المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السيّدة التي لا تستطيع.


الصفحات : [1] 2 3 4 5 6 7 8 9 10

أعيشك
02-06-21, 09:26 AM
العودة الأخيرة.

مرحبًا بعد تفكيرٍ قد طال جدًا،
أعلم جيدًا أنه لم يكُن من المُنصف فعل ذلك.
لا أعلم لِما قررت ترك مُدونتي الأولى،
وترك حلمي الأبدي،
وأول من أخذتني لهذا العالم.
الذي أعلمه حقًا إني لم أعُد
أستطع أن أكتُب هناك أكثر.
لذلك هربتُ منها لمُدونة أُخرى.
تحمل إسمًا مُختلف،
ورُبما به مُحتوى مُختلف أيضًا.
لكن من هي خلف شاشته،
وتكتب كلماته هي الشخص ذاته،
تلك التي كتبت أول كلماتها هاهُنا.
غادرتُ دون أن أُخبر أحد.
لا مُبرر لذلك غير إنها لرُبما حمِلت
تلك المُدونة الذنب في إنها قد خرجت
من منطقة راحتها وأصبحت للمرة الأولى
تُفصح عمّا بِداخلها لغيرها وهو الأمر الذي
لم يكُن من طبيعتها.
الأمر الذي إخافها وتركِها تهرب دونَ أن
تلتفت إلى الوراء أبدًا.

الآن أعود إلى هُنا لكي أُخبر من يزور مُدونتي
تلك بين الحين والآخر إنني هُنا.
ولكي أكون أكثر صِدقًا فقد إندهشتُ حقًا
عندما رأيت أن هُنالك من لا يزال يأتي إلى
هُناك ويكتُب لي أيضًا ..
لذلك أنا حقًا مُمتنة لكم جميعًا يا أصدقاء.
بكُل حُب أتمنى لكم كُل الخير والسعادة.

مُدونتي الجديدة التي سرقتني من تلك دون قصد،
يُسعدني أن تنضموا لي هُنا،
وإن أردتم أن تقِفوا بِجانب تلك المُدونة وتتركوني
هُنا كما تركتُ أنا تلك المُدونة فذلك حقٌ لكم بالطبع.

المُدونة الجديدة تُرحب بكم.

أعيشك
02-06-21, 05:03 PM
الإكتئاب يتوغل إليَّ بكل هدوء،
في البداية أُعاني مع الأشياء الصغيرة،
لكنيّ أختار أن أتجاهلها انهُ مثل الصداع
أقول لنفسي بأنهُ مؤقت وسوف يزول،
انه مجرد يوم آخر سيئ ولكنه ليس كذلك .. .
أنا عالقة في هذه الحالة النفسية وأعتادُ على ارتداء
قناع اجتماعي أختبئ خلفه لكي أُواصل العيش
ضمن الآخرين لأن هذا ما يجب عليَّ فعله ...
هذا ما يفعله الآخرين،
لكن المشكله لا تزول .. .
أشعُر بالمُعاناة عندما أرتدي وجهًا مُزيف كل يوم
ويبدأ في إستهلاكي أكثر فأكثر،
هذا ما يجعلني أهوى عمق أكبر مما يجعلني
أبدا في الإبتعاد عن الاصدقاء والعائلة
وأحيانًا أعزلهم تمامًا عن حياتي .. .
الشعور بالراحة مُنعدم،
الأشياء الصغيرة التي كانت تجلب
لي السعادة لم تعُد لها قيمة،
حتى أبسط المُهمات أصبحت ثقيلة،
لهذا السبب ليس لديَّ محفز في حياتي،
أيًا كان ... .
كل هذه الأفكار تجعلني أشعر بالأسى الشنيع
فأُصبح عالقة في دائرة مفرغة.
فجأة أجد حياتي أصبحت بطيئة الحركة،
والأيام أصبحت متشابهة ..
مُجرد ضوضاء بيضاء وأشعر بالثقل يملأ
عقلي ويجثم فوق جسدي،
وأشعر إنني لن أكون سعيدة أبدًا .. .
وأستمر في الإنطواء وتدمير علاقاتي،
وأشعر بالذنب على كل ما ارتكبته أو لم أرتكبه.
ولكن جزء بداخلي يُريد أن يُصحح الأوضاع،
فيض من المشاعر الإيجابية المفاجئة يجعلني
أُريد الخروج ومقابلة الناس،
ولكنه شعور قصير الأجل،
لأن بِداخلي أعلم انهُ لن يجدي نفعًا ...
الأشياء التي تجعل اصدقائي سُعداء لا أكترث بها،
فأصبح مُدركة لحجم الفجوة بيني وبينهم،
فشل آخر ليس بإختياري .. .
فأختار في النهاية أن أُصبح وحيدة في خلوتي،
حيثُ لا يسألني أحد أي سؤال،
إحتقار الذات وإنعدام الطموح،
شعوران يصبحان غير محتملين،
وفي النهاية أُدرك بِأنني لن أستطيع الإستمرار
بهذه الطريقة فأُصبح أمام خيارين .. .
إما أن أُقرر طلب المساعدة،
أو رُبما أُحاول الهروب.

أعيشك
02-07-21, 10:39 AM
أستيقظتُ اليوم منهكة علي الرغم من
أنني أويت إلي فراشي مُبكرًا ولكن ... .
مُطاردة الكوابيس كانت أعنف من الليالي السابقة ..
اعتياد الكوابيس ليس بالأمر السهل بالطبع،
يمكننا تطوير المهارات المختلفة كلما أمضينا وقتًا أطول نمارسها
ولكن مع وضعي الذي يوالي بالشفقة وعلى رغم زيارة الكوابيس
كل ليلة تقريبًا منذ تلك الحادثة إلا أنني لم أتمكن من أعتيادها ..
لازلت أستيقظ من نومي خائفة حتى مع تكرار نفس الكابوس ..
كل مرة أستيقظ بخوف المرة الأولى لم ينقص ولو بقدر حبة رمل
ونوبة صداع تكادُ تفجر أحد جوانب رأسي ...
أستيقظتُ ولا زلت أتحرك في الفراش غير قادرة
على النهوض ومواجهة العالم،
هل أغمض عينايَّ الآن لعل الموت يأتي ولكن
لا يمكن التأخر عن العمل الذي لن يختفي إذا ما إختفيت ..
أتطلعُ إلى وجهي الذي تقلص إلي نصف حجمه بعد خسارة
الوزن التي مررت بها،
هل كانت خسارة الوزن هي أكثر ما
ألمني أم خسارة من أحببت ..؟
هل أقسم الوجه أن يتغير بعد الفراق..؟
أتحسس حلقة سوداء ظهرت حديثًا حول عيناي اللتان
لم تعرفان الحزن قبلًا وفي النهاية علي أن أعود
طبيعية أغمر وجهي بالقليل من الماء البارد
واتحرك إلي حجرتي مُسرعة فالعمل لا يتأخر ...
تبدو خزانتي كشيخ عجوز جاوز السبعين لونها البُني بسيط،
ترتفع حتى تلتصق بسقف الغرفة،
بابها يزحف علي طريق معدني،
أتفحص ذوقي في الملابس أو ما تبقي منها،
كلاسيكي إلي أبعد حد،
أختار قميصي الأسود وبينما أبحث عن وشاحي لا أجده،
أُقرر أرتداء ملابسي وأعود باحثة عنه متى أنتهي،
فالبرودة في الخارج لا تحتمل ومرضي الأخير جعلني
أتمسكُ دائمًا بالدفء المصاحب للملابس الثقيلة،
أنهي أرتداء ملابسي علي عجلة وأُنسق شكلها النهائي،
أبدو كعالمة فيزيائية أو طاقة نووية،
ينقصها فقط نظارة مربعة ليكتمل حضورها،
أعود باحثة عن وشاحي فلا أجدُه لذا أُقرر تحمل
البرودة اليوم بدلًا من تحمل وشاح لا يناسب ذوق اليوم.

بِداية يوم غير مُطمئِنة.

أعيشك
02-07-21, 05:32 PM
يحلوا لي من حين لآخر أن أكتب
في مُذكرتي اللعينة التي أعتقد
أنها بلغت من العمر 7 سنوات.
أعترف أنني أهملتُها ولم أعُد أكتب
فيها حتى في أمسّ الحاجة لها.
لكن أُحبها رُغم ذلك.
لا أعلم مرةً أُخرى ما الذي سوف أكتبه،
لكنني حين أشعُر بشيء من القنوط فإني أكتب.
في بعض الأحيان أشعر بأنني غريبة في هذا العالم،
أشعر بالقنوط، بالسويداء.
لم يعُد لأي شيء في هذا العالم معنى.
حتى نفسي أشعر أنني غدوتُ شخصًا
تافهًا يفتقد لعُمقه الوجودي.
آهٍ لو لم أكُن لما تحملت،
تقِل هذا الوجود.
تقِل نفسي،
تقِل الآخرين،
تقِل الزمن الذكريات.
المكان، الأشياء، الأفكار.
لكُل شيء تقِل في هذا الكون،
وأسواء ما يمكن أن يقِل نفس الإنسان
هو ذاته حينما لا تحبها وتكرهها.
يحدُث أن أنفلتُّ من نفسي،
أن أقول لها أُنظري إلى هناك
وأمعني النظر في الأُفق البعيد.
وما إن تمعن النظر بِصدق،
حتى أخونها وأذهب مُسرعة،
وأتوارى خلف جدار سميّك وأُراقبها في صمتٍ
وحذر خوف من أن تراني فأعود إلى نفسي.
فأراها خلف الجدار قد لاحظت أني قد إختفيت.
فأفرح لذلك وأدير ظهري لكي أذهب في حالي سبيلي.
لكنني ما إن ألتف إلى الإتجاه الآخر حتى أرى نفسي
واقفةً أمامي تُراقبني بإستغراب وتقول ما الذي كُنت
تنظر إليه خلف الجدار؟.
لو عادَ الزمن إلى الوراء وقدرَ لي الإختيار
بين أن أكون أو لا أكون.
لإخترت ألا أكون.
وفي حينٍ آخر أودُ لو أني أُسامح نفسي
وأذهب أنا وهي إلى نهاية العالم،
وأعيش لوحدي وسط غاباتٍ باردة دافئة.
وسط حقول تطلُ على نهاية هذا العالم،
آهٍ لو أني أعيش لوحدي لأتصالح معها
لأكتُب عنها ولأعانقها إلى أن يأتي الفراق ونفترق.
ما هذه الحياة؟.
من أنا؟.
ما الحياة؟.
وإلى أين المصير؟.
هذه هي الأسئلة الخالدة فعلًا.
وداعًا.
سلام.
محبة.

أعيشك
02-08-21, 06:16 AM
الأيام مُلونة،
الأيام لها هالات سوداوية،
الرسومات مُبكية،
أحتضِن الصور وأمسح عليها،
فعل ذلك بشكل مُستمر،
يشعرني بالحياة،
الحياة من حولي،
حياة الجمادات الألوان والحرارة،
دائمًا أرى كُل شيء حولي حي مليئ بالمشاعر،
أُحب سرد المقالات بأصوات مُتعددة،
يشعرني ذلك بأني سوف أشعر بها بأكثر من طريقة.
بكل فيلم أُشاهدة أجلس فترة وأفكر بالجارة العجوز،
التي خرجت لشاشة لمُدة لا تزيد عن 21 ثانية،
لماذا ملامحها جامدة؟.
لماذا جسدها هزيل؟.
هل تشعر بالوحدة؟.
هي أيضًا تستحق فيلم عنها،
كل جُزء من الصورة يستحق أن يكون المركز،
أن يكون المحور.
أعتقد أني أرى المشاعر المُتجسدة،
أرى الخيوط الحالمة بين الاشجار،
وكأنها معزوفة حفيف متناسقة لا
يربطها سوى خيط فضي نحيل،
أعتقد أن طلاء الجدران يخفي وجوةً باكية،
وأخرى حزينة وأخرى ساخرة،
أخاف أن أتأملها وحدي،
أشعُر أنها ستتحدث لي،
ذلك يملئني رهبة حقًا،
أشعر بالخوف من هذه الوجوه.
كانت معلمتي لمادة التربية الفنية لا يناسبها عطرها،
فعندما أشم رائحته أرى سيدة غنية وحيدة،
في قصرٍ كبير ولا تتمتع بأي حس بالفن،
حقًا كنت أتمنى أن أخبر معلمتي عطرها لا يناسبها أبدًا.

أعيشك
02-08-21, 05:34 PM
لم يخطر في بالي أنا إبنه العشرون عامًا،
والمزهوّة كثيرًا بشبابي وبِكثرة أصحابي،
لا ولم أتوقع أبدًا بأنه سيكون قريبًا ذلك اليوم
الذي سأعيش فيه حالتها عندما جلستُ أُراقبها،
وبدأت لي أشبه بورقة خريف،
لم يخذلها لونها والأيام فحسب،
بل خذلتها الريح أيضًا بأن أبقتها مُعلقة
بين من يشبهها من أوراق خُضر،
وهي تعلم جيدًا أنه لا مكان لأنصاف الأموات بين الأحياء،
أوجعني كثيرًا ذلك الوجع البادي في عينيها،
والآن فقط شعرتُ تمامًا بما كانت وقتها قد شعرت،
أنا المحظوظة في مقياس حاسد لأنني أفلتتُ من قبضة
الموت في حين غيّب كل من حولي من رفاق،
الآن أتاملُها تبتسم في صورة وكأنها كانت تعلم
بأنها ستنال قريبًا لقب "شهيدة بمرض القلب"،
ذلك اللقب الذي لطالما توفيت من أجله،
فتحرق قلبي تلك الإبتسامة حين أتأملها،
هي تبتسم لأنها فازت بما أرادت في حين يعتصر
قلبي ألمًا لأنني خسرت كل ما أردت.
فلقد خسرتها والخسارات عليّ تتوالى،
ليتَّ المرض ماتَ ولم يُمتها.
أتألم كثيرًا لأن صوري التذكارية تكادُ تخلو إلا مني،
أنا الحي في منظور أحدهم.
لا يوجعني الموت أبدًا،
بل مايوجعني كثيرًا هو وحدتي،
وحدتي التي تبدو جليًا بأنها أصبحت مُزمنة.

أعيشك
02-09-21, 06:17 AM
بداخلي غضبٌ يناديني كُل يوم،
يناديني بخطوتي، بظِلالي،
بأشياء كثيرة تتساقط مني،
أو قررت هي السقوط.
‏غضبٌ من النوع الممزوج بالخيالات النابية.
‏غضبٌ ينفث المزامير،
حُزن الناي،
نواح الثكلى،
ويطالبني بالكتابة عنه،
‏يطالبني بالإغتراب عني.
‏غضبٌ بطعم الغموض،
بلون التلاشي،
برائحة الوداع،
وكأعلام المهزومين يُنادي،
يناديني لأمتثل،
لأقاوم، لأكتب،
‏وكالقبور لا يتوقف عن الظهور
بكل أرض ألجأ إليها.
‏فبماذا أتخلص منه وقد
قاومته بكل قصيدةٍ نزفتها،
وكل تفسيرٍ نقشته بلوح الوجود!.
‏أطعته فإزداد،
وعصيته فتعالى.
‏غضبٌ لا يفقه العهد،
ولا يفهم الرحمة.

أعيشك
02-09-21, 11:59 AM
رأسي مُثقل بالكثير من الأفكار،
والأحلام والحنين وبواقي الذكريات،
رأسي يؤلمني كثيرًا حتى أنني أصبحت
استيقظ من نومي بسبب هذا الألم،
وما عدتُ أجد له علاج أو سبب،
ما عاد بإمكاني اعتياد الأمر.
فقد نفذَت قواي ووهنت،
ما عدتُ أقوى على الألم والحزن،
وكل هذا الضيق الذي ملئ أيامي رغمًا عني.
أحيانًا أُفكر مليًا.
أتعلمون شيئًا عن برد وخوف الشتاء؟.
عن الشوارع المُظلمة الخالية من كل
شيء سوى الخوف والبرد والوحشة؟.
فأنا أشبه تلك الشوارع كثيرًا،
وحيدةً لا تجد من يؤنس وحشتها،
ومُظلمةً وحزينةً بوسعك أن تلمس حزنها
بمُجرد مرورك بها، أو يكفيك النظر إليها.
لكن بوسعي أيضًا أن أُصبح مأوى دافئ
وآمن لبعض الرفقة الشاردين مثلي،
يمكنني أيضًا أن أمنح العاشقين سبب
للإحتضان الشوارع في ليالي الشتاء،
إما أن تصيبكَ بالشجن أو تصيبكَ بالأنين.
لا أدري ماذا سأفعل الآن،
فها هو الشِتاء ويتضاعف كل ما أشعر به.

أعيشك
02-09-21, 06:22 PM
كل ما أشعُر به أني مُظلمة
من الداخل ولا أعي لذلك سبب.
نوبات البُكاء التي تعتريني فى إزدياد مُستمر،
والأيام تمر هكذا دون جدوى من شيء،
فقط تزيدني وهنٍ على وهن،
وشتاتٍ على شتات،
الأفكار والأحلام والأشخاص،
جميعهم يعصفون بي،
كما ورقة شجر فى مهب الريح.
الحزن الذي لم أستطع أن أفرغ منه يومًا،
لم أعُد عبِئه بوجوده فقد اعتدته،
الآن أصبح هناك ما هو أسوأ،
ذاك الشيء الكامن هناك بصدري وعقلي،
شيء يشبه البركان كثيرًا فى سكونه وثورته المفاجئة،
شيء يفرغني من كل شيء،
شيء يجعلني أوهن،
شيء كُلما كدتُ من ترميمه عاد يفرغني تمامًا.
أُحاول ترويضه بكُل ما فيَّ من إضطربات وخوف
وقلق وكل ما أرجوه هو فقط أن أقوى على تحمله،
أن لا أخرج من تلك المعركة مهزومة،
أن لا يبتلعني ذلك الشيء،
أن لا أسقط حيثُ اللاعودة،
فقط لو أنه يفرغني ليخفف من وطأة ما أمر به،
لكان الأمر هين،
لكنه يثقل روحي كثيرًا.
تمنيت كثيرًا لو أن هُناك يدًا امتدت
وساعدتني على التخلص من كُل هذا،
لكن لا أحد يعبأ بي ولا بأحد،
الجميع يسيرون إلى الهاوية معمى على أعينهم،
لا أحد يملك الخُلاص،
فى ذلك الوقت تحديدًا.
لا أحد يملك رفاهية الإختيار من الأساس،
أما السير أو اللاشيء،
لربما السير أفضل من اللاشيء،
"ستضيع وحدك في اللاشيء"،
حتى وإن كان المصير إلى الهاوية
"فستهوى مع الجميع ولن تكون وحدك"،
العالم لا يكترث بوجودي أنا أيضًا،
لا أكترث لما يدور به،
"العالم لا يكترث بأحد من الأساس"،
من أنتَ وسط هذا الحشد الهائل من البشر؟.
"لا شيء".

أعيشك
02-10-21, 06:20 AM
في حياتي مررتُ بالعديد من القصص،
إلا أن بعضها بقيت مُخلدة في ذاكرتي
لم يمحِ أثرها الزمن.
حديث صديقتي الأخير ووداعها.
كان سريعًا خافتًا جارحًا،
ذو كلمات ثقيلة رنّانة،
لم أستطع خلالها نزع فرصة
لحماية أي شيء بداخلي،
لم أرغب يومًا في تلك الردود السريعة،
ولا الكلمات المُختصرة الباردة
التي تهتك مشاعر الإنسانية بداخلنا
لتلقيها صريعة وسط صراخ وعويل
كل ما ممرنا به سويًا من ذكريات جميلة.
ظللتُ أُعيد الحديث برأسي مرارًا في
محاولة لرفضها وعدم النُطق به،
تمنيتُ كثيرًا ألا يكون الأمر قد حدث فعلًا،
وأن تعود الأمور لمسارها الطبيعي.
في الحقيقة لم تعُد ولم أعُد أنا،
ما حدث كان تمامًا معناه أنها
توصيني بنفسي وأن لا أنساها،
حينها العملية قد فشلت.
وأن حبال الأمل لا وصل لها.
لقاء الإعتذار المُخَيِب للآمال،
لم تأتِ كما توقعته، كما أردته،
الجُمل التي أعددتُ نفسي لسماعها وتقبلها،
لم تنطقها، ولم تُلمح بمثلها،
لكن من جهتي كان كل شيء جاهزًا.
الجواب، الإعتراف، التشبيهات،
ونبرة الصوت، ومواضع السكوت.
وإيماءات اليدّ، واختلاق التفكير.
الأماني الفانية، والنظرات الخاطفة،
والكلمات التي صدأت في فمي.
كل شيء كان جاهزًا،
شيء ما فقط كان يجب أن يحدث،
شيء ما سيغير مجرى الحدث،
في الحقيقة،
أنا لم أكُن الصديقة الوحيدة لأي شخص،
لم أكُن الخيار الأول لشخص يحبني،
ولم أشعُر أنني الأهم،
الفارق في حياة أحد ولو لمرة،
كنت دائمًا شخصًا عابرًا في حياة الجميع،
لا مكان لي في سمائهم.
الذي طرقوا قلبي يومًا دون استئذان،
لم أكُن أحتاج منهم سوى أن أرى نفسي ليس
مقصرةً في شيء ليس واجبًا علي من الأساس.
أن يضموني في علاقة أتساءل فيها كيف
يروني بهذا الكمال وأنا تكسوني العيوب.

أعيشك
02-10-21, 03:52 PM
إذا أصابني صمت ولحروفي هذيان،
فإعلموا أنني في حالة كتابة.
بدأت بالبوح للسطور، للأوراق،
بدأت بالتحليق والطيران،
أُناشد الحرية وأُحاول فكّ القيود،
بدأتُ بشن معركة لذيذة،
ليست إلا مشاعر وأفكار بأعماقي بين حبري وورقي.
ليست إلا محاولة لفكّ قيود السطو على المنطق والحقيقة.
أكتب لي ولكم ولضمائرنا المُثقلة بالكتمان والصمت،
أكتب اعترافًا بإنسانيتنا وضعفنا،
أكتب عن الظلم وغطرسة الأوغاد،
أكتب لأتحدث عنكم ولأتحرر منكم
ومني ومن الوقت المهدور حمقًا،
وبأنكم بكل اللُغات لم تفهموا،
لأرمي العتب على ظهر السطور.
أكتب لأنني سئمتُ الكلام الذي يتبخر،
فالعُقلاء يملون عقولهم ويشتهون جنون حروفهم،
واختراق أسوار المستحيل على نفس الصفحات
البيضاء التي لم يطالُها الليل.
أكتب لأنني أُحب أن أكتب وأشتاق لعناق
قلمي وبعثرة حروفي في تجليها وجنونها
وخرقها لقوانين العقل والمعقول.
كُلنا نكتب لنصارح أنفسنا بمشاعر ونبوح بحيثيات
روحية لها علاقة بالنفس التي تحملها التاريخ
وأخضعها للمُساءلة حيثُ عجزت الروح عن تحملها،
نكتب لنتحرر من مهمة البوح للإنسان،
ليس عني فقط بل لمن لا قلم لهم ولا صوت لهم
ولا جرأة ولا نفس ولا حتى خيمة لجوء، أو صدر لجوء.
أكتب لأعلن العصيان والتمرُد على جبروت واقع
لا يستحيّ ولا يليّن حيثُ يواصل التآمر بكل قبح،
وأكتب لأرفض كل ممنوع وهو حقنا المشروع.
أكتب عن السلام.
سلام القلوب وروح الحقيقة.
أكتب عن فاقد عزيز لم يظفر
بحُزن ويعتقل وتهمته الإكتئاب.
أكتب عن مُرتزقة الحب وحقوق الإنسان
وصناع المواثيق المزعومة والنفاق المدعوم.

أعيشك
02-11-21, 06:08 AM
أنا مُشتتة وضائعة،
من التفكير والتطلُع والكسل،
من الخوف والقلق والدفاع عن نفسي
أمامَ نفسي ومن نظرات الآخرين،
وآرائهم بي وأحيانًا من اللاشيء.
دعوني أُخبركم أن اللاشيء مُتعب أكثر من الشيء،
من تلك الفوضى العارمة بداخلي ومن إحساسي
بالعجز أمام نفسي ولا أستطيع أن أفعل شيء
حيال ذلك يضيقُ صدري كثيرًا.
لم يرحل أحد كما تظنون،
لكن الجميع فجأة أصبحوا يخشون التعمُق بالآخرين،
لم يعُد أحد يهتم لأمر أحد وإن كان هناك من يسأل
عنكم بعد فهو غالبًا لا يسأل كي يطمئِن عليكم،
بل على حاله،
يطمئِن إن مازال حاله أفضل من حالكم،
أو على الأقل أنك ما زلتم على حالكم.
يخشون جانبكَم المُظلم
لا عليكم،
هم أيضًا يخشون من أرواحهم،
يخشون من جوانبهم المُظلمة المُعتمة.
لعلنا لا نملك سوى الدُعاء لأنفسنا،
"اللَهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه،
اجمع بيني وبين ضالتي".

أعيشك
02-12-21, 05:55 PM
تمَّ توثيق هذا اليوم.

