منتديات مسك الغلا | al2la.com
 


من تاريخ هذا اليوم أي إساءه مهما كان نوعها أو شكلها أو لونها تصدر علناً من عضو بحق عضو أو مراقب أو إداري أو حتى المنتدى سيتم الإيقاف عليها مباشره وبدون تفاهم :: قرار هام ::

Like Tree54Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-13-23, 08:32 AM   #217
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  يوم أمس (07:45 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



تقدّم الروائية كلاديس مطر في روايتها ثورة المخمل مناخاً يقترب من الأسطورة ولكنه يصهر الأحداث جميعها ليذكّرنا بالحاضر النازف الذي نعيش، وإذا كانت المهمّة البنائيّة والدلاليّة للرواية أن تجذب القارئ وتدفعه إلى متابعة القراءة؛ فقد نجحت ثورة المخمل في هذا الواجب تجاه القارئ، وقدّمت له تعليلاتٍ فنية لمعايشاتٍ يومية تمرّ به وبمجتمعه.


تبدأ الرواية دون إطارٍ زمانيٍّ ومكانيٍّ دقيق رغم إشارةٍ عابرة بأنّها ربما حدثت في بلاد الشام في ثلاثينيّات القرن الماضي، وتنسج الكاتبة قصتها مع شخصياتٍ مُقنعة ومتقنة الصنع: جاد الحق الموظف الحكومي الشحيح، وزميله في العمل عبد الودود، وصديقته البغيّ الفاجرة بلقيس التي يزورها في كرخانتها في شارع لالاعايدة، الأب فريد راعي الكنيسة والذي يكتم إلحاده وبُعده عن الله ولا يُسارر بقناعاته هذه إلا أخلص المقرّبين، وآرون بن ليفي الموسوي قائد أبناء الصحراء الذين عاشوا تيهاً طويلاً في الفيافي ورؤوا في وادي الرماد أرض الميعاد التي وُعِدوا بها، وصدر الدين حاكم أرض الميعاد، وهو شخصية إشكالية جداً، يُرى في بعض المواقف أنّه خائنٌ لأرضه وشعبه، ويُرى في مواقف أخرى أنّ همّه الأوحد سلامة شعبه ووطنه.
في حبكة الرواية: يُحاصر أبناء الصحراء وادي الرماد حقبةً من زمنٍ تسترخي معها مقاومة الأهالي بعد قتالٍ غير متكافئ، ثم يرضى صدر الدين بالتفاوض، ويحصل بين القائدين لقاءٌ تاريخيٌّ فسّره بعض الأهالي على أنّه هزيمة وآخرين بالانتصار.

ولكنّ الحرب لم تنتهِ إلا بعد أن قدّم صدر الدين تنازلاتٍ جمّة لقائد الصحراويين بخصوص الميناء والتجارة ومياه الشرب.
يقارن القارئ بين هذه الأحداث وما يجري مع مكابدات الدول العربية مع الكيان الصهيوني لتكون إسقاطات الرواية واضحة وجليّة، وأنّ المفاوضات المتكرّرة وإن تنكرت بلبوس الانتصار ولكنها في الواقع تمهيداتٌ لاحتلالٍ أكبر وأقسى وهو الاحتلال الثقافي الذي يغرّب المجتمع عن تاريخه وطبائعه وحضارته. وهو بظنّي الداع الاول لاختيار الكاتبة اسم روايتها “ثورة المخمل”.


نجد في النص تلميحات بالغة الذكاء من مثل:
عندما أوصى صدر الدين بأن تُدار كل مكبرات الصوت التي تزهج بالأغاني التراثية باتجاه مناطق القتال وتواصل بثّها ليل نهار، أرى في ذلك إشارة إلى مقولة عبد الله القصيمي بأنّ (العرب ظاهرة صوتية)، وأنّ بطولاتنا -على قلّتها- قولية شكلية لاترقى للفعل والإنجاز. واختيار الاغاني التراثية يُفسّر على كوننا لانزال في أسر الافتخار بإنجازات الأقدمين.
بعد حلول السلم عاد سيرك وادي الرماد إلى نشاطه المعهود وبتوسعةٍ أكبر، وأرى فيها إشارة إلى تركيز مجتمعاتنا على الملاهي دون اعتبارٍ لأهمية البُنى التحتية اللازمة لإقامة مجتمعٍ متطور.


