأقرّت أمها رأيه أذ قالت:
" أنت يا حبيبتي في الواحدة والعشرين فقط من عمرك , في حين أنني لم أتزوج أباك ألا بعد أن بلغت الرابعة والعشرين".
وأبتسمت جولي وقالت:
" أعتقدت أن الفكرة لن تروق لكما , هل تعتقدان بصدق أنني أستطيع العناية بتوني؟".
وضحك أبوها وقال:
" يا حبيبتي , أن كل أم جديدة تلد طفلها الأول تنقصها الخبرة في رعاية الأطفال".
وضحكت جولي هي أيضا وقالت:
" سوف أفكر في الموضوع ,فلن يغادرا البلاد ألا بعد عدة أسابيع ".
وبعد أيام كاد قلبها يتوقف وهي تشاهد التلفزيون مع أبويها , أذ شاهدت على الشاشة مانويل كورتيز , فقد وصل ألى مطار لندن بينما أمسكت بذراعه أجمل فتاة شاهدتها جولي في حياتها , وقد بدا لى وجهها الأحساس بالتملك وهي تنظر ألى مانويل وأبتسمت ببطء وحرارة لشيء قاله لها.
وقال المعلّق أن كورتيز عاد ألى لندن ليفي بألتزاماته التي أضطر ألى ألغائها بسبب مرضه في العام الماضي , غير أن جولي لم تستمع لما قاله فقد كان أهتمامها كله مركزا على مراقبته ومشاهدة الأبتسامة التي ألفتها..... وقدرته على توزيع سحره وعجرفة جسمه النحيل......
وأنقبض قلبها وأدركت أن أمها تراقبها بشيء من الفضول , وتمالكت نفسها وأسترخت على مقعدها محاولة أن تبدو هادئة رغم أضطرابها لرؤية مانويل مع هذه الفتاة , غير أن جولي أدركت أن أمها لا بد خمّنت حقيقة أمرها.
وفي المساء حضر بول ألى المنزل ولعب معهم البريدج ولكن جولي أدركت أنها أرتبكت عدة أخطاء أثناء اللعب وأن بول لم يكن مسرورا منها.


 


قديم 09-23-15, 05:12 PM   #124
برنس وصاب

الصورة الرمزية برنس وصاب

آخر زيارة »  03-08-19 (01:32 PM)
MMS ~

 الأوسمة و جوائز

افتراضي




6- حدث يشبه الوداع

وفي اليوم التالي كانت جولي قد تمالكت نفسها ,وسرها ألى حد ما أن رأت المرأة مع مانويل , فقد أوضح لها ذلك أكثر من أية كلمات , يلوكه الخلقي أتجاه النساء .
كانت مارلين هي أيضا قد شاهدت التلفزيون , وقالت :
"جولي! هل شاهدا مانويل كوؤتيز ؟ لقد عاد ألى أنكلترا!".
هزت جولي كتفيها وكأنها لا تعبأ بما تسمع وقالت:
" يعود أو لا يعود الأمر لا يهم".
ورمقتها مارلين بنظرة ذات مغزى وقالت :
" يا عزيزتي جولي , أنك بكل تأكيد لست على هذه الدرجة من عدم الأكتراث , أنا أعرف أنك رفضت الخروج معه غير أن ذلك كان من أجل بول بانستر".
" لماذا هذه الضجة؟ أن بول يساوي أربعة من أمثال مانويل كورتيز ".
وضحكت مارلين وقالت :
" لا بد أنك تمزحين , في أية حال لم أكن أعرف أن بول أصبح هاما ألى هذا الحد , ماذا حدث؟".
وأمتنعت جولي عن الرد فلم ترغب في مناقشة شأن بول , لأن ذلك يعني أنها ستذكر أشياء ليست صحيحة في الواقع , صحيح أنه وسيم وطويل القامة وصغير السن , ألا أنه ليس مثيرا , ولم تستطع جولي في يوم من الأيام أن تفهم منطق الفتيات اللواتي يعتقدن أن جمال الرجل كاف , بل أن الشخصية القوية هي العنصر الهام في الرجل.
وأبان فترة أستراحة الغداء أقترضت جولي جولي الجريدة من صديقتها فيثرستون أملا في قراءة بعض التفاصيل بشأن المرأة التي يصطحبها مانويل , غير أنها لم تجد سوى صورة له في المطار ومقال صغير.
كان الثلج يتساقط عند الخروج من المتجر في المساء , وكان الجو عاصفا , فأحست جولي بالبرد الذي نفذ ألى عظامها , وأحتضنت حقيبة يدها بينما لفت حول جسمها المعطف الأزرق القاتم من الصوف الدافىء , وأتجهت ألى الطريق العام في صحبة دونا ومارلين وتطاير شعرها حول وجهها فلم تكن ترتدي قبعة , وفجأة أصطدمت برجل تعمّد الوقوف في طريقها وقالت بسرعة:
" آسفة".
ثم أشرق وجهها بأبتسامة وقالت:
" أنت!".
وأبتسم مانويل وخفق قلبها , وتركت ذراع دونا من فرط أرتباكها , غير أن دونا ومارلين حملقتا بدهشة في وجه مانويل , بينما أمسك هو بذراع جولي وقال بهدوء وسخرية.
" عن أذنكما".
وجذب جولي وأتجه بها ألى السيارة الخضراء المألوفة .
وقالت جولي :
" أنتظر!".
ولكن مانويل فتح باب السيارة وأدخلها بينما آلمتها أصابعه القوية التي أمسكت بذراعها , وهمس :
" لا تجادلي!".
ولم ترغب جولي في أثارة ضجة في الشارع , فدخلت ألى السيارة الفاخرة الدافئة وأنسلت عبر مقعد السائق وجلس هو ألى جانبها , وأغلق الباب بقوة وأدار محرك السيارة في هدوء.
ألقت جولي نظرة أليه بينما أتجهت السيارة ألى الطريق الرئيسي ووجدت أنه لم يتغير , بالعكس أزداد جاذبية عما تذكره , وألتفت أليها بينما وقفت السيارة أمام أشارة المرور وقال:
" كيف حالك!".
تأملت جولي أظافر يديها وردت:
" أنا بخير , كيف حالك أنت؟".
هز كتفيه ولم يرد , وأحسّت بالرغبة في ضربه , كيف يجرؤ على مصاحبتها وهو يعلم أنها لا بد شاهدته مع الفتاة بالأمس! ونظرت من النافذة السيارة , وفجأة أدركت أنها لا تعرف أين يأخذها وأنها لم تبد أية ملاحظة في هذا الشأن .
فقالت بصوت حاد:
" ألى أين تذهب ؟".
" ألى منزلك , ألى أين تظنين؟ لقدرأيت أن أجنبك ركوب الباص في مثل هذا الطقس البارد كيف تتحملين هذا الجو؟ أنه فظيع؟ أنا أحب الشمس والبحر والسباحة في المياه الدافئة".
قالت جولي بحدة :
" كلنا نحب ذلك , حسنا , سوف أنزل هنا".
وكانا قد وصلا ألى نهاية شارع فولكنر .
فهز مانويل رأسه وقال:
"أين هو المنزل؟".
" في آخر الشارع , ولكن أرجوك ألا تصل أليه , لأن ذلك سوف يثير الأقاويل أذا تعرف أحد عليك".
وقال مانويل ببرود وهو يقود السيارة حتى باب المنزل:
" ذلك غير محتمل في هذه الليلة".
وأحنت جولي رأسها وهي تجيبه قائلة:
" شكرا".


وألتفتت أتجاه الباب لتخرج من السيارة ولكن مانويل وضع يده عليها وضغط أصابعه بقوة على ذراعها وقال بصوت ساخر:
" ألست مسرورة لرؤيتي؟".
نظرت أليه جولي وقالت:
" لا أعتقد ذلك".
" لماذا؟".
" السبب واضح بالتأكيد وليس هناك ما يقوله أحدنا للآخر".
" أصحيح هذا".
" وهو كذلك".
وأزاحت جولي شعرها ألى الوراء أذ تساقط في موجات على وجهها , وكان متألقا بقطرات الثلج الصغيرة التي ذابت فوقه ولم تدرك أنها بدت رائعة الجمال .
وهزّ مانويل كتفيه وقال:
" أذهبي أذا".
وأحست جولي بالغضب فأن اللقاء بينهما كان ينتهي دائما بأحساسها بأنها المخطئة , وألتفتت أليه وقالت بسخط:
" لا تتخيل لدقيقة واحدة أنني أصدق أهتمامك بي ولديك أمرأة أخرى".
حدّق مانويل في وجهها وقد أمتقع وجهه.
صاحت جولي بغضب وبشيء من الرضى.
" أخيرا أستطعت أن أثير غضبك , غير أنني أنا أيضا على قدر من الذكاء , وأن لم أكن ماكرة مثلك".
وخرجت من السيارة وأغلقت الباب بعنف ولم تسمعه وهو يتحرك ولكنها فوجئت به بجانبها بينما لمعت عيناه العسليتان ببريق الغضب الذي فاق غضبها .
أستدارت جولي وكادت تجري داخل البوابة ,ولكنه أعترض طريقها وكان الغضب باديا عليه.
قالت وهي على وشك البكاء:
" أتركني أمر!".
ولم يرد مانويل عليها , غير أنه خطا ببطء نحوها وأحست بشعور غامض بأنه سوف يضربها.
وصاحت وهي تتوسل أليه:
" مانويل ! أنت لا تشعر بأي شيء أتجاهي , ولا أهمية لما أقوله , أرجوك أتركني".
وفجأة وقفت سيارة خلف سيارة مانويل ورأت شخصا يخرج منها ,ولم تعد تحس بساقيها من فرط الوهن الذي أصابها وصاحت:
" أبي!".
وبدون أن يلفظ بكلمة أخرى , أتجه مانويل بسرعة ألى السيارة وأنطلق بها بعيدا وقد بدا أضطرابه في قيادته.