12-2-2021
4:30 PM

- أعيشك وأيامٌ شُداد.-

https://f.top4top.io/p_186968dhk4.jpeg

أعيشك
02-13-21, 05:43 AM
هي لحظة، جزءٌ من الثانية.
انقلبَ ذلك الشيء الثقيل (في داخلي).
رأسًا على عقِب.
لا.
لم أحملهُ لأُدرك حقيقةَ ثُقلهُ حتى،
ولم أره،
لكنهُ ثقيلٌ،
قاسٍ وكفى.
موجودٌ دائمًا.
يُخمد لفترات قد تطول،
ولكنه في جُزء من الثانية يشتعل بقوةٍ.
أسمعهُ يُنادي بصوتٍ يطغى على كل شيء،
صوتٌ لا يُسمع إلّا في لحظات الهدوء التامّ،
عند إظلام المكان تمامًا (أتناول مُجمل كلاميّ)،
مُحفزات التوتر والقَلق،
وبسرعةٍ يَصل كل شيء للذروة،
وعند الذروة أجدُ نفسيّ كالذي وَقف عند حافةِ
جُرفٍ ساحق ووراءه قوةٌ لا تُغالب تحثّهُ على الإقدام،
ومواجهة الهاوية بالارتماء والهبوط نحو الموت الحتميّ.
منذُ لحظات عُدت إليَّ وعيي،
صَحيت تمامًا لكننيّ واهنٌة،
لا أَقوى على أن أبعُد غطائِي وأقوم.
انعكسَ ثُقل نفسيّ على كل شيء حولي،
فصارَ اللحاف كصفيحةٍ اسمنتية،
والنوافذ التي تخترق ظلام الغرفة
بلونها الأبيض تحولّت لكرهٍ لا يُغالب،
بَزغ هذا الكُره من أعماق نفسي،
هاجمتني الأفكار،
المشاهد والصور،
الأحداث وحتى الأصوات.
حاصرتني تلك التي ظَهرت
بهيئاتٍ وأشكالٍ فظيعة.
قُمت بإندفاعيّ الشرسة،
وكانت نفسيّ لم تزل تحت وطأةِ
الشعور بالوَهن الشديد،
تذكرت (لا أدري لمَ) شخصًا لا أعرفهُ
إلّا شكلاً لم أراه سوى مراتٍ قليلة،
هو رجلٌ قد تجاوز سن الشباب،
لكنهُ "طيب" بل ساذج،
وجههُ يُنبئ بهذا قبل كل شيء،
في صبيحةٍ فبرايريةٍ شديدة البرودة
وَجدتُ هاربًا مرعوبًا من خطر حقيقي،
لكنني أيقنتُ أنهُ لا يخاف إلّا من الحياة،
وليسَ من أخطارها، لأنه يحيا "الرُعب".
وقفتُ أمام المرآة،
وجهي "مُتجهمة" جرّاء نومي.
لكنني أشعر بتبدلٍ خارق،
بعد أن غسلتُ وجهي بالماء الذي تدفق من الصنبور،
كان لصوت الماء المُنهمر أثرًا في إخماد
بعضًا من اشتعال ذاك الثُقل،
رفعت رأسي المُنحني ونظرت للمرآة مُجددًا،
ومسحت قطرات الماء وبدأ وجهي جميلًا،
يبعثُ في نفسي إحساسًا جديدًا.
ولأن الصباح ولادةٌ جديدة،
راحَة الوجود ينبعث في الأرجاء.
الإظلام قد تبدد،
وبدت الغرفةُ التي كانت قبل قليل "مُتجهمة"،
بَدت وكأنها جديدة غير التي كانت!.
والنوافذ تلّونت بما وراءها،
ليس البياض الذي يزيدُ وحشة الظلام،
إنما زرقة السماء وأشجارٌ خضراء نضِرة،
وضوء الشمس يجعل كل شيء (خيّرٌ) في النفس.
خَرجت للحياة بعد دقائق الإستعداد
التي يشوبها الإندفاع والتردُد والإستعجال.
خَرجت وجَمدتُ أمام الباب وأنا أمسك بيد المِقبض.
عاد الصوت، عادَ صارخًا، نافذًا.
كأن كل الأصوات اختفت،
حتى صوتُ حركة سير السيارات الدائمة.
وبقيّ هو الصوت الوحيد،
في البدايةِ لفحهُ الهواء البارد.
ومن ثم انبعث ذلك الصوت،
يُردد بوضوح ما هو "مُبهمة"،
لكنهُ فظيعٌ لا يُحتمل.
يُذكرنيّ بأن " لا تنسي مأساةُ وجودك،
كيف لكِ أن تنسي تلك المشاهد والصور؟
لم تنتهي بعدُ من كل الشيء!
عليكَ أن تتذكري، أن تهتمي،
خصوصًا أن لا تنسي!. "
لكنني الآن أشعُر وكأنني قادرة على إخماد ذلك الصوت
حتى وإن بقيّ صداهُ يدويّ في أعماقي الخاويةُ،
كبيتٍ مهجور نوافذة مُشرعة،
وبابه مفتوحٌ على مصراعية،
وهو "البيت" متروكٌ على تلك الحال في ذروةِ عاصفةٍ هوجاء،
جعلت من النهار مُظلمًا داكنًا،
وكأن لإندفاع الهواء من تلك النوافذ
صوتًا يُشبه صفيرَ أُذنيه الآن،
و "خشخشةً" مُستفزة تخترق رأسي،
وفي ناصيةِ رأسيّ فراغٌ وحرارةٌُ تشبه ماقد يعتري
من بَذل جُهدًا ذهنيًا لفترةٍ ليست قصيرة،
وكأن "سلكًا" حديديًا قد شُدّ حول رأسيّ بإحكام.
استدرت، ونزلت نحو الرصيف.
أشعُر وكأنني مربوطة بحبلٍ يُشدُ من قوةٍ
لا يملك إزاءها إلّا الإستسلام والإنقياد.
ومن رأى وجهي في تلك اللحظة لشاهد ابتسامةً مُشعة.
لرأى إنسانًا "طبيعيًا" يمشي ككُل الماشين نحو غاياتهم،
بل ويبدو هادئًا بشكل لافت،
ثقيلةً تلك الإبتسامة على نفسي،
لكنها تجعل صاحبها مُتماسكًا.
تُخفي ما قد هُدّم وما زال إلى أن يشاء الله.

أعيشك
02-13-21, 04:08 PM
جئتُ إلى هذا الوعي من اللاشيء،
كمشهدٍ ضئيل يرى من بعيد،
أو كوشمٍ في ذاكرة الوهم،
جئت حافية العقل واليدين،
أدوس على ملامح الوقت،
أتنفسُ بتاريخ محموم،
وأرسم العمر مُدنًا تتهاوى.
سقطتُ من رحم التجارب،
بذاكرة منسوجة من دم الخطيئة،
رمتنيّ الحياة في دهاليزها،
كعُصارة دم ملطخة بالماضي،
أسيرُ في طريقي المتخمة بالطوائف،
التي تتقاسم خزائِن الله ووصايا أنبيائه.
كُل الطرق التي مشيتها حاولت تلويثي وعبادتي،
كُنت ألفظها كبقايا سجارة،
بغيضة حتى أبقى نقيًا وطاهرًا،
أرمي كُل الأشياء في سقيفة الذاكرة،
حتى أستخرجها في ما بعد كألعاب
صبي يخبئها بحُب وحنان.
الله الذي خلق كل شيء،
وخلق آدم كمعدن نفيس يتناسل على درب الأيام،
ووضع فيه الحب والألم والحنان،
كجرس تنبيه يذكره أصله.
هو الذي خلق هذه الحياة بكل ألوانها وعذاباتها.
لا أستطيع أن أنام وأنا أحمل هذه الأفكار،
وأنظر إليها بهذه الطريقة الضبابية،
أُفضّل أن أنام وأنا أنظر في ماهية رحمة
الرسالات التي تتساقط بها الملائكة على الأرض،
في بهجة ومسرات فتتحول الحياة إلى مفاهيم
وشرائع جديدة تطرد كل لعنة تشوه البشر.
يتملكني الكلام وحيًا يتنزل على نبي بعد طول عناء،
كلامًا يخلق معنى داخلي ويحتم
على النور العيش في عالمي،
فيهز بيده الحانية الطفل داخلي ويربو على كتفيه
قائلاً : "لا تخف كل شيءٍ جائز" ،
فيبتسم الرضا بصوت منخفض وهو يْكلمُ
طيف سعادتي بنبرة رخيمة.
إنه معزوفة جن رائعة،
يُتقن العزف على أحاسيسي،
فأرسم الناي على شكل إله إغريقي مُهيب،
وأفتح يداي لأُعانق بهما كل تفاصيله.
هو غيّمٍ يتشكل لي في كل شيء،
تارة يقف لي على حافة الطريق،
وتارة أخرى يتحول إلى كل الأشياء من حولي.
هو حب مؤذِ وصارخ مسكون بروح غامضة،
لهذا يتابع اغتصاب روحي المُنهكة.

أعيشك
02-14-21, 07:39 AM
استيقظت من نومي كهائمٍ بصحراء،
أضاعه الشرق والغرب والشمال والجنوب،
ولم يعُد يهمه سوى أن يسير
على كُثبان الرمال حتى الموت.
تهاوت قدماي وجسدي
يقول للموت : هيتَ لك.
أيُها الموت أنتَ أجمل مما قاله،
جميل في بثينته،
وقيس في ليلاه،
وكثير في عزته.
أنت أجمل.
إذا جئِت فمُد ذراعيك وإحتضني احتضانًا،
وعانقني مُعانقة الأبطال للأبطال،
والثوار للثوار والعشاق للعشاق.
إن كل قصة جعلوك بها مطية لأغراضهم وأطماعهم
وجشعهم وظلمهم، قصة خرافية لم أُصدقها يومًا،
قصة كأساطير الأولين.
شاطئي ليسَ عليه إلا قوافل من السفن
المُعبئة بالهموم ولم يعُد يحتمل.
الله يعلم أنني أسوأ شاطيء على خريطة رسمها
القراصنة وكان عليه جبرًا أن يكون مرسى لهم ،
لم يُسجل التاريخ كلمة لشاطيء على كوكبنا المظلوم هذا.
خطوتان للأمام وكُلي شوقٌ لك أيُها الصادق النبيل،
وخلفي ألف ذكرى لا تهمني ولا أهمها،
فلتأتِ يا آخر الأدلة على ما بهم من أكاذيب.
إن كل شهيق يتبعه زفير وزفيرك بعث ونشور،
وفي اللحظة التي نلتقي بها تنهار كل اللحظات
والحركات والأماكن وكل الأوهام.
هل هُنالك ماهو أجمل من أن ينهار ذلك العالم بكل مافيه؟.
ما فائدة الإبتسامة وهي حمالة أوجه؟.
ما فائدة الكلمة وهي حمالة أوجه؟.
ما فائدة القرارات وهي حمالة أوجه؟.
ما فائدة القوانين وهي حمالة أوجه؟.
ما فائدة الحياة وهي حمالة أوجه؟.
وما يُحدد معناها ووجهتها ومشرقها ومغربها،
اولئك الذين لا يُسألوا عن أمرٍ ولا يرحمون.
ذواتا جُدران ،
إحداهن للمُتسلطين والأُخرى للجيران،
إثنتان يا ترى أم ثلاث أم أربع؟.
كل حياة منهن مُنفصلة عن الأخرى،
نحنُ عشاق التعدد بالهروب فقط.
أجمل ما بك أيُها الموت أنك لستَ حمال أوجه،
ولم تفرق يومًا بين صغير وكبير،
وغني وفقير وأمير وغفير وتابع ومتبوع،
أجمل ما بِك أنكَ صادق واضح وصريح ونبيل.
يُحاول سدنة الأوهام أن يخيفونا منك،
ليستثمروا خوفنا بمزيدٍ من قساوتهم وتعاليهم وتجبرهم
فأحببتُك من أول قصة زورٍ قالوها عنك.
فأنتَ صديقي الذي إذا جاء ليجعلني أول شاطيء
بالتاريخ يرحل ويترك سفن القراصنة بلا مرسى،
ليكون مالها بطن البحر الذي لا يشبع.
واهمون حقًا إذا أعتقدَ اولئك أن الموت مازال يُخدمهم.

أعيشك
02-15-21, 04:35 AM
اولئك القادمين إلى هُنا،
إدخلوا بلا إستئذان.
أرجوكم أدلفوا بخطاكم إلى الداخل،
تربعوا على المقاعد والمفارش،
وخذوا ماطاب لكم.
يكفيني شرفًا وزهوًا أن أقتطعتم من وقتكم
الثمين كي تعطروا بطيبكم المكان.
أولئك الذين يعرفوني إسمًا أو شكلًا
أو روحًا أو حتى لم يحدُث أن مررتُ بهم،
مرحبًا بكم في بقعة أود أن أقطع بها شيئًا
من العُمر إن جاد به الله عزوجل.
لأكتب فيه عما أُفكر به ويجول بخاطري،
أُعبر فيه عن آمال وأحلام ورغبات ومخاوف،
أُسكب فيه من مداد الروح،
وأتمدد كي أشغل حيزًا أكبر من مُحيطي المادي،
أتواصل فيه مع إخوة فرقَ بيننا الزمان،
فما عاد من عزاء إلا تواصل الكلمة.
إن كُنت مُرحبًا أو ناقدًا أو حتى لا مُباليًا،
فشكرًا لك على المرور.

أعيشك
02-15-21, 03:45 PM
لقد أفنيتُ حياتي في ملاحقة
الأشياء لتكون على ما يرام،
لم يمُر يوم بلا خوف،
كُنت متأهبة للأسوء،
كان كل شيء يحدث بطريقة غير متوقعة،
الأيام كانت سريعة جدًا ومليئة بالأحداث الصعبة،
ثمة قوة خفية كانت تحرك أشدّها وأكثرها ضراوة،
الأيام التي كنت أتوقع أنها ستمر بلا مشكلات
كانت تخالف توقعي كل شيء كان يحدث رغمًا عني،
لكني كنت أجاري،
أجاري ولا أتوقف عن المجاراة فالحياة تتطلب ذلك.
الصمت أنقذني كثيرًا،
كان يخيب خوفي الدائم،
يقتل كل كلمة قاسية وكل وجه غاضب،
لقد ربحت الكثير من الحظ بهذا الصمت،
لكنه كان مكلف جدًا ورغم كل ذلك لم أكن أكترث،
لأني كنت أعرف أن كل شيء سيمر.

أعيشك
02-16-21, 04:40 AM
لكُل عابر أو مُتجسس،
هُنا ربما تجد ما يُعجبك،
وربما لن ينال على إعجابك شيء.
في كِلا الحالتين لا يهمني أمرك،
هُنا مساحتي الشخصية،
إن لم يُعجبك شيء،
فلستَ مُجبر على البقاء.

أعيشك
02-16-21, 06:19 AM
الأيام تدور وحدود الوجوه تظل ثابتة لا تتغير،
نقوش مطاط عجلة الأيام ترسم التجاعيد،
ونصل فرشة الكلمات تضيف ألوان الحمرة الداكنة تحت العيون.
وجريجوي يرى هذه التجاعيد قشور
خنفساء بائسة القشف يغطيها.
الصومعة ما هي إلا جحر من جحور
الخنافس التي تتمايل في وله،
وتيه على نغمات مترددة يمينًا ويسارًا.
الخطوات للأمام أو الخلف صعبة الحدوث،
بسبب التثاقل والكسل التي يسببه قلب الحقيقة.
الخطوط السوداء والبيضاء رفيعة تقترب من الفناء.
ليتبقى بعد صياح السماء،
وهطول الأمطار قوس قزح رمادي الألوان،
يماثل رماد لفافة التبغ التي فرغت من تقبيل أحد بؤساء هوجو.
نترنح من الصومعة في صفوف طويلة،
تتخبط قرون استشعارنا في بعضها البعض،
" أين قطعة السكر التي ستحملها ظهورنا؟"
والجلاد يضرب فئران المتاهة بالسياط.
كفى أفكار سلبية! أنا لستُ متشائِمة،
الحقيقة في الصفحة الثالثة عشر،
من كتاب لغز الحياة.

أعيشك
02-16-21, 02:23 PM
أحمل حاسوبي الخاص،
أحتضنه، أخاف أن يقربه أحد.
ذلك الخوف الذي يسيطر علينا،
الخوف على مُمتلكاتنا الخاصة.
أحمل أجندتي ذات اللون الرماديّ، أحتضنها.
أضُمها بقوة إلى صدري.
هي كُل ما كتبت، وعرفت وعايشت.
كلمات التى أصوغها وأخاف أن يقتطعها الغير.
يُقال أن المعرفة والإلهام مصدرهما السماء،
وهي تعبر خلالنا، فنلتقطها ونصوغه.
المعرفة ليست صلبة أو لها شكلٌ مُحدد،
المعرفة كائِن هلامي كالوقت نشعُر بها ولا نفقهها.
أحمل حقيبة ظهري وأشدها لأكتافي بقوة،
خيفة من السقوط.
وأخاف على محتوياتها وكأنه جزء من جسدي.
وما هي إلا قماش مخلوطٌ بجلد صناعي وبلاستيك.
أخاف على مشاعري ومشاعر الغير،
وما هي إلا خلل في الطبيعة البشرية وبرمجة خاطئة.
الحق نِسبي كحقوق الفكر.
ماذا لو تركت كُل شيء خلفي وسرت للأمام!.
المعرفة، أفكاري، النقود، مُمتلكاتي!.
هل سيضرني شيئًا؟.
الهروب هو ما أبحث عنه.
مِمن وإلى أين؟.
لا أعلم.
أنتَ لستَ ذاك الشخص الذي رغبت دومًا في مصادقته،
أنتَ لا تهمني البتة، ولا أكترث لأمرك.
الخوف.
كم أود أن أترك الحبل الذي أتشبث به دومًا،
فالحياة وَهم.

أعيشك
02-17-21, 05:34 AM
أستيقظتُ من النوم،
لا رغبة لديَّ بالنهوض،
ولكنني أنهض،
أتناول الطعام بدون شهية،
فقط علي أن أتناوله،
أُحاول دراسة بعض قواعد اللغة اليابانية،
أنجح مرة وأفشل مرات،
أضعُ الكتاب جانبًا وأستلقي،
أُغمض عيناي،
وأشعُر بهذا الإنطِفاء التام الذي يغرو كُل شيء،
أُحاول أن أعيش يومي،
لكنني لا أُملك إلا هذا الذبول الذي يُشبه الموت،
أموت،
ولا رغبة لديّ،
ولكنني أموت.

أعيشك
02-17-21, 07:44 AM
أقول للجميع أنني بخير،
لا أُريد لأحد أن يقلق بشأني وأن يُلام،
أقول لأصدقائِي أن كُل شيء على ما يُرام،
وأن التخلّي عني لم يُكسرني،
أقول لعائِلتي أن المشاكل طبيعية،
وأن وقوفهم في طريقي لم يُدمرني،
أقول للشخص المُفضل لديّ أن إختفاءه غدرًا،
متوقّع ولم يُفزعني،
أقول لدموعي أن بعينيَّ حساسيةً ما،
أقول لقلبي بأن المشقّة في الطُرقات وأنني سعيدة،
أقول لوجودي بأن التعب في الفراغ وأنهُ ذو جدوى،
أقول حتى لطبيبي النفسيّ بأنني بخير،
وأنني جئت فقط لُحادثه،
أقول لهُ أن الأصدقاء البعيدين مشغولون،
وسيتصلون يومًا ليسألوا عني،
وأن العائِلة الحبيبة ستجد ألّا طريق لها لتقف فيه،
أقول لطبيبي بأني بخير،
وأن الدواء فعّال،
وأنني،
بالمرةً الأخيرة،
جئتُ لأُحادثه،
أقول والدموع في عينيّ :
سأكون بخير أيُها الطبيب،
سيأتي الكثير من المُتعبين،
أمّا أنا،
فحتمًا قد إنتهيت.

أعيشك
02-17-21, 02:53 PM
لازلت أتذكّر مارس 2018،
حين رأيتك فيه لأول مرّة،
شعرتُ بأنّي في حلم،
حلم لطيف ودافئ،
عُدت إلى المنزل في وقت الظهيّرة،
ثُم إستلقيتُ على سريري،
ولم أتوقّف عن التحديق في سقف غُرفتي،
وأنا أُفكر في كلمة أكتبها.
لازلت أذكّر أنه كان أدفئ لقاء في العالم،
لازلت أذكّر تفاصيله كاملًا،
وكيف جعلني أضحك من قلبي،
وأشعر بموجه دفئ تجتاح روحي.
بالمُناسبة هل قرأتم رواية صاحب الظل الطويل؟.
توجد فقرة أُحبها كثيرًا، تقول :
" فكرتُ فيك كثيرًا هذا الصيف،
إذ جعلني إهتمام أحد ما بي بعد كُل هذه السنوات،
أشعُر وكأنني عثرتُ على عائِلة،
بدأ لي الأمر كأني أنتمي لشخصٍ ما الآن،
وهذا إحساس مُريح جدًا ".
هذا ما أشعُر به تمامًا حين أكون معك،
أشعُر بالراحة والدفئ،
أنتَ لا تعرف بأن حياتي تكون مُشرقة،
ومليئة بالحياة وبالضحك حين أكون معك،
فلا أحد يسمعني بإهتمام عندما أتحدث عن
أكثر المواضيع سخافة في الحياة مثلما تفعل،
وكيف تمتصّ مزاجيتي التي تتحكم بي
في مُعظم الأوقات بسهولة.
قبل ثلاث سنوات بالضبط،
في أحدى صباحات مارس،
جئت وجلبت معك كُل مشاعر الدفئ والحُب،
أما الآن،
لا شيء.

أعيشك
02-18-21, 04:52 AM
إجتاحني الإنكسار من الداخل،
الإكتئاب الذي كان يأكُلني ببطء،
أخيرًا أبتلعني،
لم أكُن قادرة على تخطيّه.
كرهتُ نفسي مهما تمسكت بذكرياتي التي تموت،
وصرختُ لإسترجاعها لحواسي،
لم يكُن هُناك رد أو مُجيب،
إذ كان من الصعب تحرير هذا النفس المُختنق،
فمن الأفضل أن أتوقف عن التنفُس.
سألت من الذي من المُمكن أن يكون مسؤولًا عني!.
فقط أنا، لقد كُنت وحيدة تمامًا.
إنهائي كان سهل قوله،
إنهائي كان صعب فعله.
تلك الصعوبة كانت السبب في كوني باقية إلى الآن.
يقولون إنني أُريد الهروب فقط، أنا مُحقة.
أُريد الهروب مني ومنهم.
سألت من الذي كان هُناك!.
لقد كان أنا،
إنها أنا من جديد،
وكانت أنا مرة أُخرى.
سألت لماذا أستمر بفُقدان ذكرياتي،
قالوا لي إنها بسبب طبيعتك،
تيقنت،
في النهاية إنه خطأي،
تمنيتُ أن يلاحظ أحدهم ولكن لم يُدرك أحد،
بالتأكيد لم يعلموا لإنهم لم يلتقوا بي من قبل.
سألت لِما الحياة!.
فقط ..
فقط ..
لأن الجميع يعيش.
وعندما سألت لِما الموت!.
فسيكون ردهم لأنهم متعبون.
عانيتُ من الإكتئاب،
لم أتعلم أبدًا كيف أُغير الألم المُتعب إلى سعادة،
الألم كان مُجرد ألم.
تجادلتُ مع نفسي حتى لا أكون هكذا،
لماذا؟.
لماذا لا أستطيع إنهائه بحسب رغبتي؟.
حاولت إكتشاف لماذا أنا أتألم،
أعلمُ جيدًا بأنني في ألم بسببي.
كُل هذا خطأي،
ولأنني حمقاء.
دكتور،
هل أردتَ سماع هذه الكلمات!.
كلا لم أقُم بأي شيء خاطئ،
عندما قامَ بلوم طبيعتي وشخصيتي بنبرة هادئة،
ظننتُ أنه من السهل أن يُصبح الشخص طبيبًا.
من المُدهش رؤية مدى الألم الذي أواجهه.
الناس الذين يواجهون مصاعب أكثر مني يعيشون جيدًا،
الناس الذين هُم أضعف مني يعيشون جيدًا أيضًا،
رُبما ليسَ كذلك،
من بين أُناس أحياء،
لا يوجد أحد يواجه مصاعب أكثر مني أو أضعف مني.
بالرُغم من كُل هذا،
يخبروني أن أعيش.
سألت لماذا مِئات المرات،
ولكن يقولون إنها لأجلي، لمصلحتي،
وليسَ لي أنا رأي لمصلحتهم.
أردته أن يكون لأجلي.
رجاءًا لا تقولوا أشياء لا تعلموها.
إكتشفت لماذا هو شاق.
لقد قُلت لكم عدة مرات لماذا هو شاقُ عليّ،
هل غير مسموحٍ لي أن يكون ذلك السبب
هو وراء مشتقي!.
هل هُنالك إحتياج لبعض التفاصيل الدرامية!.
هل تُريدون قصص أكثر!.
لقد قُلت لكم مُسبقًا،
ألم تستمعوا إليَّ قط!.
ما الذي أتخطاه لا يترك أثرًا؟.
أعتقد أن تعارضي، ومواجهتي للعالم
لم يكُن قدري، على تجاوز قُدراتي.
أعتقد أن كوني معروفة للعالم لم تكُن حياتي.
هذا هو السبب لماذا كُل شيء كان شاقًا.
تعارضي وكوني معروفة كان شاقًا،
لماذا إخترت هذا الطريق؟.
إنهُ لأمر مُضحك.
صمودي لهذه الفترة كان أمرًا جدير بالثناء.
ما الذي يُمكنني أن أقوله أكثر.
فقط قولوا لي أنني عملتُ بجد،
وبذلتُ قصارى جُهدي.
بأني قُمت بعمل جيد،
بأني عانيتُ ومررتُ بالكثير.
حتى لو لم تستطيعوا الإبتسامة،
رجاءًا لا تقوموا بإرسالي وأنتم تلقون علي اللوم.
لقد عملتُ بجد،
لقد مررتُ بالكثير،
وداعًا.

