منتديات مسك الغلا | al2la.com

منتديات مسك الغلا | al2la.com (/vb/)
-   قسم مدونات الأعضاء [ الاختلاء المباح ] (https://www.al2la.com/vb/f53.html)
-   -   السيّدة التي لا تستطيع. (https://www.al2la.com/vb/t113293.html)

أعيشك 02-24-21 10:22 AM

لستُ مُعتادة على أن يفهمني أحد،
لستُ مُعتادة على هذا،
لدرجة أنني أعتقدت في الدقائِق الأولى
من لِقائنا أن الأمر أشبه بِمزحة.
ثُم هُنالك أشياء يصعب الحديث عنها،
لكنك تستطيع التخلُص من كُل طبقات
الغُبار فوقها بِكلمة واحدة.
أنتَ لطيف.
نعم.
أحتاجُك.
يا قصّتي الخيالية.
لأنك الشخص الوحيد الذي أستطيع
التحدث معه عن ظِل غيمة.
عن أُغنية، عن فكرة،
عن الوقت الذي ذهبت فيه للعمل
ونظرتٌ إلى زهرة عبّاد شمس،
ونظرت إليّ،
وابتسمت كُل بذرة فيها.
أراكَ قريبًا يا مُتعتي الغريبة.
يا نهاري الهادئ.
كيف بإمكاني أن أُفسر لك سعادتي،
سعادتي الرائِعة الذهبية؟.
وكيف أنني ملكٌ لك،
بكُل ذاكرتي،
بكُل قصائِدي،
بكُل ثوراتي،
وزوابعي الداخلية!.
كيف بإمكاني أن أشرح لكَ أنني لا أستطيع
كتابة كلمة واحدة دونَ أن أتخيل طريقة نُطقكَ لها!.
ولا أستطيع تذكُر لحظة واحدة تافِهة عشتها دون
ندم لأننا لم نعشها معًا!.
سواءً كانت أكثر اللحظات خصوصيّة،
أو كانت لحظة لغروب الشمس،
أو لحظة يلتوي فيها الطريق.
هل تفهم ما أقصد؟.
أعلم أنني لا أستطيع إخبارك بكُل ما أُريده في كلمات،
وعندما أُحاول فعل ذلك على الهاتف،
تخرج الكلمات بِشكل خاطئ تمامًا،
وعلى من يتحدث معك يجب أن يكون بارعًا في حديثه.
وأهم من كُل هذا،
أردتُ لك أن تكون سعيدًا.
وبدا لي أن بإستطاعتي منحِك هذه السعادة.
سعادة مُشرقة، بسيطة، وليست سعادة كُليّة، أبديّة.
إنني على إستعداد لإعطائِك كُل دِمائي.
إن اضطررتُ لذلك.
يبدو حديثي سطحيًا.
ولكن هذا ما أشعرُ به.
كنت أستطيع بحُبي أن أشعل عشرة قرون،
بالأغاني والشجاعة.
عشرة قرون كاملة.
مجنّحة وعظيمة.
مليئة بالفُرسان الذين يصعدون التِلال المُلتهبة.
وأساطير عن العمالقة.
وطروادة.
وأشرعة بُرتقاليّة.
وقراصِنة.
وشُعراء.
وهذا ليسَ وصفًا أدبيًا،
لأنكَ إن عُدتَ لقراءته مرةً أُخرى،
ستكتشف أن الفُرسان يُعانون من زيادة في الوزن.
أُحبك.
أُريدك.
أحتاجُك بِشكل لا يُطاق.
عيناكَ اللتان تشرُقان عندما تسند رأسك للخلف.
وتحكي قصة مُضحكة.
عيناكَ، صوتك، إبتسامتك، كتفك.
خفيفان، مُشرقان.
لقد دخلتَ حياتي،
ليسَ كما يدخُل الزائِر.
بل كما يدخُل الملوك إلى أوطانهم.
وجميع الأنهار تنتظر انعكاسك.
كُل الطرق تنتظر خطواتك.
أُحبك كثيرًا.
أُحبك بطريقة سيئة.
لا تغضب يا سعادتي.
أُحبك بطريقة جيدة.
أُحب أسنانك.
أُحبك يا شمسي.
أُحب عينيّك المُغمضتين.
أُحب أفكارك.
أُحب نطقك لحروف العلّة.
أُحب روحك بأكملها،
من رأسك حتى قدميك.

أعيشك 02-25-21 09:38 AM

أنا مريضةٌ بالوجود،
آنستُ سقمي هذا،
في اللحظة التي أدركتُ فيها،
بأني موجودة فعلاً.
كان الأمر مُريعًا.
أن تُعاين العالم من حولك،
وتسأل نفسك :
ما الذي يحدُث هُنا؟.
ما كُل هذه الفوضى؟.
ما أنتابني ساعتها ليس كآبة، أو صدمة،
بل لحظة وعي فائِقة.
إدراكًا تامًا لوجود المرء البائِس.
عندما يفّطنُ بأن الوجود بِحد ذاته،
جرحٌ مُستعصِ،
وبِأن هذا العالم ليسَ مكانًا آمنًا.
وأجدني الآن تائهة.
أتوقُ لذلك الوطن الذي جئت منه.
ولكنّ المكان قصيّ، والطريق عُضال.
في الحقيقة،
يصعبُ عليّ فهم الفلاسِفة.
واستعسارهم المبذول لإثبات وجودنا.
ما الجدوى من تأكيد هذا المرض،
في حين أننا نشعُر بوجعه يفتك بنا
على الدوام، بِلا هوادة؟.
إن مُمارسة الوجود وأنا جالسة،
لأصعب من مُمارسة رياضة القفز على الحواجز.
إنني أقفزُ كُل يوم،
كُل ساعة، كُل لحظة،
ولا أرض ثابتة هُناك لأقف عليها.
أنا لا أتنفس،
بل ألهثُ من التعب.
أنا لا أصحو،
إلا لأن النوم قد ملني.
تتملكني في الأعماق شهوة الإنسلاخ من كوني شيئًا.
أُريد أن أنسى رُعب كوني إنسانًا.
يُبجَّل المعنى والهدف والسعادة.
يقتضي على أن أتملص من كُل هذه الأشياء،
التي تُدعى أشياء.
أبحثُ عن منفذ،
ألتفت،
أتأمل العالم من حولي،
أمعِن النظر،
وأبصر من حولي فضاءً جاثمًا، شاحبًا.
ولا مخرج هُناك.
تكمنُ المعضلة في أنني لا أستطيع أن أُقدم على الإنتحار.
فقد أقترفتُ العيش،
ووقعتُ في مأزق التشبُّث بالأشياء.
لقد فات الأوان على الرحيل،
ولم أعُد ساذِجة بما يكفي لأن أحلم،
أحبّ، أو أطمح مرةً أُخرى.
فقد كان لي عار المحاولة مُسبقًا.
وانتهى الأمر.

أعيشك 02-26-21 06:23 AM

عندما أفشل في النسيان السنة الأولى،
‏والثانية والثالثة والرابعة والخامسة.
سأستسلم.
لن أُفكّر بالنسيان.
سأُفكّر كيف يمكنني مُقاومة بقية
الأيام دون اقتلاع الأشواك من صدري،
لن أقترب من الآخرين فيؤذوني،
ولن أُحاول طلب المساعدة في اقتلاعها.
الألم الذي أشعُر به سيُرافقني.
وهذه الأشواك لن تزول،
سأشعُر بها تخترق صدري وأنا نائِمة،
وأنا قائِمة، وأنا مُستلقية، وأنا أعمل،
وأنا سعيدة، وأنا حزينة، وأنا ناجحة، وأنا فاشِلة،
بمُجرد ملامستها سأشعر بالأذى،
كل ماعليّ فعله أن أعتاد على العيش برفقتها.
سأنهي نفسي إن كانت السنة السابعة.
التعود صعب،
صعب للغاية،
كيف سأُقاوم كُل تلك الأشياء؟.
مهما حاولت،
مهما قاومت،
يكفي دقيقة واحدة،
لتعيدني لنُقطة الصِفر.

أعيشك 02-27-21 07:11 AM

قال سائِق الحافلة :
الحافلة مليئة بالرُكاب،
لا مكان لكِ،
هيا انصرفي.
صرخ السائق في وجهي،
أخبرته بأني لا أجد مُشكلة،
حتى في الوقوف بمُحاذاة الباب، المُهم أن يقلني.
الوقت قد تأخر.
ولا أستطيع البقاء.
فالمكان شبه مقطوع،
بالكاد تمُر حافلة أو حافلتان في اليوم.
وفي الأماكن المقطوعة يُصبح
الخطر ضربًا من ضروب النجاة.
بعد جُهد جهيد،
وبعد أن دفعت له تذكرة راكبين،
وافق.
أغلق الباب.
وذهب يُشاجر الرُكاب، قائِلاً :
اللعنة عليكم، ألتزموا الهدوء وإلا قتلتكم.
وبين الفينة والأُخرى يُدخن ويشتمهم، قائِلاً :
إلى متى وأنا أحمل في حافظتي قطيع من الماعز،
رائِحتكم مُقززة.
أوقف المُحرك.
ثُم ألتفت نحوهم.
بصق عليهم، قائِلاً :
في المرة المُقبلة سأحضر معي مُبيد حشرات
لمُكافحة رائِحتكم النتنة،
يا لكم من بهائِم تسير على الأرض.
وبسرعة جنونية واصل القيادة.
مادت الحافلة بنا يمينًا وشمالًا،
شعرتُ بإنقباض في أمعائي.
كُنت على وشك أن أتقيأ.
الخوف ممزوجًا بفراغ معدتي.
فمنذُ أن نزلت بذلك المكان،
لم أتذوق لُقمة واحدة.
تمالكتُ نفسي.
تنفست الصُعداء.
وابتلعت ما تيسر لي من الجُمل المُسكنة
التي تفاعل معها عقلي الباطني بكُل جديّة.
حركت مُخيلتي قليلًا.
مُستحضرة مكانًا جميلًا.
وموسيقى هادئِة تنشر الطمأنينة بين خلاياي الثائِرة.
أثثتُ عالمًا صحيًا بداخلي.
أستطيع عزلي به وفصلي عن الواقع المُربك حتى تنتهي الرحلة.
نَظر إليّ سائِق الحافلة نظرة مكر.
وبسرعة تداركت الأمر.
أشحت ببصري عنه، كي لا تلتقي أعيننا.
لكنه أفسد علي ما بذلته في ترميم روحي.
حذفني بكُل شيء استطاعت يده أن تُطاله.
بدءًا من العُلب المعدنية، وأوراق لف الساندويشات.
مُغلفات الشوكولاتة الفارغة، مناديل مُتسخة.
وعندما لم أُحرك ساكنًا، ولم أبدِ أي أعتراض
سحب كيس القُمامة المُعلق حول يد ناقل الحركة وحذفني به.
إشتاط غيضًا حتى انتهى به الأمر
إلى حذائه الذي أصاب وجهي.
كان الرب قد بعث فيَّ سكينة هائِلة.
قوة مُضاعفة لم أستخدمها من قبل،
ولم أعرفها حتى في كُل حياتي.
فردة فعلي كانت راسِخة،
كجبل فعل ذلك لأن أمرًا إلهيا أراد ذلك.
وعلى الرُغم من ثباتي، شعرتُ بأنني
أبكي بداخلي واستصرخ النجدة.
ولأنني مؤمنة منذُ زمن بأن المظهر الذي يبدو عليه
الإنسان أمام الآخرين ما هو إلا ستار لما يحدُث بداخله.
كان يبدو علي طيلة حياتي ما أُريد أن أبدو،
وأخفي ما أُريد أن أخفيه.
كانت لديَّ مهارة عالية في التكيُف لذلك،
كان الجميع يضرب بِبلادتي الأمثال.
حرسَت طيلة الرحلة صفاء مزاجها،
فأي دخيل عليها ستُفقد صوابها.

دعوتُ الله سرًا أن يتنازل هذا اليوم عن هبوب الرياح.
أن يأمُر أشعة الشمس بالتوقف عن ضربه.
أن نُكمل الطريق دون الحاجة إلى محطات.
لكن خزان الوقود خذلني.
توقفنا في مُنتصف الطريق، عند المحطة ليملأه.
وقبل ترجُله، وجه الرُكاب عبارة تحذيرية، قائلًا :
من يخرُج من الحافلة لن يصعد مُجددًا، مفهوم؟.
وحين خرج سحبتُ نفسًا عميقًا.
راقبته من النافذة.
كان قد إبتعد مسافة لا بأس بها.
زادت ضربات قلبي.
وبِخطوات قليلة مُرتجفة،
أصبحتُ مكانه.
أقفلتُ الأبواب.
والعرق يتصبب من جبيني.
ضغطت بقدمي على دواسة الفرامل.
حررت المكبح اليدوي.
ثُم أنطلقت.
لقد كُنت الراكبة الوحيدة التي صعدت الحافلة.