وعقد والد جولي حاجبيه وسألها وهو يتجه معها ألى باب المنزل:
" من هذا؟".
وردت جولي وهي تكذب بشيء من الحرج :
" أحد الزملاء من المتجر أوصلني ألى المنزل , هل قضيت يوما حسنا يا حبيبي؟".
ولم يشك والدتها فيما قالته.
غير أن جولي كانت تدرك تماما ما أوشك أن يحدث , ألا أنها لم تعرف الآن كيف كان مانويل سيعاقبها , كان كل ما تعرفه أن غضبه فاق غضب أي رجل آخر ألتقت به , ولسبب ما حزنت لذلك حزنا شديدا , ولم يعد يهمها الآن ما ردت على أبيها بالصدق أو بالكذب , كان كل ما يهمها أن مانويل يكرهها وأنه كاد أن يعاقبها لولا حضور أبيها في الوقت المناسب.
وبعد العشاء غسلت شعرها بينما أستعد والدها للخروج مع والدتها لزيارة أصدقائهما , وكان بول سيمر عليها وكانت تعرف بماذا سترد عليه بشأن أقتراحه بزواجهما المبكر , وتمنت من كل قلبها أن تجيبه ألى طلبه , وأعتقدت أنها لو لبست خاتم خطوبتها فأن ذلك سوف يحميها من أنتقام مانويل.
غير أن الحظ لم يحالفها أذ أحضر بول أخته الصغيرة أليسون , وهكذا لم تجد جولي فرصة للحديث مع بول على أنفراد , كانت أليسون في الثامنة عشرة من عمرها غير أنها بدت أصغر من سنها , فهي لا تزال تذهب ألى المدرسة وتتطلع لدخول الجامعة بعد عطلة الصيف , كانت طفلة ذكية تعبد الموسيقى الشعبية وهي متعتها الوحيدة , ولذلك قضوا المساء يستمعون ألى الأسطوانات وقد هال جولي أستمتعهم ألى عدد كبير من مجموعة أبيها من أسطوانات مانويل كورتيز , فمنذ أن تعرفت على مانويل تعمدت عدم الأستماع ألى أسطواناته , أذ أن صوته يفرض وجوده حتى وهو غائب , وكانت الموسيقى تارة من موسيقى الغجر العاصفة , وتارة حزينة ثرية بالنغم , وقد أضفى الغيتار جوا سحريا على الغرفة.
وأحست جولي بالهلع , وفكرت , يا ألهي , لم ألتقيت به ؟ لماذا أنا بالذات , وبعد فترة ذهبت لتعد القهوة وبعض الشطائر هاربة من الغرفة التي بدت أشبه بزنزانة وتبعها بول تاركا أليسون تختار الأسطوانات.
وأمسك بها في الممر الضيق بين غرفة الجلوس والمطبخ , وأسندها ألى الحائط ثم عانقها بحنان , وتحت تأثير الموسيقى تصورت لبرهة أنه مانويل الذي يعانقها , ةتحرّك فمها بقلق فأثارت حواسه , وصاح بول وهو يزيحها بعيدا عنه ويكاد لا يصدق أستجابتها له.
" جولي!".
وشدّت جولي قامتها وكأن ماء باردا قد ألقي عليها ...لم يكن هذا ما يتوقعه بول منها , وقد هاله ما أقدمت عليه.
أخذت جولي تخاطب نفسها قائلة :
" يا ألهي هل أظل دائما تحت تأثير مانويل حتى عندما أكون مع بول؟".
أما بول فرمقها بنظرة غريبة وسألها بصوت بارد:
" من الذي علّمك أن تعانقي رجلا بهذه الطريقة؟".
وأحمر وجه جولي وردّت بأرتباك :
" يا لك من أحمق يا بول , كنت نصف نائمة , ثم أنني تأثرت بالموسيقى , أتركني لأذهب وأعد القهوة".
وتركها بول , غير أنها أدركت أنه لم يقتنع بتفسيرها , أن هذا الحدث أذا أقترن بالملاحظات التي أبدتها منذ بضعة أسابيع لا بد سيجعل بول يدرك أن ثمة شيئا خطيرا يقلق جولي , وتنهدت بعمق بينما هزّ بول كتفيه وأتجه ألى غرفة الجلوس لينضم ألى أليسون.
أمسكت جولي بالأأبريق وملأته بطريقة آلية , ثم أخرجت من الخزانة فناجين وفتحت وعاء القهوة ووضعت ملعقة منها في كل فنجان ثم مرت بيدها على عينيها , شاعرة بأعياء شديد ,كانت تشعر بثقل وراء عينيها بسبب الليالي المضطربة التي تقضيها وقالت لنفسها بصوت خافت : كم يتعذب القلب حين يحب.
كان اليوم التالي يوم السبت وظلت ترجف طوال الصباح خوفا من مجيء مانويل ألى المتجر ليؤنبها , غير أنه لم يفعل ذلك , وأغلق المتجر أبوابه عند الظهر , فأسترخت حينئذ ولم تقاوم دونا ومارلين الرغبة في سؤالها عن مقابلتها لمانويل في الليلة السابقة , ألا أنها كذبت عليهما وقالت أن لقاءهما كان مجرد صدفة , وبدا عليهما عدم الأقتناع بما قالته ولكنهما لم تستطيعا أرغامها على أن تقول أي شيء آخر وقالت دونا :
" على فكرة ,هل قرأت في الصحف أنه قد أحضر أبنته معه في هذه المرة , لم أكن أعرف أن له أبنة ! ثم أنها في السابعة عشرة من عمرها".
وسألت جولي بصوت خافت:
" أين قرأت ذلك؟".
" في الصحف كما قلت , في كل حال , شاهدنا بالتلفزيون فتاة رائعة الجمال ترتدي معطفا من الفراء وتبدو وكأنها في الخامسة والعشرين , رائع أن يصطحبها مانويل كورتيز أينما ذهب".
وقالت مارلين وهي تضحك:
" أنني لا أتمنى أن أكون أبنته !".
وقهقهت دونا أيضا فأتجهت الأنظار بعيدا عن جولي التي شجب وجهها وحدّثت نفسها قائلة ( أبنته ), لا عجب أنه غضب منها لأنها قفزت ألى النتائج!
وعادت جولي ألى منزلها ظهرا , وقد أحست بأعياء شديدا جسديا وذهنيا على السواء , كما أحست بالكآبة , وفزعت أمها لوجهها الشاحب وعينيها المتعبتين , فصاحت بها:
" جولي! ما بك! هل أنت مريضة؟".
وأخرجت جولي ذراعيها من المعطف بعناء وقالت وهي تصعد السلم المؤدي ألى الطابق العلوي :
" أعتقد أنني أصبت بالبرد , هل يضايقك أن أذهب ألى السرير , فلا أرغب في تناول الغداء".
" بالطبع لا يا حبيبتي ,سوف أصعد أليك بعد قليل وأحضر لك زجاجة ماء ساخن لتضعيها ألى جانبك , أديري البطانية الكهربائية قبل أن تختفي ملابسك".
كانت جولي مريضة فعلا وأتضح أثناء النهار التالي أنها تعاني من الأنفلونزا , ولم يكن تعبها مجرد فعل لملاحظات دونا عن مانويل كورتيز مع أنه لا علاقة له بالأمر.


بقيت جولي بقية اليوم وطوال يوم الأحد في السرير , حيث زارها بول وقد هاله أن يرى ظلالا سوداء تحت عينيها كما أقلقته أيضا حالتها العصبية .
ولم تذهب ألى المتجر يومي الأثنين والثلاثاء , غير أنها شعرت بتحسن كبير بحلول يوم الأربعاء , فصمّمت على الذهاب ألى عملها , برغم معارضة أبيها وتحذيره من الآثار الاحقة للمرض ,وذهبت مباشرة ألى سامنتا في مساء يوم الأربعاء ووجدتها ترضع الطفل , ووافقت سامنتا على أن تعتني جولي بتوني بينما تقوم هي بأعداد العشاء لثلاثتهم , وتبعت صديقتها ألى المطبخ وجلست على مقعد مريح , ثم روت لصديقتها كل شيء عن مقابلتها مع مانويل فقالت سامنتا:
" حسنا..... هل تغيّرت مشاعرك نحوه؟".
وهزّت جولي رأسها وهي تربت على ظهر توني وتقول :
" كنت فظة معه! يا ألهي! ترى ما رأيه فيّ الآن؟".
" حسنا , ماذا ستفعلين؟".
" لا أعرف , ربما أعتذر له".
" مستحيل!".
" أعرف ذلك , لنترك الموضوع , متى تغادران البلاد ألى الولايات المتحدة".
" بعد أسبوعين يا عزيزتي , ولم أجد مربية بعد , هل فكرت في الموضوع؟".
" تقصدين ذهابي معكما؟".
" بالطبع".
" لقد فكرت في ذلك بالفعل , كما أن والديّ يعتقدان أنها فكرة طيبة ".
وقالت سامنتا بصوت المنتصر:
" ألم أقل لك ذلك".
" أعرف , فالفكرة مغرية , ثم أنني بحاجة ألى التغيير بعد أصابتي بالأنفلونزا , ولكن هل سأكون جبانة وأهرب من مشكلاتي؟".
" أنك لا تهربين من مشكلاتك يا حبيبتي فسوف تجدينها هنا عندما تعودين ,فكيف تسمين هذا هروبا ؟ ألى جانب أنها قد تبدو مشكلات عندما تعودين!".
"ما الذي سيقوله بول , فلم أخبره بالأمر".
" ليتني أعتقد ذلك!".
ودخل بن ألى المطبخ وأبتسم لجولي وقال وهو يضحك :
" هل تتدربين على رعاية الأطفال أستعدادا لسفرنا؟".
وهزت تدربين على رعاية الأطفال أستعدادا لسفرنا؟".
وهزت جولي رأسها بالنفي وقالت:
" لم أوافق على السفر بعد".
وعقد بن حاجبيه وقال:
" ظننت أن ........ سامنتا".
ونظرت جولي ألى سامنتا التي أخذت تشير ألى زوجها بيديها فوق رأس جولي وسألتها:
" ما الذي قلته؟".
هز بن كتفيه وقال:
" قالت أنك سوف تسافرين معنا وسوف تتولين العناية بتوني ".
" هل قالت ذلك بالفعل؟".
وتأوهت سامنتا وقالت:
" بن! لا تتسرع ...جولي ستسافرين معنا , أليس كذلك؟".
وهزّت جولي كتفيها بشيء من اليأس وقالت:
"أنني أرغب في السفر ولكنني لا أعرف ما الذي سيقوله بول , فلم أخبره بالأمر ".
وقالت سامنتا وهي تضع شرائح اللحم فوق الشواية :
" أسأليه أذا , في كل حال أنه لم يخطبك بعد".
وأومأت جولي برأسها وهي تفكر بعد موقف والديها وسامنتا وبن لو تستطيع أن ترفض السفر حتى أذا رغبت في ذلك .
وفي بحر الأيام القليلة التالية , شاهدت جولي الأعلانات عن العروض التي يقدمها مانويل كورتيز في ملهى الغرديانوس لفترة محدودة , وتساءلت عما أذا كان يفكر فيها الآن وعما أذا كانت المشاداة الأخيرة بينهما قد أنهت علاقتهما , أنها لا تلومه أذا لم يرغب في رؤيتها مرة ثانية , قد عاملته معاملة فظة بصرف النظر عن وجود المبررات أو عدم وجودها.
وطلبتها سامنتا في التلفون لتخبرها بضرورة الذهاب ألى السفارة الأميركية لتحصل على تأشيرة الدخول و وبأنها تحتاج أيضا ألى شهادة التطعيم ضد الجدري.
ووافقت جولي بدون أهتمام كبير على أعداد الأوراق اللازمة , على الأقل هذا سيشغلها بعض الوقت , ما سيؤخر القرار النهائي , ويتعيّن عليها أخبار بول بسفرها , ثم عليها أيضا شراء بعض الملابس المناسبة , فالجو في كاليفورنيا دافىء ولن تحتاج ألى كثير من الملابس الشتوية.