أعيشك
02-18-21, 04:39 PM
مرحبًا.
أُريد الإعتذار لك،
نيابةً عن الخط الطويل والمسافة التي بيننا،
أنا نُقطة بعيدة وأنت في أعماق البُعد،
أعتذر لك عن أيام ثقيلة ذهبت منذُ زمن،
دونَ أن نتعانق وقت الفرح والبُكاء.
أو نذهب إلى حُجرة المنفى أو شجرة الحي المُزهرة
دون أن آتي إليك بِباقة ورد المُفضلة بالنسبة لك.
ودون أن نتشارك نفس القِلادة ونفس الأغنية،
وكوب القهوة.
ودون أن نُضحك على جارنا المُسن حين يلحق
بالأطفال حين يسرقون الورد لعاشِقهم.
ودون أن أتأمل عينيّكَ وضحكتك الجميلة،
ودون أن أضع كفيك في كفي وقت الشِتاء.
ودون أن أُقبّل مبسمك.
ودون أن نُصنع صورة تذكارية لِضحكاتنا.
وأشياء أُخرى كثيرة لم نفعلها.
بسبب خطأ جُغرافي.
أنا كومة عِملاقة من الأسف.
فقط أُريد وقتًا كافيًا،
أصحح فيها كُل الأخطاء،
ثم ألتقيك.
وأجيئُك بقُبل الإعتذار.
أعتذر إليك،
حتى وإن كان الإعتذار لا يشطب حاجزًا.

أعيشك
02-19-21, 03:28 AM
لا عنوان في هذه الليلة.

- أعيشك وليلة مُنطوية.-

https://k.top4top.io/p_1875g9qhw0.jpeg

أعيشك
02-19-21, 11:41 AM
استشارتني إحداهن عن شخصٍ ما،
وكثرة مبادرتها لأجله،
فأخبرتها أن تتوقّف،
فإنتهت علاقتهما.

‏وفضفض لي أحدهم عن سوء
صديقه الذي يتعاطى المُخدرات،
أخبرتهُ أن يكون بجانبه،
فأصبح مُتعاطيًا مثله.

‏وشكتّ زميلة لي في الجامعة،
صعوبة الامتحان القادم،
فأشرتُ عليها أن لا تحضر،
ففعلتها ورسبت.

ثمّ سألتني فتاة كيف تجذب
الشاب الذي تحبه؟
أخبرتُها أن تقبّلهُ في أول مكان تراه،
ففعلت، فظنّها سافِرة، وتركها.

‏أنا كارثية جدًا في إسداء النصائِح،
وكنتُ مسرفة في ذلك،
حتّى قال لي أحدهم يومًا أنه أوشكَ
أن يقعَ في حُب شخصية غريبة الأطوار،
لا تُحدثه كثيرًا، ولا يُشعرها بأنه يغار عليها.
وحين يكون بجانبها يصمتُ كثيرًا،
وهي تكادُ لا تنطق بشيء البتّة.
‏قلتُ له بأنه مريض ويجب عليه تركها على الفور،
قلت له ذلك بغباء،
ولم أكُن أعلم أن الشخصية المقصودة أنا "أعيشك"
إلا بعد أن أدركتُ حجم الكارثة.
‏ومن حينها إعتزلتُ النُصح وإعطاء الإستشارات.

أعيشك
02-20-21, 06:13 AM
أستيقظ وحدي صباحًا،
تسمح نافِذتي لخيوط الشمس بالعبور نحو وجهي،
أغمضُ عيناي، وأقول في نفسي :
كم كُنت سأكون محظوظة لو أنني لم أستيقظ.
تلدغني عقارب الساعة بِصوتها،
وكم أتمنى لو أن بِمقدوري تحطيمها.
الوقتُ يمضي،
أتثائب،
وأشعرُ أن هذا الجسد لا يُمكنه النهوض.
أشتم العمل الذي يُذكرني دائمًا بِعبوديتي.
أقولُ لنفسي :
إن كُل مُعاناتي بسيطة،
تصوري،
طلقة واحدة،
فقط في رأسي،
تنهي كُل شي.
آه،
لكنني لا أملك سلاحًا،
وأخاف الإنتحار شنقًا،
أو لوحدي في حوض الإستحمام.
أُفكر الآن فيما لو أحببتُ رجل مُكتئب،
وبادلني الحُب،
كيف ستكون حياتي!.
أتخيله رجل يُشبه الورد عندما يذبل،
جسده هزيل مثل قلب مُراهق،
وملامحه هادئة مثل شخصٍ نائم،
وأسفل عينيه سنوات طويلة من البُكاء والأرق.
رجل عندما أستيقظ أجده مُستيقظ مثلي،
ويُحدق في الفراغ،
ذلك الفراغ المُثير،
الذي يُشبه العدم.
أتخيلنا نجلس على طاولة واحدة،
وننظر طويلًا في الطعام حتى يبرد،
ونحسده لأنه مُجرد طعام،
نأكُل بِبطء شديد،
ونشعُر بالملل.
أتخيله وهو يتكور في حُضني،
يبكي بِشدة،
ولا أسأله ما السبب،
لأنني أُشاركه البُكاء.
إنهُ مُتعب مثلي،
ولهذا نشعُر بالراحة عندما نتعانق،
يُقبّلني، أُقبله، وننام معًا.
نستيقظ بعد ساعتين،
لأننا رأينا نفس الكابوس،
يقول لي إنه سئِم من الكوابيس،
وأقول له إن الحياة هي الكابوس الوحيد
الذي أتمنى الإستيقاظ منه.
نُحاول النوم،
لكن النوم يهرُب منّا،
وكم نودُ لو إننا نستطيع الهروب مثله.
نقفُز من السرير،
ونذهب بسرعة إلى الحمام،
أمدُ له موس الحِلاقة،
وهو يملأ حوض الإستحمام بالماء الدافئ،
ننغمس فيه،
نضحك معًا،
وبخوفٍ شديد،
أحكُ يديَّ بالموس،
فتفور دمي في الحوض،
وتختلطُ مع الماء ببعضها،
عندها ..
أنتبهتُ أن ما أخافه،
قد تحقق،
الموت وحيدةً في حوض الإستحمام.

أعيشك
02-20-21, 03:34 PM
لم أُولد لأعيش،
هكذا عرفت الطريق الذي سأسلكهُ جيدًا،
منذُ أن أدركت بأني أكبر عن أبي
في غُرفة ضيقة بدون أُم،
وإن عليّ التسلُل إلى نوافذ المدرسة،
كُل صباح لأرى من أكبر مني،
وأسمع مايقوله لهم المُعلمون من خلف الجدران.
كبرت وأنا أُشاهدهم بِرفقة آبائهم بكرّاساتهم،
وألعابهم والبعض منهم بهواتفهم،
وأنا التي لم أستطع إقتناء هاتفًا إلّا بعد
أن تجاوزت ثلاثة وعشرين سنة،
ودفعت آخر قسط منه بعد أن أتممت الرابعة والعشرين.
في الوقت الذي كانوا يستظلّون فيه تحت أسقف مدارسهم،
كنت أقف في مُنتصف شارع ما من أجل إزدحام السير،
أنظر للسيارات بأنواعها،
وأُحدق بوجوه من فيها،
أبتسم كثيرًا حين أقف هُناك،
وأعود باكية في المساء دون أن أذرف دمعة واحدة.
حتى هذه اللحظة لم أتجرأ يومًا بمُشاركة أي شيء مع الآخرين،
ولا التفكير بالإنخلاط معهم،
كبرت وحدي بعيدًا عنهم،
مُكتفية بمُراقبة أؤلئك الذين يُبادلون الأحضان
والقُبل والتلويح والشتائِم.
لطالما أردتُ أن أكسر هذا الحاجز،
فكّرت بكُل شيء،
حتى بِأن أخوض شجارًا مع أحد المّارة،
وأعتذر له بعد ذلك.
ولكن مع السنوات ماتت تلك الرغبة تمامًا.
الآن لا أستطيع التخيّل ولو لمرة واحدة،
بأنني سوف أعترف بمشاعري لرجُل،
أو سأخوض علاقة مع آخر،
رُغم كوني أُحب مشاهدة العشّاق يسيرون،
أستمتع بالنظر دائمًا لإيماءاتهم وخجلهم،
وإرتباكهم وجُرأتهم،
وأرى رغباتهم جليّة بينهم في نظراتهم
الخاطفة لبعضهم البعض.
الأمر ليسَ تقصيرًا على الواقع فحسب،
حتّى هُنا حين جئت إلى "المُنتدى"
لم أجرؤ على وضع قلبًا أو يد كصورة عرض،
أنا لستُ عرضة للحُب،
ولا أستطيع الإمساك بأحد،
وليست لديّ صورة لوجهي،
لأن لا أحد يراني،
وضعت صورة مُشوشة لأني لم أُولد لأعيش،
بل ولدتُ لأُراقب فقط.

أعيشك
02-20-21, 07:24 PM
بدأت أتلاشى كالدُخان،
شيئًا فشيئًا.
أُحاول أن أمسَك ماقد تبقَى مني،
ولكنني لم أنجح في ذلك.
أصبحتُ كما لو أنني أختفي من هُنا وهُناك،
ومن نفسي أيضًا.
أصرخُ بأعلى صوتي لينتبِه الآخرين لي
ويُسارعونَ لإنقاذي،
ولكنّ لا أحد يسمعُ ندائي،
لا أحد يراني.
ظنّوا بأن لا أحد هُنا سوا مُجرد دُخانًا،
لا يعلمون من أين أتى،
ولكن لم يظنّوا أبدًا إنني هُناك،
أنا أحترِق.

أعيشك
02-21-21, 08:35 AM
لطالما كان الهروب إلى النوم هو الحل لكُل مشاكلي،
لكن بِشكل مؤقت.
هو هروب من عالم مليء بالضجيج،
إلى عالم يعُم به الهدوء.
بإستثناء ذلك اليوم الذي أرهقتُ فيه كثيرًا،
ثُم نمت بعد بُكاءٍ طويل.
تلك النومة،
نومة الفزعة.
أُصبح على عرق يتَصبب مني كالنهر،
ودقات قلبي خائِفة تهرُب من شيء ما يلحقُ بها.
ثُم موجة بُكاء عارمة.
أشفقٌ على نفسي،
تلك النفس التي لا أستطيع
مواجهة مخاوفها بكُل جرأة.
لِمَ الهرب؟.
لِمَ لا أستطيع المواجهة؟.
إلى متى وأين سأقف؟.
قُمٍ بالله عليكِ أُنقذِ نفسك وصارحها.
قفِ بوجه مخاوفك،
قفِ بوجه آلامك،
بددِ الحُزن فرحًا وقوة.
صباحٌ سعيد مُدونتي، صباحٌ هادِئ.

أعيشك
02-21-21, 03:27 PM
أفتقدكَ كثيرًا يا حبيبي،
أُقسم لك.
مُتعبة أنا من الحياة،
ومن اللَيالي،
ومن الأيام التي تخلوا منك،
أُقسم لك.
وفي كُل مرة أجلسُ وحيدة،
أراكَ كثيرًا.
ولكن ظهورك أمامي لم يكُن فقط
عندما كُنت وحيدة فحسب،
بل إنكَ ماهر في الظهور أمامي
حتى وأنا أجلس مع من أودُّهم كثيرًا.
في تلك الليلة التي كُنت أجلس فيها مع أبي،
رأيتُك أمامي تجلس وتُحدق فيّ بعُمق،
رأيتُك وإرتبكت،
سقطَ مني كأسًا مُمتلئ بالماء.
سألني أبي ما بك،
وكانت إجابتي وبِصوت مُنكسر وخافت :
لا شيء يا أبي.
نعم لا شيء،
ولكن ما بداخلي شيئًا عظيمًا،
لا يُمكنني التعبير عنه بكلمات بسيطة،
شعُور مُرهق،
شعُور مُتعب.
يُمزقني إشتياقي إليك،
وتقتلني كثيرًا فكرة إننا إبتعدنا
عن بعضنا البعض للأبد،
دونَ لقاء أخير،
دونَ قُبلة أُخرى،
دونَ حضن أخير،
ويُعذبني حنيني إليك.
لن أخفي عليك،
ولن أظهر أمامك بِمظهر امرأة قوية،
ولا أعلم كيف أظهر قوية وأنا التي
خسرتُ جيشي الوحيد وهو أنت.
سأُخبرك،
بكيت بالأمس عليك،
بكيت بحُزن وبألم،
بكيت حتى شعرتُ أن الصُداع
بدأ يأكُل جُزءًا من رأسي ويُمزقه،
شعرتُ بإنتفاخ في رأسي من شدّة البُكاء.
إشتقت إليك،
ولا زلت أفتقد صوتك الحنون ووجهك البديع،
الطمأنينة افتقدها كثيرًا،
أن تشعُر بالطمأنينة مع أحدهم
فهذه نعمة قد ساقها الله إليك،
ولكنك اليوم رحلت،
ولم تكتفي بالرحيل فقط،
بل إنكَ أخذت معك الطمأنينة،
وتركتَ لي الذكريات،
وتركتَ لي الحنين،
الهدايا،
تركتهُم معي ليُمارسوا معي أنواع التعذيب،
ويُبادلون الأدوار،
مثل جيشٍ مُدرب على أقوى الحروب والصراعات،
ولا يُمكنني التصدي لهم،
فقلبي معطوب،
ونفسي مشروخة،
وروحي هشّة،
هشّة للحد الذي قد يمُر يومًا كاملًا وأنا لم أشعُر به،
لأنني جالسة وحيدة في غُرفتي،
مثل طفلة صغيرة تفتقد أُمها،
وتبكي بكُل حرقة.
ولا أعلم ماهو الذنب الذي فعلته بحياتي،
وكان سببًا حقيقيًا لرحيلك،
ولكنني أؤمن بأن هذه الأقدار،
وهكذا الحياة أرادت.
وأُدرك حقيقة حُبك لي،
لا زلت أُحبك حتى وإن رحلت.

أعيشك
02-22-21, 04:13 AM
أجلسُ وحدي،
مُتشابكة الأصابع،
أُفكر في حل لأزمة هذا العالم.
كيف يُمكن إيقاف الحرب!.
كيف يُمكن تصدي كورونا!.
كيف أنقُذ نسرًا قبل إرتطامه بجناح طائرة!.
كيف أُدافع عن تمساح بعينٍ واحدة في أنهار افريقيا!.
وكيف أُوزع سُنبلة واحدة بين قبيلة نمل بشكل مُتساوٍ!.
أُحاول تكرار الفرح الذي عقدت معه صفقة بالأمس،
كما تُكرر مصانع الورق الكراتين المُستعملة.
أُفكر لأجلكم،
وأنتم تُفكرون لأنفسكم.
الآن وبعد هذا العُمر،
أعيدوا لي أيامي التي لطختموها،
وأنا سأُعيد لكم مجدكم وشرفكم.
أعيدوا كُتبي الممنوعة،
وأنا سأُعيد أناشيدكم وشعاراتكم.
من منكم رمى هذا اللَيل في وجهي!.
أخرجوني من بطن الظلام،
أنزعوا حِبال ألسنتكم الطويلة،
كخيوط أشرطة الكاسيت.
أعيدوا كلماتي التي كتبتها،
وأخرجوني من هذه الزنزانة الواسعة،
كعلب السجائِر.
قبل أن أخلع ملابسي في وجه العالم.

أعيشك
02-22-21, 11:04 AM
إليكَ جنيني الذي غير قابل للحياة،
إليكَ ياطفلي الذي لم يُخلق ويُزهد بعد،
سامحني وكُن كالطير الوديع في جِنان الله الخالدة.
كُن شافعًا لي ولأخطائِي عند الخالق البارئ،
وكُن وسيطًا بيننا وليعفوا عنّي.
قُل له بأن والدتي لم تكُن لإهمالي قاصِدة،
ولكن الإكتِئاب كان كالعاصية.
وأن والدتي لم تكُن تقوى على تربيتي.
وأبي قد يسبقني وإليك قد عاد،
وتركَ ذكراة باقٍ في الذاكرة.
ولكن ياطفلي،
إعلم بأنني لم أكُن أُمًا نافعة،
ولن تكُن حياتك بِقُربي كاملة.
سيتلبسُك النقص كما تلبسني،
وسيُرهقك الحِزن كما أرهقني.
ستبكي وتحمرُ عيناك ألمًا،
كُلما رأيت الدمعَ بعيناي غازية.
سيتقلصُك صقيع البرد العاتية،
ولن تلقى سوى جسدي لك دافِئة.
سيحتوي قلبُك تعبٌ كما إحتوى أباك حتى أماته.
وستُفقد لذة الحياة ولن تعيش بها بِرفاهية.
فالله أعدُك ياطفلي،
والله أودعتُك،
والله بِك خيرٌ،
والآخرة لكَ باقية.

أعيشك
02-22-21, 04:00 PM
وحيّدة رُغم كُل هذه الإتصالات التي لم أرد عليها،
والرسائِل التي أتجاهلها،
والدعوات التي أنشغل عنها.
لا أعلم ما المرض الذي أصابَ روحي،
وما إسم الفيروس الذي دخل لي من ثقب الكآبة
حتى أصبحتُ أُحدق في مرآة الحمام لدقائِق
طويلة دون أن أنبس بكلمة واحدة،
غير أنني أقبُض على رأسي بكفيّ وأُمرر أصابعي
بين مسامات شعري ككُل الجماهير الخاسِرة.
الساعة العاشِرة صباحًا،
والصباح قاتم وأسود بداخلي،
والمُستقبل غير معروف،
والنهايات مُغطاة بزجاجات ثلجية،
أرى الأشياء ولا أعلم تفاصيلها الحتمية،
لا أعلم بالضبط أي لباس ألبس.
وهل هُناك مسافة كافية لتحقيق أحلامي وأُمنياتي؟.
لا أعلم شيئًا من كُل ذلك.
أقفُ الآن أمام النهار وجهًا لوجه،
بِصدور عارية،
وأصابع نهشت نصفها الليّل،
وجماجم عشعشت عليها الغربان.
أقف أمام الأيام كما يقف الجزّار أمام قطيع من الخرفان،
مذهولين، شاردين.
كيف سأُعلق كُل هذه القرابين في ساعات الصباح الأولى؟.
أقف في هذا المساء وحدي،
أمام مساحة شاسعة من الرمل والأرض الغير مؤهلة بالسُكان،
أبحث عن غصن شجرة كانت قد نخرتها الرياح
قبل عامين وحفرت بداخلها فراغًا يُشبه الناي،
كانت كُلما هبَّ الهواء سمعتها تبكي وتقول للصحراء :
ليسَ هُناك أكثر ألمًا من أن تكون وحيدًا في الداخل.

أعيشك
02-23-21, 04:37 AM
سئِمتُ من هذا الرأس،
لم يعُد جسدي يحتمل ثقله،
ولم أعُد قادرة على احتمال أي ورطة أُخرى منه.
القلب ليسَ ثغرة،
والعاطِفة ليست نُقطة الضعف الأُولى،
الرأس هو من يتسرّب منه كُل أذى،
هو من يرى، ويلتفت، ويسمع، ويتحدث،
ويصمُت، ويرتفع، ويُنكّس، ويلد كُل فكرة.
أرغب بالتخلي عنه،
بإكمال حياتي دونه،
بتركه وفقًا للشفاة الحائِرة،
والأعناق الذابِلة،
والأعيُن الثملة،
والأحضان الضّالة،
والأيادي الراغِبة بمسح رؤوس سلبها منها الزمن.
أُريد أن أمشي ماتبقّى من عُمري مبتورة الرأس.
أحلم بأن أركض وحيدة بِخفّة في شاطئ فسيح،
بينما هو مُعلّق في الهواء،
بين عاشقين يتمازحان برميهِ على بعضهما،
أو يكون مدفونًا لوحده بعيدًا،
هُناك في حضن امرأة منسيّة.

أعيشك
02-23-21, 02:47 PM
هذا الرأس،
المنصوب على كتفي،
المحشوّ بالمُنبهات،
والمُتكدس بالتعبِ والضجيج،
كيف يُمكنني الفكاك منه دون
الحاجة لرصاصةٍ مسومةٍ،
أو محضرٍ إنتحار!.
ليس رأسًا،
إنه صخرة تدحرجت من جبل،
وإستقر كفِكرة بشكلها الدائري.
ليس رأسًا الذي يُخطئ كُل مرة،
بل صلصالاً وكراتين محشوّة.
ليس رأسًا لا يتعلم،
بل غُرفة مهجورة تتوالد فيها الكِلاب.
ليس رأسي الذي أعرفه،
الأكثر حذقًا، وحكمة، ودلالة.
فمن سرقَ رأسي الذي أودعته
بِبطن حِذائي عند باب المنزل؟.

أعيشك
02-23-21, 07:27 PM
الليل يبتلعني كما تبتلع السيول الأشجار.
يهشم رأسي بمعول الذكريات،
بل بمطرقة السأم والقلق.
أنا قلقة يا الله،
أقولها بحنجرة جافة محشوّة بالملح،
أقولها مُرتجفة خائِفة من دوار البحر،
وهو يُطاردني حتى عرض اليابس.
خائِفة من كُل شيء يحدُث أو سيحدُث،
وحدثَ وما أن يحدُث مرة أُخرى.
أنا قلقة يا الله،
قلقة قلق الامرأة العربية المُعتقة،
الممزوجة بالأسى والقتلى ونشيد الأُمهات،
ونائِحتهن أمام الجنائِز.
قلقة يا الله باللُغة العربية التي
تعلمتها لأبكي بِطريقة مُغايرة،
بِطريقة الكلمات التي أرسمُ بها
العصفور فوق الشجرة،
وما أن يحط على غصن إلا
وأسقطه صيادًا بِبُندقيته.
قلقة قلق الشاعر وهو يُصفف الأبيات
ويُنظفها من كلمات الحُرية.
قلقة قلق الأُمهات على بناتهن وهن
في غُرف الولادة يمتخضن.
قلقة قلق الحارس على البيت.
قلقة قلق نفسي على مُستقبلي.
قلقة قلق العابر على حِذاءه.
قلقة قلق الباب من أن يعود شجرة،
من المطر أن يعود غيمة،
من الغيمة أن تعود إلى البحر،
من البحر أن يعود إلى مالا أعرف.
بهذا الشكل الحقير تجرُني أفكاري نحو الهاوية،
نحو عقبة كبيرة من الأوهام والإضطرابات الذهانية البحتة،
نحو غياهيب لم أجد في طريقها قفرًا لِبشر أو دابة،
غير هياكل أشجار دونَ ورق، دونَ ماء،
دون حتى عصافير تشُق السماء،
ما الرحلة التي صعدتٌ إليها
دونَ أن أعرف وجهتي يا الله!.

أعيشك
02-24-21, 04:41 AM
ليلة مُرصعة بالنجوم.

-أعيشك، ونِجمة مُضيئة.-


https://a.top4top.io/p_1878z3ayv4.jpeg

https://b.top4top.io/p_18787o0wd5.jpeg

أعيشك
02-24-21, 10:22 AM
لستُ مُعتادة على أن يفهمني أحد،
لستُ مُعتادة على هذا،
لدرجة أنني أعتقدت في الدقائِق الأولى
من لِقائنا أن الأمر أشبه بِمزحة.
ثُم هُنالك أشياء يصعب الحديث عنها،
لكنك تستطيع التخلُص من كُل طبقات
الغُبار فوقها بِكلمة واحدة.
أنتَ لطيف.
نعم.
أحتاجُك.
يا قصّتي الخيالية.
لأنك الشخص الوحيد الذي أستطيع
التحدث معه عن ظِل غيمة.
عن أُغنية، عن فكرة،
عن الوقت الذي ذهبت فيه للعمل
ونظرتٌ إلى زهرة عبّاد شمس،
ونظرت إليّ،
وابتسمت كُل بذرة فيها.
أراكَ قريبًا يا مُتعتي الغريبة.
يا نهاري الهادئ.
كيف بإمكاني أن أُفسر لك سعادتي،
سعادتي الرائِعة الذهبية؟.
وكيف أنني ملكٌ لك،
بكُل ذاكرتي،
بكُل قصائِدي،
بكُل ثوراتي،
وزوابعي الداخلية!.
كيف بإمكاني أن أشرح لكَ أنني لا أستطيع
كتابة كلمة واحدة دونَ أن أتخيل طريقة نُطقكَ لها!.
ولا أستطيع تذكُر لحظة واحدة تافِهة عشتها دون
ندم لأننا لم نعشها معًا!.
سواءً كانت أكثر اللحظات خصوصيّة،
أو كانت لحظة لغروب الشمس،
أو لحظة يلتوي فيها الطريق.
هل تفهم ما أقصد؟.
أعلم أنني لا أستطيع إخبارك بكُل ما أُريده في كلمات،
وعندما أُحاول فعل ذلك على الهاتف،
تخرج الكلمات بِشكل خاطئ تمامًا،
وعلى من يتحدث معك يجب أن يكون بارعًا في حديثه.
وأهم من كُل هذا،
أردتُ لك أن تكون سعيدًا.
وبدا لي أن بإستطاعتي منحِك هذه السعادة.
سعادة مُشرقة، بسيطة، وليست سعادة كُليّة، أبديّة.
إنني على إستعداد لإعطائِك كُل دِمائي.
إن اضطررتُ لذلك.
يبدو حديثي سطحيًا.
ولكن هذا ما أشعرُ به.
كنت أستطيع بحُبي أن أشعل عشرة قرون،
بالأغاني والشجاعة.
عشرة قرون كاملة.
مجنّحة وعظيمة.
مليئة بالفُرسان الذين يصعدون التِلال المُلتهبة.
وأساطير عن العمالقة.
وطروادة.
وأشرعة بُرتقاليّة.
وقراصِنة.
وشُعراء.
وهذا ليسَ وصفًا أدبيًا،
لأنكَ إن عُدتَ لقراءته مرةً أُخرى،
ستكتشف أن الفُرسان يُعانون من زيادة في الوزن.
أُحبك.
أُريدك.
أحتاجُك بِشكل لا يُطاق.
عيناكَ اللتان تشرُقان عندما تسند رأسك للخلف.
وتحكي قصة مُضحكة.
عيناكَ، صوتك، إبتسامتك، كتفك.
خفيفان، مُشرقان.
لقد دخلتَ حياتي،
ليسَ كما يدخُل الزائِر.
بل كما يدخُل الملوك إلى أوطانهم.
وجميع الأنهار تنتظر انعكاسك.
كُل الطرق تنتظر خطواتك.
أُحبك كثيرًا.
أُحبك بطريقة سيئة.
لا تغضب يا سعادتي.
أُحبك بطريقة جيدة.
أُحب أسنانك.
أُحبك يا شمسي.
أُحب عينيّك المُغمضتين.
أُحب أفكارك.
أُحب نطقك لحروف العلّة.
أُحب روحك بأكملها،
من رأسك حتى قدميك.