أعيشك 02-27-21 02:03 PM

أحتاج أن أبدأ بشكلٍ مُختلف،
سيّدة باردة الأعصاب،
لا تُبالي..
أو لا تُبالي كثيرًا على الأقل،
ولا تستفزها الغيوم المرتبة كالقمصان البيضاء،
وتأكُل بشهية وتتلذذ طبق الباذنجان المسلوق!.
لا تحرِق دمها من أجل مزاج رجُل لعوب،
أو لا تحرِقها تمامًا..
ولا تُفكر كثيرًا بما وراء الأخبار،
ولا يشغل بالها بالصبيّة التي هجرها صديقها في الفيلم الأجنبي!.
تختار ملاءة السرير من دون أن تتوقف كثيرًا عند لونها،
ولا تصفنّها في العاشرة كالحمقاء،
هل شربت قهوتها الآن؟.
وتُنظم في ازدحام المرور بطواعية مدهشة،
لا تتذمر، ولا تتأفف،
ولا تتوتر أصابعها على مؤشر الإذاعات بحثًا عن أغنية مهدئة!.
تُفطر صباحًا، وتتغدى ظهرًا، وتتعشى مثل التلميذة النبيهه،
دون أن تخلّ بمواعيد الحليب، وتنظيف الأسنان،
والقُبلة على خدّ الأم الأيمن وخدّ الأب الأيسر!.
تجلس بين يدي مُصففة الشعر كالمريضة الأليفة،
وتدفع فاتورة الكهرباء قبل استحقاقها بساعتين،
وتضحك لأي نكتة ساذجة أو قليلة التهذيب يقولها
مديرها المباشر أو حتى غير المباشر!.
امرأةً لا تدهشها بعد اليوم ضحكة عينيك،
ولا تكترث كثيرًا بما يثيره صوتك في الهواء،
كخبط أجنحةٍ غضّة لعصافيرٍ صغيرةِ السنّ،
وتحضر كل المناسبات العائلية، والعشائرية، بإلتزامٍ بديع!.
أحتاج أن أبدأ من جديد بلا أعصاب مهتاجةٍ لأغبى الأسباب،
وبدون هذا التوتر الذي يتراكم أعقابًا بيضاء مدعوكةً في المنفضة.
امرأةً بلا ذاكرة مجرّحة،
ولا أسرار ملوّنة أو وردٍ خجولٍ في مقعد السيارة الخلفي،
ودون كومة كتبٍ على رخام المطبخ،
أو صداعٍ نصفي لأن السماء لم تمطر جيدًا، وكما ينبغي لها!.
أحتاج أن لا تدقّ أغنيات فيروز في أعصابي،
مثل تلك المطرقة الصغيرة في يد الطبيب على ركبتي،
ولا تستوقفني الحرب في اليمن،
ولا تعصف بي عينا رجُل مرَّ من خلف ظهري،
وألا أشهق إن رأيت فستانًا حريريًا أحمر!.
أحتاج أن أرى إسمك على شاشة الهاتف، على الطاولة،
فأواصل ذهابي للمطبخ كأن شيئًا خارقًا لم يحدث للتوّ!.
وأحتاج أن أمرّ بذلك المقهى دون أن أتسبب بحادث سير،
وأمرّ بذلك البحر فلا تتبللّ عيناي،
وأن (أمرّ بإسمك إذ أخلو إلى نفسي )
فلا ينتابني ما خاف درويش أن ينتابه إن مرّ (بأندلس)!.
أحتاج حائطًا لم نخربش عليه في صخبنا،
وصورة لك إن رأيتها لا يتكوّم الحنينُ في حلقي،
ورجلٌ لم يرى واحدًا منا وحده.. ولو مرةً!.
كل ما هنالك أنني أسعى للهدوء،
أحتاج كمشةً من الهواء النقي،
المغسول، ما يملأ قبضة يدي فقط..
أتنفسه،
وأدّعك به وجهي،
وأقدم منه لضيوفي المخلصين!.

أعيشك 02-27-21 09:00 PM

أكثر من عشرين سنة من المشي الخطأ،
بالساق الخطأ، في الطريق الخطأ!.
وإرسال رسائل الى الرجُل الخطأ،
في العنوان الخطأ.
كومةٌ من الأخطاء في خانة الإسم،
وتاريخ الولادة، وجيوب القميص.
في الهوى، والبيوت، وكأس الشاي،
والكتابة، ومقاعد الطائرات،
وفي اختيار نوع الخبز لوجبة الإفطار.
سفرٌ كثيرٌ أيضًا بالحافلات الخطأ،
من الـ هناك إلى الـ هناك،
لم يكن لنا أبدًا يومًا : هنا!.
لا أحمل من أثاث عائلتي غير حكايات خِسرانها،
ولا أتذكر من احتفالاتهم غير الجنازات،
ولم ينادني أبي يومًا ليقول لي: هذا اسمكِ الحُّر..
احمليه وحلّقي به، طيري إلى ما شئتِ!.
كان اسمي لِعشرين عامًا مخبأً تحت الوسادة،
خوفًا من هراوة الشرطي،
وسخط الملاك القابع فوق الكتف اليسرى،
وأعين الجيران، وحسد الخالات، ونقمة أحدٍ ما..
لا يروقه اسم جدي أو لون عين جداتي!.
أكثر من عشرين سنة من الحرب الخطأ،
والانتصار في المعركة الخطأ،
ودفن موتانا في المقبرة الخطأ،
والهتاف للبطل الخطأ!.
لسببٍ ما،
كنت أشعُر أن عليّ الاعتذار كل يوم،
لأحدٍ ما،
عن وجودي،
وعن الضجيج الذي أسبّبه في هذا الكون المدوزن جيدًا،
وعن أخطائي الفاحشة الكثيرة التي هي
حتمًا تعكّر ليلاً رائقًا.. لأحدٍ ما!
دائمًا ما أحسست أن عينًا كبيرة ترقبني،
وعليّ بالتالي أن أرتب ملابسي،
وأغسل فكرتي من احتمالات تأويلها،
وأدقق جيدًا في كلامي!.
كنت أرى العين كثيرًا،
ما تمدّ لسانها لي، تماحكني، أو كأنما:
"ما الذي تفعلينه هنا؟
وما الذي تفعلينه وأنتِ فتاة طريّة العود بكل هذه الأخطاء؟.
تتلفتُ الفتاة خلفها : يا إلهي .. كل هذه الأخطاء لي؟."
عشرون سنة من الضلالة العاطفية،
ومن رسائل بريدية لا تصل،
ومن ضياع الحاجيات في التباس العناوين،
ومن الركض بالساق الخطأ حاملةً فكرتي
الخطأ على الظهر الخطأ!
عشرون سنة وأنا أنحتُ أصنامًا من تمرٍ غير صالحٍ للأكل!.
وكنتُ أحبُ أخطائي،
وإذ أخلو بهنّ أحتضنهن بحنوّ كأنهن شقيقاتي الصغيرات!.
للخطأ مذاقٌ لذيذٌ، ولاذعٌ،
تحت اللسان،
مثل حُبيبات السُمّاق،
يترك رعشةً شهيةً على باطن القدمين،
حين نُقدّم رِجلاً ونؤخّر أخرى!.
أكثر ما يؤلم أن تصحو،
أنا لا أريد أن أصحو،
لا أريد أن أرى بطلي يتزوج وينجب
أطفالاً ويمشي في الأسواق،
ولا أريد أن أصدق أن معركتي كانت
حلقة من حلقات (الكاميرا الخفية)،
وأن موتاي الذين صفقت لهم كانوا كومبارس رخيص الأجر،
في تمثيلية رديئة السيناريو!
الحقيقة ليست دائمًا طيبة المذاق،
وأخطائي التي رتبتها في خزانتي عشرين سنة،
هي لي تشبه النياشين والأوسمة،
لامعة، وبرّاقة، وأستحقّها!.
أكثر من عشرين سنة وأنا أقرع جرس البيت الخطأ!.
من أنا بلا أخطائي؟.
فتاةٌ حمقاء تهجس برضا الضابط وإمام الجامع،
وحارسين عظيمين عملاقين يتربصان،
وجثتي لاتزال ساخنة أن يسألوني :
لماذا خمشتِ التفاحة بأسنانكِ القاسية؟.

أعيشك 02-28-21 08:48 AM

تخليت عن هذا الحُب،
وأقسمت أن لا أعود لك أبدًا.
لم يكُن هذا برغبة مني،
أن أتخلى بسهولة هكذا،
إنني أحتضر بشاعة ما أشعُر به،
والمرض يتجسد جسدي بِشكل بشع.
فقدتُ كُل ما أملك.
وأنتَ أيضًا لن تدوم أبدًا.
وروحي أيضًا لن تدوم.
أتمنى الرجوع،
لو يعود بي الزمن وأفعل الصحيح لكن،
القدر أراد أن يُصيبني بهذا البلاء.
أتمنى الآن بأيامي الأخيرة أن أقضي
معك الكثير من الوقت يا عزيزي.
أعتنِ بنفسك جيدًا.
سنلتقي يومًا ما.
أُريدك أن تعلم إنني فعلت هكذا
لأجل لا يحزن أيٍ منّا.
رُبما يومًا ما ستعتاد أن تكون بدوني.
هذه السطور ستبقى فارِغة،
وأحتفظ ببعض الحروف بداخلي.
آسفه، لم يكُن بإختياري.

أعيشك 02-28-21 11:07 AM

ليس مُهمًا كل هذا الذي قلتهُ لك،
المهم ما سأقوله الآن، فإسمع جيدًا :

أنا لن أعتذر عن نوبة عشقٍ عشتها،
ربما لم أكُن سيّدة مشيئتي في تلك الساعة،
أنتَ من كان يحكم الكرة الأرضية في تلك اللحظة،
ويقودها من قَرنيها،
وعليك إذًا أن تعرف بأنك أنت من زَوّج النجوم لبعضها،
ودلق كل ذلك الصخب على قماشة السَكينة!.
ليس من الفروسية الآن أن أعتذر عن برق
الحب الذي التمع للحظات في خاطري!.
ربما كنت أحتاج دوزنةً،
نعم ..
هذه ذريعة لذيذة،
أُحب الأغنية السودانية التي تقول :
"أحتاج دوزنةً، وترًا جديدًا."
لا يضيف إلى النشيد سوى النشاز،
وأنا أريد فوضاي مرتبةً بكفّيك القليلتين،
ولا أريد من النشيد سوى ضحكتك التي تخضّ دمي،
وتوقظني من وحشتي، ومن فزع العشرين!.
والحب عمومًا يحدث هكذا،
من دون نوايا مبيتة،
تمامًا كحادث سير!.
الفارق الوحيد ربما أن الكثيرين
ينجون من حادث السير بلا أضرار.
أقول لك تعال ندخل الشتاء المُقبل معًا،
وأقترح أيضًا أن نجري بعض التعديلات
على هذا الفصل الغارق بالبلل، فمثلاً :
يمكنك هذه السنة أن تلبس قمصانًا صوفيًا نسجتها لك بيدي،
وأن تصنع لي قهوة بالماء الذي يتقطّرُ من شعرك،
وأن تستخدم أنفاسي لتُدفئ كفّيك الباردتين،
وأن نخمشَ الغيمات بضحكنا العالي فيسّاقط المطر أنّى جلسنا.
أمّا لون الثلج فأقترح أن نبقيه أبيض،
جميلُ أن يصير لون الثلج أبيض!.
هكذا، ومع هذه التعديلات التي يصعب
نشرها كلّها هنا على عموم القُراء،
ومع بعض الإضافات التي قد نجريها لاحقًا،
يمكن ترتيب شتاء لائق بعض الشيء،
ثم إننا لسنا مضطرين للتعامل مع الشروط المناخية،
ففي حال اتفقنا يمكن تحضير شتاء منزلي،
من دون انتظار التشرينين أو الكانونين!
المهم هُنا فقط أن تدرك كم من الوهج
يمكن أن ينجم عن علاقةٍ كهذه،
وكم من الموسيقى تندلع في أصابعي حين يرن هاتفك.
ولا أرُيد أن أثرثر كثيرًا بخصوص
الإرتباك الذي يجتاحني حين تضحك،
لك ضحكةٌ تخض دمي،
أقُلتُ لك ذلك؟ لا بأس..
أشعُر أني أريد تكرارها،
أنتَ رجُل تخضُّ دمي..
تخضُّ دمي وأنا في عمرٍ ما عاد يحتمل أي رجفة قلب،
جرّب إدّعك قلبي بكفّيك،
أُنظر كم هو منهـكٌ ومليء بالتجاعيد،
وأن نبضه أقرب للتثاؤب،
اضحك، اضحك بصوتٍ أعلى،
بصخبٍ أشد، رُجَّ الغرفة بالضحك.
خُضَّ دمي! خُضَّ دمي! خُضَّ دمي!.
أحتاجُك لأتوازن، ونحتاجُنا لنعيش!.