وفي مساء يوم السبت ركبت جولي الباص ألى جون وود , ولم تكن تعرف ما الذي تعتزم القيام به بالضبط غير أنها شعرت برغبة قوية في رؤية المبنى حيث يعيش مانويل , وكان الجو شديد البرودة ألا أنها لم تعبأ بذلك , أذ بدت السماء صافية , ولبست سترة من فراء الخروف وبنطلونا باللون الأخضر القاتم , وبدت طويلة رشيقة وجذابة , ووضعت يديها في جيبي سترتها وسارت بخطى بطيئة ألى المنتزه المجاور لليبانون كورت ,ونظرت ألى أعلى المبنى وتعرفت بسهولة على نوافذ الشقة , ثم أظلمت السماء مهددة بسقوط الثلوج , وأما من الداخل فظهرت أضواء تنبىء بوجود شخص في الشقة , ومن يكون هذا الشخص ؟ هل هو مانويل ؟ هل هو وحده؟ أو أن أبنته معه ؟ ثم ما فائدة وجودها في هذا المكان أذا لم تعتزم الصعود لتوضح له موقفها منه قبل أن تسافر ؟ وأدركت أن ذلك ما أعتزمت في قرارة نفسها أن تفعله , كانت الفكرة في عقلها الباطن طوال الوقت , ولكنها رفضت الأقرار بالحقيقة لنفسها , وأشعلت سيكارة وأخذت تدخن بعمق , وفكرت حالمة كم يكون الأمر رائعا لو نظر مانويل من النافذه ليراها واقفة أمامه , فينزل أليها ويحيّيها قائلا : أنني سعيد لرؤيتك , وأنني أتوق لرؤيتك؟
ومرت دقائق , وأدركت أن شخصا يمشي على العشب في أتجاهها , وخفق قلبها ,ولكنه هدأ عندما سمعت حارس مبنى ليبانون كورت يقول :
" ماذا تفعلين في هذا المكان يا آنسة , أن المنتزه خاص بالعمارة".
وأحمر وجهها وقال :
" أنني أنظر ألى المبنى , لأنني مهتمة بفن العمارة".
" أحقا ذلك يا آنسة؟ أن الجو بارد عصر هذا اليوم , وأنصحك بدراسة فن العمارة في مكان آخر وفي يوم أكثر دفئا".
وأومأت برأسها للحارس ومشت على العشب فأخترقت المنتزه ألى الطريق العام حيث وجدت السيارة الخضراء القاتمة واقفة بجوار الرصيف.
وأتجهت وأنفاسها تلهث بأضطراب واضح ألى مدخل العمارة , غير أن الحارس أعترض طريقها وقال:
" نعم! يا آنسة! ماذا تريدين؟".
" أنني أريد الصعود ألى شقة السيد كورتيز".
" كلا , لن أسمح بذلك يا آنسة!".
" لماذا؟ يا ألهي أنني أعرفه".
وقال الحارس وكان واضحا أنه لا يصدقها :
" أصحيح يا آنسة؟".
" بالطبع! فأسمي جولي كيندي , أطلبه بالتلفون الداخلي وأسأله".
وتفحّص الحارس جولي ثم قال :
" حسنا سوف أفعل! أنتظري هنا".
وترك جولي ودخل ألى مكتبه بالمبنى , وأضطربت أعصابها , ماذا تفعل لو رفض مقابلتها؟ ماذا تفعل حينئذ ؟
ونظرت من خلال الباب الزجاجي ألى المدخل , فوجدت مكتب الحارس على الجانب , فأذا دفعت الباب وجرت ألى المصعد, فسوف تكون في مأمن ,ونفذت الفكرة الطائشة وسمعت الحارس يصيح بها بغضب وهي تمر أمام مكتبه , لم يكترث بما فعلته لأنه يعلم أن لا جدوى لما أقدمت عليه.
صعد المصعد ببطء ألى الطابق الأول ثم الثاني ثم توقف فجأة بين الطابقين الثاني والثالث , وقالت وهي تشعر بالأحباط:
" يا ألهي , لقد أوقفه بالطبع , لم أفكر في هذا الأحتمال".
وأنتظرت وهي تشعر بالأسى هبوط المصعد الذي أستأنف صعوده , بعد فترة وجيزة , وأجتاز الطابق الثالث ثم الرابع , تركها الحارس تصعد لأن مانويل وافق على مقابلتها.
ووقف المصعد أمام شقة مانويل , وأتجهت جولي ألى باب الشقة وطرقته وفتح الباب على الفور , غير أن مانويل كورتيز لم يقف بالباب كما توقعت ,بل وقفت الفتاة الجميلة التي كانت في صحبته في مطار لدن , وأخذت تتفحص جولي بنظرها وكأنها تقييمها , وبدت أكثر جمالا عن كثب , فشعرها أسود كالليل وبشرتها ناعمة وجسمها مكتمل النمو وكأنها تكبر سنها بكثير.
وقالت لجولي:
" نعم؟ يقول الحارس أنك ترغبين في مقابلة أبي , ماذا تريدين؟ أنا بيلار كورتيز".
وبلعت ريقها ريقها وقالت :
" والدك ..... هل هو موجود؟".
" كلا , أنه في المدينة , لماذا؟".
وكان سلوكها ألى حد ما سلوك طفلة ولكن عينيها المركزتين على وجه جولي بدا فيهما الفضول والوقاحة المتعمدة.
وشبكت جولي أصابعها وقالت:
" متى يعود؟".
" بعد فترة وجيزة , فقد فات موعد عودته , غير أنه مع دولوريس أريفيرا , وهو ينسى الوقت في رفقتها ".
وخطت جولي خطوة ألى الوراء , وقالت :
" حسنا , شكرا يا آنسة".
" لا....... أنتظري ,هل تريدين أن تدخلي وتنتظري أبي ؟".
" شكرا لن أنتظر , فالأمر غير عاجل , وداعا يا آنسة".
" أقول له من حضر؟".
وأتجهت ألى المصعد وقالت وهي تدخل أليه مسرعة :
" شخص لا أهمية له".


ونزل المصعد بهدوء وبسرعة تفوق سرعة صعوده , وخرجت جولي منه فواجهها الحارس قائلا ببرود وتهجم:
"هل كانت الآنسة شديدة الغضب؟ كيف تجرؤين عل الدخول بدون أذن؟".
" أسفة , فقد أعتقدت ....... لا أهمية لذلك , قلت لك أنني آسفة , لا يمكنني أن أقول أكثر من ذلك؟".
" بل يمكنك أن تقولي أكثر من ذلك بكثير ؟ وأين تقيمين ؟ فأنني أنوي أن أخبر السيد كورتيز بما حدث عند عودته".
وأحست جولي بتيار هواء يخترق البهو وأرتجفت .. لقد دخل شخص .
وسمعت مانويل يقول:
"ما الذي تعتزم أن تقوله لي ؟ ..... جولي!".
وحملقت جولي في كورتيظ وكأنها تحت تأثير التنويم المغناطيسي , غير أن الحارس قال بشيء من الأرتباك :
" هل تعرف هذه الفتاة يا سيد؟".
" بالطبع".
وحاول الحارس أن يواصل الكلام , ألا أن مانويل قاطعه قائلا:
" فيما بعد يا كورتيس فيما بعد".
ثم قال لجولي بأدب وأن كان ببرود:
" لماذا جئت ألى هنا يا ولي؟".
وهزت جولي رأسها وقالت:
" مانويل .... أنا..... أنا.... هل يمكننا الذهاب ألى مكان نستطيع التحدث فيه ".
وتردّد مانويل وتمتم وهو يفكر :
" بيلار في الشقة".
" أعلم ذلك , لقد قابلتها على التو".
" أحقا ذلك؟ يمكننا أن نذهب ألى السيارة , فهي باردة ولكن سنكون بمفردنا ".
" حسنا".
وكانت السيارة باردة ألا أن مانويل أدار المحرك وقال :
" سوف نقوم بجولة بالسيارة حتى ننعم بالدفء".
وأنطلقا في شارع أيدجوير في أتجاه سناتمور حيث أوقف السيارة بعد أن أصبحت دافئة , ثم قال :
" حسنا , قولي ما عندك".
وتنهدت جولي ونظرت أليه بضعف وقالت:
"أعرف أنني أتصرف بغباء ولكنني أشعر بضرورة الأعتذار أليك ".
" لا داعي للأعتذار".
" بل يوجد ما يدعو أليه , لقد أسأت التصرف , ثم أعتذر لك أيضا لأنني لم أكن أعلم بأمر بيلار".
" حسنا , فأنت الآن على علم ببيلار , كما قمت بالأعتذار أليّ ,هل هذا ما تريدين قوله؟ أنني أقبل أعتذارك , هل هناك شيء آخر؟".
نظرت أليه جولي وقالت:
" لا شيء".
" حسنا".
ألتفت ألى الخلف فوجد الطريق مزدحما وقال:
" هل هناك طريق آخر نسلكه لنعود ألى وسط المدينة ؟".
ورغم أن السيارة دافئة أحست جولي بالبرد وقالت :
" نعم , هل أرشدك ؟".
" أرجوك أن تفعلي".
ثم أخرج علبة السكائر وأخذ سيكارة وقال لها:
" هل ترغبين في سيكارة؟".
وأومأت جولي برأسها , وأخذت نفسا عميقا من السيكارة وأسندت ظهرها على المقعد ,ووضع مانويل السيكارة بين شفتيه وفك أزرار معطفه السميك , وكان شعره قد طيره الهواء عند خروجه قبل ذلك , وأحست جولي برغبة جامحة في أن تتحسس شعره , غير أنها تمالكت نفسها وأدارت وجهها , ترى هل حضر لتوه من عند دولورس أريفيرا؟ ولم تتمكن من التغلب على هذه الفكرة , ثم أنه بدا باردا متباعدا وأرادت أن تنتزعه من كراهيته لها ولكنها لم تعرف كيف تحقق ذلك.


ولم تستطع منع نفسها من الكلمات فقالت :
" قالت لي أبنتك أنك كنت مع دولورس أريفيرا".
فردّ بأقتضاب وهو يعدل مرآه الرؤية الخلفية:
" نعم ".
" هل تحبها؟".
ونظر مانويل بطرفي عينيه وقال:
" الحبّ! ما هو الحب؟".
ثم أدار المحرك وقال:
" هل نعود الآن؟".
ورمت جولي السيكارة من النافذة , وحملقت فيه بيأس وصاحت:
" مانويل!".
وتفحّصها بسخرية ثم قال :
" ما هذا ؟ هل هو شعور بالأحباط ؟".
وأرتعدت جولي وقالت:
" أرجوك يا مانويل لا تغيظني , جئت لأراك لأنه كان يتعيّن على ذلك , فلم أتمكن من ترك الأمور على ما كانت عليه".
وقال وقد فطن ألى تفكيرها:
" والآن تودين لو أنك تركت الأمور على حالها!".
وهزّت جولي رأسها وقالت:
" كلا....أعني... نعم...على الأقل .. ... ألم يسرك أن تراني ؟ أعني هل تهتم بي؟".
وهز مانويل كتفيه وقال:
" ماذا تريدين أن أقول ؟ كنت معجبا بك , كما أنني كنت أرغبك , هذا كل ما في الأمر , أنت تكرهينني , وقد صارحتني بكراهيتك لي".
ومّد يديه وقال:
" أنتهى الأمر بيننا , لست في حاجة أليك يا عزيزتي".
" ولكن في تلك الليلة....".
"كنت غاضبا , كدت أجن , وكدت أضربك و لأنك جرحت كبريائي , هذا كل شيء".
وصرخت جولي صرخة من قلبها :
" لا أصدقك".
" حسنا يا عزيزتي , صدّقي ما يروق لك , لكن لا تتوقعي أن تحولي تخيلاتك ألى حقيقة واقعة , أنني مسافر ألى الولايات المتحدة بعد أسبوع , بعد أسبوع , وداعا يا جولي!".
وأدار المحرك بحزم وقال :
" والآن أرشديني ألى الطريق".