أعيشك
02-25-21, 09:38 AM
أنا مريضةٌ بالوجود،
آنستُ سقمي هذا،
في اللحظة التي أدركتُ فيها،
بأني موجودة فعلاً.
كان الأمر مُريعًا.
أن تُعاين العالم من حولك،
وتسأل نفسك :
ما الذي يحدُث هُنا؟.
ما كُل هذه الفوضى؟.
ما أنتابني ساعتها ليس كآبة، أو صدمة،
بل لحظة وعي فائِقة.
إدراكًا تامًا لوجود المرء البائِس.
عندما يفّطنُ بأن الوجود بِحد ذاته،
جرحٌ مُستعصِ،
وبِأن هذا العالم ليسَ مكانًا آمنًا.
وأجدني الآن تائهة.
أتوقُ لذلك الوطن الذي جئت منه.
ولكنّ المكان قصيّ، والطريق عُضال.
في الحقيقة،
يصعبُ عليّ فهم الفلاسِفة.
واستعسارهم المبذول لإثبات وجودنا.
ما الجدوى من تأكيد هذا المرض،
في حين أننا نشعُر بوجعه يفتك بنا
على الدوام، بِلا هوادة؟.
إن مُمارسة الوجود وأنا جالسة،
لأصعب من مُمارسة رياضة القفز على الحواجز.
إنني أقفزُ كُل يوم،
كُل ساعة، كُل لحظة،
ولا أرض ثابتة هُناك لأقف عليها.
أنا لا أتنفس،
بل ألهثُ من التعب.
أنا لا أصحو،
إلا لأن النوم قد ملني.
تتملكني في الأعماق شهوة الإنسلاخ من كوني شيئًا.
أُريد أن أنسى رُعب كوني إنسانًا.
يُبجَّل المعنى والهدف والسعادة.
يقتضي على أن أتملص من كُل هذه الأشياء،
التي تُدعى أشياء.
أبحثُ عن منفذ،
ألتفت،
أتأمل العالم من حولي،
أمعِن النظر،
وأبصر من حولي فضاءً جاثمًا، شاحبًا.
ولا مخرج هُناك.
تكمنُ المعضلة في أنني لا أستطيع أن أُقدم على الإنتحار.
فقد أقترفتُ العيش،
ووقعتُ في مأزق التشبُّث بالأشياء.
لقد فات الأوان على الرحيل،
ولم أعُد ساذِجة بما يكفي لأن أحلم،
أحبّ، أو أطمح مرةً أُخرى.
فقد كان لي عار المحاولة مُسبقًا.
وانتهى الأمر.

أعيشك
02-26-21, 06:23 AM
عندما أفشل في النسيان السنة الأولى،
‏والثانية والثالثة والرابعة والخامسة.
سأستسلم.
لن أُفكّر بالنسيان.
سأُفكّر كيف يمكنني مُقاومة بقية
الأيام دون اقتلاع الأشواك من صدري،
لن أقترب من الآخرين فيؤذوني،
ولن أُحاول طلب المساعدة في اقتلاعها.
الألم الذي أشعُر به سيُرافقني.
وهذه الأشواك لن تزول،
سأشعُر بها تخترق صدري وأنا نائِمة،
وأنا قائِمة، وأنا مُستلقية، وأنا أعمل،
وأنا سعيدة، وأنا حزينة، وأنا ناجحة، وأنا فاشِلة،
بمُجرد ملامستها سأشعر بالأذى،
كل ماعليّ فعله أن أعتاد على العيش برفقتها.
سأنهي نفسي إن كانت السنة السابعة.
التعود صعب،
صعب للغاية،
كيف سأُقاوم كُل تلك الأشياء؟.
مهما حاولت،
مهما قاومت،
يكفي دقيقة واحدة،
لتعيدني لنُقطة الصِفر.

أعيشك
02-27-21, 07:11 AM
قال سائِق الحافلة :
الحافلة مليئة بالرُكاب،
لا مكان لكِ،
هيا انصرفي.
صرخ السائق في وجهي،
أخبرته بأني لا أجد مُشكلة،
حتى في الوقوف بمُحاذاة الباب، المُهم أن يقلني.
الوقت قد تأخر.
ولا أستطيع البقاء.
فالمكان شبه مقطوع،
بالكاد تمُر حافلة أو حافلتان في اليوم.
وفي الأماكن المقطوعة يُصبح
الخطر ضربًا من ضروب النجاة.
بعد جُهد جهيد،
وبعد أن دفعت له تذكرة راكبين،
وافق.
أغلق الباب.
وذهب يُشاجر الرُكاب، قائِلاً :
اللعنة عليكم، ألتزموا الهدوء وإلا قتلتكم.
وبين الفينة والأُخرى يُدخن ويشتمهم، قائِلاً :
إلى متى وأنا أحمل في حافظتي قطيع من الماعز،
رائِحتكم مُقززة.
أوقف المُحرك.
ثُم ألتفت نحوهم.
بصق عليهم، قائِلاً :
في المرة المُقبلة سأحضر معي مُبيد حشرات
لمُكافحة رائِحتكم النتنة،
يا لكم من بهائِم تسير على الأرض.
وبسرعة جنونية واصل القيادة.
مادت الحافلة بنا يمينًا وشمالًا،
شعرتُ بإنقباض في أمعائي.
كُنت على وشك أن أتقيأ.
الخوف ممزوجًا بفراغ معدتي.
فمنذُ أن نزلت بذلك المكان،
لم أتذوق لُقمة واحدة.
تمالكتُ نفسي.
تنفست الصُعداء.
وابتلعت ما تيسر لي من الجُمل المُسكنة
التي تفاعل معها عقلي الباطني بكُل جديّة.
حركت مُخيلتي قليلًا.
مُستحضرة مكانًا جميلًا.
وموسيقى هادئِة تنشر الطمأنينة بين خلاياي الثائِرة.
أثثتُ عالمًا صحيًا بداخلي.
أستطيع عزلي به وفصلي عن الواقع المُربك حتى تنتهي الرحلة.
نَظر إليّ سائِق الحافلة نظرة مكر.
وبسرعة تداركت الأمر.
أشحت ببصري عنه، كي لا تلتقي أعيننا.
لكنه أفسد علي ما بذلته في ترميم روحي.
حذفني بكُل شيء استطاعت يده أن تُطاله.
بدءًا من العُلب المعدنية، وأوراق لف الساندويشات.
مُغلفات الشوكولاتة الفارغة، مناديل مُتسخة.
وعندما لم أُحرك ساكنًا، ولم أبدِ أي أعتراض
سحب كيس القُمامة المُعلق حول يد ناقل الحركة وحذفني به.
إشتاط غيضًا حتى انتهى به الأمر
إلى حذائه الذي أصاب وجهي.
كان الرب قد بعث فيَّ سكينة هائِلة.
قوة مُضاعفة لم أستخدمها من قبل،
ولم أعرفها حتى في كُل حياتي.
فردة فعلي كانت راسِخة،
كجبل فعل ذلك لأن أمرًا إلهيا أراد ذلك.
وعلى الرُغم من ثباتي، شعرتُ بأنني
أبكي بداخلي واستصرخ النجدة.
ولأنني مؤمنة منذُ زمن بأن المظهر الذي يبدو عليه
الإنسان أمام الآخرين ما هو إلا ستار لما يحدُث بداخله.
كان يبدو علي طيلة حياتي ما أُريد أن أبدو،
وأخفي ما أُريد أن أخفيه.
كانت لديَّ مهارة عالية في التكيُف لذلك،
كان الجميع يضرب بِبلادتي الأمثال.
حرسَت طيلة الرحلة صفاء مزاجها،
فأي دخيل عليها ستُفقد صوابها.
دعوتُ الله سرًا أن يتنازل هذا اليوم عن هبوب الرياح.
أن يأمُر أشعة الشمس بالتوقف عن ضربه.
أن نُكمل الطريق دون الحاجة إلى محطات.
لكن خزان الوقود خذلني.
توقفنا في مُنتصف الطريق، عند المحطة ليملأه.
وقبل ترجُله، وجه الرُكاب عبارة تحذيرية، قائلًا :
من يخرُج من الحافلة لن يصعد مُجددًا، مفهوم؟.
وحين خرج سحبتُ نفسًا عميقًا.
راقبته من النافذة.
كان قد إبتعد مسافة لا بأس بها.
زادت ضربات قلبي.
وبِخطوات قليلة مُرتجفة،
أصبحتُ مكانه.
أقفلتُ الأبواب.
والعرق يتصبب من جبيني.
ضغطت بقدمي على دواسة الفرامل.
حررت المكبح اليدوي.
ثُم أنطلقت.
لقد كُنت الراكبة الوحيدة التي صعدت الحافلة.

أعيشك
02-27-21, 02:03 PM
أحتاج أن أبدأ بشكلٍ مُختلف،
سيّدة باردة الأعصاب،
لا تُبالي..
أو لا تُبالي كثيرًا على الأقل،
ولا تستفزها الغيوم المرتبة كالقمصان البيضاء،
وتأكُل بشهية وتتلذذ طبق الباذنجان المسلوق!.
لا تحرِق دمها من أجل مزاج رجُل لعوب،
أو لا تحرِقها تمامًا..
ولا تُفكر كثيرًا بما وراء الأخبار،
ولا يشغل بالها بالصبيّة التي هجرها صديقها في الفيلم الأجنبي!.
تختار ملاءة السرير من دون أن تتوقف كثيرًا عند لونها،
ولا تصفنّها في العاشرة كالحمقاء،
هل شربت قهوتها الآن؟.
وتُنظم في ازدحام المرور بطواعية مدهشة،
لا تتذمر، ولا تتأفف،
ولا تتوتر أصابعها على مؤشر الإذاعات بحثًا عن أغنية مهدئة!.
تُفطر صباحًا، وتتغدى ظهرًا، وتتعشى مثل التلميذة النبيهه،
دون أن تخلّ بمواعيد الحليب، وتنظيف الأسنان،
والقُبلة على خدّ الأم الأيمن وخدّ الأب الأيسر!.
تجلس بين يدي مُصففة الشعر كالمريضة الأليفة،
وتدفع فاتورة الكهرباء قبل استحقاقها بساعتين،
وتضحك لأي نكتة ساذجة أو قليلة التهذيب يقولها
مديرها المباشر أو حتى غير المباشر!.
امرأةً لا تدهشها بعد اليوم ضحكة عينيك،
ولا تكترث كثيرًا بما يثيره صوتك في الهواء،
كخبط أجنحةٍ غضّة لعصافيرٍ صغيرةِ السنّ،
وتحضر كل المناسبات العائلية، والعشائرية، بإلتزامٍ بديع!.
أحتاج أن أبدأ من جديد بلا أعصاب مهتاجةٍ لأغبى الأسباب،
وبدون هذا التوتر الذي يتراكم أعقابًا بيضاء مدعوكةً في المنفضة.
امرأةً بلا ذاكرة مجرّحة،
ولا أسرار ملوّنة أو وردٍ خجولٍ في مقعد السيارة الخلفي،
ودون كومة كتبٍ على رخام المطبخ،
أو صداعٍ نصفي لأن السماء لم تمطر جيدًا، وكما ينبغي لها!.
أحتاج أن لا تدقّ أغنيات فيروز في أعصابي،
مثل تلك المطرقة الصغيرة في يد الطبيب على ركبتي،
ولا تستوقفني الحرب في اليمن،
ولا تعصف بي عينا رجُل مرَّ من خلف ظهري،
وألا أشهق إن رأيت فستانًا حريريًا أحمر!.
أحتاج أن أرى إسمك على شاشة الهاتف، على الطاولة،
فأواصل ذهابي للمطبخ كأن شيئًا خارقًا لم يحدث للتوّ!.
وأحتاج أن أمرّ بذلك المقهى دون أن أتسبب بحادث سير،
وأمرّ بذلك البحر فلا تتبللّ عيناي،
وأن (أمرّ بإسمك إذ أخلو إلى نفسي )
فلا ينتابني ما خاف درويش أن ينتابه إن مرّ (بأندلس)!.
أحتاج حائطًا لم نخربش عليه في صخبنا،
وصورة لك إن رأيتها لا يتكوّم الحنينُ في حلقي،
ورجلٌ لم يرى واحدًا منا وحده.. ولو مرةً!.
كل ما هنالك أنني أسعى للهدوء،
أحتاج كمشةً من الهواء النقي،
المغسول، ما يملأ قبضة يدي فقط..
أتنفسه،
وأدّعك به وجهي،
وأقدم منه لضيوفي المخلصين!.

أعيشك
02-27-21, 09:00 PM
أكثر من عشرين سنة من المشي الخطأ،
بالساق الخطأ، في الطريق الخطأ!.
وإرسال رسائل الى الرجُل الخطأ،
في العنوان الخطأ.
كومةٌ من الأخطاء في خانة الإسم،
وتاريخ الولادة، وجيوب القميص.
في الهوى، والبيوت، وكأس الشاي،
والكتابة، ومقاعد الطائرات،
وفي اختيار نوع الخبز لوجبة الإفطار.
سفرٌ كثيرٌ أيضًا بالحافلات الخطأ،
من الـ هناك إلى الـ هناك،
لم يكن لنا أبدًا يومًا : هنا!.
لا أحمل من أثاث عائلتي غير حكايات خِسرانها،
ولا أتذكر من احتفالاتهم غير الجنازات،
ولم ينادني أبي يومًا ليقول لي: هذا اسمكِ الحُّر..
احمليه وحلّقي به، طيري إلى ما شئتِ!.
كان اسمي لِعشرين عامًا مخبأً تحت الوسادة،
خوفًا من هراوة الشرطي،
وسخط الملاك القابع فوق الكتف اليسرى،
وأعين الجيران، وحسد الخالات، ونقمة أحدٍ ما..
لا يروقه اسم جدي أو لون عين جداتي!.
أكثر من عشرين سنة من الحرب الخطأ،
والانتصار في المعركة الخطأ،
ودفن موتانا في المقبرة الخطأ،
والهتاف للبطل الخطأ!.
لسببٍ ما،
كنت أشعُر أن عليّ الاعتذار كل يوم،
لأحدٍ ما،
عن وجودي،
وعن الضجيج الذي أسبّبه في هذا الكون المدوزن جيدًا،
وعن أخطائي الفاحشة الكثيرة التي هي
حتمًا تعكّر ليلاً رائقًا.. لأحدٍ ما!
دائمًا ما أحسست أن عينًا كبيرة ترقبني،
وعليّ بالتالي أن أرتب ملابسي،
وأغسل فكرتي من احتمالات تأويلها،
وأدقق جيدًا في كلامي!.
كنت أرى العين كثيرًا،
ما تمدّ لسانها لي، تماحكني، أو كأنما:
"ما الذي تفعلينه هنا؟
وما الذي تفعلينه وأنتِ فتاة طريّة العود بكل هذه الأخطاء؟.
تتلفتُ الفتاة خلفها : يا إلهي .. كل هذه الأخطاء لي؟."
عشرون سنة من الضلالة العاطفية،
ومن رسائل بريدية لا تصل،
ومن ضياع الحاجيات في التباس العناوين،
ومن الركض بالساق الخطأ حاملةً فكرتي
الخطأ على الظهر الخطأ!
عشرون سنة وأنا أنحتُ أصنامًا من تمرٍ غير صالحٍ للأكل!.
وكنتُ أحبُ أخطائي،
وإذ أخلو بهنّ أحتضنهن بحنوّ كأنهن شقيقاتي الصغيرات!.
للخطأ مذاقٌ لذيذٌ، ولاذعٌ،
تحت اللسان،
مثل حُبيبات السُمّاق،
يترك رعشةً شهيةً على باطن القدمين،
حين نُقدّم رِجلاً ونؤخّر أخرى!.
أكثر ما يؤلم أن تصحو،
أنا لا أريد أن أصحو،
لا أريد أن أرى بطلي يتزوج وينجب
أطفالاً ويمشي في الأسواق،
ولا أريد أن أصدق أن معركتي كانت
حلقة من حلقات (الكاميرا الخفية)،
وأن موتاي الذين صفقت لهم كانوا كومبارس رخيص الأجر،
في تمثيلية رديئة السيناريو!
الحقيقة ليست دائمًا طيبة المذاق،
وأخطائي التي رتبتها في خزانتي عشرين سنة،
هي لي تشبه النياشين والأوسمة،
لامعة، وبرّاقة، وأستحقّها!.
أكثر من عشرين سنة وأنا أقرع جرس البيت الخطأ!.
من أنا بلا أخطائي؟.
فتاةٌ حمقاء تهجس برضا الضابط وإمام الجامع،
وحارسين عظيمين عملاقين يتربصان،
وجثتي لاتزال ساخنة أن يسألوني :
لماذا خمشتِ التفاحة بأسنانكِ القاسية؟.

أعيشك
02-28-21, 08:48 AM
تخليت عن هذا الحُب،
وأقسمت أن لا أعود لك أبدًا.
لم يكُن هذا برغبة مني،
أن أتخلى بسهولة هكذا،
إنني أحتضر بشاعة ما أشعُر به،
والمرض يتجسد جسدي بِشكل بشع.
فقدتُ كُل ما أملك.
وأنتَ أيضًا لن تدوم أبدًا.
وروحي أيضًا لن تدوم.
أتمنى الرجوع،
لو يعود بي الزمن وأفعل الصحيح لكن،
القدر أراد أن يُصيبني بهذا البلاء.
أتمنى الآن بأيامي الأخيرة أن أقضي
معك الكثير من الوقت يا عزيزي.
أعتنِ بنفسك جيدًا.
سنلتقي يومًا ما.
أُريدك أن تعلم إنني فعلت هكذا
لأجل لا يحزن أيٍ منّا.
رُبما يومًا ما ستعتاد أن تكون بدوني.
هذه السطور ستبقى فارِغة،
وأحتفظ ببعض الحروف بداخلي.
آسفه، لم يكُن بإختياري.

أعيشك
02-28-21, 11:07 AM
ليس مُهمًا كل هذا الذي قلتهُ لك،
المهم ما سأقوله الآن، فإسمع جيدًا :

أنا لن أعتذر عن نوبة عشقٍ عشتها،
ربما لم أكُن سيّدة مشيئتي في تلك الساعة،
أنتَ من كان يحكم الكرة الأرضية في تلك اللحظة،
ويقودها من قَرنيها،
وعليك إذًا أن تعرف بأنك أنت من زَوّج النجوم لبعضها،
ودلق كل ذلك الصخب على قماشة السَكينة!.
ليس من الفروسية الآن أن أعتذر عن برق
الحب الذي التمع للحظات في خاطري!.
ربما كنت أحتاج دوزنةً،
نعم ..
هذه ذريعة لذيذة،
أُحب الأغنية السودانية التي تقول :
"أحتاج دوزنةً، وترًا جديدًا."
لا يضيف إلى النشيد سوى النشاز،
وأنا أريد فوضاي مرتبةً بكفّيك القليلتين،
ولا أريد من النشيد سوى ضحكتك التي تخضّ دمي،
وتوقظني من وحشتي، ومن فزع العشرين!.
والحب عمومًا يحدث هكذا،
من دون نوايا مبيتة،
تمامًا كحادث سير!.
الفارق الوحيد ربما أن الكثيرين
ينجون من حادث السير بلا أضرار.
أقول لك تعال ندخل الشتاء المُقبل معًا،
وأقترح أيضًا أن نجري بعض التعديلات
على هذا الفصل الغارق بالبلل، فمثلاً :
يمكنك هذه السنة أن تلبس قمصانًا صوفيًا نسجتها لك بيدي،
وأن تصنع لي قهوة بالماء الذي يتقطّرُ من شعرك،
وأن تستخدم أنفاسي لتُدفئ كفّيك الباردتين،
وأن نخمشَ الغيمات بضحكنا العالي فيسّاقط المطر أنّى جلسنا.
أمّا لون الثلج فأقترح أن نبقيه أبيض،
جميلُ أن يصير لون الثلج أبيض!.
هكذا، ومع هذه التعديلات التي يصعب
نشرها كلّها هنا على عموم القُراء،
ومع بعض الإضافات التي قد نجريها لاحقًا،
يمكن ترتيب شتاء لائق بعض الشيء،
ثم إننا لسنا مضطرين للتعامل مع الشروط المناخية،
ففي حال اتفقنا يمكن تحضير شتاء منزلي،
من دون انتظار التشرينين أو الكانونين!
المهم هُنا فقط أن تدرك كم من الوهج
يمكن أن ينجم عن علاقةٍ كهذه،
وكم من الموسيقى تندلع في أصابعي حين يرن هاتفك.
ولا أرُيد أن أثرثر كثيرًا بخصوص
الإرتباك الذي يجتاحني حين تضحك،
لك ضحكةٌ تخض دمي،
أقُلتُ لك ذلك؟ لا بأس..
أشعُر أني أريد تكرارها،
أنتَ رجُل تخضُّ دمي..
تخضُّ دمي وأنا في عمرٍ ما عاد يحتمل أي رجفة قلب،
جرّب إدّعك قلبي بكفّيك،
أُنظر كم هو منهـكٌ ومليء بالتجاعيد،
وأن نبضه أقرب للتثاؤب،
اضحك، اضحك بصوتٍ أعلى،
بصخبٍ أشد، رُجَّ الغرفة بالضحك.
خُضَّ دمي! خُضَّ دمي! خُضَّ دمي!.
أحتاجُك لأتوازن، ونحتاجُنا لنعيش!.

أعيشك
03-01-21, 08:25 AM
أنجبتني أُمي وأنا أُعاني مرضًا في الدم،
مرض وِراثي لا عِلاج له ويستمر لنهاية العُمر.
رقدت في المشفى لمُدة شهرين مُتتابعين،
أكتفيت بهما من الصراخ والإبر وتلك الأسلاك
الغريبة المُلتصقة بشكل مؤلم في يدي.
استبعد الجميع أن أبقى على قيّد الحياة.
لكن ها أنا الآن أكتُب لكم مُعاناتي الأولى،
والوحيدة والمُستمرة أيضًا.
عندما بلغت العامين لم أكُن كأي طفلة
تُحب اللعب وحضن أُمها.
لقد كُنت مُنغمسة في غُرفة قديمة من غُرف المنزل،
وحولي مناشف لففتُها على شكل أطفال.
لقد أعتنيت بدُمى المناشف أكثر من عنايتي بطفولتي آنذاك.
في الرابعة من عُمري أحببت الكُتب،
لقد كُنت أدخل مكتبة أبي خلسة وأقرأ بالمقلوب كُتبًا لا أفهمها.
جميع أطفال العائلة في ذلك الوقت كانوا مُنهمكين في
الركض بالشوارع وفي ممرات المنزل الضيّقة،
أما أنا فقد كُنت ساكنة وعقلي يركُض إلى
أماكن مازال يجهلها حتى الآن.
لازلت أذكُر عندما يُسافر أبي يسألني في مُكالمة هاتفية حنونة :
ماذا تُريدين أن أجلب لكِ معي؟.
كُنت أُجيبه بنبرة يحشوّها البُكاء والتحنان :
أُريد قصصًا يا أبي، أُجلب لي قصصًا جميلة معك.
وعندما يأتي كُنت أسلم عليه وأسأله عن كُتبي فيعطيني إياها.
ما ألبث أن أمسك بها حتى أركض لتلك الغرفة،
أتصفحها بِشغف ثم أبدأ في القراءة إلى أن أنام.
لقد كُنت طفلة ثرثارة بِطريقة تُزعج من حولي لدرجة أنني
أضطررت لمُحادثة بطانيتي ودرج ملابسي
بِلا إدراك إنها لن تُجيب علي.
وقت ما دخلت المدرسة تولت مُعلمة خاصة أمر تدريسي.
لكن كانت أحداثها معي نُقطة تحول
في أيامي التي أعيشها الآن.
كانت تضربني ضربًا مُبرحًا،
نعتتني بالغباء وجعلتني إجبارًا أكتُب
بيدي اليمين عوضًا عن اليسار،
بسبب التشدُد الديني الذي كانت تؤمن به.
أذكُر مرة أنها ألصقت على ظهري عِبارة : "أنا كسلانة"
وجميع أطفال المنزل يركضون خلفي وهم ينعتوني :
"يا كسلانة، يا كسلانة".
أصابتني لعنة التأتأه وباتت لا تخرج
مني كلمة إلا بصعوبة بالغة،
ضحك علي الأهل والزملاء في المدرسة.
رُبما حتى أنا سخرت من نفسي.
لم يكُن لديَّ صديقات في المدرسة.
كُنت منبوذة والكل يهرب من الحديث معي،
لأني شخص مُمل لا يتحدث.
أو بالأحرى أنا اتجنب الحديث مع الآخرين.
ولا أتحدث مع أحد بتاتًا،
بالكاد يسمعون صوتي بالمُشاركات بين الحصص.
لدرجة عرضت المُعلمة في المدرسة على أبي
بزيادتي لطبيب نفسي أو ماشابه.
لا أدري رُبما كان الكلام أكبر من حجم
فمي الصغير في ذلك الوقت.
أنهيتُ دراستي ولازلت لا أستطيع الإجابة عن حقيقتي.
ولا حتى فكّ تلك العُقدة في لساني.
أصبحت أكتُب بِكلتا اليدين.
أنا مازلت مُبهمة ولا أعرف وجهتي.