أعيشك 03-01-21 08:25 AM

أنجبتني أُمي وأنا أُعاني مرضًا في الدم،
مرض وِراثي لا عِلاج له ويستمر لنهاية العُمر.
رقدت في المشفى لمُدة شهرين مُتتابعين،
أكتفيت بهما من الصراخ والإبر وتلك الأسلاك
الغريبة المُلتصقة بشكل مؤلم في يدي.
استبعد الجميع أن أبقى على قيّد الحياة.
لكن ها أنا الآن أكتُب لكم مُعاناتي الأولى،
والوحيدة والمُستمرة أيضًا.
عندما بلغت العامين لم أكُن كأي طفلة
تُحب اللعب وحضن أُمها.
لقد كُنت مُنغمسة في غُرفة قديمة من غُرف المنزل،
وحولي مناشف لففتُها على شكل أطفال.
لقد أعتنيت بدُمى المناشف أكثر من عنايتي بطفولتي آنذاك.
في الرابعة من عُمري أحببت الكُتب،
لقد كُنت أدخل مكتبة أبي خلسة وأقرأ بالمقلوب كُتبًا لا أفهمها.
جميع أطفال العائلة في ذلك الوقت كانوا مُنهمكين في
الركض بالشوارع وفي ممرات المنزل الضيّقة،
أما أنا فقد كُنت ساكنة وعقلي يركُض إلى
أماكن مازال يجهلها حتى الآن.
لازلت أذكُر عندما يُسافر أبي يسألني في مُكالمة هاتفية حنونة :
ماذا تُريدين أن أجلب لكِ معي؟.
كُنت أُجيبه بنبرة يحشوّها البُكاء والتحنان :
أُريد قصصًا يا أبي، أُجلب لي قصصًا جميلة معك.
وعندما يأتي كُنت أسلم عليه وأسأله عن كُتبي فيعطيني إياها.
ما ألبث أن أمسك بها حتى أركض لتلك الغرفة،
أتصفحها بِشغف ثم أبدأ في القراءة إلى أن أنام.
لقد كُنت طفلة ثرثارة بِطريقة تُزعج من حولي لدرجة أنني
أضطررت لمُحادثة بطانيتي ودرج ملابسي
بِلا إدراك إنها لن تُجيب علي.
وقت ما دخلت المدرسة تولت مُعلمة خاصة أمر تدريسي.
لكن كانت أحداثها معي نُقطة تحول
في أيامي التي أعيشها الآن.
كانت تضربني ضربًا مُبرحًا،
نعتتني بالغباء وجعلتني إجبارًا أكتُب
بيدي اليمين عوضًا عن اليسار،
بسبب التشدُد الديني الذي كانت تؤمن به.
أذكُر مرة أنها ألصقت على ظهري عِبارة : "أنا كسلانة"
وجميع أطفال المنزل يركضون خلفي وهم ينعتوني :
"يا كسلانة، يا كسلانة".
أصابتني لعنة التأتأه وباتت لا تخرج
مني كلمة إلا بصعوبة بالغة،
ضحك علي الأهل والزملاء في المدرسة.
رُبما حتى أنا سخرت من نفسي.
لم يكُن لديَّ صديقات في المدرسة.
كُنت منبوذة والكل يهرب من الحديث معي،
لأني شخص مُمل لا يتحدث.
أو بالأحرى أنا اتجنب الحديث مع الآخرين.
ولا أتحدث مع أحد بتاتًا،
بالكاد يسمعون صوتي بالمُشاركات بين الحصص.
لدرجة عرضت المُعلمة في المدرسة على أبي
بزيادتي لطبيب نفسي أو ماشابه.
لا أدري رُبما كان الكلام أكبر من حجم
فمي الصغير في ذلك الوقت.
أنهيتُ دراستي ولازلت لا أستطيع الإجابة عن حقيقتي.
ولا حتى فكّ تلك العُقدة في لساني.
أصبحت أكتُب بِكلتا اليدين.
أنا مازلت مُبهمة ولا أعرف وجهتي.

أعيشك 03-01-21 03:47 PM

أعيشُ حياة بائِسة نوعًا ما،
وأيامًا عديدة.
لا شيء يُثير اهتمامي.
أمضي بِقلب لا يُبالي بأحد،
ولا يعمل لأحد، لكنهُ أحبّك.
هذه حقيقتي الواضحة.
حُبك الذي مهما أخفيته،
وجدته يظهر على ملامحي،
وعيناي وتفاصيل يومي،
وبين أصدقائي.
حُبك الشي الذي لا ينفك عني،
ولا يخرج مني مهما حاولت اخفاؤه.

أعيشك 03-02-21 05:44 AM

كُل الآلام ليست إلا أشياءً صغيرةً تُشبه البالونات!.
ستتضخّم ثُم تنفجر وتتلاشى في نهاية الحِكاية،
وهذا ماكان تقوله والدتي الراحِلة كُلما رأت غيّمة
سوداء فوق رأسي كما أسمّتها، كانت تقصد أفكاري.
وأنا في الرابعة كُنت لا أُجيد رسم حرف اللام،
قالت لي وهي ترفع عصاها مُنعقفة الرأس :
أُنظري هكذا حرف اللام،
كُل ماعليكِ فعله هو قلبُ هذا العصا.
مرةً سقط قدرُ الماء المغلي قُربي مما تسبّب بحرقٍ واضح
على فخذي لتُهرع هي نحوي واضعةً معجون أسنانٍ فوقه مُرددة :
لا عليكِ، أظنّ الندوب جيّدة وإن كانت سيئة، المرء الذي لا
يملك ندوبًا لا يملك ذكريات، ستتذكرين هذا الحرق
ثُم تضحكين حين تكبرين، أعدُك.
في ظهيرةٍ لاسعة عُدت مرةً من المدرسة،
أخبرتُها أن مثانتي مُمتلئة وأرغب في شُرب الماء لتُصبح فارغة،
لم تفعل شيئًا هي غير الضحك حتّى بزغت عروق عُنقها،
ولم أفعل أنا شيئًا سوى الإستغراب،
ثُم قالت وهي تسترجع نفسها :
حمقاء، مثانتك مُمتلئة والماء سيُفجرها،
كُل ماعليكِ فعله هو إفراغها بالذهاب إلى دورة المياه،
ثُم عادت للضحك وهي تُردد : حمقاء يا بُني حمقاء.
ذهبت والدتي لتُترك لي شيئًا يُشبه البالون في صدري،
لكنه يختلف عنه في شيء!.
إنهُ لا ينفجر ولا يتلاشى،
هل تعلم ماذا تبقى لي منها بعد موتها؟.
مثانة أخشى امتلاءها هربًا من الذكريات.
نُدبة في فخذي تُبكيني لا تُضحكني كُلما رأيتها،
وإحساسُ يُشبه العصى في قلبي يضربني
كُلما هممتُ برسم حرف اللام.

أعيشك 03-02-21 04:31 PM

وصفُ المُعجزات،
صلواتٌ ربي،
على حُسنك الأخاذ،
مطرٌ أنتَ،
وأنا أرضُ الرِمال التي
حلّت بركاتُ حُبك عليها.
صولجانٌ على عرشٍ،
لا يحكمُك سِوى
ذكاءُ عقلك،
ولا يملُكك سِوى
نبضُ قلبك العفيف.
كَكون عظيم.
ثمانية كواكبُ بك!
والتاسِعُ ذلك النور في مُحيّاك.
بُستان وردٍ طائِفي،
من هُنا وهُناك يفوحُ منك،
عطرُ رحيقك المُنعش.
أيازينةُ الحياة،
أنتَ البنينُ والبنات،
والمالُ الذي يغني في الحاجات.
في زوالِ التعس مني!
كأنك الشمس،
كقمرٍ يطوي عتمة النفس.
نسيتُ أمرًا ! أنتَ
كضبابِ بلدتي المُفضلة،
تنثُر الجمال على كُل الأرجاء،
كجبالِ ضِفافها،
تذهلُ العابرين وابتسامتكَ
مثلُها تمامًا تدهشُني.
كيف لي أن أحبّك ولا أكتُب؟
كنتُ لأصبح حقيرة،
بكَ عشقتُ يداي المفردَات.

أعيشك 03-03-21 05:26 PM

أتعلم أن بالأمسِ قضيتُ ليلي الطويل لوحدي،
مشيتُ كثيرًا،
وكتبتُ الكثير من النصوص،
وبحثتُ عنك،
ولم أستطع إيجادك.
بقيتُ لوحدي حتى ظننتُ ولوهله
أن الأرض تُريد ابتلاعي.
قرأتُ الكثير من القصائِد،
فوجدتك تحت كلمات نِزار قبّاني.
وفي مُقدماتها أيضًا،
وجدتُك رجُلاً خشن،
يتلحفُ الكلمات،
ويتّبع الأُغنيات.
ووجدتُك ترحل آلاف المرات.
ووجدتني أسيرُ خلفك.
مثل سجينةُ مُكبلة بالأغلال بكُل أسى،
وحزينة، وبكُل إستسلام.
أسيرُ ورأسي للأسفل أُحدق في التُربة،
ولا أُريد أن أفسد فرحتها بِتساقط المطر.
فمن شدّة عطشها لم تشعُر بالفرق أبدًا،
بين عُذوبة ماء الغيّم وملح دموعي.

أعيشك 03-04-21 04:38 AM

أنام وأنا خائِفة أن يضع
أحدهم يده على مقبض الباب،
مُحاولاً إقتحام عالمي.
الخطر يزورني من تطاير النافِذة.
ترتعد أطرافي وتنتابني رغبة في التقيؤ.
العالم أجمع يسكُن بداخلي.
لا أستطيع الإستيقاظ.
جاثوم الذعر فوق صدري.
أقترب من خط النهاية ولا أصل.
شيءُ خرج من العُمق،
رُبما دُخان الحنين والوجع في آنٍ واحد.
وعرفتُ أخيرًا بأنني لم أكُن سوى
جُزء مِما حدث في الغسق.
وتبقى أكبر صفعة أتلقاها إنني أصبحت
وحيدة بعدما كان يسكُن جسدي شخصُ آخر.

أعيشك 03-04-21 02:57 PM

لم أفعل حتى الآن أشياء خارقة،
أشياءًا تسمح لمن حولي التغني بها.
ولا أملك صفات مُبهرة،
تدفع الجميع للتقرُب مني بسببها،
والتباهي بها أمام الملأ.
كُنت دائمًا هادئِة،
أصمُت طوال الوقت إلا ما نَدر.
جيّدة في إظهار المحبة لمن هم حولي،
وبارعة في جعلهم يشعرون بأنهم
أفضل ما وُجد على هذه الأرض.
أتحدث كثيرًا عن أبي،
ألطف سيّد على وجه الأرض وأوسمهم.
كُلما دخلت عليه صدفة إلى مكتبة،
وجدته يشدو أغاني عبدالحليم حافظ
بصوتٍ عذب لا أحد يمتلكه.
مايُخيفني هو تقدمه السريع في السن،
ولطالما تمنيت لو أملك مُعجزة تجعله
يصغر أكثر كُل مرة.
لا أعرف أُمي كما تنبغي.
أو أنني ولفرط ما عرفتها أردت أكثر
الإبتعاد عن كُل طريق يؤدي للحديث عنها.
امرأة صارمة مثل أولئك الذي تراهم على
شاشة التلفاز بوجهٍ غاضب على الدوام،
ولا تستطيع التقرب منها أو أن تعترض طريقها.
فيما مضى كُنت أحلم أن أحبها حينما أكبر،
لكني أكتشفت بأن كُل سنة تأخذني بعيدةً عنها أكثر فأكثر.
لأنها ليست موجودة بعد الآن، سِوى بِأحلامي.
أبدو لمن حولي قلبًا بإتساع السماء،
وأرقُ من نسمة الهواء،
وأخف من القطن.
رُغم كوني مليئة بالقلق،
ألا أنني أعرف كيف أهبهم الأمان بشكل دائِم.
فاشِلة جدًا في العلاقات،
ولا نصيب لي في الحُب أبدًا.
ذات مرة أحببتُ أحدهم رُغم كونه رائِعًا
ويملك تأثيرًا عذبًا في قلوب الآخرين،
إلا إنه لم يترُك في قلبي مساحة آمنة،
أكمل بها الطريق من بعده.
لا أُجيد التحدث عن لحظاتي السعيدة،
لأنها قلةُ ما عشتها.
وإن حدثت فإني أترُك قلبي يهيم في سماء
الله فرحًا لا أحد يُجاريه في التحليق.
روحي طفلة حين أفرح،
وحين أحزن أصبح امرأة طاعنة في السن،
تكسو التجاعيد روحي،
وفي أي لحظة أظُن أني سأترك مكاني
خاليًا رُغم أنه لن يشعُر بغيابي أحد.
لا ..
أبي سيفعل.
قال لي مرة أنّ حين أتأخر عند عودتي إلى المنزل،
يشعُر بالقلق والفراغ يُسيطران على المكان،
لذا أخشى على روحه من أن يتألم حين أختفي.
مُرهفة ألحسِ كُنت ولا أزال،
تبكيني النصوص التي أستمع إليها كُل ليله
قبل أن أنام وتتعذب روحي حين أستمع لقصة
فُراق حدثت في الطرف الآخر من الدُنيا.
لذلك أنا وحيدة دائمًا،
لخوفي من أن أعذّب من أُحب بِرقتي.