عند إعلان الوحدة مرّ موكبٌ عجيبٌ من الديناصورات في فسحة الوادي، وهي على عادة العرب تلميحٌ إلى حجم الكذبة التي تمثلها هذه الوحدة.. هذه وغيرها من الإسقاطات والإشارات التي تومئ لمعايشاتٍ يوميّة في نضال الشعوب العربية أمام الكيان الص.هيوني.


إذا صحّت منّي هذه الاستنتاجات فإنّ الكاتبة كلاديس مطر تقدّم رسالةً إلى شعبها بأنّ الوطن سيكون بلا معنى إن خلا من ثقافته وحضارته، وإنّ الانحرافات المستمرّة في العادات والتقاليد و استيراد ثقافة الغير تجعل منّا ألعوبةً تحرّكها الأيدي الخفيّة العليا.


صدرت الرواية عن دار عقل عام 2020، وتقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وهي رواية عميقة المدلول تصرخ في وجه القارئ ليكفّ عن منح ثقته للاعبي السيرك الذين يبيعون الوطن بأبخس الأثمان.



 


رد مع اقتباس
قديم 02-28-23, 08:14 AM   #218
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  يوم أمس (07:45 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



رواية السفينة_البيضاء
للكاتب القيرغيزي الكبير جنكيز أيتماتوف. بقلم: حسين قاطرجي.

هذه الرواية ستجعلك تهتف "ياللروعة" مع كلّ فقرةٍ من فصلٍ تمرّ بك. هي رواية واضحة، بسيطة، غير مثقلة بالأسرار، لكنها مليئة بالمفارقات الدّالة والإشارات الموحية والعميقة.

في الرواية: يعيش طفلٌ يتيمٌ في السابعة من عمره مع جدّه مأمون ويتقاسمان معاً حياةً مغمّسةً بالفقر وسوء الحال. لم يكن للطفل أصدقاءٌ حقيقيون، بل جلّ أصدقائه من غير البشر، صخورٌ يُطلق عليها مسمّياتٍ تشاكل أشكالها، وحيواناتٌ عديدة أبرزها الغزالة الأم وأبناؤها، والكلب بالطيك، أمّا صديقته الأحبّ إلى قلبه فهي تلك الحقيبة المدرسية التي يساررها همومه الصغيرة والتي اشتراها له جدّه من بائعٍ جوّال، وبها افتتح الكاتب روايته.

لايعاني الجدّ مأمون -وهو شريك البطولة الروائية- من شيخوخةٍ جسديةٍ أو نفسيّة رغم كبر سنّه، لكنّه يعاني من عزوف قومه عن احترامه. كان الرجل طيب القلب، خيّراً بشوشاً بسكينةٍ صوفيّةٍ وصفاءٍ وجداني، وكل من ينظر إليه يقرأ في عينيه عبارة "ماذا يلزمك لأساعدك" كان مستعداً لتقديم المؤازرة والمعونة لأيٍّ كان ومهما بلغ به التعب. كان بالفعل ينبع طيبةً وإنسانيةً؛ ولأجل هذه الطيبة والعفوية كان قومه يحسبونه ساذجاً ويعاملونه على هذا الأساس!.

يعمل الجد مأمون عند صهره أرازكول المتنفّذ في البلدة والماهر في نشر جوره على الناس، وكان أرازكول يعامل حماه معاملة سوءٍ أيضاً، وكذا يعامل زوجته بيكي التي لم تنجب له أبناءً، ويحدّثها كلّ ليلةٍ بلسانٍ زنخٍ قذرٍ بلغميٍّ قبل أن يشرع بضربها لأجل عقمها الذي لاتملك له سبباً ولا حلاً. أما الطفل بطل القصة فلم يكن يتيماً بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ كان أبواه منفصلان ويعيشان في بلدتين بعيدتين دون أن يتواصلا معه، لكن كلّاً منهما ينوي أن يضمّ ابنه لاحقاً إلى أسرته الجديدة. والطفل يقتات خبز هذا الأمل.