أعيشك
03-01-21, 03:47 PM
أعيشُ حياة بائِسة نوعًا ما،
وأيامًا عديدة.
لا شيء يُثير اهتمامي.
أمضي بِقلب لا يُبالي بأحد،
ولا يعمل لأحد، لكنهُ أحبّك.
هذه حقيقتي الواضحة.
حُبك الذي مهما أخفيته،
وجدته يظهر على ملامحي،
وعيناي وتفاصيل يومي،
وبين أصدقائي.
حُبك الشي الذي لا ينفك عني،
ولا يخرج مني مهما حاولت اخفاؤه.

أعيشك
03-02-21, 05:44 AM
كُل الآلام ليست إلا أشياءً صغيرةً تُشبه البالونات!.
ستتضخّم ثُم تنفجر وتتلاشى في نهاية الحِكاية،
وهذا ماكان تقوله والدتي الراحِلة كُلما رأت غيّمة
سوداء فوق رأسي كما أسمّتها، كانت تقصد أفكاري.
وأنا في الرابعة كُنت لا أُجيد رسم حرف اللام،
قالت لي وهي ترفع عصاها مُنعقفة الرأس :
أُنظري هكذا حرف اللام،
كُل ماعليكِ فعله هو قلبُ هذا العصا.
مرةً سقط قدرُ الماء المغلي قُربي مما تسبّب بحرقٍ واضح
على فخذي لتُهرع هي نحوي واضعةً معجون أسنانٍ فوقه مُرددة :
لا عليكِ، أظنّ الندوب جيّدة وإن كانت سيئة، المرء الذي لا
يملك ندوبًا لا يملك ذكريات، ستتذكرين هذا الحرق
ثُم تضحكين حين تكبرين، أعدُك.
في ظهيرةٍ لاسعة عُدت مرةً من المدرسة،
أخبرتُها أن مثانتي مُمتلئة وأرغب في شُرب الماء لتُصبح فارغة،
لم تفعل شيئًا هي غير الضحك حتّى بزغت عروق عُنقها،
ولم أفعل أنا شيئًا سوى الإستغراب،
ثُم قالت وهي تسترجع نفسها :
حمقاء، مثانتك مُمتلئة والماء سيُفجرها،
كُل ماعليكِ فعله هو إفراغها بالذهاب إلى دورة المياه،
ثُم عادت للضحك وهي تُردد : حمقاء يا بُني حمقاء.
ذهبت والدتي لتُترك لي شيئًا يُشبه البالون في صدري،
لكنه يختلف عنه في شيء!.
إنهُ لا ينفجر ولا يتلاشى،
هل تعلم ماذا تبقى لي منها بعد موتها؟.
مثانة أخشى امتلاءها هربًا من الذكريات.
نُدبة في فخذي تُبكيني لا تُضحكني كُلما رأيتها،
وإحساسُ يُشبه العصى في قلبي يضربني
كُلما هممتُ برسم حرف اللام.

أعيشك
03-02-21, 04:31 PM
وصفُ المُعجزات،
صلواتٌ ربي،
على حُسنك الأخاذ،
مطرٌ أنتَ،
وأنا أرضُ الرِمال التي
حلّت بركاتُ حُبك عليها.
صولجانٌ على عرشٍ،
لا يحكمُك سِوى
ذكاءُ عقلك،
ولا يملُكك سِوى
نبضُ قلبك العفيف.
كَكون عظيم.
ثمانية كواكبُ بك!
والتاسِعُ ذلك النور في مُحيّاك.
بُستان وردٍ طائِفي،
من هُنا وهُناك يفوحُ منك،
عطرُ رحيقك المُنعش.
أيازينةُ الحياة،
أنتَ البنينُ والبنات،
والمالُ الذي يغني في الحاجات.
في زوالِ التعس مني!
كأنك الشمس،
كقمرٍ يطوي عتمة النفس.
نسيتُ أمرًا ! أنتَ
كضبابِ بلدتي المُفضلة،
تنثُر الجمال على كُل الأرجاء،
كجبالِ ضِفافها،
تذهلُ العابرين وابتسامتكَ
مثلُها تمامًا تدهشُني.
كيف لي أن أحبّك ولا أكتُب؟
كنتُ لأصبح حقيرة،
بكَ عشقتُ يداي المفردَات.

أعيشك
03-03-21, 05:26 PM
أتعلم أن بالأمسِ قضيتُ ليلي الطويل لوحدي،
مشيتُ كثيرًا،
وكتبتُ الكثير من النصوص،
وبحثتُ عنك،
ولم أستطع إيجادك.
بقيتُ لوحدي حتى ظننتُ ولوهله
أن الأرض تُريد ابتلاعي.
قرأتُ الكثير من القصائِد،
فوجدتك تحت كلمات نِزار قبّاني.
وفي مُقدماتها أيضًا،
وجدتُك رجُلاً خشن،
يتلحفُ الكلمات،
ويتّبع الأُغنيات.
ووجدتُك ترحل آلاف المرات.
ووجدتني أسيرُ خلفك.
مثل سجينةُ مُكبلة بالأغلال بكُل أسى،
وحزينة، وبكُل إستسلام.
أسيرُ ورأسي للأسفل أُحدق في التُربة،
ولا أُريد أن أفسد فرحتها بِتساقط المطر.
فمن شدّة عطشها لم تشعُر بالفرق أبدًا،
بين عُذوبة ماء الغيّم وملح دموعي.

أعيشك
03-04-21, 04:38 AM
أنام وأنا خائِفة أن يضع
أحدهم يده على مقبض الباب،
مُحاولاً إقتحام عالمي.
الخطر يزورني من تطاير النافِذة.
ترتعد أطرافي وتنتابني رغبة في التقيؤ.
العالم أجمع يسكُن بداخلي.
لا أستطيع الإستيقاظ.
جاثوم الذعر فوق صدري.
أقترب من خط النهاية ولا أصل.
شيءُ خرج من العُمق،
رُبما دُخان الحنين والوجع في آنٍ واحد.
وعرفتُ أخيرًا بأنني لم أكُن سوى
جُزء مِما حدث في الغسق.
وتبقى أكبر صفعة أتلقاها إنني أصبحت
وحيدة بعدما كان يسكُن جسدي شخصُ آخر.

أعيشك
03-04-21, 02:57 PM
لم أفعل حتى الآن أشياء خارقة،
أشياءًا تسمح لمن حولي التغني بها.
ولا أملك صفات مُبهرة،
تدفع الجميع للتقرُب مني بسببها،
والتباهي بها أمام الملأ.
كُنت دائمًا هادئِة،
أصمُت طوال الوقت إلا ما نَدر.
جيّدة في إظهار المحبة لمن هم حولي،
وبارعة في جعلهم يشعرون بأنهم
أفضل ما وُجد على هذه الأرض.
أتحدث كثيرًا عن أبي،
ألطف سيّد على وجه الأرض وأوسمهم.
كُلما دخلت عليه صدفة إلى مكتبة،
وجدته يشدو أغاني عبدالحليم حافظ
بصوتٍ عذب لا أحد يمتلكه.
مايُخيفني هو تقدمه السريع في السن،
ولطالما تمنيت لو أملك مُعجزة تجعله
يصغر أكثر كُل مرة.
لا أعرف أُمي كما تنبغي.
أو أنني ولفرط ما عرفتها أردت أكثر
الإبتعاد عن كُل طريق يؤدي للحديث عنها.
امرأة صارمة مثل أولئك الذي تراهم على
شاشة التلفاز بوجهٍ غاضب على الدوام،
ولا تستطيع التقرب منها أو أن تعترض طريقها.
فيما مضى كُنت أحلم أن أحبها حينما أكبر،
لكني أكتشفت بأن كُل سنة تأخذني بعيدةً عنها أكثر فأكثر.
لأنها ليست موجودة بعد الآن، سِوى بِأحلامي.
أبدو لمن حولي قلبًا بإتساع السماء،
وأرقُ من نسمة الهواء،
وأخف من القطن.
رُغم كوني مليئة بالقلق،
ألا أنني أعرف كيف أهبهم الأمان بشكل دائِم.
فاشِلة جدًا في العلاقات،
ولا نصيب لي في الحُب أبدًا.
ذات مرة أحببتُ أحدهم رُغم كونه رائِعًا
ويملك تأثيرًا عذبًا في قلوب الآخرين،
إلا إنه لم يترُك في قلبي مساحة آمنة،
أكمل بها الطريق من بعده.
لا أُجيد التحدث عن لحظاتي السعيدة،
لأنها قلةُ ما عشتها.
وإن حدثت فإني أترُك قلبي يهيم في سماء
الله فرحًا لا أحد يُجاريه في التحليق.
روحي طفلة حين أفرح،
وحين أحزن أصبح امرأة طاعنة في السن،
تكسو التجاعيد روحي،
وفي أي لحظة أظُن أني سأترك مكاني
خاليًا رُغم أنه لن يشعُر بغيابي أحد.
لا ..
أبي سيفعل.
قال لي مرة أنّ حين أتأخر عند عودتي إلى المنزل،
يشعُر بالقلق والفراغ يُسيطران على المكان،
لذا أخشى على روحه من أن يتألم حين أختفي.
مُرهفة ألحسِ كُنت ولا أزال،
تبكيني النصوص التي أستمع إليها كُل ليله
قبل أن أنام وتتعذب روحي حين أستمع لقصة
فُراق حدثت في الطرف الآخر من الدُنيا.
لذلك أنا وحيدة دائمًا،
لخوفي من أن أعذّب من أُحب بِرقتي.

أعيشك
03-05-21, 05:10 AM
منذُ أن مرّت علي هذه العبارة من فيلم " Contagion " :
" الإنسان الطبيعي يلمس وجهه من 2000 إلى 3000
مرة في اليوم "، وأنا أخوض ما يشبه التحدّي.
مدفوعة بعدم التصديق أو صعوبة الإستيعاب.
إذْ بدأتُ أُراقب يديّ بإرتياب من يشتبه في أهل بيتي،
مُحاولًا اقتناص أدنى شاردةٍ وواردة تصدُر عنهما،
ومُحصيًا المرات التي ترتفع فيها أيَّ منهُما لتلمس وجهي.
وقد بلغتُ من التفاني في مُهمّتي حدّ أني لم أعرف إن كُنت
أفعلها خوفًا من إلتقاط العدوى، أو لمُجرد الشعور بالضجر.
في الأيام الثلاثة الأولى بقيت يداي مُستمّرتين في ظل هذا
الإنتباه الطارئ، وكأنّ الستار رُفع عنهما في لحظةٍ مُخلّة،
لكنني لم أمنعهُما تمامًا من لمس وجهي، وإنما قيّدت
حركتهما لتُصبحا في إطلاق سراحٍ مشروط.
فحين يأمر دماغي يديّ بأن يفرُك جفني،
تبرُز خطوة تحقّق إضافة قبل التنفيذ،
كخاصية الأمان في تطبيقات الهاتف.
إذ تطلب يدي في أجزاءٍ من الثانية إذنًا ثانيًا
مني قبل أن تُنفذ ما أُمرت به، وهكذا.
أُضيف شخطةً إضافية إلى خانة الإحصاء :
( 137 لمسة لهذا اليوم ).
في الأيام التالية لخصت إلى مُعظم الحالات التي
ألمس فيها وجهي مُباشرةً تنحصر في التالي :
حكّ العين أو الأنف - غسل الوجه والوضوء - هشّ الذباب -
تناول الطعام - إسناد الذقن والخد أثناء الشرود -
فتل الشعر - لمس الجبين تأثيرًا بالصُداع - عضّ عظمة
الأصابع أثناء كتابة تعبير - وبعض من اللمسات العارضة
اللاإرادية مثل حكّ الذقن لحظة التفوه بكذبةٍ بيضاء - ووقت
الضجر، وبالطبع اللمس الذي يحدُث أثناء نومي ولا أعرف عنه.
وقت عزمت على إيقاف هذه اللمسات
العبثية أو تقليلها إلى حد أدنى.
فصرت قاطعة طريقٍ بين يدي ووجهي،
وبنهاية اليوم السابع أوشكت أن أسجّل رقمًا غير مسبوق :
( 20 لمسة فقط ! ).
لولا أنّ رجُلًا وسيمًا أستوقفني
بينما كُنت أمشي على حافة الرصيف،
وسألني ما إذا كُنت أملك ولاعة،
ولا أدري لمَ وضعتُ يدي في حقيبتي وأنا لا أُدخن،
ولمَ ارتفعت يدي الأُخرى لتلمس وجهي ببلاهةٍ وبدون سبب،
قبل أن أعتذر منه وأمضي.
في تلك الليلة سمحتُ ليدي بأن تُصفعني على وجهي،
لكنني تقريبًا ..
لم أشعُر بشيء.
وضعتُ لنفسي هدفًا :
( عدم تجاوز 10 لمسات في اليوم ).
وتبعًا لذلك كيّفت نفسي على تقليص مرات الوضوء،
وتناول الطعام بالملعقة عوضًا عن اليد،
وتجاهُل الرغبات الملحّة بحك أجزاء مُتفرقة من الوجه.
بدأ دماغي يفهمني.
وذبلت يداي في جيوبي.
أما وجهي فصار مكانًا مُنزهًا.
تغشاه السكينة.
كرأس جبلٍ توارى خلف السُحب.
ولاحظت أنه يزداد خفّة وتطلُّعًا وكأنه يوشك أن ينفلت.
كان يكفي أن أنظُر إلى نقطةٍ بعيدة لأشعر أنه
يتحرّر مني مثل غزالةٍ تعدو وتختفي في الأُفق.
في تلك الفترة كُنت منشغلة بنفسي أكثر من أي وقتٍ مضى.
أمشي بحذرٍ وبصري في الأرض.
ولا أنتبه لمن يُناديني من أول مرة.
وكُنت أعلم أن هذا اليوم ( الخامس عشر ) سوف يأتي،
إذ قرّرت ألا ألمس وجهي أبدًا لـ 24 ساعة كاملة،
ولم يعُد الأمر بدافع الوقاية أو التحدّي،
بل لأنني أصبحتُ أشعر بمهابةٍ تتعاظم يومًا بعد يوم
إتجاه وجهي، وأدركتُ أنه يملك حياته الخاصة،
وكلّ لمسةٍ تعُد تدخلًا سافرًا في شؤونه.
عزلتُ نفسي في غُرفتي كالمُعتاد وظللتُ دون نوم
لـ 24 ساعة، ودون تناول أي طعامٍ أو شراب.
وحين استلقيتُ على ظهري،
انفصل وجهي عني كنفثة دُخان،
وظلّ طافيًا فوقي للحظات قبل أن يُغادرني إلى الأبد.
أعلم أن كثيرين ما زالوا يرون وجهي في مكانه،
لكن قد يخفى عليهم أنّ ما يرونه ليس سوى أثر،
مثل نسخةٍ باهتة من أوراق الكربون،
أما الوجه الأصل فلهُ روحه المُستقلة.
وقد يُغادرك حين تدعه وشأنه.
ولن يفهم ما أعنيه إلا قلةٌ ممن عاشوا نفس تجربتي.
كان أبي أول من لاحظ شحوبي،
وأرجع ذلك إلى سوء تغذيتي موبّخ إياي على إهمالي.
وحين كان أحدهم ينظر إليّ في الشارع أو مكانٍ ما،
أشعُر أن نظراته تسقط في هاويةٍ كان وجهي يسترها من قبل.
أما الحكّة التي تعتريني فجاءةً في أنفي أو خدي،
فصارت مُجرد تنميلٍ لشيءٍ لم يعُد موجودًا.
أحيانًا كُنت أقف أمام المرآة وأتأمّل انعكاسي الواهِن،
وأتساءل أين يُمكن أن يكون وجهي الآن؟.
وما الذي يفعله؟.
لعله يتشبث بغيمة،
أو يطفو على سطح المُحيط،
أو يسكنُ شُرفة رجُل وحيّد،
أو يخوضُ حربًا.
ولا أستبعد أن يكون قد التصق بوجه فتاةٍ أقلّ شرودًا مني.
وكثيرًا ما كُنت أُحاول أن أتذكّر ملمسة دون جدوى،
فلم يبقَ لي منه سوى إسفنجةٍ منزوعة الروح،
تزداد انكماشًا يومًا بعد يوم.
وذات ليلة استيقظت من نومي مُنتقضة
وشاعرة بحنينٍ جارف لشيءٍ لا أعرفه.
وعلمت على يقين أنّ وجهي عاد إليّ،
تمامًا مثلما علمت أنه غادرني من قبل.
خفق قلبي بشدّة،
وهممتُ أن ألمسه لأول مرةٍ منذُ شهر،
لكنني ..
لم أجد يدي.

أعيشك
03-06-21, 07:50 AM
مرحبًا،
أنا " أعيشك " (إسمي الحقيقي)،
ولستُ " أعيشك " في الحقيقة،
لكن هكذا يدعونني،
حتّى وأنا مُنكبّة على وجهي،
وصوت أنيني يخترق الأرض.
يخرج أحدهم من الطرف الآخر،
وما أن يراني حتّى يصرُخ بي :
" يا أعيشك! ".
السعادة ليست صفة ذميمة،
بل هي أثمن ماقد يحصل عليه المرء في حياته،
ويودّ لو أن تكون أبديّة.
لكن أنت أيضًا بحاجة لأن تتخلّى
عنها لفترات لكي تشعُر بها،
وأن تخوض نقيضها لتبلغ لذّتها.
كُل شيء ستسئم منه إذا ما أقترن بِك على الدوام،
ولاسيما الأسماء،
أشعُر وكأنها إهانة حين يُناديني أحدهم
بإسمي وأنا أمرُّ بشعورٍ مُعاكس له.
لم أُحب إسمي هذا أبدًا،
لكنني لم أرغب بتغييره،
أنا مُجبرة على العيش به.
أُريد فقط بين فترة وأُخرى أن أخرج من عباءته،
أن أنسى كوني " أعيشك " لبُرهه،
وأعيش مع حُزني دون أن يُعكّر صفوه أحد،
ويهرب قبل أن ينتهي منّي تاركًا أحماله عليّ مُترادفة.
إنني أحلم فقط بأن يُصدق حُزني الآخرون،
بأن أُجيد لحظات ضعفي مُدونة في الكُتب والأغاني،
ومُختلف الفنون بشكل طبيعي كالبقية،
لم أجد نفسي بالقُرب منه أبدًا،
كُلّما التجأت إلى مكان وجدتني بعيدة عنه،
مُضادة ونقيضة له.
رُغم كوني مُلتصقة به،
رُغم كُل هذا،
أجد الآخرون يتذمّرون عندما لا
أُجيب على نداءتهم بين حين وآخر،
أي عندما لا أكون " أعيشك "،
لا أُجيب لأنني لستُ كذلك،
ولا أشعُر بأن علي أن أركض خلفهم لأخبرهم بأنه
بعد وقت قصير قد أعود " أعيشك " كما كُنت،
أو أعّلّق لوحة خلف ظهري وأكتب عليها " أعيشك حزينة ".

أعيشك
03-06-21, 01:58 PM
روحي في قلبي، في حلقي،
وحتى في أصابع يدي،
تسري الكهرباء الإستاتيكية فيها،
أضمٌ قبضتي بقوة داخل جيوب سُترتي،
وأكمل السير.

.

-أعيشك، في لوحة فنية.-

.

https://www7.0zz0.com/2021/03/06/13/538802095.jpeg

أعيشك
03-07-21, 04:40 AM
لو شاء الله أن يهبني شيئًا من حياة أخرى،
فسوف أستثمرها بكُل قواي.
رُبما لن أقول كُل ما أفكر به،
لكنني حتمًا سأُفكر في كل ما سأقوله.
سأمنح الأشياء قيمتها،
لا لما تمثله، بل لما تعنيه.
سأنام قليلًا، وأحلم كثيرًا،
مدركة أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا
تعني خسارة ستين ثانية من النور.
سأسير فيما يتوقف الآخرون،
وسأصحو فيما الكل نيام.
لو شاء ربي أن يهبني حياة أخرى،
فسأرتدي ملابس بسيطة وأستلقي على الأرض،
سأُبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون
أنهم لن يكونوا عُشاقًا متى شاخوا،
دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق.

أعيشك
03-07-21, 05:24 PM
بدأت ملامحي تتغير،
فقد لاحظتُ بأن المنطقة
التي أسفل عيناي متورّمة،
لستُ أعلم أسباب ذلك،
ولكنّه من المرجح أن يكون سبب
ذلك واحد من الأسباب التالية،
قد يكون سبب ذلك السهر،
وقد يكون سبب ذلك الوحدة.
ولكن لديّ ملاحظة بسيطة،
إن السبب الأول الذي ذكرته
هو أيضًا مُقترن بالسبب الآخر
الذي أعتقد ربّما هو أسباب كُل
ذلك الذي يحصل معي وبي.

أعيشك
03-08-21, 04:23 AM
دخلتُ في حالةٍ من الكآبة والإنقطاع عن العالم،
فغالبًا عندما أجلس مع الناس،
سواءً كانوا طيبين أو أشرارًا،
تتعطل حواسي عن العمل،
تتعبُ حواسي فأستسلم،
ولأني مُهذّبة أهزُّ لهم رأسي،
وأتظاهرُ بأني أفهم ما يقولونه،
لكيلا أجرح أحد.
هذه نُقطة ضعفي الوحيدة التي
أقحمتني في مشاكل عديدة،
أُحاول أن أكون لطيفة مع الجميع،
إلى درجةٍ تتمزق فيها روحي،
وتتحوّل إلى نوع من المعكرونة الروحية.
حتى بعد أن يتوقف دماغي عن العمل،
أُصغي إليهم وأستجيب،
وغالبًا ما يكونون حمقى بشكلٍ لا
ينتبهون فيه إلى أني في مكانٍ آخر.

أعيشك
03-09-21, 04:36 AM
عندما فكرت في كتابة مُدونتي،
أحسست أنني أُريد أن أصرُخ،
بكُل ماحدث في عُمري مرة واحدة،
حُب، وفاء، مرض، خيانة، صداقة، ألم
سعادة، رحلات إلى مُعظم بلاد الدُنيا.
بإختصار،
الحياة رحلة رائعة بكُل مافيها من آلام،
والآن أُحاول بهدوء أن أحكي للمُدونة حكايتي.

أعيشك
03-09-21, 07:49 PM
حسنًا ..
سأكونُ مُديّنة وأخضعُ لشروطك.
سأتخلى عن مبادئي ومدينتي،
وأترك خلفي كُل مايُقال عني!
سأبتعد عن أهلي، أقاربي،
وأسكن معك حيثُ تسكن!
سأتخلى عن حياتي الزاهية،
عن الإستيقاظ مُبكرًا،
عن الرجال الذين يُحاولون التواصل معي،
سأتخلى عن نفسي، وأستبدلني بامرأة أُخرى.
امرأة مُفصلة كما تشاء!
سأتعلم أن آكل الوجبات دون أن تتسخ ملابسي،
وسأتناول المعكرونة بالشوكة،
وأستخدم الملعقة بدلًا من أن تغطس يدي في صحن الأرز.
سأكون مُهذبة حين آكل، ولن أستخدم كلتا اليدين!
سأكون امرأة مُفصلة كما تشاء!
امرأة تحضنك حين تنام، وتغمض عينيها حين تُقبلها.
امرأة تعطش بعد تقبيلك، وترتوي حين تشرب!
لن أكون فظّة.
لن أغضب منك أبدًا عندما تصرُخ.
سأضحك حين تقول نكتة سمعتها قبل أن تلِد.
سأُخبرك في كُل ساعة إنك وسيم، وإن القمر يغار منك!
ولن أعارضك من أي شيء تود فعله!
سأُسافر معك إلى طوكيو،
ومن ثُم أوروبا، وسنمر برلين،
سنذهب إلى "البرنابيو" في أسبانيا،
وإلى "الأنفيلد" في أنجلترا.
سأجعلك مع جماهير الليفر "لن تسير وحيدًا" تهتف!
سأكتب عنك رواية.
وستكون قصيدتي الوحيدة في حياتي عنك!
سأتغزل بك كُل ليلة.
سأجعل الوسيمين والمُمثلين والفنانين يغارون منك،
بما فيهم كيفانش، دورنان، هيمسورث، وزين مالك!
سأكون لصيقةً بك، سأكون فيك ومنك.
أُقسم برب الشعر، ورب الرواية، ورب القصة والأدب.
سأكون أنت!
وأن لم أستطع،
سأكون لك كُل أشباهك الأربعين!
لن أُفكر يومًا بخيانتك، وسأتخلى عن هاتفي لأجلك،
ولن أستخدم الإنترنت في حضورك.
ولكن ..
لأكون صادقة، لن يدوم هذا إلى الأبد.
سأفعل ذلك كُل ما وعدتك.
ولكن سيستمر هذا القِناع لعام فقط، وربما عامين!
بعد ذلك ..
بعد أن أرتشِف من ريقك، وأثمُل من كأسك،
وأشبع من حُسنك،
سأعود لِمدينتي، وأترك الخيار لك.
ستأتي أو ترفض!
فإن رفضت،
سينتهي كُل شيء وسأستبدلك برجُل ريفي.
رجُل يحمل إسطوانة الغاز فوق كتفه!
ويقول لي كوني مؤدبة حين أُغازله!
رجُل لا يمتلك هاتفًا جديدًا، لا شيء.
ولا يفعل شيئًا واحدًا مما تفعل!
وإن أتيت معي،
ستفعل مثله،
ولن تراني بربطة الشعر السخيفة هُناك!
سأكون أنا، عصبية أحيانًا.
لطيفة مرارًا، فقيرة دائمًا.
لستُ المرأة التي بها تحلم!
لن أعدك بتلبية ما تطلب،
ولن أطهي ما تشتهيه.
كُل ما أستطيع أن أعدك به حينها،
فقط أن أُكافح كي تُسعد!
هذه وعودي، وهذه أنا يا سيدي.
فهل تقبل؟.