أعيشك 03-05-21 05:10 AM

منذُ أن مرّت علي هذه العبارة من فيلم " Contagion " :
" الإنسان الطبيعي يلمس وجهه من 2000 إلى 3000
مرة في اليوم "، وأنا أخوض ما يشبه التحدّي.
مدفوعة بعدم التصديق أو صعوبة الإستيعاب.
إذْ بدأتُ أُراقب يديّ بإرتياب من يشتبه في أهل بيتي،
مُحاولًا اقتناص أدنى شاردةٍ وواردة تصدُر عنهما،
ومُحصيًا المرات التي ترتفع فيها أيَّ منهُما لتلمس وجهي.
وقد بلغتُ من التفاني في مُهمّتي حدّ أني لم أعرف إن كُنت
أفعلها خوفًا من إلتقاط العدوى، أو لمُجرد الشعور بالضجر.
في الأيام الثلاثة الأولى بقيت يداي مُستمّرتين في ظل هذا
الإنتباه الطارئ، وكأنّ الستار رُفع عنهما في لحظةٍ مُخلّة،
لكنني لم أمنعهُما تمامًا من لمس وجهي، وإنما قيّدت
حركتهما لتُصبحا في إطلاق سراحٍ مشروط.
فحين يأمر دماغي يديّ بأن يفرُك جفني،
تبرُز خطوة تحقّق إضافة قبل التنفيذ،
كخاصية الأمان في تطبيقات الهاتف.
إذ تطلب يدي في أجزاءٍ من الثانية إذنًا ثانيًا
مني قبل أن تُنفذ ما أُمرت به، وهكذا.
أُضيف شخطةً إضافية إلى خانة الإحصاء :
( 137 لمسة لهذا اليوم ).
في الأيام التالية لخصت إلى مُعظم الحالات التي
ألمس فيها وجهي مُباشرةً تنحصر في التالي :
حكّ العين أو الأنف - غسل الوجه والوضوء - هشّ الذباب -
تناول الطعام - إسناد الذقن والخد أثناء الشرود -
فتل الشعر - لمس الجبين تأثيرًا بالصُداع - عضّ عظمة
الأصابع أثناء كتابة تعبير - وبعض من اللمسات العارضة
اللاإرادية مثل حكّ الذقن لحظة التفوه بكذبةٍ بيضاء - ووقت
الضجر، وبالطبع اللمس الذي يحدُث أثناء نومي ولا أعرف عنه.
وقت عزمت على إيقاف هذه اللمسات
العبثية أو تقليلها إلى حد أدنى.
فصرت قاطعة طريقٍ بين يدي ووجهي،
وبنهاية اليوم السابع أوشكت أن أسجّل رقمًا غير مسبوق :
( 20 لمسة فقط ! ).
لولا أنّ رجُلًا وسيمًا أستوقفني
بينما كُنت أمشي على حافة الرصيف،
وسألني ما إذا كُنت أملك ولاعة،
ولا أدري لمَ وضعتُ يدي في حقيبتي وأنا لا أُدخن،
ولمَ ارتفعت يدي الأُخرى لتلمس وجهي ببلاهةٍ وبدون سبب،
قبل أن أعتذر منه وأمضي.
في تلك الليلة سمحتُ ليدي بأن تُصفعني على وجهي،
لكنني تقريبًا ..
لم أشعُر بشيء.
وضعتُ لنفسي هدفًا :
( عدم تجاوز 10 لمسات في اليوم ).
وتبعًا لذلك كيّفت نفسي على تقليص مرات الوضوء،
وتناول الطعام بالملعقة عوضًا عن اليد،
وتجاهُل الرغبات الملحّة بحك أجزاء مُتفرقة من الوجه.
بدأ دماغي يفهمني.
وذبلت يداي في جيوبي.
أما وجهي فصار مكانًا مُنزهًا.
تغشاه السكينة.
كرأس جبلٍ توارى خلف السُحب.
ولاحظت أنه يزداد خفّة وتطلُّعًا وكأنه يوشك أن ينفلت.
كان يكفي أن أنظُر إلى نقطةٍ بعيدة لأشعر أنه
يتحرّر مني مثل غزالةٍ تعدو وتختفي في الأُفق.
في تلك الفترة كُنت منشغلة بنفسي أكثر من أي وقتٍ مضى.
أمشي بحذرٍ وبصري في الأرض.
ولا أنتبه لمن يُناديني من أول مرة.
وكُنت أعلم أن هذا اليوم ( الخامس عشر ) سوف يأتي،
إذ قرّرت ألا ألمس وجهي أبدًا لـ 24 ساعة كاملة،
ولم يعُد الأمر بدافع الوقاية أو التحدّي،
بل لأنني أصبحتُ أشعر بمهابةٍ تتعاظم يومًا بعد يوم
إتجاه وجهي، وأدركتُ أنه يملك حياته الخاصة،
وكلّ لمسةٍ تعُد تدخلًا سافرًا في شؤونه.
عزلتُ نفسي في غُرفتي كالمُعتاد وظللتُ دون نوم
لـ 24 ساعة، ودون تناول أي طعامٍ أو شراب.
وحين استلقيتُ على ظهري،
انفصل وجهي عني كنفثة دُخان،
وظلّ طافيًا فوقي للحظات قبل أن يُغادرني إلى الأبد.
أعلم أن كثيرين ما زالوا يرون وجهي في مكانه،
لكن قد يخفى عليهم أنّ ما يرونه ليس سوى أثر،
مثل نسخةٍ باهتة من أوراق الكربون،
أما الوجه الأصل فلهُ روحه المُستقلة.
وقد يُغادرك حين تدعه وشأنه.
ولن يفهم ما أعنيه إلا قلةٌ ممن عاشوا نفس تجربتي.
كان أبي أول من لاحظ شحوبي،
وأرجع ذلك إلى سوء تغذيتي موبّخ إياي على إهمالي.
وحين كان أحدهم ينظر إليّ في الشارع أو مكانٍ ما،
أشعُر أن نظراته تسقط في هاويةٍ كان وجهي يسترها من قبل.
أما الحكّة التي تعتريني فجاءةً في أنفي أو خدي،
فصارت مُجرد تنميلٍ لشيءٍ لم يعُد موجودًا.
أحيانًا كُنت أقف أمام المرآة وأتأمّل انعكاسي الواهِن،
وأتساءل أين يُمكن أن يكون وجهي الآن؟.
وما الذي يفعله؟.
لعله يتشبث بغيمة،
أو يطفو على سطح المُحيط،
أو يسكنُ شُرفة رجُل وحيّد،
أو يخوضُ حربًا.
ولا أستبعد أن يكون قد التصق بوجه فتاةٍ أقلّ شرودًا مني.
وكثيرًا ما كُنت أُحاول أن أتذكّر ملمسة دون جدوى،
فلم يبقَ لي منه سوى إسفنجةٍ منزوعة الروح،
تزداد انكماشًا يومًا بعد يوم.
وذات ليلة استيقظت من نومي مُنتقضة
وشاعرة بحنينٍ جارف لشيءٍ لا أعرفه.
وعلمت على يقين أنّ وجهي عاد إليّ،
تمامًا مثلما علمت أنه غادرني من قبل.
خفق قلبي بشدّة،
وهممتُ أن ألمسه لأول مرةٍ منذُ شهر،
لكنني ..
لم أجد يدي.

أعيشك 03-06-21 07:50 AM

مرحبًا،
أنا " أعيشك " (إسمي الحقيقي
ولستُ " أعيشك " في الحقيقة،
لكن هكذا يدعونني،
حتّى وأنا مُنكبّة على وجهي،
وصوت أنيني يخترق الأرض.
يخرج أحدهم من الطرف الآخر،
وما أن يراني حتّى يصرُخ بي :
" يا أعيشك! ".
السعادة ليست صفة ذميمة،
بل هي أثمن ماقد يحصل عليه المرء في حياته،
ويودّ لو أن تكون أبديّة.
لكن أنت أيضًا بحاجة لأن تتخلّى
عنها لفترات لكي تشعُر بها،
وأن تخوض نقيضها لتبلغ لذّتها.
كُل شيء ستسئم منه إذا ما أقترن بِك على الدوام،
ولاسيما الأسماء،
أشعُر وكأنها إهانة حين يُناديني أحدهم
بإسمي وأنا أمرُّ بشعورٍ مُعاكس له.
لم أُحب إسمي هذا أبدًا،
لكنني لم أرغب بتغييره،
أنا مُجبرة على العيش به.
أُريد فقط بين فترة وأُخرى أن أخرج من عباءته،
أن أنسى كوني " أعيشك " لبُرهه،
وأعيش مع حُزني دون أن يُعكّر صفوه أحد،
ويهرب قبل أن ينتهي منّي تاركًا أحماله عليّ مُترادفة.
إنني أحلم فقط بأن يُصدق حُزني الآخرون،
بأن أُجيد لحظات ضعفي مُدونة في الكُتب والأغاني،
ومُختلف الفنون بشكل طبيعي كالبقية،
لم أجد نفسي بالقُرب منه أبدًا،
كُلّما التجأت إلى مكان وجدتني بعيدة عنه،
مُضادة ونقيضة له.
رُغم كوني مُلتصقة به،
رُغم كُل هذا،
أجد الآخرون يتذمّرون عندما لا
أُجيب على نداءتهم بين حين وآخر،
أي عندما لا أكون " أعيشك "،
لا أُجيب لأنني لستُ كذلك،
ولا أشعُر بأن علي أن أركض خلفهم لأخبرهم بأنه
بعد وقت قصير قد أعود " أعيشك " كما كُنت،
أو أعّلّق لوحة خلف ظهري وأكتب عليها " أعيشك حزينة ".

أعيشك 03-06-21 01:58 PM

روحي في قلبي، في حلقي،
وحتى في أصابع يدي،
تسري الكهرباء الإستاتيكية فيها،
أضمٌ قبضتي بقوة داخل جيوب سُترتي،
وأكمل السير.

.

-أعيشك، في لوحة فنية.-

.

https://www7.0zz0.com/2021/03/06/13/538802095.jpeg

أعيشك 03-07-21 04:40 AM

لو شاء الله أن يهبني شيئًا من حياة أخرى،
فسوف أستثمرها بكُل قواي.
رُبما لن أقول كُل ما أفكر به،
لكنني حتمًا سأُفكر في كل ما سأقوله.
سأمنح الأشياء قيمتها،
لا لما تمثله، بل لما تعنيه.
سأنام قليلًا، وأحلم كثيرًا،
مدركة أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا
تعني خسارة ستين ثانية من النور.
سأسير فيما يتوقف الآخرون،
وسأصحو فيما الكل نيام.
لو شاء ربي أن يهبني حياة أخرى،
فسأرتدي ملابس بسيطة وأستلقي على الأرض،
سأُبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون
أنهم لن يكونوا عُشاقًا متى شاخوا،
دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق.

أعيشك 03-07-21 05:24 PM

بدأت ملامحي تتغير،
فقد لاحظتُ بأن المنطقة
التي أسفل عيناي متورّمة،
لستُ أعلم أسباب ذلك،
ولكنّه من المرجح أن يكون سبب
ذلك واحد من الأسباب التالية،
قد يكون سبب ذلك السهر،
وقد يكون سبب ذلك الوحدة.
ولكن لديّ ملاحظة بسيطة،
إن السبب الأول الذي ذكرته
هو أيضًا مُقترن بالسبب الآخر
الذي أعتقد ربّما هو أسباب كُل
ذلك الذي يحصل معي وبي.

أعيشك 03-08-21 04:23 AM

دخلتُ في حالةٍ من الكآبة والإنقطاع عن العالم،
فغالبًا عندما أجلس مع الناس،
سواءً كانوا طيبين أو أشرارًا،
تتعطل حواسي عن العمل،
تتعبُ حواسي فأستسلم،
ولأني مُهذّبة أهزُّ لهم رأسي،
وأتظاهرُ بأني أفهم ما يقولونه،
لكيلا أجرح أحد.
هذه نُقطة ضعفي الوحيدة التي
أقحمتني في مشاكل عديدة،
أُحاول أن أكون لطيفة مع الجميع،
إلى درجةٍ تتمزق فيها روحي،
وتتحوّل إلى نوع من المعكرونة الروحية.
حتى بعد أن يتوقف دماغي عن العمل،
أُصغي إليهم وأستجيب،
وغالبًا ما يكونون حمقى بشكلٍ لا
ينتبهون فيه إلى أني في مكانٍ آخر.