 


قديم 09-23-15, 05:13 PM   #125
برنس وصاب

الصورة الرمزية برنس وصاب

آخر زيارة »  03-08-19 (01:32 PM)
MMS ~

 الأوسمة و جوائز

افتراضي




7- ما هو الحب؟


ومر اليومان التاليان بصعوبة , وشعرت جولي أنها فقدت القدرة على الحس , وعجزت عن أستيعاب ما حدث , لم تتصور أن مانويل يمكن أن يكون بهذه القسوة.
تركها في نهاية شارع فولكنر بعد ظهر يوم السبت , وودعها بدونأكتراث , فأتجهت ألى المنزل بشكل آلي , وظلت على هذه الحال حتى مساء يوم الأحد , ثم قررت ألا تستسلم للأكتئاب , وكان سبيلها الوحيد هو أن توافق على السفر مع سامنتا ألى الولايات المتحدة , لم تكن قد شفيت تماما من مرضها كما أنها فقدت شهيتها , أما حالة الأكتئاب فقد أصبحت شيئا طبيعيا حتى أعتقدت أنها لن تعود ثانية ألى حالتها الأولى.
وذهبت ألى شقة أسرة بارلو لتبلغهم قرارها , فوجدت سامنتا تستعد للسفر.
وصاحت سامنتا:
" يا حبيبتي! أنني مسرورة جدا , فسوف تستفيدين من الرحلة , ومن يعلم من تقابلين هناك , فقد يعجب بك أستاذ بالجامعة , من يدري !".
وأبتسمت جولي وقالت:
" هذا يبدو بعيد الأحتمال في الوقت الحاضر , ولكنني أعتقد سأستفيد بعض الشيء من تغيير الجو".
" بالطبع يا عزيزتي , بن.....بن.....جولي سوف تسافر معنا".
وأعرب بن عن رضاه بقرار جولي ثم غادر المنزل , وأعدت سامنتا القهوة وقالت بعد أن جلستا وفي يديهما سيكارتين :
" فيم تفكرين ؟ ما الذي دفعك ألى أتخاذ القرار؟ هل رأيت مانويل ؟".
وتنهدت جولي وقالت:
" نعم".
وأخذت نفسا عميقا من السيكارة وأضافت:
" قال لي بوضوح أنني لا أعني شيئا له!".
" جولي!".
" كان صادقا على الأقل , والآن أنتهى الأمر بيننا........".
وأومأت سامنتا برأسها وقالت:
" ربما كان ذلك أفضل , فلو أنك خضعت له لندمت بمرارة , بول يناسبك أكثر , ويمكنك أن تتزوجيه بعد العودة من الرحلة , وسوف تنسين الأميركي اللاتيني الجذاب".
وأبتسمت جولي قليلا , ولاحظت سامنتا أن الأبتسامة لا تنبعث من قلبها وواصلت كلامها قائلة:
"والآن , لنتحدث عن توني , فعليّ أن أشرح لك كل تفاصيل الرضاعة وغيرها , والواقع أن غذاءه لا يقتصر الآن على السوائل , وكذلك يجب أن أعطيك أرشادات كثيرة".
وأبتسمت جولي وقالت:
" من المرجح أنني لن أحسن آداء مهامي , فأنني لم أقم من قبل برعاية أطفال....".
وقالت سامنتا بشيء من الأستخفاف:
" المسألة بسيطة , فبن نفسه أكتسب الخبرة اللازمة الآن , وهو يجد متعة كبيرة في أطعام توني , وأضطر أحيانا للضغط عليه حتى يهتم بعمله عندما يكون توني مستيقظا".
وقالت سامنتا :
" على فكرة , هل أخبرتك عن المكان الذي نقيم فيه في كاليفورنيا ؟".
وهزّت جولي رأسها فواصلت سامنتا كلامها:
" سنذهب في الواقع ألى سان فرانسيسكو , ولكن الجامعة والمنزل يقعان على الساحل في أتجاه مونتري , هل سمعت عن منتري؟".
" بالطبع".
" حسنا , الطلبة يقيمون في مونتري , كما أن المنزل الذي خصص لنا يبدو جميلا , أعتقده من طراز منازل المزارع , وهو من طابق واحد وبقربه شاطىء خاص , هل تتصورين يا جولي أننا سوف نستطيع السباحة يوميا؟".
وربّتت على معدتها وقالت:
" سوف يساعدني ذلك على أستعادة قوامي , أنجاب الأطفال لطيف , غير أنه يؤثر على القامة بدون شك".
وقالت جولي بصوت مكتوم:
" أن جسمك جميل , ولكنني أوافقك على أنه من الممتع أن نستطيع السباحة وفي حياة دافئة أيضا".
وقالت سامنتا :
" سنعود ببشرة سمراء داكنة بلون التوت".



وعندما رأت سامنتا الألم باديا على وجه جولي غيرت الموضوع وقد أحست جولي أنها في حالة أفضل عند مغادرتها منزل سامنتا والواقع أن قرارها بالسفر أزاح بعض كآبتها فالذهاب ألى الولايات المتحدة شيء مثير في حد ذاته , وسوف يقضي على حالة الجمود التي تعاني منها , كما أن هناك أشياء كثيرة يتعين القيام بها , ولم يبق من الوقت سوى أسبوع , وأبلغت والديها بقرارها عند وصولها ألى المنزل , وكانا يجلسان سويا يشاهدان التلفزيون عندما دخلت وأخبرتهما بالنبأ.
وقال أبوها على الفور:
" حسنا , فقد يقضي السفر على حالة الأكتئاب التي تعانين منها , أنني لا أعرف السبب الحقيقي , غير أنني أعتقد أنه يتعلق برجل أو بآخر , هل أنا على حق؟".
ولوت جولي يديها وقالت:
" نعم أنت على حق , وأمي تعرف ذلك".
" أنني واثق من ذلك , أمك لم تحدثني في الأمر , هل ترغبين في أن تفضي أليّ بما في قلبك؟".
وتنهدت جولي وقالت:
" كلا , لا أرغب في ذلك".
" حسنا , لن أضغط عليك ,ولكن فيما يتعلق ببول أليس من الأفضل أن توضحي الأمر له ؟".
" بالطبع , أنني لم أتخذ القرار النهائي سوى اليوم".
" أنت تعرفين هذا الرجل منذ وقت طويل , أليس كذلك؟ ماذا حدث؟ هل هو متزوج؟".
" كلا , ليس متزوجا , كان متزوجا , غير أنه مطلق الآن".
" فهمت , ألا يريد أن يتزوجك؟".
" كلا".
وهز والدها رأسه ولمست أمها يده وقالت:
" يا عزيزي جو , أتركها وشأنها , ألا ترى أنها متعبة؟".
ونهض الدكتور كيندي واقفا وسار نحو أبنته وأدار وجهها أليه وقال :
" جولي , أنك لم تخفي شيئا عنا من قبل , ألا يمكنك أن تبوحي لنا بالسبب الذي يمنع زواج هذا الرجل منك ؟ هل تحبينه؟".
" في الحقيقة , لا أعرف الآن أذا كنت لا أزال أحبه , أنه ........ أنه لا يحبني".
ولم تتمكن من مواصلة الكلام , فوضعت يديها على وجهها وأحتضنها أبوها وأخذت تبكي بكاء مريرا , حتى أرتاحت وقالت بعد برهة:
" لا يمكنني التوضيح , غير أنني لا ألومه ,فهو من بيئة تختلف عن بيئتنا , وتقاليدها تختلف عن تقاليدنا ".
وقالت أمها :
" هو أجنبي أذا".
أومأت جولي برأسها ثم سارت نحو الباب وقالت:
" سوف أذهب ألى فراشي , أذا لم يكن عندكما مانع , وسوف أخبر بول بالأمر غدا , ولا تعلقا عليّ فأنني بخير ".
كان يتعين عليها الآن أن تخبر بول بقرار السفر , ولم يقبل بول قرارها عندما أخبرته به وقال :
" لا يمكن أن تكوني جادة , أذا ذهبت الآن فلن تعودي قبل شهر أبريل".
" هذا صحيح يا بول".
" ولكن لم كل هذا؟ كنت اتصور أن كلا منا يحب الآخر".
" بول! لقد حاولت توضيح الأمور يوم عيد الميلاد فقلت أنني لست واثقة من عواطفي أتجاهك , دعني أذهب الآن , فذلك من الأفضل".
وقال وهو يهاجمها بشدة :
" أعرف أن هذه الرحلة تشدك , وفكرة السفر ألى كاليفورنيا تغريك!".
" هذا غير صحيح".
" بل صحيح , وما كان يجوز لسامنتا أن تقترح عليك السفر , فأنت لست مربية للأطفال في أية حال".
" كل ما تقوله صحيح , غير أن سامنتا لم تتخذ القرار بل أنا أتخذته ".
" ولكن لماذا؟ ألست مرتاحة في عملك بمتجر فورهامز؟".
"بل أحب عملي , وعندما أبلغت الموظف المختص بأنني أعتزم السفر قال أنني أستطيع العودة ألى عملي بعد العودة أذا رغبت في ذلك".
وقال بول وقد أحنى كتفيه:
" هل هناك رجل آخر؟".
" نعم...... ولا".
" ماذا تعنين؟".
" أعني قد يكون هناك رجل أحبه ولكنه لا يحبني ".
ونظر أليها بول بدهشة وهو لا يكاد يصدق ما تقوله :
" هل أعرفه؟".
" لا تعرفه بالضبط أرجوك يا بول , لقد سألني والد عنه من قبل , ولا أستطيع أن أقول شيئا , فالأمر لا يتعلق بي وحدي , هل تغفر لي؟".
وعضت شفتها بأرتباك وقالت:
" أنا واثقة أنني لا أناسبك ......بول , ربما ألتقيت بالفتاة التي تستحقك أثناء غيابي , لا أريد أن تنتظر عودتي , فأن العلاقة بيننا قد أنتهت للأسف ".
" هل تراسليني ؟".
وهزت جولي رأسها وقالت:
" من الأفضل ألا أفعل ذلك يا بول , عليك أن تنساني , فلست جديرة بك ".