في البحيرة البعيدة تمخر سفينةٌ بيضاء يراها الطفل بمنظاره الصغير، كان يحسب أنّ أباه يعمل هناك، ولطالما حلم الطفل بأن تحمله الغزالة إلى شاطئ البحيرة وهناك يصير سمكةً يسبح نحو السفية ليرى والده ويحدّثه عن زوج خالته الظالم وجدّه المسكين وأصدقاءه من الصخور والحيوانات. هذه الفكرة من الرواية تصل بالقارئ إلى التخوم القصوى من العاطفة. إذ ليس في الوجود ألمٌ يشابه بحث طفلٍ عن الأمان ويلوب على حضنٍ دافئٍ يعوّضه غياب الوالدين الملوّع.

تحتلّ الطفولة والحيوانات حيّزاً واسعاً في أعمال جنكيز إيتماتوف، فكما تتمحور روايته النطع حول الذئاب، ووداعاً يا بوليساري حول الخيل، نلاحظ في السفينة البيضاء حضوراً جليّاً للغزالة الأم وأبنائها. ويسخّرها الطفل بأفكاره وظنونه لتكون منقذاً وحامياً له من مفاسد البشر وسوء معاملتهم له ولجدّه.

يضع الكاتب الطفل في المرتبة الأولى ويجعله هو وأشياؤه الصغيرة التي يلاعبها ويحدثها محور الحكاية وأساسها، ويحشد في حوار الطفل المتخيّل مع والده تورّداً وذبولاً في آن؛ تورّد الطفل بلقاء أبيه، وذبول الأب بلقاء ابنه.. تلك المسؤولية التي لايريدها. ولا أحدّثكم هنا عن العذاب المحتوم الذي سيتولّد عند القارئ لغياب الحبّ المقدّر بين الأب وابنه، ومقابلة براءة الطفولة بالجلافة.

صدرت الترجمة العربية من الرواية عام 2016 عن دار علاء الدين للنشر والتوزيع وبترجمة موفقة من الدكتور ماجد علاء الدين، وتقع في 203 صفحات من القطع المتوسط. وبالمجمل هي رواية رائعة لاتريد أن تحسوها دفعةً واحدة؛ بل تتناولها جرعة إثر جرعة وبغير عجلة أو رغبة في الانتهاء.



 


رد مع اقتباس
قديم 03-18-23, 07:59 AM   #219
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  يوم أمس (07:45 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



"في مهب المعركة" مقالات كتبها المفكر مالك بن نبي رحمه الله، في باريس، في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات. وقد سمى مجموعة المقالات هذه بهذا الاسم "في مهب المعركة"، باعتبارها إرهاصاً للثورة الجزائرية وتسويغاً لدوافعها. ففي المقالات يمكن تلمس فكر بن نبي وقد أحاط بشخصية الشعب الجزائري بل بشخصية العالم الثالث، الذي كان وما زال خارج إطار الحضارة الحديثة.

فمنذ منتصف الثلاثينات، برز المهندس مالك بن نبي يختط للنضال سبل الفعالية، ويمنح الشباب الجزائري آفاقاً تبدد ضباب الاستعمار، ويضع لثقافة الجيل أسساً من أصالة التاريخ وقيم العقيدة. هذه الأصالة يمكن قراءتها في كل مقال كتبه مالك بن نبي، في هذه المجموعة، يواجه بشجاعة نادرة الاستعمار الجاثم على أرض الجزائر.

ولم يكن سبيله إلى تلك المواجهة، ما تعارف عليه سياسيو ذلك الزمن، في ديماغوجية تلعب بعواطف الجماهير. فقد اختط مالك بن نبي طريقاً إلى عمق القضية، يطرح القواعد الثابتة لتطور التاريخ ثم يشرح في بناء الذات الجزائرية على تلك القواعد. هذا وإنه وبالرغم من عهد مضى في تاريخ الجزائر، تناولته هذه المقالات، فإنها لا تزال تحمل في طياتها نبض المشكلة وعمق حلولها.



 


رد مع اقتباس
قديم 04-25-23, 08:12 AM   #220
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  يوم أمس (07:45 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



مراجعة كتاب "فصول في الثقافة والأدب" للأديب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله

كلما سُئلتُ عن أديبٍٍ يجمع بين فنون اللغة وجمالها والفائدة الدينية والحكمة ترتسم صورة الشيخ علي الطنطاوي أمامي، هذا الأديب الذي كلما قرأت له كتاباً -وهو غزير الإنتاج- أزداد إعجاباً بفكره ومنطقه وتحليله لقضايا دينية وحياتية كثيرة. إضافةً لقرب أسلوبه من البساطة الغضّة التي يتقبلها القارئ العادي دون عناء وتكلّف. ولاعتماده الوسطية دون تنطّعٍ منفّر لانزال نجده عند بعض طلاب العلم الذين يملكون فهماً أعوجاً لروح الإسلام.