أعيشك 03-09-21 04:36 AM

عندما فكرت في كتابة مُدونتي،
أحسست أنني أُريد أن أصرُخ،
بكُل ماحدث في عُمري مرة واحدة،
حُب، وفاء، مرض، خيانة، صداقة، ألم
سعادة، رحلات إلى مُعظم بلاد الدُنيا.
بإختصار،
الحياة رحلة رائعة بكُل مافيها من آلام،
والآن أُحاول بهدوء أن أحكي للمُدونة حكايتي.

أعيشك 03-09-21 07:49 PM

حسنًا ..
سأكونُ مُديّنة وأخضعُ لشروطك.
سأتخلى عن مبادئي ومدينتي،
وأترك خلفي كُل مايُقال عني!
سأبتعد عن أهلي، أقاربي،
وأسكن معك حيثُ تسكن!
سأتخلى عن حياتي الزاهية،
عن الإستيقاظ مُبكرًا،
عن الرجال الذين يُحاولون التواصل معي،
سأتخلى عن نفسي، وأستبدلني بامرأة أُخرى.
امرأة مُفصلة كما تشاء!
سأتعلم أن آكل الوجبات دون أن تتسخ ملابسي،
وسأتناول المعكرونة بالشوكة،
وأستخدم الملعقة بدلًا من أن تغطس يدي في صحن الأرز.
سأكون مُهذبة حين آكل، ولن أستخدم كلتا اليدين!
سأكون امرأة مُفصلة كما تشاء!
امرأة تحضنك حين تنام، وتغمض عينيها حين تُقبلها.
امرأة تعطش بعد تقبيلك، وترتوي حين تشرب!
لن أكون فظّة.
لن أغضب منك أبدًا عندما تصرُخ.
سأضحك حين تقول نكتة سمعتها قبل أن تلِد.
سأُخبرك في كُل ساعة إنك وسيم، وإن القمر يغار منك!
ولن أعارضك من أي شيء تود فعله!
سأُسافر معك إلى طوكيو،
ومن ثُم أوروبا، وسنمر برلين،
سنذهب إلى "البرنابيو" في أسبانيا،
وإلى "الأنفيلد" في أنجلترا.
سأجعلك مع جماهير الليفر "لن تسير وحيدًا" تهتف!
سأكتب عنك رواية.
وستكون قصيدتي الوحيدة في حياتي عنك!
سأتغزل بك كُل ليلة.
سأجعل الوسيمين والمُمثلين والفنانين يغارون منك،
بما فيهم كيفانش، دورنان، هيمسورث، وزين مالك!
سأكون لصيقةً بك، سأكون فيك ومنك.
أُقسم برب الشعر، ورب الرواية، ورب القصة والأدب.
سأكون أنت!
وأن لم أستطع،
سأكون لك كُل أشباهك الأربعين!
لن أُفكر يومًا بخيانتك، وسأتخلى عن هاتفي لأجلك،
ولن أستخدم الإنترنت في حضورك.
ولكن ..
لأكون صادقة، لن يدوم هذا إلى الأبد.
سأفعل ذلك كُل ما وعدتك.
ولكن سيستمر هذا القِناع لعام فقط، وربما عامين!
بعد ذلك ..
بعد أن أرتشِف من ريقك، وأثمُل من كأسك،
وأشبع من حُسنك،
سأعود لِمدينتي، وأترك الخيار لك.
ستأتي أو ترفض!
فإن رفضت،
سينتهي كُل شيء وسأستبدلك برجُل ريفي.
رجُل يحمل إسطوانة الغاز فوق كتفه!
ويقول لي كوني مؤدبة حين أُغازله!
رجُل لا يمتلك هاتفًا جديدًا، لا شيء.
ولا يفعل شيئًا واحدًا مما تفعل!
وإن أتيت معي،
ستفعل مثله،
ولن تراني بربطة الشعر السخيفة هُناك!
سأكون أنا، عصبية أحيانًا.
لطيفة مرارًا، فقيرة دائمًا.
لستُ المرأة التي بها تحلم!
لن أعدك بتلبية ما تطلب،
ولن أطهي ما تشتهيه.
كُل ما أستطيع أن أعدك به حينها،
فقط أن أُكافح كي تُسعد!
هذه وعودي، وهذه أنا يا سيدي.
فهل تقبل؟.

أعيشك 03-10-21 05:31 AM

عندما أكبر سأستبدل سرير بآخر
من حديد كلاسيكي جدًا،
أو استبدله بأريكة أشعُر فيها
بعدم الاستقرار أو الراحة الكاملة،
المهم أني سأستبدله بشيء يشعرني
بأن علي ألّا أُطيل البقاء في مكانٍ واحد.
وطاولة جانبية من ذات اللون الرصاصي
الفاتح جدًا، أترك عليها عُلب الدواء،
فأكيد أني سأحتاج إلى أدوية.
الحياة لن تتركني أكبر مُتعافية،
لا بُد من أن أمرض.
لن أحتاج بيتًا كبيرًا وغُرف كثيرة وقتها،
يكفي أن أسكُن بيت بغرفة واحدة فقط،
حتى المطبخ لن أحتاج إليه،
لن آكل كثيرًا،
فقط لقمة بسيطة،
حتى لا أتناول الدواء بِمعدة فارغة.
ستكون النافذة أكبر ودون ستائر،
سأكون بحاجة إلى أُكسجين أكثر،
أكيد أن النافذة لن تكون مُطلة على بحر،
ولا على حديقة ولا على منظر طبيعي كما في الأفلام،
ستكون غرفتي في الطابق الثاني،
أو الثالث أو الرابع رُبما،
المُهم أني أُريدها صغيرة ومُشمسة كثيرًا،
سأصبغ أحد الجُدران باللون الأزرق الغامق،
وسأتركه دون ساعة حائط،
لا أُريد أن أشعُر بالوقت الأخير المنساب والمُتدفق.
في أحد عُلب الماء البلاستيكية سأضع ساق
" بامبو " طويل وأعتني به،
لن يحتاج أن أُضيف له الماء كُل يوم.
مؤكد أني لن أستطيع الحركة بسهولة حينها،
لذلك أُفضل هذا النوع من النباتات.
سأسهر كثيرًا كما أفعل الآن وأنام ساعات كثيرة
جدًا أيضًا وعندما أستيقظ من النوم لن أنهض من
السرير بسرعة، سأبقى في مكاني لبعض الوقت،
لا أعرف لماذا لكن أُحب ذلك الشعور،
شعور باليقظة بعد النوم، لأني سأنام طويلًا على أي حال.
سأُقلص عدد الأشخاص الذين عليّ مُقابلتهم،
لن أجعل أحدهم يضطر لأن يُعيد كلامه
مرتين لأني لم أسمعه،
أو يضطر لمُساعدتي حتى أصل إلى الغُرفة،
لن أستخدم التلفاز مُطلقًا، ولا المرآة.
لن أُشارك جيل ذلك الوقت،
فأُصاب بالحرج من قلة المعرفة،
أو يُصابون بالعناء لأني لا أعرف.
لن أحتفظ بشيء من الماضي،
سأتخلص من الهاتف ومن المحمول،
ومن مُذكراتي القديمة،
ومن جميع اللوحات،
حتى الكُتب سأتخلص منها.
عندما أكبر سأكون بمُفردي،
سيهدأ الضجيج،
سيعُم السكون غرفتي،
ستتناقص عدد الرغبات التي علي أن أُحققها،
سأتجه نحو النقص والتقليل والتقلص،
ستقل رغبتي في التبضع،
في اقتناء الأشياء،
سأهتم بالأفكار،
سيكون هذا الطور مُناسب جدًا للأفكار،
لا أُريد أن أصبح مريضة جدًا عندما أكبر،
وكثيرة الكلام والسأم،
سأكون أكثر هدوءًا وسكينة،
سأنصُت،
سأقرا الجرائِد كُلما شعرت بالوحدة،
لكن لن أبحث عن شيء، أو معاني.
سأشرب القهوة أكثر،
ستتحول هذه الغرفة إلى صحن ضخم،
وسأتحول بدوري إلى شمعة،
سأذوب تدريجيًا مثلها أيضًا،
لا أُريد أن يشعر بموتي أحد.

أعيشك 03-11-21 04:39 AM

يَدي الملوثة بخطايا روحي الهامِدة،
لم تعلم ولو مرةً واحدة أنها تملسُ قلبًا طيبًا وبسيط.
أمضي كنتُ مرارًا والجراحُ تتلوّن ولكن ببُطء.
كانت على شكلِ إغتِباط،
ومرةً على هيئةِ استبشار أنّ سنين الأسى انتهت،
لا ينتَهي المُرّ،
وهذا أمرٌ لابُدّ من ادراكهِ جميعًا،
نحنُ هُنا على هذا الوحلِ جميعًا حتى نموت،
نعم ستأتي لحظةٌ نتهلّل بها،
سنرى الدُنيا مراتٍ وكأنها نُسخة من الجنّة،
لكنَ كُل ذلك جزءٌ من الحُزن.
لعلّك لا تعلم!
منذُ الخطوة الأولى للبشرية على هذه الأرض،
كُتِب لنا المشقة حتى يُنادي ربّ العباد لكلِ واحد منا،
في يومٍ مُرتقب،
وحينها الأعمال الحسنة للإله هي التي
ستُحدد الحياة الأبدية كيفَ ستكون.
في مشيئةِ الأقدار اختيرَ لي أن أكون حزينة دائمًا،
وعامٌ الإلهام كان هو البداية لهذا الوهَن،
فمنذُ أن تُوفيت صديقتي،
والبشاعةُ تحتوي داري ومداري.
أصبح كُل شيءٍ سيء ويُشبه ذلك،
تتابُع الليل والنهار،
الشمسُ كالسراب،
والقمر كالأمل الذي يسدل الستار على الدموع.
مازلتُ أُعاني خطيئة يدي الأولى،
نسيتُ أنّي في الدُنيا،
أنّي بشريّة وعلي أن أشعُر بكُل ما يُنهيني،
لستُ شجرة عليها فقط أن تكون ساكِنة إلى الفناء،
وليتني كذلك،
لكي لا ألوّث حائط حُجرتي بما قادتني إليه أيامي.
لكنّني كاتبة!
وهذا الأمر هو أكثر ما يُنعِش الأمل بداخلي،
وأقول : أنّ غدًا أجمل.
ما مِن مفرّ.
أشعُر بأني سأموتُ وأنا أُفكر كيف سيكون بؤسُ القبر!
وسأنسى الشهادة.