وقال بول بشيء من الغضب:
" ليس الأمر بهذه السهولة يا جولي , لماذا لا تعود علاقتنا ألى ما كانت عليه منذ عام , كنا سعيدين , أنني واثق من ذلك".
وأدارت جولي وجهها وقالت:
" لقد أدرك كل منا منذ فترة أن الأوضاع قد تغيرت , لا بد أنك شعرت بذلك يا بول".
وأحمر وجه بول وقال:
" حسنا , لقد لاحظت ذلك بالطبع , ولكنني لم أرغب في مصارحتك بالموضوع , كنت آمل أن أعطيك الوقت الكافي لتعودي ألى رشدك".
" ذلك ما حدث بالفعل , بول , ماذا يحدث لو تزوجنا ونحن ندرك أن الأمور ليست على ما يرام؟ بعد عام واحد سيشعر كل منا بالتعاسة ؟ وهذا ما يجب ألا يحدث , ولقد تساءلت في بعض الأحيان ترى هل لديك أية فكرة عن الحب؟ أنه الرغبة في أن تظل مع شخص واحد وأن تحن لرؤيته ......للمسته......لحبه , هذا هو الحب".
وأحس بول بالحرج , فلم يكن رجلا أستعراضيا , ولم يرق له أن تتحدث جولي على هذا النحو , فلم تفعل ذلك أبدا من قبل , وشعر بعدم الأرتياح , وزرر معطفه بسرعة وقال:
" حسنا , أذا كان الأمر هكذا , فليس لدي ما أقوله ولا أزال أعتقد أنك تعيشين في عالم الأحلام , وأنك تضعين هذا الرجل , أيا كان , على منصة عالية لا بد وأن تنهار , ولكنني لن أجادلك الآن وداعا يا جولي".
" وداعا يا بول , أنني آسفة على ما حدث".
" وأنا آسف أيضا".
ثم خرج بسرعة حتى لا يقول المزيد.
وغادرت جولي وأسرة باولو مطار لندن في نهاية شهر فبراير في الصباح الباكر , وقد أرتدوا ملابس صوفية ومعاطف ثقيلة , وكان بن قد أرسل في وقت سابق معداته حتى يتسلمها عند وصوله.
وقال بن:
" أنني أتطلع ألى الدفء".
وجلس بين المرأتين في مقدمة الطائرة ورقد توني في مخدعه بجوارهم , وأستأنف بن حديثه فقال:
" ستة أسابيع في الشمس , يا له من شيء رائع".
وذلك ما دار بخلد جولي , فقد تعمدت أن تركز تفكيرها على المستقبل , مما أتاح لها أن تصل ألى قدر من التوازن للمرة الأولى منذ سفر مانويل , غير أن الرحلة التي أستغرقت ما يقرب من سبع ساعات أنتهت , وسرعان ما أدركت أن الواقع يسيطر عليها ثانية عندما لمحت الليرادو وأخيرا مطار جون ف . كيندي .
ومن خلال الغيوم التي أخذت تتبدد في ضوء الصباح شاهدت الغابات والأنهار والبرك ثم مانهاتن , وهبطت الطائرة بجوار مبنى المطار.
أحست جولي أنها تركت أفكارها في مكان ما في الجو وبرغم ذلك , كانت منفعلة وكأن تيارا كهربائيا يسري في جسدها وهي تقف على الأرض الأميركية لأول مرة , كانت هناك أشياء كثيرة سوف تراها وأشياء كثيرة عليها أن تستوعبها في وقت قصير.
وقضوا أربعة أيام في نيويورك قبل أن يتجهوا ألى سان فرانسيسكو , وفي بحر هذه الأيام , سارت جولي وسامنتا ساعات طويلة على أقدامهما , وكانت سامنتا تعتقد أن المبالغة في ركوب السيارات غير صحية لطفلها توني , ومن الأفضل جره في عربته معهما أينما ذهبتا.
وهالهما أزدحام الشوارع في أول الأمر , غير أنهما أعتادتا على ذلك بعد فترة .
أنبهرت سامنتا وجولي لرؤية شارع ماديسون ومبنى أمباير ستيت أكثر مما أنبهرتا عند زيارة متحف الفن الحديث حيث قضى بن معظم وقته , وقد أثار السنترال بارك وهي الحديقة التي تتوسط المدينة , أعجاب جولي وسامنتا , وأنساهما العشب الأخضر والبرك المليئة بالقوارب أنهما في أكبر مدينة بالولايات المتحدة .
وبعد أربعة أيام محمومة شعروا بالراحة وهو يجلسون ثانية في مقاعدهم في الطائرة التي أقلتهم ألى الساحل الغربي ونقلتهم ألى نمط مختلف من الحياة.




 


قديم 09-23-15, 05:13 PM   #126
برنس وصاب

الصورة الرمزية برنس وصاب

آخر زيارة »  03-08-19 (01:32 PM)
MMS ~

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



8- شوق تحت الصفر
أفضل وقت لزيارة كاليفورنيا يكون في الربيع أو الخريف , كان الجو هادئا والسماء صافية , وأمتلأت الحدائق بالأزهار الزاهية الألوان , وكان البيت الذي خصص لبن يواجه المحيط الهادىء , وصوت الأمواج المتواصل أشبه بخلفية لأيامهم , وأمتد الشاطىء أسفل ممر صخري شاهق يبدأ من البيت , وأرتطمت الأمواج العارمة بالشاطىء الذي كان يبدو ناصع البياض وقد أنتشرت فيه الكهوف.
أما الجامعة التي عمل بها بن فكانت في مدينة صغيرة أسمها سانتا بربارا تبعد حوال خمسة وثلاثين ميلا من سان فرانسيسكو , أما البيت على مشارف المدينة بشارع رئيسي بدت البيوت فيه كالقصور , وكان ما طابق واحد له سقف منحدر وتحيط به شرفة مسقوفة يتوسطها رواق فيه أثاث من البامبو المطلي , وكان الرواق يطل على المحيط مما أغراهم يتناول معظم وجباتهم هناك.
ولم يبدأ بن العمل ألا بعد يومين من وصولهم , وفي هذين اليومين أصطحب سامنتا وجولي والطفل توني ألى سان فرانسيكسو في السيارة الكاديلاك التي خصصتها الجامعة لبن.
وعندما بدأ بن مباشرة مهامه , قضت الفتاتان معظم الوقت في المنزل , راقدتين على الشاطىء أو سابحتين في البحر , وتولت تنظيف المنزل سيدة متوسطة العمر تدعى سركس عاشت في سانتا مارتا وأبدت أستعدادها للعناية بتوني عندما تذهب الفتاتان للسباحة , ويبدو أن توني أحب السيدة سراكس فقد كان يبكي كلما أخذته جولي منها لترضعه أو تحمله .
وعند نهاية الأسبوع الأول بدأت جولي تشعر أن وضعها غير سليم , فلم يكن هناك شيء تفعله فيما عدا الأشتراك مع سامنتا في غسيل ملابس توني والعناية به كلما صحبت سامنتا بن ألى حفلات العشاء التي يقيمها أعضاء هيئة التدريس بالجامعة , كان توني طفلا مريحا , لا يتجاوز شهرين من عمره , وكان ينام معظم الوقت , ولا يصحو ألا لتناول وجباته , وكانت سامنتا تجد متعة في العناية به ,و ولذلك بدأت جولي تحس أنها غير مفيدة لسامنتا.
وقالت لسامنتا في عصر أحد الأيام:
" أعتقد أنك لم تكوني في حاجة لي عندما أحضرتني معك ألى الولايات المتحدة , وأنا لا أسمح لنفسي بأن أتقاضى أجرا بلا عمل .....".
وضحكت سامنتا وقالت:
" يا لك من فتاة حية الضمير ! يا ألهي ألا تعتقدين أني كنت سأشعر بالملل لو أنني لم أجد من أحدثه ".
" حسنا , غير أنني واثقة من أنك تستطيعين عقد صلات مع سكان هذه المنطقة وتبادل الزيارات معهم , أقصد ما هو عملي؟ أنني أرضع توني في بعض الأحيان وأحمله كل ليلة , وفيما عدا هذا لا أفعل شيئا , لقد فهمت أنك تريدين أن يتسع وقتك لتفعلي ما تشائين , ولكنك تلازمينه دائما وتؤدين كل ما يطلبه".
وقهقهت سامنتا وقالت:
" حسنا لم أكن أدرك يا جولي مدى المتعة التي أجدها في العناية بتوني , صدقيني عندما دعوتك ألى الحضور معي , تصورت أنني سوف أضيق ذرعا بالعناية بتوني , ولكنني أكتشفت أن هذا غير صحيح".
" ما العمل أذا!".
" لا شيء , أسترخي يا حبيبتي , وأستمتعي بوقتك , لم لا تذهبين ألى سان فرانسيسكو في أحد الأيام؟ وأنا أستطيع البقاء وحدي هنا , فأنك لم تشاهدي سان فرانسيسكو جيدا عندما ذهبنا مع بن , فقد كنت مشغولة برعاية توني , أنني واثقة أنك سوف تقضين وقتال ممتعا أذا زرت المدينة بمفردك".
وهزّت جولي كتفيها وقالت:
" لا أدري , أعني أنك تتصرفين وكأنني في أجازة , بينما أنت التي يجب أن تكوني في أجازة".
" حسنا يا حبيبتي , لقد زالت الظلال السوداء من تحت عينيك , أعتقد أنك تستفيدين من هذه الرحلة".
وأومأت جولي برأسها وقالت:
" أنت على صواب بالطبع أشعر بتحسن ملحوظ ولكنني لاى أزال أشعر بالذنب لحضوري".
" لا داعي لذلك , فأنني سعيدة بوجودك".
وأبتسمت جولي وضغطت على يد سامنتا وقالت:
" شكرا يا سام".
وعندما عاد بن في ذلك المساء بدا وجهه محتقنا مضطربا ,وتساءلت جولي ترى هل حدث شيء ضايقه في الجامعة؟ وتركته مع سامنتا , ولم تعرف السبب ألا بعد تناول العشاء عندما تركهما بن ليعد المحاضرة التي يلقيها في اليوم التالي , وأخبرت سامنتا جولي بما حدث , قالت وهي غاضبة بعض الشيء لأنها أضطرت ألى ذكر أسم ذلك الرجل من جديد:
"لقد قابل بن مانويل؟".
وعقدت جولي حاجبيها وقالت بصوت مكتوم:
" مانويل .كيف ؟ .........أعني...... لم أكن أعرف أن بن يعرقه".
" لم يكن يعرفه أو على الأصح أنه يعرف شكله فقط وذكر لزملائه أن وجه مانويل يثير أهتمامه , كما قال لنا ذلك أيضا ....منذ مدة ".
وأومأت جولي رأسها فتنهدت سامنتا وأستطردت قائلة:
" يبدو أن أحد الأساتذة صديق لشقيق مانويل , فيليب فذكر الموضوع له فقام هو بدوره بذكره لمانويل , في أي حال لقد تناول بن الغداء مع فيليب اليوم لمجرد الحديث عن عمله وأذا بمانويل ينضم أليهما".
وقالت جولي بصوت خافت أقرب ألى الهمس:
" أذا فقد عاد ألى الولايات المتحدة".
وأومأت سامنتا برأسها وقالت:
" لقد دهش بن عندما وجد مانويل لطيفا , لقد توقع أن يرى وحشا ضاريا نظرا لما سمع عنه , ولكنه أنهر به , كانت نتيجة المقابلة أن مانويل وافق على أن يرسمه بن وأن يعرض رسمه بالمعرض المقبل لصوره , وسوف يذهب بن ألى منزل مانويل ليرسمه".
ومدّت سامنتا يديها ألى الأمام وقالت:
" كان لا بد أن أخبرك يا حبيبتي ......فلا فائدة من الكذب.....".
وهزت جولي رأسها وقالت بجمود:
" بالطبع لا , ولكن صديقيني يا سامنتا أن هذا يجعلني أسوأ حالا !".
" لماذا ؟ أنك لن تقابليه , يا ألهي , أن كاليفورنيا مكان فسيح للغاية , ثم أن مانويل لا يعيش في سان فرانسيسكو بل في مونتري ولكنني لم أستطع أن أجعل بن يذهب ألى هناك بدون أن أقول لك الحقيقة".
وقالت جولي وقد بدا عليها الأرتباك:
"أن ما يضايقني هو أحتمال أن يعرف أنني هنا , فقد يتصوّر أنني أتعقبه".