يُشعرك الشيخ الأديب من خلال مقالاته بأنّ الدنيا طافحةٌ بالبِشر والهناءة، ورغم كونها دار ابتلاء إلا أن فيها سعادة خالصة لا يلتمسها إلا من أخلص قلبه لله وذاق حلاوة الإيمان. ويترفّع عن القضايا الإشكالية التي لاطائل من الخوض فيها ويحرص على ما يجمع الأمة ولايفرّقها.

جمع مادة الكتاب ورتّبها سبط الشيخ وهو مجاهد مأمون ديرانيّة؛ وقد استغرق ذلك منه جهداً وبحثاً طويلاً حكى عنه في مقدمة الكتاب.

نجد في الكتاب تنوّعٌ واضحٌ في موضوع المقالات، وفجوة زمنيةٌ بينها؛ فبعض النصوص كتبها مؤلفها في ثلاثينيات القرن الماضي، ومنها أحاديثٌ و نصوصٌ إذاعية نشرها في الخمسينيات والستينيات وقليلٌ منها في ثمانينيات القرن العشرين. ورغم ذلك نلحظ قضيتين مهمتين: الأولى أنّ موضوع المقال -أيّ مقال- لايزال يصلح لهذا العصر الذي نحن فيه، وربما ما يضعه الكاتب من أفكار يحلّ بها معضلةً ما نجدها لاتزال تليق بزماننا هذا وتناسبه.

الناحية الأخرى: أنّ أسلوب الكاتب واحدٌ لم يتغيّر غم اتساع الزمان بين المقالات، بل نجده حافظ على حسّه الفطريّ في التوجه المباشر في الحديث، بالإضافة إلى روح الدعابة التي تجعل المقال طريفاً قريباً من القارئ.

من عناوين مقالات الكتاب: وقفة عند ريع اللصوص، دفاعٌ عن الأصمعي، لونٌ من الترف العقلي، من هو العربي؟، اقتراحٌ في التعليم، كيف كنّا وكيف صرتم، آفة اللغة هذا النحو، طه حسين في الميزان. وغيرها من المقالات الثرية فكراً ومعنى.

صدرت الطبعة السادسة من الكتاب عام 2021، عن دار المنارة، ويقع في 315 صفحة من القطع المتوسط، وهو كتابٌ -كسائر مؤلفات الشيخ- مفيدٌ مسلٍّ تكمن قيمته في الأثر الجميل التي يتركه في نفس القارئ عند الفراغ منه.



 


رد مع اقتباس
قديم 04-28-23, 08:02 AM   #221
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  يوم أمس (07:45 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



العرب وجهة نظر يابانيه - نوبواكي نوتوهارا
يقول المؤلف أن خبرة أربعين عاما تابع فيها الرواية العربية هي التي دفعته إلى تقديم بعض الأفكار والانطباعات عن الشخصية العربية، وقد عرض المؤلف جوانب الشخصية العربية وسلبياتها حسب فهمه ودراسته للمجتمع العربي. ولذا يؤكد نوتوهارا أن ما توصل إليه من قناعات وآراء كانت وليدة تجربته الذاتية وليس تأثرا بأفكار وقوالب سابقة.
قضى الكاتب حوالي أربعين سنة -إلى فترة تأليفه للكتاب- باحثا في اللغة العربية وآدابها. عاش مدة في مصر ومدة أخرى في سوريا وقد عاش في المدينة والريف والبادية. قضى تسعة عشر عاما مركزا على ثقافة البدو في المجتمعات العربية. وفي كتابه هذا يتطرق إلى بعض مشاهداته مع تحليلاته الشخصية عن المجتمع العربي من وجهة نظره كياباني.....