أعيشك 03-12-21 04:35 AM

أدمنت رائِحة حياتي الخاصة،
تداخُل الألوان،
امتزاجها ببعض،
الأشكال التي تظهر على اللوحات،
كُنت أُحدث نفسي،
أن صوت الألوان أعمق وأصدق.
وأن كُل صوت لابُد أن يكون له فم،
وفم الألوان هو نفسه فم الروح الإنسانية،
إن ما يُميز هذا الفم الفني إنه لا يكُف
عن الصُراخ حتى يملأ كُل اللوحات الفارغة
بِهموم أصحابها، وأحزانهم، وأفكارهم،
وعوالمهم التي يرغبون العيش فيها.
لاحظت بعد عدّة مرات أُصبح مُتعافية،
أن الأشياء التي تُزعجني حين أرسمها، تختفي،
كأنها لا تستطيع البقاء في ذات المكان مرتين.
وحين وصلت إلى هذه الرؤية،
قفزت من مكاني، فرِحة، أُعجبت بنفسي،
وأُعجبت أيضًا بتلك القوة الخارقة التي أملكها.
خطر ببالي أن أُطبقها على الكائنات الحية،
بدأت بالحيوان، رسمتُ كلب، ثُم نمتُ بعد ذلك.
حين استيقظت ركضتُ أبحث عنه في كُل مكان،
لكن أبي أخبرني أنه لم يرني منذُ البارحة،
فجن جنوني وحصل ما كُنت أُفكر به.
تشاجرتُ ذات يوم مع عمتي التي شتمتني
واستحقرتني وتلفظت عليّ بألفاظ نابية :
" أنتِ عديمة جدوى، لا فائدة منكِ، مثلك مثل
الحيوان الذي يعيش ليأكُل ويشرب فقط. "
يومها حاولت عمتي أن تُهدئ الوضع بيننا
غير أن ثمن الدفاع صفعة تلقتها على وجهها،
لأنها بنظري هي من أوصلت أبنه أخيها إلى
هذا الحد من الإستهتار والتسيُب.
كُنت غاضبة جدًا من عمتي،
فكرت أن أنتقم منها،
سارعتُ إلى فُرشاتي،
تناولتها وبدأت برسمها،
حين انتهيت منها،
ابتعدت قليلًا عن اللوحة،
ثُم خاطبتها : "وداعًا عمتي، أنتِ شخص مُزعج، لذلك
كان لزامًا علي أن أُساهم في تخليص الحياة من أمثالك."
بعد هذه الحادثة قاتلتُ بالألوان كُل الأشياء التي
تُزعجني وتؤذيني.
أصبحت مُجرمة خفيّة،
أُنفذ جرائِمي دون أن أُغادر مكاني،
أو أن أُلوث يداي بِدم الضحايا،
تفاقم الأمر،
وأصبحتُ أكثر عداءً من ذي قبل،
وزادت المُشاحنات والمُشاجرات بيني وبين أفراد الأُسرة،
حتى أنني تخلصت منهم جميعًا بذات الطريقة،
فعشتُ وحيدة بين جُدران غُرفتي ولوحاتي.
شعرتُ بعد فترة طويلة بالوحشة والذنب،
لم أذق طعم الراحة منذُ أيام،
ولم يعُد لديّ أي رغبة في الحياة،
أُصبت بالإكتئاب،
الدوامة السوداء،
كُسرت وحطمتُ كُل شيء،
قذفتُ اللوحات،
رميتُ الفُرش،
دلقتُ سطول الألوان،
وفي وسط هذه الفوضى توقف فجاءة.
سحبتُ لوحة كانت مركونة خلف الباب،
وبدأت برسم بجنون ودون وعي مني،
استغرقت رسم اللوحة يومًا كاملًا.
قالت لي عمتي وهي تتحسس اللوحة بأطراف
أصابعها تُمررها تارة بين أنفه وعينيه وشعره :
" ليتني أراه لو مرة واحدة. "

أعيشك 03-13-21 04:45 AM

في الساعات الأخيرة من الليل،
المنزل أصبح أكثر كتابة وكادت
أصابع الوسواس الموُحِشة تخنُقني،
قمتُ بفتح الباب وخرجت
لأبحث عن هواءٌ طلق كي يُنقذني.
قطعت طريقًا طويلًا دون أن أشعُر،
كانت دوامة الأفكار تُرافقني،
والحدس المُميت يسكُنني،
وجدتُ في طريقي شجرةً كبيرة،
أغصانُها كثيرة،
جلستُ بِقُربها،
أكتب على الرمل ما أخاف منه،
وما أخاف فُقدانه،
ما أرغبُ به،
وما أُود نسيانه.
وإذا بِزخات المطر تُربت على كتفي،
نظرتُ إلى السماء وتمنيتُ
أن يمسح هذا المطر على وجهي،
أن يختلط ويُعانق دموعي.
زاد المطر وصوت الرعد وأصبح أكثر رُعبًا،
أين أذهب؟ أين أختبئ؟ طريق المنزل طويل
والمطر يزداد وأصوات الكِلاب تتكاثر،
بدأت بالمشي خلف الشجرة
أبحث عن مكان لأختبئ بِه،
وإذا بنورًا خافت يأتي من آخر الممر،
لا يوجد حلٌ آخر إلا أن اتبعه.
وعند وصولي له، وجدتُ شاحنةً كبيرة،
لكن الأشجار كانت تُغطيها،
أبعدتُ الأشجار بِغضب،
فتحتُ باب الشاحنة بِشدة وقمتُ بإقفال الباب بإحكام،
ونزعتُ قميصي المُبلل وبدأت بِعصره،
وكنتُ اتمنى لو كان هذا عقلي الذي أعصره،
حتى أتخلص من هذا العقل المحشو بالهلوسة.
وضعت قميصي بِجانبي،
أرتعدُ من شدة البرد ومن شدة الخوف.
نظرتُ إلى الجهة الأُخرى حتى أبحث عن شيئًا يُغطيني،
كانت الكارثة هُناك ..
شخصٌ يجلس بقُربي وينظر إليَّ بنظرة مُتعة وإشتِهاء!.
كان ثملًا ورائحة النبيذ والسجائر التي لم أنتبه لها،
سبب الهلع تفوح منه،
أُفكر بالنزول ولكن أصوات الكِلاب تُخيفني،
وهذا الرجُل الغريب الذي بِجانبي يُخيفني أيضًا.
أقترب إليَّ، وبدأ بالحديث بِجوف أُذني،
كنتُ مُستسلمة تمامًا إلى ما يقوله،
يُثرثر كثيرًا بلسانٍ أَلكَن لكنني لم أفهم حديثه،
كلمة واحدة سمعتها جيدًا لكنني لم أعُد أفهم مايقصد.
( أفكارك سوف تلتهمك ) يقولها بصوتٍ وَطِئ وهو يُقهقه،
ابتعد، وبدأ يقود الشاحنة مَرَّةً ينظر إليّ ومَرَّةً ينظر إلى الطريق.
هذا الطريق أعرفهُ جيدًا، انهُ طريق المنزل!.
وإذا أرى والدي على حافة الطريق،
بدأتُ بالصُراخ، أصرُخ بصوتٍ عالٍ،
ولكن الذي أخافني كثيرًا إذا بِوالدي ينظر إليَّ نظرة قاسية،
والرجُل المجنون الذي بِجانبي يتَبسّم،
لم أتوقف عن الصُراخ،
الشاحنة توقفت فجاءة،
أمسكَ هذا الرجُل بيديَّ بِشدة،
يُحدق إليَّ وعينيه تتحدثُ معي،
ثم قال : هل تعلمين من أنا؟.
صمِتت ..
يُردد : هل تعلمين من أنا؟.
قلت له وبِصوتٍ مُرتعب : من أنت!!.
ردَ قائِلاً :
أنا أفكارك المُوحِشة التي سوف تلتهمك،
أفكارك التي سوف تُحطمك،
أفكارك التي تنهش بِداخلك،
أفكارك التي تتحكم بِك،
أفكارك التي جعلتك تخرجين من المنزل في هذا الوقت،
أنا جيشُ من جيوش أفكارك التي جعلت منكِ شخصًا تابعًا لي.
ثُم قام بِفتح باب الشاحنة لي، يُأشر إلى البعيد ويقول :
هُناك يوجد طريق واحد فقط،
طريق مليئ بجيشُ من جيوش أفكارك المُوحِشة،
وأنتِ من تُقررين يا تكوني تابعةً لها، أو قائدًا لهذه الجيوش،
لا والدك ولا الجميع يستطيعون مُساعدتك،
وحدك من تُقررين.
أيقنتُ أنني كنتُ طعامًا هشًا لهذه الجيوش.
أغمضتُ عيناي،
أدرتُ ظهري لهذه الأفكار التي بُنيت من الخيال،
واخترتُ أن أكون قائدًا صارمًا وعادلًا،
مع نفسي ومع جيوش أفكاري.

أعيشك 03-13-21 07:35 PM

جمعتُ في صندوقٍ قديم،
الأحذية الناقِصة التي عثرتُ عليها.
كنتُ أميل إلى الطريق،
وأسير أغلب الأحيان مُطأطأة الرأس،
كوّنت مُلاحظات هامة عن تفاصيل
صغيرة لم يُلاحظها أحد سواي.
أصبحت خبيرة في أماكن تجمهر القطع الناقصة،
أعرف "لماذا أسقط، ومتى سأسقط، وأين سأسقط".
وحين أجد ما أُريد،
أُكافئ نفسي،
أفرُش ذراعيّ وأدور حول المكان بِحركات بهلوانية.
أعجبتني فكرة حصولي على الأشياء المُستخدمة،
فأتنازل بذلك على أن أكون أول من تتلف،
وأول من تستخدم،
وأول من تُمزق،
وأول من تسقط منها الأشياء، وتضيع.
لم تعُد تروق لي الأحذية الجديدة، أو بالأحرى،
لم أعُد استئلِف أن تكون للحذاء زوجٌ آخر.
وانعكس ذلك على حياتي التي عُشتها بِمُفردي.
ذات مرة، جربت استخدام يدي اليُمنى في تنفيذ شؤوني،
وفي يومٍ من الأيام قررت أن أرى الأشياء
بعينيّ اليُسرى فقط.
ومرة سديت إحدى أُذنيّ بالقطن
وانصتّ للأصوات بأذن واحدة.
ولم تقتصر هذه الثيمة الفردانية على الإستخدام،
بل تماديت بذلك، وانعزلت عن مُشاركة الآخرين آرائي،
أفكاري، همومي، مشاكلي، مشاعري.
أشعُر بأنني كائنة مثيولوجية مخلوقة من الأقاويل.
لقد بلغتُ ذروتي في حُب هذه العادة الغريبة،
وأدمنتُ الأثر العالق أسفل الأحذية التي أحصل عليه.
كنت أكتشف نوع الطُرقات التي أسلكها،
وإلى أي الطبقات الإجتماعية أنتمي.
استمريت على هذا الحال لأعوام طويلة،
ولأن الصندوق لم يعُد يكفي،
خصصتُ في منزلي غُرفة خاصة لها.
جربت ذات يوم إرتداء واحدة منها،
ذهبت بالحذاء إلى أماكن أُحبها،
شككت يومها أن الأحذية تمتلك ذاكرة تقودني إلى ماضييّ.
" للحذاء ماضٍ أيضًا، ومؤكد أن لهم بيت وأُناس،
ومُناسبات خاصة، وأصدقاء كالبشر، ومن خلال جودتها
أستطيع أن أُخمن كم بلغ عُمر ارتدائها،
ومقاساتها تُشير إلى نوع صاحبها، هذه الأحذية فاتنة ".
وبعد أن وصلت إلى هذا التحليل،
شعرت بنشوة عارمة،
بينما الحِذاء كان يسير بي،
وفي كُل خطوة أُلاحظ أن سرعتي تزداد أكثر،
انقلبت الموازين،
أصبحت القيادة بأمر الحذاء، لا بأمرٍ مني.
سيطرت الحذاء على إرادتي،
لم أعُد أعرف ما الذي يحدُث معي،
غير أن السير أصبح ركضًا!
لأن الحذاء يرغب بذلك،
كنتُ أقع، أتعثر، أرتطم بالأشياء التي تعترض طريقي،
فاقدة للسيطرة، فاقدة خياراتي أيضًا،
مخرجي الطارئ هو إتمام المُهمة.
حين وصلت إلى المكان، توقف الحذاء،
تغيرت ملامح وجهي،
تعرقت جبيني،
وسرت رعدة مُخيفة بِجسدي،
وبِشتى الوسائل حاولت أن أتخلص منه،
حركتُ قدمي،
وبإحباط خاطبت حذائي :
" ليس هُنا، تقدم هيّا، لا تضعني بهذا الموقف،
تقدم يا صديقي، ساعدني، أرجوك ".
حاولت تحريك قدمي، تخلصيها من الحِذاء،
لكن عبثًا،
باءت كُل مُحاولاتي بالفشل،
فقدت توازني،
ثم سقطت على الأرض، مهزومة،
أصرُخ في مكان الحادث القديم،
الذي خَسر به قدمي.