أعيشك
03-10-21, 05:31 AM
عندما أكبر سأستبدل سرير بآخر
من حديد كلاسيكي جدًا،
أو استبدله بأريكة أشعُر فيها
بعدم الاستقرار أو الراحة الكاملة،
المهم أني سأستبدله بشيء يشعرني
بأن علي ألّا أُطيل البقاء في مكانٍ واحد.
وطاولة جانبية من ذات اللون الرصاصي
الفاتح جدًا، أترك عليها عُلب الدواء،
فأكيد أني سأحتاج إلى أدوية.
الحياة لن تتركني أكبر مُتعافية،
لا بُد من أن أمرض.
لن أحتاج بيتًا كبيرًا وغُرف كثيرة وقتها،
يكفي أن أسكُن بيت بغرفة واحدة فقط،
حتى المطبخ لن أحتاج إليه،
لن آكل كثيرًا،
فقط لقمة بسيطة،
حتى لا أتناول الدواء بِمعدة فارغة.
ستكون النافذة أكبر ودون ستائر،
سأكون بحاجة إلى أُكسجين أكثر،
أكيد أن النافذة لن تكون مُطلة على بحر،
ولا على حديقة ولا على منظر طبيعي كما في الأفلام،
ستكون غرفتي في الطابق الثاني،
أو الثالث أو الرابع رُبما،
المُهم أني أُريدها صغيرة ومُشمسة كثيرًا،
سأصبغ أحد الجُدران باللون الأزرق الغامق،
وسأتركه دون ساعة حائط،
لا أُريد أن أشعُر بالوقت الأخير المنساب والمُتدفق.
في أحد عُلب الماء البلاستيكية سأضع ساق
" بامبو " طويل وأعتني به،
لن يحتاج أن أُضيف له الماء كُل يوم.
مؤكد أني لن أستطيع الحركة بسهولة حينها،
لذلك أُفضل هذا النوع من النباتات.
سأسهر كثيرًا كما أفعل الآن وأنام ساعات كثيرة
جدًا أيضًا وعندما أستيقظ من النوم لن أنهض من
السرير بسرعة، سأبقى في مكاني لبعض الوقت،
لا أعرف لماذا لكن أُحب ذلك الشعور،
شعور باليقظة بعد النوم، لأني سأنام طويلًا على أي حال.
سأُقلص عدد الأشخاص الذين عليّ مُقابلتهم،
لن أجعل أحدهم يضطر لأن يُعيد كلامه
مرتين لأني لم أسمعه،
أو يضطر لمُساعدتي حتى أصل إلى الغُرفة،
لن أستخدم التلفاز مُطلقًا، ولا المرآة.
لن أُشارك جيل ذلك الوقت،
فأُصاب بالحرج من قلة المعرفة،
أو يُصابون بالعناء لأني لا أعرف.
لن أحتفظ بشيء من الماضي،
سأتخلص من الهاتف ومن المحمول،
ومن مُذكراتي القديمة،
ومن جميع اللوحات،
حتى الكُتب سأتخلص منها.
عندما أكبر سأكون بمُفردي،
سيهدأ الضجيج،
سيعُم السكون غرفتي،
ستتناقص عدد الرغبات التي علي أن أُحققها،
سأتجه نحو النقص والتقليل والتقلص،
ستقل رغبتي في التبضع،
في اقتناء الأشياء،
سأهتم بالأفكار،
سيكون هذا الطور مُناسب جدًا للأفكار،
لا أُريد أن أصبح مريضة جدًا عندما أكبر،
وكثيرة الكلام والسأم،
سأكون أكثر هدوءًا وسكينة،
سأنصُت،
سأقرا الجرائِد كُلما شعرت بالوحدة،
لكن لن أبحث عن شيء، أو معاني.
سأشرب القهوة أكثر،
ستتحول هذه الغرفة إلى صحن ضخم،
وسأتحول بدوري إلى شمعة،
سأذوب تدريجيًا مثلها أيضًا،
لا أُريد أن يشعر بموتي أحد.

أعيشك
03-11-21, 04:39 AM
يَدي الملوثة بخطايا روحي الهامِدة،
لم تعلم ولو مرةً واحدة أنها تملسُ قلبًا طيبًا وبسيط.
أمضي كنتُ مرارًا والجراحُ تتلوّن ولكن ببُطء.
كانت على شكلِ إغتِباط،
ومرةً على هيئةِ استبشار أنّ سنين الأسى انتهت،
لا ينتَهي المُرّ،
وهذا أمرٌ لابُدّ من ادراكهِ جميعًا،
نحنُ هُنا على هذا الوحلِ جميعًا حتى نموت،
نعم ستأتي لحظةٌ نتهلّل بها،
سنرى الدُنيا مراتٍ وكأنها نُسخة من الجنّة،
لكنَ كُل ذلك جزءٌ من الحُزن.
لعلّك لا تعلم!
منذُ الخطوة الأولى للبشرية على هذه الأرض،
كُتِب لنا المشقة حتى يُنادي ربّ العباد لكلِ واحد منا،
في يومٍ مُرتقب،
وحينها الأعمال الحسنة للإله هي التي
ستُحدد الحياة الأبدية كيفَ ستكون.
في مشيئةِ الأقدار اختيرَ لي أن أكون حزينة دائمًا،
وعامٌ الإلهام كان هو البداية لهذا الوهَن،
فمنذُ أن تُوفيت صديقتي،
والبشاعةُ تحتوي داري ومداري.
أصبح كُل شيءٍ سيء ويُشبه ذلك،
تتابُع الليل والنهار،
الشمسُ كالسراب،
والقمر كالأمل الذي يسدل الستار على الدموع.
مازلتُ أُعاني خطيئة يدي الأولى،
نسيتُ أنّي في الدُنيا،
أنّي بشريّة وعلي أن أشعُر بكُل ما يُنهيني،
لستُ شجرة عليها فقط أن تكون ساكِنة إلى الفناء،
وليتني كذلك،
لكي لا ألوّث حائط حُجرتي بما قادتني إليه أيامي.
لكنّني كاتبة!
وهذا الأمر هو أكثر ما يُنعِش الأمل بداخلي،
وأقول : أنّ غدًا أجمل.
ما مِن مفرّ.
أشعُر بأني سأموتُ وأنا أُفكر كيف سيكون بؤسُ القبر!
وسأنسى الشهادة.

أعيشك
03-12-21, 04:35 AM
أدمنت رائِحة حياتي الخاصة،
تداخُل الألوان،
امتزاجها ببعض،
الأشكال التي تظهر على اللوحات،
كُنت أُحدث نفسي،
أن صوت الألوان أعمق وأصدق.
وأن كُل صوت لابُد أن يكون له فم،
وفم الألوان هو نفسه فم الروح الإنسانية،
إن ما يُميز هذا الفم الفني إنه لا يكُف
عن الصُراخ حتى يملأ كُل اللوحات الفارغة
بِهموم أصحابها، وأحزانهم، وأفكارهم،
وعوالمهم التي يرغبون العيش فيها.
لاحظت بعد عدّة مرات أُصبح مُتعافية،
أن الأشياء التي تُزعجني حين أرسمها، تختفي،
كأنها لا تستطيع البقاء في ذات المكان مرتين.
وحين وصلت إلى هذه الرؤية،
قفزت من مكاني، فرِحة، أُعجبت بنفسي،
وأُعجبت أيضًا بتلك القوة الخارقة التي أملكها.
خطر ببالي أن أُطبقها على الكائنات الحية،
بدأت بالحيوان، رسمتُ كلب، ثُم نمتُ بعد ذلك.
حين استيقظت ركضتُ أبحث عنه في كُل مكان،
لكن أبي أخبرني أنه لم يرني منذُ البارحة،
فجن جنوني وحصل ما كُنت أُفكر به.
تشاجرتُ ذات يوم مع عمتي التي شتمتني
واستحقرتني وتلفظت عليّ بألفاظ نابية :
" أنتِ عديمة جدوى، لا فائدة منكِ، مثلك مثل
الحيوان الذي يعيش ليأكُل ويشرب فقط. "
يومها حاولت عمتي أن تُهدئ الوضع بيننا
غير أن ثمن الدفاع صفعة تلقتها على وجهها،
لأنها بنظري هي من أوصلت أبنه أخيها إلى
هذا الحد من الإستهتار والتسيُب.
كُنت غاضبة جدًا من عمتي،
فكرت أن أنتقم منها،
سارعتُ إلى فُرشاتي،
تناولتها وبدأت برسمها،
حين انتهيت منها،
ابتعدت قليلًا عن اللوحة،
ثُم خاطبتها : "وداعًا عمتي، أنتِ شخص مُزعج، لذلك
كان لزامًا علي أن أُساهم في تخليص الحياة من أمثالك."
بعد هذه الحادثة قاتلتُ بالألوان كُل الأشياء التي
تُزعجني وتؤذيني.
أصبحت مُجرمة خفيّة،
أُنفذ جرائِمي دون أن أُغادر مكاني،
أو أن أُلوث يداي بِدم الضحايا،
تفاقم الأمر،
وأصبحتُ أكثر عداءً من ذي قبل،
وزادت المُشاحنات والمُشاجرات بيني وبين أفراد الأُسرة،
حتى أنني تخلصت منهم جميعًا بذات الطريقة،
فعشتُ وحيدة بين جُدران غُرفتي ولوحاتي.
شعرتُ بعد فترة طويلة بالوحشة والذنب،
لم أذق طعم الراحة منذُ أيام،
ولم يعُد لديّ أي رغبة في الحياة،
أُصبت بالإكتئاب،
الدوامة السوداء،
كُسرت وحطمتُ كُل شيء،
قذفتُ اللوحات،
رميتُ الفُرش،
دلقتُ سطول الألوان،
وفي وسط هذه الفوضى توقف فجاءة.
سحبتُ لوحة كانت مركونة خلف الباب،
وبدأت برسم بجنون ودون وعي مني،
استغرقت رسم اللوحة يومًا كاملًا.
قالت لي عمتي وهي تتحسس اللوحة بأطراف
أصابعها تُمررها تارة بين أنفه وعينيه وشعره :
" ليتني أراه لو مرة واحدة. "

أعيشك
03-13-21, 04:45 AM
في الساعات الأخيرة من الليل،
المنزل أصبح أكثر كتابة وكادت
أصابع الوسواس الموُحِشة تخنُقني،
قمتُ بفتح الباب وخرجت
لأبحث عن هواءٌ طلق كي يُنقذني.
قطعت طريقًا طويلًا دون أن أشعُر،
كانت دوامة الأفكار تُرافقني،
والحدس المُميت يسكُنني،
وجدتُ في طريقي شجرةً كبيرة،
أغصانُها كثيرة،
جلستُ بِقُربها،
أكتب على الرمل ما أخاف منه،
وما أخاف فُقدانه،
ما أرغبُ به،
وما أُود نسيانه.
وإذا بِزخات المطر تُربت على كتفي،
نظرتُ إلى السماء وتمنيتُ
أن يمسح هذا المطر على وجهي،
أن يختلط ويُعانق دموعي.
زاد المطر وصوت الرعد وأصبح أكثر رُعبًا،
أين أذهب؟ أين أختبئ؟ طريق المنزل طويل
والمطر يزداد وأصوات الكِلاب تتكاثر،
بدأت بالمشي خلف الشجرة
أبحث عن مكان لأختبئ بِه،
وإذا بنورًا خافت يأتي من آخر الممر،
لا يوجد حلٌ آخر إلا أن اتبعه.
وعند وصولي له، وجدتُ شاحنةً كبيرة،
لكن الأشجار كانت تُغطيها،
أبعدتُ الأشجار بِغضب،
فتحتُ باب الشاحنة بِشدة وقمتُ بإقفال الباب بإحكام،
ونزعتُ قميصي المُبلل وبدأت بِعصره،
وكنتُ اتمنى لو كان هذا عقلي الذي أعصره،
حتى أتخلص من هذا العقل المحشو بالهلوسة.
وضعت قميصي بِجانبي،
أرتعدُ من شدة البرد ومن شدة الخوف.
نظرتُ إلى الجهة الأُخرى حتى أبحث عن شيئًا يُغطيني،
كانت الكارثة هُناك ..
شخصٌ يجلس بقُربي وينظر إليَّ بنظرة مُتعة وإشتِهاء!.
كان ثملًا ورائحة النبيذ والسجائر التي لم أنتبه لها،
سبب الهلع تفوح منه،
أُفكر بالنزول ولكن أصوات الكِلاب تُخيفني،
وهذا الرجُل الغريب الذي بِجانبي يُخيفني أيضًا.
أقترب إليَّ، وبدأ بالحديث بِجوف أُذني،
كنتُ مُستسلمة تمامًا إلى ما يقوله،
يُثرثر كثيرًا بلسانٍ أَلكَن لكنني لم أفهم حديثه،
كلمة واحدة سمعتها جيدًا لكنني لم أعُد أفهم مايقصد.
( أفكارك سوف تلتهمك ) يقولها بصوتٍ وَطِئ وهو يُقهقه،
ابتعد، وبدأ يقود الشاحنة مَرَّةً ينظر إليّ ومَرَّةً ينظر إلى الطريق.
هذا الطريق أعرفهُ جيدًا، انهُ طريق المنزل!.
وإذا أرى والدي على حافة الطريق،
بدأتُ بالصُراخ، أصرُخ بصوتٍ عالٍ،
ولكن الذي أخافني كثيرًا إذا بِوالدي ينظر إليَّ نظرة قاسية،
والرجُل المجنون الذي بِجانبي يتَبسّم،
لم أتوقف عن الصُراخ،
الشاحنة توقفت فجاءة،
أمسكَ هذا الرجُل بيديَّ بِشدة،
يُحدق إليَّ وعينيه تتحدثُ معي،
ثم قال : هل تعلمين من أنا؟.
صمِتت ..
يُردد : هل تعلمين من أنا؟.
قلت له وبِصوتٍ مُرتعب : من أنت!!.
ردَ قائِلاً :
أنا أفكارك المُوحِشة التي سوف تلتهمك،
أفكارك التي سوف تُحطمك،
أفكارك التي تنهش بِداخلك،
أفكارك التي تتحكم بِك،
أفكارك التي جعلتك تخرجين من المنزل في هذا الوقت،
أنا جيشُ من جيوش أفكارك التي جعلت منكِ شخصًا تابعًا لي.
ثُم قام بِفتح باب الشاحنة لي، يُأشر إلى البعيد ويقول :
هُناك يوجد طريق واحد فقط،
طريق مليئ بجيشُ من جيوش أفكارك المُوحِشة،
وأنتِ من تُقررين يا تكوني تابعةً لها، أو قائدًا لهذه الجيوش،
لا والدك ولا الجميع يستطيعون مُساعدتك،
وحدك من تُقررين.
أيقنتُ أنني كنتُ طعامًا هشًا لهذه الجيوش.
أغمضتُ عيناي،
أدرتُ ظهري لهذه الأفكار التي بُنيت من الخيال،
واخترتُ أن أكون قائدًا صارمًا وعادلًا،
مع نفسي ومع جيوش أفكاري.

أعيشك
03-13-21, 07:35 PM
جمعتُ في صندوقٍ قديم،
الأحذية الناقِصة التي عثرتُ عليها.
كنتُ أميل إلى الطريق،
وأسير أغلب الأحيان مُطأطأة الرأس،
كوّنت مُلاحظات هامة عن تفاصيل
صغيرة لم يُلاحظها أحد سواي.
أصبحت خبيرة في أماكن تجمهر القطع الناقصة،
أعرف "لماذا أسقط، ومتى سأسقط، وأين سأسقط".
وحين أجد ما أُريد،
أُكافئ نفسي،
أفرُش ذراعيّ وأدور حول المكان بِحركات بهلوانية.
أعجبتني فكرة حصولي على الأشياء المُستخدمة،
فأتنازل بذلك على أن أكون أول من تتلف،
وأول من تستخدم،
وأول من تُمزق،
وأول من تسقط منها الأشياء، وتضيع.
لم تعُد تروق لي الأحذية الجديدة، أو بالأحرى،
لم أعُد استئلِف أن تكون للحذاء زوجٌ آخر.
وانعكس ذلك على حياتي التي عُشتها بِمُفردي.
ذات مرة، جربت استخدام يدي اليُمنى في تنفيذ شؤوني،
وفي يومٍ من الأيام قررت أن أرى الأشياء
بعينيّ اليُسرى فقط.
ومرة سديت إحدى أُذنيّ بالقطن
وانصتّ للأصوات بأذن واحدة.
ولم تقتصر هذه الثيمة الفردانية على الإستخدام،
بل تماديت بذلك، وانعزلت عن مُشاركة الآخرين آرائي،
أفكاري، همومي، مشاكلي، مشاعري.
أشعُر بأنني كائنة مثيولوجية مخلوقة من الأقاويل.
لقد بلغتُ ذروتي في حُب هذه العادة الغريبة،
وأدمنتُ الأثر العالق أسفل الأحذية التي أحصل عليه.
كنت أكتشف نوع الطُرقات التي أسلكها،
وإلى أي الطبقات الإجتماعية أنتمي.
استمريت على هذا الحال لأعوام طويلة،
ولأن الصندوق لم يعُد يكفي،
خصصتُ في منزلي غُرفة خاصة لها.
جربت ذات يوم إرتداء واحدة منها،
ذهبت بالحذاء إلى أماكن أُحبها،
شككت يومها أن الأحذية تمتلك ذاكرة تقودني إلى ماضييّ.
" للحذاء ماضٍ أيضًا، ومؤكد أن لهم بيت وأُناس،
ومُناسبات خاصة، وأصدقاء كالبشر، ومن خلال جودتها
أستطيع أن أُخمن كم بلغ عُمر ارتدائها،
ومقاساتها تُشير إلى نوع صاحبها، هذه الأحذية فاتنة ".
وبعد أن وصلت إلى هذا التحليل،
شعرت بنشوة عارمة،
بينما الحِذاء كان يسير بي،
وفي كُل خطوة أُلاحظ أن سرعتي تزداد أكثر،
انقلبت الموازين،
أصبحت القيادة بأمر الحذاء، لا بأمرٍ مني.
سيطرت الحذاء على إرادتي،
لم أعُد أعرف ما الذي يحدُث معي،
غير أن السير أصبح ركضًا!
لأن الحذاء يرغب بذلك،
كنتُ أقع، أتعثر، أرتطم بالأشياء التي تعترض طريقي،
فاقدة للسيطرة، فاقدة خياراتي أيضًا،
مخرجي الطارئ هو إتمام المُهمة.
حين وصلت إلى المكان، توقف الحذاء،
تغيرت ملامح وجهي،
تعرقت جبيني،
وسرت رعدة مُخيفة بِجسدي،
وبِشتى الوسائل حاولت أن أتخلص منه،
حركتُ قدمي،
وبإحباط خاطبت حذائي :
" ليس هُنا، تقدم هيّا، لا تضعني بهذا الموقف،
تقدم يا صديقي، ساعدني، أرجوك ".
حاولت تحريك قدمي، تخلصيها من الحِذاء،
لكن عبثًا،
باءت كُل مُحاولاتي بالفشل،
فقدت توازني،
ثم سقطت على الأرض، مهزومة،
أصرُخ في مكان الحادث القديم،
الذي خَسر به قدمي.

أعيشك
03-14-21, 04:33 AM
فتشتُ عنه في كُل مكان،
لكنني لم أجد دليلًا واحدًا،
يؤكد أنه قضى الليلة الماضية بجواري.
كان يظهر في حياتي في الوقت المُناسب،
تردد عليَّ كثيرًا،
ولم يحدُث بيننا شيء يدعو للخزي والعار.
كانت زيارته شفاءً عاجلًا.
أحببتُه لكنني لا أعلم لماذا،
وقلتُ مرة لنفسي :
" السبب الوجيه للحُب هو أننا لا نعلم ."
في الأيام التي تشغُلني زيارات الأقارب والأصدقاء،
لا يأتي،
لأن السهر كان يمتد حتى مُنتصف الليل،
فأسقط في نومي دونَ حِراك،
عرفتُ ذلك بعد مرات مُتعاقبة،
فكرهت أن أنام بِلا تفكير،
لأنني أُغلق الأبواب بوجه قدومه.
هو ابن أفكاري،
وليد أحزاني،
المخلوق من الخلوة،
يجب أن أُتيح فرصة ضعفي،
وببساطة، يجب أن أقود نفسي إلى مرحلة الإنهيار،
ليحضر هو فتحضر معه أساليب النجاة.
أحببتُ أحزاني،
فمن خلالي خصصت له موعدًا في حياتي،
قُلت في اليوم الذي غاب عني :
" عليّ أن أجد مصادر الألم، يجب أن أخلقها في حياتي،
يجب أن يكون لدي وجعٌ عظيم، فبمقاس الوجع، يُقاس وجوده،
وإن استطعت أن أُوزعه على الأيام بالتساوي، سأضمن
حضوره كُل ليله، آه لو يعلم الناس أن الحزن من مباهج الحياة،
وأن السعادة كُل السعادة هي الشقاء نفسه ."
في زيارته الأخيرة، كُنت قد تلقيت خبر وفاة جدي،
ولأن الحزن هذه المرة قد تلبسني تمامًا،
شعرتُ أنني متورطة بهذا الفقد،
وأنا بذاتي ضليعة في أحداث هذا الوجع الفائق.
جاء لزيارتي في الوقت المُناسب،
دار بيننا حديثُ طويل في غُرفة جدي،
انتهى بالسؤال عن مكان إقامته واسمه وماذا يعمل.
أجاب يومها أنه لن يخبرني إلا في اللحظة التي
سأدخل بها في نومٍ عميق.
بعدها تعرضتُ لمواقف مُحزنة كثيرًا،
لكنه لم يحضر كعادته،
ضاق صدري،
فجن جنوني،
وما عاد يهمني التكتم على قدومه،
سألت كُل أفراد الأُسرة عنه :
" هل لاحظتم قدوم أحد؟
هل رأيتم صديقي الذي يتسلل ليلًا إلى غرفتي؟
رسالة؟ شيئًا ما يدل على دخول شخص غريب؟."
تلقيت يومها صفعة من أختي على وقاحتي،
لكنني لم أكترث،
ركضتُ إلى غرفتي،
أقفلت الباب،
ثم تناولت شفرة الحلاقة،
مُعتقدة أنني لو انتحرت سوف يحضر لا مُحاله،
أخذت أقلب الشفرة،
أُمررها بخفة على معصمي الأيمن،
وحين سقطت قطرات الدم على الأرض،
خفت،
قذفت الشفرة بعيدًا عني،
ورحت أصرخ :
" انتهت اللعبة، انتهت هيّا، هل تسمعني؟. "
أسندت ظهري على الحائط مهزومة،
وأفكار تأخذني وأُخرى تُعيدني،
وفجأة ..
ظهر عنوانٌ غامض،
كان أحدًا ما دونه في مُفكرة رأسي،
ارتديتُ معطفي على عجل،
تناولت حقيبتي،
ثم خرجت من المنزل،
والمطر ينهمر بِغزارة،
والسماء ترعُد،
وعاصفة تهُب أشكالًا وألوانًا،
وصلتُ إلى مكان ناءٍ خارج المدينة،
وكان الضوء قد طلع قليلًا،
جمدتُ في مكاني،
بعد أن ارتطم بصري باليد التي شاهدتُها
تتحرك فوق ظهر قبر الذي عثرتُ عليه تحت الشجرة.