وسخرت سامنتا من جولي وقالت:
" أن هذا سخف , غادرنا أنكلترا وهو بها , ثم أنك لم تعرفي أنه سيتوجه ألى الولايات المتحدة , كان من المحتمل أن يقوم بجولته في أوروبا قبل العودة ألى هنا , في كل حال أنك تعرفين مكان سكنه أليس كذلك؟".
" ذكر أنه يعيش في كاليفورنيا , غير أنني بكل صدق لم أتوقع أبدا أن أراه هنا".
" أعرف ذلك يا حبيبتي , في أية حال لن يذكر شيئا عنك , فعليك أن تسترخي , وأذا فكرنا في هذا بطريقة منطقية لوجدنا أنها فرصة رائعة لبن".
وأبتسمت جولي وقالت:
" أعرف ذلك يا سام ويؤسفني أن أشغلكما بمشكلاتي الخاصة ".
وهزّت سامنتا رأسها برفق وقالت:
" لا تكوني حمقاء , هيا نفّّي ما أقترحته عليك , أن تذهبي غدا ألى سان فرانسيسكو وأن تنسي كل شيء عن كورتيز".
وفي الصباح أوصل بن جولي ألى المدينة وهو في طريقه ألى الجامعة , ورغب في شراء بعض المواد التي لم يجدها في سانتا مارتا , فتركها وسط المدينة .
وبعد أنصراف بن شعرت جولي أنها تسير بغير هدف , كانت الموافقة على الأستكشاف وحدها شيئا , وتنفيذ الفكرة شيئا آخر , وأخيرا ركبت الترام ألى فيشرمان دورف , وقضت بعض الوقت في الميناء , ولم تعجبها المتاجر السياحية التي تبيع الهدايا التذكارية , فأخذت تقرأ في الدليل السياحي باحثة عن مكان تذهب أليه بعد ذلك....... وتركت جسر أوكلانده وراءها وسارت في أحد الشوارع الجانبية , كان هناك جزء من سان فرانسيسكو بدا وكأنه لم يتغير منذ سنوات عديدة , فكثرت فيه الحانات والمقاهي التي يتردد عليها البحارة.
وكادت أن تعود ألى الشارع الرئيسي عندما أسترعى أنتباهها سلّما يؤدي ألى مبنى كتب أسمه بأحرف باهتة وهو مستشفى الأرسالية للبحارة , وأبتسمت وتساءلت عن تاريخ المبنى , ترى هل كان موجودا في منتصف القرن الثامن عشر وقت أكتشاف الذهب وتدفق الرجال من جميع أنحاء البلاد على كاليفورنيا بحثا عن الثروة.
وفيما كانت واقفة , ظهرت أحدى الراهبات باباب وأخذت تنظر ألى الشارع وكأنها تبحث عن شخص أو عن شيء , وعندما رأت جولي قطبت جبينها وكأنها تدهش من وجود أي سائح في هذا الجزء من المدينة , ثم نزلت السلم وتقدمت نحوها وقالت وهي تحييها بحرارة:
" صباح الخير".
" صباح الخير , أن الطقس جميل , أليس كذلك؟".
وأومأت الراهبة برأسها وهي شاردة الذهن ثم قالت:
" هل تتكلمين اللغة البولندية ؟".
" آسفة , لا أتحدث بهذه اللغة".
وضغطت الراهبة على شفتيها وقالت :
" بالطبع! فلم يكن معقولا أن أجد ما أبحث عنه , غير أنني عندما رأيتك تقفين أمامي فكرت أنه ربما ....... في كل حال يستحسن أن تعودي ألى الطريق الرئيسي يا عزيزتي , لأن هذه المنطقة خطيرة بالنسبة ألى فتاة تسير بمفردها , هل ضللت الطريق؟".
" كلا , كنت أستكشف المدينة , آسفة , أستطيع مساعدتك , أنني لا أتحدث سوى الفرنسية والألمانية ألى جانب الأنكليزية بالطبع".
وعقدت الراهبة حاجبيها وقالت:
" تتحدثين اللغة الألمانية , الألمانية؟"
" جائز".
وحملقت جولي في وجهها بفضول ,وأبتسمت الراهبة ثم قالت:
" قد تظنين أنني مجنونة , ولكن هناك بجارا بولنديا أحضروه ألى المستشفى أمس , وحدوه يئن في الشارع , وهو لا يتحدث الأنكليزية , وقد أوضح الكشف الطبي عليه أنه يعاني من ألتهاب حاد في المصران الأعور ,ومن الضروري أن يفهم أنه في حاجة ألى عملية جراحية عاجلة وقد ينفجر المصران في أي وقت , ولم نستطع التفاهم معه ولا أدري ماذا أفعل , أن وصولك يعتبر نعمة أذا أستطعت التفاهم معه".
وصاحت جولي على الفور:
" بالطبع , أرجو فقط أن يفهم لهجتي".
وسارت جولي خلف الراهبة التي أجتازت عنبرا طويلا , مزدحما بالأسرة والمرضى المصابين بكسور وجروح , وبرجال ينظرون بجمود أمامهم وكأنهم لا يشعرون بمن حولهم , وقد أسترعى أنتباه الحاضرين دخول جولي العنبر , فحاولت أن تتجاهل العيون التي حملقت فيها.
وبدت حالة البحار البولندي سيئة للغاية , وقد وضعت ستائر عالية حوله لتفصله عن بقية المرضى , وجلست راهبة أخرى ألى جوار السرير , نهضت واقفة عندما رأتهما وخطت ألى الخلف , كان وجه البحار شاحبا محتقنا , ونظر أليهما وهو لا يفهم ما تريدانه بينما بدا الألم في عينيه.
جلست جولي ألى جواره وقالت باللغة الألمانية :
" هل تتحدثين الألمانية ؟".
وبرقت عينا البحار قليلا , وقال بسرعة وبصوت رتجف وقد بدت عليه الراحة لأنه وجد من يفهمه:
" يا , يا ".
وأوضحت له جولي الموقف بسرعة , وظهر من حركاته وصيحاته أنه لم يكن يعرف خطورة حالته , ووقفت جولي وقالت للراهبة:
" ظن أنه يعاني من التسمم , الطعام على السفينة كان سيئا للغاية ,ولكنه يعرف حقيقة الموقف الآن , ويرغب في أجراء العملية الجراحية , وقد أوضحت له سبب وجوده هنا , وهو مرتاح أكثر الآن".
وتنهدت الراهبة وقالت:
" أرأيت زحمة العمل هنا ؟ أننا لا نجد من يقبل العمل في المستشفى , ولن تتحسن الأمور حتى يتم بناء المستشفى الجديد".
وسألتها جولي:
" هل تشيدون مستشفى جديدا؟".
" سيتم قريبا بمشيئة الله , تمت الموافقة على الرسومات الهندسية وسوف توضع الأساسات قريبا ,وسوف تكون الأوضاع أفضل حينئذ".
وأقرّت جولي قول الراهبة وقالت:
" أنني واثقة من ذلك ".
ونظرت جولي ألى العنبر المزدحم وشعرت بالنظرات التي وجّهها المرضى أليها , وقالت الراهبة وهي تتجه ألى الباب:
" أخذنا الكثير من وقتك , أرجو ألا نكون قد أزعجناك أذا طلبنا منك الترجمة".
" بالطبع لا , هل تعتقدين أنها ستكون فكرة طيبة أذا حضرت في الصباح , فقد يحتاج البحار ألى شيء بعد العملية فأتولى الترجمة له".

وبدت الدهشة على وجه الراهبة وقالت:
" نعم , أعتقد أنها فكرة طيبة جدا , أذا رغبت في ذلك , وأتسع وقتك , فأنت في أجازة أهذا صحيح؟".
" ألى حد ما , أنا متأكدة من أنني أستطيع الحضور أذا رأيت أن هذا مفيد ......".
وتساءلت جولي وهي تقول ذلك ترى ماذا سيكون رأي سامنتا في هذا الموضوع ؟ سامنتا سوف يسعدها أن جولي وجدت تسلية بعيدة كل البعد عن مانويل كورتيز.
وأبتسمت الراهبة وقالت:
" أنت أنكليزية أليس كذلك؟ نعم , ظننت ذلك , لماذاتستكشفين الشوارع الخلفية في سان فرانسيسكو ؟ توجد أماكن سياحية أخرى جديرة بأجتذاب أهتمامك".
وهزت جولي كتفيها وقالت:
" لا أشعر بالرغبة في مشاهدة الأماكن السياحية في الوقت الحالي , هل أحضر ألى المستشفى غدا؟".
" حسنا , سوف أنتظرك غدايا آنسة ...".
" كيندي , جولي كيندي ".
" حسنا يا آنسة كيندي , أنا أسمي الأخت موران , أسألي عني أذا لم تجديني عند وصولك".
" حسنا".
وودعتها جولي وأنصرفت , وسارت في الشارع وهي تفكر في البحار البولندي ,وسرها أن تشعر من جديد أنها مفيدة .
غير أن الشكوك عاودتها وهي تركب سيارة التاكسي التي أقلتها ألى سانتا مارتا , ماذا لو أن سامنتا أحتاجت أليها للعناية بتوني؟ وماذا لو أعترضت على ترتيب مثل هذه الأمور بدون أستشارتها , أن الراهبة بالطبع لا تعرف عنوان مسكنها , ولن تستطيع الوصول أليها أذا لم تعد ألى المستشفى , ولكنها سوف تعود لأن شيئا مجهولا يرغمها على العودة ألى المستشفى , ولم تكن ترغب في مقاومته .
ولم تغضب سامنتا عندما قصّت جولي عليها ما حدث , غير أنها أعربت عن قلقها بشأن سلامة جولي وصاحت قائلة:
" جولي! ما الذي دفعك للقول بأنك سوف تعودين غدا , يا ألهي , سوف تجري للرجل العملية الجراحية وهو لا يحتاج أليك".
" لا يمكنه التحدث أليهم , يستعمل الأشارات ليعبر عما يريده , أعتقد أنه أمر طبيعي أن أعرض خدماتي".
" هل يعني ذلك أنه لا يوجد من يتحدث باللغة الألمانية سواك في سان فرانسيسكو؟".
" بالطبع لا , ولكن العمل منهك بالمستشفى , فالعنابر مزدحمة بالمرضى , ووقتهم لا يتسع للبحث عن مترجم , في أية حال ما دمت لا تحتاجين أليّ فسوف أذهب , حتى أستطيع أن أقوم بعمل ما , يتعين عليّ أن أشغل وقتي كما قلت أمس".
وأعترفت سامنتا بهزيمتها وقالت:
" حسنا يا عزيزتي , أذهبي لكن لا تلومينني أذا أستغلت الأخت موران وجودك وطلبت منك تقديم الطعام للمرضى , وأعتقد أنها سوف تتصور من سلوكك أنك في حاجة ملحة للعمل".
وضحكت جولي وقالت:
" علاج بالعمل!".
وأومأت سامنتا برأسها وقالت وهي تشعل سيكارة:
" على فكرة , كيف ستصلين ألى سان فرانسيسكو ؟ أن بن لن يستطيع أن يصطحبك , فهو ذاهب ألى مونتري".
وجف فم جولي وسألتها:
" هل هو ذاهب ألى مانويل؟".
" نعم , تم الأتفاق على ذلك بالأمس , فيبدو أن مانويل وكلود كريستيان كاتب الأغاني , هل تعرفينه ؟ يشتركان في تأليف أوبريت غنائية , فيضع مانويل الموسيقى بينما يكتب كلود كريستيان الأغاني , هل فهمت؟".
" نعم , وماذا عن بن؟".
" دعا مانويل بن لقضاء بعض الوقت معهما , هو يرسم وهما يعملان , أنه ترتيب مثالي!".
" مثالي .....".
وتنهدت سامنتا وقالت:
" والآن كيف تصلين ألى المدينة؟".
" سوف أطلب سيارة أجرة , فأذا غادرت المنزل في الساعة الثامنة أستطيع العودة في الساعة الثامنة عشرة".
" أسترخي , ولا تتسرعي بالعودة من أجل توني , فأنني هنا وسوف أرعاه , تناولي الغداء بسان فرانسيسكو ثم عودي في الوقت الذي يروق لك".
وضمّتها جولي وقبّلتها وقالت:
" سام! أنت لطيفة في معاملتك لي!".
" نعم أنا كذلك ".