أعيشك 03-14-21 04:33 AM

فتشتُ عنه في كُل مكان،
لكنني لم أجد دليلًا واحدًا،
يؤكد أنه قضى الليلة الماضية بجواري.
كان يظهر في حياتي في الوقت المُناسب،
تردد عليَّ كثيرًا،
ولم يحدُث بيننا شيء يدعو للخزي والعار.
كانت زيارته شفاءً عاجلًا.
أحببتُه لكنني لا أعلم لماذا،
وقلتُ مرة لنفسي :
" السبب الوجيه للحُب هو أننا لا نعلم ."
في الأيام التي تشغُلني زيارات الأقارب والأصدقاء،
لا يأتي،
لأن السهر كان يمتد حتى مُنتصف الليل،
فأسقط في نومي دونَ حِراك،
عرفتُ ذلك بعد مرات مُتعاقبة،
فكرهت أن أنام بِلا تفكير،
لأنني أُغلق الأبواب بوجه قدومه.
هو ابن أفكاري،
وليد أحزاني،
المخلوق من الخلوة،
يجب أن أُتيح فرصة ضعفي،
وببساطة، يجب أن أقود نفسي إلى مرحلة الإنهيار،
ليحضر هو فتحضر معه أساليب النجاة.
أحببتُ أحزاني،
فمن خلالي خصصت له موعدًا في حياتي،
قُلت في اليوم الذي غاب عني :
" عليّ أن أجد مصادر الألم، يجب أن أخلقها في حياتي،
يجب أن يكون لدي وجعٌ عظيم، فبمقاس الوجع، يُقاس وجوده،
وإن استطعت أن أُوزعه على الأيام بالتساوي، سأضمن
حضوره كُل ليله، آه لو يعلم الناس أن الحزن من مباهج الحياة،
وأن السعادة كُل السعادة هي الشقاء نفسه ."
في زيارته الأخيرة، كُنت قد تلقيت خبر وفاة جدي،
ولأن الحزن هذه المرة قد تلبسني تمامًا،
شعرتُ أنني متورطة بهذا الفقد،
وأنا بذاتي ضليعة في أحداث هذا الوجع الفائق.
جاء لزيارتي في الوقت المُناسب،
دار بيننا حديثُ طويل في غُرفة جدي،
انتهى بالسؤال عن مكان إقامته واسمه وماذا يعمل.
أجاب يومها أنه لن يخبرني إلا في اللحظة التي
سأدخل بها في نومٍ عميق.
بعدها تعرضتُ لمواقف مُحزنة كثيرًا،
لكنه لم يحضر كعادته،
ضاق صدري،
فجن جنوني،
وما عاد يهمني التكتم على قدومه،
سألت كُل أفراد الأُسرة عنه :
" هل لاحظتم قدوم أحد؟
هل رأيتم صديقي الذي يتسلل ليلًا إلى غرفتي؟
رسالة؟ شيئًا ما يدل على دخول شخص غريب؟."
تلقيت يومها صفعة من أختي على وقاحتي،
لكنني لم أكترث،
ركضتُ إلى غرفتي،
أقفلت الباب،
ثم تناولت شفرة الحلاقة،
مُعتقدة أنني لو انتحرت سوف يحضر لا مُحاله،
أخذت أقلب الشفرة،
أُمررها بخفة على معصمي الأيمن،
وحين سقطت قطرات الدم على الأرض،
خفت،
قذفت الشفرة بعيدًا عني،
ورحت أصرخ :
" انتهت اللعبة، انتهت هيّا، هل تسمعني؟. "
أسندت ظهري على الحائط مهزومة،
وأفكار تأخذني وأُخرى تُعيدني،
وفجأة ..
ظهر عنوانٌ غامض،
كان أحدًا ما دونه في مُفكرة رأسي،
ارتديتُ معطفي على عجل،
تناولت حقيبتي،
ثم خرجت من المنزل،
والمطر ينهمر بِغزارة،
والسماء ترعُد،
وعاصفة تهُب أشكالًا وألوانًا،
وصلتُ إلى مكان ناءٍ خارج المدينة،
وكان الضوء قد طلع قليلًا،
جمدتُ في مكاني،
بعد أن ارتطم بصري باليد التي شاهدتُها
تتحرك فوق ظهر قبر الذي عثرتُ عليه تحت الشجرة.

أعيشك 03-15-21 04:25 AM

الظلامُ حالك،
بردُ شديد يرتجف بالخارج،
أوراق الشجر تلوحُ لي من خلف النافِذة،
الكهرباء تتردد في منزلي،
كأنه أُم تتفقد أبناءها النائِمين.
انتقيتُ لهذه الرغبة معطفًا أسود،
وربطة عُنق،
صففتُ شعري،
هندمتُ وجهي،
وعطلتُ ساعة معصمي،
وحدي فقط بِلا زمان أو مكان،
سأمُر كأني من حُكام العالم.
سأمُر وحدي إلى الأمام فقط،
مُبتسمة،
راضية بهذا القدوم الأبدي،
وهذا المصير الرائع.
عازِمة على الخلاص.
أن تختار نهايتك،
وتختار قانون العالم التافه،
وتُقرر أن تموت بوقار،
لهو أمرُ عجيب ويدعو إلى الأصرار والعزيمة.
كان كُل شيء جاهزًا معي،
لم أنفق حيرة واحدة تمنعني من
خوض معركتي الأخيرة ضد الحياة.
مُزودة بالإنتقام من العالم ومن نفسي،
وكراهية الناس كانت كافية لأن أملأ
مخزن قراري الذي حرك دوافعي إلى
اختيارٍ صائب سيعفيني من حضور هذه
الحفلة التنكرية التي يحضرها الآخرون
بأوجه مُستعارة.
لقد سئمت العيش بهذه الطريقة الفاسدة،
لا أُريد أن أكمل حياتي كعفنٍ
يفسد على الآخرين أرغفة حياتهم،
لقد حولني الناس إلى شبحٍ مُرعب ومُخيف،
أصبحتُ أخاف حتى من رؤيتي،
أخاف من المرايا،
من انعكاس صورتي على سطح الماء،
آه ..
كم هو بشع هذا الإحساس الفتاك،
كم هو قليل الإحترام،
وقليل الإنسانية،
وقليل الأدب،
لا يُمكنني اكمال اعترافاتي،
انتهى الأمر.
تتحلق حولي،
صور العالم المُقزز،
أصواتهم تخنقني،
تصرُخ بوجهي :
" أُغربِ من هُنا،
إخرجِ الآن حالًا،
لا يهمنا طريقك في الرحيل،
نحن لا نكترث لشأن هذا الحيوان الحقير،
هذه الحشرة المُقززة،
سنُكافح وجودك بكُل المُبيدات المُتاحة لنا."
سأخرج حالًا،
وحيدة،
برفقتي كُل هذه الهزائم البشعة،
والتي تزعجني فقط،
وتقتلني أكثر،
لماذا أكتُب رسالة؟.
لا أحد يكترث لأمري،
لا أحد سيقرؤها غير المُحققين ورجال الأمن،
الذين سيرمونها في الأرشيف بعد أن تبرُد جثتي،
وتجف سيرتي على حبال قنوات الأخبار.
وداعًا أيتُها الحياة القذِرة،
آمل أن تستمعي بروائِحك الكريهة.
(انطلقت الرصاصة من فوهة المُسدس،
استيقظتُ مذعورة،
دفنتُ وجهي بين راحتي وانخرطتُ بالبُكاء،
وعلى أصابعي انتشرت بُقع من الدم.)

أعيشك 03-15-21 09:59 AM

صَباح الخيّر،
والخير كُله بِقهوتي!.

:81:


http://e.top4top.io/p_1897bchaa4.jpeg

http://i.top4top.io/p_1897wa7f06.jpeg

أعيشك 03-16-21 02:01 PM

كدتُ أن أخرج من الماضي،
أقفلتُ باب ذاكرتي جيدًا،
أدرتُ ظهري وحاولت أن أمضي،
وإذا بصوتٍ يأتي من البعيد يُنادي،
استوقفت نفسي قليلًا،
ثُم أكملت طريقي وكأنني لم أسمع أحد.
خطوةً ثم خطوةً ثم خطوة.
بدأ الصوت يعتلي وبدأت خطواتي تتراجع،
نظرتُ إلى الأسفل،
أصابعي بردت وقدماي ارتجفت،
جفَّ ريقي وصدري ارتعش،
إلتفتّ وإذا بطفلٍ صغير عيناهُ مليئة بالدموع،
ثيابه مُمزقة،
ينظُر إليَّ بنظرة فارغة ومذعورة،
لم أنطق بِكلمة واحدة،
صامتة وأنفاسي تتسابق خشيةً منه.
إقتربّ مني،
وتمسك بِطرف قميصي، ثُم قال :
لا تذهبي، وإتبعي خطواتي.
شدّني إليه ثُم بدأ بالسير،
وأنا اتبعه،
اتبعهُ والخوف ينهشُ عقلي.
بات يركض،
يركض يركض يركض ويركض،
وأنا أركض بِخلفه،
الطريق طويل ومُرتفع وواسع،
لم يعُد بِداخلي رغبةٌ لشيء سِواء
أن نتوقف وأعرف ماذا يُريد مني،
وإلى أين ذاهبين!.
مضت ساعاتُ طِوال ونحنُ لا زلنا نمضي.
وقفنا أمام بابً قديم ومُهتَرِئ،
كُتب عليه وبِخطٍ دقيق :
" لا للهرب. "
فجاءةً اختفى الطفل،
بقيتُ لوحدي،
أُحادث نفسي،
تارةً أمسك بِمقبض الباب،
وتارةً اتركه.
غلبتُ أفكاري،
ودخلتُ إلى متاهة الداخل،
وجدتُ أحلامي هُناك،
وجدتُ رسائِلي المخفية عن الجميع،
وجدتُ شهادتي التي مزقتها قهرًا من العطالة،
وجدتُ صديقاتي الذين تخلوا عني من غير أسباب،
وجدتُ المُنافق والخائِن والكاذب والغدّار،
جميعهم يحملون كِتابًا كان عنوانه :
" واجه نفسك، لا تهرب. "
وقِعت على قدمي،
بدأتُ بالإنهيار،
صرخت بِصوتٍ عالٍ،
ثُم نهضت،
نفَضت قميصي من الإستسلام،
أخذتُ عهدًا على نفسي بالمُقاومة،
وأكتسيتُ القوة والصبر والإنتصار.

أعيشك 03-17-21 04:22 AM

أعيشُ حالات مُضطربة ومُتقلبة هذه الأيام،
لا أستطيع تحديد ما إذا كان الغد سيُصبح
جيدًا أم سأعيش يومًا آخر من اللاشيء.
أجد نفسي ضاحكة وسط ضغوطات كثيرة أمرُ بها،
وعندما أشعرُ بأن الأمور حولي مُستقرة إلى حدٍ ما،
أتحول لكائن مُتشائم وكئيب.
أتحدث للكثير وأشعُر بالوحدة في نفس الوقت،
وعندما أكونُ وحيدة حقًا أشعرُ بأني لا أكترث لمن حولي،
لا أكترث لأهميتي عند الجميع،
أجد نفسي جالسة في ركنٍ هادئ من
أركان هذا العالم الذي لا يكترثُ أحد.
أنظرُ للجميع.
أنظرُ للحُب الذي ينكسر،
والوحدة التي تأكُل الروح.
أُشاهد البعض يتصارع على قضايا غير مُهمة على الإطلاق.
العالم لا يكترث لوجودي،
وأنا أيضًا لا أكترث لما يحدُث فيه.
أترك الطريق مفتوحًا لأي سند أو رفيق.
أعلمُ جيدًا بأنني لن أصمدَ طويلًا بهذا الشكل،
ولكن لا أحد يأتي.
لا أحد يستطيع الوصول إلى هذا الطريق الذي
قطعته بإرادتي وأنا أعلم بأنه لا عودة لي منه.
صديقي يجدني مُذنبة في تلك الحالات التي أعيشها،
يعتقدُ أنني خائفة من أن أقترب مِمن حولي.
في الواقع أنا خائفة حقًا من الفقد أكثر من الإقتراب،
الأمر لا يستحق مُحاولة أُخرى،
مُحاولة ترميم روحك لا تصلح لأكثر من مرة واحدة.
يجب أن يدرك الناس أيضًا أن من ينجح في ترميم روحه،
لا يعُد كسابق عهده.
سيُصبح كائنًا غريبًا بعض الشيء،
هُناك ضريبة لكُل شيء،
وضريبة العودة للحياة هي أن تُصبح شخصًا آخر،
شخصًا لا يكترث،
لا يثق،
لا يقترب من أحد بسهولة،
ويفقد من حوله بسهولة أيضًا،
لا يستطيع أن يُحب بكُل جوارحه،
لا يكره،
لا يغضب،
لا يفرح.

أعيشك 03-17-21 07:29 PM

أنا لا أُحبهم،
هذا ما أدركته بعدَما احتضنَتني
عددًا من المرّات بيْدها حيثُ أنني لم أكترث،
قبل يومين صَديقي كان يتحدّث إليّ كذلك لكنني لم آبه،
كُل ما كنت أفعله هو التحديق في صورةٍ كلما حاولوا
رؤيتها كاملةً عجزوا بسبب كفّي التي تُغطي وجوه
خمسة أشخاصٍ فيها،
"لماذا لا تنظُر إلينا عندما نتحدث؟."
هذا ما قاله صَديقي لصديقتي التي ظلّت
ساعاتٍ باحثة عن إجاباتٍ في جيوب قلبها.
وبين رُكام ذكرياتها تُفتّش عن موقفٍ واحدٍ بإمكانها أن تُبرَّره،
صَديقتي التي لَمست يَدي وحاوَلت تقبيلي
في كثيرٍ من المرّات لكني لم أشعُر،
جلَست بجانبي تحضُنني وهو تهمس :
"هل أنتِ بخير؟."
هل ترغبون في معرفة ردّة فعلي؟.
لقد وقَفتُ بصمتٍ ثّم ذَهبتُ لأعُد القهوة،
بعد انتهائي وضَعت خمسة أكواب من القهوة
على الطاولة وخمسة قطع من الكعك،
أكلَتُ لُقمة وأرتشفت رشفتان ثّم بدأت أبكي وتوقَّفت،
أمّا بقية الأطباق فلم يؤكل منها شيء!.
ظلّ صديقي مُحدّقًا بي،
لم يكترث بكُل أفعالي،
كُل ما بثّ في نفسه الذُعر هو منظر وجهي،
وجهي المكتز، فمُي المُحمّر،
ويَدي التي لا تتوقّف ثانيةً عن الإرتعاش.
لم يَرني أبكي من قبل لذلك ظلّ يسير خلفي
سائلًا عن السبب، لكنّني كذلك، لم ألتفت.
بالأمس أخرجتُ من الخزانة صندوقًا،
ثّم جلَست أقرأ في أوراقٍ وأنظر لصوّر.
بكَيت وغصت بعدّها في النوم.
أمّا صديقي فلَم يرغب أبدًا في
تفتيش أغراضي لكنّ قلقه دفعه،
جثوا هُم الأربعة عند الصندوق!.
ثلاثةً من صديقاتي، وصَديقي.
أخرج صديقي خمسة صوّر كانوا يظنّوها مُجرد ذكريات.
كانت من بينهم صورة صَديقتي الراحِلة،
تأمل الصورة ثّم بدأ بلمس جسده،
لمسَ وجه صديقتي الأولى وكتف الثانية ويد الثالثة،
بدأ بالبُكاء ثّم همَس :
"لا تلوموها، لا يشعُر الأحياء بالأموات."
كانت تلك صدمتي التي ستُرافقني مؤقّتي،
أمّا هُم فسُترافقهم ذات الصدمة للأبد.