أعيشك
03-15-21, 04:25 AM
الظلامُ حالك،
بردُ شديد يرتجف بالخارج،
أوراق الشجر تلوحُ لي من خلف النافِذة،
الكهرباء تتردد في منزلي،
كأنه أُم تتفقد أبناءها النائِمين.
انتقيتُ لهذه الرغبة معطفًا أسود،
وربطة عُنق،
صففتُ شعري،
هندمتُ وجهي،
وعطلتُ ساعة معصمي،
وحدي فقط بِلا زمان أو مكان،
سأمُر كأني من حُكام العالم.
سأمُر وحدي إلى الأمام فقط،
مُبتسمة،
راضية بهذا القدوم الأبدي،
وهذا المصير الرائع.
عازِمة على الخلاص.
أن تختار نهايتك،
وتختار قانون العالم التافه،
وتُقرر أن تموت بوقار،
لهو أمرُ عجيب ويدعو إلى الأصرار والعزيمة.
كان كُل شيء جاهزًا معي،
لم أنفق حيرة واحدة تمنعني من
خوض معركتي الأخيرة ضد الحياة.
مُزودة بالإنتقام من العالم ومن نفسي،
وكراهية الناس كانت كافية لأن أملأ
مخزن قراري الذي حرك دوافعي إلى
اختيارٍ صائب سيعفيني من حضور هذه
الحفلة التنكرية التي يحضرها الآخرون
بأوجه مُستعارة.
لقد سئمت العيش بهذه الطريقة الفاسدة،
لا أُريد أن أكمل حياتي كعفنٍ
يفسد على الآخرين أرغفة حياتهم،
لقد حولني الناس إلى شبحٍ مُرعب ومُخيف،
أصبحتُ أخاف حتى من رؤيتي،
أخاف من المرايا،
من انعكاس صورتي على سطح الماء،
آه ..
كم هو بشع هذا الإحساس الفتاك،
كم هو قليل الإحترام،
وقليل الإنسانية،
وقليل الأدب،
لا يُمكنني اكمال اعترافاتي،
انتهى الأمر.
تتحلق حولي،
صور العالم المُقزز،
أصواتهم تخنقني،
تصرُخ بوجهي :
" أُغربِ من هُنا،
إخرجِ الآن حالًا،
لا يهمنا طريقك في الرحيل،
نحن لا نكترث لشأن هذا الحيوان الحقير،
هذه الحشرة المُقززة،
سنُكافح وجودك بكُل المُبيدات المُتاحة لنا."
سأخرج حالًا،
وحيدة،
برفقتي كُل هذه الهزائم البشعة،
والتي تزعجني فقط،
وتقتلني أكثر،
لماذا أكتُب رسالة؟.
لا أحد يكترث لأمري،
لا أحد سيقرؤها غير المُحققين ورجال الأمن،
الذين سيرمونها في الأرشيف بعد أن تبرُد جثتي،
وتجف سيرتي على حبال قنوات الأخبار.
وداعًا أيتُها الحياة القذِرة،
آمل أن تستمعي بروائِحك الكريهة.
(انطلقت الرصاصة من فوهة المُسدس،
استيقظتُ مذعورة،
دفنتُ وجهي بين راحتي وانخرطتُ بالبُكاء،
وعلى أصابعي انتشرت بُقع من الدم.)

أعيشك
03-15-21, 09:59 AM
صَباح الخيّر،
والخير كُله بِقهوتي!.

:81:


http://e.top4top.io/p_1897bchaa4.jpeg

http://i.top4top.io/p_1897wa7f06.jpeg

أعيشك
03-16-21, 02:01 PM
كدتُ أن أخرج من الماضي،
أقفلتُ باب ذاكرتي جيدًا،
أدرتُ ظهري وحاولت أن أمضي،
وإذا بصوتٍ يأتي من البعيد يُنادي،
استوقفت نفسي قليلًا،
ثُم أكملت طريقي وكأنني لم أسمع أحد.
خطوةً ثم خطوةً ثم خطوة.
بدأ الصوت يعتلي وبدأت خطواتي تتراجع،
نظرتُ إلى الأسفل،
أصابعي بردت وقدماي ارتجفت،
جفَّ ريقي وصدري ارتعش،
إلتفتّ وإذا بطفلٍ صغير عيناهُ مليئة بالدموع،
ثيابه مُمزقة،
ينظُر إليَّ بنظرة فارغة ومذعورة،
لم أنطق بِكلمة واحدة،
صامتة وأنفاسي تتسابق خشيةً منه.
إقتربّ مني،
وتمسك بِطرف قميصي، ثُم قال :
لا تذهبي، وإتبعي خطواتي.
شدّني إليه ثُم بدأ بالسير،
وأنا اتبعه،
اتبعهُ والخوف ينهشُ عقلي.
بات يركض،
يركض يركض يركض ويركض،
وأنا أركض بِخلفه،
الطريق طويل ومُرتفع وواسع،
لم يعُد بِداخلي رغبةٌ لشيء سِواء
أن نتوقف وأعرف ماذا يُريد مني،
وإلى أين ذاهبين!.
مضت ساعاتُ طِوال ونحنُ لا زلنا نمضي.
وقفنا أمام بابً قديم ومُهتَرِئ،
كُتب عليه وبِخطٍ دقيق :
" لا للهرب. "
فجاءةً اختفى الطفل،
بقيتُ لوحدي،
أُحادث نفسي،
تارةً أمسك بِمقبض الباب،
وتارةً اتركه.
غلبتُ أفكاري،
ودخلتُ إلى متاهة الداخل،
وجدتُ أحلامي هُناك،
وجدتُ رسائِلي المخفية عن الجميع،
وجدتُ شهادتي التي مزقتها قهرًا من العطالة،
وجدتُ صديقاتي الذين تخلوا عني من غير أسباب،
وجدتُ المُنافق والخائِن والكاذب والغدّار،
جميعهم يحملون كِتابًا كان عنوانه :
" واجه نفسك، لا تهرب. "
وقِعت على قدمي،
بدأتُ بالإنهيار،
صرخت بِصوتٍ عالٍ،
ثُم نهضت،
نفَضت قميصي من الإستسلام،
أخذتُ عهدًا على نفسي بالمُقاومة،
وأكتسيتُ القوة والصبر والإنتصار.

أعيشك
03-17-21, 04:22 AM
أعيشُ حالات مُضطربة ومُتقلبة هذه الأيام،
لا أستطيع تحديد ما إذا كان الغد سيُصبح
جيدًا أم سأعيش يومًا آخر من اللاشيء.
أجد نفسي ضاحكة وسط ضغوطات كثيرة أمرُ بها،
وعندما أشعرُ بأن الأمور حولي مُستقرة إلى حدٍ ما،
أتحول لكائن مُتشائم وكئيب.
أتحدث للكثير وأشعُر بالوحدة في نفس الوقت،
وعندما أكونُ وحيدة حقًا أشعرُ بأني لا أكترث لمن حولي،
لا أكترث لأهميتي عند الجميع،
أجد نفسي جالسة في ركنٍ هادئ من
أركان هذا العالم الذي لا يكترثُ أحد.
أنظرُ للجميع.
أنظرُ للحُب الذي ينكسر،
والوحدة التي تأكُل الروح.
أُشاهد البعض يتصارع على قضايا غير مُهمة على الإطلاق.
العالم لا يكترث لوجودي،
وأنا أيضًا لا أكترث لما يحدُث فيه.
أترك الطريق مفتوحًا لأي سند أو رفيق.
أعلمُ جيدًا بأنني لن أصمدَ طويلًا بهذا الشكل،
ولكن لا أحد يأتي.
لا أحد يستطيع الوصول إلى هذا الطريق الذي
قطعته بإرادتي وأنا أعلم بأنه لا عودة لي منه.
صديقي يجدني مُذنبة في تلك الحالات التي أعيشها،
يعتقدُ أنني خائفة من أن أقترب مِمن حولي.
في الواقع أنا خائفة حقًا من الفقد أكثر من الإقتراب،
الأمر لا يستحق مُحاولة أُخرى،
مُحاولة ترميم روحك لا تصلح لأكثر من مرة واحدة.
يجب أن يدرك الناس أيضًا أن من ينجح في ترميم روحه،
لا يعُد كسابق عهده.
سيُصبح كائنًا غريبًا بعض الشيء،
هُناك ضريبة لكُل شيء،
وضريبة العودة للحياة هي أن تُصبح شخصًا آخر،
شخصًا لا يكترث،
لا يثق،
لا يقترب من أحد بسهولة،
ويفقد من حوله بسهولة أيضًا،
لا يستطيع أن يُحب بكُل جوارحه،
لا يكره،
لا يغضب،
لا يفرح.

أعيشك
03-17-21, 07:29 PM
أنا لا أُحبهم،
هذا ما أدركته بعدَما احتضنَتني
عددًا من المرّات بيْدها حيثُ أنني لم أكترث،
قبل يومين صَديقي كان يتحدّث إليّ كذلك لكنني لم آبه،
كُل ما كنت أفعله هو التحديق في صورةٍ كلما حاولوا
رؤيتها كاملةً عجزوا بسبب كفّي التي تُغطي وجوه
خمسة أشخاصٍ فيها،
"لماذا لا تنظُر إلينا عندما نتحدث؟."
هذا ما قاله صَديقي لصديقتي التي ظلّت
ساعاتٍ باحثة عن إجاباتٍ في جيوب قلبها.
وبين رُكام ذكرياتها تُفتّش عن موقفٍ واحدٍ بإمكانها أن تُبرَّره،
صَديقتي التي لَمست يَدي وحاوَلت تقبيلي
في كثيرٍ من المرّات لكني لم أشعُر،
جلَست بجانبي تحضُنني وهو تهمس :
"هل أنتِ بخير؟."
هل ترغبون في معرفة ردّة فعلي؟.
لقد وقَفتُ بصمتٍ ثّم ذَهبتُ لأعُد القهوة،
بعد انتهائي وضَعت خمسة أكواب من القهوة
على الطاولة وخمسة قطع من الكعك،
أكلَتُ لُقمة وأرتشفت رشفتان ثّم بدأت أبكي وتوقَّفت،
أمّا بقية الأطباق فلم يؤكل منها شيء!.
ظلّ صديقي مُحدّقًا بي،
لم يكترث بكُل أفعالي،
كُل ما بثّ في نفسه الذُعر هو منظر وجهي،
وجهي المكتز، فمُي المُحمّر،
ويَدي التي لا تتوقّف ثانيةً عن الإرتعاش.
لم يَرني أبكي من قبل لذلك ظلّ يسير خلفي
سائلًا عن السبب، لكنّني كذلك، لم ألتفت.
بالأمس أخرجتُ من الخزانة صندوقًا،
ثّم جلَست أقرأ في أوراقٍ وأنظر لصوّر.
بكَيت وغصت بعدّها في النوم.
أمّا صديقي فلَم يرغب أبدًا في
تفتيش أغراضي لكنّ قلقه دفعه،
جثوا هُم الأربعة عند الصندوق!.
ثلاثةً من صديقاتي، وصَديقي.
أخرج صديقي خمسة صوّر كانوا يظنّوها مُجرد ذكريات.
كانت من بينهم صورة صَديقتي الراحِلة،
تأمل الصورة ثّم بدأ بلمس جسده،
لمسَ وجه صديقتي الأولى وكتف الثانية ويد الثالثة،
بدأ بالبُكاء ثّم همَس :
"لا تلوموها، لا يشعُر الأحياء بالأموات."
كانت تلك صدمتي التي ستُرافقني مؤقّتي،
أمّا هُم فسُترافقهم ذات الصدمة للأبد.

أعيشك
03-18-21, 04:10 AM
لا،
لستُ أسألُك البقاء،
كلُّ الحكاية أنَّنا سنُعيد
ترتيبَ الحكاية مرةً أُخرى،
ونبتكر النهايات الشجاعة
مثلَ أي مُحاربين،
نختارُ موتًا لائقًا بِنجاتنا،
حين انتصرنا ذات بيَن،
بعضُ الهزائم،
طعمُها كالنصر،
فأرحل.
رُبما،
سنكونُ أنبلَ خاسِرين،
الموت،
يحدثُ مرةً في عُمرنا،
لا مرّتين!.

أعيشك
03-18-21, 03:40 PM
أن أُعلق جُزء مني في رسالةٍ ما،
وأستمر بالعيش تحت رحمة شعور قد كُتب فيها،
أن يعتمد الأمر كُليًا على كلمة من أحدهم أو تصرف،
وأن يستمر ذلك الأحد بالتضخُم فيَّ في كُل حين،
وأستمر أنا برؤيته أمامي في كُل مرةٍ أسمع بها أسمه،
أن أتذكر كُل لحظاتي السابِقة.
حتى تلك التي لم ألقِ بها بالًا يومًا.
أن أشعُر بالعجز تمامًا،
كأني خاوية من نفسي،
مُمتلئة بكُل أشيائه،
أدرُك حجم سخافة هذا الأمر،
أدرُك حجم سخافة أنه وبالرغم من سعة
الحياة كُلها كنت قد ضيّقتها على نفسي،
بضيقٍ أنا أختاره،
بل وأرضى،
وأسلًّم،
وأستلم له،
ذلك النوع الذي تكون فيه سعادتي البالغة
جُزء من الثانية حينها تُعادل ألف عامٍ في غيرها.

أعيشك
03-19-21, 04:23 AM
في تلكَ الزاوية كنتُ أتعمد الجلوس،
وأختلس النظر مرارًا لتلك الأريكة،
وفي كُل مرةٍ أتفاجأ بأَن من يجلس هُناك ينظُر.
كانَ يملك تلك النظرة التي تُشعرك بأن تلك العينين
تملُك أيدي خفيّة سحريّة تحتضنُك بِخفة من بعيد.
تشعُر بأن تلك النظرة تملُك لونًا حنونًا يُشبه اللون
الأزرق الحنون الذي يأتي قبل أن يحلّ ظلام الليل.
بأن تلكَ النظرة تملُك صوتًا.
أشعُر بأنه يُشبه صوت قُطرات المطر الخفيفة
التي تنقُر على النوافِذ في ليلٍ هادئ.
أو رُبما معزوفة تحتضنُ قلبك وتلمسه بِحنيّة مُفرطة.
تشعُر بأنها تملُك صوتًا ولونًا ومذاقًا.
كان ينظُر إليّ وكأنني شيءٌ ثمين يسمح له بالنظر
إليه لثواني معدودة أو شيءٍ لن يراهُ مرةً أُخرى.
كنتُ أشعُر بِعُمق تلك العينين،
وكأنني سقطتُ في عُمق المُحيط ولكني لم أغرق.
فأنا قد غرقتُ في هذا الحُب المحموم
الذي كانت بِدايته زاويةً ونظرة.

أعيشك
03-19-21, 08:28 PM
شكرًا للأيام الحادّة أن صُنعت مني هذه
الشخصية التي تُحاول أن تستعيد
طفولتها وأحلامها بالكِتابة.
في البداية أنا مُمتنة جدًا للحياة ولذاكرتي
التي تلتصق بها المواقف الحَزينة لسنواتٍ طويلة،
وهذا ماجعلني أكتُب مُعتمدة على دواخل الإنسان
ومشاعره بكُل اختلالها المُفرطة أو اتزانها القائم.
كنتُ طفلة ولكن دواخلي كانت أكبر،
وهذا ماجعلني مُعترضة دائمًا،
وأُحاول تصحيح الأشياء حولي.
قد يسكُن ذاكرتي لسنواتٍ طويلة منظر قطٍ
مريض يُنازع الموت على طرف أحد الأرصفة.
لا أستطيع الفِكاك من ذاكرتي أبدًا،
حتى لو كنتُ نائمة أيضًا.
لم أكُن في طفولتي أُحب اللغة ولا أرغب في
أن ينحرف توجهي بهذا الشكل شبه الثقافي،
رُغم أنني لا أُحب الأدب حينما يكون مؤدبًا بشكل مُبالغ فيه،
لم أختر الكِتابة يومًا،
ولكنني كنتُ أكتب خيباتي وانكساراتي،
أهدافي وأحلامي،
أكتب أسماء الأصدقاء الذين خذلوني،
أصِف شحوب وجهي عندما تنغزني الأشياء
التي تكون بحاجة لها ولا أجدها.
كنتُ أكتب فقط،
ولا شيء غير الكتابة،
لحظتها أدركت أن الكتابة ستُحفظ في ذاكرتي إلى الأبد،
ستُحفظ أسماء من صفعوني،
ستُحفظهم لأبنائي حتى يصفعوا أطفالهم عني،
بهذه الطريقة رأيت الكتابة مُحاولة إنجاب طفل مِن
شجرة دونَ أن تقول أنت كَكاتب بأنّ هذا مُستحيل.
كبرت بهذا الشكل العادي جدًا،
الشكل الذي كبر به الأصدقاء وأبناء الحي،
اتجهت نحو إصلاح أشياء لم أجدها في حياتي،
بل حاولت إيجاد أمور كانت غائبة،
كنتُ أرغب في حياة مثالية جدًا ومازلت،
ولكن الحياة لا تُعطيك كُل شيء،
لحظتها فكرتُ بالكتابة،
لكن لا أعرف لمن أكتب أو عن ماذا بالضبط،
بدأت بكتابة كُل الأشياء التي تدعوني للكتابة،
مثلًا أرغب بالكتابة عن نفسي.
هذه النفس الروحية التي أحملها من مكانٍ إلى آخر،
ومن مأزق إلى مأزق،
عن دواخلي وأفكاري التي تضعني دائمًا في المواقف التافهة،
المواقف التي تجعلني أكثر الناس خسارة وخيبة.
الكتابة عن رحاب العالم بكُل جغرافيته وإختلافاته ومخلوقاته.
عن القُرى البعيدة التي لا زالت معزولة،
عن المُدن التي أُصيبت بلعنة التحضر السريع،
عن الموتى، والمجانين، وعابري السبيل،
عن الله وعن إبليس،
وعن كُل الأفكار التي إبتلعها الإنسان الأول دون ماء،
عن البُكاء نفسه،
عن اللحظة التي تتدفق فيها مشاعري نحو الخوف من المُستقبل،
عن الأفكار المسمومة التي تغذيتُ بها،
عن عدمية سيوران،
وعبثية كامو،
وتأمُل أوشو،
وصرخة مونك،
عن الأشياء التي دخلتُ فيها بلا رغبة،
وعن الرغبة التي تورطتُ بها،
وعن النهايات التي لا يحمل فيها الفائز إلا نفسه بلا جائزة،
أكتب لكم عن اللاجدوى،
عن الحُب الذي يُفسد الحياة،
وعن الحُب الذي لا يُفسد الحياة،
عن الموت بلا داعي،
وعن الموت بداعي،
عن المطر، وعن الجفاف،
عن الإنسان ونقيضه،
عن لوحة لا نعرف كيف نتأملها،
وعن قصائد كُتبت بلا رغبة ولا مُناسبة.
أرغب بالكتابة عن تفاصيل لم تُكتشف،
عن لحظة التحديق بلا تركيز،
عن العين التي لا تُخترق الجدار،
لكن تخترق الأفكار المدسوسة في أرواح الآخرين،
الفقير الذي ينام بهدوء تحت سقف من السماء المُوخزة بالنجوم،
وعن الغني الذي دفنه القلق والسأم.
أرغب بالكتابة عن النمل،
وعن خوف الشجرة من العاصفة،
وعن ما يُمكن كتابته ومالا يُمكن،
إنها اللحظة التي أشعُر فيها بالسقوط على نفسي،
اللحظة التي أشعُر فيها أن الكتابة
مُحاولتي الأخيرة قبل الإنتحار،
الشعور الذي يجرني نحو المشاعر الأُحادية،
التي بلا خيارات،
والتي سنكون جميعًا ضحايا فيها بالنهاية.
لم أتوقف عند محطة مُعينة،
قاتلت أعدائي بالأحذية والأحجار وأخيرًا بالكتابة،
لعنتُ من أُريد،
انتصرتُ لأبي،
وقفتُ مع أخي،
انخلعت ذراعي وأنا أمدُّ يدي نحو أصدقائي
وهم يتساقطون في بئر الخسارات،
أنقذتُ من أنقذت،
وسقطَ من سقط.
لم أتوقف يومًا عن فعل شيء أُحبه،
ولم أتوقف يومًا عن فعل شيء لا أُحبه.
أنا مُجرد كائن لا بوصلة لي،
لا ملامح،
لا آثار لقدمي على الرمل،
لا بصمة لي،
أنا خشبةٌ!.
لوحٌ، زُجاجةٌ.
لا يهُم من أكون،
كُل مايهمني كيف أنجو من الطوفان بأقدامي المبتورة!.

أعيشك
03-20-21, 11:51 AM
خائفةٌ جدًا،
لقد أرهقني التفكير في طريقةٍ ما تُطمئن جَسدي،
كلُ ما بي يشتكي بالألم،
لم تُسكب العافية بِصدري لأعوام،
أنا أُنثى مُتعبة،
خذلتني السِنين وأصابني الكرَب،
تخيّل عزيزي القارئ أن الأسباب فيما
أعيشهُ جعلتني أهربُ من نفسي،
ولكنّني أصدمتُ بأبشع الأمور،
لا ليلٌ يعبُر بِسلام،
ولا نهارٌ يأتي بِأمل!.
منهارةٌ أنا،
كإحدى البنايات في دِمشق العتيقة،
أنزفُ كثيرًا كجُنديٍ يُحاول أن يمسِك ما
تبقى لهُ من حياة ولكنّ الموت آتٍ لا مَحالة.
لا ضمَاد، لا مُسعِفون،
والجسدُ مُنهك أثر المعركة.
(اللَهم ألطف بي).

أعيشك
03-21-21, 05:42 AM
أشعُر بوعاءٌ فارغًا لا قُدرة لي حتى على الحزن،
الحزن إمتلاء بالسّواد وأنا كان يملؤني الفراغ.
أشعر بتعبٍ عميّق يشل أطرافي وفكري،
لا يُشبه تعب المرض ولا تعب من قام بِمجهود جسماني.
أوُد لو أكون وحيدة في هذا العالم حتى لا أضطر
للتواصل وتبرير تصرُفاتي إذ لا قُدرة لي على التبرير.
أوُد لو أنزوي في رُكن قصيّ مُظلم، لو أمكن،
لأستمع إلى صمت الكون وأنين أعضائي.
تؤلمني أعضائي،
تتنكر لي،
لا أستطيع التحكُم فيها كما لو كانت لغيري،
أحيانًا أتصببُ عرقًا،
وأحيانًا أُخرى تسرع دقات قلبي دون مُبرر،
حتى عيناي تدمعان دون سبب،
كُل تفكير في الغد يُضاعف إرهاقي.

أعيشك
03-22-21, 05:12 AM
لم أكُن أُريد الذي حدث أن يحدُث،
ولكن من أجبرنا على حدوث الفِراق،
كأنهُ أجبرنا على الموت قصرًا منّا،
وأنا لم أكُن أُريد فراقك ولو دقيقة،
ولكن بعض الفِراق ليكمل الحُب،
والبعض الآخر ليرى كم هو يُحب.
أما الجُزء الأخير والأبعد عندما يأتي
الفِراق ينتهي معه وكأنهُ عاجز عن
خوض الحياة مرةً أُخرى.
كأنني أجبرتُ على الحياة مرةً أُخرى،
وكأنني سأبدائها من جديد.
أنا أُحاول غُفران الوقت الذي أبعدكَ عني،
أُحاول مغفرة ما تسببهُ لي،
وكأنهُ نُزع جُزءً من جسدي.
جُبرتُ على العيش بدونك،
فوالله أعيشُ ناقِصة،
أعيشُ بِلا قلب،
أعيشُ بِلا دافعًا لحياتي،
أعيشُ إجبارًا مني.
ذكراك هو الذي يجعلني أستمر،
ذكراك نزعت جميع ذكرياتي وبقيتَ أنت،
بقيتَ كما بقيتَ في قلبي.
كيفَ أُصارح ذاكرتي إنك انتهيتَ من حياتي؟.
أُريد أن أبدا بِذاكرة جديدة،
أن أخوض حدثٌ ما ذكرة جميل،
ولكن أنتَ في مُخيلتي،
لا تسمح لهذا أن يحدُث،
بقيتَ أنتَ كما بقيتَ في قلبي،
وبقيتُ أنا كما بقيتُ بِلا روح،
بقت روحي معك.
استبدل ذكراك بِروحي،
وخُذ ذكراك وماتبقى منكَ عندي.
أخبرني،
كيف أبدا حياةً جديدة وأنت سبب الحياة؟.

أعيشك
03-22-21, 07:46 PM
في مُخيلتي،
‏هناك فتاة مُكبلة بالسلاسل،
‏بداخل غرفة باردة ومظلمة ومعزولة،
‏حيثُ سيبقى وراء تلك الجدران اليأس لا مفر منه.
‏مثل مرور الوقت.
‏العقليات تُفسد، والظلام يغسل الأدمغة،
ويُصاب الشخص بِعمى ميؤوس منه.
‏تكتظ السجون بالناس المحكوم عليهم بالإعداهم والحُراس.
والقلوب المُكبلة الخائفة من التغيير،
‏والإرادات الضعيفة تتهاون،
‏ومع ذلك حافظت على صبري.
‏الوقت يُمكنه أن يضغط عليّ،
‏لكن لا يمكنه أن يُحطم إرادتي.
‏القوة تزدادني إثارة.
‏ولكن الصمت يُحدثني،
يخبرني بأنه كُل ما عليّ فعله هو الإستماع.
‏يُذكرّني، أنه بدون الحرية، فأنا وحيدة.

أعيشك
03-23-21, 05:30 AM
مرحبًا أيتها المُدونة البائِسة،
عُدت من جديد.
ولكِن عُدت خاليةَ المشاعرُ تمامًا،
لا أشعُر بأي شيء إتجاهَك أبدًا،
وكأنني إنتزعتُ مُخيلتي من رأسي
ورميته في مكانُ لا أستطيع الوصول اليه.

أعيشك
03-23-21, 04:46 PM
أُفكر بكل الأمور التي كتبت عني،
بأنني شيطانة ولستُ بإنسانة.
بأنني ضحية بريئة للحقد
ضد إرادتي وخطر على حياتي.
بأنني كنت لا أعرف كيف أتصرف
وشنقي سيكون حكمًا شرعيًا.
بأنني ألبس ملابس لائقة.
وإنني سرقت إمراة ميّتة لأظهر كذلك.
بأن لدي نزعة من الحقد
بمزاجٍ عدواني.
بأن لديّ مظهر شخصًا
يفوق مظهري المتواضع.
بأنني فتاة جيدة ذو طبيعة عادية
ولم يُقال عني أي ضرر.
بأنني داهية وماكِرة.
بأنني مجنونة أو غبية.
وأفضل قليلًا من الحمقى.
وأنا اتسائل :
كيف يُمكنني أن أكون كُل
تلك الأمور في وقتٍ واحد؟.