وأثناء تناولهم العشاء كان لا بد لبن أن يذكر بشكل عرضي اليوم التالي , ولاحظت جولي أن سامنتا رمقت زوجها بنظرة أستياء فقالت:
" أرجوك لا تعاملني وكأنني قطعة زجاج , فلن أتحطم , لا تتكلّف يا بن , تصرّف بشكل طبيعي , تحدث عن مانويل كورتيز أذا شئت , فمن الواضح أن الأمر مثير بالنسب لك , ولا أتوقع منك أن تختزن الكلام في هذا الموضوع , فلم تكن لتفعل ذلك لو لم أكن أنا هنا , ثم أن الموضوع يهمني , يهمني حقيقة".
وقال بن:
" حسنا , سوف أغادر المنزل في الصباح ولن أعود ألا بعد موعد العشاء , ولن أجد صعوبة في التعرف على المنزل , فسوف أسلك الطريق ألى كرميل , ويبدو أن المنازل فخمة على هذا الطريق , وسأبحث عن بيت مانويل , سايبروس ليك ".
وردّت سامنتا قائلة:
" هائل".
ولم تستطع جولي أن تعرف أذا كانت سامنتا ساخرة أم جادة , وتركتهما جولي بعد العشاء وهما يناقشان أفكار بن بشأن معرضه الجديد الذي قرر أقامته في الخريف ,وسوف يتركز الفكر أساسا على موضوع مصارعة الثيران التي أستلهمها من شكل مانويل الأسمر الأسباني .
ذهبت جولي في وقت مبكر ألى فراشها غير أنها لم تنم , فقد أنطبعت في ذهنها صورة مانويل ولم ترغب في محوها.
وفي اليوم التالي أرتدت سروالا كحليا وقميصا أبيض , لزيارتها المزمعة للمستشفى ,ووضعت على كتفيها سترة قاتمة اللون ,وأنتظرت وصول سيارة الأجرة.
وبدا المستشفى في ضوء الصباح كئيبا مهيبا , بينما غطى الميناء ضباب أثلج الجو , وأتجهت جولي ألى داخل المستشفى حتى لا تغير رأيها وتنصرف , غير أنها وجدت المدخل مهجورا تماما ونظرت حولها وهي تتساءل أين تذهب , وشاهدت رجلا يمشي في أتجاهها , كان يرتدي معطفا أبيض مما يشير ألى أنه طبيب , غير أن وجهه بدا مألوفا في ضوء المدخل المظلم , وخفق قلبها أعتقدت لبرهة أنها قد فقدت صوابها , فالرجل الذي وقف أمامها يشبه مانويل كورتيز تماما , ولولا أنه كان أقل نحافة وأقصر قامة من المغنى لأعتقدت أنه هو نفسه.
وتمالكت جولي نفسها , فذلك الرجل ليس مانويل وهي تتصرف ببلاهة , وسألها الرجل بأدب وبصوت جاد :
" هل من شيء تريدينه؟".
" أنا......نعم , أنا جولي كيندي , كنت هنا بالأمس , جئت لأزور البحار البولندي الذي لم يجد من يفهم لغته".
وأبتسم الرجل وقال:
" نعم , فولينسكي , حالة المصران , أجريت العملية الجراحية له , وحالته تحسنت كثيرا".
وأبتسمت جولي وقد تمالكت نفسها تماما وقالت:
" حسنا..... أين هو؟ هل أستطيع أن أراه؟".
" بالطبع".
وعاد بها ألى الممر وهو يتفحصها بفضول , ولعله كان يتساءل عن سبب شحوب وجهها , وسبب اضطرابها الشديد عند أقترابه منها.
وقال ببساطة:
" أسمي كورتيز , فيليب كورتيز , وأنا الطبيب المقيم بهذه المستشفى".
وحملقت جولي في وجهه , وتساءلت : ترى هل هو الذي قدم بن ألى مانويل؟ أن هذا شقيق مانويل فهو يشبهه ألى حد كبير وخفق قلبها وتساءلت , هل هذا هو الذي جذبها ألى المستشفى؟ هل كان هذا هو سبب شعورها بضرورة العودة ألى المستشفى . هل أحس عقلها الباطن بوجود هذا الرجل وبقرابته لمانوي؟
ورأت عند باب العنبر الأخت موران وقالت :
" وهكذا عدت ألينا يا آنسة كيندي , أنني في غاية السعادة لقدومك , خشيت أن تفقدي الرغبة في العودة ألى المستشفى بعد مغادرته".
وهزت جولي رأسها وقالت ببساطة:
" كنت أريد العودة".
ثم جلست ألى جوار سرير البحار البولندي المريض.
وبدا أيغور فولينسكي أحسن حالا في هذا الصباح , حلق لحيته , ومشط شعره , وبدا مختلفا عن الرجل المضطرب الذي شاهدته سابقا.
وتحدثت أليه بعض الوقت وهي تراقب فيليب كورتيز الذي أنتقل بين المرضى وهو يعاملهم برفق , وكان واضحا أن المرضى يرتاحون أليه , فهو جذاب مثل مانويل , ويسعى ألى كسب ثقة المرضى مستخدما جاذبيته لتحقيق هذا الهدف , فغالبا ما يشعر المرضى بالوحدة بعيدا عن زملائهم من البحارة .
وعند مغادرتها العنبر ألتقت صدفة بالأخت موران التي دعتها ألى تناول القهوة في مكتبها حيث قدمتها ألى الأختين دوتاهو وجيسون , ثم أنضم أليهن فيليب بعد فترة.
وساد الغرفة جو وردي , وجلست جولي تحتسي القهوة في المكتب الضيق وتستمع ألى الراهبات اللواتي تحدثن عن المرضى , وأخذن يشرحن المهام المزعجة التي يقمن بها , وحالات السرطان المتأخرة التي لا علاج لها , والتي عادة ما تستكشف صدفة , كما تناولت الراهبات أيضا موضوع العمل المضني في العنابر , وخدمة رجال لا يقدّرون ما يقدّم لهم , بل يحاولون مخالفة القوانين في كل فرصة.

وبعد أنتهاء فترة أستراحة القهوة تركت الراهبات المكتب في الساعة التاسعة , وأحست جولي بالفراغ في حياتها , وقالت بدون تفكير :
" هل أستطيع أن أعمل أي شيء؟ أعني , أنني أستطيع المساعدة طالما أنني هنا....".
وهزت الأخت موران رأسها في دهشة :
" هل أنت جادة فيما تقولينه يا أبنتي ؟".
" بالطبع أريد أن أساعد , أذا أستطعت".
ولم تعترض الأخت موران , بل أعطت جولي رداء وممسحة وجردلا ,وطلبت منها مسح العنابر .
وأخذت جولي تعمل بهمة ونشاط فهي تؤدي عملا مفيدا , وتجاهلت الملاحظات البذيئة من المرضى , ووجدت في أحد العنابر الجانبية فتاة في الثانية عشرة من عمرها ترقد وهي تقرأ امجلات وتأكل الشوكولاتة , أبتسمت الفتاة لجولي وقدّمت أليها الشوكولاتة , حاولت جولي أخفاء فضولها معتبرة أنه ليس من شأنها التدخل فيما لا يعنيها , وقبلت الشوكولاتة من الفتاة وشكرتها وهي تبتسم.
وبعد أن أنتهت من مسح العنابر , قامت بفرش الملاءات , كما وضعت ميزان الحرارة في أفواه المرضى أنتظارا لقدوم الراهبات لتسجيل درجة الحرارة.
بأستثناء الراهبات الثلاثة والدكتور كورتيز , لم يكن يعمل بالمستشفى سوى مستخدمين يقومان بعمل مماثل لعملها , وطباخ يعد الوجبات , وحيث أن المستشفى تضم ثلاثة عنابر رئيسية وعنبرا جانبيا وأمتلأت جميعها بالمرضى , فقد كان هناك نقص واضح في العاملين.
وشعرت جولي بالأرهاق عند حلول وقت الغداء , وقامت بتقديمه ألى المرضى , وكان يتكون من الحساء والكفتة والحلوى والشاي ولاحظت الأخت موران شحوب وجهها وقالت بحزم:
" حان وقت مغادرتك المكان يا آنسة كيندي , قمت بمجهود كبير غير أنه لا داعي لأرهاق نفسك , شكرا جزيلا ووداعا".
خلعت جولي الرداء وقالت للأخت موران:
" هل يزعجك أن أحضر غدا ؟ لقد وجدت متعة في العمل معكم".
وضحكت الأخت موران وقالت:
" يا عزيزتي , أحضري كلما رغبت في ذلك , فنحن لا نرفض أية مساعدة, أليس كذلك يا دكتور فيليب؟".
وحملق فيليب في جولي وقال بصوت رقيق:
" هل ستحضرين ثانية؟".
" أذا سمحتم".
وهز رأسه وقال:
" ولكن لماذا؟".
وربّتت الأخت موران على كتف جولي وقالت:
" لا توجه أسئلة يا دكتور فيليب , فالفتاة ترغب في الحضور , فلتحضر أذا كانت خير معين لي اليوم".
ورمق فيليب جولي بعينيه وهو يفكّر , وخلع معطفه الأبيض وقال:
" حسنا , هيا بنا سوف أصطحبك ألى فندقك".
وأحمر وجه جولي وقالت:
" لا ضرورة لذلك , فأنا لا أقيم هنا...... أعني أقيم في سانتا مارتا".
وقال فيليب بحزم:
"حسنا فسوف أجد متعة في جولة بالسيارة".