أعيشك 03-18-21 04:10 AM

لا،
لستُ أسألُك البقاء،
كلُّ الحكاية أنَّنا سنُعيد
ترتيبَ الحكاية مرةً أُخرى،
ونبتكر النهايات الشجاعة
مثلَ أي مُحاربين،
نختارُ موتًا لائقًا بِنجاتنا،
حين انتصرنا ذات بيَن،
بعضُ الهزائم،
طعمُها كالنصر،
فأرحل.
رُبما،
سنكونُ أنبلَ خاسِرين،
الموت،
يحدثُ مرةً في عُمرنا،
لا مرّتين!.

أعيشك 03-18-21 03:40 PM

أن أُعلق جُزء مني في رسالةٍ ما،
وأستمر بالعيش تحت رحمة شعور قد كُتب فيها،
أن يعتمد الأمر كُليًا على كلمة من أحدهم أو تصرف،
وأن يستمر ذلك الأحد بالتضخُم فيَّ في كُل حين،
وأستمر أنا برؤيته أمامي في كُل مرةٍ أسمع بها أسمه،
أن أتذكر كُل لحظاتي السابِقة.
حتى تلك التي لم ألقِ بها بالًا يومًا.
أن أشعُر بالعجز تمامًا،
كأني خاوية من نفسي،
مُمتلئة بكُل أشيائه،
أدرُك حجم سخافة هذا الأمر،
أدرُك حجم سخافة أنه وبالرغم من سعة
الحياة كُلها كنت قد ضيّقتها على نفسي،
بضيقٍ أنا أختاره،
بل وأرضى،
وأسلًّم،
وأستلم له،
ذلك النوع الذي تكون فيه سعادتي البالغة
جُزء من الثانية حينها تُعادل ألف عامٍ في غيرها.

أعيشك 03-19-21 04:23 AM

في تلكَ الزاوية كنتُ أتعمد الجلوس،
وأختلس النظر مرارًا لتلك الأريكة،
وفي كُل مرةٍ أتفاجأ بأَن من يجلس هُناك ينظُر.
كانَ يملك تلك النظرة التي تُشعرك بأن تلك العينين
تملُك أيدي خفيّة سحريّة تحتضنُك بِخفة من بعيد.
تشعُر بأن تلك النظرة تملُك لونًا حنونًا يُشبه اللون
الأزرق الحنون الذي يأتي قبل أن يحلّ ظلام الليل.
بأن تلكَ النظرة تملُك صوتًا.
أشعُر بأنه يُشبه صوت قُطرات المطر الخفيفة
التي تنقُر على النوافِذ في ليلٍ هادئ.
أو رُبما معزوفة تحتضنُ قلبك وتلمسه بِحنيّة مُفرطة.
تشعُر بأنها تملُك صوتًا ولونًا ومذاقًا.
كان ينظُر إليّ وكأنني شيءٌ ثمين يسمح له بالنظر
إليه لثواني معدودة أو شيءٍ لن يراهُ مرةً أُخرى.
كنتُ أشعُر بِعُمق تلك العينين،
وكأنني سقطتُ في عُمق المُحيط ولكني لم أغرق.
فأنا قد غرقتُ في هذا الحُب المحموم
الذي كانت بِدايته زاويةً ونظرة.

أعيشك 03-19-21 08:28 PM

شكرًا للأيام الحادّة أن صُنعت مني هذه
الشخصية التي تُحاول أن تستعيد
طفولتها وأحلامها بالكِتابة.
في البداية أنا مُمتنة جدًا للحياة ولذاكرتي
التي تلتصق بها المواقف الحَزينة لسنواتٍ طويلة،
وهذا ماجعلني أكتُب مُعتمدة على دواخل الإنسان
ومشاعره بكُل اختلالها المُفرطة أو اتزانها القائم.
كنتُ طفلة ولكن دواخلي كانت أكبر،
وهذا ماجعلني مُعترضة دائمًا،
وأُحاول تصحيح الأشياء حولي.
قد يسكُن ذاكرتي لسنواتٍ طويلة منظر قطٍ
مريض يُنازع الموت على طرف أحد الأرصفة.
لا أستطيع الفِكاك من ذاكرتي أبدًا،
حتى لو كنتُ نائمة أيضًا.
لم أكُن في طفولتي أُحب اللغة ولا أرغب في
أن ينحرف توجهي بهذا الشكل شبه الثقافي،
رُغم أنني لا أُحب الأدب حينما يكون مؤدبًا بشكل مُبالغ فيه،
لم أختر الكِتابة يومًا،
ولكنني كنتُ أكتب خيباتي وانكساراتي،
أهدافي وأحلامي،
أكتب أسماء الأصدقاء الذين خذلوني،
أصِف شحوب وجهي عندما تنغزني الأشياء
التي تكون بحاجة لها ولا أجدها.
كنتُ أكتب فقط،
ولا شيء غير الكتابة،
لحظتها أدركت أن الكتابة ستُحفظ في ذاكرتي إلى الأبد،
ستُحفظ أسماء من صفعوني،
ستُحفظهم لأبنائي حتى يصفعوا أطفالهم عني،
بهذه الطريقة رأيت الكتابة مُحاولة إنجاب طفل مِن
شجرة دونَ أن تقول أنت كَكاتب بأنّ هذا مُستحيل.
كبرت بهذا الشكل العادي جدًا،
الشكل الذي كبر به الأصدقاء وأبناء الحي،
اتجهت نحو إصلاح أشياء لم أجدها في حياتي،
بل حاولت إيجاد أمور كانت غائبة،
كنتُ أرغب في حياة مثالية جدًا ومازلت،
ولكن الحياة لا تُعطيك كُل شيء،
لحظتها فكرتُ بالكتابة،
لكن لا أعرف لمن أكتب أو عن ماذا بالضبط،
بدأت بكتابة كُل الأشياء التي تدعوني للكتابة،
مثلًا أرغب بالكتابة عن نفسي.
هذه النفس الروحية التي أحملها من مكانٍ إلى آخر،
ومن مأزق إلى مأزق،
عن دواخلي وأفكاري التي تضعني دائمًا في المواقف التافهة،
المواقف التي تجعلني أكثر الناس خسارة وخيبة.
الكتابة عن رحاب العالم بكُل جغرافيته وإختلافاته ومخلوقاته.
عن القُرى البعيدة التي لا زالت معزولة،
عن المُدن التي أُصيبت بلعنة التحضر السريع،
عن الموتى، والمجانين، وعابري السبيل،
عن الله وعن إبليس،
وعن كُل الأفكار التي إبتلعها الإنسان الأول دون ماء،
عن البُكاء نفسه،
عن اللحظة التي تتدفق فيها مشاعري نحو الخوف من المُستقبل،
عن الأفكار المسمومة التي تغذيتُ بها،
عن عدمية سيوران،
وعبثية كامو،
وتأمُل أوشو،
وصرخة مونك،
عن الأشياء التي دخلتُ فيها بلا رغبة،
وعن الرغبة التي تورطتُ بها،
وعن النهايات التي لا يحمل فيها الفائز إلا نفسه بلا جائزة،
أكتب لكم عن اللاجدوى،
عن الحُب الذي يُفسد الحياة،
وعن الحُب الذي لا يُفسد الحياة،
عن الموت بلا داعي،
وعن الموت بداعي،
عن المطر، وعن الجفاف،
عن الإنسان ونقيضه،
عن لوحة لا نعرف كيف نتأملها،
وعن قصائد كُتبت بلا رغبة ولا مُناسبة.
أرغب بالكتابة عن تفاصيل لم تُكتشف،
عن لحظة التحديق بلا تركيز،
عن العين التي لا تُخترق الجدار،
لكن تخترق الأفكار المدسوسة في أرواح الآخرين،
الفقير الذي ينام بهدوء تحت سقف من السماء المُوخزة بالنجوم،
وعن الغني الذي دفنه القلق والسأم.
أرغب بالكتابة عن النمل،
وعن خوف الشجرة من العاصفة،
وعن ما يُمكن كتابته ومالا يُمكن،
إنها اللحظة التي أشعُر فيها بالسقوط على نفسي،
اللحظة التي أشعُر فيها أن الكتابة
مُحاولتي الأخيرة قبل الإنتحار،
الشعور الذي يجرني نحو المشاعر الأُحادية،
التي بلا خيارات،
والتي سنكون جميعًا ضحايا فيها بالنهاية.
لم أتوقف عند محطة مُعينة،
قاتلت أعدائي بالأحذية والأحجار وأخيرًا بالكتابة،
لعنتُ من أُريد،
انتصرتُ لأبي،
وقفتُ مع أخي،
انخلعت ذراعي وأنا أمدُّ يدي نحو أصدقائي
وهم يتساقطون في بئر الخسارات،
أنقذتُ من أنقذت،
وسقطَ من سقط.
لم أتوقف يومًا عن فعل شيء أُحبه،
ولم أتوقف يومًا عن فعل شيء لا أُحبه.
أنا مُجرد كائن لا بوصلة لي،
لا ملامح،
لا آثار لقدمي على الرمل،
لا بصمة لي،
أنا خشبةٌ!.
لوحٌ، زُجاجةٌ.
لا يهُم من أكون،
كُل مايهمني كيف أنجو من الطوفان بأقدامي المبتورة!.

أعيشك 03-20-21 11:51 AM

خائفةٌ جدًا،
لقد أرهقني التفكير في طريقةٍ ما تُطمئن جَسدي،
كلُ ما بي يشتكي بالألم،
لم تُسكب العافية بِصدري لأعوام،
أنا أُنثى مُتعبة،
خذلتني السِنين وأصابني الكرَب،
تخيّل عزيزي القارئ أن الأسباب فيما
أعيشهُ جعلتني أهربُ من نفسي،
ولكنّني أصدمتُ بأبشع الأمور،
لا ليلٌ يعبُر بِسلام،
ولا نهارٌ يأتي بِأمل!.
منهارةٌ أنا،
كإحدى البنايات في دِمشق العتيقة،
أنزفُ كثيرًا كجُنديٍ يُحاول أن يمسِك ما
تبقى لهُ من حياة ولكنّ الموت آتٍ لا مَحالة.
لا ضمَاد، لا مُسعِفون،
والجسدُ مُنهك أثر المعركة.
(اللَهم ألطف بي).

أعيشك 03-21-21 05:42 AM

أشعُر بوعاءٌ فارغًا لا قُدرة لي حتى على الحزن،
الحزن إمتلاء بالسّواد وأنا كان يملؤني الفراغ.
أشعر بتعبٍ عميّق يشل أطرافي وفكري،
لا يُشبه تعب المرض ولا تعب من قام بِمجهود جسماني.
أوُد لو أكون وحيدة في هذا العالم حتى لا أضطر
للتواصل وتبرير تصرُفاتي إذ لا قُدرة لي على التبرير.
أوُد لو أنزوي في رُكن قصيّ مُظلم، لو أمكن،
لأستمع إلى صمت الكون وأنين أعضائي.
تؤلمني أعضائي،
تتنكر لي،
لا أستطيع التحكُم فيها كما لو كانت لغيري،
أحيانًا أتصببُ عرقًا،
وأحيانًا أُخرى تسرع دقات قلبي دون مُبرر،
حتى عيناي تدمعان دون سبب،
كُل تفكير في الغد يُضاعف إرهاقي.


الساعة الآن 01:01 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.1 al2la.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع الحقوق محفوظه لـ منتديات مسك الغلا