أعيشك
03-24-21, 04:35 AM
يا رجُلًا خطَف قلبي في ثانيةً،
كم أحببتُ أن يطول لقائنا.
وأن السيجارة التي جمعتنا تجمعنا مرةً أُخرى،
ذهبتُ لطريق نفسه كي يحنٌ ويجمعنا،
ووقفتُ على عتبة الباب أأمُل في مروره صُدفة.
ماذا فعلت بي؟.
هل وقع عيناكَ وأنت تُشعل لي
السيجارة ما أصابني أم ماذا؟.
سأحلم بأن العصفورة ستأتي بك غدًا،
رُبما يتحقق الحلم لاحقًا.
سأكتب عن الجُدران ما حدث بيننا في تلك الليلة،
لعل الحروف تُحلق في السماء باحثةً عنك.
ها أنا منذُ ليالي طِوال أقف أمام هذه الإنارة،
أشم رائِحتك التي شممتُها لليلة واحدة،
لكنها لازالت عالقة في أنفي.
منذُ تلك اللحظة وأنا أرغب بالتدخين،
ذبُلت السيجارة بين أصابعي تنتظرُك تُشعلها،
حقيبتي وساعتي المُرصعة باللؤلؤ تنتظرُك أيضًا.
أيُها المارّون، هل رأيتم رجُلًا يحمل قدّاحة
بيديه وخبزًا مأكولًا نصفه؟.
عيناهُ مليئة بالكلمات الناعمة؟.
كم وددتُ أن تأتي به الرياح حتى أراه
وأهمس بُجوف أُذنه من أنت؟.
يا واحدٌ فعل مالا يفعلهُ عشرة.

أعيشك
03-24-21, 11:48 AM
وداعًا أيتُها البجعة السوداء، مُدونتي،
عزفتي ورقصتي على ألحان موسيقى الألم،
أشفق على من لم يشعُر بك، بمشاعرك وأحزانك.
لقد انتهيتِ الآن، لستِ أكثر من شلوٍ هامد.
وداعًا حاليًا، ولكن لي عودة!.


الصورة بِعنوان :

-أعيشك على ساحل البحر.-
2017 - 6:30 مَساءًا.


http://g.top4top.io/p_1559hen9q3.gif

أعيشك
03-25-21, 04:08 AM
لا مفر منك،
عدتُ إليكِ.
وها نحنُ هُنا من جديد.

أعيشك
03-25-21, 05:44 PM
ولدتٌ بعد ثلاث سنوات كأول طفلة مع توأمي،
أسمتني أُمي غيّم وشقيقتي المُتوفاة غيّث،
لأننا جئناها في أشدّ أيام الشِتاء برودة،
توفت شقيقتي في ساعتِها الأولى، تركتني.
كانت تضمّني أُمي بحنان -حسب رواية والدي-
وهي تُردد كلمات قصيدةٍ تُحبها:
"إنتظرتُكِ، لم أقُل إنّي مللت، ولم أُفكّر في إعتذارك،
قُلت تكفيني التحيّة، بل سيكفيني عُبورك مثل غيّم
الشِتاء في حُلمي وإنتظرتُك، وإنتظرتُك"
ثُم تُضيف:
"وجاءت حَبيبتي، طفلتي الأولى!" وتبكي.
أصبحت تلك الأبيات أُغنيتي المُفضلة،
لحّنتها أُمي وجعلتها تهويدة النوم الخاصةً بي
إلى أن بلغت الرابعة من العُمر،
الحبيبة لم تتخيل أبدًا أنني بعد 20 عامًا فقط من ذلك اليوم
سأجلس على سريرها المهجور وأرثيها بإكمال القصيدة:
"انتبهَ المكان إلى غيابكِ، وإنتظرتُكِ،
لم أقُل إنّي مللت، ولم أُفكّر في إعتذارك،
وإنتظرتُك، وإنتظرتُك وإنتظرتُك" وأبكي.
إن كنتُ غيّمًا، فقد فقدتُ سمائي.

أعيشك
03-26-21, 07:55 PM
أُريد أن أتزوج، أن أُنجب أطفالاً،
أن أجوب العالم، وأشتري منزلاً.
أن أحظى بعطلات رومانسية،
وطوال يوم كامل لا آكل شيئًا إلا المُثلجات.
أُريد أن أعيش بالخارج وأحافظ على وزني المثالي.
أكتب رواية عظيمة،
وأظل على علاقة بأصدقائي القُدامى.
أُريد أن أزرع شجرة،
أُعدّ عشاءًا لذيذًا غير مسبوق،
أشعُر بالنجاح الكامل،
أحظى بحمّام ثلج،
أعوم مع الدلافين،
وأُعد عيد ميلاد يليق بي.
أن أعيش حتى أبلغ المائة،
وأظل متزوّجة حتى أموت.
أن أبعث رسالة مُثيرة في زجاجة وأتلقى ردًا مُثيرًا،
أن أتغلب على كل مخاوفي،
أستلقي لمُراقبة السُحب طوال اليوم،
أمتلك منزلاً قديمًا مليئًا بالتُحف الرخيصة،
وأجري في ماراثون كامل.
أُريد أن أقرأ كتابًا عظيمًا جدًا،
وأظل أستذكر إقتباسات منه طوال حياتي.
أن أرسم لوحات رائعة تُعبر تمامًا عما أشعر به.
أُغطي حائطًا كاملاً برسوم وكلمات قريبة إلى قلبي،
أمتلك كُل حلقات مواسم البرامج المفضلة عندي،
أجذب الإنتباه لقضية مُهمة وأجعل الناس يصغون إليّ.
أُريد أن أقفز بالمظلة،
أسبح عاريةً،
وأقود هليكوبتر.
أحظى بوظيفة جيدة وأتحمس لأدائها كل يوم.
أُريد عرض زواج رومانسي وفريد،
أُريد النوم تحت السماء المفتوحة،
أُريد أن أتنزه فوق جبل بيسيجين،
وأُمثل في فيلم أو مسرحية في المسرح القومي،
أربح ثروة في اليانصيب،
أصنع أشياء يومية مفيدة،
وأكون محبوبة دومًا.

أعيشك
03-27-21, 07:36 PM
أُريد أن أحتويك،
فأنت لا تبدو بخير.
وكلما ساء حالك،
يسوء حالي،
وتهزمني أحزانك.
أُريد أن أقتل مشاعرك الحزينة التي تكدّر
صفوك وتبكيني وتحرمك نومك وتُسهرني.
لم أظن يومًا أني قد أتمنى سعادةً أحدهم لأسعَد،
لكنك جعلتني أتمنى ذلك.
فلم أحب أحدًا كما أُحبك،
ولم أبكِ من حزن أحدٍ كما بكيت معك،
لم أعش سوى شعوري طوال عمري،
لكنك أتيت وأشعرتني بك،
وصدّقني ليس هناك حبًا أعمق من أن أشعُر عنك،
وشعرت.
أُريد أن أحتويك،
وهاكَ كتفي كلما حزنت.
أطلق لي عنانك ودعني أواسيك،
وإن عجزت دعنا نبكي معًا.
فلستَ وحدك عاجزًا،
فكلّنا أمام أحزاننا عاجزون.

أعيشك
03-28-21, 04:32 AM
وداعًا أيتُها المُدونة،
وداعًا أيتُها الحروف،
وداعًا أيتُها الكلمات.
لقد انتهتْ حياتي.
لستُ أكثر من شلوٍ هامد.

أعيشك
03-28-21, 03:14 PM
مرحبًا أيتها المُدونة البائِسة،
عُدت من جديد.
ولكِن عُدت خاليةَ المشاعرُ تمامًا،
لا أشعُر بأي شيء إتجاهكِ أبدًا،
وكأنني إنتزعتُ مُخيلتي من رأسي
ورميته في مكانُ لا أستطيع الوصول اليه.

أعيشك
03-28-21, 07:42 PM
كان يُشبهني بكل شيء،
حتى بطريقة الكلام والإبتسام.
كان أدفئ من عرفت وأعمق من أحببت!
كنّا لطفاء وكانوا الناس يحبوننا معًا،
كان حبّنا راقيًا لا يشبه أي حبٍ عابر،
لكن الظروف كانت أصعب من أن يدوم حبٌّ كهذا!
كان دائِم.
ذلك الشعور الذي يتملّكنا،
لا زال ينبض قلبي به ولازلت أسكن قلبه.
لكن الظروف كانت أقوى،
يا الله!
كم نحنُ ضُعفاء أمام الظروف.

أعيشك
03-29-21, 05:19 AM
كنتُ أنتظرك على أمل أن تظهر
مع شروق شمس أو اكتمال شهر.
كنتُ أقف على عتبات بابي أُناجي وأنتحب،
أُنادي ويعود لي صوتي مُنهكًا ومُرهقًا.
كنت أنتظرك ببصيص فرحة واجتماع
قلبين قد أتعبهما البُعد لكنك لا تستجيب.
كنت كمَن عاشَ من عمرِه عشرين عامًا
ويشعر أنهُ غير قادر على الحياة،
وغير قادر على الموت.
كنت أنتظرك لتملأ الفراغ الذي جعلني
أتمنى الإختفاء والتلاشي وكأنني لم أكُن،
الفراغ الذي غيّرني عنّي وأفقدني نفسي.
أحزنني كثيرًا وكسرني طول الإنتظار،
أنتَ لا تستحق انتظاري،
ولا زلت أنتظر فتعالَ حبيبي،
لا بل فقيدي.
تعالَ لتملأني أو لتغيب عمري كله ولا أنتظر.
ودعني أعيش.

أعيشك
03-29-21, 05:20 AM
قُلْ لي – ولو كذبًا – كلامًا ناعمًا
قد كادً يقتُلُني بك التمثالُ
مازلتَ في فن المحبة .. طفلٌ
بيني وبينك أبحر وجبالُ
لم تستطيع ، بَعْدُ ، أن تَتَفهَّم
أن الرِجال جميعهم أطفالُ
إنِّي لأرفضُ أن أكونَ مُهرجًا
قزمًا .. على كلماته يحتالُ
فإذا وقفت أمامك صامتة
فالصمتُ في حَرَم الجمال جمالُ
كَلِماتُنا في الحُبِّ .. تقتلُ حُبَّنَا
إن الحروف تموت حين تُقال.
قصص الهوى قد أفسدتك .. فكلها
غيبوبةُ .. وخُرافةٌ .. وخَيَال
.
الحب ليس روايةً شرقيةً
بختامها يتزوَّجُ الأبطالُ
لكنه الإبحار دون سفينةٍ
وشعورنا أنّ الوصول مُحال
هُوَ أن تَظَلَّ على الأصابع رِعْشَةٌ
وعلى الشفاةْ المُطبقات سُؤالُ
هو جدول الأحزان في أعماقنا
تنمو كروم حوله .. وغِلال.
هُوَ هذه الأزماتُ تسحقُنا معًا.
فنموت نحن .. وتزهر الآمال.
هُوَ أن نَثُورَ لأيِّ شيءٍ تافهٍ
هو يأسنا .. هو شَكّنا القتال
هو هذه الكف التي تغتالنا
ونُقَبِّلُ الكَفَّ التي تَغْتالُ
.
لا تجرح التمثال في إحساسهِ
فلكم بكى في صمته .. تمثال
قد يُطْلِعُ الحَجَرُ الصغيرُ براعمًا
وتسيل منه جداولٌ وظلالُ
إني أُحِبُّكَ من خلال كآبتي
وجهًا كوجهك ليس يطال
حسبي وحسبك .. أن تظل دائمًا
سِرًا يُمزِّقني .. وليسَ يُقالُ.

أعيشك
03-30-21, 04:58 AM
وعدتُك أن لا أُحِبَّك،
ثُمَّ أمامَ القرار الكبيرِ،
جَبُنْتْ.
وعدتُك أن لا أعودَ،
وعُدْتْ.
وأن لا أموتَ اشتياقًا،
ومُتّْ.
وعدتك أن لا أقولَ بعينيكَ شعرًا،
وقُلتْ.
وعدتك .. أن لا أكون ضعيفًا،
وكُنت.
وعدتُ بأشياءَ أكبرَ منّي.
فماذا بنفسي فعلتْ؟.
لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصدق،
والحمدُللهِ أنّي كذبتْ.

أعيشك
03-31-21, 04:31 AM
لحظة فِراق.
عندما تشتاق لِشخص فقدته،
من بعد رحيلك هاقد أُحضرت لنا القهوة،
قهوتك المُفضلة بعد وجبة الإفطار،
وقد بردت القهوة على الدرجة التي تُفضلها،
أين أنت؟.
أتراك تذكرني كما أذكرك الآن؟.
أتراك تتخيلني مثلما أتخيلك الآن؟.
هُناك الكثير الذي يحتويني أرغب بمحادثتك،
لكن لا أعلم أين أنت.
تُخبرني أحلامي بأني أراك،
فياليت أحلامي تلك يقين.
كم عليّ أن أذكر ذلك اليوم والوقت الذي قضيناها معًا.
أشتاق إليك فياليتك بشوقي واشتياقي تعلم.
حينما رحلت عنّي فأنا كنت مُتيقنة بأن هذا اليوم سيأتي،
في هذه الساعة أو بعد حين لكن أتذكر تلك النظرات
التي تبادلناها حينما دقّت ساعة رحيلك،
حينها أغمضتُ عيني كي أذكرها في هذا
الوقت الذي أعيشه والذي سيليه،
يا ليتني لم أغمض عيني حينها،
ياليتني سرقت المزيد من نظراتك
ودفنتها في قلبي قبل مخيلتي.
لم أستطع أن أُبادلك الوداع،
كانت لحظات حارقة متوهجة لاذعة،
لم أتمكن من ترديدها عليك،
رغم أنك ألقيت بمسمعي أشياء باردة،
يشوبها الصقيع تشي بأيام ضبابية كئيبة آتية لا مفر منها.
ومضيتَ دون أن تهتم للرُكام والدخان والأشياء المُتطايرة وراءك،
ألغيت كل الإحتمالات التي من الممكن أن تأتي بك إلينا مرة اخرى.
أذكر عندما ناديتني،
وأخبرتني بأنك ستكون بجانبي دومًا،
أُريدك الآن وغدًا وبعد غد أفتقدك كثيرًا.
اشتقت لتلك الذكريات الممزوجة بحروفك،
أفتقد تلك الأيام التي كنت أقضيها بجلها معك،
كنت أكتفي بوجودك بجانبي كنت سعيدة جدًا،
كم كان الوقت سريعًا.
أذكر جيدًا كيف كنا نقضيه،
أتذكر تلك الساعة الباكِرة من الصَباح،
بعد ليلة مليئة بالتخيُلات.
أتمنى أن لا تكون الأحداث السيئة
التي مرت معي بعد فراقك ماضيًا أن تتكرر.
أرجو من الله أن يجمعنا قريبًا وأن يريحني من هذه
الساعات التي أشغلها بذكرياتك المرحة كي أُخفف
من صعوبات حياتي التي أواجهها.
محتوم علينا الفراق،
أوقات قضيناها مزجناها بلهوٍ وحب.
ياليت آلة الزمن التي سمعتُ عنها تكون حقيقة،
أسمعت عنها؟.
إنها آلة ترجعك للزمن الذي تُريده لكنك
لن تدخل هذه الآلة غير مرة واحدة،
أُريد أن أُجربها وأُكرر مضيّ وقتي معك.
أذكُرك وأذكُر ساعة غيابك،
وأذكر بعد ساعات قليلة من فراقك،
بكيتُ كثيرًا،
كنت شيء جميل في حياتي،
كنت أعظم من حضر وأنت أغلى من يُغيب.
ومازالت ذكراك تُجمّل حياتي.
وفي إحدى تلك الليالي تلاقت أرواحنا،
ولأني أُدرك تمامًا أن لقاء الارواح
أسمى وارفع من لُقيا الاجساد.
جلسنا سويًا واخبرتني بأنك مرتاح وسعيد بما أنتَ فيه،
وأخبرتني بأنكَ مُشتاق لي،
بعدها وليّتَ مُدبرًا وقلت عبارة أبكتني كثيرًا، قلت لي :
"لا تُصدقي شعاراتهم.
وصدقي قلبكِ حين ينظر إليَّ باكيًا."
وأقول في نفسي :
"كيف تبدلت أدوارنا،
وسِرتَ أمامي! أنا أوّلاً!."
جعلتني أبكي وأتعبت قلبي،
حينها لم أكُن أعلم بأنك في هذا الوقت تذكرني،
لم أعلم حينها بأني تذكرتك، وبكيتُ لأجلك.
اكتشفت أن الغياب الأبديّ لا يقتل يومًا واحدة فقط بل أكثر.
لن أكثر من محادثتي معك،
فلقد انتهى فنجان قهوتنا التي أخبرتني
يومًا أن أمزجها بقليل من السكر
كي تحلو حياتي دومًا ولا أشعر بمرارة أبدًا.
أحبك حُبًا صادقًا طاهرًا.
اسأل من الله الرحمن الرحيم أن يُجمّل حياتك أكثر مِما تتمنى.
لا يوجد بيننا بريد.
سأُرسلها بقلبي وعقلي مثلما تعودنا.
وسأختم رسالتي لك بهذه المقُولة للكاتب كافكا :
"مُنهك،
ولا أستطيع التفكير بأيّ شيء،
أُمنيتي الوحيدة هي أن ألقي رأسي في حضنك،
وأشعر بيدك فوقه،
وأظل هكذا مدى الحياة."

أعيشك
03-31-21, 07:32 PM
ها أنا أُراقب الحياة من نافذتي الصغير،
ولا أشعر بحركة الحياة من حولي،
وكأن كل شيء مُتجمد.
كُنت أشعر بحياة تسير فِيني حينما أتذكرك،
والآن أكتب بلا فائدة.
الأحرف تخذلني،
فقط تساعدني على وصف خيبتي.
أقنع نفسي بأنني لستُ عاجزة،
ولم أفقد حرفي كما أفتقدتُك.
خسرتُك وتتالت سقوط الأشياء من حولي بَعدُك.
لطالما كتبتُ عنك ما أشعُر به إتجاهك،
ولكن الآن كُل شيء أصبح من الماضي،
ليس هُناك ما يُكتب فقد جفَّ حِبري.
سامح الله الزمن الذي جعلني أتعثر بك،
فقد كُنت أسير بخطواتٍ مُستقيمة.
لم أعتاد على السير بخطوط مائلة.
شكرًا للكلمات في المقام الأول والأخير،
لستُ شاكرة لشيء في هذا العالم سوى الكلمات،
فقط الكلمات.

أعيشك
04-01-21, 12:41 PM
مرحبًا لأحدِهم ..
الأمرُ غريبٌ بعضَ الشيء،
لذا أتمنى أن تمنحَني لحظةً لأستجمعَ شتات أفكاري.
ذلكَ لن يؤثّر على طولِ الرسالَة بالطبعِ،
لكنّني متردّدةٌ بعض الشيء،
فهذه مرّتي الأولى في كتابةِ رسالةٍ لجهةٍ مجهولِة،
ولشخصٍ لا أعلمُ إن كنتُ قد رأيتُه من قبلُ أم لا، أو العكس.
من المبكّر أن أبوح بإسمي أو أيّة تفصيلٍ عن حياتي،
ذلكَ لأنني أرغبُ في إيجادِ جوابٍ على رسائلي،
أكثر من الردّ على سؤالٍ نمطيّ كالذي أسمعهُ منذ خُلقْت.
لا أعلمُ من أينَ أبدأ،
لديّ الكثير لقولِه،
والكثيرُ مما يُقال لا يهمّ حقًا،
لذا فلقد بحثتُ منذُ الصباح عن ذاك
الشيء الوحيد الذي أرغبُ في البوحِ به بشدّة،
ووجدتُ أن تركَ أحداثَ اليوم تمرّ أمامي،
قد يذكّرني بما أرغبُ في قصّة،
ذلكَ لأنّها قد تكونُ فرصةً لتجاهُل التكرار المعطوبَ،
والبحث عن ما يختبيءْ خلفَه بالفِعل.
اليوم،
منذُ ستّ ساعات،
عند الساعَة السابِعة صباحًا،
ركبتُ سيارة أُجرة لأذهبَ للعمل.
تجاوزت بي محطّتين،
ثم ركبتُ بعدها القطار عبر أنفاقِ المدينة.
(مترو دُبي).
كنتُ أتشبّث بأحد الأعمِدة،
وأنظُر عبر الزجاج لمرورِ الجدرانِ سريعًا.
بالعادَة لا أميلُ كثيرًا حين توقّفه عند محطّة ومعاودتَه التحرّك،
لكنّ هذه المرّة كِدتُ أن أترنّح ساقِطةً على الفتاةِ الواقِفة جِواري،
لولا أنها أمسكَت بمنكَبي وأعادتْني لحيث كنتُ أقف،
دون أن تتفوّه بكلمِة.
منحتُها اعتذارًا خافِتًا،
لكنّها لم تأبه،
وعادت سريعًا للنظرِ لشيءٍ ما على هاتِفها،
بينما تمحو دموعَها بسريّة تامّة.
كانت قدْ أخفضَت رأسها وتركَت لخُصلها مهمّة إخفاء ملامِحها،
وارتأيت أن ذلك السبب لكونِي لم أُلحَظها منذ بداية صعودِي.
يداها إرتجفتا، وقدماها على غرارِ ذلك، كانتا مثبّتتان تمامًا،
حتى بدا وكأنّ عاصِفة لن تقتلِعها رغمَ أنها تقفُ وحدَها دون سندٍ.
وبدأت أتساءل بأسًى: ترى ما الذي أبكاها!.
هل استيقظَت على خبرٍ سيّء؟.
أم أن من تواعِده قد تخيّر هذا الصباحَ ليترُكها؟.
ربّما فقدَت وظيفتها!.
لكن إلى أينَ تتّجه منذ هذه الساعَة إذًا!.
والغريب أنني لم ألحَظ قوّتها،
إلّا بعد أن رأيتُ مقدارَ الضعفِ الحقيقيّ الذي يعتريها،
وذلكَ لم يثبّطني عن متابَعتها طوال الوقت،
وكأنّها الشيء الوحيد الذي يستحِق.
إذا هل عليّ سؤالها والتخفيف عنهَا،
أم انتشالُ ما يدفعُها للحزنِ دون إكتراثٍ بكيف سيبدو ذلكَ مُحيّرًا؟.
ما أعلمُه هو أنني أكرهُ الأيامَ الغائمة،
الأيام التي تبدأ بصباحاتٍ رمادية،
وتلك الفتاةُ حتمًا ستحظَى بيومٍ خالٍ من الألوان.
لكنني ورغم كلّ هذا، نكرتُ الأفكار،
وبقيتُ أُراقِبها خلسَة والكلمات في جوْفي تأبى الخروج،
وتُخبرني أن هذا ككُل يوم، لن يستمعَ لي أحدٌ فيه.
وأخيرًا عندَما توقّف القطار عند المحطّة التي تسبُق
حيثُ سأترَجّل وحيث بدَت محطّتها الأخيرة،
استطعتُ استراقَ لمحةٍ لشاشَة هاتِفها التي لم تُطفِئها.
ووجدْت أنها كانت تشاهِد فيلمًا سينمائيًا!.
وذلك ما دفعَني لِأُفكّر بسُخريةٍ.
ربّما مقدارُ البؤس في ملامِحي،
يبدو لأحدِهم كمجرّد مشهدٍ دراميّ آخر يتقمّصه الجميعُ،
ولذا لم أجِد بعدُ من يسألني السؤال الصحيح حتّى الآن.
فهل أنا بخير؟.

أعيشك
04-02-21, 04:49 AM
اليوم أحدُهم قطعَ عليّ وعدًا.
لا أعنِي بذلك أننّي في انتظارِ تحقيقه،
ما أعنِيه أنهُ قُطع بالمعنَى الصريحِ.
قُطع معه أملي وانتِظارِي.
"هل الأمرُ دومًا بهذا العُسرِ؟.
أن تُحبّ شخصًا يستطيع كسرَك كأحد وعودِه".
نصٌّ آخر وجدتهُ في أحد الكُتب مُزرقّة النصوص،
والتي تُلائم طقوس بؤسِي البهريّة.
ما يلِي الليل هو الوقتُ المفضّل لرشّ الملحِ على كلّ جسدي،
ذلكَ لأنّ سنانَ الشظايا دومًا ما تمسّك ولا تترُك مني إنشًا.
وسألتني صديقةٌ معاتِبةٌ : أتعلمين لمَ يحدُث لك كلّ هذا؟.
هذا لأنّكِ تملئينَ نفسَك حتى قُنّتكِ،
تتشرّبين الأشياء حتى تغرِقك،
تطوّعين محيطَك حتى ينقَلب مركِبك بكَ.
الوعودُ أكاذيبٌ يا رفيقَتي، ألا تعلمين هذا بعدُ؟.
كلماتُها ثقَبتني بشدّة،
حتى أنني لم أستطِع اللفظَ سوى بحبْري،
لذلك أنت تقرأُ ما أكتُبه الآن ولا تعلمُ عما أتحدّث بالضبط.
فإنّني أحبُّ أن أحمِل الأفكار على وجه العمومِ،
وأُلقيها كدرس لي في حياتي المُقبلة،
لكنّني أحتفِظ بالتفاصيلِ لنفسي.
ربّما لأنّ هذا ما أستحِقه في الوقتِ الراهِن.
والوعودُ؟ لا أؤمنُ بها بعد الآن
أما المركب، فقد غرقَ يا سيّد الملاحَة،
فدع قلبكَ يرشِدنا الآن.


SEO by vBSEO 3.6.1