وتنهدت جولي , فلم تكن تريد أن يعرف فيليب عنوان أقامتها , لأنه أذا عرف أنها تقيم مع أسرة بارلو , فأن مانويل سوف يعلم بوجودها في نهاية الأمر .
وأبتسمت الأخت موران وقالت:
" مهلا يا فيليب ,فالفتاة غير معتادة على أسلوبك اللاتيني".
وزرّر فيليب سترته الرمادية الأنيقة فبدا بدون المعطف الأبيض أكثر شبا لمانويل ببشرته السمراء وعينيه السوداوين وأسنانه السوية البيضاء وقال وهو يضحك :
" هّيا بنا".
وهزّت جولي كتفيها وقالت:
" حسنا".
وتقدّمته ألى خارج المبنى وفي موقف السيارات وجد فيليب السيارة الكاديلاك البيضاء, أسترخت جولي على المقعد المكسو بالجلد ولم تعد تحس بالآلآم في جسمها , وأسعدها أن تستلقي على المقعد وأن تترك شخصا آخر يتحمل المسؤولية.
وقال فيليب:
" هل تناولت الغداء؟".
وهزت جولي رأسها وقالت:
" كلا! هل تناولت الغداء أنت؟".
" كلا , هل نتناوله معا؟".
وأبتسمت وقالت :
" هل من اللائق أن أفعل ذلك ؟ فلم أعرفك ألا منذ فترة وجيزة".
وقال وقد انعطف بالسيارة بعيدا عن الشارع الرئيسي:
" يمكنك أن تطمئني أليّ".
وتناولا الغداء في مطعم يشرف من أرتفاع كبير على الميناء , وبعد لحظات قال فيليب لجولي:
" والآن حدثيني عن نفسك , ما الذي جاء بك ألى الولايات المتحدة والساحل الغربي بالذات؟".
أظطربت جولي ولم تعرف كيف ترد , فقالت:
" بالواقع أنا أعمل مربية لطفل , غير أن أمه تجد متعة في العناية به لذلك لا أقوم بعمل فعلي في الوقت الحاضر".
وعقد فيليب حاجبيه وقال :
" رجل أنكليزي وزوجته ؟".
" نعم".
وأومأ فيليب برأسه وقال:
" كثيرة الأسرة الأنكليزية التي تقيم في سانتا مارتا".
وتنهدت جولي وقد أحسّت بالراحة , فقد حالفها الحظ في هذه المرة , ترى هل هذا كل ما سوف يسأل عنه؟ ولكن فيليب سألها عن بن أو بالأصح عن مخدومها ووظيفته.
وقرّرت أن تكذب عليه فقالت أنه كاتب , وبدا أن فيليب أقتنع بما تقوله بعد أن أجابت بسؤاله عن نوع ما يكتبه بقولها أنه يؤلف كتبا عن الأسفار فأكتفى بذلك وأخذ يتحدث عن المستشفى.
وسألته جولي عن الفتاة التي رأتها في العنبر الجانبي فقالت:
" من هي؟ أعني أنه شيء غريب أن أرى فتاة صغيرة في مستشفى للرجال ".
" أسمها تيريزا , وهي من أصل أيطالي , ومن سوء الحظ أن أبويها لا يهتمان بها , فهي تعاني من العرج نتيجة لتشوه في مفصل الفخذ يمكن تحسينه بالجراحة , أن والديها لا يملكان الموارد المالية لدفع تكاليف مثل هذه العملية حتى أذا أرادا ذلك وهو شيء غير مؤكد وقد شاهد رجل أعرفه تيريزا ونظرا لأنها تذكّره بالفقر المدقع الذي كان قاسى منه في يوم ما , فقد وافق على تحمل نفقات العملية الجراحية".
" هائل! والآن ماذا يحدث؟".
" أنها في أنتظار أجراء العملية لها , وقد أجرينا التحاليل والأشعة فالأمر يقتضي تنمية العظام في الفخذ الأيسر , ونحن نأمل أن تتحسن طريقة مشها تحسنا ملحوظا نتيجة للعملية , فأذا حالفها الحظ فلن يكون عرجها ملحوظا".
وقالت جولي وهي تكرر ما قالته من قبل:
" هائل!".
وأبتسم فيليب برقة وقال :
" حسنا , أستمتعت بغدائنا ؟".
وأومأت برأسها بحماس وبدا السرور على وجهه وقال :
" يجب أن نكرر ذلك قريبا ".
" أتمنى هذا".
ونسيت لثانية من هو غير أنها سرعان ما تذكّرت فقالت :
" يجب أن أذهب الآن ".
" نعم سوف أصطحبك ألى منزلك".
" كلا , أعني .... أفضّل ألا تفعل ذلك , شكرا....... فسوف أشتري بعض ما أحتاج أليه , ويمكنني أن أجد سيارة أجرة بسهولة , شكرا لك".
وتردّد فيليب قليلا , ولكنه وافق في نهاية الأمر على تركها , وأحست جولي بالراحة.

وهال سامنتا ما سمعته من جولي عن الأحداث التي مرت بها , وقالت غاضبة:
" ماذا تقولين ؟فيا لها من حماقة دفعتك للعودة ألى المستشفى ؟ يا ألهي يا جولي , هل فقدت رشدك حتى توافقين على القيام بمثل هذا العمل !".
وضحكت جولي قليلا وقالت:
" سام! صدقيني عندما أقول أنني كنت أود المساعدة , أشعر بسعادة امرة عندما أقوم بعمل مفيد".
" يمكنك أن تقومي بعمل مفيد هنا".
" أعرف ولكنك لست في حاجة أليّ يا سامنتا , بينما هم يحتاجوم أليّ"
" حسنا , فقد أنتهت العملية الآن على الأقل".
وأرتبكت جولي وقالت بسرعة :
" قلت لهم أنني سأعود أعني في أي وقت فراغ , لأن هذا ينسيني ... الأشياء التي....... على فكرة , الطبيب أسمه فيليب كورتيز".
وحملقت سامنتا في وجهها وقالت:
" شقيق مانويل؟".
" لا أعرف , غير أنه يشبهه تماما , فأذا لم يكن قريبا له يحمل نفس الأسم , فهو شقيقه بالفعل".
وقالت سامنتا بشيء من السخرية :
" أن هذا هو السبب الحقيقي أذا , هل يشبه فيليب مانويل تماما؟".
" أن سلوكهما مختلف ولكن يوجد تشابه بينهما أيضا , أما في الشكل فهو أقصر قامة وأقل نحافة لكنه يشبهه بحيث يبدو من بعيد وكأنه مانويل نفسه ".
" جولي!".
وقالت جولي بأنفعال :
" كلا , أن الأمر لا صلة له بفيليب , فأنا أحب عملي , وأنا صادقة في قولي في كل حال أن عملي هنا كما تقولين , وقد لا أعود ألى المستشفى أبدا".
وقالت سامنتا معارضة:
" بل ستعودين ألى المستشفى يا عزيزتي , فنحن نريد سعادتك فقط , أنت تعلمين ذلك؟ ولكن أليس من الحماقة أن تعملي مع رجل تعترفين أنت نفسك بأنه يشبه مانويل ألى حد كبير؟".
" ربما ولكنه لا يعرف من أنا , ولن أذكر مانويل أبدا , أذا ما الضرر من ذهابي ألى المستشفى؟".
وهزت سامنتا كتفيها وقالت:
"أفعلي ما يروق لك يا حبيبتي , هيا بنا نعد الطعام , فبن يعود بعد قليل ألى المنزل , على فكرة من الأفضل ألا تذكري أسم فيليب لبن , فأنت تعرفين مدى أنفعاله وقد يبوح بالسر أذا علم لأنه لا يستطيع أن يكتم سرا , وأرجو ألا يربط بين المستشفى الذي تذهبين أليه وفيليب حيث أنه يعرفه الآن".
وعندما عاد بن كان منفعلا بعد قضاء كل اليوم في سايبروس ليك , ولم يهتم بالأستماع ألى الأحداث التي مرت بها جولي , وأخذ يصف المنزل لهم والبركة التي سمي المنزل بأسمها , فقال:
" المكان رائع , بيت من الطراز الأسباني , غرففه ضخمة وبه كل وسائل الراحة ,والأساس ليس من الطراز الحديث , وكثير منه من خشب الورد , وهو رائع , ومن الواضح أنه ثمين , توجد مقاعد كبيرة تتسع لثلاثة أشخاص ولوحات زيتية للرسامين غويا ورينوار , وهي بالطبع الرسومات الأصلية و فمانويل لا يمتلك سوى الأصل , والديكور رائع , ومانويل....... لقد طلب أليّ أن أناديه بأسمه , أنه جذاب جدا , وهو يعرف الكثير عن فن الرسم , ويبدو أنه رجل محترم , وهو بكل تأكيد يحسن أختيار القطع الفنية".
وقال وهو يصف بيلار :
" يا لها من فتاة جميلة!".
وأضاف بشيء من السخرية :
" سامنتا! ليتك كنت سمراء لعوبا!".
ورمته سامنتا بوساة وقالت :
" لماذا ! هل هي فتاة لعوب؟".
" يا ألهي , لا , فهي صغيرة جدا , ألى جانب أأن عدد أصدقائها من الذكور يفوق عدد صديقاتها , ولكنها ترتدي هذه الثياب القصيرة التي تناسبها , وهي جميلة بحيث لا بد وأن تسحر من يراها".
وضحك ثم قال:
"لقد ذهبت للسباحة بينما كنا في الشرفة نحتسي المشروبات بعد الغداء وكانت ترتدي زي بحر من قطعتين , غير أن مانويل تجاهلها , لعله يشعر أنها تحتاج ألى بعض الحرية أذ يقال أنها قاست الأمرين وهي تعيش مع أمها".
وقالت جولي وهي تتحدث للمرة الأولى:
" هل قال لك ذلك مانويل ؟".
" كلا..... في الواقع أن دولوريس أريفيرا هي التي قالته , ويبدو أنها تعمل مع مانويل وهي تقضي بضعة أيام عنده ".
وقالت جولي وقد هالها ما سمعته:
" أوه!".
وأستأنف بن حديثه بسرعة بشيء من الأرتباك:
" أن دولوريس أريفيرا تبدو جذابة .........جدا .......لست سوى رجل....... غير أنه يبدو لي أن علاقتهما ليست علاقة عاشقين".
وأرتعدت جولي وقالت وهي تكاد تختنق:
" الأمر لا يعنيني يا بن........".
وتساءلت لماذا, برغم أنها تدرك أنه ليس بالرجل الجدير بالحب والثقة فيما يتعلق بعلاقاته بالنساء , لماذا يرفض قلبها أن يعترف بهذا الواقع ببساطة؟


 


موضوع مُغلق

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are معطلة
Pingbacks are معطلة
Refbacks are معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع : حب غير متوقع اكبر تجمع روائي لروايات احلام وعبير
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وتفوح من طيب الثناء روائح..! رويدا محمد عدسات وفلاش كاميرات الأعضاء ( تصويرُنا ) 26 05-04-16 02:52 PM
اليمن :قبر عشرينية يمنية تفوح منه روائح عطور مميزة اللورد يحيا أخبار من الصحف المحليه والعالميه 8 08-30-13 11:23 PM
اكثر مكان غير متوقع لبناء السينما لقيت روحي قسم الصور والرسوم العامه 11 05-03-12 05:20 PM
آسف على عطل المنتدى الغير متوقع ~ M.ahmad ملتقى تواصل الأعضاء - فعاليات - تهاني ومناسبات . . ◦● 1 06-08-10 08:41 PM


| أصدقاء منتدى مسك الغلا |


الساعة الآن 02:41 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.1 al2la.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
بدعم من : المرحبي . كوم | Developed by : Marhabi SeoV2
جميع الحقوق محفوظه لـ منتديات مسك الغلا