 


رد مع اقتباس
قديم 05-01-23, 06:37 AM   #222
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  يوم أمس (07:45 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



رواية الكراكي للكاتب الكبير حسن حميد

لايكفّ الروائي حسن حميد عن إدهاشي، وكلما قرأتُ له عملاً أزداد إصراراً على أنّه لايكتب أدباً ذي قيمةٍ جُلّى فحسب؛ بل يخلق مجتمعاً من خيالٍ محض لكنك تحسبه أنه الحقيقة كلها.

لاتعجز مقلة عين القارئ -مهما تكن حسيرةً أو كليلة- عن اكتشاف مواطن الجمال في متن النصّ وأسلوب كاتبه ونسيج لغته. فإذا خرجنا عن التشكيل الجمالي لنناقش الدلالات والإسقاطات والأسئلة الكثيرة التي تثيرها البنية السردية لرواية الكراكي، لرأينا أن بين أيدينا نصٌّ يسعى للتمرّد على الجمال ونضوج الفكرة إلى ما هو أجمل وأبدع.

في الرواية: يعيش الطفل عبد الله (عبودة) ميعة صباه رفقة أمه هدلة التي يتركها زوجها دون مبرّر ، فيكفله راعي الكنيسة الأب طانيوس الذي تُختطف زوجته في ظروفٍ غامضة ، ويستفحل حبٌّ كان مخبوءاً عن كلّ عينٍ بين عبودة وماريا ابنة طانيوس لكنّه حبٌّ مبتورٌ لايصلح لغير الثرثرة ولايدخل في طور العلاقة الجادة بسبب غياب ماريا المفاجئ المدهش .

ثم تحطّ في الضيعة قوافل الغجر، ويتنبّؤون بإيمانٍ راسخٍ يزرعه فيهم الكاهن العجوز الذي يبجّله القوم كلهم بأنّ خليفته القادم يقيم في الأرجاء وعليهم أن يجدوه ، وتظهر أمارات النبوءة على الصبي عبودة ويُشاع خبر خلافته؛ فيندلع الناس من فضاء الأرض نحوه ويملؤون عليه بيته وأمه فكانت هذه النبوءة عليهما أسوأ مجلى من مجالي الشر كآفة لكثرة ما يختلف الناس إلى بيتهم طلباً للمسة عطفٍ أو نظرةٍ ميمونةٍ من الصبي المبروك.

يتقاطع مع هذه الأحداث حكاية الزهروري ابن القرية الذي يقع فريسة حبٍّ يملأ عليه قلبه تجاه الغجرية فضّة التي يأفل وجهها الصبوح عنه وتحتجب متواريةً بين البيوت . ويختتم الكاتب الكبير حسن حميد روايته الكراكي بنهاياتٍ تعزّز هذه الغيابات وتؤكد على مرارها غير المُستطاب.

في خضمّ هذه الأحداث تبقى خراف السماء، طيور الكراكي، الأنيقة ببياضها وقوامها الممشوق حاضرةً بين البيوت وعلى ضفاف بحيرة طبرية، لاتخشى الناس ولاتهاب حضورهم، ويستغلها الكاتب لتمرير إسقاطاتٍ واضحة حول الهجرة والقضية الفلسطينية والإنتماء للبيت والوطن.

يكتب د.حسن حميد أعماله بلغةٍ كأنها القريض، لغته قصيدة غزلية هاربة من سالف الزمان، أيام أمجاد العربية، ويستخدم مفرداتٍ ومترادفاتٍ يظنها القارئ ابنة البيئة المحض، لكنّه بالعودة إلى معاجم اللغة يرى أنها فصيحةٌ من أصل اللسان العربي. على سبيل المثال: مُسمّيات أدوات الطبخ والأطعمة ومكوناتها، وهي كثيرةٌ في الرواية.

صدرت الرواية عن الهيئة العامة السورية للكتاب عام 2019 وتقع في 318 صفحة من القطع المتوسط، وهي رواية مُلهمة ناضجة بكل عناصرها. ولا أبالغ إن قلتُ حقيقةً صرت منها على قناعةٍ تامة، هي أنّني أُشفِقُ على كلّ قارئٍ لم يقرأ بعد لحسن حميد.



 


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are معطلة
Pingbacks are معطلة
Refbacks are معطلة



| أصدقاء منتدى مسك الغلا |


الساعة الآن 12:58 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.1 al2la.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
بدعم من : المرحبي . كوم | Developed by : Marhabi SeoV2
جميع الحقوق محفوظه لـ منتديات مسك الغلا